التنويريمكتبة التنويري

صدور كتاب “اللَّيل عالم موازٍ”

صدر عن مكتبة العربي ترجمة عربية لكتاب (الليل عالم مواز) من تأليف بيرند برونر وترجمة المترجم القدير محمد رمضان الكتاب يذكر انه لآلاف السنين، حددت الطبيعة إيقاعًا ثابتًا. كانت هناك الكثير من الأنشطة أثناء النهار، ولكن بعد غروب الشمس، يغرق كل شيء في عالم النوم والأحلام. فقط المخلوقات الليلية وعشاق الليل الشغوفون مثل جوته، الذين يسبحون في ضوء القمر، هم من استمتعوا بالظلام.

كان هناك دائمًا شيء تخريبي ومحظور ومثير في الأنشطة الليلية. ولكن مع اختراع الإضاءة الاصطناعية، فقد الليل أسطورته. حولت أضواء الشوارع الليل إلى نهار. “دعونا نقتل ضوء القمر” تلك كانت صيحة معركة المستقبليين، الذين رافقت حركتهم ظهور النوادي الليلية الأسطورية وصالات الرقص والملاهي.

في أيامنا هذه لا نجد الظلام الحقيقي إلا في الأماكن النائية، أو، للمفارقة، في البيئات المصطنعة التي تحول النهار إلى ليل؛ بيوت الحيوانات الليلية أو المطاعم المظلمة التي تحظى بشعبية كبيرة.

في كتاب الليل لبيرند برونر، نواجه مخلوقات ليلية غامضة وخرافات وعادات وننطلق في رحلة اكتشاف تتركنا مندهشين من الأسرار التي لا يزال الليل يحملها حتى يومنا هذا.

افتتح المؤلف الكتاب باقتباس من جيورج ليشتنبرج يقول فيه: “إن تاريخنا بأكمله هو مجرد تاريخ الإنسان اليقظ؛ لم يفكر أحد من قبل في سرد الحكاية من منظور الشخص النائم”. ثم يعرض الموضوع في أكثر من ثلاثين فصلا قصيرًا منها: عندما تغيب الشمس، حول طبيعة الليل، سكون الليل، كيف ننام، أحلام خارقة، مخلوقات القمر شمسها، الليل في روما القديمة، كيف فقد الليل ظلامه، العمال الليليون، عشاق الليل ومادحوه، سحر منتصف الليل، مخلوقات ليلية، ضوء في سماء الليل…

تضمن الكتاب أمثال ومقولات عديدة عن الليل من حول العالم منها: “عليك أن ترى الليل قبل أن تفهم النهار” آن سيكستون، “في الليل تُمسي كل قطة نمرًا” مثل إيطالي، “كل ليلة عندما أذهب إلى النوم أموت. وفي الصباح التالي عندما أستيقظ، أولد من جديد” غاندي، “لا يمكن رؤية النجوم إلا في الظلام” مارتن لوثر كينج، “أليس كل ما يلهمنا يرتدي ثوب الليل؟” نوفاليس، “لليل ألف عين، وللنهار واحدة” فرانسيس بورديلون، “لكل يوم متاعبه، ولليل متعه” جوته، “كلما أظلم الليل، زاد سطوع النجوم، وكلما عمق الحزن، زاد قرب الرب!” دوستويفسكي.

يحكي لنا الكاتب عن الليل في روما القديمة قائلا: يمكننا من خلال المصادر استنتاج أن الحياة الليلية في روما كانت مزدحمة مثل مدن اليوم. لكن هذا الازدحام لم يكن مستمرا. سقطت المدن الأوروبية في العصور الوسطى في نوع من نوم الشفق بعد انحسار ضوء النهار. من ناحية أخرى، كانت روما تضج بالحياة. تعلق هذا في البداية بوقت وصول العربات ليلاً؛ ومنذ عهد قيصر، مُنعوا من القيادة أثناء النهار. كانت الليالي طويلة والدعارة منتشرة أيضًا، على سبيل المثال بيوت الدعارة حول سيرك مكسيموس وفي منطقة سوبورا المعروفة بحياتها الليلية المفعمة بالحيوية. تمامًا كما هو الحال اليوم، تعد العاهرات غير شريفات، لكن ارتياد بيوت الدعارة لا يضر بسمعة الشخص الاجتماعية. هناك إشارات إلى البغايا الذكور، ما يسمى بويريميرتوري، لكنها قليلة في الأدبيات. أطلقت باللاتينية كلمة “نوكس فيدوا” على تلك الليلة التي تقضيها “أعزب”، أي بدون إمكانية لممارسة الحب. وقد اتهم أوفيد المستفز دائمًا قرائه بالنوم طوال الليل باعتباره مضيعة للوقت: “تعيس من يستطيع الاستراحة طوال الليل ويحسب النوم نعمة عظيمة. أيها الأحمق، ما النوم إن لم يكن مجرد صورة للموت البارد؟ سوف يمنحك القدر وقتًا طويلاً للراحة”. يقدم أميانوس مارسيلينوس بعض التفاصيل حول هذا الأمر في كتابه التاريخ الروماني: “يقضي بعض الفقراء والوُضعاءُ الليل في حانات النبيذ، وكثير منها تحت مظلات المسارح، التي أقامها كاتولوس خلال فترة حكمه الأرستقراطية تقليدًا للترف الكامباني. ويتجادل آخرون حول لعبة النرد، فيسحبون أنفاسهم من فتحات أنوفهم ويصدرون أصواتًا رهيبة ويصرخون بصوت عالٍ”. لقد خرجت مجموعة من الناس تمامًا عن القالب المعتاد؛ وهم لوسيفوجاي، أولئك الذين فروا باستمرار من ضوء النهار. وقد ذكرهم سينيكا في رسالته رقم 122. على سبيل المثال، يقوم سيكستوسبابينيوس بالأعمال المكتبية والتمارين البلاغية في المساء، ثم يذهب للتنزه ليلاً. وفي الصباح التالي يحصل أخيرًا على وجبته الرئيسية. بالطبع، كل هذا غير ضار مقارنة بما ينغمس فيه المترفون، وحتى الفاسدون، أثناء الليل، الذين لم يهتموا بما تنشره ثرثرة المدينة عنهم. وقد شعر بالرعب منهم المؤرخ الموسوعي فارو، الذي عاش قبل سينيكا بمائة عام: “يقضون لياليهم في الشهوة والسكر، ونهارهم في اللعب والنوم”.

بيرند برونر، درس في برلين وسياتل وهو مؤلف عدد من الكتب. صدر له: اختراع الشمال – تاريخ ثقافي لاتجاه (2019)، عندما كان الشتاء لا يزال شتاءً – تاريخ موسم (2016)، هوس الطيور – تاريخ شغف خاص (2015)، فن الكذب – دليل طريقة الحياة الأفقية (2012).

محمد رمضان حسين، كاتب ومترجم، خريج قسم اللغة الألمانية بجامعة الأزهر، ومدرسة نماء للتنمية المستدامة. يعمل منذ 2007 كمُترجم حر، شارك بأوراق بحثية في مؤتمرات دولية للترجمة. من ترجماته: “التحدي الصيني، أثر الصعود الصيني في حياتنا”، اقتصاد سياسي؛ فولفجانج هيرن. “ملحمة الذئاب”، رواية؛ كيتي ريشايس. “نار حَيَّة، قصة حب ميلينا يسنسكا”، سيرة؛ ألويس برينتس. “عصر الضبابية – سنوات الفيزياء الساطعة والمظلمة”، تاريخ علوم؛ توبياس هورتر.

كتاب الليل؛ عالم موازٍ

تأليف: بيرند برونر

ترجمة: محمد رمضان حسين

إصدار: دار العربي للنشر والتوزيع 2025


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد