ازداد مؤخرا تداول مفردة “التطبيع” وتم استخدامها إعلاميا بكثافة دون رسم حدود واضحة لمعالم المفردة. مفردة “التطبيع ” المتداولة حاليا هي استجلاب ناتج عن ترجمة مصطلح “Normalization” من اللغة الإنجليزية. وقبل معالجة معنى تطبيع المشتقة من جذر “طبع” عربيا سنقوم أولا بالبحث في معنى “Normalization”. تشير مفردة “Normalization” (والمترجمة الى اللغة العربية ب “التطبيع”) إلى العمليات الاجتماعية التي يتم من خلالها اعتبار الأفكار والأفعال “طبيعية” وتصبح من المسلمات أو “طبيعية” في الحياة اليومية، مقابل تصنيف أفكار أو سلوكيات أخرى بغير طبيعية أو مرغوبة. في النظرية الاجتماعية، يظهر مفهوم التطبيع في أعمال المفكر الفرنسي ميشال فوكو (ت. 1984) Foucault, M. (1975)).
عبر حفرياته التاريخية عالج الفرنسي مفردة ” التطبيع ” ثم قام بربط المفردة مع مسار ولادة “الدولة”. سأختصر مجمل أطروحة ميشال فوكو عندما شرح هوية الدولة على أنه كيان قائم على السيطرة. ولكي تتشكل “كينونة الدولة” (هويتها) كان إلزاميا على ساكني المساحة الجغرافية التي تتسيد عليها من أن يجربوا نوع وحجم نفوذ الدولة عليهم. الأداة التي تستطيع الدولة من فرض هويتها من خلالها عبر سن القوانين أو اجراء عملية ضبط قانوني وهذا الضبط يأتي عبر تأديب للمشاغبين غير المنضبطين. “الدولة” عند ميشال فوكو هو ذلك الكيان الذي يسن القوانين لتنظم الحياة وضبط ايقاعها من خلال اخراج الانسان من ممارساته القبلية أو الفلاحية أو العداتية التي تنتهك سيادة الدولة الى تلك المتطبعة بهوية الدولة القانونية.
في كتابه ذائع الصيت ” المراقبة والمعاقبة – ولادة السجن” حسابات فوكو ( [1] ) عالج فكرة التطبيع كواحدة من مجموعة من التكتيكات لممارسة أقصى قدر من السيطرة الاجتماعية مع الحد الأدنى من إنفاق القوة. يسميها فوكو “السلطة التأديبية”. وفي هذا السياق استخدم فوكو مصطلح التطبيع. فإن التطبيع ينطوي على بناء معيار مثالي للسلوك – على سبيل المثال، الطريقة المناسبة وبشكل مثالي معادات المفكرين والمدارس الفكرية التي تعاديهم السلطة وموالاة من تواليهم السلطة، وما إلى ذلك، كما هو محدد بالتفصيل – ثم مكافأة الأفراد أو معاقبتهم بناء على عملية التطبيع. يذكر فوكو أن السلطة التأديبية ظهرت من خلال التطبيع على مدار القرن التاسع عشر، وأصبحت تُستخدم على نطاق واسع في الثكنات العسكرية والمستشفيات والمصحات والمدارس والمصانع والمكاتب وما إلى ذلك، وبالتالي أصبحت جانبًا حاسمًا في البنية الاجتماعية في المجتمعات الحديثة.
أيضا حول مفردة “Normalization” كتب كل من “آدم بير” و “جوشوا كنوب” (Bear, A., & Knobe, J. (2017, January 28).) من جامعة ييل الأمريكية، وهما متخصصان في دراسات “التطبيع”، مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز:
أن الناس يميلون إلى طمس ما هو “مرغوب فيه” وما هو متوسط في “حكم واحد غير متمايز للحياة الطبيعية”. وجادلوا بأنه، مع استمرار قيام الساسة بأشياء كان من الممكن اعتبارها غريبة في السابق ، فإن هذه الإجراءات لا يُنظر إليها على أنها نموذجية فحسب – بل تُعتبر طبيعية أيضًا. إن تصورنا عن الطبيعي لا يفصل بين الطبيعي والمثالي. لذلك، كلما أصبحت تصرفات الساسة مألوفة أكثر، أصبح أكثر قبولًا لأولئك الذين رفضوا أفعالهم في البداية. ([2])
وجدت الأبحاث التي أجريت في السنوات الأخيرة أنه يمكن تطبيع العديد من السلوكيات والمواقف الأخرى بسهولة واضحة – وليس فقط في السياسة. في كل مجال من مجالات حياتنا – سواء كان ذلك في العمل أو في المنزل – يمكن أن يكون للتطبيع تأثير معقد ولكنه خفي على معتقداتنا وقراراتنا.
بخصوص اللغة العربية نجد أن مفردة تطبع تُشْرح على أنها:
تَطَبَّعَ: (فعل
تطبَّعَ بـ يَتطبَّع ، تَطبُّعًا ، فهو مُتطبِّع ، والمفعول مُتطبَّع به
تَطَبَّعَ بِطِبَاعِ قَوْمِهِ : تَخَلَّقَ بِأَخْلاَقِهِمْ
تَطَبَّعَ الكَأْسُ بِالْمَاءِ : اِمْتَلأَ وَفَاضَ بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ.
(مجمع اللغة العربية. (1984). المعجم الوسيط. القاهرة: مجمع اللغة العربية.)
ولو استجلبنا القضية الفلسطينية الإسرائيلية الخليجية.
طبعا إنني أفترض أن التطبع مع إسرائيل يعني فتح الخليج لكل إسرائيلي سواء أكان فلسطينيا أم يهوديا؟
فنعلم أن هناك فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية. فهل سيتطبع الخليجي أيضا مع الفلسطيني (المسلم أم المسيحي) من إسرائيل؟ أم فقط مع اليهودي البولندي أو الأكراني أو البريطاني أو الروسي أو الأمريكي من إسرائيل؟ ثم هناك من هم مؤمنون بالأيدولوجية الصهيونية العلمانية المتوشحة برداء ديني. وهي على اختلاف عميق مع يهود غير صهاينة. الأيدولوجية الصهيونية تؤمن بابتلاع مساحات عربية شاسعة. فهل يمكن للعربي التطبع مع شخص يريد أن يبتلع أراضيه؟
بأخلاق من سيتخلق الخليجي؟ فهويات كل شريحة من الشرائح الفلسطينية/اليهودية مختلفة؟ كما هل التطبع المطروح هو ذو إتجاه واحد أم ذو إتجاهين؟ هل سيتطبع الفلسطيني من إسرائيل أم اليهودي من إسرائيل بطباع الخليجين أيضا؟
ومن ثم مع طباع أي من الدول الخليجية سيتطبع؟
“التطبيع” هكذا هو مقدمة لعنوان أكبر اسمه الإندماج. فهل الغاية من التطبيع هو الإندماج؟
وهل الإندماج حرية إختيارية أم إكراهية قسرية كما شرح ميشال فوكو في كتابه ” المراقبة والمعاقبة – ولادة السجن”.
التعدد الثقافي الجسور الثقافية
في حين أن “التجاور الثقافي” جزء من أطروحة التعدد الثقافي. والتجاور الثقافي لا يطالب بالتطبيع ولا الإندماج. بل يطالب بترك حق الوجود والعيش لتلك الكينونة الثقافية.
فما هو المقصود بالتطبيع الخليجي؟ هل تم إستخدام مفردة خاطئة في حين أنهم يقصدون حق الحياة لكينونة ثقافية يهودية مجاورة لكينونياتنا الثقافية؟ بناء الجسور بين الثقافات المتجاورة هي مرحلة تلي مرحلة تقبل حق التعايش بين كنونات ثقافية في بيئة متعددة الثقافات. فهل المقصود من التطبيع بناء جسور ثقافية تسمح للمسلم الخليجي من العبور عبر هذا الجسور للتعرف على مكونات الكينونة الثقافية اليهودية كمتفرج دونما فرض عليه التخلق بأخلاق اليهود؟
إذا كان هذا المقصود ؟ فقد تم استخدام تعبير “التطبيع” خطأ. فالمقصود هو بناء جسور ثقافية وليس التطبيع.
من الواضح أن معالجة فكرة “التطبيع” تحتاج الى مراجعات كبيرة ثقافيا ودينيا وسياسيا ومجتمعيا واقتصاديا.
الهرولة من الصفر الى عشرة في مواضيع ذات طابع عميق لا يصنع التطبيع بل يصنع تَصَنّع التطبيع وهناك فرق شاسع بينهما.
التطبيع البنيوي (Structuralist Normalization)
في الفكر البنيوي يعني النظر إلى الواقع من خلال بنية ثابتة تحدد العلاقات بين العناصر، مثل الأنا والآخر، أو نحن وهم. ويُعتبر أن الفكر البنيوي يعتمد على التضاد والتمييز بين هذه العناصر، بحيث يتم تحديد الهوية أو المعنى من خلال ما هو مختلف أو مضاد. وفقًا لهذه الرؤية، قد تكون فكرة الانفتاح أو “التطور” صعبة، لأن الفكر البنيوي لا يعترف بالتحولات أو التداخلات بين الهويات أو الأنظمة، بل يعزز حدود الفصل والتضاد. (Christensen, T. R. (2019).)
أما بخصوص التطبيع، فالفكر البنيوي لا يساهم في “التطبيع” بمعنى تسوية أو توازن بين العناصر المتناقضة. بالعكس، فهو يشير إلى التباين والصراع بين الهويات أو الأفكار. في هذا السياق، فإن فكر “التطبيع” الذي يهدف إلى التوفيق بين الاختلافات قد يكون صعبًا أو مستحيلًا ضمن الإطار البنيوي ([3]). (Bourdieu, P. (1990).)
إذًا، من خلال الفكر البنيوي، يمكن استكشاف التضاد والتناقض بين الأجناس أو الثقافات أو الهويات، ولكن “التطبيع” في المفهوم الذي تعنيه (أي إنشاء وحدة أو توافق بين هذه العناصر) قد يكون خارج نطاق هذا الإطار.
التطبيع المنولوجي وفقًا لبختين:
هناك أطروحات كثيرة أسس لها الروسي Mikhail Bakhtin ميخائيل بختين (1895-1975) . يمكن تطويع أفكار بختين في دراسات التطبيع خصوصا عبر أطروحتيه منولوجيا “Monology” ([4]) و ديالوجيا “dialogism” ([5]) . سنستحدث من أفكار ميخائيل بختين مفهومين التطبيع المنولوجي والتطبيع الديالوجيكي.
فيما يتعلق بـ التطبيع المنولوجي، يرتبط هذا المفهوم بالفكر التقليدي الذي يركز على صوت واحد أو وجهة نظر واحدة، حيث تتحدث الذات (أو الموضوع) بشكل أحادي. وفقًا لبختين، المنولوجية تعني أن الفكر لا يصغي إلى الأصوات أو الآراء الأخرى، بل يظل محصورًا في داخله. الفكر المنولوجي يعتبر الذات كيانًا مغلقًا يتحدث أو يفكر بمعزل عن تأثيرات البيئة أو الآخرين. في هذا السياق، يعزز هذا النوع من الفكر التأكيد على المركزية الفردية والتمركز حول الذات.
الثقافة الديالوجيكية والتطبيع الديالوجيكي :
ميخائيل بختين يعرض بديلًا لهذه الرؤية من خلال الثقافة الديالوجية، التي تركز على التفاعل بين الأصوات المتعددة، والتي لا تقتصر على الذات فقط. وفقًا لبختين، الديالوجية تقوم على أن الحوار والتفاعل بين الأصوات المتنوعة هو جوهر الفهم البشري والتطور الثقافي. في الثقافة الديالوجية، تكون الأصوات المتعددة ذات قيمة ويتم استماعها، وهذا يعزز فكرة أن الحقيقة والتفاعل الثقافي يتشكل من خلال تبادل وجهات النظر المتعددة. بمعنى آخر، التطبيع الديالوجيكي لا يُعتمد فيه على صوت واحد فقط، بل على عملية مستمرة من التفاعل والتفاوض بين الأصوات المختلفة، ما يعزز فكرة المجتمع التعددي.
المجتمع البلوفونيك:
المجتمع البلوفونيك الذي يقدمه بختين هو مجتمع متعدد الأصوات، حيث تتعايش وتتكامل مجموعة من الأصوات المختلفة التي تعبر عن هويات وآراء متنوعة. في هذا المجتمع، يشترك الأفراد في “سيمفونية” جماعية من الحوار والتبادل الثقافي، بحيث لا يكون هناك صوت واحد مسيطر أو هامشي، بل تتداخل الأصوات وتشكل نسيجًا غنيًا من التنوع.
التطبيع البلوفونيك الديالوجي:
التطبيع البلوفونيك الديالوجي، كما يمكن أن نطلق عليه، هو نظرة حديثة تُبرز تطورًا في التفكير الاجتماعي والثقافي، حيث يسمح لكل الأصوات بالظهور والتفاعل بشكل حر. هذا النموذج يقدم بديلًا عن الفكر التقليدي الأحادي، ويعكس تحولًا نحو التعددية والاحترام المتبادل للآراء المختلفة. يساهم هذا النموذج في خلق بيئة ثقافية تسمح للجميع بالمشاركة وتبادل وجهات النظر، مما يعزز الفهم المشترك والتنمية المستدامة للمجتمعات.
الحاجة إلى البحث:
البحث في التطبيع البلوفونيك الديالوجي يتطلب تحليل كيفية تأثير الثقافات المتنوعة في تشكيل المجتمعات المعاصرة. من خلال استكشاف هذه الفكرة، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل كيف يُمكن للمجتمعات الحديثة أن تتبنى الحوار الفعّال وتفتح المجال للأصوات التي كانت مهمشة أو غير مسموعة في السابق. هذه الدراسة ستكون ذات أهمية خاصة في مجال علم الاجتماع، الفلسفة، وعلم الثقافة، حيث يمكن أن تسهم في تعزيز الفهم حول كيفية بناء المجتمعات الداعمة للتعددية الثقافية والاحترام المتبادل بين الأفراد.
إذن، يمكن القول أن التطبيع البلوفونيك الديالوجي يمثل تحولًا فكريًا هامًا يعكس الحاجة إلى الانفتاح والتفاعل بين الأصوات المختلفة في مجتمعاتنا الحديثة.
هذه حجرة فكرية رميتها في بحيرة دراسات التطبيع كان القصد منها أشكلة الموضوع ورفع رصيد الأسئلة الشاغرة في أذهاننا عسى ولعلى يتمخض عنها جدل فكري متزن.
المصادر
Bakhtin, M. (1981). The Dialogic Imagination: Four Essays (M. Holquist, Ed., C. Emerson & M. Holquist, Trans.). University of Texas Press.
Bakhtin, M. (1984). Problems of Dostoevsky’s Poetics (R. W. Rotsel, Trans.). University of Minnesota Press.
Bourdieu, P. (1990). The logic of practice. Stanford University Press.
Christensen, T. R. (2019). Theories of international norm contestation: Structure and outcomes. Oxford University Press.
Foucault, M. (1975). Discipline and Punish: The Birth of the Prison (A. Sheridan, Trans.). New York, NY: Vintage Books.
Holquist, M. (1990). Dialogism: Bakhtin and His World. Routledge.
Bear, A., & Knobe, J. (2017, January 28). The normalization trap. The New York Times.
الهوامش
[1] “المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن” – تحليل لنظم العقاب الحديثة يعد كتاب *المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن* للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عملًا تحليليًا عميقًا يستكشف تطور نظم العقاب في المجتمعات الغربية. يركز الكتاب على التحول الجذري الذي حدث في أساليب العقاب، من العقوبات البدنية العنيفة والعلنية التي كانت شائعة في العصور الوسطى إلى نظم السجن الحديثة التي تعتمد على المراقبة والانضباط. يقدم فوكو تحليلاً تاريخيًا وفلسفيًا لتطور هذه الأنظمة، مبينًا علاقتها بالسلطة والمعرفة وآثارها على تنظيم المجتمعات الحديثة. التحول من العقوبات العلنية إلى السجن: في العصور الوسطى، كانت العقوبات تُنفذ علنًا كوسيلة لترهيب المجتمع وترسيخ قوة الدولة. كانت هذه العقوبات تتجسد في مشاهد تعذيب وإعدام علني تهدف إلى استعراض السلطة أمام العامة. ومع نهاية القرن الثامن عشر، بدأ التحول نحو السجون كنظام عقابي مركزي. أصبح السجن وسيلة تهدف إلى إصلاح السلوك البشري وتنظيم الأفراد، بدلًا من الاقتصار على معاقبتهم جسديًا. الانضباط والمراقبة كنظام للتحكم: يطرح فوكو مفهوم “الانضباط” كأداة أساسية للتحكم في السلوك الإنساني في المؤسسات المختلفة، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع. يمثل نموذج “البانوبتيكون”، الذي صممه جيريمي بنثام، مفهومًا مثاليًا للمراقبة الشاملة، حيث يشعر الأفراد أنهم تحت المراقبة الدائمة، مما يدفعهم إلى ضبط سلوكهم ذاتيًا. هذه المراقبة المستمرة لم تعد تعتمد على الإكراه العلني، بل أصبحت أداة لتحويل الأفراد إلى عناصر منضبطة ومطيعة. العلاقة بين السلطة والمعرفة: يشدد فوكو على أن السلطة والمعرفة مرتبطتان بشكل وثيق. تُستخدم المعرفة كوسيلة لتعزيز السلطة، حيث تعمل المؤسسات على جمع البيانات عن الأفراد وتنظيمها لاستخدامها في تعزيز السيطرة. يعرض الكتاب كيف تُسهم هذه المؤسسات في تشكيل الهويات والسلوكيات بما يخدم استقرار النظام الاجتماعي. أثر التحول في أنظمة العقاب: يُظهر فوكو أن نظام العقاب الحديث قد نقل التركيز من معاقبة الجسد إلى “تأديب” العقل وتنظيم السلوك. الهدف من هذا التحول هو خلق مجتمع منضبط يسوده الامتثال والطاعة، ليس فقط عبر الوسائل القسرية، بل من خلال جعل الأفراد يراقبون أنفسهم بأنفسهم. الأهمية والأثر: يُعد كتاب *المراقبة والمعاقبة* أحد النصوص الأساسية لفهم تطور أنظمة العدالة الحديثة. أثر الكتاب بشكل كبير في مجالات علم الاجتماع، ودراسات القانون، والفلسفة السياسية. من خلال تحليله الدقيق، يكشف فوكو أن العقوبات ليست مجرد أدوات قانونية، بل وسائل لتحكم السلطة في المجتمعات وضمان استمرارية النظام.
[2]) ملخص مقال “فخ التطبيع” بقلم آدم بير وجوشوا كنوب في مقالهما *فخ التطبيع*، يناقش آدم بير وجوشوا كنوب الظاهرة النفسية التي يخلط فيها الناس بين ما هو شائع وما هو مثالي أو مقبول أخلاقيًا. يوضح المؤلفان كيف أن الأفراد غالبًا ما يرون السلوكيات والاتجاهات “طبيعية” فقط لأنها واسعة الانتشار، مما يؤدي إلى افتراض خطير بأن هذه السلوكيات مرغوبة أخلاقيًا أو اجتماعيًا. من خلال سلسلة من التجارب النفسية، يُظهر بير وكنوب أن هذا الانحياز المعرفي يمكن أن تكون له عواقب كبيرة. فعلى سبيل المثال، عندما يلاحظ الناس أن السلوكيات السلبية، مثل عدم الأمانة أو التلوث، أصبحت أكثر شيوعًا، فقد يبدؤون في اعتبار هذه الأفعال مقبولة أو حتمية. ويمكن أن يؤدي هذا التصور الخاطئ إلى دورة مستمرة يتعزز فيها تطبيع الممارسات الضارة كمعايير اجتماعية.
يجادل المؤلفان بأن إدراك “فخ التطبيع” ضروري لفهم أكثر وعيًا لما يشكل القيم المجتمعية المرغوبة. ومن خلال التمييز بين ما هو شائع وما هو مثالي، يمكن للأفراد وصانعي السياسات تحدي المعايير الضارة وتعزيز السلوكيات والممارسات الأكثر أخلاقية. يؤكد المقال على أهمية الانخراط النشط والتفكير النقدي لمقاومة القبول السلبي للاتجاهات المنتشرة ولكن غير المرغوبة.
[3] بيير بورديو (Pierre Bourdieu ناقش في أعماله مثل “التفكير الاجتماعي” (Social Theory) كيف يمكن أن يكون للفكر البنيوي تأثيرات على فهمنا للهوية الاجتماعية والتباين الطبقي. في العديد من أعماله، يشير إلى أن الفكر البنيوي قد يعزز الأنماط الثابتة في الهويات الاجتماعية، مما يجعل عملية التغيير الاجتماعي والاندماج صعبة أو حتى مستحيلة.
[4] من منظور الفيلسوف الروسي ميخائيل بختين، “المنولوجي” يشير إلى شكل من أشكال الخطاب الذي يقتصر على صوت واحد أو وجهة نظر واحدة، حيث لا يكون هناك تفاعل أو حوار مع الأصوات الأخرى. في هذا السياق، يعارض بختين هذا المفهوم باعتباره يعبر عن نظرة ضيقة وغير مرنة للعالم البشري، حيث يكون الفرد محصورًا في تفكير أو خطاب منفرد لا يتفاعل مع الآراء الأخرى.
منظور بختين للمنولوجي: في الفكر البنيوي، يُعتبر المنولوجي شكلاً من أشكال الخطاب الذي يعكس هيمنة صوت واحد، سواء كان ذلك الصوت هو صوت السلطة، أو رأي فردي غير متفاعل مع غيره من الأصوات. من هذا المنطلق، يشير بختين إلى أن المجتمع الذي يعتمد على المنولوجي يعزز النمط الفردي المغلق وغير التشاركي في التفاعل الفكري.
[5] في فلسفة ميخائيل باختين، يشير “الديالوجي” إلى مفهوم التواصل والتفاعل حيث توجد أصوات ووجهات نظر ومعانٍ متعددة تشارك في علاقة ديناميكية. يركز مفهوم باختين للديالوجي على أن المعنى ليس ثابتًا أو أحاديًا، بل يظهر من خلال التفاعل والتبادل والتوتر بين وجهات النظر المختلفة. يمكن رؤية هذا التفاعل في كل من التواصل اللفظي وغير اللفظي، وكذلك في الأدب والثقافة.
بالنسبة لباختين، يعتبر الحوار أساسيًا في فهم الوعي البشري والثقافة والحياة الاجتماعية، حيث يعكس تعددية الأصوات والتفاعل المستمر بين الأفراد وبيئاتهم. وقد جادل بأن الإنسان يتشكل ويتأثر من خلال المحادثات والتبادلات المستمرة التي يخوضها مع الآخرين، وأن المعنى ينشأ في هذه التبادلات، بدلاً من أن يُفرض من قبل صوت واحد موثوق.
يركز باختين على الديالوجي كمفهوم يتحدى فكرة السرد أو وجهة النظر الأحادية والموثوقة، مؤكدًا بدلاً من ذلك على نهج متعدد ومرن للتواصل والفهم.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.