بالرغم من مرور عقود على مشروع السد العالي الذي نفذ في جنوب مصر علي نهر النيل، إلا أن هذا المشروع الضخم لا يزال يداعب خيال المصريين لضخامته وفوائده العائدة على المصريين، وائل السمري الصحفي الشغوف بالفنون والأدب قدَّم لنا رواية جديدة قائمة على وثائق عثر عليها، يروي في رواية ( لعنة الخواجة ) التي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية، رواية جديدة حول متى بدأت فكرة السد ومن هو صاحبها، بطل الرواية هو:
أدريان دانينوس (معظم الأحداث يظهر فيها من سن 60 سنة إلى 89) مهندس زراعي مصري من أصل يوناني، في منتصف الثمانين، أنيق، يرتدي دائما البدلة الكاملة، ويمسك بيده عصا ذات يد عاجية، ولد وتربى في الأسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة في شبابه، التي حصل منها على دبلومة الزراعة، ثم سافر إلى باريس ليحصل على دبلومة القانون، تغلب عليه سمات العبقرية من حيث الذكاء والحماس والاندفاع، واسع الثقافة يقرأ في كل شيء وخاصة الاختراعات الحديثة، والفلسفة، جاد جدا بحماس يقترب من الجنون، لا يقبل أنصاف الحلول في أبسط الأشياء وأعقدها.
يحلم بأن يمتلك كل مصري بيت وغيط ومن أجل هذا فكر في إنشاء مشروع السد العالي، يحب مصر إلى حد الجنون، وأنفق عمره كله من أجل تقدمها، ولهذا كان أول المحاولين لاستخدام الطاقة الشمسية، واستخلاص المعادن من الرمال السوداء، وزراعة الساحل الشمالي، وإصلاح الأراضي البور، واعتماد تقنية الصرف المغطى، وإنشاء “بيت وغيط لكل فلاح”
متزوج من جيسي ويليامز السيدة الإنجليزية الوفية التي تضحي معه وتشاركه في أحلامه.
ابن عالم الآثار “ألبير دانينوس” صاحب الاكتشافات الأثرية المهمة، وصديق ميريت باشا ومساعده الأول.
ابن عم الأديب الفرنسي الشهير “بيير دانينوس” وكذلك المهندس “جان دانينوس” مخترع السيارة فيسيل الفرنسية الشهيرة، كان من الأغنياء بحكم الميراث ثم تدهورت به الأحوال بعد أن أنفق كل أمواله على مشاريعه.
مصاب بالهوس بالتأريخ والأرشفة، لدرجة أنه كان يطبع عشرات النسخ من أي خطاب يكتبه، وحينما يرسل الخطاب يحتفل بإيصال الإرسال ويرفقه بالنسخ.
عانى من أجل إقناع حكومات ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 بمشروع السد العالي، وحينما اقتنعت حكومة ما بعد الثورة عتمت على دوره ورفضت إشراكه في تنفيذ السد العالي، مات فقيرا في حادث سير عن عمر يناهز الـ 89 عاما.
رسم وائل السمري هذه الشخصية و علاقتها بمشروع السد العالي بمهارة فائقة وأعطي بذلك الرواية بعدا تاريخيا جعلنا نكتشف من خلاله الكفاح من أجل حلم يمكن أن يتحقق وجاءت أحداث الرواية علي النحو التالي:
مصادفة يعثر الصحفي المفصول من جريدته “ناصر الحسيني” على أرشيف المهندس “أدريان دانينوس” صاحب فكرة السد العالي، ومن خلال الأوراق التي يغوص فيها ناصر، نرى تفاصيل حياة “دانينوس” الذي نعرف معاناته من أجل الوصول إلى فكرة السد العالي، ومعاركه من أجل إقناع المسئولين، ثم تحقيق حلمه بعد الثورة التي تبنت الفكرة، لكنها في ذات الوقت عتمت عليه إعلاميا، فيحاول ناصر أن يكتب قصته لكي يرد له اعتباره.
المعالجة.
- “ناصر الحسيني” يعمل صحفيا في أحدى المؤسسات الصحفية الخاصة، يتورط في نشر مستندات تكشف فساد إحدى الشركات الحكومية، وهو ما يدفع الشركة إلى مقاضاته واتهامه بتزوير هذه الأوراق التي لا أساس لها من الصحة، ونعرف إنه وقع ضحية لعملية تضليل قام بها أحد موظفي الشركة لأسباب نكتشفها لاحقا، لكن جريدته توقفه عن العمل لحين الفصل في الأمر قضائيا.
- تحت ضغط الحاجة يضطر ناصر إلى بيع بعض كتبه النادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحينما يجد أن هذه العملية تحقق بعض المكاسب يتحول إلى تاجر للكتب القديمة، يشتريها من الأسواق وبائعي الروبابيكيا ويبيعها على مواقع التواصل الاجتماعي.
- بالمصادفة يعثر ناصر على مكتبة المهندس الزراعي المصري اليوناني “أدريان دانينوس” ويعرف للمرة الأولى أن هذا الرجل هو صاحب فكرة إنشاء السد العالي، وفاجئ بخطاباته إلى الحكومات المصرية المتعاقبة قبل ثورة يوليو وبعدها، وإلى المنظمات الدولية، فيقرر أن يشتري هذه المكتبة والأوراق بالأموال التي كان يدخرها لتسديد مصروفات المدرسة لابنتيه لأنها ثروة وطنية.
يبدأ ناصر في قراءة الأوراق ويكتشف أن بها الكثير من المعلومات المهمة عن حياة أدريان دانينوس، في أواخر أيامه وكيف عاش فقيرا مريضا وحيدا، لا يجد من يساعده على المعيشة، ثم يجد بعضا من مذكراته التي يتخيل فيها أنه يتحدث إلى أبيه الميت، حيث يبدأ في الشرح إلى أبيه ما الذي حدث له بعد أن مات سنة 1925، وكيف حاول أن يحقق مشروعاته مثل استخدام الطاقة الشمسية، واستخلاص المعادن من الرمال السوداء، وزراعة الساحل الشمالي، وإصلاح الأراضي البور، وإنشاء “بيت وغيط لكل فلاح” وشقاؤه في أن يجد مناصرا لمشاريعه، وحرص الجميع على السخرية منه أو إسكاته، لكنه سيتكلم ويكشف الحقيقة للجميع.
- يقع ناصر في أزمة كبيرة نتيجة إنفاقه كل ما لديه من أموال على شراء المكتبة، لكن زوجته الوفية تقف بجواره في هذه الأزمة وتسانده، وفي ذات الوقت تتفاقم أزمته الصحية وتتواصل آلام ظهره المصاب بانزلاق غضروفي شديد، فيضاعف من تناوله لأقراص المسكن الذي وصفه له الطبيب.
- يصبح ناصر مهووسا بقصة حياة هذا الرجل وتفاصيلها المدهشة، ويقرأ في المذكرات التي تعرض لنا كيف وجد دانينوس فكرة إنشاء السد العالي حينما كان يريد أن يبحث مشروعه لكهربة خزان أسوان من أجل إنشاء مصنع للسماد، فيكتشف بالمصادفة أن بأسوان حوض ماء طبيعي يصلح لإقامة سد مهول يكفي لحجز 160 مليار متر مكعب من المياه، وفي هذا التوقيت يعمل دانينوس مع شركة مقاولات لكي تنفق على مشاريعه على مسئوليته الخاصة.
- تتوتر علاقة ناصر بزوجته وتمر بمنعطف خطير نتيجة تفاقم الأزمات المالية وانغماسه في القراءة والكتابة عن دانينوس، كما تؤثر العقاقير التي يتناولها على حالته الذهنية فتظهر عليه أعراض الهلوسة، في ذات الوقت يظهر دانينوس وهو يجاهد من أجل التوصل إلى مناسيب المياه في أسوان، لكن وزارة الأشغال العمومية تتعنت في التعاون معه. وفي ذات الوقت تيأس شركة المقاولات التي يعمل بها دانينوس من مواصلة العمل معه وتطالبه برد المبالغ التي أنفقها.
- يتعرف دانينوس على التاجر الإيطالي “لاجانا” الذي يقنعه بأن يستعين بمهندس السدود العالمي “جاليولي” على أن يتحصل منه على عمولة إذا ما تم الاتفاق بينهم.
- تصدر المحكمة حكمها الابتدائي بسجن ناصر لمدة 10 سنوات، وهو ما يؤثر عليه بالسلب ويقرر أن يطلق زوجته لكي لا تصبح زوجة سجين وتتعرض هي وابنتيه إلى وصمة المجتمع، وفي ذات الوقت يعرض عليه استاذة جمال الريس وصديقه “إبراهيم جاسم” أن يذهبوا إلى محامي شهير ليترافع عنه بدلا من محاميه القديم الذي فشل في إقناع المحكمة ببراءته.
- لا يجد دانينوس أموالا من أجل أن استضافة “جاليولي” فتقرر زوجته “جيسي” أن تختلس بعض الأموال من أبيها، لكي تنفذ مشروعه، وهو ما يحدث بالفعل، بينما تقاضيه شركة المقاولات التي كان يعمل بها لكي يرد الأموال، فيحاول أن يقنعها بالصبر قليلا حتى ينتهي من تجهيز دراساته مع “جاليولي” ويعرضها على الحكومة على أمل أن تسند إليه تنفيذ المشروع.
- ما أن يأتي “جاليولي” إلى القاهرة، حتى يسافرا معا إلى أسوان لمعاينة المكان الذي حدده دانينوس ولرفع المناسيب اللازمة للبدء في المشروع، لكنه يفاجئ بأن جاليولي غير جاد في العمل، وفي ذات الوقت تتصل به زوجته وتخبره أن أباها علم بأمر اختلاسها للأموال وأصيب بذبحة صدرية.
- يشتد صراع ناصر مع ضميره، ما بين أن يبيع مكتبة دانينوس لينفق منها على أسرته، وأن يعكف على مشروعه وينتهي من سرد قصة حياته، وحينما تجد زوجته أنه يهتم بحياة دانينوس ويعاني من ترجمة بعض أوراقه المكتوبة باللغة الفرنسية تعرض عليه أن تعرفه على صديقتها “كوثر” ذات الأصول المغربية، لكن ما أن يتعرف عليها حتى تشعر بالغيرة منها، وفي ذات الوقت يكتشف ناصر أن المذكرات غير كاملة، وعليه أن يكتشف بقية تفاصيل حياة دانينوس من خلال الأوراق التي يجتهد في تصنيفها والربط بينها ليكون صورة كاملة.
- تحت ضغط العقاقير التي يتناولها ناصر دون أن يعلم آثارها السلبية، ومع تفاقم أزمته المالية تسوء أخلاقه مع زوجته، حتى يشتعل الصراع بينهما حينما تعبث أحدى بناته بأوراق دانينوس، فيهجم عليها ويعنفها، وحينما تحاول زوجته أن تمنعه من تعنيف ابنته، يضربها فتترك له المنزل وتذهب لتقيم مع أمها.
- بعد أن تترك “عالية” ناصر يعيش في حالة اكتئاب شديد، وهو ما يدفعه إلى الانتحار وهنا يظهر له أدريان دانينوس نفسه ليمنعه من الانتحار، ويخبره أنه لا يستطيع أن ينتحر إلا بعد أن يروي له قصته كلها، وحينما يتشكك في أنه أصيب بالجنون، يقنعه دانينوس أنه مازال حيا، بل ويكشف له أن ضميره “مدحت” حي هو الآخر، ويأتي به ليعيش معهم، ثم يروي دانينوس لناصر واقعة حديثه إلى نواب الأمة في مجلس الشعب سنة 1950، التي انتهت بهجوم النواب عليه واتهامه بالجنون، ثم تطور الأمر واشتباكه مع رئيس مجلس النواب الذي يأمر بسجنه.
- في هذه الأثناء يعمل ناصر كسائق لدى شركة أوبر لكي يجد أموالا ينفق بها على نفسه، ومصادفة يقابل صديقه الطبيب النفسي “طلال فيصل” أثناء إحدى الرحلات، فيشتكي له من أنه أصبح يتحدث مع الموتى، فيقول له إن هذا أمر طبيعي وهو ما يسمى في الطب النفسي بـ”التجسيد التخليقي”
- يروي دانينوس لناصر تفاصيل ما حدث بعد رحلة أسوان مع جاليولي وكيف أنقذ محمود طاهر باشا الموقف قد تكفل بمصاريف العلاج، وأن صديقيه “النحال والرملي” ساعدا زوجته في أمر مرض والدها، وهو ما يدفع دانينوس إلى بيع جزء من قطعة أرض من ميراثه لتسديد ديونه، ويبقى على الجزء الآخر لوقت آخر، وتطالبه شركة المقاولات برد ما عليه من أموال فلا يجد معه ما يكفي لتمويل المشروع وتسديد الديون فيتخلف عن التسديد، وهنا تحرك الشركة القضية.
- في ذات الوقت يفاجئ ناصر بجاره “سمير المهندس” يطرق على بابه ليخبره بأن ابنته تعرضت إلى حادث سير، وحينما يذهب إلى ابنته يجدها في مستشفى القبطي ويفاجئ بأن زوجته تعامله بطريقة سيئة فيشك في أمرها، وحينما يأتي له أمين الشرطة ليدون أقواله في حادث ابنته يتشاجر مع أمين الشرطة فيحبسه.
- في الحبس يروي دانينوس لناصر أنه حاول أن يراسل جاليولي لكي يتم معه المشروع لكنه تهرب منه وتنصل من مهمة رفع مناسيب وادي النيل بعد أسوان، وأثناء بحثه يعثر دانينوس على هذه المناسيب بوزارة الأشغال العمومية، فيرسلها لجاليولي لكي يتم الدراسات فيتهرب أيضا، لكنه لا ييأس بيراسل مجموعة من أهم العلماء في السدود في العالم ويأتي بهم لكي يثبوا صحة الفكرة على حسابه الخاصة، ويشكل بهم “نقابة وادي النيل الدولية” ليجبر اللحكومة على الاستماع إليه، ويخوض معركة مع النقراشي باشا الذي رفض استقباله فيقرر أن يحرر دعوى قضائية ضده.
- يأتي خطاب إلى دانينوس من مجلس الوزراء بأن النقراشي باشا مستعد لاستقباله للاتفاق معه على مشروعه، وهو ما يسبب سعادة كبيرة له، لكن حينما يذهب يكتشف أن الخطاب أتى إليه بالخطأ وأن المقصود شركة أخرى.
- يروي دانينوس لناصر قصة لقائه بالنحاس باشا زعيم الوفد الذي وعده بأن يتفذ المشروع إذا ما وصل الوفد إلى الحكومة وحينما يتحقق هذا الأمر يتجاهله النحاس باشا، تماما، وهو ما يدفعه إلى اللجوء إلى الصحافة بمساعدة محمد طاهر باشا.
- ويروي له قصة لقائه بجمال عبد الناصر وعرض المشروع عليه وحماس عبد الناصر له، ثم يأتي المحامي ويخرجه من الحجز بعد أن تصالح مع أمين الشرطة.
- يستمر دانينوس في قص حكايته على ناصر، ويخبره بلقائه بالمهندس محمود يونس الذي أوكل إليه عبد الناصر دارسة مشروع السد العالي، كما يخبره بأن يونس كان خير داعم له في هذا المشروع، ثم يفاجئ بعقبة اعتراض وزارة الأشغال العامة على المشروع وتدخل أنور السادات الذي يجبر موظفي الأشغال العامة على دراسة المشروع بجدية.
هكذا روي وائل السمري، وهذه الرواية تتطلب منه أن ينشر في بحث علمي هذه الأوراق حتى تصبح مرجعا لتاريخ السد العالي، وإلا سيظل ما ذكره رواية أدبية ليس إلا .
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.