التنويريفكر وفلسفة

المنطق الطبيعي وصورنة الظواهر التداولية: ليكوف نموذجا

  ملخص

تعالج هذه الورقة كيف أن المنطق الطبيعي الذي اقترحه ليكوف يشكل آلية صورية لتحديد الشروط التي بموجبها نميز بين التعابير النحوية وغير النحوية، من جهة، وربط الصورة المنطقية لجمل اللغة الطبيعية بما يوافقها من بنيات سطحية، من جهة أخرى. كما أنه أداة تجريبية تمكّننا من صورنة الظواهر اللغوية، سواء كانت تركيبية أم دلالية. غير أن المنطق الطبيعي لا يقتصر على دراسة البنيات التركيبية والدلالية للغة الطبيعية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى صورنة الظواهر اللغوية ذات طابع تداولي يأخذ بعين الاعتبار دور السياق، والمقام، والذات، في تمثيل الجمل الإنشائية،والاقتضائية.

الكلمات المفاتيح: المنطق الطبيعي، الظواهر التداولية، الاقتضاء، التمثيل، الصورنة.

Abstract

   This paper examines how Lakoff’s proposed natural logic constitutes a formal mechanism for determining the conditions under which to distinguish between grammatical and non-grammatical expressions, on the one hand, and linking the logical image of natural language sentences to their corresponding superficial structures, on the other. It is also an experimental tool that enables us to visualize linguistic phenomena, whether synthetic or semantic. However, natural logic is not limited to the study of the structural and semantic structures of natural language only, but goes beyond that to the imagery of linguistic phenomena of a deliberative nature that takes into account the role of context, denominator, and subjectivity in the representation of structural and imperative sentences.

Keywords: natural logic, pragmatics phenomena, presupposition, representation, imagery.

مقدمة:

   اتخذ ليكوف المنطق الطبيعي إطارا يستند إليه في إثبات التشابه الموجود بين البنيات العميقة والصور الدلالية- المنطقية، موظفا مجموعة من الحجج التجريبية مستمدة من اللغة العادية تثبت أن الجمل التي تختلف على مستوى البنية العميقة تختلف من جهة المعنى. الأمر الذي قاد ليكوف إلى التعامل مع الأسوار كما لو كانت محمولات تحتية، مبرزا أهمية الوظيفة الدلالية للأسوار على مستوى البنية العميقة. من هنا سيعتمد ليكوف المنطق التداولي كأساس لوصف الخطاب الطبيعي؛ أي وصف الصورة المنطقية لجمل اللغة الطبيعية، كما يسمح بالتعبير عن كل التصورات القابلة لأن يعبر عنها في اللغة الطبيعية، وتحديد كل الاستدلالات الصحيحة التي يمكن أن تنجز داخل اللغة الطبيعية بشكل يتلاءم مع وصف لساني كاف لكل اللغات الطبيعية[1]. ولتحقيق هذه الغاية استند ليكوف إلى منطق المحمولات الكلاسيكي ودلاليات العوالم الممكنة في دراسته للظواهر اللغوية، خصوصا تلك التي تتخذ طابعا تداوليا، كالاعتقاد، والاقتضاء، وظواهر تداولية أخرى. 

    إن دراسة مثل هذه القضايا دراسة منطقية يتطلب في نظر ليكوف تجاوز منطق النحو الكلاسيكي إلى منطق حديث للغة الطبيعية؛ أي الخروج من التصور الكلاسيكي للنحو القائم على المنطق الأرسطي من حيث هو منطق الوجود إلى منطق طبيعي كطريقة في التفكير والاستدلال. كما يتطلب منا نسق المنطق الطبيعي استثمار أشكال منطقية ونحوية متعددة لوصف اللغة الواحدة، ويستند إلى حجج تجريبية مأخوذة من اللغة اليومية، بحيث يمكن الاحتكام إلى الوقائع والظواهر اللغوية من أجل الكشف عن تحايل اللغة الطبيعية، قصد وصف أحداث الوجود ومظاهره متوسلا بفروع من النحو، كالحال، والظرف. من هنا، تتجلى أهمية المنطق الطبيعي بالنسبة للبحث اللساني، بشكل عام، والتداوليات، بشكل خاص؛ إذ لا يمكن دراسة طبيعة اللغة الإنسانية دراسة تجريبية دون الجمع بين البنية المنطقية والبنية اللسانية، فكل التحليلات المنطقية ينبغي أن تكون من جهة اللسانيات مطابقة وكافية، والعكس صحيح[2]. كما يعمل المنطق الطبيعي على توليد الجمل النحوية وربطها بالصورة المنطقية المماثلة لها، مما يجعله نسقا كافيا، لكونه يستجيب لخصوصيات اللغة الطبيعية ومقتضياتها، وفي نفس الوقت يسمح بتمثيل الأبعاد المنطقية التي تتضمنها كل جملة يتلفظ بها المتكلم آخذاً بعين الاعتبار أهمية الفهم والتصور في تحديد البنيات المنطقية للخطاب الطبيعي. ستعالج هذه الدراسة طبيعة التصورات المتضمنة في الخطاب الطبيعي، من خلال الكشف عن البنيات المنطقية للظواهر التداولية.

        إن الهدف الأساسي من دراسة المنطق الطبيعيهو إبراز طبيعة العلاقة بين البنية الدلالية-التداولية والبنية المنطقية من أجل الكشف عن بنيات منطقية ضمن الخطاب الطبيعي، وهو ما لم يتحقق في نظر ليكوف دون دراسة التصورات المتضمنة في جمل اللغة الطبيعية بكل أبعادها الدلالية والتداولية. ومن ثم، فالإشكال العام الذي يعالجه ليكوف في هذا الإطار هو ما إذا كانت العلاقة بين البنية اللسانية والبنية المنطقية قائمة على الصدفة أم تعود إلى بنية الفكر ذاته؟ وبعبارة أخرى، هل يمكن تأسيس البنيات الدلالية والتداولية انطلاقا من البنيات المنطقية للخطاب الطبيعي؟ وبهذا، يمكن توضيح الدور الذي يقوم به المنطق الطبيعي في معالجة الظواهر التداوليةبربطها بالصورة المنطقية[3].

1. التمثيل المنطقي للأفعال الإنجازية

      إن اهتمام ليكوف بالأفعال الإنجازية جاء نتيجة للبحث عن مصادر التوليد في الجملة، وذلك في إطار ما يسمى بـ “نظرية الدلالة التوليدية*” كما أشرنا إليها سابقا؛ وهي نظرية تقوم على مبدأين أساسين: مبدأعدم استقلال التركيب عن الدلالة، ومبدأ الطبيعة الدلالية للبنية المنطقية. وعلى إثرهما اعتبر ليكوف أن مصدر التوليد لا يتحدد في التركيب بشكل مستقل عن الدلالة، بل يقوم على بنية منطقية دلالية، وضمن هذا، أصبحت البنية المنطقية ذاتها مستوى ملائماً لتمثيل الخصائص التداولية ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي. وقد استمد ليكوف المفاهيم التداولية من فلسفة اللغة العادية، كما هو الحال مع مفهوم “الفعل الإنجازي” (أو القوة الإنجازية)، ومفهوم الاقتضاء، وغيرها من المفاهيم ذات الطبيعة التداولية[4]. في هذا السياق، عمد ليكوف إلى تمثيل مفهوم الفعل الإنجازي في الصورة المنطقية، من حيث هي مصدر اشتقاق الجملة في اللغة الطبيعية. غير أن هذا يتطلب في نظره إيجاد العلة التي تبيّن مدى تأثير الظواهر اللسانية في مفهوم القوة الإنجازية للعبارة في صورتها المنطقية. ولاختبار هذا التفاعل استند ليكوف إلى حجج لسانية- تجريبية تبين أن الجمل التي تكون قوتها قوة إنجاز يجب تمثيلها بواسطة فعل إنجاز، سواء كان فعلا لغويا صريحا أو ضمنيا، فالجمل الطلبية، والأمرية، والاستفهامية، تحتوي على أفعال لغوية مباشرة، وأفعال لغوية غير مباشرة، فلو قلنا: “آمرك أن تفتح الباب”، ففعل الطلب المذكور في هذه الجملة فعل صريح (آمرك)، وقد يختفي هذا الفعل في الجملة “افتح الباب”، إلا أنها تندرج في نفس العلاقات المنطقية مع الجملة الأولى[5].

      على هذا الأساس، فالصورة المنطقية واحدة في الجملة التي تتضمن فعلا إنجازيا صريحا في بنيتها السطحية، والجملة التي لا يظهر فيها الفعل الإنجازي صراحة. ونفس الوضع نجده كذلك في حالة الجمل الاستفهامية؛ بحيث يمكن رسم صورة منطقية لمثل هذه الصيغ على نحو مماثل للصيغ الأمرية والطلبية. في نفس الإطار، ميّز ليكوف بين الجمل الخبرية في صورتها المنطقية عن الجمل الإنشائية الطلبية منها والاستفهامية، وأساس هذا التمييز يتحدد في غياب الفعل الإنجازي[6]. غير أن ليكوف وجد العديد من البراهين تبين أن الجمل الخبرية تقبل صورنتها بواسطة فعل إنجازي أقرب في دلالته إلى الفعل (قال أو أثبت). وعليه، يبدو أن الصورة المنطقية للصيغ الأمرية، والاستفهامية، والخبرية، يمكن أن تمثّل جميعها بالشكل “ص “[7]:

إن اعتماد الشكل “ص” من شأنه أن يلغي الحدود الفاصلة بين الجمل الخبرية والجمل الإنشائية على مستوى التمثيل المنطقي، ففي كل الجمل يمكن التمييز فقط بين لفظ العبارة (المحمول)، والمتلفظ بالعبارة (المتغير)، ومحتوى العبارة (متغير م¹). لذلك، يلاحظ ليكوف أن تقويم القضايا بالصدق أو الكذب يخص محتوى الحكم فقط، ولا يشمل الجملة في مجموعها، فلو قال المتهم مثلا؛ “أثبت أني بريء”، فأجابه القاضي: “هذا كذب”، فإن القاضي ينفي كون المتهم بريء، ولم يتعرض في شيء إلى إثبات المتهم[8]. في هذا السياق، يقول ليكوف: “ففي الجمل التي يوجد فيها الفعل الإنجازي الصريح أو ما في معناه، كالقول، والتقرير، والإثبات الخبري، فإن محتوى القضية، صدقا كان أو كذبا، لا تتناوله الجملة إن نظرنا إليها في مجموعها، بل يتعلق المحتوى فيها بما وقع في حيّز الفعل الإنجازي”[9]

بعودتنا إلى المثال السابق، نجد أن المصدر المؤول هو البراءة باعتباره مفعولا مباشراً، والجملة “أنا بريء” هي جملة مدمجة وتتضمن محتوى القضية. وعليه، يبدو أن الجمل الخبرية تتضمن قوة فعل الكلام المعبر عنه ضمنيا بفعل إنجازي، وهذه الجمل تأخذ نفس الصورة المنطقية التي نجدها في الجمل الأمرية والطلبية. من هنا، يتبين أن النموذج الذي اقترحه ليكوف لتمثيل القوة الإنجازية يسمح بالتقريب بين الصيغ المنطقية لجمل اللغة الطبيعية والصيغ النحوية لها. فإذا كانت الصيغ المنطقية تعبر عن فاعل الأفعال الإنجازية ومفعولها غير المباشر بعبارات رمزية (س، ص) من حيث هي صور منطقية تطابق الأفعال والمفعولات، فإن الصيغ النحوية تحدد فاعل الفعل الإنجازي على أنه ضمير المتكلم، والمفعول غير المباشر على أنه ضمير المخاطب. وعليه، فالصور المنطقية لا تضع حدودا بين ضمير المتكلم أو المخاطب وضمير الغائب، شريطة أن يكون الضمير العائد عليه مطابقا له تبعا لقاعدة المطابقة، والتي تقر بضرورة مطابقة الضمير العائد للتركيب الاسمي الذي يوافق الضمير[10].

      من هذا المنطلق، فكل أصناف وقوع الضمائر لا تخرج عن كونها فاعلا أو مفعولا به مباشر للفعل الإنجازي، وأن يكون مطابقا للتركيب الاسمي الذي يحيل عليه، كما أن النموذج الذي اقترحه ليكوف له القدرة على التنبؤ بوجود حالات أخرى مرتبطة بالأفعال غير الإنجازية، سواء دلت على الطلب، أو الأمر، أو الاستفهام، بحيث يمكن تعميم الأفعال العادية على جميع حالات الأفعال الإنجازية حتى وإن كانت ضمنية وغير مصرح بها في الجمل الطلبية، أو الأمرية، أو الخبرية البسيطة[11].

  إن النقاش الذي أثاره العديد من الدارسين في مجال اللغويات حول إمكان تحليل الجمل الخبرية البسيطة تحليلا نحويا، قاد ليكوف إلى الدفاع عن هذا النوع من الجمل باعتماد حجج لسانية تكشف عن الصور المنطقية للجمل الخبرية بردها إلى الجمل الإنجازية، بعد إدخال الفعل الإنجازي الذي يدل على القول أو ما يقارب هذا المعنى، وتطبيق القواعد النحوية، كقاعدة الإزاحة أو النقل عن المحل الأصلي. فلو قلنا مثلا: “أحب الحلوى المغربية” تصبح عن طريق تطبيق قاعدة النقل، كما يلي: “يقول زيد بأنه يحب الحلوى المغربية”، وهي جملة جائزة نحويا، أما إذا قلنا: “كونه يحب الحلوى المغربية، فذلك يقلق زيد”، أو “رأى زيد في منامه أنه يحب الحلوى المغربية “، فهي جمل غير جائزة نحويا. وهذا يوضح مرة أخرى أنه متى طبقنا قاعدة الإزاحة تطلب منا إدخال التركيب الاسمي في حيّز الأفعال المحكية بالقول أو ما يماثلها. أما إذا كان التركيب الاسمي في حيّز الأفعالالعادية، فلا يجوز تطبيق قاعدة الإزاحة، وفي هذه الحالة لا تكون الجمل جائزة نحويا[12]. ووفقا لذلك، فقاعدة الإزاحة تخص مفعولات الأفعال المحكية بالقول أو ما يدخل في معناها، والنموذج “ص” يجعل من هذه القاعدة ذات طابع عام، بحيث إنها قادرة على رصد الأفعال الإنجازية، من جهة، ومعالجة الجمل الخبرية التي تكون قوتها الإنجازية مماثلة للأفعال الإنجازية، من جهة أخرى. وعليه، فهي تقوم بوظيفتين أساسيتين: أولها ربط الجمل التي يجري عملها في حيّز الأفعال المحكية بالقول، وثانيها تحدد، من جهة النحو، ما هو سائغ وما ليس سائغا من التراكيب النحوية[13]، كما يتبين من الأمثلة الآتية:

(1)- أ- الحلوى المغربية، أثبت أني أحبها.

   – ب- الحلوى المغربية، قد أثبتت أني أحبها.

      فبالرغم من بروز الفعل الإنجازي في الجملة (1. أ) “أثبت”، فلا يجوز تطبيق قاعدة النقل عن المحل الأصلي، لأن التركيب الاسمي لا يقع في حيّز معمول هذا الفعل المحكي بالقول. وعلى خلاف ذلك، نجد في الجملة (1. ب) أن الفعل الإنجازي لا يظهر بارزا، بل ظهر في مكانه الفعل المتصرف في الماضي “أثبتت stated “، وهو فعل غير إنجازي إذا أسند للماضي. وبالتالي، يجوز تطبيق قاعدة النقل (أي نقل التركيب الاسمي) عن المحل الأصلي، لأن التركيب الاسمي يقع في حيّز الفعل الإنجازي غير المباشر، وغير المصرح به، فالصورة المنطقية للجملة (1. ب) يمكن أن تؤول عبارة مشتملة على وقوع فعل “أثبت”مرتين، لتصبح الجملة على الشكل التالي: “أثبت بأني قد أثبت حبي للحلوى المغربية”. وعليه، يبدو أن التركيب الاسمي انتقل بسبب قاعدة النقل عن الموضع الأصلي إلى نهاية الجملة على أنه وقع مفعولا (بعد تأويل الجملة) لفعل “أثبت” الذي كان متضمنا في العبارة. وهذا العمل لم يكن ليتحقق في نظر ليكوف ما لم يوجد نموذج “ص”، بحيث أمكن تفسير الفرق الموجود بين الجملة (1. أ) والجملة (1. ب)[14].

1.2. تطبيق نموذج “ص” على الجمل الظرفية

      يمكن الإشارة في هذا الإطار إلى أن ليكوف طبق نموذج “ص” على حالات أخرى تتعلق بالظرف المنفي، وحاول من خلاله رصد التغيّر الذي يطرأ على القواعد النحوية، مثل؛ قاعدتي الإزاحة والنقل، عندما نعوّض الفعل المساعد بضمير المتكلم[15]، والشاهد الآتي يبرز ذلك:

(2). أ) لم أر قط، مثل هذه السفاهة*.

    ب) قال زيد أنه لم ير قط، مثل هذه السفاهة.

يبدو أننا، عندما نستبدل الفعل المساعد بضمير المتكلم، لا يجوز تطبيق قاعدة النقل، كما يبين المثال التالي:

(3). كونه قط لم ير، مثل هذه السفاهة.

      نلاحظ أن قاعدة النقل لا تنطبق إلا على الجمل التي تكون قوتها الإنجازية قوة فعل الكلام المحكي بالقول، لأن قاعدة النقل تقتضي فقط مفعولات الأفعال المتضمنة في معنى القول[16]. في هذا الإطار، تناول ليكوف الأفعال المتصرفة في الماضي في علاقتها بالظرف المنفي، مبيّنا الحالات التي يجوز فيها النقل والحالات التي لا يجوز فيها. وقد توصل إلى أنه متى ظهر الظرف في حيّز معمول الفعل الدال على القول أمكن إجراء القاعدة، كما هو الحال في المثال الآتي:

 (4)-أ) وهو قد كان أكل كثيرا هذا النوع من الأكل**.

    – ب) لقد قال زيد إنه هو ذاته قد أكل ذلك النوع من الأكل.

    -ج) وكونه هو ذاته قد أكل ذلك النوع من الأكل قد انزعج له زيد.

يتضح أن الجملة (4- أ) لا يجري عليها ما يجري على الجملة (4- ب)، بحيث يقع الظرف معمولا لفعل دال على القول. من هنا، توصل ليكوف إلى المبدأ الذي ينص على أن اللفظ الدال على التأكيد يظهر في حيّز الأفعال الدالة على القول، وهو مبدأ يطابق نموذج “ص”، وهناك العديد من الحجج اللسانية التي تقوي صحة هذا النموذج الصوري، يمكن إجمالها في الحجة التالية:

 متى ظهرت بعض العبارات في جمل بسيطة، مثل؛ “أغرب بوجهك” إلا واقتضى الأمر وجود ضمير المخاطب مدمج مع الضمائر الأخرى، بحيث يكون الفعل المتعدي يطابق الضمير إفرادا، وتأنيثا، وتنكيرا وجمعا، كقولنا مثلا:

(5)- اغرب وجهك* ( تقتضي( وجهي، وجهها، ولكنها لا تقتضي، وجههم).

      نلاحظ أنه متى وقعت العبارة ضمن الإدماج التعاضلي، فإن مفعول الفعل اللازم يحتم بقاء القيد المتعلق بضرورة تطابق الضمير مع المعمول غير المباشر للفعل الذي وقعت العبارة في حيّزه على جه الإدماج التعاضلي[17]. ثانيا: وجود تراكيب معينة تستدعي وجود ضمير المتكلم، وهي جمل خارجة عن باب الإدماج التعاضلي، مثل:

(6) – سأكون (ستكون، سيكون) ملعونا إذا عصيت والدي.

      ووفقا للنموذج “ص” نحتاج إلى قيد عام واحد يقضي بأن الضمير يجب أن يطابق الاسم الأقرب من الفعل الذي يقع مباشرة في أعلى رتبة، أما في حالة الجمل البسيطة، فإن فاعل الفعل الإنجازي الدال على القول وما يمثله هو الذي يطلب ضمير المتكلم أو المخاطب. على هذا النحو، صاغ ليكوف مبدأ عاما واحدا، يتمثل في كون “الضمير يجب أن يطابق الفاعل أو المفعول به غير المباشر للفعل المتصدر”[18]، وهذا المبدأ العام في دراسة النحو يدعم الصيغة الصورية للنموذج “ص”.

   إن العبارات الظرفية يمكنها أن تغيّر من معنى الأفعال الإنجازية المفهومة من منطوق الكلام، ولا يجوز أن تظهر في الجملة التي وقع التعبير عنها على نحو مخصوص، مثل قولنا:

(7) – لماذا زيد تركنا، إذا كنت أنت تعرف الكثير؟

يبدو من خلال هذه الجملة الظرفية؛ “إذا كنت أنت تعرف الكثير” أنها لا تغيّر معنى الفعل “ترك”، وعندما نعتبر منطوق هذه العبارة يصبح معناها في الصورة المؤولة هو:

(8)- لما كنت تعرف الكثير، فإني أسألك لماذا تركنا زيد.

      يظهر من خلال مضمون هذه الجملة أننا أبرزنا الفعل الإنجازي الذي كان متضمنا ومفهوما من منطوق العبارة. وعليه، أصبحت العبارة الظرفية “لما كنت تعرف” تغير معنى فعل “سأل”؛ حيث تدل على علة سؤالنا، وتلك هي الوظيفة التي كانت تؤديها الجملة (7)[19]، بحيث إن ما وقع من تغيير على هذه العبارة، بوجود الفعل الإنجازي، يطرح عدة إشكالات ترتبط أساسا بالعلاقة الموجودة بين السبب والعلة. وهو ما يفسر أن العبارة الظرفية تدل على السبب، بينما صيغة السؤال هي صيغة تعليلية. ومن جهة النحو، لا يمكن أن تتناول الجمل البسيطة المتفردة سؤالاً تعليليا وعبارة ظرفية مسببة في نفس الوقت، وقد تمت هذه المعالجة باعتماد نموذج “ص”[20].

2.1.2. تطبيق نموذج “ص” على الجمل الاستفهامية

      بعد أن درس ليكوف التغيير الذي يطرأ على الجمل الظرفية، انتقل إلى دراسة العبارات الاستفهامية بردها إلى جمل غير مباشرة في صورتها المنطقية، بواسطة تطبيق نموذج “ص” على الجمل الاستفهامية المباشرة. فالصورة المنطقية لجمل، مثل؛ “من انصرف؟” هي نفس الصورة المنطقية التي نجدها في الجمل، مثل؛ أسألك من انصرف؟”. في هذا الإطار، استند ليكوف إلى الحجج التي قدمها “لوري بيكر”* حول الوقائع المتعلقة بالاستفهام تؤكد صحة هذه الفرضية، ويمكن إبراز ذلك من خلال المثال التالي:

(9)- س يعرف أين اشترى زيد أياً من كتبه.

      تبدو هذه الجملة مبهمة وشديدة الغموض، لأنها تتطلب تأويلات متعددة ومختلفة. وعليه، وجب تعيين فاعل فعل “يعرف”، فنقول إن “خالد يعرف من أين اشترى زيد أياً من هذه الكتب”، والتأويل الثاني يحدد نوعين من الإجابة: فقد نجيب بالقول إن “خالد يعرف من أين اشترى زيد كتاب تهافت التهافت لابن رشد، وعمر يعرف من أين اشترى زيد كتاب التعريفات للجرجاني[21]. ولمعرفة مصدر الإبهام، عمد ليكوف إلى إدخال الفعل الإنجازي، لتتحول العبارة الاستفهامية المباشرة إلى عبارة غير مباشرة، كما في قولنا:

(10)- سألني خالد عن الذي عرف من أين اشترى زيد أي الكتب.

يتضح أن الأفعال التي وقع بها الاستفهام غير المباشر، مثل؛ سأل، عرف، تشكل روابط إجرائية، تربط بين العناصر التي يقع عليها السؤال، مثل: من، أين. وبالتالي، فالفعل “سأل” يقع على اسم الموصول “من”، والفعل “عرف” يقع على العنصر “أين”، أما العبارة الموصولة “أي الكتب”، ترتبط بفعل “سأل” أو “عرف”. من هنا، يمكن القول إن الأفعال المتضمنة في الجمل الاستفهامية غير المباشرة أفعالا مبهمة[22]، لكن هذه الأفعال، مع ذلك، تلعب دورا أساسيا في ربط العناصر التي يقع بها السؤال بالعبارة الموصولة فتؤدي معنى الربط، كما يقوم الفعل الإنجازي أيضا بربط الاسمين الموصولين. وبهذا، تم إرجاع اسم الجنس المعرّف إلى الموصول وصلته[23]. وهذه الطريقة تمكننا من نقل أسماء الاستفهام إلى صدر الجمل، كما في قولنا:

(11)- من قال لخالد بأن زيد قد أمر عمر أن يضرب؟

لكن هناك بعض الحالات لا تكون جائزة من جهة النحو، مثل تلك التي يتم فيها نقل فعل الجملة الاستفهامية إلى صدر الجمل الواقعة معمولا مباشرا للفعل الدال على الطلب، مثل:

(12)- عمر سأل فاطمة، من قال لخالد إن زيد أمر عمر أن يضرب؟

      انطلاقا من دراسة هذه الحالات، توصل ليكوف إلى استنتاج مفاده أن الظواهر اللسانية توضح بجلاء أن البنية النحوية- الدلالية المتضمنة في الجمل الإنشائية؛ الطلبية منها، والاستفهامية، والخبرية، تتوافق جميعها مع التحليل الصوري للنموذج “ص”. ومن خلاله، يمكن صياغة تعميمات لسانية، وليس هناك طريقا آخر في نظر ليكوف لتحقيق التعميم اللساني، على اعتبار أن التعميم اللساني هو الهدف الذي تسعى إليه نظرية الدلالة التوليدية مع ليكوف. والسبب في نجاح هذا التعميم يعود إلى المساهمة التي قدمها النموذج الصوري “ص” الذي يقوم بوظيفتين أساسيتين: تتمثل الأولى في صياغة ضروب التعميم النحوي، وترتبط الوظيفة الثانية بتبسيط الدلالة الصورية، خصوصا على مستوى دراسة إحالة العبارة. إذا أردنا تحديد ما تشير إليه العبارة وجب الوقوف على كل المقومات التي ترتبط بالعبارة، وهي المتكلم، والمخاطب، وزمن العبارة، ومكان التعبير، وغيرها من المقومات ذات الطابع التداولي، فبواسطتها يمكن تحديد شروط الصدق لأي عبارة كيفما كانت. غير أن النموذج “ص” يسمح بحذف هذه المقومات ورد شروط الصدق إلى محتوى العبارة[24]، كما سبق توضيحه في المثال:” إني بريء” و”أثبت أني بريء”، وهو المعنى الذي رمزنا له ب (م¹) في النموذج “ص”، مما يعني أن هذا النموذج يمكنه أن يلغي الحدود الفاصلة بين الصورة المنطقية والصورة النحوية لجمل اللغة الطبيعية.

2. التمثيل المنطقي للاقتضاء

1.2. الاقتضاء بين الوظيفة الدلالية والوظيفة التداولية

      إن الاهتمام بظاهرة الاقتضاء[25] كظاهرة لغوية بالأساس تعود في جزء كبير منها إلى النقاش الدائر بين راسل وستروسن بخصوص نظرية الأوصاف المحددة. ففي الوقت الذي قدم فيه راسل تحليلا منطقيا للأوصاف يقوم على الشرط المادي، ذهب فيه ستروسن إلى تبني مفهوم الاقتضاء عوض الشرط في تحليله للأوصاف، يأخذ بعين الاعتبار ما هو تداولي. ويمكن أن نستحضر بهذا الخصوص المثال المشهور؛ “ملك فرنسا الحالي أصلع”، من خلاله يمكن أن نوضح التعارض الموجود بين توجهين: الأول ماصدقي، يدافع عنه راسل الذي يحصر صدق العبارة في إحالتها على الواقع، موظفا النسق الصوري الكلاسيكي، والاتجاه الثاني مفهومي، يمثله ستروسن الذي يحدد صدق العبارة تبعا لشروط خاصة، تتعلق بالظروف التي قيلت فيها العبارة، فالتعبير في حد ذاته “لا صادق ولا كاذب” استعماله في سياق محدد، ومن قبل ذات معينة هو الذي يجعله صادقا أو كاذبا[26]. من هنا، يميز ستروسن بين العبارة، والتلفظ بالعبارة، واستعمال العبارة في سياق معين. لو افترضنا أن هذه العبارة “ملك فرنسا الحالي أصلع” صادقة؛ بحيث يوجد ما يماثلها في الواقع، فلا يوجد آنذاك خلاف بين هذين التوجهين، أما إذا كذبت؛ أي إذا قيلت هذه العبارة في وقت لا يوجد فيه ملك لفرنسا، فإن التحليل سيختلف بين هذين التوجهين. فتحليل راسل يقضي في هذه الحالة بكذب هذه العبارة، ما دام هناك غياب تام للعلاقة التي تربط الجملة بالظروف المشروطة بقيمة صدقها حتى يتم الحكم عليها[27]، أما التحليل الثاني الذي دافع عنه “ستروسن” بشكل خاص، يتمثل في كون هذه الجملة غير قابلة للتقويم لا بالصدق ولا بالكذب ما دامت غير محددة بدقة، لأن الشخص الذي نتحدث عنه غير موجود بهذه المواصفات في فرنسا حاليا[28].

يمكن تفسير الاختلاف الحاصل بين التوجهين السابقين، بأن الأول اعتمد الشرط المادي المنطقي، أما التوجه الثاني فيأخذ بعلاقة الاقتضاء. وبموجب ذلك أصبحنا نقول: “ب تقتضي ج عوض ب تشترط ج”[29]. فإذا كان الشرط يأخذ بقيمتين محصورة في الصدق والكذب، فإن علاقة الاقتضاء تأخذ بقيم ثلاثة فأكثر، إضافة إلى قيمة صادق وكاذب هناك قيمة ثالثة غير محددة[30].

      بالرجوع إلى المثال السابق: “ملك فرنسا الحالي أصلع” نجد أنها عبارة تقتضي حسب تأويل ستروسن “يوجد ملك لفرنسا”. وعليه، فالجملة “ملك فرنسا أصلع” لا تلزم عن صدق جملة يوجد ملك فرنسا، بل تقتضيها. على هذا الأساس، يمكن التمييز بين الشرط والاقتضاء، كما يوضح ذلك الجدول الآتي:

علاقة شرطيةعلاقة اقتضائية
جملة 1   ←   جملة 2جملة 1 ﬤ جملة 2
ص ← صص ﬤ  ص
ك ← ك⌐ (ص ˅ك) ﬤ ك
ك ← ص˅ كك ﬤ ص

      إن الاختلاف الذي نلاحظه بين الشرط والاقتضاء، يبين بجلاء أن دراسة الاقتضاء دراسة منطقية محضة لا معنى لها في غياب ما هو لساني، حيث يؤثر هذا الأخير بشكل أو بآخر على شروط الصدق، و يمكن أن يظهر هذا الفارق أكثر من خلال المثال التالي:

  1.  أقلع زيد عن التدخين.
  2.  لم يقلع زيد عن التدخين.
  3.  تقتضي: كان زيد يدخن.

      نلاحظ أن الجملة (1) هي المنطوق، أما الجملة (3) هي اقتضاء من الدرجة الأولى، وتعد بمثابة صورة منطقية للجملة (1)[31]. وفي نفس السياق، يمكن أن نوضح الاختلاف الحاصل على مستوى التحليل الاقتضائي بالنظر إلى العلاقات المتعددة، فإذا نظرنا إليها بناءً على علاقة الشرط التي يدافع عنها راسل، تبين لنا أنه متى كان الاقتضاء (3) كاذبا كان الاقتضاء (1) كاذبا أيضا[32]، أما إذا نظرنا إليها من جهة علاقة الاقتضاء التي تبناها ستروسن نجد أنه متى كان الاقتضاء (3) كاذبا تعذر الحكم على (1).

      انطلاقا من التحليل الذي قدمه ستروسن لظاهرة الاقتضاء في اللغة الطبيعية، وسع  ليكوف الاقتضاء ليشمل التصورات المتضمنة في الجمل من خلال الكشف عن الصور المنطقية لهذه التصورات. وبالتالي، أصبح بإمكان دراسة جميع ضروب الاقتضاء في جمل اللغة الطبيعية، سواء كانت جمل موجبة أم سالبة، مثبتة أم منفية. بهذه الطريقة يمكن وصف غموض العبارات الاقتضائية، من قبيل: العبارات التي تتضمن أفعال الوجدان (تأسف، ظن، زعم)، والتي تمثل محمولات تحتية تكشف عن الترابطات التصورية القائمة بين جميع العبارات الاقتضائية التي قد تولد نفس الاقتضاء، كما في قولنا:

4. تأسف زيد لفشل عمر في الامتحان.

5. لم يتأسف زيد لفشل عمر في الامتحان.

هذه الجمل تقتضي نتيجة واحدة، وهي:

6. أن عمر فشل في الامتحان .

وهو نفس الأمر يمكن قوله بخصوص الأفعال الأخرى، مثل: ظن، زعم، سأل …،إلخ[33].

      إن غموض هذه الجمل راجع بالأساس إلى اشتمالها على محمولات غير محددة دلاليا، مما يجعل تحليل هذه الجمل تحليلا اقتضائيا يتطلب اعتماد نسق منطقي يستجيب لمقتضيات الخطاب الطبيعي وظواهره، مبرزا محدودية منطق ثنائي القيمة في تناول لظواهر اللغة الطبيعية. الأمر الذي قاده إلى مراجعة نظرية الصدق القائمة على التطابق، مرتكزا على منطق ثلاثي القيم (كما صاغه ستروسن) الذي يسمح بقيم متعددة (ص، ك، ⌐ ص˅ ك)، وأنساق منطقية أخرى، مثل؛ المنطق الموجه، ونظرية العوالم الممكنة، وبعض النظريات اللسانية، بهدف صياغة نظرية المنطق الطبيعي، وهي نظرية تسعى إلى دراسة التصورات الغامضة والمبهمة في العبارات بكل أبعادها النحوية والدلالية، من أجل رصد التغيرات التي تطرأ عليها. فقد كان من أهداف المنطق الطبيعي التمييز بين ضروب الاقتضاء من الدرجة الأولى، والثانية، وما فوقها، من خلال الكشف عن الصورة المنطقية للعبارات الاقتضائية[34].

2.2.2. الصورة المنطقية للعبارات الاقتضائية

      قدم ليكوف تفسيرا لمختلف الصور المنطقية للعبارات الاقتضائية من أجل بيان ما هو مشترك بينهما، مستشهدا بمجموعة من الحجج اللسانية تؤكد على أن العبارات الاقتضائية مهما كانت طبيعتها؛ مثبتة أم منفية، موجبة أم سالبة، فإنها تؤدي نفس الوظيفة المنطقية[35]. فلو قلنا مثلا:

1. أ- يظن زيد أن خالد من أهل المريخ.

             ب) + ر+ (س)  ﬤ  + س

 تقتضي:   ج) كون خالد من أهل المريخ.

2. أ) لم يظن زيد أن خالد من أهل المريخ.

          ب)  – ر+(س)   ﬤ  +س

تقتضي:  ج) كون خالد من أهل المريخ.

      يستفاد من خلال هذا المثال أن كل قضية تقتضي قضية ونقيضها في نفس الوقت، فالعبارة الاقتضائية (1)، وهي عبارة مثبتة تقتضي ما تقتضيها العبارة الاقتضائية (2)؛ يظهر ذلك من خلال تحليل الصورة المنطقية لكل منهما، والتي رمزنا لها بالرمز (+ س)، وتدل على أن خالد من أهل المريخ[36].

      يبدو من خلال المثال السابق أن النتيجة التي تقتضيها الجمل المثبتة هي نفسها النتيجة التي تقتضيها الجمل المنفية، نظرا للعلاقة الاقتضائية التي تربط العبارات بعضها ببعض، والتي تحددها الصورة المنطقية لكل عبارة من هذه العبارات[37]، غير أن التوافق الحاصل بين الصور المنطقية والصور النحوية يظهر أكثر عندما نلاحظ المثال التالي:

3. أ) إذا كان خالد من سكان المريخ، فإني لمنصرف.

   ب) + إذا °، ° (س1 ، س2)   ﬤ    س1، س2

4. أ) إذا كان خالد من أهل المريخ، فاني لمنصرف.

    ب) +إذا +،° (س1، س2)    ﬤ    س1، س2

      يتبين من خلال هذا المثال أن العبارات المسبوقة بـ “إذا” لا تغيّر من الصورة المنطقية للعبارات الاقتضائية، سواء كانت مثبتة أم غير مثبتة[38]، إلا أن هناك حالة مختلفة عما ذكرنا؛ أي الحالة التي يكون فيها الاقتضاء غير ممكن التحقق، خصوصا إذا كانت العبارات غير محددة المعنى، والتي يتصدرها المحمول “زعم”*، كما يوضحه المثال الآتي:

5. أ) يزعم خالد أنه مريض.

ب)+ ز-(س)  ﬤ س.

6. أ) لا يزعم خالد أنه مريض.

ب) – ز-(س)  ﬤ  س(محاور ك).

ج) – ز- (س)  ﬤ س( محاور ل).

     تخبرنا الصورة المنطقية للجملة (5. أ) أنها تقتضي “خالد مريض”، أما الصورة المنطقية (6. أ) تؤول بطريقتين: الأولى؛ تقتضي أن خالد مريض تبعا لمحاور(ك)، والثانية تقتضي أن خالد ليس مريضا تبعا لمحاور(ل)، وهذا التعدد في التأويلات يعود إلى استعمال المحمول “زعم” عندما يكون سالبا. بهذا، يعتبر ليكوف أنه لو وقع التشديد عليه وتفخيمه لدلت الجملة (6) على دلالة واحدة للمتحاورين معا؛ بحيث إن اقتضاء “خالد مريض” تستلزم الصدق لا الكذب[39]. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا في نظر ليكوف هو ما إذا كانت الجمل المسبوقة بـ “إذا” غير المحددة يطرأ عليها نفس التغيير الذي طرأ على العبارات الاقتضائية غير مثبتة؟ وبصيغة أخرى، هل يمكن القول إن الجمل المسبوقة بـ “إذا” لها نفس الصورة المنطقية أم أنها تحتوي على صور منطقية مغايرة ؟

      لاختبار هذه الفرضية، قدم ليكوف حججا تبيّن أن مثل هذه العبارات تحمل نفس الصورة المنطقية، ولا يطرأ عليها نفس التغيير الذي نجده في العبارات الاقتضائية غير المحددة[40]،فلو قلنا مثلا:

7. أ- لو كان خالد من سكان المريخ، لوجدتني فار من هنا.

تقتضي أن     ب- خالد ليس من سكان المريخ.

       إذن،      ج- لن أفر من هنا.

      إن النفي الذي يظهر في المقتضى متضمنا في منطوق العبارة (7. أ)، وحتى لو اتضح النفي على مستوى البنية السطحية للعبارة، فإننا سنحصل على نفس النتيجة، إذا قلنا:

8- ليس الأمر أنه لو كان خالد من سكان المريخ لوجدتني فار من هنا.

      يبدو أن هذه الجملة الاقتضائية المنفية وغير المحددة تقتضي ما تقتضيه الجملة الاقتضائية المثبتة وغير المحددة، ففي هذه الحالة نحصل دائما على نفس المقتضى حتى لو غيّرنا من الأفعال المتصدرة لهذه الجمل، مثل؛ “سأل”، “أثبت”، “زعم”…،إلخ[41].

      على هذا الأساس، يتضح أن تحليل الصور المنطقية للعبارات الاقتضائية تبين بجلاء الحالات التي يجوز فيها الاقتضاء والحالات التي لايجوز فيها، من خلال دراسة جمل اللغة الطبيعية. هذا النوع من التحليل قاد ليكوف إلى ضبط مختلف أنواع الاقتضاء من أجل بيان أن هذه الاقتضاءات هي عبارة عن مجموعة متراتبة من الاقتضاءات، وهو ما سنعالجه في الفقرة الموالية.

3.2. ضروب الاقتضاء ومستوياته

      قدم ليكوف مجموعة متراتبة من الاقتضاءات يمكن وفقها التمييز بين الاقتضاء من الرتبة الأولى عن الاقتضاء من الرتبة الثانية فما فوقها، فالاقتضاء من الرتبة الأولى يتحدد وفق ما يسميه ليكوف بـ “الاقتضاء الوسيط”، أما الاقتضاء من الرتبة الثانية فما فوق يتحدد بواسطة بعض البنيات الوصفية التقييدية. لذلك، عمد ليكوف إلى توضيح الحالات التي يجوز فيها الاقتضاء بالاستناد إلى العلاقات التي تربط بين الاقتضاء الأول والثاني، وهي علاقات منهجية تتوقف أساسا على العلاقات النحوية، مثل؛ التعدية، سواء كانت علاقة عامة؛ أي أن الاقتضاء الذي تسمح به لا يتعلق بصدق معمولها أو كذبه أم كانت علاقة خاصة مقيّدة. في هذا الإطار، استدل ليكوف بالعديد من الأمثلة مستمدة من لغة التداول اليومي لإبراز طبيعة العلاقات التي تجيز الاقتضاء[42]. وبما أن علاقة التعدية تتحكم في العلاقة الاقتضائية، فإن ليكوف ميّز بين ضروب الاقتضاء بناء على فكرة التعدي[43]، فلو قلنا مثلا:

 ( 1). أ) قليل هم الرجال الذين توقفوا عن ضرب أزواجهم.

        ب) بعض الرجال توقفوا عن ضرب أزواجهم.

        ج) بعض الرجال قد ضربوا أزواجهم.

يبدو من خلال هذا المثال أن علاقة الاقتضاء مطابقة لعلاقة التعدي، وهي علاقة جائزة منطقيا ونحويا. فالاستدلال المنطقي الذي نجده في العبارة الاقتضائية لا يخالف الصورة النحوية للتعدي المسموح به في هذه العبارة. وبالتالي يعتبرها ليكوف علاقة منطقية، لأن الجملة (1. أ) تقتضي الجملة (1. ب)، و(1. ب) تقتضي (1.ج). وعليه، فالجملة (1.أ) تقتضي الجملة (1.ج)، وهذه الطريقة في الاستدلال متداولة في مجال المنطق والرياضيات، والتي تأخذ الصورة المنطقية الآتية: إذا كانت ستقتضي س2، وكانت ستقتضي س3 ، كانت إذن، س1 تقتضي س3. من هنا، تبدو علاقة الاقتضاء كعلاقة متعدية، فنعتبر الجملة (1.ب) اقتضاء من الرتبة الأولى، و(1.ج) اقتضاء من الرتبة الثانية بحسب فهمنا لمنطوق الجملة (1.أ)[44]. وهذا ما دفع ليكوف إلى التمييز بين ضروب الاقتضاء من الدرجة الأولى عن الدرجة الثانية فما فوقها. ولكي يوضح ليكوف الانسجام الحاصل بين مختلف ضروب الاقتضاء استعان بالعديد من التراكيب النحوية التي تحتوي على أوصاف تقيّد علاقة التعدية. ومن بين أهم الأوصاف التقييدية التي تتحكم في هذه العلاقة هي الأوصاف التقييدية التخصيصية التي تتخذ الصورة التالية: (إن كان أحد…)، (بالرغم، حتى لو…) أو هما معا، ولتوضيح هذه الفكرة نأخذ المثال التالي[45]:

2) قليل هم الرجال الذين كفوا عن ضرب أزواجهم، إن كان أحد منهم قد فعل ذلك على الإطلاق.

3) كف زيد عن ضرب زوجته، إن كان فعل ذلك قط.

4) قليل هم الذين كفوا عن ضرب أزواجهم، إن كانت هذه القلة من الرجال قد كفت عن الضرب قط.

      يتضح من خلال الجملة (2) أن التركيب الدال على التخصيص التقييدي من قولنا، ((إن كان أحد)). منع جواز الاقتضاء من الرتبة الثانية فما فوقها، وأجاز فقط الاقتضاء من الرتبة الأولى، أما الجملة (4) فقد تم إبطال الاقتضاء فيها كليا، فهي جملة شاذة وغير مفهومة عكس الجملتين (2 و3). السبب في ذلك، يعود إلى كونها عبارة اقتضائية من الرتبة الثانية، فبطلت القيود التي تسمح بجواز علاقة الاقتضاء.

      من هذا المنطلق، يمكن القول إن دراسة أنواع الوصف التقييدي، من حيث هي قيود تلزم ضروب الاقتضاء من الرتبة الأولى، تسمح بالجمع بين العلاقات النحوية والمنطقية في تحديد العبارات الاقتضائية. وهو ما يفسر أن القيود النحوية والمنطقية تتحكم في عملية نقل الاقتضاء من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية فما فوقها، مما يترتب عن ذلك تعريف جديد للاقتضاء البسيط الذي يحمل عبارة “يقتضي مباشرة”، وهو “أن ستقتضي مباشرة س2، ولم يوجد شيء من س3 ، بحيث تكون س1 مستلزمة لـ س3 ، وس3 تقتضي س2[46].وعليه، فهذا التعريف يمكن اعتماده وسيلة تسمح لنا بتحديد ما يجوز أن يكون محتوى الوصف التقييدي، ولكنه في الواقع لا يرقى إلى مستوى تمثيل جل أصناف التركيبات التقييدية للصور المنطقية دون الوقوع في التناقض.

4.2. الاقتضاء والتقريب بين الصورة المنطقية والصورة النحوية

      اقترح ليكوف طريقة جديدة لتمثيل ظاهرة الاقتضاء من خلال الكشف عن الاقتضاءات التي تتضمن بنيات منطقية، من جهة، وتحديد الاقتضاءات التي تحتوي على محمولات غامضة، من جهة أخرى. وهذهالعملية تتم في إطار خطاطة أو رسم منطقي يستجيب لمقتضيات الخطاب الطبيعي، كما توضّح الفارق الموجود بين الاقتضاء والتطبيق المنطقي. فالأول يسمح بالتمييز بين الافتراضات المعممة عن الاقتضاءات غير المعممة، أما التطبيق المنطقي فيحدد مختلف الصور المنطقية المشتركة بين الافتراضات المعممة[47].

      وقد استند ليكوف في هذا الإطار إلى منطق الموجهات الثنائي الذي أخذه عن “فون ورايت”*، ويتخذ هذا المنطق الشكل التالي:

(1). أ)  ل ( ب/ ك).

     ب ) ض (ب/ ك).

وتؤول جملة (1. أ) على الشكل التالي: تكون “ب” لازمة على وجه الضرورة إذا وضعنا (ك)، أما (1. ب) تقرأ كما يلي: تكون “ض” لازمة على وجه الوجوب إذا وضعنا (ك). والملاحظ لهذا المثال يجد تشابها على مستوى الشق الثاني من الجملة (1. أ) و(1. ب)، وهو ما قاد ليكوف إلى بناء نسق منطقي استدلالي للاقتضاء، وافترض وجود خطاطة منطقية متضمنة في الخطاب الطبيعي تسمح لنا بربط علاقة اقتضائية بين الجمل، وهي علاقة لا تقوم بين البنيات السطحية، وإنما بين الصور المنطقية للجمل[48]، ليتخذ الاقتضاء إذ ذاك طابعا دلاليا وليس تركيبيا، إلا أن علاقة الاقتضاء لا تكون جائزة إلا إذا كانت مطابقة لقواعد النحو. ولكي يوضح ليكوف أن الاقتضاء دلالي في طبيعته قدم تمثيلا صوريا لكل البنيات السطحية التي تتخذ صورة س¹ و س²، وضروب الاقتضاء التي تأخذ صورة ل¹ و ل²، لتصبح بنية العبارة س¹ مطابقة لاقتضاء ل¹، وبنية س² مطابقة لاقتضاء ل²، وقد افترض ليكوف أن بنية س¹ تتكون من جملة فعلية فعلها الرئيسي “ظن”، كما في قولنا:

(2)- ظن زيد على وجه الحقيقة أن عمر كان طالبا.

(3)- عمر طالب.

      إذا اعتبرنا الجملة (2) لها بنية س¹، فلا يمكن حسب ليكوف ربطها بالصورة ل¹ إلا إذا كانت علاقة اقتضاء جائزة نحويا بين الصورة المنطقية ل¹ و ل² [49]، كما هو موضح  في الشكل الآتي:

      تبين هذه الخطاطة أن علاقة الاقتضاء لا تسمح بربط الصور المنطقية للجمل ببنياتها السطحية. ورغم ذلك، فعلاقة الاقتضاء ترسم كعلاقة موجودة بين البنيات السطحية، س¹ و س² إذا وفقط إذا كانت العلاقة بين الصور المنطقية المقابلة لها جائزة[50]. وفي هذه الحالة ليس ضروريا اعتبار ضروب الاقتضاء كما لو كانت جزءا من الصور المنطقية للجمل، خصوصا إذا اجتمعت قواعد النحو وتوافقت مع ضروب الاقتضاء. وعليه، أمكن صياغة قواعد النحو كما لو كانت شروطا ملزمة لنقل الاشتقاق من جملة إلى أخرى عن طريق التعدي[51].

خاتمة

      حاصل كلامنا، إن دراسة الاقتضاء دراسة منطقية ودلالية شكلت محاولة رصينة في مجال المنطق واللسانيات. وعليه فدراسة ظاهرة الاقتضاء يتطلب تفسير الصور المنطقية لجميع العبارات الاقتضائية من أجل تمثيل ضروب الاقتضاء، وقد اعتمد ليكوف في ذلك على منطق الموجهات الثنائي، من جهة، والقواعد النحوية، من جهة أخرى، كقاعدة التعدية؛ وهي قاعدة توافق بشكل كبير ظاهرة الاقتضاء، بحيث إن علاقة الاقتضاء لا تستقيم منطقيا إلا إذا كانت علاقة تعدي جائزة. وبهذا الشكل أمكن التقريب بين ما هو منطقي، من خلال رصد العلاقات المنطقية بين جمل اللغة الطبيعية، وما هو نحوي من خلال إسناد بعض البنيات السطحية لها القدرة على التوليد الدلالي، وذلك بواسطة وجود علاقة الاقتضاء بين الجمل، سواء كانت جملا موجبة أم سالبة، فهي تحمل نفس الصورة المنطقية من خلال الكشف عن المحمولات الذرية باعتبارها أساس الصور المنطقية المقابلة للجمل الاقتضائية، لكن اعتماد الاقتضاء على الصور المنطقية يختلف من لغة لأخرى، ولا يمكن تعميمها على اللغة الإنسانية بشكل عام. ومع ذلك، يمكن الاعتماد عليها لتمييز ضروب الاقتضاء من الدرجة الأولى عنها من الدرجة الثانية فما فوقها وفق ما تسمح به علاقة التعدي المبنية على المحمولات الذرية، من قبيل: ظن، زعم، سأل أن، إذا….فإن، حضر…،إلخ.

      إن الطابع العام لمثل هذه المحمولات جعل من الاقتضاء أكثر غموضا والتباسا، مما يصعب معه كل تمثيل لضروبه. وهو ما دفع ليكوف إلى اختبار بعض المقترحات التي قدمها باحثين في اللسانيات والمنطق يكون الهدف منها مراجعة التقويم الموضوعي القائم على المنطق الثنائي، بعدما تبين له وجود الكثير من العبارات الاقتضائية غير قابلة للتقويم باعتماد نفس النسق المنطقي لكونها عبارات غامضة، وهو في الأساس غموض تصوري، وليس غموض تركيبي، كما ادعى رواد الفلسفة التحليلية ذات النزعة الصورية أو أنصار النحو التوليدي. لذلك، فتقويم العبارات الاقتضائية يتطلب اعتماد طريقة جديدة لتقويم التصورات المتضمنة في العبارات الاقتضائية. وهذا ما دفعه إلى تحليل علاقة الاقتضاء بناء على تحليل العلاقات الممكنة بين الصور المنطقية، وليس على مستوى البنية السطحية، ليتحقق بذلك الهدف الأساسي، وهو تمثيل ضروب الاقتضاء بين الجمل.

لائحة المصادر والمراجع

  • Lakoff, G, Linguistique et logique naturalle, traduit de Anglais par, Judith Milner et JoelleSampy, present par Jidith Milner, paris Editions, Klincksieck, 1976
  • Lakoff,G, Pragmatics in natural logic, University Texas,conference on performatives, implication an presupposition, 1973
  1. الباهي، حسان، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2004.
  2. دال، أوستين، وآخرون، المنطق في اللسانيات، ترجمة، عبد المجيد جحفة، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2013.
  3. طه، عبد الرحمان، المنطق والنحو الصوري، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط1 ، 1983.
  4. كيمبسون، راث، نظرية علم الدلالة، ترجمة عبد القادر قنيني، دار الأمان، ط1، الرباط، 2009.
  5. المتوكل، أحمد، اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط2، 2010.
  6. موشلار، ج، روبول، أ، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة مجموعة من الباحثين بإشراف عز الدين المجدوب، مراجعة خالد ميلاد، منشورات دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2010، ص، 113.

[1]– Lakoff, G, Linguistique et logique naturalle, traduit de Anglais par, Judith Milner et JoelleSampy, present par Jidith Milner, paris Editions, Klincksieck, 1976, p. 131.

[2]– Ibid,.p. 133.

[3]-Lakoff,George, Linguistique et logique naturelle,op, cit,p. 1.

[4]– المتوكل، أحمد، اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط، 2، 2010، ص، 96.

[5]-Lakoff,G,Linguistique et logique naturelle, op, cit, p.21.

[6]-Lakoff,G, Pragmatics in natural logic, University Texas,conference on performatives, implication an presupposition, 1973,p.256.

[7]-Ibid.,p. 257.

[8]-Lakoff,G,Linguistique et logique naturelle, op, cit, p.21.

[9]-Lakoff, G,Linguistique et logique naturelle,op, cit, p.21.

[10]-Ibid., p. 21.                                                                                                                                       

[11]-Ibid., p.22.

[12]– Lakoff, G,Linguistique et logique naturelle,op, cit, p.22.

[13]-Ibid., p.23.

[14] -Ibid., p. 23.

[15]-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit, p. 23.

*Never have I seen such imprudence

[16]– Ibid., p. 24.

**He did so eat the hot dog

[17]*Shoveit up your

-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit, p.26.

[18]-Ibid., p.27.

[19]-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit, p.28.

[20]-Ibid., p.29.

*Carl Leroy Baker

[21]-Ibid., p. 29.

[22]-Ibid., p. 29.

[23]– طه، عبد الرحمان، المنطق والنحو الصوري، مرجع سابق، ص، 51.

[24]– ينبغي التميز بين شروط صدق القضايا الناتجة عن تأويل العناصر المكونة لها في علاقتها مع بعضها وفي علاقتها مع أشياء العالم الخارجي، وبين شروط صدق الجمل من خلال تحديد التصورات المتضمنة فيها. في الحالة الأولى نحتاج إلى معيار التطابق مع الواقع، وفي الحالة الثانية نحتاج إلى معايير ترتبط بالمتكلم، ومكان، وزمان التلفظ.

[25]– يرى أوستين دال أن مفهوم الاقتضاء يعود، تاريخيا، إلى الرياضي الألماني غوتلوب فريجه. غير أنه لا يلعب الاقتضاء في المنطق الكلاسيكي أي دور؛ ذلك أن القضايا يفترض أن لها قيم الصدق، لكن بإمكان بناء أنواع من المنطق تسمح بأكثر من قيمتي صدق، وهنا يكون الاقتضاء علاقة منطقية هامة. ويمكن أن نميز بين ثلاث حالات من الاقتضاءات في اللغة الطبيعية: الوجودية existential والوقيعيةfactiveوالمقوليةcategorial بالإضافة إلى وجود أنواع أخرى. أنظر: دال، أوستين، وآخرون، المنطق في اللسانيات، مرجع سابق، ص، 201.

[26]– الباهي،حسان، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، مرجع سابق، ص، 77.

[27]– موشلار، ج، روبول، أ، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة مجموعة من الباحثين بإشراف عز الدين المجدوب، مراجعة خالد ميلاد، منشورات دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2010، ص، 113.

[28]– كمبسون، راث، نظرية علم الدلالة، ترجمة، مرجع سابق، ص، 200 .

[29]– الباهي، حسان، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، مرجع سابق، ص، 77.

[30]– كمبسون، راث، نظرية علم الدلالة، مرجع سابق، ص، 201.

[31]– موشلار، ج، روبول، أ، القاموس الموسوعي للتداولية، مرجع سابق، ص، 113.

[32]– اعترض “لايكن” على هذا التحليل الذي قدمه كل من راسل وستروسن، مبرزا أن تحليل راسل ليس موفقا، بحيث نجد  صعوبة في البرهنة على صدق قضية ما بصدق قضية عارضة أخرى، ومن جهة أخرى اعترض على تحليل ستروسن بالتأكيد على أن التسليم بصحة جملة ما نحويا ينبغي ربط الجملة بوقائع في العالم الخارجي. وعليه، خلص إلى ضرورة استبعاد مفهوم الاقتضاء،وتعويضه بمفهوم التضمين المعجمي. (أنظر: المرجع نفسه، ص، 113).

[33]– كمبسون، راث، نظرية علم الدلالة، مرجع سابق، ص، 207.

[34]– طه، عبد الرحمان، المنطق والنحو الصوري، مرجع سابق، ص، 52.

[35]-Lakoff,G,Linguistique et logique naturelle, op, cit, p.32.

[36]– يدل الرمز (+) على التركيب النحوي الموجب، والرمز (-) على التركيب النحوي السالب، أما الرمز (ر) يعني المحمول (ظن)، والرمز (س) يدل على مفعول معمول فعل (ظن)، أما الرمز ( ﬤ ) يرمز إلى وجود علاقة اقتضاء.

[37]-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit,p. 33.

[38]-Ibid., p. 33.

*prented

[39]-Ibid., p.34.

[40]-Lakoff, G,Linguistique et logique naturelle,op, cit, p. 34.

[41]-Ibid., p.35.

[42]-Lakoff, G,Linguistique et logique naturelle,op, cit, p.35. 

[43] -Ibid.,p. XIX.

[44]-Ibid., p.35.

[45]-Ibid., p. 36.

[46]-Lakoff, G,Linguistique et logique naturelle,op, cit, p. 37.

[47]-Ibid., p. XVIII.

*Wricht, G, H, Von

[48]-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit, p. XVIII.

[49]-Ibid.,p. 55.

[50]-Lakoff, G, Linguistique et logique naturelle,op, cit, p. 55.

[51] -Ibid., p. 56.                                                                                                                                            
___________

                   *د. أحمد جوهاري/ أستاذ زائر بجامعة عبد المالك السعدي.                                                                           


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد