أول خط سكة حديد أنشئ في مصر هو الخط بين القباري في الإسكندرية وكفرالزيات، وكان خطا مفردا حيث صار تركيبه في سنتين، فافتتح في 1854 م، وفي السنة التالية صار افتتاح الخط من كفر الزيات إلى طنطا بواسطة استعمال معدية على النيل بدلا من الكوبري المعدني الذي شيد لاحقا، وفي سنة 1856 م افتتح الخط بين طنطا وبنها وقليوب والقاهرة.
وثاني الخطوط كان خط طنطا محلة روح وسمنود وطلخا ودمياط، افتتح القسم الأول منه سنة 1857 م والثاني في سنة 1859 م، والثالث في سنة 1863 م، والرابع في سنة 1869 م، وتم ازدواج خط القاهرة القباري بين سنتي 1859 و 1865 م .
كما بدأ خط الوجه القبلي من بولاق الدكرور للأقصر وأسوان، حيث تم افتتاح القسم الأول منه من بولاق الدكرور إلى أسيوط سنة 1867 م لغاية 1874، والقسم الثاني من سنة 1892 إلى 1896 م .
تعددت مع الوقت خطوط السكة الحديد في مصر فالخط من الزقازيق للمنصورة افتتح في سنة 1865 م وفي ذات العام افتتح الخط من قليوب للقناطر الخيرية، والخط من شبين الكوم لطنطا افتتح في سنة 1866 م، في حين افتتح خط الواسطي للفيوم وأبوكساه في 1869 م، وفي ذات السنة افتتح الخط من قلين لكفرالشيخ، وفي سنة 1891 م افتتح الخط من شبين الكوم لمنوف وكذا الخط من الفيوم لسنورس وكذلك الخط من دمنهور للرحمانية .
في سنة 1872 م افتتح الخط من طره لحلوان وافتتح خط باب اللوق طره في سنة 1890 م، وافتتح خط الاسماعيلية بورسعيد في 1904 م، هذا كله وغيره أدى إلى أن صارت خطوط السكة الحديد في مصر في سنة 1891 م، 1569 كيلومتر، وعدد المحطات على هذه الخطوط 168 محطة، وفي سنة 1917 م صار طول الخطوط في مصر 2329 كيلو مترًا وعدد المحطات 204 محطة، بخلاف 74 نقطة تقف عندها القطارات، إضافة لخط الأقصر أسوان وهو خط ضيق ( أقل عرضا آنذاك عن باقي الخطوط في مصر) بطول 220 كيلومتر وعدد محطاته 17 محطة، بذلك يكون إجمالي طول السكة الحديد في مصر آنذاك 2549 كيلو مترًا بها 295 محطة، ومن سنة 1917 م إلى 1925 م، أصبحت أطوال خطوط السكك الحديدية في مصر 2458 كيلو مترا وباعتبار بعض الخطوط مزدوجة تكون أطوالها 3117 كيلومترا، وعدد محطاتها 377 محطة هذا بخلاف 987 كيلو متر من السكك بمحازة المحطات المذكورة.
قلبت السكة الحديد الحياة في مصر، ذكر علي باشا مبارك أنها أدت إلى ( تعظيم رغبة التجار في استعمال السكك الحديدية وانهالت البضائع على اختلاف أنواعها عبر جميع المحطات تجارية وزراعية) ومع دخول مصر اقتصاد السوق القائم على التعامل النقدي، وفتح الباب أمام رؤوس الأموال والتجارة الدولية، أي حرية التجارة، مع وجود روابط سريعة بين المدن المصرية، ونتيجة حرية التجارة انتشرت في عهد سعيد باشا بيوت التصدير الأجنبية التي كانت قائمة في الإسكندرية حينذاك فأرسلت وكلائها التجاريين إلى المدن المصرية لشراء المنتجات المحلية، والاشراف على نقلها تمهيدا لتصديرها، من هنا بدأت بذور الرأسمالية المصرية الحديثة .
هذا يفسر تصاعد الدور الذي تقوم به السكة الحديد في الاقتصاد المصري، حتي رهن الخديو اسماعيل في أحد قروضه دخل السكة الحديد وميناء الإسكندرية، وعندما أصدر الخدية توفيق في 1880م قانون تصفية الدين نص البند الثالث فيه علي توجيه صافي ايرادات السكة الحديد والتلغرافات وميناء الإسكندرية لسداد فوائد استهلاك الدين الممتاز دون غيره، وهكذا ذهب ايراد ضخم لسداد ديون الخديو اسماعيل العبثية. لم تشهد السكة الحديد في مصر خلال خضوعها لادارة صندوق الدين تقدما كبيرا، غير أنها مع تحسن الوضع الاقتصادي سرعان ما عادت إلى الدولة المصرية مرة أخري في بدايات القرن العشرين، ةتشير موازنة الحكومة المصرية في عام 1913 م إلى أن الحكومة خصصت اعتمادت مفتوحة لتنفيذ مشروعات نظارة الأشغال العمومية، ومن بينها اكمال طرق السكة الحديد بين بعض المدن، مثل خط زفتي الزقازيق وتكملة خط كفر الزيات منوف واتمام الكوبري الجديد علي الترعة الابراهيمية في أسيوط، واستمرار العمل في كوبري امبابة الذي سيربط لاحقا خطي الصعيد الوجه البحري، والشروع في بناء محطة جديدة في الإسكندرية ومحطة كوبري الليمون في القاهرة، وتجديد قضبان الخطوط واصلاح المحطات .
كان من نتاج هذا الصعود المستمر في دور السكة الحديد مصريا ودوليا أن شرعت بريطانيا في دراسة مد خطوط السكة الحديد من الإسكندرية إلى كيب تاون في جنوب افريقيا بطول 5 ألاف ميل، منها ألفي ميل كانت منشأة في مصر والسودان، وفي الجنوب كان خط السكة الحديد ممتد من مدينة كيب تاون إلى بولا وايوه، ومعظم هذا الخط المقترح كانت بلاده تخضع للاحتلال البريطاني، طرح هذا المشروع في عام 1905 م، وكان المستفيد الأكبر منه طبقا لدراساته الأولي مدينة الخرطوم التي كان يبلغ عدد سكانها أنذاك عشرة ألاف نسمة .وكانت سكة حديد السودان أنشئت بأمر من السردار كتشنر قائد حملة استرداد السودان سنة 1869 م وعمل في إنشائها الجنود المصريين في الحملة .
أدت الحرب العالمية الأولى إلى اعتماد بريطانيا وحلفائها علي خطوط السكة الحديد المصرية بصورة كبيرة، لكن بعد الحرب جرت تجديدات موسعة لهذه الشبكة، لنصل إلى ثلاثينيات القرن العشرين حيث لاغني للمصريين عن هذه الوسيلة العصرية، فالحركة الكثيفة للقطارات نري وصفها في هذه الفترة من خلال محطة القاهرة التي كانت تحتوي علي 9 أرصفة يخرج ويدخل منها نحو 100 قطار يوميا تقل نحو عشرة ألاف راكب، وهناك عد هذه المحطة محطتان للضواحي : محطة باب اللوق وكوبري الليمون، وعدد قطارات هاتين المحطتين يبلغ 150 قطارا يوميا . وكانت محطة القباري كانت أكبر محطة للبضائع في مصر ففها 250 طريقا حديديا ويدخلها ويخرج منها يوميا 2500 عربة بضائع.
تحولت السكة الحديد في الثلاثينيات من القرن العشرين لمصلحة حكومية قائمة بذاتها علي النمط التجاري، وقدر رأسمالها آنذاك بنحو 33 مليون جنية، ودفعت في عام 1931 م لخزانة الدولة المصرية أكثر من 2 مليون جنية كأرباح للحكومة أي حوالي 6% من رأسمالها.
تحولت السكة الحديد في مصر إذا إلى قاطرة للاقتصاد والتنمية في مصر في هذه الفترة التاريخية، ومن الملفت للانتباه هي أنها كانت تساير التقدم في مجالها علي الصعيد الدولي أول بأول حتي كان يشار إليها بالبنان في التقارير الدولية، ومن ذلك تغيير القضبان من الحديد للصلب بدءا من عام 1889 م لصلابته، وامتلكت مصلحة السكة الحديد ورش ومصانع تم إنشاؤها بين عامي 1894 م و1910 م، منها مصنعان في بولاق والثالث في القباري، حيث كانت تتم صيانة القاطرات والعربات، بل وتصنيع عربات الركاب ونقل البضائع، وأول عربة قطار صنعت في مصر سنة 1889 م .
أخذت السكة الحديد المصرية بمبدأ التطور الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، فبدأت في التحول من الجر بالبخار إلى الجر بالديزل والكهرباء، لذلك اتجهت إلى استخدام الكهرباء علي بعض خطوط الضواحي حيث بدأت في تنفيذ مشروع كهربة خط حلوان المزدوج بطول 25 كيلو متر فيما بين باب اللوق وحلوان عام 1953 م وتم تشغيله بالوحدات الكهربائية سنة 1956 م .وتم التحول الكلي إلى الجر بالديزل علي كافة خطوط سكك حديد مصر اعتبارا من أول إبريل سنة 1963 م، ونتيجة لاحلال الديزل مجل البخار تحسنت الخدمة كما أمكن الاقلال من أعطال القطارات، وانخفضت بصورة كبيرة تكلفة الوقود المستخدم في التشغيل. تقدمت علوم السكة الحديد في مصر حتي برزت العديد من الأسماء في جامعة القاهرة منذ فترة مبكرة كان منهم محمد حافظ الذي قدم العديد من الدراسات الوافية بعضها لقي قبولا دوليا لابتكاراته، لكنه أيضا كان حريصا علي النشر باللغة العربية منذ عام 1929 م وهذا يرجع إلى رغبة جيله في نشر العلم، حتي صار كتابه ( السكك الحديدية وهندستها) الذي صدر عام 1945 م مرجعا لاغني عنه أعيد طباعته عدة مرات، وفي الخمسينيات برز في هذا المجال شاب كان عائدا من بعثة في الولايات المتحدة هو الدكتور مصطفي خليل الذي قدم تقريرا وافيا عن اقتصاديات التحول من القاطرات البخارية إلى استخدام الديزل، وأبحاثه كانت سببا في توليه وزارة المواصلات في سن صغيرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ليصبح لاحقا رئيسا لوزراء مصر في عهد الرئيس أنور السادات .
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.