التنويريفكر وفلسفة

واصل بن عطاء المعتزلي: مقاومة توظيف بيزنطا للجبر عبر يوحنا الدمشقي لإشغال المسلمين

مقدمة

يُعَدّ واصل بن عطاء (131-80هـ) ([1]) أحد أعلام الفكر الإسلامي، ومؤسس مذهب الاعتزال الذي شكل منعطفًا فكريًا بارزًا في تاريخ علم الكلام الإسلامي. تميز واصل برؤية عقلانية ناقدة سعت إلى مواجهة الانحراف الفكري والتصدي للاستبداد السياسي والديني، ليس بالسيف أو القوة، بل من خلال تفكيك البنى الفكرية التي شرّعت الظلم ورسّخت الاستبداد.

تتناول هذه الدراسة أدوار واصل بن عطاء في ثلاثة محاور رئيسية: نظريته الشهيرة “المنزلة بين المنزلتين”، مواجهته الفكرية مع اللاهوت المسيحي ممثلًا في يوحنا الدمشقي، ومحاولاته لتغيير قناعات الشخصيات الفكرية المؤثرة مثل جهم بن صفوان. ومن خلال هذه المحاور، تكشف الدراسة عن الأساليب الجدلية والاستراتيجية التي وظّفها واصل في مواجهة التحديات الفكرية والسياسية لعصره.

إن تحليل هذه الأبعاد يكشف لنا ليس فقط عن ديناميكية الأداء الفكري لواصل بن عطاء، بل أيضًا عن عمق إيمانه بدور الفكر في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بعيدًا عن العنف والقهر.

في العصور الإسلامية المبكرة، فطن واصل بن عطاء، مؤسس المعتزلة، إلى توظيف القوى العظمى مثل الإمبراطورية البيزنطية للعقيدة كأداة سياسية للسيطرة على المجتمعات الإسلامية. عبر مفكرين مثل يوحنا الدمشقي، الذي سعى لتفسير عقائد المسيحية بما يتماشى مع سياسات الإمبراطورية البيزنطية، حاولت هذه القوى استخدام الفكر الجبري لتثبيت نظام حكم مستبد وفرض السيطرة على الشعوب. ومن خلال دعم الدولة الغسانية المسيحية المتنكرة تحت الرداء الأموي، سعت هذه القوى إلى نشر عقيدة الجبر التي تتوافق مع مصالحها السياسية.

في المقابل، تمكن واصل بن عطاء من مقاومة هذا التوجه عبر تأسيسه للمدرسة المعتزلية، التي دافعت عن حرية الإرادة والعدالة الإلهية. كانت هذه العقيدة تتناقض تمامًا مع الفكر الجبري السائد، مما جعل المعتزلة يدعون إلى استخدام العقل في تفسير الدين ورفض التفسير الجبري الذي كان يبرر الحكومات الظالمة. وهكذا، كان واصل رائدًا في مقاومة استخدام العقائد كأداة للسيطرة السياسية، وفتح الطريق لفكر ديني أكثر عقلانية وحرية في العالم الإسلامي.

فعندما يعتنق مفكر إسلامي بحجم واصل بن عطاء المعتزلي (131-80هـ) فكرة مواجهة الانحراف عن المسار الإسلامي العادل وانتشار الاستبداد، فإنه يثور ضد الجذور الفكرية المؤسسة والمُشَرّعة للظلم وليس بشهر السلاح.

عمل واصل بن عطاء من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

1. “المنزلة بين منزلتين”.

2. مواجهة كتابات يوحنا الدمشقي.

3. إقناع الجبري الزاهد جهم بن صفوان بترك الجبر أو الانقلاب عليه.

 أولا: “المنزلة بين المنزلتين

 رفض واصل أطروحة أهل الجبر اللاهوتية التي تُفْقِد الإنسان إرادته ومشيئته فالجبرية تقول: ما يفعل الإنسان من فعلٍ إلا وهو مجبور بإرادة الله لفعل ذلك الفعل. فما يقتل قاتل أو يسرق سارق إلا بإرادة الله لا بإرادة القاتل أو السارق.

الفكر الجبري يروج لمقولة أن كل الشرور تنسب الى قدرة الله تعالى. فلو لم يشأ الله من القاتل أن يقتل ما قتل.

وهذه المقولة تفيد الجور وأهله. عليه لا يجب الزعل من أهل الجور وولاتهم لأنهم مجبورين جبرا إلهيا على فعل الإجرام.

 والدليل على هذا ما ورد من مجيء معبد الجهني [ت: 80] وعطاء بن يسار [ت: 103] إلى الحسن البصري

[ت: 110] قائلين له: «يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون الأموال، ويفعلون ويفعلون، ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله، فقال: كَذَبَ أعداءُ الله». ابن قتيبة، المعارف: 441.

 رفض واصل الفكر الإرجائي. فالفكر الإرجائي كان يروج لمقولة أنه لا يضر مع الإيمان فعل المعاصي. وهذه المقولة تفيد أهل الجور وولاتهم الذين كانوا يقتلون على الظن دونما أن تقدح المعاصي العظام بدرجة إيمانهم.

 رفض واصل الفكر الخوارجي الذي كان يروج لفكرة نقيضة للفكر الإرجائي. فالخوارج يؤمنون بحرية الإرادة الإنسانية وذلك بربطها ربطا إفنائيا مع الأفعال. فعندهم “الأفعال جزء من الإيمان”. ففعل الحسنات تعكس قلبا مؤمنا مثلما أن فعل المعاصي ينفي حضور الإيمان في قلب العاصي. وإذا فقد المؤمن إيمانه يعني إنه إرتد. فيحل دمه.

 “المنزلة بين منزلتين” مصطلح المنزلة كناية عن مؤشر متحرك. يتحرك على مسار بحسب نوعية المعصية ودرجة الخطأ.

بعض الخطأ يزحزح الإنسان الى ما دون الإيمان المثالي بقدر قليل جدا.

وبعض المعاصي توصل الإنسان الى ما قبل الكفر المحض بقليل جدا.

الإيمان [+ــــــــــــــــــــــــــــ 0 ـــــــــــــــــــــــــ ـ] الكفر

الرد على الخوارج من خلال “المنزلة بين منزلتين”

هكذا يقول واصل من خلال أطروحة المنزلة بين منزلتين للخارجي أن المسلم مرتكب المعصية الكبيرة لا يصل إلى الكفر المحض، ولكن يصل الى ما دونها بشيء بسيط جدا. فإذا لم يكفر مرتكب المعصية الكبيرة لم يرتد. وإذا لم يرتد لا يحل دمه. هكذا لا يجوز عند واصل قتل مرتكب المعصية. وهكذا قد يجد الخارجي في مقالة واصل بن عطاء حد أدنى من الاتفاق. ويقرر الانضمام الى عقيدة الاعتزال. ويحصل السلم المجتمعي.

 الرد على المرجئة من خلال “المنزلة بين منزلتين”

 هكذا يقول واصل من خلال أطروحة المنزلة بين منزلتين للمرجئي أن المعصية الكبيرة تفقد المسلم رتبة الإيمان المثالية وتسقطة الى منزلة قد تكون قليل جدا دون الإيمان المحض.

ولكون الخطأ وقع في الدنيا فعلى القاضي أن يقوم بتقدير موقع منزلته بين المنزلتين وتقدير عقوبته في الدنيا.لذلك نجد أغلب القضاة معتزلة.

ثانيا: مواجهة يوحنا الدمشقي

 التخطيط الاستراتيجي في فكر واصل بن عطاء المعتزلي (ت 131 هجري) رحمه الله تعالى، مع يوحنا منصور بن سرجون ت. 131 هجري والذي كان هو مع ابوه وجده يعملون كمستشارين عند معاوية ومع الدولة الأموية ([2]). وكان يوحنا زعيم الفرع المسيحي الدمشقي المسيحية الأرثوذكسية المشرقية المعروفة في سوريا آنذاك باليعقوبية.

من تأليفات يوحنا منصور بن سرجون الكتب والرسائل التالية:

 ١) جدال بين مسلم ومسيحي، يدافع فيه عن عقيدة التجسّد ويرفض نظرية القضاء والقدر.

٢) إرشادات النصارى في جدل المسلمين.

٣) حوار مع المسلمين.

هذه العناوين تبدي أمرين

الأول أن يوحنا كان يصارع طلائع المعتزلة الفكرية

ثانيا كان يوحنا المرشد الديني للجيش المسيحي اليعقوبي العربي الأموي

وهو الجيش الفاعل في قوات معاوية وبني أمية الى آخر لحظة وجودهم …

  يبقى السؤال كيف تواجه واصل بن عطاء المعتزلي مع يوحنا الدمشقي معرفيا.

فكل ثورة سياسية تحتاج الى تنظير ايدلوجي يسندها.

من معتقدات يوحنا الدمشقي ان الله قديم وكلامه أيضا قديم.

 قال يوحنا: نحن نعبد الله لأنه قديم ونعبد المسيح الذي هو كلمة الله لأنه أيضا قديم .

 رد واصل على يوحنا بالتفصيل عندما قال: بالقديم وبالحادث.

القديم هو الله فقط

وكل ما سوى ذات الله حادث

فقال واصل القرآن والإنجيل والتوراة والصحف والالواح

خلقت واوجدت كحوادث بعد ذات الله …

لماذا تطرق واصل الى هذا؟

 لأن الغساسنة كانوا يقاتلون ايدلوجيا مع بني امية ضد المسلمين

يقاتلون من اجل عيسى الذي هو قديم مثل قدم الله.

 فقال واصل أن يوحنا قال بقدم كلام الله … وجعل عيسى قديما أيضا وقال إننا نعبد القدمين الله وعيسى فلو أخذنا منطقه أيضا فيمكن القول ان ليس فقط عيسى قديم بل ايضا اللوح المحفوظ قديم وجبريل قديم وميكائيل قديم واسرافيل والعرش وحملته. فهل يا أتباع يوحنا الدمشقي ستعبدون كل ما هو قديم …؟

 قال واصل للمسيحين ان يوحنا يهذي عليكم وهو هكذا فتح الباب للتعددات الى اكثر من ثلاثة.

هكذا غرز واصل في نفوس المسيحيون من أتباع يوحنا بذرة الشك. يشكون بعقيدتهم ومع الشك هذا ضعفت عزيمتهم في شهر السيف ايدلوجيا فضعف الجيش المساند لأهل الجور مما فتح الطريق الى هزيمتهم لاحقا.

يوحنا الدمشقي الأب الروحي لنصارى الشام تحديدا الغساسنة والرمز الروحي لجيش الغساسنة المسيحي الذي ساند معاوية في حربه ضد علي بن أبي طالب ….

فلتحقيق أي نجاح ضد أهل الجور لابد من أن تخلخل المنظومة الفكرية الداعمة لهم. وحركة نصارى بني غسان أهم داعم لبني أمية.

فبضرب أفكار يوحنا الدمشقي يعني ضرب لشخص يلعب دور الرمز للجيش المسيحي الغساني الذي يخوض بالنيابة عن أهل الجور معاركهم.

فبإضعاف المقام الرمزي ل “يوحنا” سيؤدي إلى إضعاف لمعنويات الجيش المسيحي المرابط في الشام وحامي أهل الجور.

 يوحنا الدمشقي كتب بكل حرية من القصور الدمشقية. فمثلا خاض يوحنا الدمشقي وهو (منصور بن سرجون بن منصور) معركة للدفاع عن فكرة تجسيد الرب في جسد عيسى بن مريم من خلال الدفاع عن الأيقونات.

ففي خلافة عمر بن عبد العزيز أو هشام بن عبد الملك، استقال يوحنا من وظيفته.

وهناك رأي آخر بخصوص استقالته حيث تقول بعض المصادر بأنه عندما استلم

الملك “لاون” الحاكم في القسطنطينية. أثار الملك لاون حرباً ضد التجسيد من خلال رفض الأيقونات، فأمر برفعها من الكنائس وأخذ يضطهد المؤمنين بها، سمع يوحنا، وهو في مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية، بهذه الموجة فأنبرى للرد على كل من يهاجم الأيقونات واصفاً إياه بالمهرطق وبأنه يحارب تجسد ابن الله من العذراء، وتألّه البشر بالنعمة الإلهية!

 ثالثًا: دور واصل في تغيير موقف الجهم بن صفوان (أبو محرز الراسبي) ([3])

واصل بن عطاء المعتزلي كان تلميذًا بارزًا للحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب (الحنفية) ([4]) ، ويعد ثاني أهم تلميذ بعد غيلان الدمشقي. ([5]) . عمل واصل بصمت لإسقاط العقائد التي تدعم أنظمة الحكم الجائرة.

في تلك الحقبة، سمحت دولة بني أمية بانتشار الفكر الجبري في أرجاء الدولة. وكان الفكر الجبري يدّعي أن الإنسان مُسيّر تمامًا وليس له حرية الاختيار، وأن أي جريمة يرتكبها الإنسان هي نتيجة للتسيير الإلهي الذي لا يجوز الاعتراض عليه.

كانت هذه الفكرة متوافقة مع مصالح الحكام الجائرين، لذا دعموا نشرها، ما أدى إلى تحوّل عقيدة معظم المسلمين في تلك الفترة إلى الجبرية. بعد وفاة غيلان الدمشقي، انتقلت مهمة مواجهة هذه العقيدة إلى واصل بن عطاء.

لاحظ واصل وجود عالم جبري مختلف يدعى جهم بن صفوان (ت 128 هـ)، الذي كان زاهدًا وورعًا ويعيش بعيدًا عن دمشق. أرسل واصل أحد كبار تلامذته، حفص بن سالم، إلى مدينة ترمذ (مرو) في خراسان، حيث تعرف على جهم بن صفوان. ورغم أن جهم لم يقتنع بأفكار واصل، إلا أنه قرر الخروج ضد حكم بني أمية وكأنما بثورة جهم بن صفوان الجبرية، حيث قال للجماهير الإسلامية الجبرية:

“يا عباد الله، يا من أنتم تحت مشيئته، إن المشيئة الإلهية تقول لكم أزيلوا بني أمية.”

وعندما سمع ذلك المصلح الزاهد الحارث بن سريج بن ورد التميمي، ذهب إلى جهم بن صفوان وقال إنه جبري ويحب العدل وسيقوم بتنفيذ المشيئة الإلهية. فبدأوا معًا ثورة في مرو، ولبسوا السواد كرمز للثورة، لكنهم خسروا المعركة في عام 128 هـ. تم إعدام جهم بن صفوان أمام الثوار، وكذلك تم إعدام الحارث التميمي.

انتشرت أخبار إعدام الجهم بين الجبريين في المجتمع الإسلامي، وكان ذلك حدثًا مفاجئًا. توفي واصل بن عطاء في عام 133 هـ، ولكن بعد سبع سنوات فقط من مقتل جهم بن صفوان، قام أبو مسلم الخراساني بالثورة الكبرى من مدينة مرو في عام 135 هـ. ارتدى أبو مسلم وأتباعه السواد لإثارة مشاعر الجبريين وإحياء رغبتهم في الثورة انتقامًا لشيخهم الجهم بن صفوان.

رأى أهل مرو رجال أبو مسلم الخراساني يلبسون السواد، فاندفعوا للانضمام إلى صفوفه، وتناقلت الأخبار بين الجبريين في بقية أنحاء المجتمع الإسلامي، معلنة أن الثورة لتلبية المشيئة الإلهية قد بدأت. وقال جهم بن صفوان (بمعناه):

“يا عباد الله، يا من أنتم تحت مشيئته، إن المشيئة الإلهية تقول لكم أزيلوا أهل الجور.”

وبذلك، سقط حكم الجور. وعاش الزاهد الواعظ عمرو بن عبيد، زميل واصل بن عطاء، ليرى انتصار زميله واصل، وانتصار شيخ شيخه الحسن بن محمد بن الحنفية، وانتصار غيلان الدمشقي، حين سقط حكم أهل الجور.

الخاتمة

في القرون الأولى من الإسلام، شكلت الصراعات العقائدية والسياسية ميدانًا رئيسيًا لتوظيف الأفكار الدينية وتوجيه الحروب الفكرية واللاهوتية. كان واصل بن عطاء، مؤسس المعتزلة، يمثل نقطة تحوّل في هذه الصراعات الفكرية. لكن توظيف العقائد في هذه الحروب لم يقتصر على الفِرق الإسلامية وحدها، بل كان أيضًا ميدانًا لعدة جهات خارجية، خاصةً الدولة البيزنطية من خلال مفكرين مثل يوحنا الدمشقي، الذين كان لهم دور بارز في تشكيل الفكر الديني والسياسي في صراعاتهم مع العالم الإسلامي، خصوصًا في إطار الرداء الأموي وفيما يتعلق بتفسير العقائد المسيحية ومقارنتها بالعقيدة الإسلامية.

 1. التوظيف العقائدي في الحروب الفكرية بين الدولة البيزنطية والإسلام

كانت الدولة البيزنطية، ممثلة في مفكرين مثل يوحنا الدمشقي، أحد الأعداء الفكريين الرئيسيين للإسلام في العصور المبكرة. يوحنا الدمشقي كان يروج لفكر اللاهوت المسيحي الذي يميز بين جوهر الإيمان المسيحي والإسلام. ومع ظهور الإسلام، بدأ يستخدم الفكر اللاهوتي المسيحي ليُفَسر ويُفَنّد بعض المفاهيم الإسلامية الجديدة، بما في ذلك عقيدة التوحيد الإسلامية، في محاولة لتوجيه حروب دينية وفكرية ضد الإسلام.

– الرداء الأموي: على الرغم من أن الأمويين لم يتبعوا بشكل كامل العقيدة المسيحية، إلا أن الدولة الغسانية – التي كانت تابعة للدولة البيزنطية – كانت لها تأثيرات ثقافية ودينية واضحة على الأمويين، خاصة في جنوب بلاد الشام. هذه العلاقة أسهمت في توجيه بعض من الأسس العقائدية التي تبنتها الدولة الأموية، مثل الالتزام بالقوة والسيطرة الدينية، وهو ما كان يتماشى مع العديد من المفاهيم المسيحية.

– خلق العقيدة الجيرية: كان هناك تفاعل بين العقيدة الإسلامية والعقيدة المسيحية في سياق الرد على الحروب الفكرية بين الإسلام والبيزنطيين. واصل بن عطاء ومن معه من المعتزلة كان لديهم نظرة عقلانية وفلسفية جديدة تقر بعدالة الله وأهمية حرية الإرادة، بينما كانت الدولة البيزنطية من خلال يوحنا الدمشقي وغيره تسعى لإثبات بطلان هذه العقيدة أو التنقيب في تفسيرات معاكسة تبرز تفوق العقيدة المسيحية على نظيرتها الإسلامية.

 2. صراعات سياسية ودينية داخل العالم الإسلامي

إن توظيف العقائد في الحروب السياسية والدينية داخل العالم الإسلامي لم يكن مقتصرًا على الخلافات بين المسلمين والبيزنطيين فقط، بل كان يشمل أيضًا الحروب الفكرية بين الفرق الإسلامية المختلفة. وقد أبرزت هذه الحروب العقائدية مسألة الشرعية الدينية والسياسية للحكام والأمراء.

– المعتزلة: على الرغم من أن المعتزلة كانوا جزءًا من الصراع الفكري الإسلامي، إلا أنهم استخدموا العقيدة لتوجيه انتقادات شديدة للأنظمة السياسية القائمة، لا سيما في مواجهة الفهم السائد للعقيدة الجبرية التي روج لها خصومهم مثل الجبريين. كانت المعتزلة تنظر إلى الجبرية على أنها تبرير للظلم السياسي والديني، ورأت أن الإنسان يجب أن يكون له حرية الإرادة في اتخاذ القرارات.

– التكفير والتحالفات: كما استخدم خصوم المعتزلة مفهوم التكفير ضدهم وأحيانًا ضد الفرق الإسلامية الأخرى. كانت هذه التكفيرات تُستخدم لتبرير الصراعات الدينية والسياسية الداخلية، بل وأحيانًا لشرعنة الحروب. على سبيل المثال، في حرب الجمل وصفين، كان هناك توظيف واسع للعقيدة لتحديد “الحق” و”الباطل” بين الفرق المتنازعة، سواء في سياق الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان أو في صراع السنة والشيعة حول قضية الخلافة.

 3. التأثير المتبادل بين المسيحية والإسلام

إحدى أهم النقاط التي ينبغي تسليط الضوء عليها هي العلاقة بين المسيحية والإسلام في سياق استخدام العقائد في الحروب الفكرية. كان يوحنا الدمشقي، من خلال أعماله، يُمَثل تحديًا فكريًا للرسالة الإسلامية، ويُقدّم تفسيرًا مسيحيًا يتماشى مع مفاهيم الكنيسة الأرثوذكسية. وكان أحد أبرز نقاط النزاع هو قضية التوحيد وفهم الله في كل من المسيحية والإسلام، إذ كان يوحنا الدمشقي يصر على أن الإسلام يُحرف مفهوم التوحيد، بينما كان المعتزلة يرون أن مفهوم التوحيد الإسلامي هو العقيدة الأصيلة.

– إسهام الغساسنة: كانت الدولة الغسانية الأرثوذكسية، رغم سقوطها تحت الحكم الأموي، تظل تلعب دورًا في هذا الصراع الفكري، حيث كان لها تأثير في تعزيز العقائد المسيحية وتأطير هذه العقائد ضمن سياق الأيديولوجيات السياسية. ورغم ذلك، حاول الأمويون دمج بعض هذه التأثيرات ضمن نظامهم السياسي والثقافي.

 4. استمرار الحروب العقائدية عبر العصور

على مر العصور، استمر استخدام العقائد الدينية لتوجيه وتبرير الصراعات السياسية والدينية. كانت الحروب التي نشأت بين الفرق الإسلامية – من المعتزلة والأشاعرة إلى السنة والشيعة – تُستخدم لتحديد الشرعية الدينية والتأكيد على الولاء السياسي. وكما فعلت الدولة البيزنطية من خلال يوحنا الدمشقي، كان العديد من الحكام يستخدمون التفسير العقائدي للديانات كوسيلة لتوطيد سلطتهم على الشعوب أو لتحفيز المقاومة ضدهم.

 5. الخلاصة

إن التوظيف العقائدي في حروب اللاهوت الإسلامي كان يمثل وسيلة لتوجيه الصراعات السياسية والدينية في العالم الإسلامي. كما أن التأثيرات المسيحية، خاصة من خلال يوحنا الدمشقي وأتباعه من الدولة البيزنطية، أسهمت في خلق حروب فكرية معقّدة، حيث توظيف العقائد لم يكن مقتصرًا على تبرير الحروب بل كان أيضًا جزءًا من الصراع على الشرعية الدينية والسياسية داخل العالمين البيزنطي والإسلامي.

المراجع العربية

  • ابن عساكر، أ. (1995). تاريخ مدينة دمشق. دار الفكر.
  • الأسدآبادي، ع. ج. أ. (1986). فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة (تحقيق فؤاد سيد). تونس: الدار التونسية للنشر.
  • العوا، ع. (1987). المعتزلة والفكر الحر. دمشق: دار طلاس.
  • الدمشقي، ي. (د.ت.). الدفاع عن الأيقونات المقدسة. (ن. الناشر).
  • القاسمي، ج. د. (1913). تاريخ الجهمية والمعتزلة. مصر: مطبعة المنار.
  • الفيومي، م. إ. (د.ت.). المعتزلة: تكوين العقل العربي – أعلام وأفكار. القاهرة: دار الثقافة.
  • فلاخوس، إ. (د.ت.). الفكر الكنسي الأرثوذكسي. تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع.
  • قاضي، ي. (2005). مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية. الرياض: دار أضواء السلف.
  • نصر الله، ج. (1991). منصور بن سرجون المعروف بالقديس يوحنا الدمشقي: عصره، حياته، مؤلفاته. المكتبة البولسية.
  • اليازجي، ك. (د.ت.). يوحنا الدمشقي: آراؤه اللاهوتية ومسائل علم الكلام. منشورات النور.
  • الحفظي، ع. ب. ع. (2000). تأثير المعتزلة في الخوارج والشيعة: أسبابه ومظاهره. جدة: دار الأندلس الخضراء.
  • علم الدين، س. س. (2000). المعتزلة: تاريخ، عقائد، فرق، أعلام. بيروت: مؤسسة نوفل.

الهامش


[1] )  وَاصِلُ بنُ عَطَاءٍ أَبُو حُذَيْفَةَ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم
البَلِيْغُ، الأَفْوَهُ، أَبُو حُذَيْفَةَ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الغَزَّالُ.
وَقِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي ضَبَّةَ.
مَوْلِدُه: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، بِالمَدِيْنَةِ.
وَكَانَ يَلثَغُ بِالرَّاءِ غَيْناً، فَلاِقْتِدَارِهِ عَلَى اللُّغَةِ وَتَوَسُّعِهِ يَتَجَنَّبُ الوُقُوْعَ فِي لَفظَةِ فِيْهَا رَاءٌ، كَمَا قِيْلَ:
وَخَالَفَ الرَّاءَ حَتَّى احْتَالَ لِلشِّعْرِ…
وَهُوَ وَعَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ رَأْسَا الاعْتِزَالِ، طَرَدَهُ الحَسَنُ عَنْ مَجْلِسِهِ لَمَّا قَالَ: الفَاسِقُ لاَ مُؤْمِنٌ وَلاَ كَافِرٌ.
فَانضَمَّ إِلَيْهِ عَمْرٌو، وَاعْتَزَلاَ حَلْقَةَ الحَسَنِ، فَسُمُّوا
المُعْتَزِلَة، قَالَ شَاعِرٌ:وَجَعَلْتَ وَصْلِي الرَّاءَ لَمْ تَلْفِظْ بِهِ … وَقَطَعْتَنِي حَتَّى كَأَنَّكَ وَاصِلُ
وَقِيْلَ: لِوَاصِلٍ تَصَانِيْفُ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُجِيْزُ التِّلاَوَةَ بِالمَعْنَى، وَهَذَا جَهْلٌ.
قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: عُرِفَ بِالغَزَّالِ؛ لِتَرْدَادِهِ إِلَى سُوْقِ الغَزْلِ؛ لِيَتَصدَّقَ عَلَى النِّسوَةِ الفَقِيْرَاتِ.
جَالَسَ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ لاَزمَ الحَسَنَ، وَكَانَ صَمُوتاً، طَوِيْلَ الرَّقَبَةِ جِدّاً.
وَلَهُ مُؤَلَّفٌ فِي التَّوْحِيْدِ، وَكِتَاب (المَنْزِلَةُ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ) .

[2] ( يوحنا الدمشقي أو القديس يوحنا الدمشقي (باليونانيّة: Ιωάννης Δαμασκήνος Iôannês Damaskênos، باللاتينيّة: Iohannes Damascenus) والملقب بدفاق الذهب نظرًا لفصاحة لسانه، ولد باسم يوحنا منصور بن سرجون عام 676 في دمشق خلال حكم الدولة الأموية، من عائلة مسيحية نافذة إذ كان والده يعمل وزيرًا في بلاط الخلافة الأموية وكذلك كان يعمل جده رئيسًا لديوان الجباية المالية فيها. وقد شغل يوحنا الدمشقي نفسه هذه الوظيفة فترة من الزمن، ومن ثم دخل إلى دير القديس سابا قرب القدس في فلسطين بعد بداية خلافة هشام بن عبد الملك، وقد جمعته صداقة معه ومع عدد من الخلفاء قبله.  وتميز بمؤلفاته اللاهوتية الفلسفية العديدة ودفاعه الشديد عن العقائد المسيحية و ردّه على «الهرطقات المختلفة خصوصًا فيما يتعلق بتكريم الأيقونات»؛ وكان يؤلف باليونانية مع استخدامه السريانية في حياته اليومية وإحسانه العربية. يعتبر يوحنا الدمشقي آخر آباء الكنيسة الشرقية بإجماع الباحثين. وقد شكّلت مؤلفاته مرجعًا مهمًا لجميع لاهوتي القرون الوسطى حتى أن توما الإكويني يستشهد به في مؤلفاته، كما ألف عددًا من الترانيم الكنسية التي لا تزال مستعملة في طقوس الكنيسة البيزنطية حتى اليوم. يوصف بالعالم اللاهوتي، والخطيب الديني، والمدافع الكنسي، والمجادل العقائدي، ومنظم الفن البيزنطي، والموسيقى البيزنطية، ووصفه فيليب حتي بأنه «أبرز مفاخر الكنيسة السورية في ظل الدولة الأموية”

[3])  جَهْمُ بنُ صَفْوَانَ أَبُو مُحْرِزٍ الرَّاسِبِيُّ مَوْلاَهُم
السَّمَرْقَنْدِيُّ، الكَاتِبُ، المُتَكَلِّمُ، أُسُّ الضَّلاَلَةِ، وَرَأْسُ الجَهْمِيَّةِ. كَانَ صَاحِبَ ذَكَاءٍ وَجِدَالٍ. كَتَبَ لِلأَمِيْرِ حَارِثِ بنِ سُرَيْجٍ التَّمِيْمِيِّ، وَكَانَ يُنْكِرُ الصِّفَاتِ، وَيُنَزِّهُ البَارِي عَنْهَا بِزَعمِه، وَيَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ فِي الأَمكِنَةِ كُلِّهَا.قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ يُخَالِفُ مُقَاتِلاً فِي التَّجْسِيْمِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ عَقدٌ بِالقَلْبِ، وَإِن تَلَفَّظَ بِالكُفْرِ. قِيْلَ: إِنَّ سَلْمَ بنَ أَحْوَزَ قَتَلَ الجَهْمَ؛ لإِنْكَارِه أَنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوْسَى.

[4] )  الحسن بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ، [الوفاة: 91 – 100 ]
وَأَخُو أَبِي هَاشِمٍ عَبْدِ اللَّهِ. وَكَانَ الْحَسَنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْهَيْئَةِ وَالْفَضْلِ. رَوَى عَنْ: جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِيهِ محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ. رَوَى عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ، وَآخَرُونَ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمُ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، مَا كَانَ زُهْرِيُّكُمْ إِلا غُلامًا مِنْ غِلْمَانِهِ.  وَقَالَ مِسْعَرٌ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُفَسِّرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَيْسَ مِنَّا “: لَيْسَ مِثْلَنَا. وَقَالَ سَلامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ قَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ رجلٌ مِنْ بني هَاشِمٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، وَمَيْسَرَةَ: أَنَّهُمَا دَخَلا عَلَى الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلامَاهُ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي الإِرْجَاءِ، فَقَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ وَلَمْ أَكْتُبْهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَاطِبٍ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كُنْتُ حَاضِرًا يَوْمَ تَكَلَّمَ، وَكُنْتُ فِي حَلَقَتِهِ مَعَ عَمِّي، وَكَانَ فِي الحلقة جخدب وَقَوْمٌ مَعَهُ، فَتَكَلَّمُوا فِي عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، والزبير، فَأَكْثَرُوا، فَقَالَ الْحَسَنُ: سَمِعْتُ مَقَالَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ أَنْ يُرْجَأَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَلا يَتَوَلَّوْا وَلا يُتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قام فقمنا، وبلغ أباه محمد ابن الحنفية مَا قَالَ، فَضَرَبَهُ بِعَصًا فَشَجَّهُ، وَقَالَ: لا تَوَلَّى أَبَاكَ عَلِيًّا! قَال: وَكَتَبَ الرِّسَالَةَ الَّتِي ثَبَّتَ فِيهَا الْإِرْجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ، وَكَانَ مِنْ ظُرَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَعُقَلائِهِمْ، وَلا عَقِبَ لَهُ. وَأُمُّه جَمَالُ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ. قُلْتُ: الْإِرْجَاءُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرْجِئُ أَمْرَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إِلَى اللَّهِ، فَيَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَخْبَارَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي ” مُسْنَدِ عَلِيٍّ ” رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، فَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ كِتَابَهُ فِي الإِرْجَاءِ، وَهُوَ نَحْوَ وَرَقَتَيْنِ، فِيهَا أَشْيَاءُ حَسَنَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوَارِجَ تَوَلَّتِ الشيخين، وبرئت من عثمان وعلي، فعارضتهم السبئية، فَبَرِئَتْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَتَوَلَّتْ عَلِيًّا وَأَفْرَطَتْ فِيهِ، وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ الأُولَى: نَتَوَلَّى الشَّيْخَيْنِ وَنُرْجِئُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا فَلا نَتَوَلاهُمَا وَلا نتبرأ منهما. وقال محمد بن طلحة عن زبيد الْيَامِيُّ: قَالَ: اجْتَمَعَ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ قَبْلَ الْجَمَاجِمِ، فَأجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَاتِ وَالْبَرَاءَاتِ بِدْعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عيينة: حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أَبِي، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ إِخْوَانُهُ، فَيَقُولُ لِي: اقْرَأْ عليهم هذه الرسالة، فكنت أقرؤها: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا نُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَحُثُّكُمْ عَلَى أَمْرِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَنُضِيفُ وِلايَتَنَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَنَرْضَى مِنْ أَئِمَّتِنَا بِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَنْ يُطَاعَا، وَنَسْخَطُ أَنْ يعصيا، وَنُرْجِئُ أَهْلَ الْفِرْقَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، لم تقتتل فيهم الأمة، ولم تختلف فيهم الدَّعْوَةُ، وَلَمْ يُشَكَّ فِي أَمْرِهِمَا، وَإِنَّمَا الْإِرْجَاءُ فِيمَا غَابَ عَنِ الرِّجَالِ وَلَمْ يَشْهَدُوهُ، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا الْإِرْجَاءَ وَقَالَ: مَتَى كَانَ الْإِرْجَاءُ؟ قُلْنَا: كَانَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى، إِذْ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كتابٍ} إِلَى أَنْ قَالَ: مِنْهُمْ شِيعَةٌ مُتَمَنِّيَةٌ يَنْقِمُونَ الْمَعْصِيَةَ عَلَى أَهْلِهَا وَيَعْمَلُونَ بِهَا، اتَّخَذُوا أَهْلَ بيتٍ مِنَ الْعَرَبِ إِمَامًا، وَقَلَّدُوهُمْ دِينَهُمْ، يُوَالُونَ عَلَى حُبِّهِمْ، وَيُعَادُونَ عَلَى بُغْضِهِمْ، جفاةٌ لِلْقُرْآنِ، أَتْبَاعٌ لِلْكُهَّانِ، يَرْجُونَ الدَّوْلَةَ فِي بعثٍ يَكُونُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَارْتشوا فِي الْحُكْمِ، وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا، وَذَكَرَ الرِّسَالَةَ بِطُولِهَا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَرَأْتُ رِسَالَةَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي الشَّعْثَاءِ، فَقَالَ لِي: مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا كَرِهَهُ، وَلا كَرِهْتُ شَيْئًا أَحَبَّهُ. وعن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَدِمَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفَةَ بَعْدَ قَتْلِ الْمُخْتَارِ، فَمَضَى إِلَى نَصِيبِينَ، وَبِهَا نفرٌ مِنَ الْخَشَبِيَّةِ، فَرَأَّسُوهُ عَلَيْهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمُ بْنُ الأَسِيرِ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَهُوَ مِنْ شِيعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَهَزَمَهُمْ وَأَسَرَ الْحَسَنَ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَسَجَنَهُ بِمَكَّةَ فَقِيلَ: إِنَّهُ هَرَبَ مِنَ الْحَبْسِ، وَأَتَى أَبَاهُ إِلَى مِنًى.
قَالَ الْعِجْلِيُّ: هو تابعي ثقة.
وقال أبو عبيد: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام – لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.

[5] ) غيلان القدري، أبو مروان، [الوفاة: 111 – 120 هـ]
صاحب مَعْبَد الْجُهَنيلاناظَرَه الأَوزاعيّ بحضرة هشام بْن عَبْد الملك، فانقطع غَيْلان، ولم يتُب. وكان قد أظهر الْقَدَرَ فِي خلافة عُمَر بن عبد العزيز، فاستتابه عمر، فقال: لقد كنت ضالا فهدَيْتني. وقَالَ عُمَر: اللَّهُمَّ إن كان صادقاً، وإلا فاصلبه واقطع يدَيه ورِجْلَيه، ثم قَالَ: أَمِّنْ يا غَيْلان، فَأمَّن عَلَى دُعائه. وروينا عَنْ حسان بْن عطية أنّه قَالَ: يا غَيْلان، والله لئن كنتَ أُعطِيتَ لسانًا لم نُعْطَه، إنّا لَنَعْرِفْ باطلَ ما جئتَ بِهِ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سالم. عن الأحوص بن حكيم. عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصامت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ غَيْلان، أضَرّ عَلَى أمّتي مِنْ إبليس “. مروان واهي الحديث.
وقد حجّ بالنَّاسَ هشام بْن عَبْد الملك سنة ستٍ ومائة، فِي أول خلافته، وكان معه غَيْلان يُفتي النَّاسَ ويحدّثهم وكان ذا عبادة وتألُّه وفصاحة وبلاغة، ثم نفذتْ فيه دعوةُ الإِمَام الراشد عُمَر بْن عَبْد العزيز، فأُخِذ وقُطِّعَتْ أربَعَتُهُ وصُلِب بدمشق فِي القَدَر – نسأل اللَّه السلامةَ – وذلك فِي حياة عُبَادَةَ بْن نَسِيّ، فإنه أحد من فرح بصلبه. تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام – لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

محمد الزكري القضاعي

دكتوراه في أنثروبولوجيا المعارف والدراسات الإسلامية، خرِّيج معهد دراسات العرب والإسلاميات في جامعة إكستر البريطانية، دَرّس في جامعة وستمنستر البريطانية، وفي جامعة (بي تي يو) كتبس-ألمانيا. صدر له عدة كتب نذكر منها: تحرير كتاب "التصوف الذي بيننا ومعنا" (اللغة العربية) – "مداخلات دينية بين المتصوفة والسلفية في شرق الجزيرة العربية موضوع الهوية" (اللغة الإنكليزية)- "طرق إنتاج الهوية الفقهية لدى السُّنَّة" (اللغة الإنكليزية) – "الثقافة الشعبية وصناعة الهوية" (اللغة الإنكليزية) – "نظام المرأة المجتمعي وتفسير الأحلام" (اللغة الألمانية). نُشرت له عدة مقالات محكمة وصحفية في مؤسسات إعلامية عربية وألمانية.

اترك رد