صدر في سلسلة أفق عن بيت الحكمة للثقافة كتاب (خطاب الذات في السيرة الذاتيَّة النسائيَّة) من تأليف دكتورة نعيمة عاشور، الكتاب ينطلق من أن دراسة السيرة الذاتية النسائيَّة تبرز أهميَّة مسيرة كفاح المرأة العربيَّة وتحفظ لها مواقفها، وتكشف عن علاقة المرأة بمجتمعها وواقعها، وكيف تعاملت المرأة في ظل قضايا وجوديَّة تعتبرها ركيزة أساسيَّة في البحث عن ذاتها وإيجادها، ومن خلال الذات تعبر المرأة في السيرة الذاتيَّة النسائيَّة عن نفسها.
وترى المؤلفة إن خطاب الذات في السيرة النسائيَّة خطاب يتيح الإنصات إلى كل خطأ وتجربة ورؤية أو موقع المرأة بناء على تجربتها، ومن التواصل الخطابي الذي تحققه الأنثى الساردة من خلال قضاياها تستطيع صنع رؤية ذاتيَّة خاصة في رأي المؤلفة، وهي ترى أن المرأة شيئا فشيئا بدأت تزاحم الرجل في صناعة الأدب، وقد بلغت كتابة ملامح السيرة الذاتيَّة مبلغا عظيما من الانتشار والذيوع، ولم تكن المرأة العربيَّة في عزلة عما يدور حولها في ظل الثورة المعلوماتيَّة التكنولوجيَّة التي جعلت العالم أشبه بغرفة واحدة، وعلى هذا ترى المؤلفة أنه ترتب على ذلك أن أحدثت كتابة السيرة الذاتيَّة دويا هائلا لدى كثير من المثقفات العربيات اللاتي تفاعلن قويا مع هذا النوع من الكتابة، وعلى إثر ذلك برزت أهميَّة توجه تناول خطاب الذات في السيرة الذاتيَّة النسائيَّة للربط بين الظواهر اللغويَّة والبنى الاجتماعيَّة التي تؤثر بدورها علي بنية الخطاب الأدبي فزادته تركيبا، وذلك لإنتاج خصوصيَّة أكثر تطورا وتجديدا للمزيد في الكشف عن العلاقات المرتبطة بالمجتمع، وعن كيفيَّة ترابطها داخل النص وكيفيَّة تفاعلها الخطابي لإثبات العلاقة بين النص والسياق، لا سيما مع تزايد موضوعات الذات المرتبطة بمختلف الأحداث المجتمعيَّة.
بنت المؤلفة دراستها علي عدد من السير الذاتيَّة التي مثلت نقلات نوعيَّة في هذا النوع من الأدب بدءا من سيرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) المعنونة (على الجسر بين الحياة والموت) والتي نشرت عام 1998، وسيرة فاطمة المرنيسي المعنونة (نساء علي أجنحة الحلم) التي نشرت عام 1998، وسيرة (أوراقي حياتي) لنوال السعداوي، وسيرة رضوي عاشور (وأثقل من رضوي) و (أوراق شخصيَّة) للطيفة الزيات وغيرها كثير، لكن في العامين الأخيرين برزت سيرتان لم يدخلا في هذه الدراسة الأولى لنوارة نجم عنونت (وأنت السبب يابا) وهي سيرة فريدة تعكس علاقة الأب أحمد فؤاد نجم بالابنة عبر مراحل مختلفة وصلت لتعاطف الابنة مع زوجة الأب وصراعها مع الظروف من سجن الأب عدة مرات إلى مراحل الحياة الصعبة للأم صافيناز كاظم، في حين قدمت نولة درويش سيرة ذاتيَّة فريدة (وأجمل الذكريات ستأتي حتما) والسيرتين لنوارة ونولة كلتاهما مثال جيد لتطور السيرة الذاتيَّة النسائيَّة، هذا ما يعني أن هذه الدراسة بداية لنوع متميز في الدراسات النقديَّة العربيَّة، ومن الملفت للانتباه أن المؤلفة ألحقت بدراساتها ثبتا للمصطلحات مما يجعل الباحث داخل الدراسة يلم بالمفاهيم التي تقصدها الباحثة، وأخيرا هل يمكن أن نعتبرهذه الدراسة ميلاد لناقدة جديدة في ساحة النقد الأدبي العربي، لا شك أن هذا يتوقف على ما ستقدمه في السنوات القادمة.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.