*د. طه جزّاع
لا يُقدم عبد الجبار الرفاعي في كتابه الجديد، درساً في التواضع والمحبة فحسب، إنما يَقْلِب معادلة تقليدية من معادلات حياتنا، ويعيد صياغتها من جديد، وفق مبدأ الفهم والثناء والرهان على الجيل الجديد حاضراً ومستقبلاً. ومنذ بدء صفحات كتاب: «ثناءٌ على الجيلِ الجديد» يعترف بما يندر سماعه من الكبار، بأنه تعلم من أبنائه أكثر من آبائه، وتعلم من تلامذته أكثر من أساتذته، وبذلك يُنحي مقولة صراع الأجيال جانباً، ويستبدلها بفكرة الاستثمار في الجيل الجديد، فخريطة المستقبل كما يراها يرسمها الضوء في أحلام الشباب.
وعلى غرار كتبه في علم الكلام الجديد، والدرس الفلسفي، وفلسفة الدين التي يرفع لوائها في المشرق من خلال مركز دراسات فلسفة الدين، ومجلته: «قضايا إسلامية معاصرة»، فإن لغته تتسم بطراوتها وليونتها وطلاوتها ونضارتها التي هي من نضارة وجهه المضيء بالهدوء والاطمئنان، وقلبه المشرق بالمحبة، وروحه المتوهجة بالنور الإنساني الذي تتخطى مدياته الحدود الوهمية المُصطَنعة بين البشر من كل الأعراق والأديان، وهو لا يتوجه إلى انسانٍ بعينه، بل كأنه يخاطب كل إنسان بصفته إنساناً يمكن الدخول إليه من وجهه فــ «الوجهُ نافذة الدخول الأولى إلى الإنسان، وهو من أهم نوافذ الدخول إلى مشاعره وقلبه».
فضلاً عن ذلك فإن الرفاعي لا يكتب تجريدات نظرية ملفوفة بغلاف اللغة الثقيلة مهما كان موضوعه معقداً، فهو دائماً ما يسترشد بتجربته العملية وسيرته الطويلة الُملهمة التي تذكرنا بالسيرة الذاتية الموجزة العميقة الصادقة التي كتبها فيلسوف الشك واليقين أبو حامد الغزالي قبل نحو تسعة قرون في «المنقذ من الضلال»، وما كان عبد الجبار الرفاعي ليصل إلى يقينه الذي ثبت عليه إلَّا بعد معاناة قاسية، وجدٍ روحي، وشكوك فكرية، وتجارب عملية حَطَّت به من رحالٍ إلى استقرارٍ، ومن استقرارٍ إلى رحالٍ، حتى انتهى به المطاف أخيراً إلى الاستثمار الصعب في الحُبّ، ومنه “الثناء على الجيلِ الجديد” بالفهم والرحمة والمحبة، منطلقاً من رؤية شخصية من دون أن يُحَّمل كتابه “شعارت تحريضية ولا دعوات تعبوية “.