يرى الشاعر الجزائري محمد شايطة أن الفن إبداع وهو ذو ديمومة متجددة ليست محددة بزمان أو مكان، والقصيدة تبقى قصيدة بكل مميزاتها كان هذا موقفه من القصيدة النثرية التي قال بأنه لا يؤمن بها مشيرا أن الكتابة معاناة بالدرجة الأولى لأنها مسؤولية كبيرة وتحتاج إلى الكثير من الصبر والتحمل، والشاعر محمد شايطة من مواليد 29 فيفري 1964 بقسنطينة بدأ الكتابة مطلع الثمانينيات، متحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي، يشتغل أستاذا للغة العربية بالطور المتوسط وهو من بين الأعضاء المؤسسين لرابطة إبداع الثقافية الوطنية ، في هذا الحوار القصير يفتح الشاعر محمد شايطة قلبه للقارئ ليبوح ويعبر عما يختلج في صدره.
1 – محمد شايطة شاعر غني عن التعريف، لكن هناك من يريد التعرف عليكم من خارج الحدود فماذا تقول؟
هذا السؤال دائما يشعرني بصعوبة كبيرة، لأنه – في نظري – ليس سهلا أن تتحدث عن نفسك لأن ذلك قد يجرك إلى نوع من النرجسية مهما حاولت أن تتجنب هذا الحديث، والإنسان بما يقدمه من عمل به أثره الإيجابي في نفوس الآخرين لهذا أكتفي فأقول محمد شايطة شاعر يحاول في كل مرة أن يجد له حيزا في الساحة الأدبية ضمن كوكبة كبيرة في الجزائر خصوصا وخارج الحدود عامة.
2 – حدثنا عن تجربتك في الكتابة الشعرية
الكتابة الشعرية زمنيا تمتد عبر سنوات طوال بدأتها وأنا في مرحلة التعليم المتوسط، أما إبداعيا فالحكم والرأي يبقى للنقد والمتلقي وهذين الأخيرين يكون فيهما الحكم نسبيا، تجربتي لم تكن طريقا سهلة العبور، فالكتابة معاناة بالدرجة الأولى تحتاج إلى الكثير من الصبر والتحمل خاصة مما قد تواجهه من انتقادات أو العكس وفي جميع الحالات فالكاتب الحق من يرى هذه الأشياء من جانبها الإيجابي مهما كان تأثيرها من أجل الوصول إلى غايته القصوى، وهذا ما وضعته أنا شخصيا في تجربتي المتواضعة وإلا كان للفشل حد في منتصف الطريق.
3 – إلى أي مدرسة ينتمي محمد شايطة، ومن هم الشعراء الذين يقرأ لهم؟
ليس هناك أية مدرسة محددة وضعت نفسي فيها، الإبداع فضاء لا حدود له، والحرية باعث على الانطلاق في أجوائه الرحبة، فقد يصنفني البعض أو الكثير في خانة معينة أو حيز ما، ذاك شأنهم، ولكنني لست من الذين يتموقعون في دائرة مغلقة، أكتب ما أشاء وقت ما أشاء وكيفما أشاء وفق قناعاتي وشخصيتي، أما لمن أقرأ؟ فأن أقرأ للكثير ليس هناك أسماء معينة، فكل ما يثير اهتمامي ويلامس وجداني أقرأه بنهم كبير يغض النظر عن صاحبه، فكم من أسماء كبيرة قدمت بعض الأعمال الصغيرة والعكس صحيح
4 – كيف تنظمون وقتكم بين العمل بقطاع التربية وبين كتابة الشعر؟
لا أعتقد أن الأمر صعب خاصة وأن كليمها يعدان رسالة تربوية تهذيبية، الفرق بينهما فقط في الجانب الوظيفي والتوظيفي، فالأول يفرض عليك معطيات يمليها عليك الواجب المهني، والآخر يفتح لك الكثير من الآفاق الرحبة لتحلق فيها كيفما تشاء
5 – كيف يميز محمد شايطة الشعر الأصيل من الشعر المصطنع؟
قيل قديما: “و الشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة .. أو حكمة فهو تقطيع وأوزان”
كل عمل إبداعي لا يثير فيك انفعالا وتفاعلا، ولا يدغدغ مشاعرك ووجدانك يعد عملا مصطنعا كهيكل دون روح، يعجبني في ذلك ما قاله الشاعر إلياس أبو شبكة:
إجرَحِ القَلبَ واسقِ شِعرَك مِنهُ.. فَدَمُ القَلبِ خَمرَةُ الأَقلامِ
مَصدَرُ الصَدقِ في الشُعور هوَ القَلبُ.. وفي القَلبِ مَهبَطُ الإِلهامِ
وَإِذا أَنتَ لَم تُعَذَّب وَتَغمِس.. قَلَماً في قُرارَةِ الآلامِ
فَقَوافيكَ زُخرفٌ وبَريقٌ.. كَعِظامٍ في مَدفَنٍ من رُخامٍ
رُبَّ جُرحٍ قَد صارَ يُنبوع شِعرٍ.. تَلتَقي عِندَهُ النُفوسُ الظَوامي
وَ زَفيرٍ أَمسى إِذا قَدَّسته الروحُ.. ضَرباً من أَقدَسِ الأَنغامِ
6 – أنواع جديدة اقتحمت القصيدة العربية الأصيلة، كالقصيدة النثرية و”الهايكو”، في رأيكم هل هذه القصائد لها علاقة بالتجديد والعصرنة، وكيف يقارن محمد شايطة بين القصيدة التقليدية والقصيدة العصرية؟
أنا مع التجديد والإبداع في حد ذاته تجديد وإلا ما كان إبداعا، لكن لكل عمل جذور قواعد تضبطه حتى يكون البناء صلبا، وإلا نسفته رياح خفيفة، فليس هناك عمل عصري وآخر تقليدي إلا من حيث التأريخ والظروف المحيطة، الفن ذو ديمومة متجددة ليست محددة بزمان أو مكان، إننا نتفاعل مع القصائد التي قيلت في العصر الجاهلي وبعده كما نتفاعل مع الكثير من القصائد الحالية خاصة إن كانت تعبر عما يختلج في صدورنا، أما ما أسميته (بالقصيدة) النثرية، فهذا المصطلح يزعجني كثيرا، – وهذا أمر يخصني – فاسمه يدل عليه، قصيدة ونثرية في الوقت نفسه، كيف؟، إن من لجأ إلى هذا النمط كان عن ضعف في كتابة القصيدة الشعرية بكل مقوماتها رغم الكثير من التعابير الجميلة، لكن القصيدة تبقى قصيدة بكل مميزاتها، والنثر يظل نثرا، والبون بينهما واضح لا إشكال فيه، وما قيل عن (القصيدة) النثرية، يقال عن ما يسمى بالهايكو، وإن كان اطلاعي على هذا النمط محدودا جدا، المهم أعود فأقول إن المحافظة على أساسيات النص الإبداعي وأدوات كتابته من عوامل نجاحه أو فشله، ثم يأني بعد ذلك الجانب الفني في أي عمل إبداعي.
7 كشاعر هل تعتبر أن الشعر رسالة يؤديها الشاعر لإصلاح المجتمع ؟ وبماذا ينبغي ان يتصف الشاعر ؟
أكيد، فالكلمة مسؤولية، والموهبة نعمة من نعم الله ميزنا بها عن الكثير، وطالما هي كذلك فنحن وجب علينا أن نستعملها في طريق الخير لا غير، في إصلاح الذات والفرد والمجتمع والأمة و..و..و..، وأن يكون المبدع في مقام هذه الرسالة، أن يكون صورة لإبداعه، فالفن ليس عملية عبثية، أو مجرد لهو وترويح عن النفس، وحتى وإن كان في صفته الأخيرة وجب أن يكون بصورة إيجابية تسمو بأخلاق المبدع لا أن تنحط به في أدنى الدركات
8 ما هو شعورك وأنت ترى قصائدك تلحن وتتحوّل إلى أناشيد تصاحبها موسيقى روحية؟
الكلمة النقية إذا اقترنت بإيقاع جميل أعطت عملا فنيا راقيا، ولا يختلف اثنان حول ذلك، فنحن مازلنا نحفظ الكثير من القصائد الملحنة، سواء كأغان أو كأناشيد بسبب إيقاعها الخفيف ـو بموسيقاها الجذابة، فحين أستمع إلى كلماتي وهي تؤدى بأصوات المنشدين أحس فعلا بأنني قدمت شيئا إضافيا فعلا وتزداد نشوتي أكثر حينما أجد تفاعل المتلقي الإيجابي معها
9 نريد أن نعرف رأيكم في المنتديات الأدبية والأكاديميات الإلكترونية، هل ترون أنها تنافس المؤسسات الثقافية ؟ وهل يؤمن محمد شايطة بأدب الجائزة؟
هذه اللقاءات كان لها مفعول إيجابي في الماضي، أين كانت تجمع مختلف الأفكار والإيديولوجيات والحساسيات، لأن بوجود الرأي والرأي الآخر تتولد أفكار جديدة، والصراع مع الوجه المضاد يبعث النشاط للاجتهاد أكثر، ويدفعك للبحث عن الجديد، أما الآن فالمنتديات وغيرها حتى المؤسسات الثقافية صارت في أغلبها كالمجمعات العائلية الحضور فيها عن طريق المحاباة والمجاملات تحت حسابات شخصية، وما شابه ذلك (أعرضني ونعرضك، وكرمني ونكرمك) إلا القلة القليلة التي تحاول تقديم البديل من حين لآخر، وحتى الجوائز في حد ذاتها تقع في هذا المطب، وقد يخضع البعض منها إلى الأهواء والميولات الإيديولوجية، أومن بأدب الجائزة من باب أنها عمل تحفيزي لا أكثر ولا أقل وليس تقييما فنيا.
10 بحكم مهامكم في قطاع التربية، كيف يُقيّم محمد شايطة المنظومة التربوية في الجزائر؟
الحديث عن المنظومة التربوية حديث ذو شجون، هي كزورق في مهب الريح، تتقاذفه الكثير من التيارات راح ضحيتها بالدرجة الأولى التلميذ، ويدفع ثمنها المخلصون من الأساتذة ثم الأولياء وبالتالي المجتمع ككل.
11 ماهي أهم المشكلات التي تعيق الأستاذ عن أداء واجبه كمربي؟ وهل لكم رؤية خاصة لآفاق المنظومة التربية في ظل الرقمنة؟
باختصار شديد ما يعيق الأستاذ هو التكوين بالدرجة الأولى، ونعني به الجانبين الجانب البيداغوجي، والجانب المعرفي، زد على ذلك لابد من جعل المنظومة التربوية في أعلى هرم الدولة من كل النواحي، لأنها اللبنة الأولى في التطور الاجتماعي والحضاري، فمنها ينبثق المهندس والطبيب والقاضي والمحامي ورجل الأمن و.. و.. و.. فإذا تلقى كل هؤلاء تكوينا سليما في المدرسة بنينا أمة قوية لا تزعزعها صروف الدهر، أما رؤيتنا لآفاق المنظومة فنحن نملك الكثير من الأفكار التي تساعد على إرساء قاعدة صلبة في هذا القطاع بحكم التجربة الميدانية خاصة، ولكن للأسف أن قطاع التربية مثله كمثل القطاعات الأخرى التي ينظر لها أنها مجرد وظيفة (لأكل العيش).
12 كلمتكم للقراء
شكرا جزيلا لكم على هذه الالتفاتة الطيبة منكم والتي منحتني فرصة للإدلاء ببعض المكنونات، ولو أن هناك كثيرا من الأشياء التي ما يزال يخفيها الصدر.
التقت به علجية عيش الجزائر