متابعة: محمد عبد الصمد
عقد مختبر السرديات حلقة نقاشية حول وضعية النشر والكتاب في المغرب وذلك على خلفية التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية الذي يغطي وضعية النشر والكتاب بالمغرب في الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية لسنتي 2022 و 2023.
اللقاء الذي انعقد مساء الأحد 19 ماي 2024، وشارك فيه باحثون ونقاد وأدباء وإعلاميون. ونوه الميلود عثماني، الذي نسق أشغال هذا اللقاء، بأهمية صدور تقرير في المغرب عن وضعية النشر والكتاب ليغطي الخصاص الرسمي في تقارير من هذا النوع، معتبرا أن التقرير لابد أن يشكل محطة للتفكير والتدبر والتحليل والمساءلة، خاصة وأنه يتزامن مع معرض الكتاب، الذي سجل هذه السنة ظاهرة وصفت لدى البعض بالصادمة وهي الإقبال الكثيف وغير المتوقع من طرف شباب ومراهقين من جمهور السوشل ميديا على حضور حفل توقيع كاتب لم يكن معروفا لدى الأوساط الأدبية والثقافية، وهو ما يقتضي بدوره الانتباه إلى التحولات والظواهر الجارية في قطاع الكتاب والنشر والقراءة.
ظاهرة أسامة مسلم
تفاعلا مع الحدث الذي شهده المعرض هذه السنة وأثار نقاشا عريضا وسط الكتاب والمثقفين والإعلام، اعتبر القاص والصحافي سعيد منتسب الحدث دليلا على أن هناك ثغرة بين الكتاب المغاربة والشباب الذين ينتظرون شيئا آخر غير الكتابات الكلاسيكية. فالكاتب السعودي أسامة المسلم استطاع جذب الشباب لأنه يكتب بطريقة جذابة عن الخوف والجن والخرافات. واستشهد منتسب بابنته هو شخصيا التي اكتشف أنها تعرف الكاتب السعودي مثل أبناء جيلها وقرأت له فيما لا تقرأ له هو، مشددا على أن الأمر فعلا يستحق وقفة كبيرة للتحليل والاعتبار.
محمد جليد المترجم والفاعل في الشأن الثقافي والإعلامي، اعتبر أن ظاهرة أسامة مسلم ظاهرة صحية، ونمط كتابته هي امتداد لنوع الكتب التي قرأها الجيل السابق في فترات المراهقة. وقال جليد إنه لا ينبغي الحكم على الظاهرة بمفاهيم نظرية تتعلق بالكتابة وإنما بالنظر إلى مستقبلها وما يمكن أن تفرزه لاحقا، “فإذا أفرزت خمسين أو مئة قارئ من هؤلاء الشباب الذين حجوا للقاء الكاتب فسنكون قد ربحنا قراء جددا في الساحة الثقافية المغربية”.
أما المترجم كلموني عبد الرحيم فأشار إلى أن أسامة المسلم يكتب بلغة بسيطة جدا ومواضيعه فيها قدر كبير من الجاذبية للأطفال والشباب. وشدد على أن الظاهرة صحية في حد ذاتها وتصالح الناس مع الكتاب في مجتمع لا يقرأ. وقال ” كنا نشكو من عزوف التلاميذ على القراءة ووجدنا بعض المتنفس في هذه الظاهرة، أما تقويمها من حيث الكتابة ومن حيث القيم التي تنشرها فيمكن أن يأتي لاحقا”.
تقرير يسائل الجميع
وعن تقرير النشر والكتاب الأخير اعتبر محمد جليد أنه يقدم صورة عن واقع النشر والكتاب في المغرب ويمكن من فهم المنحنى الذي يعرفه النشر، حيث كانت هناك وتيرة تصاعدية منذ أول تقرير سنة 2015، قبل أن يكسر منحناها التصاعدي وباء كورونا، وما يلاحظ الآن بعد انجلاء الوباء هو عودة المنحنى إلى نقطة البداية، حيث ازدادت وتيرة الكتابة بعد الوباء في سنوات 20 و21 و22 لأن الكتاب انكبوا على التأليف حينها. ويسجل جليد أن التقرير يفيد أيضا بأن القراءة في المغرب بخير وإن كانت ليست بالمستوى الذي نطلبه، كما يفيد بأن هناك دور نشر تؤسس سنة بعد أخرى ولا توجد حالة إفلاس في صناعة الكتاب، مع أن رقم الإصدارات هزيل مقارنة مع ما ينبغي أن تنشره 300 دار نشر موجودة.
عبد الرحيم كلموني اعتبر أن التقرير يسائل وزارة الثقافة أولا التي لا تقدم أي معطيات أو تقارير رسمية عن واقع النشر وحجم المبيعات ورواج الكتب كما تفعل وزارات الثقافة في العالم. وذهب إلى أن الجميع معني بهذا التقرير بما في ذلك الفاعلون في المجال التربوي والإعلامي والمدني ودور النشر الذين عليهم أن يضعوا نصب أعينهم خلق تلميذ قارئ ومجتمع قارئ.
أما منتسب فذهب إلى أن التقرير على أهميته “لا يعكس حقيقة النشر والكتابة في المغرب لأن هناك كتابا مغاربة هاجروا إلى جهات أخرى لنشر أعمالهم خارج المغرب، كما أن هناك أيضا النشر الذاتي، والنشر الإلكتروني، وهو ما يجعل التقرير فيه بعض القصور الطبيعي والموضوعي “.
أزمة الحصيلة
يرى عبد الرحيم كلموني أن حصيلة المنشورات التي بلغت سنتي 22/23 ما مجموعه 3482 عنوانا، تدل على أزمة خانقة إذا ما تمت المقارنة مع إسبانيا التي تسجل 83 ألف إصدار سنويا، وفرنسا 114 ألفا، وهذا يعكس أزمة متعددة العوامل وسببها الرئيسي هو غياب القراءة.
وفي الاتجاه ذاته يعتبر سعيد منتسب أن الأرقام مخجلة فعلا ولا يمكن مقارنتها مع دول أخرى. لكنه يرى أن إرجاع السبب إلى ضعف القراءة لا يجعلنا نضع اليد على مكمن الداء، إذ السؤال الأهم هو هل نراهن على مجتمع قارئ وما هي المؤسسات المؤثرة اليوم في القراءة. وانطلاقا من هذا فإن الأرقام الموجودة في المغرب هي حصيلة سياسة النشر التي وصفها منتسب بالموجهة والمتحكم فيها نظرا لأنها تخضع لسياسة الدعم، ولا يمكن قراءتها خارج إطار أنه ليست هناك إرادة سياسية لإنتاج مجتمع المعرفة، مادام أن الدولة تتشتغل بمنطق الضبط والتحكم. وتعزيزا لذلك اعتبر عضو المختبر سالم الفائدة أن سؤال مؤسسات التنشئة وسؤال المدرسة يرتبط مباشرة بسؤال الديموقراطية وأي مغرب نريد. فمعالجة موضوع القراءة وحقوق النشر والمؤلف هي مسائل مرتبطة بالنظام السياسي والنخبة الفاعلة، كما أن أزمة القراءة مرتبطة بأزمة الفاعلين في حد ذاتهم، وذلك بالنظر إلى أن هناك عجزا عاما في تقديم البديل على المستوى الثقافي كما على المستوى السياسي.
وإذا ما تمت مقارنة حصيلة ما ينشره المغاربة مقارنة بعدد سكان المغرب فالرقم مخجل، كما يشير محمد جليد. لكنه يطرح نقطة أخرى وهي مسألة الحرية التي تلقي بظلالها على الكتاب وعلى النشر أيضا كما على الإعلام. وأشار جليد إلى أن هناك نظريات في الإعلام تعطينا مؤشرات أن المغرب لا تؤطره سياسة مبنية على حرية الفرد في الإنتاج الاقتصادي كما الفكري. ويدعو إلى التفكير في صناعة الكتاب كسيرورة تنطلق من فكرة الكتابة في حد ذاتها وانتهاء بإيصال الكتاب إلى يد القراء دون أن تكون حلقة مفقودة، سواء تعلق الأمر بحقوق المؤلف أو الوكيل الأدبي أو التوزيع ومؤسسات الصحافة وغيرها.
الإلكتروني واللغة والمرأة
اللقاء ناقش مواضيع متشعبة منها مسألة تغير حوامل القراءة ما بين الورقي والإلكتروني. وبهذا الصدد شدد كلموني عبد الرحيم على أن الكتابات الرصينة مازالت مقصورة على الورقي حتى في المجتمعات المتقدمة. في الاتجاه ذاته ذكر جليد أنه بعد فترة من تصاعد الرقمي سجلت دراسات غربية عودة للورقي الذي تبيّن أن له فائدة على المستوى النفسي والصحي. وتساءل سعيد منتسب عن قدرة سوق النشر في المغرب على توفير الكتاب الإلكتروني وقدرة السوق المغربية على توفير أدواته التقنية مثل الأجهزة القارئة، رغم أنه يرى أن القراءة الإلكترونية رائجة، مع غياب أي إحصائيات أو آليات لقياسها.
وعن تحولات النشر في علاقتها بلغة الكتابة ناقش المشاركون التغيرات الحاصلة في لغة منشورات المغاربة. ويسجل بهذا الصدد أن الجميع منخرط بالكتابة بالعربية لأن أغلبية القراء هم قراء بالعربية، رغم أن هناك تراجعا خلال هذه التقرير في عدد الإصدارات بالعربية. وتظل العربية لغة الكتابة عموما لدى المغاربة رغم توجه بعضهم للكتابة بالألمانية والهولندية والإسبانية. لكن السياق العام هو سياق وعي بالذات وبضرورة إنتاج المعرفة باللغات المحلية بما في ذلك في بلدان إفريقية عدة.
من جهة أخرى سجل المتدخلون استمرار تصدر الرواية للإصدارات واستمرار تشجيع دور النشر على طبعها أكثر من أي نوع آخر، وكذلك استمرار أزمة الترجمة في العالم العربي وسط غياب عمل مؤسس معني بالترجمة. كما توقفوا عند مسألة قلة الإصدارات بالأمازيغية التي مازالت حديثة عهد بالترسيم ولم تفرض نفسها كلغة لها جمهورها، وختاما بمسألة الكتابة النسائية التي مازالت أغلب الإصدارات فيها كتابات أدبية خالصة.
يذكر أن تقرير هذه السنة للنشر والكتاب أفاد بأن حصيلة 2022-2023 بلغت 3482 عنوانا، أي بمعدل سنوي يقدر بـ 1741 عنوانا، تضمن الإنتاج الرقمي والورقي؛ فالإنتاج الورقي نال نصيب الأسد بـ 92 % في قطاعات العلوم الإنسانية والاجتماعية والإبداع الأدبي، بينما لم ينل الإنتاج الرقمي سوى 8% معظمه مكتوب باللغتين الفرنسية والإنجليزية(67%) صادر عن مؤسسات عمومية وجهات رسمية ومؤسسات البحث العلمي. يشكل الإنتاج الرقمي، المكتوب باللغة العربية، حوالي الثلث، ومعظمه مترجم عن مصادر بلغات أجنبية.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.