التنويريمكتبة التنويري

مقدِّمات طه حسين؛ هل مثَّل طه حسين تيَّارًا فكريًّا؟

صدر عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة في القاهرة كتاب ( مقدِّمات طه حسين ) وهو من جمع وتعليق الأستاذ علي قطب، الكتاب جاء في ظل قيام عدد من دور النشر بإعادة نشر كتب طه حسين في ظل انتهاء حقوق الملكية الفكرية لمؤلفاته.

 وتميزت في هذا السياق، الدار المصرية اللبنانية التي قدمت طبعة مزوده بدراسات وتعليقات وافيه، في حين ذهبت دار بيت الحكمة لمنحى مختلف وهو جمع كل المقدِّمات التي كتبها طه حسين لتقديم كتب رأي أنه يجب أن يساندها، وفي حقيقة الأمر نحن هنا أمام تيار فكري قاده طه حسين، وعبَّرت عنه مقدِّماته لكتب الآخرين، الكم الهائل لهذه المقدِّمات وتنوع موضوعاتها يضعنا أمام مفكر رأي يقود حراكا فكريا تجاوز فيه ذاته، وفي رأي علي قطب أنَّ طه حسين يمتدّ في مقدِّماته زمنيًّا، فتعيش أفكاره في نصوص أخرى، إنَّه يرسم لصوته مدارات جديدة تصله بقارئ آخر.

 هنا يلتقط علي قطب شيئا مهما في شخصية طه حسين هو قدرته على كسب جمهور جديد خارج الدائرة التي اعتادت على قرائته، فهو لم يحبس نفسه داخل مدرجات الجامعة بل اشتبك مع الرأي العام عبر الصحافة وكتبه، فخلق أجواء من النقد والاتفاق حوله، وصار يتابعه من يحبه ومن ينتقده، فتحول لحاله من حالات المشروع الفكري الذي يثير الكثير .

اتَّبع علي قطب في هذا الكتاب الترتيب الزمني، واختار ذلك حتى يقدم لنا ما يشبه سيرة الحركة الثقافية من خلال صوت طه حسين، وفي السياق نفسه نرى طه حسين عبر نصف قرن في صحبة أصدقائه من المبدعين، فالترتيب الزمني في رأي على قطب يناسب طبيعة السيرة والتطور، إن طه حسين لم يكن ذلك الذي يقدم كتابا وحسب، أو نصا يقرأ فقط، بل يسرب ما لديه من أفكار عبرها، حتى يكررها بصيغ مختلفة، فهو في كل محل يستخرج منه ما يتوافق مع منهجه ففي مقدمته لنظام الاثنيين، نراه يقدم  القسم العملي في فلسفة أرسطاطاليس إلى أربعة أقسام على النحو التالي :

الأول : البحث عن الإنسان من حيث إنه جماعة سياسية، وهو الفلسفة السياسية .

الثاني : البحث عن الإنسان من حيث إنه فرد من جماعة له حقوق وعليه واجبات، وهذا هو علم الأخلاق .

الثالث : هو البحث عن الإنسان من حيث أنه مفكر، وهذا هو علم المنطق .

الرابع البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر يريد أن يعبر عما يجول في خاطره من صورة وحكم، وهذا هو علم البيان .

كان طه حسين مدركا أنه لا بد أن يشد من عضد تلامذة الجامعة المصرية فكتب مقدمة لأحمد بيلي فقد قدم دراسته للدكتوراة عن ( حياة صلاح الدين الأيوبي ) وهي من أوائل الدراسات المعاصرة في التاريخ الأيوبي، ومما نستنتجه الآن أن أحمد بيلي اختفى كباحث مرموق بالرغم من أن كتابه ذاع وانتشر وطبع أكثر من مرة، وما زال يطبع ،وهذه ظاهرة لم تدرس بعد، فيجب طرح تساؤل حول اختفاء عدد من الباحثين المصريين الذين تخرجوا في مراحل مبكرة من تاريخ الجامعة المصرية ، طه حسين في مقدمته كان متواضعا فقد نعت تلميذه بأنه صديقه، وتمنى له التوفيق، وأشاد بأنه وفق إلى شيء من النفع كثير وكثير جدا، استغل طه موضوع الكتاب ليربط الماضي بالحاضر فقد أدرك أن التاريخ حلقات ودروس نتعلم منها،  طه حسين كشف عن وجه يرى الحضارة الإسلامية صامدة وبها ايجابيات حينما ذكر ما يلي في مقدمته : ( أظهر الدكتور بيلي في هذا الكتاب وجها من وجوه الشخصية المصرية التي حمت الحضارة مرات، فعصمت حضارة اليونان وفلسفتهم من الضياع، وصدت غارات الصليب عن الشرق وأهله، فاستبقت للحضارة الإسلامية حياتها وقوتها، ثم ذادت التتار عن هذا العالم الإسلامي أيضا، وكانت آخر معقل أوت إليه آثار المسلمين العقلية والأدبية، فظلت فيه آمنة حتى أتيح لها هذا العصر الذي نحن فيه والذي أخذ يبعث فيها القوة والحياة ). طه حسين كان ناقدا لتخلف المسليمن نعم، ولكنه كان يحمل للنتاج الحضاري لهم التقدير، وهذا ذات ما خلص إليه الدكتور عمار على حسن في كتابه ( بصيرة حاضرة) .

كان طه حسين مهموما منذ فترة مبكرة بجوهر التعليم وأهميتة في بناء الأمم لذا في مقدمته لكتاب (روح التربية ) لجوستاف لوبون الذي صدر مترجما في عام 1922، نراه يدفع قارئ الكتاب إلى النقد والتحليل وليس قبول كل ما طرحه المؤلف، فيقول : ( فمن الحق أن تقرأ هذا الكتاب فتصل منه إلى نتيجتين اثنتين، كلتاهما قيمة؛ الأولى : الشعور بهذه العيوب الكثيرة الخطرة التي تفسد التعليم في مصر خاصة وفي الشرق عامة . والثانية: العلم بالقواعد الأساسية التي يتخذها المصلحون المحدثون لتغيير النظم التعليمية على اختلافها وعلى اختلاف موضوعاتها وأطوراها ).

وجه طه حسين أيضا لنقد الكتاب وعدم قبول كل ما جاء به .

الخلاصة : طه حسين عبر صفحات هذا الكتاب يقدم لنا آخر لطه حسين يساعدنا على إعادة بناء رؤيتنا له كمفكر وكاتب أراد أن يبني ثقافة عربية معاصرة قوية .


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة