يرصد محمد محي الدين في كتابه “البناء الحكائي في رواية التخييل العلمي العربيَّة ” ما تتطلبه عمليَّة نمذجة العوالم التخييليَّة في رواية التخييل العلمي تحقيقا لإنشاء عوالم مصقولة ومقنعة تأخذ القارئ في رحلة مثيرة. ولابد لهذه النمذجة من خطوات في هذا النوع من الروايات:
–تصميم العالم الخيالي: على الكاتب أن يبدأ بتصميم العالم الذي تدور فيه أحداث الرواية، يمكن أن يكون هذا العالم مستقبليًّا أو خياليًّا، أو يمكن أن يستكشف تأثير التكنولوجيا على المجتمع.
–إنشاء نظام متكامل: أن يكون للعالم الخيالي نظام متكامل من القوانين والقيم والتقاليد، كما يجب أن يتوافق هذا النظام مع القصة ويسهم في تطوُّر الشخصيات والأحداث.
–التفاصيل البصريَّة والحسيَّة: وصف العالم الخيالي بتفاصيل بصريَّة وحسيَّة، تجعل القارئ يشعر وكأنَّه يعيش في هذا العالم، باستخدام هذه الخطوات، يمكن للكاتب إنشاء عوالم تخييليَّة مثيرة ومقنعة في رواية التخييل العلمي العربيَّة والتي تثير مخيلة القارئ.
إنَّ ارتباط رواية التخييل العلمي بالتفكير في المستقبل العلمي والتكنولوجي ما قد يحمله للإنسانيَّة من أفراح وأتراح ترخي بظلالها في حياة الإنسان المعاصر، ويفتح آفاقه نحو عوالم ممكنة رحبة لا تتقيد بضوابط تحد من حريته، فالقصد التخييلي يشير إلى الاستخدام المتعمد للخيال والإبداع في الأدب، حيث يتم تصوير عوالم وشخصيات غير موجودة في الواقع أو حدث غير محدث بعد، يتيح القصد التخييلي للكتاب التعبير عن أفكارهم وتصوراتهم بطرق مبتكرة وغير محدَّدة.
يعتبر عنصر التشويق بنية ضمن نظام فني متغيِّر، يسعى للتعبير الانساني الأدبي والفني الذي خلقه وجعله عنصرا محركا للغة والأحداث، وهو أحد العناصر التي تحقق وجود الحكاية واستمراريتها، في اعتماده على التلغيز والمفاجأة.
يتنوع القصد التخييلي في الرواية العربيَّة ويشمل:
–الرواية البوليسيَّة أو المحكي البوليسي باعتبارها رواية اجتماعيَّة بفضاءاتها وما تقاربه تخييلها ينطلق من قضايا المجتمع، الجريمة، العقاب، الفساد. لأن التخييل وعنصر التشويق في اللغز والحلول الممكنة يحول النص من حدث إلى بناء رياضي يرسم صور صراع الخير والشر بطريقة مغايرة مبنيَّة على النقد الاجتماعي او نقد الخيال الاجتماعي.
–الرواية السحريَّة والخياليَّة الشعبيَّة:والتي تستند إلى القصص والأساطير الشعبيَّة وتتخذ منها قاعدة لبناء القصص والاساطير الشعبيَّة، وأخرى لبناء قصص خياليَّة جديدة تجمع بين العناصر التقليديَّة والابتكارات.
–الرواية الرمزيَّة والمتخييلة:تعتمد على استخدام الرموز لاستكشاف قضايا معقدة وتقديم تفسيرات غير تقليديَّة للواقع باختصار، يتيح القصد التخييلي في الرواية العربيَّة للكتاب والقراء فرصة لاستكشاف عوالم مختلفة وتجارب غير مألوفة وتحقيق رحلات إبداعيَّة مثيرة.
–الرواية العلميَّة الخياليَّة التي تستخدم العلوم والتكنولوجيا المتقدِّمة كمادَّة خام لإنشاء قصص وأحداث غير واقعيَّة تستكشف مستقبل البشريَّة وتأثير التكنولوجيا عليها.
تتضمَّن جل روايات التخييل العلمي العربيَّة أحداثا لا ترتبط بالمحكي العلمي حتى وإن تناولت ما يتَّصل بالعلم. كما تتنوَّع القصص التخييليَّة بشكل كبير وتشمل مجموعة واسعة من الأنواع مثل الخيال العلمي والفانتازيا والرومانسيَّة الخياليَّة المحكي البوليسي وغير ذلك، كل نوع من هذه الأنواع يقدِّم عوالم وشخصيَّات فريدة تختلف فيها القوانين والقواعد عن الواقع، كما تشمل روايات أخرى على تقديم شخصيات مجرَّدة من العواطف تعيش بلا ضمير..شخصيَّات تنتمي للنوع الإنساني الجديد غير الطبيعي.
إنَّ أهميَّة كتاب”البناء الحكائي في رواية التخييل العلمي العربيَّة” تكمن في ما يقدِّمه من أفكار وتحليل توزعت على أربعة فصول، اختصَّ الـفـصـل الأول بدراسة بناء الحبكة، وأنماط تأليفها، وسيناريواتها البنائيَّة. فيما بحث الـفـصـل الثاني في بنية الشخصيَّة، وأنواعها، وخصائصها البنائيَّة. أمَّا الـفـصـل الثالث فقد قارب بنية المكان من خلال فضاءات العوالم الممكنة الأرضيَّة والعلويَّة. وخصِّص الـفـصـل الرابع الحديث عن بنية الزمن الاستشرافي والاسترجاعي، واللازمن، والزمن الطبيعي.
__
*عائشة بوزرار:باحثة بماستر الإعلام الجديد والتسويق الرقمي، جامعة ابن طفيل -القنيطرة، المغرب.