عن منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات، صدر كتاب جديد بعنوان “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول(1873-1894)” في 586 صفحة من الحجم الكبير بإشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. ويعتبر هذا الكتاب ثمرة أشغال الندوة العلمية التي نظمتها كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الأول بسطات، بشراكة مع مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والمنعقدة بمناسبة الاحتفالات بذكرى تأسيس جامعة الحسن الأول بسطات.
ويأتي هذا الكتاب حول مغرب مرحلة المولى الحسن، لما لهذه المرحلة التاريخية من أهمية في تاريخ المغرب المعاصر، ثم لما للبحث في تاريخ المغرب والتاريخ عموما، من أهمية في فهم الحاضر، واستشراف المستقبل.فقد تولى السلطان المولى الحسن الحكم في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، اتسمت بتزايد الضغوط الأوروبية وخلخلة البنيات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للبلاد، وبذلك شكلت فترة حكمه (1873- 1894م) أكثر مراحل التاريخ المغربي المعاصر غنى على مستوى الأحداث والوقائع، وأيضا على مستوى العلاقات والتفاعلات، داخليا وخارجيا، مما جعل المغرب، أمام صعوبات داخلية وتحديات خارجية كبرى. وسعيا إلى إعادة بناء صورة تركيبة تستند إلى وعي بأهمية المرحلة في فهم الحاضر وتحقيق التقدم المنشود لمغرب اليوم والغد، يقدم الكتاب مقالات تاريخية علمية أكاديمية، بمقاربات منهجية ومعرفية مختلفة؛ منها ما تم تقديمه خلال أشغال الندوة، ومساهمات بحثية أخرى أضيفت إلى أشغال الندوة، بعد تحكيمها تحكيما أكاديميا تخصصيا.
تتوزع مجموع الأوراق العلمية للكتاب، ضمن خمسة فصول، شارك فيها كل من: بهيهجة سيمو- مصطفى الشابي- علال الخديمي- صالح شكاك- محمد أوجامع- عمر لمغيبشي – عادل بن محمد جاهل – محمد فراح – السهلي محمد- محمد نجيــدي- ماء العينين النعمة بن علي- شفيق ارفاك- محـمد أجردي وابراهيم الهرام – جواد التباعي- منير كلخة- محمد أشن – رشيد شحمي- أنوزلا الحسان – محمد بسباس- خولة سويلم وعبد الكريم السندوبي- سعيد واحيحي- محمد اسموني- عبد الرزاق القرقوري- علي علام- نعيم الخرازي- عبد الغني العمراني- عزيز اليحياوي الإدريسي-يوسف الزيات- لحسن تاوشيخت- محـمد الصافـي- وفاء زيدان -عبد الكريم السندوبي- أنس بن اشو وسكينة فكراش.
ملخص المقالات المشاركة
تتصدر الكتاب بالإضافة إلى كلمتيْ رئيس الجامعة وعميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات، محاضرة قدمتها الأستاذة بهيجة سيمو مديرة مديرية الوثائق الملكية بالرباط، بعنوان ” البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، اعتبرت من خلالها البيعة مدخلا شرعيا وقانونيا يتولى من خلاله سلاطينُ المغرب الحكمَ عبر التاريخ، مضيفة أن البيعة، ميثاق بين السلطان / الملك وبين الشعب، وترتكز على مجموعة من الشروط والاعتبارات التي تجعل منها أساساً دستوريا يضمن تماسك الدولة واستمراريتها، وتحقيق الاستقرار وضمان الحفاظ على الدين ومقدسات الأمة، كما بيّنت الأستاذة بهيجة سيمو كذلك خصوصية البيعة في السياق المغربي باعتبارها بيعة موثقة، تُقدمها الخاصة والعامة، في الحواضر والبوادي، ليتحقق من خلالها إجماع الأمة حول قائدها ورمز وحدتها.
وجاء الفصل الأول “الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في عهد السلطان الحسن الأول (1894– 1873)” مفْتتحاً بمقال الأستاذ مصطفى الشابي “نظرات في عهد السلطان مولاي الحسن بن عبد الرحمان (1311- 1290 ه- 1894–1873م) أبرزَ من خلاله بعض ملامح شخصية المولى الحسن الأول في جوانبها العلمية والخلقية والتدبيرية، والوقوف على معالم من تكوينه العلمي، ومقدما لـبعض معلميه، مع تركيز على دوره كخليفة لأبيه بمراكش واحتكاكه بشؤون الحكم وطرق تدبير وتسيير الجهاز المخزني، حيث استطاع من خلال ذلك، مواجهة ظرفية مغربية سادت فيها أزمات داخلية وخارجية، نهض المولى الحسن بتجاوزها عبر المحاولات الإصلاحية السلطانية التي شهدها عهده في المجالات العسكرية والإدارية والاقتصادية. وفي المسار نفسه، تناول الأستاذ علال الخديمي في مقاله “بناء تماسك المجتمع في عهد مولاي الحسن: محاولة في التنمية المعاقة” ظرفية التفكك والأزمات خلال عهد المولى الحسن، والتي ربطها بالتدخل الأجنبي وما رافقه من أزمات مالية وانتشار للحمايات، مبينا كيف سعى السلطان إلى تدارك الأمر عبر إجراء عدة إصلاحات على مستوى الإدارة الجبائية وإعادة النظر في التقسيم الإداري، من أجل استتباب الأمن الداخلي، ومواجهة الضغوط الخارجية.. مبرزاً جهوده الدبلوماسية الاستباقية، مستندا إلى ما أوردته الوثائق والمراسلات الرسمية. بينما كتب الأستاذ صالح شكاك في مقاله “سيدي حسن وأيامه” عن مكانة السلطان المولى الحسن في الوجدان الشعبي والمخيلة الجماعية المغربية، وجهوده في توحيد البلاد وتوطيد سلطة الجهاز المخزني، حيث احتفظت الذاكرة الشعبية بصورة شبه أسطورية لهذا السلطان، بصموده وقوته، وصبره على شدائد الأحوال، منذ نشأته إلى يوم وفاته. وهو ما سيجعل سيرته تظل خالدة في الذاكرة والتاريخ. أما الأستاذ محمد أوجامع فيمقاله “المغرب زمن حكم المولى الحسن” فقد حاول إماطة اللثام على فترة حكم المولى الحسن الأول، مشيرا إلى غزارة وتنوع الرصيد الوثائقي المتصل بها من جهة، ثم إلى استمرارية أحداث ووقائع سياسية اقتصادية عسكرية واجتماعية رسمت معالم المغرب المعاصر من جهة أخرى. وأكد الباحث أن مقاربة الجيلين الثاني والثالث من المؤرخين المغاربة لتاريخ المغرب في القرن التاسع عشر من خلال دراسات منوغرافية أبرزت دور التاريخ المحلي أو الجهوي في توجيه التاريخ العام للمغرب، كما أوضح الكاتب التحدي المنهجي والمعرفي الكمي والكيفي الذي تشكله الكتابات الفرنسية في وجه الباحثين المغاربة. وانتقل إلى ابراز السمات التي طبعت المغرب خلال القرن التاسع عشر، منطلقا من شخصية المولى الحسن الأول وتكوينه الديني والسياسي، مؤكدا الجهود التي قام بها في مواجهة الأطماع الخارجية ومحاولات استتباب الأمن والاستقرار.
وقارب الأستاذ عمر لمغيبشي في ورقته حول “الأوضاع العامة ليهود المغرب زمن الحسن الأول: بين الضغوط الأجنبية ومحاولات الإصلاح” وضعية اليهود المغاربة خلال النصف الثاني من القرن 19، مبينا خضوعهم لسياقات ووضعيات متداخلة، تمثلت في حصول العديد منهم على “الحماية القنصلية”، وكذا الاهتمام الأوروبي الاستعماري بشؤونهم. وتحت وطأة هذه الظروف سعى المولى الحسن إلى إعمال التوازن في تعامله مع الرعايا اليهود؛ تأرجح بين المحافظة على أسس المرجعية الإسلامية ومراعاة الظروف الطارئة على البلاد بفعل التدخلات الأوروبية في شؤون الرعايا المغاربة.
بينما ركز الباحث عادل جاهل في مقاله “الكوارث والجوائح الطبيعية في الصحراء المغربية زمن السلطان المولى الحسن الأول” (دراسة في الأسباب والنتائج والتدابير) على إبراز دور الكوارث الطبيعية والجوائح، مثل الجفاف والمجاعات والأوبئة، في إضعاف المغرب، جهازا مخزنيا ومجتمعا. مركزا، بشكل خاص، على وضعية الصحراء المغربية في عهد المولى الحسن، حيث تدنت مستويات المعيشة. موضحا كيف ازداد الواقع ترديا بفعل التسربات الأوروبية؛ التي ساهمت في أن تعيش المناطق الصحراوية المغربية ظروفا حياتية صعبة. ومن جانبه بيّن الباحث محمد فراح في مقاله “أوضاع طرق المواصلات التجارية بين الصويرة وأكادير في عهد السلطان مولاي الحسن” كيف كانت الطرق والمواصلات من الجوانب الأساسية التي اهتم بها السلاطين العلويين خلال القرن 19. مركزا على جهود المخزن المغربي في عهد السلطان المولى الحسن الأول لتأمين الطريق التجاري بين مدينة الصويرة ومدينة أكادير. مسجلاً التماثل الحاصل، في مغرب تلك المرحلة، بين الطرق التجارية وطرق الحركات السلطانية، وهو ما جعلها في نظر الجهاز المخزني، مسالك استراتيجية، من جهة لأنها كانت تؤمن موارد جبائية مهمة للدولة، ومن جهة ثانية فهي تسهل تنقلها ووصولها إلى مختلف المناطق ومنها سوس الأقصى.
فيما استهل الباحث محمد السهلي مقالته حول “الأرحاء المائية بمدينة مكناس في عهد المولى الحسن: الملكية ومشاكل الاستغلال“، بإبراز أهمية البحث في موضوع التقنيات المائية في تاريخ المغرب وما يتيحه هذا الأمر من إمكانية الكشف عن مختلف العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها، ثم انتقل إلى الحديث عن الأرحاء المائية بمكناس كواحدة من أبرز هذه التقنيات من خلال الإشارة إلى أشكال ملكيتها وسبل استغلالها، فأسهب في الحديث عن استغلال اليهود لأرحاء المدينة وما نجم عن ذلك من مشاكل استدعى حلها تدخل السلطان، ليختم مقالته بطرح نماذج متعلقة بنزاعات بين ملاكي الأرحاء.
في الفصل الثاني من هذا الكتاب: “علاقات المخزن بجهات وقبائل المغرب وبالزعامات المحلية في عهد الحسن الأول” والذي ضم إحدى عشرة مقالة،فقد استهله الأستاذ محمد نجيــدي بمقاله:” فـصل وجيز من علاقة القائد المعطي المزامـزي بالسلطان مولاي الحسـن” رصد خلاله علاقة القائد المعطي المزامزي بالسلطان مولاي الحسن، من خلال ما أتيح له من وثائق مخزنية مؤرخة ما بين 1873 و1894، وأبرز، استنادا إلى المراسلات السلطانية، بعض القضايا المرتبطة بالجبايات وشؤون الجيش، وكذلك ديون الأجانب ثم السخرة، حيث بذل الباحث مجهودا من أجل تفريغ محتوى هذه المراسلات وتقديم أهم مضامينها وعرض محاولة فهمٍ لسياقاتها ودلالاتها.
ومن جانبه، تناول الباحث ماء العينين النعمة بن علي “علاقة السلطان الحسن الأول بالقبائل الصحراوية من خلال وثائق تاريخية محلية” مشيرا إلى العلاقة الوطيدة التي كانت تربط السلطان مولاي الحسن الأول بالقبائل الصحراوية، ودوره الكبير في ازدهار الحياة الاقتصادية والعلمية والسياسية بهذا المجال. وأوضح الباحث أوجه هذه العلاقة من خلال مراسلات متعددة تطرقت لمواضيع مختلفة منها تعيين الشيخ ماء العينين خليفة للسلطان على الأقاليم الصحراوية سنة 1879، كما أشار إلى نقطة أساسية مرتبطة بالتحرشات الأجنبية بالمنطقة وسعيها إلى ربط الاتصال بأعيان المنطقة يتقدمهم الشيخ ماء العينين، مؤكدا تمسكهم ببيعة السلطان مولاي الحسن وبوحدة البلاد. وفي السياق نفسه تطرق شفيق أرفاك في مقاله “إشعاع السلطة المخزنية بسوس على عهد السلطان المولى الحسن؛ المقاصد والأبعاد” لعلاقة الجهاز المخزني في عهد السلطان المولى الحسن بمنطقة سوس بقسميها الأدنى والأقصى، وكيف تم إيلاؤها أهمية كبرى موضحا الأسباب وراء ذلك، والتي منها، ما ارتبط برغبة السلطان في توطيد الإدارة المخزنية والحضور السلطاني، ومنها ما تجلى في السعي نحو مواجهة التسرب الإسباني والبريطاني والفرنسي في المنطقة، ورغبتها في امتلاك مراسي بالسواحل الجنوبية للبلاد.
وتطرق الباحثان محـمد أجـــردي وابراهيــم الهرام في مقالهما: “العلاقة الجبائية لقبائل زعير بالمخزن الحسني خلال القرن التاسع عشر” إلى علاقة قبائل زعير بالسلطة المخزنية؛ حيث اعتبرت زعير مجالا قبليا واسعا وممتدا، لذلك شكلت العلاقة الجبائية مع المخزن وجها صريحا للصراع والمواجهة. وبيّن الباحثان كيف تـأطرت هذه الأخيرة في مرحلة حكم المولى الحسن من خلال واجبات القبيلة نحو المخزن، من كلف وسخرة وجبايات، وأيضا طبيعة العلاقة الإدارية والمجالية بين الطرفين، وتحولاتها، ثم آثارها وانعكاساتها على قبائل زعير، ومن ثمة ردود فعلها المتمردة، وتعامل المخزن والسلطان مع ذلك.
بينما حاول جواد التباعي في مقاله “الظاهرة القايدية خلال عهد الحسن الأول محمد أوحمو الزياني نموذجا” البحث في الظاهرة القايدية كإحدى أهم ركائز الحكم المخزني خلال مرحلة المولى الحسن، إذ وضّح أنها كانت من أقوى آليات حكمه، سعياً منه إلى ضبط المجال المغربي وتقوية السلطة المخزنية، وضمان الولاء لمؤسسة السلطان. الشيء الذي تجسد في مسار القائد موحى أو حمو الزياني، الذي كان دعم المخزن الحسني له دافعا نحو الولاء والخدمة المخزنية، من خلال التحكم في مجال قبلي كان يميل إلى التمرد.
وقارب الباحث منير كلخة: السياسة المخزنية تجاه الريف زمن حكم الحسن الأول؛ نموذج قبيلة قلعية”. محاولاً رصد ملامح سياسة المخزن الحسني تجاه القبيلة، كما وقف على طبيعة العلاقات المتباينة بين هذه القبيلة والمخزن الحسني، والتي تأرجحت بين المهادنة والتمرد، وسعى أيضاً إلى رصد علاقتها بالمحتل الإسباني، حيث أبدت مقاومة لتوسعهم بالمنطقة، مبيّنا كيف وجد المخزن الحسني نفسه بين الطرفين، نظرا لحرصه على احترام بنود اتفاقية 1861 مع الإسبان، وأشار إلى أن القبائل لم تكن على موقف واحد، فقد كانت منها الثائرة والخاضعة لأوامر السلطان، الذي اضطر في بعض الأحيان إلى إرسال حملات عسكرية تأديبية بعد استنفاذ محاولات مراسلة شيوخ وأعيان بعض القبائل.
وركز مقال الباحث محمد أشن :”دور السلطان الحسن الأول في توطيد سلطة المخزن في المناطق القاصية: الريف الشرقي نموذجا” على سعي المولى الحسن الأول إلى توطيد سلطة الجهاز المخزني. مبينا كيف وظف عدة آليات كالحْركة، وتوطيد سلطة القائد، وتفعيل التحكيم السلطاني بين القبائل، وفرض الجبايات، وتقسيم مجال القبائل المتمردة. وقد بيّن الباحث كيف تم تجسيد هذه الآليات المخزنية في تعامل السلطان المولى الحسن مع قبائل الريف الشرقي، تحقيقا للاستقرار، وتطبيقا للإصلاحات السلطانية، وإنهاءً للتمرد على المخزن وأجهزته الإدارية.
وخصص الباحث رشيد شحمي مقالته “سياسة المخزن العلوي والتحركات القبلية خلال عهد المولى الحسن الأول “ لرصد اختلاف سياسة المخزن في تدبير المجال والتحركات القبلية حسب السلاطين، إذ كانت لكل سلطان ميزته وخاصيته في ضبط التحركات المجالية، موضحا خصوصية عهد السلطان المولى الحسن الأول الذي تميز بسياسة خاصة تقوم على الحفاظ على الأمن وضبط المجال والتحركات القبلية، من خلال تجنيد القبائل ومحاربة تحركاتها، وكذلك من خلال إثقال كاهلها وكسر شوكتها بالضرائب، والاستعانة بقواد القبائل وشيوخ الزوايا في مواجهتها. وتناول مقال أنوزلا الحسان “ثنائية الطرف والمركز على عهد السلطان الحسن الأول مجال وادي نون نموذجا”، العلاقة بين “الهامش” و”المركز” على عهد المولى الحسن الأول من خلال أنموذج مجال وادي نون، مستهلا مقالته بالإشارة إلى أهمية دراسة هذه العلاقة في فهم تاريخ مغرب القرن19، والذي اتسم بتزايد الأطماع الامبريالية للسيطرة على خيراته. كما أشار إلى دور آلية الحركة السلطانية في ترسيخ السلطة المخزنية خصوصا في الأطراف النائية. وسعى الباحث محمد بسباس، في مقاله “علاقة السلطة بالمجتمع من خلال الحركة: حركة السلطان الحسن الأول لتافيلالت سنة 1310ه/1893م نموذجا” إلى التركيز على مميزات حْركة السلطان المولى الحسن إلى منطقة تافيلالت، مُنطلق الدولة العلوية، مبرزا كيف حضر بُعد “صلة الرحم” في الخطاب السلطاني الممهد للحركة. مضيفا أن السياق وظروف المرحلة أطّرتها ووفرت لها أسباب أخرى أهمها؛ مواجهة المد الاستعماري الفرنسي، وبناء “دولة الحدود”، بالإضافة إلى جباية الضرائب.. مما ساهم في تقوية العلاقة بين السلطة المخزنية والمجتمع المحلي. واختتم هذا الفصل بمقال للباحثين خولة سويلم وعبد الكريم السندوبي “المــاء والحركة في عهد السلطان الحسن الأول” سعى الباحثان من خلاله إلى بيان تعدد أدوار ووظائف الحْركة في عهد المولى الحسن الأول (1873 –1894)، التي كانت تتطلب ظروفا خاصة، وتستوجب توفير إمكانيات وتجهيزات مختلفة، لعل أهمها التموين، واختيار المسالك والطرق. وخاصة تلك التي توفر الماء للحركة؛ الماءُ باعتباره مادة أساسية وحيوية في مسار الحْركة ونجاح مسعاها وأهدافها.
وتمحور الفصل الثالث حول: “علاقة السلطة بالزوايا والعلماء في عهد السلطان مولاي الحسن”. وفي المقالة الأولى منه، تناول الأستاذ سعيد واحيحي موضوع “الزاوية الدرقاوية المدغرية من الدعوة إلى قيادة الجهاد بالجنوب الشرقي المغربي”، مستهلاً مقاله بإعطاء لمحة تاريخية عن الزاوية الدرقاوية المدغرية التافيلالتية من حيث نسبها ونشأتها ومؤسسها، ثم عرّج الباحث على نسب محمد العربي العلوي المدغري وتكوينه العلمي، وأحقيته في الوراثة. ليختم بالحديث عن جانب آخر من شخصية محمد العربي المدغري الدرقاوي، والمتمثل في مواجهة المخططات الأوربية، فشكل بذلك نموذجا للشيخ المتفاعل مع قضايا مجتمعه، وقائدا ميدانيا مقاوما لمخططات القوى الأوربية الاستعمارية.
وأوضح الباحث محمد اسموني في مقالته حول “الزاوية الشرقاوية وتدبير المجال التادلي زمن حكم السلطان المولى الحسن الأول ” مساهمة الزاوية الشرقاوية في مغرب المولى الحسن الأول، التي تأرجحت علاقتها بالسلطة المخزنية آنذاك بين التفاهم والتوقير والمصالح المتبادلة ولعب دور الوساطة، وبين النزوع نحو الزعامة وتوسيع مجال السلطة الروحية. وكان تدبير المجال التادلي وضبطه والتحكم فيه وفي موارده أهم تجليات العلاقة بين مخزن السلطان المولى الحسن والزاوية الشرقاوية.
وجاء مقال “المولى الحسن الأول وعلاقته بعلماء قراقرة بني مسكين” للباحث عبد الرزاق القرقوري كختام للفصل الثالث، موضحا من خلاله علاقة السلطان المولى الحسن الأول بقبيلة القراقرة، وبعلمائها؛ حيث قدم تعريفا بقبيلة القراقرة، مؤكداً على العلاقة الوثيقة التي كانت تربطها بالسلطان المولى الحسن، ثم تعرض إلى ظروف وفاة السلطان المولى الحسن الأول، وتغسيله بقبيلة بني مسكين. وفي ختام مقالته، سعى الباحث إلى تبيان أوجه العلاقة المذكورة التي كانت بين السلطان وقبيلة القراقرة، من خلال ظهائر السلطان المولى الحسن الأول التي يأمر فيها بتوقير هذه القبيلة وعلمائها، وكذا الرسائل التي يدعو فيها عماله إلى ضرورة احترام شرفاء القراقرة.
الفصل الرابع من الكتاب حول “الدبلوماسية الحسنية وجهود مواجهة الضغوط الاستعمارية” ،افتتحه الباحث علي علام بمقال حول “دور الحماية القنصلية ومؤتمر مدريد في تهديد السيادة المغربية خلال القرن التاسع عشر” تناول فيه ظاهرة الحماية القنصلية التي أدت إلى تفكيك المجتمع وإضعاف المخزن، والتي تهافتت عليها فئات من الأعيان والتجار، موضحا كيف نبهت العديد من الكتابات إلى خطورتها، وكيف كان مؤتمر مدريد سنة 1880 سببا في استفحال الظاهرة عوض الحد منها؛ حيث خرج المغرب ضعيفا من هذا المؤتمر الذي كرس الحماية القنصلية ومنح امتيازات إضافية للقوى الاستعمارية المشاركة فيه.
فيما سعى الباحث نعيم الخرازي في مقاله ” سفارات مولاي الحسن إلى أوروبا” إلى إبراز جانب مهم من العلاقات الخارجية والدبلوماسية للمغرب زمن السلطان مولاي الحسن؛ من خلال السفارات المغربية إلى أوروبا ما بين سنتي 1873 و1894 عبر التعريف بالسفراء، وتاريخ السفارات، ودواعي إرسالها، ونتائجها. ثم قدم الباحث قراءة في معايير اختيار السفراء ومؤهلاتهم، وطبيعة الوفد المرافق لهم، والهدايا السلطانية، ووجهة السفارات والمدة التي استغرقتها، بالإضافة إلى جوانب من الإجراءات المتبعة في إيفاد واستقبال تلك السفارات، وكذا بعض أنشطتها في الدول الأوربية المضيفة.
وفي السياق نفسه، خصص الباحث عبد الغني العمراني مقاله “السلطان الحسن الأول ودبلوماسية المداراة مع هولندا من خلال وثائق الأرشيف الهولندي” لإبراز طبيعة الدبلوماسية التي ميَّزت عهد السلطان مولاي الحسن الأول في علاقته بمملكة هولندا؛ حيث أكد حرص السلطان على ضمان استمرارية العلاقات التجارية مع هولندا حتى في أسوأ الظروف، من خلال تمتيعها بوضع اعتباري خاص يمكنها من الحصول على جملة من الامتيازات التفضيلية بالمراسي المغربية، في إطار ما سماه “دبلوماسية المداراة” أو “دبلوماسية الملاطفة”. وكانت “جهود السلطان المولى الحسن في إصلاح نظام الحماية القنصلية من خلال الوثائق المخزنية”. موضوع مقال الباحث عزيز اليحياوي الإدريسي الذي تطرق إلى سعي السلطان مولاي الحسن إلى إصلاح نظام الحماية القنصلية، من خلال الإقدام على عدة إجراءات على المستويين الداخلي والخارجي؛ إذ قام داخلياً بإحصاء عدد المحميين في مختلف المناطق المغربية، وحاول خارجيا بمختلف الوسائل الدبلوماسية المتاحة (سفارات ومراسلات، مذكرات..) تسجيل رفض ظاهرة تجنيس المحميين.
وتناول الباحث يوسف الزيات في مقاله “مؤتمر مدريد 1880 ومسألة “المساواة وحرية التدين والعقيدة” وموقف السلطان والعلماء منها” إشكالية المساواة وحرية التدين والعقيدة، في سياق الهجمة الأوروبية الاستعمارية، وما رافقها من ضغط وسعي إلى تقويض السلطة المخزنية خلال النصف الثاني من القرن 19، من خلال المشروع الذي تقدمت به دولة النمسا-هنغاريا ضمن أشغال مؤتمر مدريد 1880. موضحاً كيف أبدى السلطان المولى الحسن والجهاز المخزني قدرة كبيرة على مواجهة الضغط الدبلوماسي الأوربي، والوقوف أمام أي مساس بما جرت به الأمور في المغرب في هذا الجانب.
بينما ركز الفصل الخامس والأخير من الكتاب على: “المحاولات الإصلاحية للسلطان مولاي الحسن”، سعى في بدايته الأستاذ لحسن تاوشيخت عبر مقاله “الإصلاحات العلمية زمن السلطان المولى الحسن” إلى الوقوف على مبادرات السلطان المولى الحسن، الهادفة إلى تحقيق نهضة علمية، في سياق التحولات الحاصلة في مغرب مرحلته، كما عمل الباحث على بيان دوافعها ومحفزاتها الخاصة والموضوعية. مبرزا بعض تجلياتها؛ الثقافية والفنية، ثم العلمية والتقنية، موضحاً ما واجهته من معارضة وسوء فهم واستيعاب داخليا، وفي سياق استعماري أوروبي مضاد ومعاكس خارجيا.
فيما خصص الباحث محمد الصافي مقاله لموضوع: “مشاريع الإصلاحات التعليمية بمغرب القرن التاسع عشر خلال فترة السلطان الحسن الأول: قراءة تاريخية في مسار التجربة الإصلاحية التحديثية وعوامل فشلها”، وسعى الباحث عبره إلى تتبع مسار التجربة الإصلاحية التحديثية في ميدان التعليم بالوقوف على المؤثرات الداخلية والخارجية التي حتمت على المخزن المغربي القيام بعملية الإصلاح، وحاول إعطاء تقييم لتجربة الإصلاحات التعليمية في عهد السلطان الحسن الأول خلال النصف الثاني من القرن 19م، بناء على سياقاتها التاريخية، وعلى مختلف الظروف التي دفعت السلطان إلى خوضها والقيام بها.
وتناولت الباحثة وفاء زيدان موضوع” الاستراتيجيات العسكرية المخزنية فترة حكم السلطان مولاي الحسن، بالوقوف على توظيف المخزن خلال مرحلة حكم السلطان المولى الحسن الأول عدة استراتيجيات عسكرية، للتعامل مع القبائل المتمردة ومواجهتها. مؤكدة أن العامل الطبيعي المتمثل في اختلاف التضاريس وإمكانية الاحتماء ببعضها، وتغيرات الفصول والاستفادة من طقسها، كان هو العامل الأساسي خلف هذا التوظيف، وأضافت الباحثة أن المخزن استعمل أساليب أخرى شكلت مرتكزات أساسية في بناء استراتيجيته العسكرية، مثل جمع المعلومات والمعطيات الخاصة بالقبائل، وأيضا توظيف أجهزته المحلية لنشر رؤيته ووجهة نظره بين السكان كآلية للتضييق على المتمردين.
فيما ركز الباحث عبد الكريم السندوبي في مقاله على “الإصلاحات الحسنية للمراسي المغربية”، معتبرا الإصلاحات التي شهدتها بعض المراسي المغربية في عهد المولى الحسن الأول في الجوانب المعمارية والإدارية والتنظيمية، من أهم الإصلاحات التي عرفتها المرحلة، مشيرا إلى أهمية وأدوار المراسي في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، موضحا السياق العام الذي أفرز تلك الإصلاحات، رابطا إياها بالإكراهات والضغوط الخارجية والدوافع السياسية والاقتصادية والأمنية، وختم الباحث ورقته بإبراز دور الإصلاحات الحسنية للمراسي المغربية في تزايد الضغوط الأجنبية على البلاد.
وفي مقالهما المكتوب باللغة الفرنسية Les réformes monétaires et fiscales sous le règne du sultan My al-Hassan Ier سلط الباحثان أنس بن اشو وسكينة فكراشن، الضوء على المتغيرات والإصلاحات النقدية والضريبية التي قام بها السلطان المولى الحسن الأول من أجل تحسين أوضاع المجتمع المغربي. حيث عرفا في بداية مقالهما بالسلطان المولى الحسن الأول بإبراز أهم محطات حكمه وصفاته التي وردت في الإسطوغرافيا الأجنبية، وركزا بعد ذلك على كرونولوجيا التحولات المالية والنقدية خلال فترته، ابتداء من ضرب الريال الحسني سنة 1882 من أجل منافسة الريال الإسباني. وختما مقالهما بالتأكيد على أن هذه الإصلاحات ورغم أهميتها، لم تستطع أن تحد من آثار وصعوبات هذه المرحلة.