عمّان-في كتابه “الدولة وحقوق الإنسان في الفلسفة المعاصرة”، والصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، يؤكد الباحث والأكاديمي د.رياض الصبح أن حقوق الإنسان، على الرغم من تحقيقها إنجازات عدة ﰲ ممارسات بعض الدول، إلا أنها ما تزال تعاني سطوة الدولة عليها.
ويكرّس الصبح هذه الدراسة القيّمة والمهمة كما يؤكد أ. د وليد عبد الحي الذي قدّم لها، على طرح ومناقشة تساؤلٍ رئيسيّ تتفرع عنه مسائل عدة منها: كيف أن منظومة حقوق الإنسان المعاصرة التي تطرح نفسها وفق رؤية عالمية وإنسانية، وتأسست باعتبارها مفهوماً طبيعياً، تقع في الوقت ذاته التزامات تطبيقها على كيان اصطناعي هو الدولة، فهل استطاعت الدولة أن تكون قادرة على الحفاظ على طبيعية الحقوق تلك؟ وهل قدّم القانون الدولي والفلاسفة إجابات حول التحديات التي تواجه حقوق الإنسان ﰲ المرحلة المعاصرة؟ وهل تمتلك منظومة حقوق الإنسان الدولية آليات تنفيذية لمساءلة الدول حول تأدية التزاماتها بشكل موضوعي؟
أسئلة مهمة يقدمها الصبح في سياق البحث عن تطوير رؤية فلسفية نقدية لعلاقة الدولة بحقوق الإنسان ﰲ الزمن الراهن، وذلك من خلال الاستفادة من آراء الفلاسفة المعاصرين، ولا سيّما ﰲ ظل ظروف النظام الدولي المعاصر، والبحث عن أفضل السبل لولوج العالم إلى مجتمع إنساني يحترم حقوق الإنسان من جهة، ويحافظ على كيان الدولة من جهة أخرى.
ويرى الصبح أن الإجابة عن التساؤلات حول التحديات التي تجابه المجتمعات المعاصرة من قضايا قيميّة وأخلاقية، متطرقاً إلى الجانب الحقوقي، ودور الدولة ﰲ هذا المجال، والإجابة عن سؤال متطلبات الدولة وشروطها ووظيفتها المعاصرة، ﰲ ظل ظروف النظام الدولي المعاصر، كي تؤدي التزاماتها تجاه حقوق الإنسان، فإنه لابد من سلوك المنهج النقدي؛ من خلال تقديم وصفٍ لآراء الفلاسفة حول مفهوم حقوق الإنسان، وتناول مفاهيم حقوق الإنسان ﰲ سياقها الحداثي والمعاصر، بنظرة تحليلية نقدية، ﰲ سبيل تطويرها مفهومياً، وهي محددة تاريخياً بالحقبة المعاصرة، وخاصة ﰲ مرحلة ما بعد إنشاء الأمم المتحدة، وما تفرضه هذه المرحلة من إشكاليات خاصة. وبما أن الفلسفة المعاصرة تقوم على نقد الحداثة فقد كان لزاماً عرض التطور التاريخي لحقوق الإنسان ﰲ عصر الحداثة.
ويتناول الفصل الأول من هذا الكتاب تطور الدولة وحقوق الإنسان ﰲ سياق الفلسفة الحديثة، انطلاقاً من التحول ﰲ مفهوم السيادة الذي جرى على الدولة، وجدل السلطة والحقوق ﰲ العقد الاجتماعي، وسؤال الحرية الذي طرح مقابل الدولة، وكيف ساهمت الثورة الفرنسية ﰲ تحول مفهوم الحقوق، وتأصيل الحقوق على المنظور الأخلاقي عند كانط، والنقد الذي تعرضت له حقوق الإنسان بين القانون والبنية الاجتماعية.
وفي الفصل الثاني، يعالج الباحث موضوع الحقوق الطبيعية وعلاقتها بالدولة الاصطناعية، من حيث تأصيل الفلاسفة لمفهوم الحقوق الطبيعية وكيف تأسست الدولة على هذا المفهوم، وما هي الانتقادات حول فلسفة الحق الطبيعي، وكيف تحول مفهوم الحق الطبيعي إلى الحق الطبيعي العالمي.
وسوف يناقش الفصل الثالث إشكاليات حقوق الإنسان المعاصرة، مثل إشكالية المُلكية بين الحق الطبيعي والمكتسب، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخيراً إشكالية التطور العلمي وحقوق الإنسان، وسيعمد هذا الفصل على إجراء مقارنة ما بين الفلاسفة المعاصرين والحداثيين والقانون الدولي.
وفي الفصل الرابع والأخير من الكتاب تناول الباحث المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، من حيث التوصل إلى المفهوم المعياري لحقوق الإنسان، الدولة وحقوق الإنسان في ظل العولمة، وأخيراً إلزامية القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويُناقش طروحات الفلاسفة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي معرض تقديمه للكتاب يؤكد أ. د وليد عبد الحي على أهمية هذه الدراسة وأنه من الضروري مواصلة البحث ﰲ هذا الميدان الحسّاس ﰲ الحياة السياسية والاجتماعية المحلية والقومية والدولية، ويزعم بأن الكاتب بحكم تخصّصه وخبرته الميدانية مؤهل بما فيه الكفاية لأن يواصل هذا المسار البحثي المهم.
مضيفاً أن أهمية هذه الدراسة تأتي من دراسة ملابسات العلاقة بين الأبعاد الثلاثة في تتبّع وتطوّر مفهوم حقوق الإنسان من مفهومه الطبيعي ﰲ مرحلة ما قبل ظهور السلطة وتوصيف النصوص الدينية لحدوده، إلى ظهور الدولة والنكوص نحو إعلاء مفهوم المواطن على حساب مفهوم الإنسان استناداً إلى روابط إثنية وسياسية وقانونية.
ومن الجدير ذكره أن د. رياض الصبح باحث وأكاديمي أردني. حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة اليرموك، وشهادة الماجستير في العلوم السياسية/ اقتصاد سياسي دولي من الجامعة نفسها، وشهادة الدكتوراة في الفلسفة من الجامعة الأردنية. ومستشار حقوق الإنسان في الأردن والمنطقة العربية مع عدد من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، عمل لمدة 13 عاماً مع المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، ويعمل محاضراً غير متفرغ في الجامعة الأردنية- قسم الفلسفة.