صدر عن دار رقمنة الكتاب العربي – ستوكهولم السويد- بالتعاون مع الاتحاد العالمي للكتّاب العرب كتاب “أين هو الكاتب الحقيقي” للناقد ريبر هبون، وهو كتاب نقدي تحليلي تم توظيف فلسفة الحب وجود والوجود معرفة في قراءة العمل الأدبي، إذ يشيد الكاتب بالجسور العميقة ما بين الفكر والأدب من خلال سعيه الدؤوب لقراءة الأعمال الأدبية من زاوية معرفية تسبر الأغوار عميقاً عن شخصية المعرفي وتزيل الغبار عنها بغية فهم جديد للعمل الأدبي.
الكتاب يتوفَّر قريباً ورقياً يمكن طلبه عبر منصة اطبع وإلكترونياً عبر مكتبات تعنى بنشر الكتاب الإلكتروني بشكل مجاني.
أعدَّ مقدَّمة الكتاب الباحث الاجتماعي حسن خالد، وقال فيها:
إنّ القيام بعملية التقديم مقاربة نقدية لعمل أدبي ما، هي عملية حسَّاسة محفوفة بمخاطر جمّة، خاصة عندما يكون العمل الأدبي المراد تناوله نقداً وتقييماً رواية!
وعندما تكون تلك الرواية ذات بعد اجتماعي/سياسي في مضامينها، فإن المهمة تزيد في صعوبتها ومعاناة حقيقية في استدراك وفهم مدلولاتها وغاياتها، نظراً لأن الرواية الاجتماعية، وإن كانت في ظاهرها من سوية الأعمال [السهلة الممتنعة].لكنها تضع الناقد في موقفٍ لا يُحسد عليه، خاصة عندما يكون “العمل الروائي” و “كاتبها” و”ناقدها” وإلى حدّ بعيد “قارئ المنتوج الأدبي” ينتمون إلى وسطٍ اجتماعي واحد جامع “متجانس”؟ تجمعهم “وحدة الألم والأمل” “وحدة المعاناة والطموح”..، فالرواية الاجتماعية هي/بقناعتي/ “عملٌ اختزالي” لتفاصيل تلك الحياة التي نتشاركها معا!
إن تناول الناقد: “ريبر هبون” لروايات الروائي: “حليم يوسف” “مع حفظ الألقاب” تتميز بالغوص في التفاصيل الصغيرة، تلك التفاصيل التي تُكون نمط حياة لمجتمع له خصوصيته، ومحاولة إظهار صراع الإنسان مع الذات و مع المحيط، هي إيضاح صريح لرؤية ومهمة الناقد في رغبته إحداث تغيير منشور لنمط الحياة التي يحياها أبطال وشخوص الرواية ما بين الشخوص الرئيسية والثانوية “الهامشية” حتى إن البطل [ماسي] ولها دلالة رمزية كبيرة في اختيار الأسماء وسعيه الحثيث في فهم واقعه، وما يدور حوله، محاولة فهمه لذاته كقضية وغاية في حدّ ذاتها تُحسب للناقد: ريبر في إثبات أن يسعي المعرفي لفهم ذاته والانطلاق منها لفهم من حوله، و (ماسي) في دلالاته يعني أن له أجواء محددة إن خرج منها ينتظره الهلاك! كرسالة للكردي في الحفاظ على أجواءه وبيئته التي فيها خلاصة وانعتاقه من نمط حياة السطحية والتفاهة!!
إن الغوص والتركيز في فهم تفاصيل حياة من اختار العيش في الجبال، له دلالاته الرمزية، ومراحل حياته منذ الصغر، والمتغيرات التي طرأت عليه في جميع مراحل حياته، إماءة للقضية القومية للشعب الكردي، فقول: [أنا كالحجر الذي لان من الألم] له دلالة عميقة حال اسقاطه على شخصية (ماسي “الإنسان الكردي”)!! الذي إن ابتعد أو تم إبعاده عن بيئته “مياهه – بحره” فسيهلك..
إن تناول هذه الرواية وتناول مضامينها بصيغة فلسفية وبمفردات فكرية قد تستعصي على البعض، وكأنه يريد أن يقول: “إن الخلاص يبدأ من لحظة التركيز على الفهم الفلسفي لواقع نعيشه والابتعاد عن التفسيرات الدينية وخرافة الثقافة السائدة، والانتقال من أدواتها الضيقة المحدودة <الكتب الدينية> إلى <الكتب والنظريات الفلسفية> الأكثر سعة وشمولا”، وأن المقاومة وحمل السلاح كوسيلة للخلاص والانعتاق، بمثابة اختيار أدوات المعرفة من كتب ونظريات طريقاً للخلاص.
لأن العلاقة بين قضية الأرض وخلاص الإنسان من نيّر الاستغلال والعبودية، هو تمرد فكري معرفي، واختيار آمن للخروج من عباءة واقع أقرب إلى حياة الأغلال والعبودية..
لأن سعي “ماسي” للحصول على حريته الفردية والمجتمعية لاحقاً، يماثله سعي المعرفي إلى الانعتاق من كوابح الأعداء والعبودية فكراً، وهنا يلتقي المعرفيون في البحث عن خلاص كلٌ بوسائله وأدواته التي تناسب.
فكما إن قضية “ماسي” تعكس أبعاد قومية للشعب الذي ينتمي إليه، فإن للمعرفيين أرضية مشتركة للالتقاء؟
يحاول الناقد: “ريبر هبون” في هذه المقاربة إبراز الجانب التوثيقي وكأنه سرد تاريخي [آثار حسكيف] لمضمون رواية الروائي: “حليم يوسف”، والتركيز على التفاصيل والجزئيات الصغيرة في محاولة تفكيكية للكوارث التي تتعرض لها شعوب تعيش على أرضها تحت قبضة العنصرية التركية، راسماً طريق الخلاص كما يعتقد ويرى، لتلتقي دعوة “حليم يوسف” في الخلاص ماسي مع رغبة “ريبر” في خلاص المعرفيين من سطوة الجهل والانعتاق من عبودية الجهل وسطوته، فالجبال بمثابة جرعة الخلاص “سياسياً” والانعتاق من الجهل وتشابكات مجتمع جاهل “معرفياً” لأن خلق الأزمات باتت صناعة جهات تريد سيادة التجهيل، يقابله طرف آخر همه ودينه نشر الوعي، وعي الذات، والانطلاق منه نحو خلق حالة وعي جمعي ترتبط بالحقوق، وصيغة الوصول إليها هي ثورة الكرامة وثورة معرفة لبناء إنسانٍ واعٍ، لذا وجب علينا جميعاً محاولة الإجابة على جملة من التساؤلات؟
ما وظيفة المستنير (معرفياً و وطنياً وقومياً وحتى إنسانيّاً) تجاه الوسط الذي يعيش فيه؟
هذا ما يحاول ريبر هبون التصدي له. هل التضحية الجسدية تفي بالغرض؟
أم أن حالة من ديمومة خلق الوعي بين الناس ونشرها كفيلة لتكون رسالته نبيلة؟
إن ثقافة الإنكار سياسياً ومعرفياً كفيلة بمراجعة الإنسان الواعي لجملة الأحداث التي تجري حوله وتُكبله، ليبدأ رحلة البحث عن ذاته الفردية والجمعية لتجاوز حالة اغتراب وتهميش تلفه!! واستخراج مكامن الجمال في ذاته المزدوجة [ال “أنا” و ال “نحن”].. تحسب للناقد “ريبر” أنه وثّق هوامش بمصادرها، ليعين القارئ إن رغب في الاستزادة..
في مقاربته ل [٩٩ خرزة مبعثرة] لا يختلف الأمر كثيراً، إنما طرق الروائي بابا آخر لتشريح الواقع الذي نعيشه ومحاولة فرزه بأفضل وأسهل وسيلة تلقيفية للمتلقي العادي..
ولم تغب المرأة عن المشهد كديمومة دورها وتواجدها في الذهنية الذكورية وفي مفاصل الحياة ككل وفق سياقات اجتماعية ونفسية ومؤدلجة لشخوص يشكلون واقع حياتنا هامشيين وفاعلين؟
ليترك الناقد “ريبر هبون” لنا مخيال الفرز والتصنيف في هذه الجزئية بالذات، كمنح لحظة تحريضية للفكر في معرفة فروقات “الغث من السمين”
يتميز أسلوب “ريبر هبون الناقد” بتناول المادة بصبغة فكرية مؤمناً بأن المعرفة والحب هما الكفيلان بفهم الحياة وتقويم اعوجاجاتها، ومعترفا بأن الحياة برمتها صراع بين الجهل والتجهيل من جهة والمعرفة ووحدة المعرفيين من جهة أخرى…
لأن كنه فلسفته في الحياة تنحصر في جزئية (الحب وجود والوجود معرفة) وهو ما يؤمن به كرسالة وهدف محدداً آليات الصراع والصدام في سياق معركة المعرفيين في الحياة بجميع سياقاتها.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.