الملخَّص:
نسعى من خلال هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على إشكالية نشأة السينما الأمازيغية بالمغرب بين المرحلة الكولونيالية ومرحلة الحس النضالي مع الكشف عن الذاكرة الثقافية والهوياتية للمجتمع الأمازيغي وكذا تسليط الضوء عن تاريخ السينما المغربية في علاقتها بالمكون الأمازيغي، إذ استطاعت السينما عبر مختلف الإنتاجات الدرامية التعبير عن الواقع والذاكرة والهوية المغربية بمختلف تلويناتها، ثم محاولة إبراز رهانات السينما الأمازيغية وسط خزانة الفن السابع للمغرب عبر مختلف المراحل، محاولين التركيز على إبراز جماليات السينما الأمازيغية ودورها في تأسيس السينما الوطنية كمشروع حقيقي لبناء الممارسات السينمائية الإبداعية والقطع مع كل التجارب التي لا ترتبط بالواقع المغربي وبالهوية والثقافة والحضارة التي تنتمي إليه. وبالتالي فمن خلال هذه الدراسة أحاول إبراز دور السينما الأمازيغية كمكون أساسي للسينما المغربية مع طرح بعض الإشكالات التاريخية والمرتبطة برهانات الذاكرة والتوثيق للفن السابع بالمغرب وبالتالي إعادة النظر في المشروع السينمائي المغربي ككل والأمازيغي بالخصوص.
الكلمات المفتاح: السينما الأمازيغية – النشأة – الرهانات – الذاكرة – الهوية.
على سبيل التقديم
إن الحديث عن السينما بشكل عام والسينما الأمازيغية بشكل خاص يجعلنا نعود تاريخيا إلى بدايتها الأولى مع كل من الاخوان اوكيست ولويس لومير وكل من جورج ميليس بفرنسا خلال نهاية القرن التاسع عشر (1895) وبالتالي يمكن القول بأن السينما كصناعة هي حديثة جدا ولم تعمر الشيء الكثير (حوالي قرن وربع)، لكن قوتها ودورها وكذا انتشارها كفن تجاوز مستوى الادراك والعقل إذ أصبحت السينما هي الفن المسيطر والمهيمن على جميع الفنون… لا ندري هل من قوة هذه الصناعة ام من منهجيتها المعتمدة؟ أم من تنوعها واسلوبها القريب من الحياة ومن الإنسان، ككائن بشري استطاع الوصول بالإبداع إلى قيمة إنتاجية تفوق التصور…؟ ام من أدواتها التقنية المغرية والتي تعتمد على الصوت، الصورة والحركة؟ أم من فلسفتها التي تزاوج بين الابداع الواقعي والمتخيل؟ وبين أساسيات موقف الفن الراقي ومتطلبات سياسة العصر؟ أو من خلال مادتها المحكية وكذا من حركية الصورة واللغة السينمائية المعبرة؟[1]
وعندما حاولت المغامرة للكتابة حول السينما الأمازيغية، أحسست بتلك الإشكاليات التي كنت أعبر عنها وأنا اخوض لأول مرة تجربة التكوين الجامعي في تخصص تدبير الإنتاج السينمائي والسمعي البصري[2] ثم أيضا في إعادة نفس التساؤلات التي كنت أبحث عنها عندما خضت تجربة البحث في ما يمكن تسميته بالسوسيولوجيا الأمازيغية( انظر مقالاتنا المنشورة في مجلة التنويري الدولية)[3]، وعلاقتها بما يتم إنتاجه حول الإنسان الأمازيغي والثقافة والحضارة المرتبطة به، اذ أن الحديث عن ما يسمى بالفيلم الأمازيغي هو بدوره كإشكالية فلسفية وجودية تضعه كموضوع للنقاش وتحديد ماهيته وبالتالي إمكانية التدقيق في ما يسمى بالسينما الأمازيغية او الفيلم الناطق بالأمازيغية او الأفلام المصورة بالمناطق الأمازيغية أو عن التاريخ والحضارة الأمازيغية ثم الفيلم المغربي الناطق باللسان الأمازيغي ….إلى ما هنالك من تسميات متعددة نظرا لكون هذا المكون السينمائي له جدور وله امتداد في الزمان والمكان ثم أيضا في الفضاء وفي اللغة والثقافة والمعمار وفي جميع مناحي الحياة اليومية والحياة العامة والخاصة للمغاربة ولجميع مناطق شمال افريقيا. فالسينما المغاربية والغربية وحتى العالمية نجد في خزانتها ما يجسد هذا المكون الأساسي وهنا أتفق مع استاذي ومؤطري في السينما الدكتور حميد تباتو الذي اعتمد مصطلح ” المكون الأمازيغي ” في كتاباته، وفعلا فالسينما الأمازيغية هي مكون أساسي من مكونات السينما المغربية التي بدورها مكون أساسي من مكونات السينما العالمية… فإلى أي حد استطاع هذا المكون الأمازيغي أن يبلور لنفسه هوية سينمائية رغم الإمكانات الهزيلة التي انطلق منها؟ ثم كيف استطاعت السينما الأمازيغية كمكون أن تفرض سياقها ورهاناتها وبالتالي بناء رؤية إبداعية فاعلة انطلاقا من إعادة تصوير الواقع كحقائق اجتماعية، ثقافية أو تاريخية؟ ثم كيف استطاع هذا المكون الذي اعتمد على تقنية الفيديو في بداية الأمر، على إعادة انتاج الذاكرة الشفهية والتاريخ الاجتماعي ثم النضال المجتمعي والثقافي، أن يتمأسس ويصنع لذاته قوة درامية وتسجيلات واقعية وخيالية ثم وثائقية؟ وكيف قدم هذا المكون الواقع الأمازيغي والمغربي من خلال الكاميرا؟ وهل استطاعت السينما الأمازيغية أن تكشف الحياة بمختلف تناقضاتها وتقوم بإعادة تركيبها بشكل فني درامي وبالحبكة المطلوبة؟
أسئلة كثير تخطر على البال ونحن بصدد الحديث عن المكون الأمازيغي في مجال السينما، إذ تبقى هذه الورقة بمثابة وجهة نظر لمتتبع ومهتم في هذا المجال قصد إثارة هذا الموضوع ضمن إشكالية أساسية تتجلى أساسا في محاولة ابراز واقع السينما الأمازيغية في المغرب بين إشكالية النشأة ورهانات الذاكرة والهوية.
يان: السينما بالمغرب بين التعدد والهيمنة
إن الحديث عن مشروع السينما المغربية هو حديث عن تاريخ هذه السينما بالمغرب وحديث عن ماهية السينما المغربية وعلاقتها بالسينما العالمية وخاصة الفرنسية أو الكولونيالية، حيث إن السينما دخلت إلى المغرب عبر نافذة التصور الاستعماري مثل جميع الأمور الأخرى سواء الصناعية والفكرية وكذا الإدارية والقانونية والعلمية…. فقد اعتمدها المستعمر الفرنسي كدعامة تقنية لبسط نفوذه وتمرير أفكاره الكولونيالية سواء عن طريق الاشهار أو عن طريق تصوير وإنتاج أفلام في البيئة المغربية. كما شكل المغرب سوقا خارجية ممتازة لترويج الإنتاجات السينمائية الأجنبية والفرنسية منها بالخصوص.
كما أن الصناع الأوائل للسينما قد اكتشفوا الفضاء المغربي كفضاء طبيعي وجذاب له خصوصيات تغري فن الكاميرا وربطها بالواقع، هذا ما جعل لويس لوميير يعمل على تصوير الشريط “الفارس المغربي Le chevrier marocain” سنة 1897 أو ما يسمى ” راعي الماعز المغربي” ” حيث تكرست العلاقة الجنينية للمغرب بالسينما عن طريق صيغ مماثلة تجلت في تصوير أفلام عديدة بفضاءاته”[4] وهذه الفترة المعروفة بحقبة السينما الاستعمارية، لكن ثمة مؤخرا جدال حول مدى صحة هذه المعلومة التاريخية حول مدى وجود بالفعل في الخزانة السينمائية في الارشيف والكتالوغ الفرنسي، حيث اكتشف بوشتى المشروح بعض الحقائق والمعطيات التي قد تقلب كل ما تعلمناه في مدرجات الكلية حول تاريخ السينما المغربية، إذ يشير إلى مال يلي: ” يذكر Pierre Boulanger في كتابه أنه: انطلاقا من قائمة (Catalogue) أفلام شركة Lumière الفرنسية التي تضم 1800 فيلما «فإنه لا يوجد في الكاتالوغ إلا فيلم وحيد تم تصويره بالمغرب، ويحمل عنوان «Le Chevrier Marocain» [راعي الماعز المغربي]، ويحمل رقم 1394 داخل القائمة، وأن نسخة سالبة لهذه الأفلام (1800 فيلما المكونة للقائمة) تم ايداعها بالخزانة السينمائية الفرنسية سنة 1946»( Boulanger Pierre,1975,p.20). وللتأكد من هذه المعلومة قمنا بالبحث في قائمة أفلام مؤسسة lumière، ولم نعثر عن عنوان هذا الفيلم، كما قمنا بمراسلة معهد لوميير واستفساره عن الفيلم وعن صحة معطيات أخرى، فتمت إحالة مراسلتنا على خبير المعهد السيد Jean Marc Lamotteباعتباره خبيرا في أرشيف المعهد والمسؤول عن المتحف به فكان جوابه بخصوص «فيلم راعي الماعز المغربي» كالآتي: «لا وجود لفيلم يحمل عنوان «راعي الماعز المغربي» Le Chauvrier Marocain أو «الفارس المغربي» Le Cavalier Marocain، ولا وجود في أعمال لوميير لمشاهد أو لمناظر تم تصويرها بالمغرب. ثانيا، من ضمن الطلبات والأسئلة التي توصلنا بها في المعهد، هناك دائما من يحيل فيلم «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي» على الفيلم رقم 1394 في مجموعة لوميير، والفيلم رقم 1394 لا علاقة له بفيلم يحمل عنوان «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي»، الفيلم رقم 1394 هو فيلم بعنوان: «تمارين في التزحلق على الجليد» (Exercice de ski) يصور تمارين في التزحلق على الجليد يقوم بها قناصون في منطقة Briançon بجبال الألب الفرنسية.” [….] ومجمل القول: إن تاريخ بدايات السينما بالمغرب، لازال في حاجة إلى البحث والتدقيق وتمحيص المعطيات المتعلقة بها، وما الأمثلة التي طرحناها إلا أنموذجا، ما يجعلنا نتساءل عن دقة المعطيات الأخرى المتعلقة بتاريخ بدايات السينما بالمغرب.” [5]
تعتبر مرحلة الاستعمار الفرنسي للمغرب مرحلة أساسية في بروز السينما المغربية بما فيها المكون الأمازيغي حيث يعتبر ما تم انتاجه من طرف الفرنسيين من أفلام تسجيلية ووثائقية عن الحياة بالمغرب بمثابة رصيد مهم عن السينما المغربية بعيون أجنبية وفعلا توحي إلى وجود رؤية غير وطنية للإنتاج السينمائي لكن تبقى عملية توثيق الكاميرا للزمن والفضاء المغربي هي التي تعكس جزء من تاريخ هذا الفن السابع عن المغرب بجميع مكوناته.
فخلال فترة الاستعمار انتجت فرنسا عدة أفلام وثائقية واكبت الوجود العسكري والاجتماعي والاقتصادي بما فيها المشاريع التنموية للمستعمر وحتى الثقافي في علاقته بمكونات الثقافة المغربية وخاصة الأمازيغية منها، حيث كانت المدن الكبرى كالدار البيضاء ومراكش وكذا العالم القروي كوارزازات هي أبرز الفضاءات التي شهدت ميلاد هذه الأفلام. ففي سنة 1919 صور أول فلم روائي ” مكتوب” وفي سنة 1934 فيلم ” ايطو” من اخراج Jean Benoit-Levy, Marie Epstein إلى غير ذلك من الأفلام… لكن المثير للجدل هنا هو أن السينما كأداة وصل بين الشعوب والتاريخ والذاكرة تبقى كوثيقة وكلوحة تم انتاجها ابداعيا من الواقع بمختلف أحداثه لتصبح مع مرور الزمن دليلا على نجاح أو اخفاق الإنسان في تعامله مع نفسه ومع كيانه وكذا خلفه… فحقيقة الواقع تبقى متناقضة وراء فكرة الإنتاج والإخراج عندما يتم الالتزام بالمغالطات التي ترتكب عبر المراحل التاريخية. حال السينما المغربية التي انتقلت من تناقضات ومغالطات المرحلة الاستعمارية إلى بعض التناقضات والمنافسة والانانية التي تشوب المرحلة الوطنية حيث لم يتم استحضار الواقع المغربي في انتاج السينما المغربية الوطنية، وما تأخر ظهور السينما الأمازيغية لدليل على هذا القصور وبالتالي فاختزال الصورة السينمائية المغربية في مكون واحد يجعل الحقيقة التاريخية والحقيقة السينمائية تنزلق من على سكة قطار السينما المغربية التي كان من المفترض أن يعكس التعددية الثقافية واللسنية والهوياتية ويعمل على محاربة الهيمنة المستوردة سواء من الغرب أو من الشرق. فبعد تأسيس مؤسسة المركز المغربي للسينما سنة 1944 لم يتم استحضار بشكل واقعي دور هذه المؤسسة التي خلقت لدعم وتشجيع السينما المغربية الحقيقية (ولو على مستوى تسمية هذه المؤسسة)، وبناء تاريخ سينمائي مغربي يعكس تطورها كفن هجين اعتمد الكثير من الأدوات الا أداة الواقع الحقيقي، ثم كفن للذاكرة الجماعية والابداع الفني المتسم بجمالية الصورة والفضاء والمشترك الحضاري والثقافي بين الإنسان والمجتمع الذي تمثله كأداة تعبيرية فنية درامية. واذا كانت المهمة الأساسية المنوطة بالمركز المغربي للسينما حسب مصطفى المسناوي” منذ انشائه، هي انجاز أفلام موجهة إلى المغاربة بلغتهم العربية الدارجة أو بالدارجة المصرية، قصد صرف أنظارهم عن شغفهم اللامحدود بالسينما المصرية، وتحييد المخاطر التي قد تترتب عن اذكاء الروح القومية” [6] فان النظرة الإيديولوجية للإنتاج السينمائي المغربي بدت واضحة وأنها ابتعدت عن الواقع المغربي وتبنت مقاربة إيديولوجية لها أغراض أخرى مغلفة بمواجهة المد المصري والفرنسي لتهميش المكون الأمازيغي واليهودي والحساني وذلك التعايش الإيجابي والثقافي للواقع المغرب، كل ذلك من أجل تغذية مكون واحد واوحد يخدم المصالح الرسمية التي استغلت الظرفية التاريخية لبلورة مشروع مجتمعي سينمائي لا يعكس الهوية الحقيقية للسينما المغربية بكل مكوناتها المتعددة والمتنوعة، لتنزلق بذلك السينما المغربية في جسر الدعم الرسمي المؤسساتي والإنتاج الوطني وهنالك من ادعاءات إيديولوجية… ولأن غنى السينما المغربية في تعددها وليس في هيمنتها ولا في قوة وتماسك ينفرد بها أحد مكوناتها على حساب المكونات الأخرى ولا على حساب تشجيع وتمويل مكون وعنصر من عناصر البنية الثقافية واللغوية وانما في مدى استحضار جميع مكونات السينما المغربية الوطنية المتسمة بالوحدة في اطار التعدد.
سين: السينما المغربية والمكون الأمازيغي
يبدو من خلال تاريخ السينما المغربية وما يتم تداوله من أفكار بأن هذا الفن بالمغرب يحتاج إلى توحيد الذاكرة ومزيد من البحث الاكاديمي الصحيح، مع التخلي عن تلك الأفكار الإيديولوجية التي دائما تجعل كل ما يتم تداوله وتقاسمه تشوبه ايديولوجيات غير وطنية وغير حقيقية، وهنا سيطرح بدورنا مشكل المكون الأمازيغي كما اسلفنا في علاقته بالخزانة السينمائية المغربية وبالعالمية وبأرشيف الفن السابع، لكن ما نود اثارته من خلال هذا المحور هو التفصيل والتساؤل حول علاقة السينما الأمازيغية كسينما مغربية بما يسمونه حاليا في دواليب المفكرة الرسمية والإعلامية بالسينما المغربية. اذ يبقى دائما كل ما هو امازيغي في مقابل ما هو مغربي فنجد الاغنية المغربية والاغنية الأمازيغية، الفكاهة المغربية والفكاهة الأمازيغية، الشعر المغربي والشعر الأمازيغي، الفن المغربي والفن الأمازيغي، الطبخ المغربي والطبخ الأمازيغي…. وتبقى هذه الثنائية مغلفة بنوايا غير مفهومة ومقصودة حيث نوكد دائما من خلالها بان كل ما هو أمازيغي ليس بمغربي. وهذا أمر يخالف الصواب ويجب تصحيحه، فعلا البعد الأمازيغي له بعد متوسطي ويربطنا بجميع دول شمال افريقيا، لكن كل ما هو امازيغي فهو مغربي واصيل، وللحسم في هذا الامر ونحن نتحدث عن الفن السابع فان المكون الأمازيغي إلى جانب المكون العربي والمكون اليهودي والحساني والافريقي هم مكونات أساسية للسينما المغربية. وإذ نفضل هنا تسمية ” السينما المغربية باللسان الأمازيغي وباللسان الحساني وباللسان العربي…” او السينما المغربية الناطقة ب …. والجميل أكثر هو السينما الأمازيغية المغربية. وهذا بالفعل ما يعكس التداخل والعلاقة الصحيحة بين اللسان والأرض والهوية الحقيقية لهذا الفن الراقي. فاذا كنا نربط السينما بالفضاء، او باللغة، او بالموضوع او المخرج او السناريست او بالوطن فان هذا الأخير هو الذي يجمع كل ما سبق فعندما نقول السينما الهندية فهذا يعني تلك السينما التي تتحدث عن وطن الهند ولو أنها بالانجليزية بمختلف مكوناته وبمعنى عندما نقول السينما المغربية فهذا سيوحي إلى تلك السينما التي تتحدث عن وطن المغرب بمختلف مكوناته بما فيها المكون الأمازيغي. فمتى سيصحح نقادنا واعلامنا ومخرجونا هذه اللغة ويعتمدون الصحيح منها؟
دائما في إطار الحديث عن السينما المغربية والمكون الأمازيغي، نجد بعض المبادرات التي تحاول أن تخلق ذلك الانسجام والارتباط الوثيق بين كل هذه المكونات داخل الفيلم المغربي حيث يرتبط بتصوير الواقع كما هو داخل وطن المغرب اذ إلى جانب الإنسان الأمازيغي نجد العربي ونجد الحساني وبدون مشاكل او تعقيدات تكون في بعض الحالات فقط في مخيلة من ينتجون أفلاما قد تتهكم على مكون من المكونات… هذه الانتاجات التي تدرك قيمة الفن السابع، تعمل على استحضار كل المكونات المغربية من صميم الواقع وذلك من اجل اغناء جمالية هذه السينما المغربية و تعدد خطابها وأساسها الفكري، والعمل على تعميق ارتباطها بالمجتمع وبالواقع، مع توضيح انتسابها ومواصفات هويتها. اذ الثقافة والحضارة المغربية الغنية هي التي تجعل من هذه السينما المغربية الوطنية تستحضر هذا الامر والكاميرا تعكسه عن طريق الإنتاج الدرامي والحبكة الفنية المتصلة بالإبداع السينمائي عن طريق طواعية الأدوات التقنية والمونتاج لبناء مشروع سينمائي وطني موحد في اطار التعدد الحقيقي. فالأفلام الناطقة بالدارجة أو بالأمازيغية بمختلف متغيراتها، او بالحسانية هي كلها أفلام مغربية تعكس ذلك الانتساب الثقافي والهوياتي والحضاري لمجتمع مغربي متعدد.
لكن الإشكالية المطروحة في سياق هذه العلاقة هو تلك التسميات والمواصفات التي يتم اعتمادها سواء من طرف بعض الاتجاهات في الحركة الثقافية الأمازيغية، وكذا في بعض الكتابات والتصريحات لنقاد مغاربة ومن خلال بعض المهرجانات الرسمية حيث يختلط الامر في نعت مكون من المكونات في علاقته بالسينما المغربية، فهناك من يعتبر بان الأفلام الأمازيغية بالفيديو خلال سنوات التسعينات ليست بسينما نظرا لغياب شروط الإنتاج السينمائي[7] في الوقت الذي يمكن القول بأن هذه المبادرة هي مرحلة مخاض ومرحلة مهمة واساسية في تاريخ السينما المغربية جعلت المكون الأمازيغي يظهر إلى الوجود بأدوات بسيطة فاقت على ابسط تقدير أدوات المؤسسين الأوائل لصناعة السينما بفرنسا. كما أنها مبادرة تجعل حركة المصالحة مع الذات ومع مكون مهم من مكونات السينما المغربية، فما هو ذنب المخرج المغامر الحسين بيزكارن الذي انطلق من امكانياته ومن فضاء وجوده لينتج لنا فيلم ” تماغارت ن وورغ” (المرأة الذهبية)؟ هل فقط لأنه اعتمد اللسان الأمازيغي لسكان تزنيت أم أنه صور بأدوات الفيديو، أم أنه لم يعتمد على سيناريو ولم يتناول قضية إنسانية لها بعد عالمي؟ أم ماذا؟ المهم في هذا الامر هو أن هذه التجربة تدخل ضمن مسار تاريخ السينما المغربية، لكن ليست كبداية لسينما لمكون الأمازيغي كما يدعي البعض لأن ثمة أفلام ناطقة بالأمازيغية قبله كفيلم ” تكيكيلت” لمحمد مرنيش[8] وكذلك أفلام تم تصويرها بالمغرب وتعكس حياة الإنسان المغربي الأمازيغي منذ الفترة الاستعمارية مثل فيلم “ايطو” الذي انتج سنة 1934.[9]
وهكذا تبقى علاقة السينما المغربية بالمكون الأمازيغي تلك العلاقة الجدلية التي تعكس مدى علاقة هذه السينما بالمغرب كوطن وكبلد وأيضا كفضاء للإنتاج والتصوير ثم كصناعة تقدم منتوجا مغربيا له ابعاد أمازيغية متنوعة وأصيلة. وكل من يسعى إلى تدمير هذه العلاقة فهو يدخل ضمن ما عبر عنه الناقد السينمائي المغربي حميد تباتو عندما قال: ” النظر لعلاقة السينما المغربية بالمكون الأمازيغي هي من صميم علاقة هذه السينما بالمغرب وجودا وهوية وانتسابا ومستقبلا، لهذا نرى أن عزل موضوع الفيلم الناطق بالأمازيغية عن السينما المغربية ككل، هو عزل متعسف وغير موضوعي، يلبس حديث السينما لبوس الوهم والمغالطة كما تكرسا في الواقع السياسي والاجتماعي…”[10]
كراض: السنيما الأمازيغية بين المفهوم والنشأة
السينما الأمازيغية واشكالية المفهوم
لتحديد مفهوم السينما الأمازيغية حاولت أن اطلع على بعض الكتابات وعلى بعض الآراء والأفكار التي بإمكانها أن تقربنا من هذا المفهوم( رغم قلة المراجع) وبموازاة مع تعاريف لنظيراتها على الصعيد العالمي مثل السينما الهندية او السوفياتية او الامريكية أو الافريقية او العربية او الإيطالية او اليابانية… فتبين لي بأن هذه التسميات التي تشير إلى بعض المدارس السينمائية كلها ترتبط بالوطن وبالدولة وبالقارة أو البلد الذي تعكس هويته او حضارته او انتاجه او ثقافته وكل ما يرتبط به كفضاء جغرافي واجتماعي وثقافي وفني… أما ما يتعلق باللغة فهو غير وارد لكونها فقط وسيلة للتعبير ويمكن دبلجتها وترجمتها بينما لا يمكن ذلك للباس وللفضاء والمكان والاحداث … ولهذا فتسمية مكون السينما الأمازيغية بهذا الاسم لابد أن يرتبط بالثقافة والحضارة الأمازيغية قبل اللغة التي هي بدورها جزء من هذه الثقافة والحضارة. فتعدد التسمية المعتمدة سواء في الاعلام أو عند النقاد أو داخل الحركة الثقافة الأمازيغية، يرجع بالأساس إلى الاختلاف الموجود بين الشرائح والفئات التي تتعامل مع هذا الفن الجديد وكل من زاويته، لكن على مستوى التصنيف وربطه بالأنواع الأخرى من المدارس السينمائية، لابد أن يتم التفكير في المصطلح المناسب قصد التأسيس التاريخي لهذا المنتوج المرتبط بالبيئة الأمازيغية وبالإنسان الأمازيغي. ولأن التموقع داخل الخزانة التاريخية للفن السابع وللسينما يقتضي من النقاد ومن الباحثين والمنتجين الحسم في اعتماد تسمية مناسبة تعكس بالفعل هذا الإنتاج وتصنفه ضمن قائمة الصناعة السينمائية سواء المغربية او شمال افريقية…كما أن حضور المتغيرات اللغوية الأخرى للأمازيغية وضمن الإنتاج الأمازيغي يجب أن يكون حاضرا قصد ضمان تلك الديمقراطية الداخلية وتشجيع باقي المكونات وليس فقط مكون واحد.
السينما الأمازيغية واشكالية البداية:
طبيعي جدا أن نختلف في تحديد بداية السينما الأمازيغية المغربية نظرا لاختلافنا في المفهوم وكذا في كيفية دراسة هذا المكون من زوايا متعددة وفي علاقته مع باقي المكونات أولا ثم مع المدرسة الرسمية والتي هي المدرسة المغربية ثم في علاقتها مع المدرسة الفرنسية… فهل فعلا يمكن القول بان السينما الأمازيغية المغربية لم تبدأ الا مع بداية التسعينات من القرن الماضي أم أن بدايتها كان منذ الثلاثينيات من القرن الماضي مع السينما الكولونيالية؟
فاذا اعتربنا من حيث المفهوم بان السينما الأمازيغية المقصود بها هي تلك الأفلام التي تستعمل اللغة الأمازيغية باعتبارها وسيلة في التعبير والأداء والتبليغ، أو تتحدث عن الإنسان الأمازيغي بشكل أو بآخر، فترصد قضاياه الأساسية والثانوية، ثم تعبر عن همومه وطموحاته وآماله، ثم تطرح رؤاه الهوياتية، ثم تستكشف ثقافته، وحضارته، وعاداته وتقاليده. وينضاف إلى ذلك، أنها تسبر كل التجليات الأنتروبولوجية التي تتمظهر في واقع الإنسان الأمازيغي. وبالتالي، يستقرئ الفيلم الأمازيغي تاريخ الإنسان المحلي في صراعه مع الذات والموضوع والغير. ومن ثم، يتميز الفيلم الأمازيغي عن الفيلم الأمريكي، أو نظيره الفرنسي، بكونه يعبر عن ساكنة أفريقيا الشمالية بصفة خاصة، ويعكس قضايا الإنسان الأمازيغي بمختلف إثنياته العرقية بمنطقة تامازغا [11]… إلى ما هنالك من قضايا مرتبطة بالأرض وبالإنسان الأمازيغي؛ وهي سينما حديثة مقارنة مع بعض التجارب العالمية والافريقية كالسينما المصرية أو السورية ـأو ما يسمى بالسينما العربية… فان بداية السينما الأمازيغية قد تكون هي مع فيلم ايطو لسنة 1934 وهو فيلم فرنسي أمازيغي مغربي كان باللغتين الفرنسية والأمازيغية وتم تصويره بالأطلس الكبير بمنطقة تالوين، وهو من الأفلام الأوائل الفرنسية التي انتجت عن المجتمع الأمازيغي الأطلسي وصورت خصائصه وفق تصورها ووفق اديولوجياتها وباستحضار الأغاني واللباس الأمازيغي وباعتماد ممثلين فرنسيين ومغاربة أمازيغ. فالفيلم يعكس في امر الواقع تلك النظرة الاستعمارية والاحتقارية للمقاومة الأمازيغية بالأطلس حيث كان يشير إلى فشل المدعو حمو ( ربما نسبة إلى الزعيم الأمازيغي موحى أحمو الزياني) زعيم القبيلة الذي وجد نفسه في اخر المطاف معزولا بعدما تركه الجميع الا ابنته “ايطو”… لكن ما يهمنا في هذا الفيلم وبغض النظر عن السيناريو، الذي صور في مدة تجاوزت الساعة والنصف(117 دقيقة) هو تلك العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية لسكان الاطلس وكذلك تلك اللغة البسيطة التي يتحدث بها الممثلون دون أن ننسى تلك الموسيقى الأمازيغية المعتمدة وهنا كقراءة لبعض أحداث الفيلم وكتساؤلات حول المزاوجة بين الأسماء المعتمدة في الفيلم وبين الموسيقى التي تشير إلى التمازج بين الاطلس المتوسط ( ايطو – حمو …) ثم أغاني و امازيغية منطقة سوس. لا أدرى هل هذا الدمج مقصود أو فقط ما تتيحه الظرفية؟ أو فقط كما وقع لفيلم أدور ADDUR” زايد أوحماد” لمخرجه أحمد بايدو عن سيناريو لزايد أوشنا الذي صور في السنوات الأخيرة بمنطقة الجنوب الشرقي وصدر سنة 2017، لكن بممثلين وبلغة ليست هي اللغة الحقيقية لجميع الأحداث البطولية لمقاومة زايد أوحماد بمنطقة تنغير وصاغرو (لكنة أيت مرغاد وأيت عطا)؟ أم ان الأمر بسيط مرتبط بممثلين لهم تجربة ولهم معرفة بالفن السابع والإخراج السينمائي؟ أم أن الامر فعلا مرتبط بإرهاصات اللغة الأمازيغية الأم كمشروع منذ بداياته الأولى؟
كوز: تاريخ السينما الأمازيغية ومراحلها الأساسية
انطلاقا من المعطيات السابقة ومن خلال الانتاجات التي عرفتها السينما الأمازيغية المغربية بمختلف تلويناتها فانه يمكن التمييز بين أربع مراحل أساسية عرفها تاريخ الإنتاج السينمائي الأمازيغي بالمغرب وهي على الشكل التالي:
– مرحلة الاستعمار او المرحلة الكولونيالية: وهي مرحلة مشتركة في الإنتاج السينمائي المغربي حيث كما أن هناك انتاجات تم تصويرها في المغرب عن الحياة الاجتماعية والثقافية والدعاية الاستعمارية سواء باللغة الفرنسية او باللغة العربية الفصحى او بالعامية وباللسان الأمازيغي فان هذه المرحلة قد مكنت المدرسة المغربية من أن تؤسس لنفسها عن طريق كسب تجارب من حيث المناولات وكذا اكتشاف دور الكاميرا في التوثيق للأحداث ولجميع مجريات الأماكن والفضاءات المختلفة فإلى جانب فيلم ” مكتوب ” سنة 1919 وفيلم ” ايطو” 1934، تم خلال هذه المرحلة المهمة تأسيس المركز المغربي السينمائي سنة 1944 كمؤسسة تعنى بالإنتاج السينمائي المغربي وبغض النظر عن الانزلاقات الأيدولوجية فان هذه المؤسسة كان من المفترض أن تهتم بإنتاج وبدعم السينما الأمازيغية المغربية كمكون إلى جانب باقي المكونات.
ونظرا للسياسة المتبعة في التدبير السياسي والاقتصادي والثقافي فان السينما أيضا قد تأثرت بالشرق وبالتجربة المصرية مما جعل المكون الوطني يهمش كما في جميع القطاعات الأخرى. ما عدا بعض التجارب المرتبطة بالفيلم الوثائقي التسجيلي للأساطيل الحربية والتوعوي وكذا في الاشهار حيث يتم تصوير الفضاءات الأمازيغية وبعض الاهازيج والعادات والتقاليد وخاصة الفرق الموسيقية المختلفة بجميع مناطق المغرب وخلال مناسبات احتفالية. وخلال هذه المرحلة التي نجد بعض الكتابات تشير إلى أن السينما المغربية قد بدأت مباشرة بعد أشهر فقط لانطلاقة السينما الفرنسية وبالتالي يتم هنا التمييز بين السينما الكولونيالية والأفلام الأجنبية المصورة بالمغرب ثم كذلك الإشارة إلى وجود أفلام سينمائية اسبانية مثل فيلم” الحركة”[12]
– مرحلة ما بعد الاستقلال (من 1956 إلى 1980): مرحلة الوعي السينمائي والجمهور قبل الإنتاج.
خلال هذه المرحلة التي تنعت بالمرحلة الوطنية وظهور السينما المغربية الوطنية، شهدت غياب استثمار المتعدد الثقافي وذلك بالاعتماد على سياسة ثقافية قمعت التعدد وجعلت من الاستعمار الثقافي ما بعد الاستقلال يرسخ رؤى الواحد خاصة في ظل ضعف الإدارة الثقافيّة والفنية. فخلال هذه المرحلة تم الاهتمام بالسينما كثقافة وبالتالي فاستمرار الشركات الفرنسية في العمل داخل المغرب وخاصة في التنقيب عن المعادن تم خلق مجموعة من المراكز المنجمية المعروفة بحركية اقتصادية مهمة وعبرها أيضا يتم تشييد قاعات سينمائية للعمال والمستخدمين حيث يتم تمرير مجموعة من الأفلام العالمية في هذه القاعات مثل القاعة المشهورة في منطقة “بوطازوات ” بدوار اميني بورزازات والتي مازالت إلى حدود اليوم كبناية مهجورة ” وقد قمنا بزيارتها كطلبة شعبة السينما واكتشفنا العديد من الأفلام التي كانت تعرض هناك خلال فترات الستينات والسبعينات من القرن الماضي”[13] حيث المثير هنا هو تلك الثقافة السينمائية التي كانت منتشرة لدى امازيغ هذه المناطق حيث كانوا يتعرفون نهاية كل أسبوع على الجديد في مجال الإنتاج السينمائي العالمي…
فاذا كانت السينما الكولونيالية سينما إقصائية ومتحيزة وأحادية المنظور والرؤية، تدافع عن الآخر الأجنبي إنسانا وتواجدا وقضية، وتنافح عن مشروعه الكولونيالي، وتبرر استغلاله للمغرب من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فأن ما كان يسمى بالسينما المغربية الوطنية قد سلكت نفس المنحى وعملت على تهميش المكون الأمازيغي والمكون اليهودي والحساني واتجهت نحو الشرق وباعتماد الدارجة المغربية أو العربية الفصحى ونهجت خطوات السينما المصرية. وبالتالي قامت بإعادة انتاج السياسة الاقصائية للمنتوج الوطني الحقيقي فتجد الفضاء والموضوع وكذا الديكور واللقطات توحي إلى الهوية المغربية الاصلية لكن بمنظور اقصائي وتهميشي، فالامازيغ تجدهم فقط في مهمة الكومبارس او في المهام الموازية للعمل التقني من نقل وطبخ ورقص وما إلى ذلك من مهام غير رسمية.
لكن العنصر الأساسي خلال هذه المرحلة هو أن المجتمع الأمازيغي لديه وعي سينمائي قد وصل إلى العالمية عبر ما يشاهده من أفلام عبر القاعات السينمائية في المدن الكبرى وفي قاعات المناجم بالقرى والمداشير(إميني – بولمان – جرادة – خريبكة – العيون- بوعرفة – بوجنيبة – بولنوار- واد زم …)[14]، ثم إلى جانب ذلك تم ظهور جمعيات أمازيغية تهتم بالنضال الثقافي الأمازيغي وفي مجابهة التهميش والاقصاء لكل ما هو أمازيغي. فهذا الوعي الثقافي السينمائي له من الأهمية الكبرى في خلق تفكير نخبوي وربما مجتمعي لدى الامازيغ في إمكانية انتاج أفلام ناطقة بالأمازيغية ومعبرة عن المعاناة وعلى الحياة الاجتماعية الخاصة بالأمازيغ. بمعنى أن السينما الأمازيغية قد كان لديها جمهور قبل الإنتاج الصرف وبالتالي فالسينما كما هو معروف ترتبط بوجود الجمهور حيث بدونه لا توجد السينما. هذه الأخيرة التي استطاعت أن تخلق جمهورا يتذوق الفن السابع وبمعنى اخر فهذه المرحلة قد ساهمت في توفير اللبنة الأولى لظهور السينما الأمازيغية خلال مرحلة التسعينيات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المرحلة عرفت أيضا حسب ما أورده الدكتور جميل حمداوي، كتابة أول سيناريو أمازيغي ريفي كتبه عبد الله عاصم بعنوان ” صراع القبائل” وذلك سنة 1966 بالدار البيضاء في شكل مخطوط سينارستية ميزانسينية، وهي تحمل بين طياتها بعدين: البعد التاريخي والبعد السينمائي. وتجري حوادث السيناريو إبان العقد الثاني من القرن العشرين في منطقة الريف الشرقي من المغرب.[15]
فبفضل القاعدة الجماهيرية التي تم خلقها خلال هذه المرحلة وبفضل انتشار الوعي والثقافة السينمائية أوساط جميع الشرائح المجتمعية المغربية حتى ولو كانت غير متعلمة، فان هذا الامر قد شكل بداية الارهاصات الأولية لضرورة المرور إلى الصناعة السينمائية الخاصة بالمكون الأمازيغي حيث انتشرت آنذاك أيضا عرض بعض الأفلام الثورية لحركات تحررية ضمن اندية سينمائية في جمعيات مغربية فيها فعاليات حقوقية وأمازيغية، مع بروز مناضلين داخل الجامعة المغربية.
– مرحلة التسيعينات من القرن الماضي (من 1980 إلى 2005):
وهي مرحلة التأسيس الفعلي للسينما الأمازيغية المغربية ومرحلة نضالية اتسمت بالاعتماد على أفلام الفيديو بمختلف انواعه DVD ; VCD واستطاعت أن تتطرق لجميع المواضيع وخاصة الاجتماعية والثقافية ثم بعد ذلك إلى المواضيع التاريخية والانتقال إلى مواضيع اجتماعية كالهجرة والحب والتماسك الاسري ومعانات المرأة الأمازيغية. وخلال هذه المرحلة تم انتاج عدد كبير من أفلام الفيديو وعرفت انتشار كبيرا في أوساط المجتمع الأمازيغي، وكانت مدينة الدار البيضاء واكادير من أهم المدن التي احتضنت مختلف الفاعلين والمتدخلين في انتاج هذه الافلام من شركات الإنتاج والتصوير وعرفت تجارة مربحة بفضل التسويق والتوزيع الذي قل نظيره. فمن أهم الأفلام التي تم انتاجها خلال هذه المرحلة نجد: فيلم تليلا – فيلم تمغارت نورغ – فيلم تاكوضي – فيلم بوتفوناست – فيلم تازيت ن وانغا – فيلم ران كولو الدونيت – فيلم تيتي وضان – فيلم تاغرابوت – فيلم حمو انامير – فيلم توف تانيرت – فيلم الكنز اوريتكمالن ج 1 و2 – فيلم كراكات يان دلهمنس- فيلم واش… أما ابرز المخرجين خلال هذه المرحلة فنجد: محمد مرنيش – الحسين بويزكارن – احمد بادوج – فاطمة بوبكدي – عبد العزيز اوسايح – عبد الله داري – إبراهيم الشكيري- الحسين ابوركا – احمد بايدو … كذلك تم بث أول فيلم أمازيغي بعد خطاب أجدير التاريخي لسنة 2001 وتأسيس مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من خلال التلفزة المغربية الأولى ويتعلق الأمر بفيلم ” سات تضانكوين نيموران” سبعة أمواج الحب، الذي أخرجه عبدالله داري وأنتجته شركة فوزي فيزيون. كما أن النجاح الذي حققه هذا الفيلم لم يكن متوقعا، فهو لم ينتج للتليفزيون، ولكن بعد عرضه لقي اقبالا كبيرا. وقد أحرز عدة جوائز وأكثر من ذلك نافس على الجوائز بمهرجان مصر للأفلام السينمائية مع فيلم لأحمد زكي وفاز بالجائزة الذهبية للإخراج (أحسن إخراج)، الجائزة الثانية لاحسن شريط روائي مطول في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون سنة 2001 والجائزة الكبرى في مهرجان إسني وورغ بأكادير سنة 2007.[16]
وهذه المرحلة امتازت بالانبهار الشعبي حول عملية التصوير للثقافة الأمازيغية وانتقالها من الشفوي إلى عالم الصورة والحركة والصوت أي الانبهار من تصوير الواقع الأمازيغي المهمش والذي كان في نظر العامة أنه غير صالح وغير ملائم لمثل هذه الاعمال الفنية والدرامية، ثم عملية الانتشار السريع لهذه الأفلام وبلوغها اقصى المناطق الجبلية وفي المدن وحتى خارج البلاد وخاصة لدى فئة عريضة من المهاجرين بفرنسا وبلجيكا وبهولندا، مما خلق جسر وحنين نحو الثقافة المحلية وبالتالي ظهور مخرجين من أبناء الجالية حاولوا فيما بعد تطوير عملية الإخراج والاعتماد على التقنيات المتطورة وعلى البحث الاكاديمي(مثلا عائلة شاكيري).
– مرحلة مأسسة السينما الأمازيغية (من 2006):
وهي مرحلة الصناعة الفعلية للسينما الأمازيغية المغربية وذلك بعد الانتشار الواسع للأمازيغية على مستوى التعليم وعلى مستوى الحياة الثقافية والفنية والإعلامية، والتي تم من خلالها دخول عالم الاحتراف العمل السينمائي والتمثيلي مع توفر بعض الموارد المادية وانخراط بعض المؤسسات العمومية في القطب الإعلامي المغربي وكذا بعض شركات الإنتاج الوطنية والأجنبية في دعم الفيلم الأمازيغي وبموازات مع تنظيم مهرجانات الفيلم الأمازيغي ومشاركته في مهراجانات عالمية.
هذه المرحلة التي عرفت انتعاشة كبيرة حيث انتقلت من الحس المحلي والمرتبط بالدوار وبالقبيلة وبأهل سوس وعلى سينما الهواة والارتجالية والعفوية، إلى سينما امازيغية ذات بعد وطني ولما لا دولي وبالتالي مرحلة الصناعة السينمائية المحترفة التي تعرض في القنوات التلفزية وفي القاعات السينمائية وفي المهرجانات والمشاركة في المسابقات والفوز بالجوائز بمعنى التأسيس لمرحلة مهمة تتسم بالاحتراف وبالنقد والمنافسة وبالبحث عن الجودة. ثم ابراز أهمية البحث والتكوين الأكاديمي والتعامل مع الشركات العالمية والشركات المحترفة.
ففي بداية شهر ماي 2006 تم عرض أول فيلم امازيغي في القاعات السينمائية بداية يحمل إسم “تليلا” من إخراج محمد مرنيش وإنتاج شركته ” صوت مزوضة”، ثم بعد ذلك فيلم ” بوقساس بوتفوناست” من إخراج عبد الإلاه بدر وإنتاج شركة بوشتى فيزيون، ، كما ظهرت مجموعة من المحاولات لدبلجة الأفلام إلى الأمازيغية، هذا بالإضافة إلى تنظيم مهرجانات الفيلم الأمازيغي بعدة مدن مغربية وخارج الوطن، والمشاركة في مهرجانات وطنية للسينما المغربية بشكل عام، دون أن ننسى الاتفاقية التي وقعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مع وزارة الاتصال.
ومن بين المهرجانات التي عرض فيها الفيلم الأمازيغي المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، والمهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة، ومهرجان سطات لسينما الهواة، ومهرجان سيدي قاسم للسينما الوطنية، ومهرجان إيموزار، والمهرجان الوطني للفيلم الأمازيغي بورزازات الذي تشرف عليه الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، والمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي بأكادير، ومهرجان الفيلم الأمازيغي بالجزائر، ومهرجان هليوود للفيلم الأمازيغي ، والمهرجان الدولي للفيلم المغاربي بليل (فرنسا)، … وتهدف هذه المهرجانات كلها إلى التعريف بالسينما الأمازيغية، واستعراض مختلف تجاربها البصرية والفرجوية قراءة، ورصدا، وتحليلا، وتقويما، وتوجيها. [17]
كما عرفت هذه المرحلة إلى يومنا هذا عدة كتابات نقدية للفيلم الأمازيغي وللسينما الأمازيغية كمكون أساسي ضمن السينما المغربية، حيث تم تأليف عدة منشورات وكتب تعنى بهذا المكون وتضعه موضع النقد والسؤال وخاصة من حيث الجودة والإنتاج وكذا في علاقته بالهوية والثقافة المغربية ومدى انخراطه في بناء وعي سينمائي حقيقي. كما أن تجربة الفيلم الوثائقي والأفلام القصيرة وكذا المسابقات الوطنية والجهوية في الإنتاج السينمائي الأمازيغي، قد عرفت انتعاشة كبيرة. فسلسلة أمودو لمخرجه حسن بوفوس وكذا البرنامج الوثائقي ” املاي” لخالد البركاوي… ثم جميع البرامج التي تقدمها القناة الأمازيغية الثامنة منذ انطلاقتها من فاتح مارس 2010 ولعل سلسلة ” بابا علي” لمخرجه مصطفى أشور، سيناريو وحوار إبراهيم علي بوبكدي وأحمد نتاما، تنفيد الإنتاج شركة وردة برود، وإنتاج القناة الثامنة الأمازيغية. هذا الفيلم الذي حقق نسب مشاهدة مرتفعة جدا سواء في الجزء الأول رمضان السنة الماضية او خلال هذه السنة ضمن حلقات الجزء الثاني.
سموس: جماليات الإنتاج السينمائي الأمازيغي
ونحن بصدد الحديث عن تجربة سينمائية مغربية أمازيغية دامت أكثر من ثلاثين سنة، لابد أن نناقش وأن نسلط الضوء على الإنتاج من حيث الكم والكيف وبالتالي وضعه أما النقد من حيث جمالية اللقطة والصورة وكذا التسلسل الدرامي والحبكة السينمائية… بمعنى أن نضع المنتوج الأمازيغي عن طريق الكاميرا أمام محك الجودة السينمائية. طبيعي جدا أن نقول بأن هذه المدة الزمنية التي عرفها الإنتاج السينمائي الأمازيغي وبمختلف التذبذبات مع إشكالية الظهور وتحقيق مشروع المأسسة، فهو لا ينفصل عن السياق العام للقضية الأمازيغية بمختلف تجلياتها الثقافية والسياسية، فالسينما لا يمكن فصلها عن الحس النضالي و السياق الثقافي والمدني الذي عرفته الحركة الأمازيغية منذ 1967 حيث تأسست أول جمعية تعنى بالثقافة واللغة الأمازيغية، ثم لا ننسى السياق الخارجي على مستوى المغاربي وشمال افريقيا، حيث كان أول فيلم بمنطقة القبايل الجزائرية ” تاوريرت اتواتون Taourirt itwattun ” أي التل المنسي la colline oubliée والذي يمكن اعتباره البداية الحقيقية للسينما الأمازيغية بالجزائر نظرا لمقوماته الفنية المتميزة وقد اخرجه عبد الرحمان بوكر موح سنة 1994 عن رواية للكاتب مولود معمري. ومن بين التجارب المميّزة أيضا يمكن أن نذكر فيلم “ماشاهو” لبلقاسم حجاج سنة 1996، وفيلم “جبل باية” لعز الدين مدور سنة 1997 الذي يروي معاناة منطقة القبائل من الاستعمار الفرنسي وتشبثهم بعاداتهم وتقاليدهم لينجح المخرج في سرد الذاكرة وتطعيمها بالأسطورة. أما في تونس فأول فيلم امازيغي كان سنة 2012 بعنوان ” أزول” لمخرجه وسيم القربي. أمّا في مصر فقد أخرج الشاب خالد عاصم وثائقي “أمازيغ مصر” الذي صوّره في واحة سيوة.[18] دون أن ننسى إشكالية تصنيف الأفلام الأمازيغية والتي اختلف حولها النقاد كجزء ناطق باللغة الأمازيغية، وأخرى ناطقة بالعربية وأخرى تنسب لأصول المخرج أو لبيئة وفضاء التصوير…
وبالتالي فالسياق العام لميلاد الحركة الأمازيغية وكذا مختلف القناعات الفكرية المؤطرة لموضوع الأمازيغية سواء لدى فعاليات المجتمع المدني وكذا لدى الكتاب والمناضلين بمختلف انتماءاتهم، هو المحرك الرئيسي لطرائق المعالجة الفنية والابداعية لمواضيع السينما الأمازيغية، إلى جانب العنصر الأساسي والمباشر والمؤثر في الإنتاج هو الإمكانيات المادية واللوجيستيكة، فرغم وجود النص المحكي والكتابة النصية ومادة الاشتغال المرتبطة بالواقع وبالفضاء الحقيقي للتصوير (الديكور) فان عنصر المونتاج والتصوير والمنهجية المعتمدة مع غياب التكوين الاكاديمي والاحترافي للممثلين، له ارتباط أساسي ووقع كبير على جماليات السينما الأمازيغية .
إذا كان المشاهد بشكل عام لا يتدخل الا في المرحلة الفيلمية (العرض)، فان ثمة مراحل أساسية ترتبط بالاختيار الفني والجمالي يقف وراءها مخرج وسيناريست وفريق عمل متكامل، حيث يتم من خلالها اختيار زوايا التصوير وسلم اللقطات وتسلسلها عبر فضاءات معينة… ولأدراك جمالية أي منتوج سينمائي بما فيه المنتوج الأمازيغي لابد من استحضار كل هذه المراحل والسياقات العامة والخاصة وبالتالي الحكم على جميع مراحل الإنتاج والتوضيب الفني عبر قراءة سليمة للمشاهد واللقطات والصور والصوت والحركة واللباس… بمعنى ادراك كلي للمونتاج وخلفيات الصور والديكور والموسيقى والصوت والنص المحكي.
فالسينما الأمازيغية بمختلف افلامها الوثائقية والروائية التخيلية القصيرة والطويلة، تحمل من الجماليات ما يجعلها جذابة ومغرية لعدد كبير من المتتبعين لها سواء عبر المهرجانات أو عبر الشاشة الصغيرة والكبيرة، فرغم التهميش والاقصاء وكذا الفلكرة التي تعاني منها الأمازيغية كمكون ثقافي وحضاري، فقد استطاعت أن تنتج مواقف مرتبطة بقضايا الإنسان والوجود عبر مسارات الهوية الثقافية والتاريخية، فاغلب الأفلام الأمازيغية نجدها تشتغل على القضايا الحقوقية وإشكالية التاريخ والذاكرة كدلالة على الاعتزاز بالذات من خلال مختلف اساطير وحكايات الأجداد وقضايا التشبث بالأرض فمثلا فيلم ” ران كولو الدونيت” (1999) و” حمو أنامير” (2002) للمخرجة فاطمة بوبكدي، “تمازيرت افلا” (2007) لمحمد مرنيش، وفيلم ” بوتفوناست” (1990) بأجزائه الخمسة لمخرجه الحسين ابوركا… أو الاشتغال على التاريخ السياسي والاجتماعي سواء في مقاومة الاستعمار او في صياغة الماضي المنسي وإعادة بنائه عبر قصص وحكايات للصراع القبلي والحضاري مثل أفلام : “ادور” (2017) لاحمد بايدو عن مقاومة زايد احماد لفرنسا ، أو فيلم ” سيدي محمد اوعلي “(2007) لابراهيم الشاكيري، او فيلم “تمازيرت اوفلا” ( 2007) لمحمد مرنيش، ” اليس الوزير”(2007) لعبد العزيز اوسايح… وفيلم ” تينباضين ” لمحمد عتيق سنة 2007، وفيلم ” امكوسا” لطيفة أحرار سنة 2021، وفيلم ” تودرت ن اموتل” و” حمو اباعيسى” حسن اوجلا، فيلم “تاغارابوت ن نوح” لمحمد بوزكو والفيلم التلفيزيوني ” امزورن” …
كما أن مختلف المواضيع الاجتماعية وخاصة المرتبطة بمؤسسة الزواج وبالأسرة وبالعلاقات الاجتماعية والهجرة والعلاقة بيم المدينة والدوار ثم بين مؤسسة المسجد وباقي المؤسسات ودور المرأة… كلها مواضيع لها من النصيب الاوفر في السينما الأمازيغية. ولهذا فهي من حيث الانتاج حاولت أن ترتبط بالإنسان الأمازيغي وبواقعه الاجتماعي والثقافي والهوياتي وبتلك البساطة الكبيرة على مستوى الفضاء وعلى مستوى اللباس والديكور وكذا الاشتغال أكثر على اللقطة الكبيرة والشاملة نظرا لقلة أدوات الإنتاج ولبساطتها. أما الموسيقى فهي تبقى تقليدية وعادية تعكس التشبث بموسيقى الروايس وبالرقص الجماعي.
وعموما فجماليات الفيلم الأمازيغي بشكل عام تظهر من خلال الارتباط والقرب من الواقع كأسلوب لإعادة انتاجه وتصويره وكوسيلة لنقذه وتسليط الضوء عليه بلمسة إبداعية ترتكز على كشف المستور والممنوع ثم الهروب منه أيضا ومحاولة إعادة ترتيبه وإخراجه من مختلف المتناقضات التي تسيطر على حركيته وتطوره…[19] فالسينما الأمازيغية تحاول لعب أدوار عديدة في علاقتها الشرعية بالواقع فهي كمرآة لمجرياته ثم بوصلة القيم بمختلف أنواعها، وثيقة وشهادة لتاريخ الإنسان الأمازيغي، لوحة إبداعية تعكس الذكاء الفني لمختلف المتدخلين، وحبكة درامية معبرة عن الام الذات الأمازيغية التي تعاني من صراعات داخلية على مستوى الإنتاج اليومي والمعيشي داخل الدوار والقبيلة ثم على مستوى ربط العلاقات مع المخزن والدولة والاخر بشكل عام ثم على المستوى العلائقي والديني والتاريخي عبر عملية تصريف الموروث الثقافي والفني والمعماري للحضارة الأمازيغية العريقة… فكل هذه الثيمات التي حاولت السينما الأمازيغية ابراز جمالياتها من جهة فهي تسقط في نوع من غياب الابداع الفني والخيالي لدور اللقطة والصورة وكذا الصوت في كسب رهان جودة المونتاج والحرفية في الإنتاج السينمائي الأمازيغي.
على سبيل الختم:
وهكذا يمكن القول بأن الإنتاج السمعي البصري الأمازيغي بالمغرب، قد عرف تطورا ملحوظا من حيث الكم والكيف نظرا لعدة عوامل متداخلة ومرتبط بمتغيرات تاريخية وسياسية عنوانها ” الهوية الثقافية والحضارية الأمازيغية بين الذات والوجود” وبالتالي أصبح البحث والنبش في هذا الملف من أبرز المواضيع التي تغري الباحث المغربي بمختلف تلويناته، اذ لابد من الاعتراف بأنه ثمة مراحل أساسية جعلت من المصالحة مع الذات المغربية بشكل عام والذات الأمازيغية بشكل خاص على جميع الأصعدة بما فيها الفن السابع كأبرز أداة تعبيرية بعد الفنون الستة من العمارة، الموسيقى، الرسم، الشعر، النحث والرقص.
فالسينما الأمازيغية كإبداع ثقافي وفني له مميزات وطموح كبيرين ليس لإبراز الذات الأمازيغية فقط بل لتعميق النقاش الأصلي للهوية الحضارية للمغرب وكذا كتابة التاريخ وتقديم رسائل وأفكار نضالية عبر العرض البصري وبعض الممارسات التقنية التي انطلقت من الجمعيات ومن تجارب بسيطة مثل تجربة الصافي مومن علي الذي أسهم في انتاج فيلم خلال السبعينات “بوتخزانت” و” امي مقورن”[20] ثم مثل تجربة بعض الشباب في المداشر والقرى بالجنوب الشرقي ( أفلام قصيرة : اسرسو نايت سليلو – بريانو – اسكاس اماينو … ) والاطلس المتوسط وبالريف …. وبالتالي فالتجربة السينمائية الأمازيغية بالمغرب لها من المقومات ومن الدعامات الفنية والإبداعية ما يجعلها ستنتقل من مرحلة التأسيس والهواية والتشتيت وابراز الذات إلى مرحلة المأسسة والممارسة السينمائية الحقيقية ومرحلة النقد البناء والتفكير في جودة المنتوج وبالتالي العمل على الاحترافية والمهننة على جميع الأصعدة سواء من جانب التمثيل والإخراج والديكور والإنتاج وكذا السيناريو والمونتاج… فبعد ترسيم اللغة والثقافة الأمازيغية في دستور 2011 أصبح حاليا من اللازم توفير الدعم المادي واللوجيستيكي والتمييز الإيجابي لهذا المكون وجعله من أبرز مكونات السينما المغربية لينال حظه من التمويل والاهتمام والتشجيع. مع ضرورة تشجيع كل المبادرات الفردية والجماعية لخدمة هذا الفن الراقي والذي بواسطته يمكن تثمين الذاكرة الجماعية والتاريخية للإنسان الأمازيغي عبر مختلف المراحل ثم محاولة تصحيح علاقة السينما الأمازيغية كمكون أساسي مع السينما المغربية وضبط هذه العلاقة من حيث التسمية، وكذا الإنتاج والتسويق والتمويل.
من ورزازات امحمد عليلوش(Iyider النقوب).
المراجع المعتمدة) وفق APA ):
- حميد تباتو،(2002)، السينما الوطنية بالمغرب أسئلة التأسيس والوعي الفني، مطبعة Publisud Ouarazazate ، ط 1.
- كتاب جماعي، تنسيق مصطفى أفقير،(2017)، الفيلم الأمازيغي أسئلة الذاكرة الشفهية، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي فرع ورزازات، مطبعة Net Impression،
- المسناوي مصطفى، (2001)، “أبحاث في السينما المغربية”، منشورات الزمن.
- حميد تباتو، (2006)، رهانات السينما المغربية.. الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل، مطبعة Net Impression، ورزازات.” ط1.
- عمر إذثنين،( 2006)، عن الفيلم الأمازيغي: مقالات وآراء، مطبعة البوكيلي، القنيطرة.ط 1.
- جميل حمداوي،(2020)، السينما الأمازيغية بين الواقع والافاق( السينما الريفية أنموذجا)، دار الريف للطبع والنشر الالكتروني، الناظر تطوان ، الطبعة الأولى.
- جميل حمداوي، (2010)، مدخل إلى السينما المغربية، من السينما الوطنية إلى السينما الأمازيغية، منشورات مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1.
- محمد بلوش، (2012)، الفيلم الأمازيغي: أسئلته ورهاناته، منشورات جمعية اسني ن ورغ بأكادير، ط1.
- محمد زروال، ( 2013)، إضاءات حول الفيلم الأمازيغي، منشورات جمعية اسني ن ورغ بأكادير، ط1.
- مؤلف جماعي، تنسيق حميد تباتو، ، ( 2018)، السينما والذاكرة الرؤية والرهانات، منشورات كلية متعدد التخصصات بورزازات ومنتدى الجنوب للسينما والثقافة، مطبعة Net Impression ، ط 2.
- مؤلف جماعي، تنسيق حميد تباتو، ( 2020)، السينما ومعاني التاريخ الاجتماعي، مطبعة Net Impression ، الطبعة الأولى.
- مؤلف جماعي، تنسيق حميد تباتو، (2021)، جماليات السينما الوثائقية، مطبعة Net Impression ، الطبعة الأولى.
[1][1] امحمد عليلوش، (2021)، ” الفيلم الوثائقي: الابن الشرعي للسينما…” مقال لم ينشر بعد.
[2] حاصل على الاجازة المهنية في مسلك تدبير الإنتاج السينمائي والسمعي البصري سنة 2022 والان طالب ماستر بجامعة Cy Cergy بباريس.
[3] https://altanweeri.net/author/ialilosh/
[4] حميد تباتو،(2002)، السينما الوطنية بالمغرب أسئلة التأسيس والوعي الفني، مطبعة Publisud Ouarazazate ، ط 1، ص 10
[5] بوشتى المشروح، مقال ” مراجعة لبعض المعطيات حول بدايات السينما بالمغرب” ، https://cine-philia.com، 5 مايو 2018. تاريخ الزيارة 22 مارس 2023.
[6] المسناوي مصطفى، (2001)، “أبحاث في السينما المغربية”، منشورات الزمن، ص 27
[7] انظر مقال للدكتور حميد تباتو ” رؤية المكون الأمازيغي في السينما المغربية ” ضمن كتاب حول الفيلم الامازيغي أسئلة الذاكرة الشفهية، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل والثقافي فرع ورزازات. الطبعة الاولى سنة 2017، ص 20.
[8] في تصريح له منشور في كتاب ” الفيلم الامازيغي أسئلة الذاكرة الشفهية، ص 88، منشورات AMREC فرع ورزازات، أكد محمد مرنيش ” ان فيلمه ” تكيكلت” بطولة عيشة تاشينويت هو الفيلم الأمازيغي الأول وكان ذلك في مارس 1993، وبعده جاء فيلم ” تمغارت ن وورغ”. انه تصحيح للتاريخ، وهذا مؤكد بفيزا المركز السينمائي.”
[9] https://medfilm.unistra.fr/wiki/Itto
[10] حميد تباتو، خاتمة المقال السابق، ص 40.
[11] جميل حمداوي، ( 2020)، السينما الامازيغية بين الواقع والافاق( السينما الريفية أنموذجا)، دار الريف للطبع والنشر الالكتروني، الناظر تطوان ، الطبعة الأولى / الصفحة: 8 و9.
[12] Mohammed Bakrim, Le Maroc au miroir du cinéma colonial : Anthropologie d’un regard, Revue des Études Amazighes, 2, 2018, p. 171-190
[13] قمنا كطلبة GPCA بإنجاز روبورتاج حول هذه القاعة السينمائية ومن خلالها تم سرد عناوين أهم الأفلام العالمية التي كانت تعرض آنذاك.
[14] https://books.openedition.org/inha/12436?lang=fr
[15] جميل حمداوي، المرجع السابق، ص 39.
[16] لحسن البهالي،” أكادير: أبطال الفيلم الأمازيغي أمواج ايموران السبعة بتيكوين”، مقال منشور بموقع غريس عن أكادير 24 بتاريخ 29/01/2014، https://www.maghress.com/agadir24/8589 ، تاريخ الزيارة: 30/03/2023.
[17] جميل حمداوي، المرجع السابق ص 20.
[18] وسيم القربي، السينما الامازيغية.. تاريخ من التهميش، مقال منشور بموقع الجزيرة الوثائقية، 18/2/2018، https://doc.aljazeera.net تاريخ الزيارة 25 مارس 2023.
[19] امحمد عليلوش، مقال سابق لم ينشر بعد.
[20] رشيد نجيب، مقال بعنوان “الصافي مومن علي المفكر الامازيغي”، (2020)، الحوار المتمدن، العدد 6609، https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=683586 تاريخ الزيارة : 29 مارس 2023
____________
*كاتب وباحث مغربي، مهتم بالثقافة الأمازيغية، باحث في سوسيولوجيا السينما وهندسة تكنولوجيا التربية.