من سيصنع ربيع العرب الحقيقي؟

image_pdf

مستقبل العالم هو مستقبل التعليم ومستقبل التعليم هو مستقبل العالم.

غير أن هذه الحقيقة الصارخة لا تنعكس بنفس القوة على الموارد التي ترصدها الدول للتعليم ولا على المكانة التي تحتلها الوزارات المعنيَّة به في معظم بقاع العالم وبالذات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تقول التقارير الأممية إن ما ينفقه العالم العربي على التعليم في أحسن الأحوال ( دول الخليج) لا يتجاوز 2% من الدخل القومي، وهذا يعني أن العالم العربي يستثمر أقل من 2% من موارده في بناء المستقبل.

حتى هذا الحدّ الأدنى يضيع في التخطيط العشوائي والمناهج المتأخِّرة والتحدّيات الوجوديَّة الكبرى التي تواجه هذا الجزء من العالم.

هذا الجزء  يشكّل وطنا لـ 5% من سكان الأرض وينتج أكثر من 57% من لاجئيه وأكثر من 17% من حروبه وصراعاته، ويمثّل أهله  أكثر من 68% من قتلى العنف في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة حتى نهاية 2016.

تحيل هذه الأرقام المفجعة إلى المهمة العاجلة التي على التعليم في هذه المنطقة أن يواجهها قبل كل شيء: القضاء على الحروب.

منشأ الكثير من حروبنا هو الخوف، الخوف من المجهول ومن الغير. ومنشأ الكثير من الحروب هو الطمع، حيث يضعف طرف فيطغى الطرف الأقوى ويتمدَّد خانقًا الطرف الأضعف في ركن صغير، كما تنهمر المياه من علٍ إلى منخفض.

ولا سلاح كالتعليم يكسر دوامة الضياع هذه. إذ لا شيء غير تعليم قادر على  تحويل الخائف إلى مطمئن والضعيف إلى واثق سيكون كفيلا بخلق أجيال من المبادرين والشجعان الذين يتدخّلون لكسر دائرة التوحّش وتحويلها إلى مسار تصاعدي بناء.

قد تستثمر الدول العربية الغني منها والفقير، في تعليم مجاني رديء ومتأخِّر، تؤدّي به دورا تقليديًا أمام مواطنيها، تستهلك به العمر الإنتاجي لملايين الأسر وتخرِّج به ملايين الموظفين لسوق عمل راكد وبطالة مقنّعة، لكنها لن تصنع بهم المستقبل.

وقد تستثمر الدول العربيَّة الغني منها والفقيرفي تعليم نخبها تعليمًا تقنيًّا متقدّمًا، فترصّع بهم تقارير التنمية وتتباهى بأرقامهم في المحافل الدوليَّة، لكنها لن تصنع بهم المستقبل.

ليس هذا النوع من التعليم ما يمهِّد الطريق إلى إطلاق الشغف إلى الحياة والى العلوم والمعارف والفنون في عقول الأجيال الجديدة وقلوبها.

في هذا المفرق من التاريخ، لا تعويل على أي تعليم لا تكون أولويته تكوين فرد جريء لا يهاب المجهول، يحبّ التنوّع والتعدّد ويفهم الاختلاف ويحبّه، يتماسك أمام التحشيد الايديولوجي الأعمى بعقل متعلّم، ناقد وبناء، ويقبل على العالم والحياة بفضول ولهفة ودهشة الواثقين.

ومن أجل هذا لا بد من ثورة جديدة تطال فلسفة التعليم في منطقتنا، استراتيجياته، مناهجه وكامل منظومته.

السؤال الآن، هل يصح التعويل على الحكومات المشغولة برغيف الخبز، الأمن السياسي، عجز الساسة وحماية الاستبداد لتراجع هذه المنظومة وتحدث الثورة المرجوة؟

الجواب: كلا!

السؤال التالي: من إذن سيقوم بهذه الثورة؟

جديدنا