المعيش اليومي للمهاجر ومأزق الهويَّة والاندماج (دراسة سوسيو-انثروبولوجيَّة)

image_pdf

ملخَّص البحث

تعد الهجرة ظاهرة اجتماعية تساهم في حدتها أكثر فأكثر عوامل داخلية طاردة وأخرى خارجية جاذبة، وعوامل ثالثة كالعولمة وأزمة اللاتكافؤ بين الضفتين ساهمت في تعميق الأزمة وجعلت شعوب الدول النامية خاصة تلجأ إلى سلك طريق الهجرة بحثا عن ظروف العيش الأفضل. ولم تكن مشكلة الهجرة في ذلك الحراك الذي تحدثه هذه الظاهرة، وإنما تكمن أساسا في خلقها لوضعيات مؤثرة في مختلف الأطراف من المجتمعين إلى المهاجر الذي يصبح في “مأزق” الحفاظ على هويته وخصوصياته الثقافية أمام مقتضيات الاندماج والتكيف في وسطه الاجتماعي الجديد في المهجر بمختلف ثقافاته وجنسياته. وفي هذا الإطار يتنزل هذا البحث الذي يتناول العلاقة بين الهجرة كظاهرة وما تفرزه من قضايا أهمها الحفاظ على الهوية والتكيف في المهجر مع الجنسيات والثقافات الأخرى من باب التثاقف، كما حاولت الدراسة تقديم بعض المقترحات للرفع من القدرة الاندماجيّة للمهاجرين، والسعي إلى الاستفادة من ثقافات الآخرين المتعايشين في ذات الوسط دون المس من الخصوصيات الثقافية.

  • الكلمات المفتاحية: الهجرة، الهويَّة، الاندماج، التكيُّف، المعيش اليومي.
  • مقدِّمـــــــــــة:

  يشهد العالم اليوم وبصورة أسرع من ذي قبل تطورات وتحولات مسَّت مختلف القطاعات والمجالات، وساهمت بشكل أو بآخر في إحداث تغيرات عميقة واسعة النطاق في عمقها واتجاهاتها ونتائجها، ظهرت في ظلها العديد من المشكلات ومنها الهجرة، فبتزايد حاجيات الانسان، وتعمق العوامل الطاردة من بيئته، تولد لدى الإنسان الشعور بعدم الأمان في واقعه وتطويع حياته كما يرتضيها، وباتت لديه الهجرة رغبة ملحة لأغراض متعددة، وانطلاقا مما سبق، يتبين بأن الهجرة هي خيار يتخذه الانسان للهروب من واقع لا يحبذه بحثا عما هو أفضل، أو كما “يعتقد عالم الاجتماع “جليفر جنسون” فإن الهجرة بوجه عام تتجه من المناطق الضعيفة اقتصاديا إلى الدول الغنية، إذ يتمتع المهاجرون بفرص العمل الممنوحة لهم، فضلا عن الجماعات التي تهاجر بدوافع دينية أو سياسية”[1]. وبقدر إيجابياتها، تطرح ظاهرة الهجرة أيضا تحديات كبيرة لكل من المجتمعين الأصلي والمستقبل والمهاجر على حد السواء، لذلك كان موضوع الهجرة موضع اهتمام الدارسين في العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة، وأخذت بعدا عالميا لما لها من تأثيرات إنسانية شاملة على المجتمعات من آثار اجتماعية وثقافية أهمها “الثقاقف” وما يتعلق بهوية المهاجر جراء صراعات متناقضة يعيشها بين محاولة لتمسكه بهويته الموروثة من جهة، ومقتضيات الاندماج في الواقع المعاش الجديد من جهة أخرى، وما تطرحه من تغيرات ومشكلات اجتماعية باتت تفرض نفسها كمواضيع للطرح والتناول السوسيو-أنثروبولوجي، ولذلك أدى عمق ظاهرة الهجرة إلى تبلور الاهتمام السوسيو-أنثروبولوجي خاصة منذ منتصف القرن العشرين بظهور سوسيولوجيا الهجرة التي صنفت هذه الظاهرة وفق نموذج ثنائي لوصف اتجاهاتها في بعدي الغياب والحضور، أو إلى توجهين رئيسيين هما: سوسيولوجيا الهجرة الوافدة وسوسيولوجيا الهجرة النازحة”[2].

  1. إشكالية البحث:

تعد العوامل الداخلية الطاردة والخارجية الجاذبة تدعمها عوامل أخرى كأسباب هجرة الأفراد من أوطانها رغم ما لهذه الظاهرة من عواقب وآثار اجتماعية وثقافية وغيرها على كل العناصر المتداخلة خاصة على المهاجر الذي يعيش واقعا مغايرا يحكمه صراعا بين العمل على الحفاظ على هويته وخصوصيته الثقافية الموروثة من جهة، وما يقتضيه الواقع في المهجر من تكيف اجتماعي وثقافي تفرضه مكوناته المجتمع الحاضن من جنسياته وفروقات ثقافية مختلفة من جهة أخرى لتطرح مسألة جدلية بين الهوية والاندماج في المهجر.

  • أسئلة البحث:

يطرح البحث عدة تساؤلات رئيسة وفرعية، حاول الباحث الإجابة عليها، وهذه الأسئلة هي كالتالي:

  • كيف يتعامل المهاجر مع وضع يقتضي منه الاندماج والتكيف في المهجر بمختلف جنسياته وثقافاته، وفي ذات الوقت المحافظة على هويته وخصوصيته الثقافية؟
  •  فيما يتجسد حفاظ المهاجر على هويته وخصوصياته الثقافية في المهجر؟
  •  ما هي أهم السبل التي يستوجب اتخاذها للحد من المشكلات الاجتماعية التي تعترض المهاجر في المهجر في علاقة بمأزق الهوية والتثاقف؟
  •  أية علاقة يمكن اعتبارها بين مسألتي الهوية والخصوصية الثقافية من جهة، والتثاقف كضرورة يقتضيها الاندماج في المهجر من جهة أخرى؟

3-أهداف الدراسة:

– التعرف على مدى تكيف المهاجر مع الواقع الثقافي والاجتماعي الجديد في المهجر المتعدد الثقافات بحكم تعدد الهويات والجنسيات.

– الكشف عن مدى حفاظ المهاجر على هويته وخصوصيته الثقافية، وفيما يتجسد ذلك.

– تحديد أهم السبل والحلول لتوفيق المهاجر بين حفاظه على هويته وخصوصيته الثقافية من جهة، وتكيفه مع ثقافات الآخرين من الجنسيات الأخرى في ذات الوسط من جهة ثانية.

4 أهمية الدراسة:

الاستفادة من مخرجات البحث بوضع الخطط لتحسين مستوى تكيف المهاجرين في مواطن هجرتهم ومدى حفاظهم على هويتهم وخصوصياتهم الثقافية في تعايشهم مع الجنسيات الأخرى.

 –5منهجيه وتقنيات البحث:

في هذه الدراسة السوسيولوجية الكيفية التي تهدف إلى اكتشاف الوقائع والظواهر وتحديد خصائصها تحديداً كيفياً ووصفها الوصف الدقيق، نرى استخدام المـنهج الوصفي التأويلي معتبرين إياه المنهج الأنسب لدراسة الهجرة كظاهرة وما تفرزه من قضايا، إلى جانب استخدام أدوات البحث السوسيو-انثروبولوجي ومنها الملاحظة والمشاركة لاعتبار الباحث فرد من مجتمع الدراسة والمقابلات نصف الموجهة مع بعض المهاجرين حول مدى توفيقهم بين الحفاظ على هويتهم وخصوصياتهم الثقافية من جهة، واندماجهم في والوسط الاجتماعي المعاش بمختلف فروقاته وثقافاته من جهة أخرى.

6- مصطلحات البحث:

– الهجرة هي انتقال الإنسان من مكانه الأصلي إلى آخر يدعي المكان المقصود. وقد عرف عالم الاجتماع “جوزيف سانت” الهجرة بأنها “حركة دائمة تقريبا أو دورية للجماعات البشرية تمتد لفترة زمنية كافية[3]“.     

– الهوية: (برفع الهاء) هي كلمة مركبة وتتعلق بوجود الشيء المعني، وماهية الشخص هي ما تميزه عن غيره. وتعني كلمة” الهوية “إحساس الشخص بذاته وتمايزه والقدرة على اتخاذ القرار ووضوح التصورات والثبات في الالتزام القيمي وتحديد أهدافه في الحياة” [4]، بمعنى إحساس الفرد بشعوره بانتمائه إلى مجتمع له خصوصياته الثقافية والاجتماعية والتاريخية ومعترف به من طرف أفراد مجتمعه . وقد عرفها الانثروبولوجي الفرنسي “اسحاق شيفا ” الهوية على أنها: “القدرة على أن كل واحد منا يجب أن يكون على بينة من استمرارية الحياة من خلال الأزمات والتغييرات والتصدعات”[5].

– الاندماج الاجتماعي: هو “مفهوم ينشئه كل مجتمع وكل جماعة بهدف انتقال الأفراد والجماعات من حالة المواجهة والصراع إلى حال العيش معاً، كما يعبّر الاندماج عن مجموعة من التفاعلات بين عناصر مختلفة داخل مجموعة ما، وهو ما يؤدي إلى احساسها بضرورة التماثل والانسجام فيما بينها، بآليات وطرق مختلفة ومتنوعة، ولذلك فإن الاندماج يحيل إلى وضعية فرد أو جماعة أو شريحة اجتماعية هي في تفاعل مع أفراد آخرون أو مجموعات أخرى تتقاسم معها نفس القيم والمعايير داخل المجتمعات التي تنتمي اليها. كما أن الاندماج أتى ليعكس واقعا فعليا لحالة الاقصاء التي يمكن أن تسود مجتمعا ما نتيجة ظروف حياتية يمر بها في فترة من الزمن[6]. وللاندماج الاجتماعي مفهوم ينشئه كل مجتمع وكل جماعة بهدف انتقال الأفراد والجماعات من حالة المواجهة والصراع إلى حالة العيش معا. كما يعبر الاندماج الاجتماعي عن صورة من صور القدرة على الوصول إلى المنظومات السياسية والقانونية اللازمة لجعل هذه الحقوق واقعا حيا، وهي بهذا المعنى عكس مصطلح الاستبعاد الاجتماعي الذي وصفه “ماكس فيبر” على أنه أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي. فقد كان “ماكس فيبر” يرى أن الانغلاق الاستعبادي بمنزلة المحاولة التي تقوم بها جماعة لتؤمن لنفسها مركزا متميزا على حساب جماعة أخرى.

– التكيف الاجتماعي: يشير مفهوم التكيف إلى فكرة الترابط أو التبعية البيئية بين عناصر أو وحدات مجموع ما، ينظر إليها من منظور نسقي. ويقوم هذا الترابط البيني على “التلاؤم بين مكونات النسق مع بعضها بعضا”، كما أشار إلى ذلك “بارسونز” في مؤلفه النسق الاجتماعي. وتعتبر مرحلة التكيف مرحلة سابقة للاندماج لحياة الفرد في جماعة مغايرة اجتماعيا او ثقافيا او سلوكيا، والاستعداد والقدرة على التغير والتعامل مع الظروف الاجتماعية المختلفة والاستجابة لمستجدات الحياة الاجتماعية، وما تحفل به من متغيرات اجتماعية جديدة، والقدرة على التعايش مع المجتمع الجديد الذي يعيش فيه الفرد: بأفراده، وعاداته وتقاليده، والقوانين التي تنظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض” [7]. ولقد تناول الدارسون العلاقة بين مصطلح التكيف ومصطلحات أخرى كالاندماج والانصهار، فهي عملية سلوكية معقدة تعكس علاقة الفرد مع المحيط لغاية التوازن أو التوافق او الانسجام مع التغيرات الجديدة بالمحيط، وقد يشمل المحيط البيئة الاجتماعية ليحصل التكيف الاجتماعي، أو البيئة الثقافية أو حتى البيئة الطبيعية.

– التثاقف: ويشير إلى دراسة الظواهر التي تنتج عن الاتصال المباشر والمستمر لثقافتين وما يترتب عليه من تغيرات لاحقة في أنماط الثقافة الأصلية، ويعتبر أداة من أدوات الاندماج الاجتماعي باعتبار أن الاندماج، ينجم بالضرورة عن الاتصال الحضاري أو الثقافي وهو يتضمن تسرب ثقافة المجتمع )الحاضن( من قبل المهاجرين.

وقد تناول علم الاجتماع مسألة التثاقف باعتبارها معلومات استوعبها الفرد في محيطه السوسيو-ثقافي قد تفتقر على المستوى العام لسند علمي يعطيها مصداقيتها وشرعيتها كمعرفة مقبولة سواء من طرف اللجنة العلمية المختصة، إذا كانت ترتبط بنتائج علمية جديدة لباحث في مجال اختصاص معين، أو من طرف المعلم باعتباره المسؤول المباشر على مكتسبات المتعلمين وما ينسجم والأهداف التربوية المسطرة داخل النشاط التعليمي المنشود. ويراها “دوركايم” التصورات الاجتماعية التي تتأسس على شكل قيم ومعايير للسلوك والتذوق والقول، وإنها تتغير بتغيير الحياة الاجتماعية، وتتشكل انطلاقا من الأوضاع والمواقف والميولات الثقافية والتي تحكم رؤية المجتمع إلى العالم، كما تحكم أنماط تفكيره وأسلوب عيشه والمعايير المعتمدة فيه حسب الأولويات. وكأمثلة على ذلك في مجتمعنا، مجموعة من العادات والقيم والسلوكيات والآداب التي نتمسك بها ونمارسها في حياتنا اليومية في مختلف المؤسسات الاجتماعية التي نعيش فيها. وتشكل مسألة الاختلاف الثقافي واقعا وظاهرة مجتمعية لا يستثنى منها أي مجتمع، بل هي “ظاهرة طبيعة ويصاحب هذا الواقع نزعة التمركز حول الذات، فكل جماعة بشرية تنكمش حول ذاتها وتعتقد إنها الأصل في الحضارة، وإنها مصدر كل شيء يتميز بالإيجابية، بينما تلصق بباقي العالم وباقي الجماعات كل صفات التخلف والسلبية”[8]، وبالتالي فإن التنوع الثقافي رغم أنه يعد مصدرا للغنى والثراء والإبداع والابتكار، فإنه قد يكون مشكلا وسببا في النزاعات والصدامات، وبالتالي يصبح التماثل الثقافي والاجتماعي مطلبا وضرورة ومبتغى رغم الخوف من تكريس التماثل للجمود والرتابة.

  •  ثانيا: الاتجاهات النظرية للبحث:

 لقد تعددت المداخل النظرية والبراديغمات الوضعية والمادية التاريخية والنماذج الماكرو والميكرو-سوسيولوجية التي تناولت ظاهرة الهجرة وتعدد بسبب تعقد الظاهرة وتداخل دوافعها ونتائجها، كما يرى “تابينوس” بأن “موضوع الهجرة لم يؤخذ بعين الاعتبار عند إعداد النظريات الاقتصادية، ومن النظريات نجد:  

1- مقاربة سوسيولوجيا الحياة اليومية:

من المعروف ان علم الاجتماع ينقسم إلى فروع منها التي تهتم بدراسة الأنساق الاجتماعية الكبرى وهذا يسمى بعلم الاجتماع الكلي (الماكرو-سوسيولوجي)، ومنها ما تهتم بالبحث في التفاعل الاجتماعي للأفراد والجماعات الصغيرة في الحياة اليومية وهذا يسمى بعلم الاجتماع الجزئي (الميكو-سوسيولوجي) ومنها سوسويولوجيا الحياة اليومية أو علم اجتماع المعيش اليومي وإن كانت هذه الفروع تعمل بترابط وتكامل. والمعيش اليومي هي رؤية لتفسير معنى الحياة والسلوك اليومي للفرد وهو ما يطبق على المهجر في “غربته” ويساوي البعض بينها وبين الدراسة الاجتماعية الميكرو-سوسيولوجية وكذلك بالدراسة الكيفية لخبرات وتجارب الحياة اليومية بأنواعها المتعدد كسلوك المارة في الشارع والنوم والمحادثات التليفونية وخبرات العمل والكلام والتعامل مع الوقت”[9]، او هي كما يرى “دوريتيه” “تنطلق من قهوة الصباح، وطريقة ترتيب الثياب أو تركها من دون ترتيب، والمحادثات اثناء العمل، يجب ان نعرف كيف نسال الأمور الصغيرة، هذا ما يقوله “جون بيريك” متأملا مسألة الأمور العادية جدا أو الأشياء الصغيرة في الحياة والتي لا معنى لها والتي تشكل مع ذلك جزءا من الشأن الإنساني، وبالتالي فإن “نظرية الحياة الاجتماعية اليومية تنظر إلى الفعل الاجتماعي على انه حقيقة اجتماعية جوهرية وموضوعية كما يراها إيميل دوركايم إلا انها تختلف معه في كونها لا ترى الحقيقة الاجتماعية خارجية عنه وملزمة له، بل الحرية والخيار في انتقاء احد البدائل المتاحة في المحيط الاجتماعي”[10].

لقد بدأ علم الاجتماع في بداية الظهور استجابة للمشكلات المجتمعية الغربية الكبرى عبر التاريخ، ذلك ان الآباء المؤسسين لهذا العلم ونقصد بهم “كونت” و”دوركايم” حيث اهتم الأول بتبرير قانوني النظام والتقدم في بنية المجتمعات، واهتم الثاني بأشكال التضامن الاجتماعي الآلي والعضوي وقوانينه، وكذلك اهتم “ماكس فيبر” بتحليل البناء البيروقراطي الرأسمالي  للمجتمعات، وفي هذا كله تغييب للفرد وتفسير الدلائل الرمزية لحياته اليومية، وأهملت الجماعات الأولية والعلاقات الأولية التي تشكل عالم الحياة اليومية” [11]. كما ظهرت الصياغات النظرية التي قدمها “بارسونز” حول “بنية الفعل الاجتماعي” التي عرفت بإفراطها في التركيز على التحليل النظامي والمؤسسي للمجتمع وأهملت جزئيات الفرد في حياته اليومية، و”كان بإمكان “بارسونز” أن يطور نظريته التي بدأها في اتجاه التركيز على الفرد وتفاعلاته اليومية ولكنه طورها في اتجاه تحليل كلي انتهى بميل نحو رؤية نظرية عالمية على جانب كبير من العمومية. كذلك ظهرت نظريات التنمية والتحول الاقتصادي والسياسي في العالم الثالث، ولم يخل الاتجاه الإمبريقي هو الآخر من الطابع المؤسسي لعلم الاجتماع رغم انه الأكثر إلتصاقا بالواقع، لكنه لم تكن حياة الفرد اليومية هي اهتماهه، كل هذا يبين لنا بأن علم الاجتماع قد بدأ رهين تحليل المشكلات الكبرى والتنظيمات والمؤسسات والبنى الاجتماعية والوحدات الكلية للمجتمع الصناعي وبالتالي “ليس بغريب أن يسمي علم الاجتماع في اتجاهاته الأساسية بأنه علم مؤسساتي ركز في دراسته للمجتمع على تشكل هذا المجتمع في مؤسسات وفي علاقات نظامية لذلك تبلورت المشكلات المجتمعية ودور الحياة اليومية للفرد ولذلك بدأت تظهر تيارات منادية بدراسة حياة الفرد اليومية، إلى جنب الأطر النظرية الكبرى المؤسسة لعلم الاجتماع على اعتبار ان علم الاجتماع هو علم للدلالة الاجتماعية ويهتم بدراسة الدلالات والمدلولات، وتفسير الأسباب الرمزية والسلوكيات الظاهرة والخفية للفرد في حياته اليومية، و بدأت تظهر النظريات التي تفسر الحياة اليومية للفرد بجزئياتها الظاهرة والخفية بما في ذلك حركات الجسد في التصافح والتلاقي بين الأفراد والتي تحمل رموزا ودلالات ومعاني مؤشرة، وظهرت لذلك الفينومونولوجيا الاجتماعية والاتجاه الميتودولوجي.

  1. الفينومونولوجيا الاجتماعية (الظاهراتية):

تُعدّ مدرسة فرانكفورت ذات التوجه الماركسي أول مدرسة تناولت الحياة اليومية للفرد والمجتمع إطلاقا من الواقع الرأسمالي في أمريكا، وما يتضمنه من تناقضات وآثر على حياة الفرد وخاصة منها الاجتماعية، وقد توصل “أدورنو” في مؤلفه “ذرة اخلاق” إلى “أن المكان الوحيد الذي قد نعثر فيه على الحقيقة ليس هو في الكل أو الوحدة الكاملة، بل في تلك الأجزاء المغفلة من تجربة الفرد التي نجت من وطأة هذا الكل”[12]، ومن هنا يفهم بتوجه هذه النظرية إلى الاهتمام بالحياة اليومية للفرد، ويرتبط هذا القول بأهمية التعامل مع واقع الفرد بتفسير سلوكه اليومي بتقنية الملاحظة والمشاركة وهذا ما يعمل به في الدراسة السوسيو-أنثروبولوجية لواقع المهاجرين، كما ربط “هابرماس” بين “عالم الحياة بالمجتمع كنسق اجتماعي، شأنه في ذلك شأن “جيدنز” الذي اقتيس أن كثيرا من الوظائف الاقتصادية والسياسية التي كانت تتم داخل القرابة اضطلعت بها المؤسسات العامة.

وإذا كانت مدرسة فرانكفورت قد وجهت اهتمامها لنقد النظام الرأسمالي باعتباره آلية لقهر وتكبيل الفرد في ادائه وتفاعله اليومي داخل محيط عوالمه المختلفة، ودعت إلى حرية الفرد وتحرره من هذه القيود، فإن الاتجاه الفينومونولوجي أو “الظاهراتية” قد تجاوزت نقد النظم واتجهت كليا للحياة اليومية للفرد، وكان المدخل الفينومونولوجي اول اتجاه نظري يستعمل مفهوم “الحياة اليومية” للفرد بشكل واضح ومباشر. ولقد ظهر الاتجاه الفينومونولوجي كفكر فلسفي، ثم تطورت كفرع من علم الاجتماع من خلال “ألفرد شوتز” ثم ظهر المؤسس “إدموند هوسرل” الذي كان أول من استخدم مصطلح “الفينومينولوجيا”، و”ماكس شيلر” الذ يعد الممثل الحقيقي لهذا التيار، وقد فسر “شيلر” كيفية تشكيل الظواهر الاجتماعية من قبل الأفراد العاديين والخبراء وأيضا من خلال الخبرات الشائعة في حياتهم اليومية التي تمثل نمطا من التنظيم الاجتماعي. وقد طرح الفهم الفينومينولوجي الاجتماعي للظواهر والمشكلات الاجتماعية من قبل علماء الاجتماع المعاصرين كبديل للمناهج الوضعية والإمبريقية وقد رأوا فيها قصورا لفهم الواقع الاجتماعي فهما عميقا رغم تباين الآراء والمواقف بين الرافض والمؤيد والمشكك بأنها مجرد تسميات جديدة لمنهجيات قديمة لا غير. ولقد أعاد الاتجاه الفينومينولوجي النظر في مسلمات نظرية ومنهجية في الفكر السوسيولوجي الحديث وخاصة في ما يتعلق بالفارق بين الظواهر الاجتماعية والأخرى الطبيعية التي لا يقر بها علم الاجتماع الوضعي، “فلا يهتم هذا الاتجاه بالتفسيرات السببية للسلوك الإنساني بنفس الطريقة كما فعلت الاتجاهات الأخرى، فقد حاول الفينومينولوجيون فهم معنى الظواهر والأشياء، ولم يهتموا كيف وجدت”[13]. ولقد اهتمت الفيننومينولوجيا بحياة الفرد كنطاق يتعلم فيه ثقافة المجتمعات ويكون تصوراته، إذا “لا يعيش الفرد في عالم حياة واحد بل إننا نجد عوالم الحياة تندرج عبر الزمان والمكان، فتبدأ بالعالم الذي يحيط بالفرد أي ما يقع تحت سمعه وبصره ويستطيع ان يتحكم فيه”[14]. ويفسر الفينومينولوجيون الذين يميلون إلى استخدام مصطلح الظاهرة والذي هو اشتقاق لكلمة فينومونولوجيا الواقع الاجتماعي على أنه نتاج للنشاط الإنساني بما يتخلله من معاني ظاهرة وخفية أي “سبر غور” باطن شعور الفرد ومضمونه، وتفسير مقاصده، فالمعرفة الحقيقية لا تنبع من المشاهدة الحسية ولكنها مرتبطة بالمستوى الشعوري لدينا، فهو منهج “مبني أساسا على قاعدة مفادها أن “لا أطلق أي حكم ولا حتى أسلم بصحة أي حكم إن لم أكن أستمددته من البداهة، أي من التجارب التي تكون فيها الأشياء والوقائع المطلوبة حاضرة في ذاتها”.[15]، كما يؤكد “هوسرل” أن الأشياء هي بالضرورة في حد ذاتها معان، ولذلك فإن المعرفة بالأشياء تستوجب فهم معانيها، واقتصر “هوسرل” على الدراسة الوصفية البحتة للظاهرة الاجتماعية كما توجد في وعينا وادراكنا دون اللجوء لأي نظرية أو مفاهيم مجردة، بمعنى دراسته الأشياء ذاتها دون الرجوع إلى فرضيات مسبقة عن الواقع الاجتماعي، أي رجوع العالم عند الدراسة إلى الأشياء ذاتها، وضرورة التركيز على عالم الحياة اليومية، ومن ثمة يصبح العالم الاجتماعي بالنسبة للفينومونولوجيا نتاج لتفسيرات ومقاصد الإنسان أي أنه عالم ذاتي، ودراسة ذلك العالم تتم عن طريق أساليب مثل المحادثات وتحليل اللغة، وتصبح وظيفة علم الاجتماع هي وصف تلك العمليات التي يتم بواسطتها تشييد العالم الاجتماعي من خلال الإجراءات التفسيرية”[16]، فالمنهج الظاهراتي او الفينومينولوجي لدى “هوسرل” يفسر البحث عن الحقيقة والمعرفة في عالم الحياة Life-world من حيث المفهوم وليس عالم الحياة الموجود بالمنهج الاستقرائي للمواضيع ودراستها بصفة عقلية وواقعية، فالفرد يقوم بتفسير واقعه وما يتخلله من نظم اجتماعية وخيالية وثقافية باعتماده على ادراكه الحدسي، فهو “ليس عالم خاص به بمفرده، بقدر ما هو عالم معان وقيم وأن الإنسان قد ساهم في تشكيله من غير وعي، ويكشف أنه عالم ناتج عن تجارب الآخرين أو من أفراد لهم نفس النشاطات الواعية، فالعالم عالم الحياة، يظهر من خلال ما يكتشفه الإنسان أو يرده إلى الوعي الخاص، وهو عالم بيني وذاتي وهو ما يسمى بعالم الرد أي الرجوع إلى الذات الواعية”[17] .

  • الإثنوميتودولوجيا:

يعتبر التيار الإثنو-ميتودولوجي ارتباط للفينو-مينولوجيا او هي تحديث للمسلمات والأفكار التي قامت عليها. وقد ظهرت الإثنو-ميتودولوديا والتي تعني “أساليب قيام الناس بمناشط حياتهم اليومية” ويعني في لغة علم الاجتماع “ما يقوم به الناس في حياتهم اليومية من مناشط بشكل مستمر”[18]، وتنعت بالمدرسة السوسيولوجية الأمريكية، وهي  امتداد للتفاعلية الرمزية، والفينو-مينولوجيا والتي اتخذت موقفا نقديا من النظريات الاجتماعية التقليدية الوضعية وخاصة منها البنائية الوظيفية التي عجزت عن تفسير ظواهر اجتماعية قد تفشت في المجتمعات كالبطالة والهجرة  التي لم تعطها الوظيفة اهتماما كافيا حسب رأي الإثنو-ميتودولوجيين. ومن موضوعات الفكر الإثنو-ميتودولوجي أنه يدرس الواقع الاجتماعي اليومي الروتيني التي يقوم بها الأفراد في حياتهم اليومية من أفعال ذات دلالات سوسيولوجية وما يتعرضون له من مواقف نتاج ظروف مؤشرة على أحداث نشاطات الحياة اليومية التي يزاولها بطريقة مألوفة ومتكررة، وبالتالي يكون هذا المنهج بمثابة الاستقصاء للخصائص العقلية للتعبيرات والأفعال التي يمارسها الأفراد طوال حياتهم اليومية والمعاني التي يعطيها هؤلاء الأفراد لأنماط سلوكهم وتصرفاتهم في عالمهم الاجتماعي اليومي من اكل وشرب وملبس وتواصل بما يؤسس لمعاني خاصة بحياتهم. وقد ركز الفكر الإثنو-ميتودولوجي على لغة الحياة اليومية التي تجسد القوانين الاجتماعية السائدة، لذلك تعتبر اللغة “الوسيط الذي يستخدمه الفاعلون بشكل روتيني لتنظيم سلوكهم الاجتماعي اليومي ومن ثمة فإن لغة لحياة اليومية واستخداماتها المختلفة من جدل واقناع ومزاج وتقويم هي اكثر وساطة يمكن ان تعبر عن قوانين الحياة الاجتماعية”[19]، واهم ما يميز هذا الاتجاه عن غيره من النظريات هي الطريقة التي يعتمدها الفرد لتشكيل عالمه الخاص، ” فالإنسان غير مضطر لقبول دوره المفروض عليه في الحياة بشكل مستسلم، فإذا ظهرت الأبنية الاجتماعية صلبة وغير مرنة فهي كذلك لأن الناس يعتقدون فيها على انها كذلك ولكن في الحالة التي يرفض فيها الناس التسليم بما يسلم الآخرون، ومن ثمة يمكن التفاوض مع الواقع الاجتماعي من غير التسليم بقبول الأبنية والأنظمة الاجتماعية القائمة، لكن الفكر الإثنوميتودولوجي لا يعتمد على أي تصور نظري معين للمجتمع ولا يقدم حلولا للمشكلات الاجتماعي كما “أكد “جارفينكل” حين اعتبر البحوث الإثنوميتودولوجية غير موجهة نحو تعميمات معينة، كما انها لا تقدم حلولا لمشكلات اجتماعية ولا تشغل نفسها بمناقشات إنسانية او جدال نظري، فلا قيمة للنظريات التي تخدم مصالح معينة ولا تعبر عن الواقع”[20].

2- المعيش اليومي للمهاجرين:

تقع دراسة الظواهر الاجتماعية في خضم الواقع الاجتماعي من خلال أشكال التفاعل كالتواصل والصداقة والصراع، فالفعل المتبادل حسب “جورج زيمل” هو “نقطة تشكل ما هو اجتماعي فقد ركز على دراسة الشكل في تحليل المجتمع باعتباره وسيلة لرسم الفواصل بين الأشياء وبين أهمية الحديث عن صراع الحياة ضد الشكل في العموم وضد مبدأ الشكل”[21]، كما أن فهم الحياة يكمن من خلال الأنشطة الإنسانية والمعاني التي يقع تبنيها من طرف الظواهر الاجتماعية التي تنتج أفعالا وسلوكيات ناتجة عن علاقات التواصل والتبادل بين الأفراد، لذلك “يمثل المجتمع نتاجا لمجموعة الظواهر والأفعال المرتبطة بعضها ببعض والتي تسعى إلى تحقيق التماسك والوحدة داخل الفضاء الاجتماعي، وتحمل في طياتها عدة معاني باعتبار أن المعنى يستمد جوهره من الفعل أو على الأقل هو امتداد للفعل، فالعلاقة وثيقة بين الفعل والمعيش أو أن المعيش هو مختلف تجليات الفعل عبر تداخل مستوياته وجوانبه فيصبح الفاعل الاجتماعي يتحرك بديناميكية” [22]. وقد ركز “زيمل” ايضا على مفهوم الشكل والحياة اليومية كمواضيع رئيسية في تحليله للظواهر الاجتماعية من خلال أفعال الأفراد المتبادلة فيما بينهم والتي تختلف من شخص إلى اخر، ورغم تباين وتقابل عنصري الشكل والحياة “ومع ذلك لا ينفي أو يقصي الشكل الحياة ولا الحياة الشكل وتحتكم علاقة الحياة بالشكل إلى جدلية للانفتاح والانغلاق اي إلى تبادلية تمثل في تفكير “زيمل” لكل الأفعال التبادلية في الحياة العملية” [23]. إن سوسيولوجيا “زيمل” هي بمثابة التفكير في التفاعل والتبادل بين الأفراد بما يجسد الصيرورة الاجتماعية من جهة، وهي كذلك الفردانية أي بمعني الفعل الاجتماعي البسيط للفرد من جهة أخرى، وهي كذلك تركز على مختلف ادق تفاصيل الحياة اليومية للفرد بما تتضمنه من مشاعر واحاسيس وتبادل وتواصل مع الآخرين، ومن خلال استنطاق الممارسات اليومية العادية للفرد والحافلة بالمعاني والدلالات لذلك أمكن “لزيمل” ان يؤسس علما للمعيش اليومي يؤثث إلى بحوث واستراتيجيات الفعل والبحث في المسكوت عنه وتعرية الواقع اليومي من تفاعلات وانفعالات الأفراد في علاقاتهم الديناميكية والتي قد تساعدهم على التكيف والاندماج أو لا تساعدهم، ولذلك بين “قوفمان” أن الواقع الاجتماعي لعبة أو مسرحا يتكون من شخصيات متعددة تتقمص أدوارا مختلفة في هذه الحياة، لذلك درس العلاقات بين الأفراد والتبادل فيما بينهم واهتم بانطباعات الأفراد خلال التفاعل فكان الواقع بمثابة مجموعة من قواعد الألعاب التي يمكن التحكم فيها من ناحية الأداء أكثر منها مجموعة من الالتزامات الأخلاقية”[24]. في هذا الإطار المعرفي لعلم الحياة اليومية، يمكن الاستفادة واستثمار المفاهيمه وتوظيفها لفهم ما يحدث بين المهاجرين من تبادل وتفاعل وممارسات ومنافسات وصراعات وتناغم في حياتهم اليومية عبر الوصف السوسيو-أنثروبولوجي وبتقنية الملاحظة والمشاركة عن قرب لحياتهم اليومية ولنستخلص ما يدور في عالمهم وما يخامر أفكارهم وتصوراتهم وما ينسج واقعهم الاجتماعي في الغربة. والمؤكد ان علم الاجتماعي اليومي قد احدث في إطار مجتمع غربي وفي اطار احداث زمانية ومكانية معينة وخاصة منها تأثير النظام الرأسمالي على سلوك الفرد، إلا أنه يستوجب تكييف هذا الجدال النظري مع واقعنا وبحثنا، أي تطويعه مع اعتبار خصوصيات مجتمع دراستنا من حيث عنصري الهوية والثقافة ومن حيث متغيرات الزمان والمكان والتحولات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وما فرضه واقع العولمة اليوم، فمدرسة فرانكفورت التي اشتغلت على سطوة النظام الرأسمالي على تفاصيل الحياة اليومية للمهاجر كغيره من الناس من حيث غلاء الأسعار والحياة المادية عموما. كما أثر خطاب الحياة اليومية للمهاجر بما تروجه وسائل الإعلام من ثقافات وهويات متنوعة ومتعددة تجعل للمهاجر يتخبط أكثر فأكثر بين حفاظه على هويته الوطنية وثقافته الأصلية من جهة وتأثير بث وسائل الإعلام للثقافات الأخرى من جهة أخرى. وبالنسبة لنظرية الإثنوميتودولوجيا فإن هذه يصلح تطبيقها على واقع مجتمعات العالم الثالث على عكس مدرسة فرانكفورت كما رأينا، فالميتودولوجيا لا تضع قوالب نظرية جاهزة بل تترك للباحث مجال النزول إلى واقع المجتمع كما هو حيث يكون الباحث بمثابة الوسيط بين المعرفة العامية والأخرى العلمية، كما أعطت هذه النظرية أهمية لمجمل تفاصيل الحياة اليومية للفرد، واستخدمت المنهج التوثيقي الذي يمكن من رصد المواقف للباحث في الحياة اليومية للفرد، وهذا ينطبق على بحثنا حول الهجرة وقضاياها الفرعية في استخدامه لأنساق رموز الهوية كاللغة والمعتقد واللباس والأكل وغيرها من الرموز التي يستعملها للمهاجر في حياته اليومية في المهجر.

  • ثالثا: الهجرة وقضاياها الفرعية:
  • الهجرة ومسألة الهوية:

يعد مفهوم الهوية في علم الاجتماع من المفاهيم المهمة لأنه يتناول مسألتي الانتماء والإقصاء الاجتماعي من خلال العلاقات التي تحصل بين الفرد والجماعة من جهة، وبين هوية الذات وهوية الغير من جهة أخرى. ولقد استأثرت مسألة الهوية الوطنية باهتمام سوسيولوجيا الهجرة والدراسات السوسيو-أنثروبولوجية عموما، إذ هي كما يراها “جون دي فوان” “إحساس بالانتماء الاجتماعي وتعني الولاء الأخير له، وان العضوية في جماعة معينة يحددها العرق والإقليم والأوضاع الاقتصادية والثقافية والدين والقيم الجمالية واللغة المميزة لهذه الجماعة، كما يرى أندرين أن الهوية هي العضوية في المجتمع السياسي” [25]، ويلتقي ذلك مع رأي الأنثروبولوجي “ادغار موران” الذي يرى “بإمكانية بناء هوية بشرية مشتركة انطلاقا من عناصر الوحدة التي تجمع بين البشر، فهي وحدة إزاء الموت، ومشترك في الثقافة والسوسيولوجيا، مؤكدا أنه ليس هناك تعريف للثقافة يشمل جميع الثقافات من غير النظر إلى اختلافاتها.[26]، وفي المقابل ظهر اتجاه “ما بعد الحداثة” الذي دعا إلى العودة للاعتراف بالخصوصيات والاختلافات وحماية الهويات الوطنية للشعوب ورأى في دعوة النيو-ليبراليين تذويبا للأعراق والثقافات والفلسفات في صيغة كلية واحدة[27]، اذ من مبادئ ما بعد الحداثة فإن الناس لا يستطيعون التفكير بشكل مستقل لأنهم مختلفون في ثقافاتهم، كما لا يمكن الحكم على أي شيء في ثقافة أخرى، فالواقع مختلف من ثقافة إلى أخرى ومن شخص لآخر، إذ يرتبط مصطلح ما بعد الحداثة بالثقافة الرأسمالية ويرتبط بتطورها منذ الستينيات، إ “أن هذا التيار يميل إلى التركيز على الشيء الظاهر بدلاً من التركيز على الأعماق، وذلك من أجل إلغاء التمييز بين الثقافة العالية والثقافة المنخفضة، ولتحدي مجموعة واسعة من القيم الثقافية التقليدية”[28]. اذ يستخدمُ عنصر الهوية الوطنية للمهاجر للإشارةِ إلى وطنه الأصلي أو لأفراد يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونت بينهم كمجموعة وان اختلفوا في عناصر لا تؤثر على كونهم مجموعة، أي هي أيضا مجموع السمات والخصائص المشتركة سواء كانت تاريخية ثقافية وانثروبولوجية واجتماعية، كما أنها تجسد ميزات أساسية مشتركة لهذه المجموعة المنتمية لنفس المقوم الوطني، وتميّزها عن المجموعات الأخرى، أو هي كما يقول الدكتور أحمد بن نعمان:” إن هويـة أي أمة من الأمم هي مجموعة الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الأفراد الذين ينتمون إليها، والتي تجعلهم يعرفون ويتميزون بصفاتهم تلك عما سواهم من أفراد الأمم الأخرى”[29].

وتُعتبر مسألة الهوية من أهم المشكلات الاجتماعية التي تواجه المهاجرين في غربتهم إن لم تكن أخطرها لاعتبار اختلاف مقومات هوية المهاجر عن هويات الجنسيات المعايشة في نفس الوسط، حيث يحتد الصراع بين الهويات المختلفة، خاصة مع الهويات الأجنبية أي غير العربية المسلمة بالنسبة للمهاجر العربي المسلم حيث اختلاف اللغة والثقافة والديانة، كما ترى المفكرة السوسيولوجية الفرنسية “جنيفياف فانسونو” بأن العالم اليوم يشهد عدة صراعات باسم الهويات، لأن كل جماعة اجتماعية تعمل على إثبات جذورها و تاريخها وتعمل على رسم حدود لوجودها خوفا من فقدان حدودها، لان الشعوب تعيش تخبطات في نظام التمثلات الأساسية للوجود[30]، وبالتالي يعيش المهاجر في المهجر ممزقا وفي صراع بين الحفاظ على هوية بلده الأصلي وبين هوية أو هويات بلد الإقامة بمختلف مكوناتها المتعددة والمختلفة، خاصة عندما تكون هذه الثقافات مختلفة ومتباينة وتعتبر قضية الهوية لدى المهاجر قضية وجودية بالأساس إذ هي تتعلق بوجوده وبقائه إذ لا مجال للتفريط فيها أو التنازل عنها لفائدة هوية اخرى فللهوية مفهوم شديد التعقيد والتركيب فهو كالشجرة التي تضرب بجذورها في أرض الماضي وتثمر أوراقها في حاضر الافراد ومستقبلهم”.[31]

– عناصر الهوية الوطنية:

  لقد اهتمت المدارس الاجتماعية بمسألة الهوية الوطنية واعتبرتها “مركبة من عناصر تراثية وأخرى معاصرة منها المادية كالتكنولوجيا، وغير مادية كالعادات والتقاليد واللغة والقيم ..الخ”[32]. ويقصد بعناصر الهوية الوطنية، أشكال التعبير أو التعبيرات الثقافية التي يتخذها المهاجرون كسُبل للحفاظ على هويتهم الوطنية الأصلية كالحفاظ على المظهر والشكل واللباس والأكل واللهجة المحلية والسلوكيات الأصيلة المكتسبة، فنجد المهاجر يتقيد بلباسه الوطني الذي تعود على لباسه في بلده، او الحفاظ على لغته ولهجته الأصلية التي اكتسبها طوال حياته دون التأثر بغيرها، وكذلك مواصلة الاحتفال بالمناسبات الوطنية كما لو كان يحتفل بها في بلده، وبصورة أعم الحفاظ على نمط عيشه الذي كان يعيشه في السابق قبل هجرته. وقد طرحت مسألة ثبوت عناصر الهوية الوطنية أو تغيرها، وبالتالي يمكن تحديد أبعاد وعناصر الهوية إلى عنصر الوطن الذي هو بلد الآباء والأجداد ومكان إقامة الإنسان ومقره، وبوصفه الأرض والجغرافيا والتاريخ، وقد أصبحت معطى تاريخيا والتاريخ قد أصبح موقعا جغرافيا” [33]. وإذ تلازم عناصر الهوية الوطنية للوافد وله ان يحافظ عليها “فقضية الهوية قضية وجودية ترتبط بالجانب الأسمى في الوجود الإنساني وهو حقيقته وجوهره وما ينطوي ذلك على إجابة أهم الأسئلة الوجودية والتي يطرحها الفرد أو تُطرح عليه، حول كينونته، ماهيته، مصيره، معنى حياته، ورسالته، ثم هي في نفس الوقت المحدد الأول لكثير من الجوانب الحيوية في حياة الأفراد والجماعات مثل الدين، التاريخ، اللغة، الانتماء، الثقافة، العادات والتقاليد، الطموح، المسلك…الخ” [34]. ويرى المختصون في العلوم الاجتماعية أن عاملي اللغة والدين هما أكثر العوامل الثقافية تحديدا للهوية الثقافية الجماعية للشعوب[35]، غير أن البعض الآخر يضيف عناصر أخرى للهوية كالعادات والتقاليد والأكل واللباس، والعرق أي الأصل الذي ينتمي اليه الفرد أو الجذور التي ينتمون إليها وان يرى البعض بأن “لا علاقة للهوية بالعرق والأصل الاثني الذي هو أصلا متنوع ومتعدد بسبب الهجرة والغزو والاختلاط والتزاوج وهو ما يستحيل معه وجود عرق نقي وخالص فالعبرة في الهوية بالأرض وليس بالعرق”[36]، وبالتالي يمكن تحديد عناصر الهوية للمهاجرين في العناصر التالية:

  •  اللغـــــة:

تعتبر اللغة العنصر الأساسي المكون لهوية الفرد إلى جانب المعتقد، فباللغة يتواصل أفراد الهوية المشتركة، وبين الأنا والآخر، وباللغة يعبر الفرد عن آماله وطموحاته وشخصيته. وتطرح مسألة الحفاظ على اللغة كرمز للهوية الوطنية موضوعا جدليا، فاعتزاز الوافد بلغته الأم لا يعني عدم التحدث بغيرها، ذلك أن المهاجر الذي لا يتقن لغة الجنسيات المجاورة له في المهجر وخاصة منهم الصغار يعانون خاصة في السنوات الأولى لقدومهم من مشكلات عدم فهمهم للغات الأخرى السائدة ما يساهم في ضياع أوقاتهم ومصالحهم أحيانا، لذلك يستوجب من المهاجر الاحتكاك مع الجنسيات الأخرى وممارسة لغتهم وأن يبذلوا جهدا أكبر لتعلم وإتقان اللغة الأجنبية  لسهولة التعايش وإن كان ذلك على حساب لغتهم الأصلية، وهذا ما يراه المهاجر بضرورة التوفيق بين الحفاظ على لغته ولهجته الأم من جهة، وإتقان بقية اللغات واللهجات للجنسيات الأخرى المعايشة لهم في نفس الوسط، فاللغات واللهجات تختلف من جنسية إلى أخرى وربما يكون من العسير إتقانها، ويكمن المشكل أساسا في الجنسيات الأجنبية، إذ يصعب على المهاجرين إتقان لغاتهم ولهجاتهم بالتالي يكون التخاطب معهم بلغة ثالثة أي مصطنعة ومركبة تجمع مصطلحاتها مزيجا من اللهجات او اللغات الأخرى، وهنا يكمن الخطر والمشكل الثقافي خاصة لدى الناشئة حيث يختلط ويتبعثر الجانب اللغوي لديهم، ويرى البعض الآخر بضرورة التواصل مع الآخرين فسوسيولوجيا نعرف ان اللغة هي بمثابة “السلطة” على حد تعبير “بيار بورديو”، التي تدفع المهاجرين إلى التكيف من عدمه مع الآخرين، ويدفعنا الحديث عن الازدواجية الثقافية واللغوية إلى الانفتاح عن حيز ما يسمى ب”اللامفكر فيه” وهو الكامن في خطاب ولغة الوافدين والمحمل بدلالات ومعاني منها الأبعاد العلائقية والداخلية والعامة لفهم عملية التثاقف التي تتم في إطار تفاعلي وهو ما تطرقت له بإطناب التفاعلية الرمزية، فاستخدام لغة أو لهجة أو مصطلحات الآخرين المتعايشين معهم في نفس الوسط ليس حبا فيها، وانما لتجنب صعوبة الفهم أو الانزلاق إلى سوء الفهم، وكذلك لسرعة وضرورة التعايش والتكيف والاندماج مع الآخرين، أي أنها ضرورة وليست رغبة، خصوصا وأننا أقلية داخل مجتمع بأكمله، فالتونسيين مثلا عدديا ليسوا كالمصريين او الهنود الذين استطاعوا ان يفرضوا لغاتهم او لهجاتهم بحكم كثرتهم في المهجر وبالتالي للأقلية أن تبحث عن عوامل التكيف معهم وهم في حاجة إليهم وعليهم نحن أن يتنازلوا، بل أنه في إطار التثاقف فإن من يفد على مجتمع هو من يجب عليه أن يتكيف وأن يفهم ويستخدم لغته، ونعرف مثلا صعوبة اللهجة التونسية التي هي خليط من اللغات العربية والفرنسية والأمازيغية والبربرية لأسباب حضارية وتاريخية واستعمارية، فكلمة “باهي” مثلا ويقصد منها “حاضر”  قد يفهمها البعض “بيه” الذي هو مصطلح يستخدمه المصريون لتعظيم شأن الجليس ونعته ب”البيه” أو “الباشا”، كذلك مصطلحات باللهجة التونسية من قبيل “يعيشك” والتي يقصد بها (الله يحفظك)، وكلمة “لاباس” وتعني (طيب) وكلمة “ياسر” تعني (كثير)، وغيرها من الكلمات في اللهجة التونسية التي يصعب فهمها من قبل الآخرين، فإذا أصبح المهاجرون التونسيون مثلا يقولون (طيب بدل باهي، أو الله يحفظك بدل يعيشك أو كثير بدل ياسر، أو بخير بدل لاباس) فلأنهم اقلية يستوجب منهم التنازل عن لهجتهم لفائدة اللهجة السائدة، ثم ان ذلك يعد بقاء في فضاء اللغة العربية وانهم لم يبتعدوا كثيرا لأن هذه الكلمات أيضا مفهومة ومفهوم معناها في تونس، وبالتالي يصبح من اليسير لسهولة وسرعة تكيفهم ان يتكلموا بما يفهمون وإن كانت كلمات غريبة، بل يعد ذلك من باب التثاقف الحضاري المطلوب بين الشعوب، ولا خوف على الجانب اللغوي من هويتهم وهي في الخير فترة زمنية محدودة في المهجر وتنتهي، وإن اللغة الغالبة دوما هي الراسخة في الأعماق، صحيح أن اللهجة التونسية ستتطعم في البداية بمصطلحات سعودية او لهجات اخرى معايشة، ولكن سرعان ما ترى التونسي منذ أن تطأ قدماه عتبة المطار للسفر إلى بلده تونس، يرجع تلقائيا للحديث بلهجته التونسية الأصيلة، وتتلاشى تدريجيا الكلمات الغريبة عن لهجته، وفي ذات الوقت يرجع التونسي بكثير من المصطلحات السائدة في المهجر من ذلك “كبسة”، او “أبشر”، أو “ربعكم” لن يفهم معناها في تونس، فالكبسة بالنسبة للتونسي هي “القبضة” أو “الضغط” في حين يقصد بها اكلة أرز في السعودية، وغيرها من الكلمات، علاوة على المصطلحات الدخيلة أيضا والمطعمة للهجة السعودية من الجنسيات الأجنبية ككلمة “سيدا” او “سمسم” وغيرها من المصطلحات التي فرضتها العمالة الأجنبية الوافدة والتي أسست وأثثت لأطلس جديد فلا هي لغة عربية ولا هي لغة اجنبية معترف بها ولا عي لهجة سعودية ولا تونسية، ولكن نجد انفسنا كوافدين نتكلم بها وقد فرضها الواقع، ودخلت في لاوعينا أو الذي يسمى بحيز اللامفكر فيه، وهو ما عبر عنه “اوسكار وايلد” خلق الإنسان اللغة ليعبر بها” وبالتالي أصبح المهاجرون وحتى المواطنون يتكلمون بهذه المصطلحات وهذه اللغة “المصطنعة” لكي تصل الفكرة، أو كما يعبر عنها “بيار بورديو” في سلطة اللغة على انها مرتبطة ب”بالهابيتوس” والذي يعني التطبُّع أو السجيّة أو السَّمْت، أو هو نسق من الاستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى العالم الذي يكتنفه”[37]. صحيح ان المهاجر يصطدم بلهجات ومصطلحات غير مفهومة أحيانا في المهجر، ولكن عليه بالتواصل ليحسن التكيف مع كلمات ولهجات تكشف له الواقع بدل أن تحجبه، وهذا ما تطرق اليه أيضا الفكر الماركسي وعبر عنه بالمجال الحيوي للغة أي أن اللغة تعبر عن إيديولوجيات وأفكار ومفاهيم ومصطلحات قد تخص مجتمعا دون آخر ولكنها عملية ازدواجية ثقافية لغاية التكيف والاندماج بين الشعوب فيما بينها، اذ يلعب التعبير اللغوي دورا هاما في استخدام الهوية عندما يتاح للفرد أن يتفاعل مع تأثيرات محيطه ووسطه مع الآخرين من أهل الوسط الذي يعيش فيه أو بقية في المهاجرين من الجنسيات الأخرى، إذ منذ القدم ارتبطت اللغة بهويـة الشعوب وساهمت في تطوير ثقافاتها ونقلها عبر الأجيال، وعدت أيضا عاملا مهما في حفظ تراثها الثقافي والحضاري، ولذلك تعد العلاقة بين الهوية واللغة والثقافة أمرا ثابتا أكدته الانثروبولوجيا الثقافية من ذلك الأنثروبولوجي (فرانز بواس) الذي كان أكثر ميلا إلى الربط بين اللغة والثقافة، ورأى بأن اللغة المشتركة بين المجتمعات هي الناقل الأساسي لثقافتها العامة، وأنه من غير الممكن دراسة ثقافة الشعوب الأجنبية من دون التعرف على لغتها الخاصة، ففهم معاني ورموز لغة أي مجتمع هو المفتاح لفهم ثقافته، واعتبر بأن كلا من اللغة والثقافة على حد سواء في جوهرهما أنظمة رمزية”[38].. لقد تبين بأن نظريا ومبدئيا يحاول الكثير من في المهاجرين الحفاظ على لغتهم الأصلية الا ان ذلك يبدو أمرا صعبا بالنسبة إليهم لأسباب ذكرت، أهمها أن اللهجة لها خصوصياتها الحضارية والتاريخية، فعندما نتأمل العلاقة بين الأرض واللغة، سنتوصل إلى أن اللغة لا تكتسب أهميتها كعنصر في تحديد الهوية إلا لأنها هي نفسها تستمد وجودها وهويتها واسمها من الأرض التي نشأت بها وتنتمي إليها.

– ممارسة العبادات:

من المؤكد ان المهاجر سيلاقي في المهجر وسطا اجتماعيا تتخلله اديان ومذاهب متنوعة، وظروف تدين مختلفة بين مجتمعات محافظة وأخرى شديدة الحفاظ وثالثة منفتحة، وإن عد عامل اختلاف الاديان والمذاهب في الوسط المعاش من باب التثاقف أمرا إيجابيا، الا أنه أيضا يحدث للمهاجر اضرابا على الأقل في بداية هجرته إلى حين التأقلم والتكيف مع الواقع هذا الاختلاف الذي من شأنه أن يحدث اضطرابا في نفوس المهاجرين لكثرة الأديان والمذاهب واختلاف التفسيرات لكثير من المسائل في الدين، وإن وجود خليطا من الأديان والمذاهب من شأنه إضعاف هذا المكون الأساسي في تشكيل هوية المهاجر، حيث يصاب الفرد تشتت بين مقتضيات التكيف مع واقعه الجديد، وضرورة حفاظه على دينه الأصلي، هذه الإشكالية التي يتأرجح في داخلها الفرد المهاجر خاصة، إذ ثمة تعارض بين دينه وأديان الجنسيات الأخرى بالمجتمع الحاضن، وفي كثير من الأحيان يجد الفرد نفسه ممزقا بين هذه المفترقات في المعتقد، فيضطر في بعض الحالات إلى تغيير بعض سلوكياته التي كان عليها من ذلك مثلا في الصلاة مع الجماعة، حيث يجد الفرد نفسه مع الجماعة مضطرا  للتنازل عن خصوصياته واتباع الآخر، ثم يعود إلى سالف تقاليده ومعتقداته عندما يمارس طقوسه الدينية في بيته أو لوحده، وهذا يحدث التشتت العقائدي للفرد، وإن رأى المفكر المغربي “محمد عابد الجابري” بضرورة هذا الاختلاف وبأن الدين لا يشكل هوية إلاّ بالتقابل مع دين آخر، فالإسلام يمكن القول عنه هو هوية المسلمين ولكن فقط مقابل دين آخر كالمسيحية و اليهودية وغيرها”[39]، في حين يرى البعض الآخر أيضا بأن الهوية تعني الهوية الدينية بالأساس، “فالاعتقاد بديانة معينة قد يؤدي إلى وجود هوية مستقلة، فالدين الإسلامي يؤدي إلى وجود هوية إسلامية، كما أن الاعتقاد بالديانة اليهودية يؤدي إلى وجود هوية يهودية، وكذا الاعتقاد بالديانة المسيحية يؤدي إلى وجود هوية مسيحية، لذا نرى البعض يعتبر أن الدين هو احد الهويات الفرعية في ظل النظم القومية العلمانية وأنه لا يوجد ما يمنع الهوية الدينية من الظهور والتمايز طالما ان ذلك لا يؤدي إلى إلغاء الآخر وبذلك تقطع أسباب مثل هذه الصراعات”[40]. لقد تطرق الباحث مع بعض المهاجرين الذين أجمع معظمهم على أنهم لقوا عند بداية استقرارهم في وسطهم الاجتماعي الجديد صعوبة التأقلم في هذا الشأن، ومن جهة أخرى يرى البعض الآخر أن اختلاف المذاهب وحتى الأديان فإن هذا التنوع بين عديد المهاجرين يجعلهم لا يشعرون بغربة في معتقدهم في الوسط الاجتماعي الجديد، وهذا يحيلنا على ما يراه المفكر المغربي “محمد عابد الجابري” بـأنّ ” الانتماء إلى فئة أو إلى مجموعة تتولد عنه نتائج مرتبطة مباشرة بالاعتراف بالهوية الاجتماعية،  فالهوية الاجتماعية أو كما يسميها البعض من الباحثين الهوية الجماعية اساس كل أنواع الهويات فهي ترسي الشعور بالهوية من خلال الشعور بالانتماء على أن الهوية الجماعية تعد بمثابة المشاركة الوجدانية الجماعية وعنصر تجانس وتماسك المجتمع، وبهذا يبدو واحدا أن الهوية الجماعية تضمن استمرارية الجماعة أو المجتمع كما ترسم في الزمن حدود الجماعة داخل وسطها الطبيعي والاجتماعي علاوة على ضبط انتماء الأفراد إلى المجتمع”[41].  وقد تطرق الباحث إلى هذا الشأن مع الوافدة “ي” التي رأت أن المسالة الدينية محسومة لدى المهاجرين عادة، إذ لا تمثل بالنسبة إليهم مسألة المذهبية والطائفية أي مشكل، اذ يتسم تفكيرهم بالتسامح مع كل المذاهب والأديان المتواجدة بالوسط الجديد، ليتكيفوا في هذا الشأن بسرعة وسهولة”، أما الوافد “ص” فيرى أن العامل الأكبر الذي جعله يهاجر إلى “السعودية” هو العامل الديني بحكم تواجد الحرمين الشريفين (مكة والمدينة المنورة) بها، والتي يسعى كل مسلم إلى زيارتها لأداء فريضة الحج أو الاعتمار.

  • العادات والتقاليد:

لا شك أن كل مهاجر يعتز بتقاليده وعاداته خاصة خارج حدود وطنه، ويحاول ممارستها كلما اتيحت المناسبة لذلك، وهذا أمر طبيعي للحفاظ على التقاليد الأصلية خاصة إذا عرفنا أن العادات والتقاليد هي من مكومات الهوية غير الثابتة أو هي كما يراها “محمد صالح الهرماسي” عرضة للتبدل والتحول والتجدد في ملامحها، لكن بعض مكوناتها تميل إلى الثبات، وهذا ما نسميه بالمكونات الثابتة، كالدين واللغة. وحتى هذه لا تسلم من التغيير البطيء (تغير فهمها وتأويلها) ولكنها أقل تأثرا بالمتغيرات لكونها تدخل في صلب العقيدة، وبعضها الآخر يميل إلى التغير لأنه أكثر تأثرا بالمتغيرات باعتباره يقع خارج مجال العقيدة مثل (العادات، التقاليد…). ويتجسد تطبيق المهاجر لعاداته وتقاليده كإحدى مكونات هويته الوطنية في وسطه الاجتماعي الجديد بالمهجر من خلال الرموز التالية:

  • اللباس:

تتميز بعض المناطق بلباس اهلها عن بقية الشعوب الأخرى، فلباس أهل الخليج العربي والمتمثل في الثوب الأبيض و”الغطرة والكوفية والعقال” بالنسبة للرجال، والعباءة السوداء والحجاب والبرقع بالنسبة للنساء، هذا اللباس الذي تغلب عليه خصوصية تاريخية وحضارية وثقافية، إذ هو لباس أهل الجزيرة العربية منذ القديم. تحدث المهاجرة التونسية “أ” التي جاءت من أوروبا إلى السعودية سنة 2012 بما يتميز به اللباس الأوروبي من خصوصية تختلف تماما عن اللباس الخليجي شكلا ومضمونا، وتقول أنها لاقت إحراجات في البداية بسبب هذا التحول في نمط لباسها الذي سبب لها مضايقة نفسية وكانت تدرك من البداية أنه يستوجب منها ان تقبل باللباس الخليجي المعتاد، وترى أنّ لباس المرأة الخليجي المتمثل في العباءة السوداء خاصة من شأنه أن يحدث لها نوعا من الضيق فهي المتعودة على اللباس الملون والربيعي والأبيض، في حين أن اللون الأسود عادة ما تلبسه المرأة في تقاليدنا التونسية في فترة حزن أو حداد عند وفاة زوجها، لذلك أحدث في نفسها هذا التحول المظهري كابوسا من التشاؤم وحتى الخوف في بداية تجربتها، ولم تر أيضا حلا في ارتداء العباءة والحجاب الملون، ورأت بأن ذلك يجعلها متميزة في هذا الوسط الاجتماعي وبالتالي يجلب لها انتباه الرجال خاصة وما قد يثير لها من مشاكل، وقد جربت هذه الفكرة لكنها تعرضت إلى المضايقة من قبل بعض المارة، لذلك وجدت نفسها مضطرة ان تلبس كبقية الوافدات لمسايرة الواقع المعاش واتباع نفس النمط من اللباس المعتمد بالوسط المعاش، وشيئا فشيء بدأت تتأقلم مع هذا التحول إلى أن صار بالنسبة إليها اليوم أمر عادي، وفي نفس الوقت تعترف بانفصام وضعها إذ تعيش في المهجر بنمط من اللباس الذي يفرضه الواقع، ولما تسافر إلى أوروبا او تعود إلى بلدها تونس تعود إلى لباسها المعتاد، وتقول: “كنت آمل لو أن هذ النمط من اللباس الخليجي يتماشى مع واقعنا في تونس او في أوروبا حيث اتنقل باستمرار، لكن هذا لا يمكن، فالحجاب وخاصة البرقع يتم منعه من طرف السلطة في تونس وإن بدأ يظهر بنسبة ضئيلة بعد تحول سنة 2011 ولكن ذلك اعتبر ظاهرة عابرة، إذ سرعان ما بدأت محاربته من جديد من قبل الحكومات المتعاقبة”، وما يؤكد كلامها هذا ان معظم المهاجرات لا يترددن من ذات البلد في نزع البرقع خاصة لكشف وجوههن وحتى الجاب لدى البعض منهن في أي فرصة تتاح لهن حال صعودهن إلى الطائرة عند سفرهن.

  • الهجرة ومسألة التثاقف:

مما لا شك فيه أن هجرة الكفاءات تساهم في التواصل بين المهاجرين بمختلف هوياتهم وجنسياتهم وثقافاتهم وبالتالي يعد هذا تفاعلا حضاريا وانفتاحا على (الآخر)، والتواصل والتعامل معه، “وبالتالي تتم الإفادة من الناتج العلمي والتقني للأمم والحضارات الأخرى بسهولة ويسر، حيث يتم من خلالها استيعاب ما لدى الحضارات من معارف علمية ومكاسب من منابعها، خاصة وأن الفئة المهاجرة تحمل عقولاً ناضجة ووعياً علمياً متميزاً، وهي بذلك تجسد المعارف المكتسبة، وتوظيفها توظيفاً يتلاءم مع عقيدة وقيم الأمم فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية من سياسة واقتصاد واجتماع” [42]، ومن هنا يتبين أن تلاقي المهاجرين وتواصلهم يؤدي إلى تحقيق تقارب ثقافي وحوار حضاري بين الشعوب خطوة في التصالح والتفاعل بينهم، ونزع مقولة الصراع والصدام الحضاري الذي دعت اليه نظرية “صموئيل هنجتنغتون” ونهاية التاريخ “لميشيل فوكوياما”. أردنا الوقوف على حقيقة اختلاف الثقافات في المهجر بين ثقافة السكان الأصليين وثقافات الجنسيات المتعايشة من جهة أخرى، فيتحدث البعض عن كيفية تفاعلهم مع هذا “الازدواج” الثقافي الذي يعيشونه في وسطهم الاجتماعي الجديد وقد لاحظنا غلبة بعض السلوكيات الثقافية من النمط السائد بالوسط المعاش، وتخلى البعض عن بعض التعبيرات الثقافية الأصلية المستخدمة ليستخدم مصطلحات شائعة وخاصة عندما تكون مصطلحات مركبة ومصطنعة من قبل الجنسيات الغالبة في حجمها أمثال الهنود والبغاليين الذين صنعوا لأنفسهم مصطلحات مركبة وتعارفوا عليها من قبيل “سيدا” أي مباشرة، و”حبة” أي واحدة، و”لمونة” أي نوعية و”كشرى” أي فضلات و”سمسم” أي سواسية وغيرها من المصطلحات الغريبة عن أي لغة لتكون من جهة وسيلة تسهل التواصل، ومن جهة أخرى لتحدث مأزقا واضطرابا في المستوى اللغوي خاصة لأبناء المهاجرين حيث “تضيع لغة التفاهم الذي يذهب إلى ما بعد المعاني والمفردات الشخصية التي تقرب بين المهاجرين، وبذلك يصبح الافتقار إلى لغة التواصل يمثل جانبا واحدا مهما من جوانب الغربة في المجتمع، وقد كان “جون جاك روسو” قد أشار إلى مفهوم الاغتراب الثقافي  على أنه مسألة تناول أو تخلي حيث” يتنازل الأفراد عن بعض أو كل حقوقهم وحريتهم في المجتمع وذلك بحثا عن الأمن الاجتماعي في إطار المجتمع”[43]، وبالتالي يلعب التثاقف دوراً مهماً في تشكيل عملية الاندماج، وهي تمتد في الزمان والمكان بحيث يصعب حصرها في حدود معينة، لأن التثاقف يحصل من تبادل التأثيرات، بما يؤدي إلى الاتصال بين المجموعات، واضعاف عمليات الاختلاف بينها ككل، والملفت أن كل المهاجرين يقرون بتمسكهم بهويتهم وثقافتهم الأصلية، ويرفضون التخلي عنها ولكنهم في الواقع يمارسون العكس فهم، وهو ما أسماه “كاميليري “”بالهويّة المبدأ” إذ “يعلنون تمسّكهم بهويتهم الأم وانتماءهم للثقافة الأصلية، ولكن سلوكهم لا يعكس كليا هذا الانتماء، حيث يكون ثمة فصل بين ما يقوله الشخص عن ثقافته الأم وانتمائه إليها وبين سلوكه في الحياة اليومية[44].

  • خاتمة:

لا بد ان نقر أن هذه الدراسة لا تمثل الرؤية الشاملة لظاهرة الهجرة عموما، وإنما هي جهداً مكملاً لجهود سابقة في هذا المجال وتتناول مسألتي الهوية الوطنية والتكيف الاجتماعي في دراسة سوسيو-أنثروبولوجية حول المهاجرين، و هي أيضا محاولة أو مجموعة أفكار تفتح المجال ليتم من خلالها مزيد من النظر والتفـكير في أبعاد ودوافع ونتائج هذه الظاهرة، فحضور أسئلة الهجرة عموما ومسألتي التكيف والهوية الوطنية والمعيش اليومي للمهاجر خصوصا بكثافة يؤكد الحاجة الملحة إلى التدبير العقلاني لصياغة مقاربة عملية وإجرائية أكثر دقة في التعاطي مع دواعي ونتائج هذه الظاهرة على المحيطين الدافع والحاضن من جهة، وما تفرزه من قضايا فرعية وخاصة منها مسالتي الهوية والاندماج. ويتميز واقع المهاجرين خاصة في جانب الهوية الثقافية بعدم الاستقرار بحكم الخصوصية التي تميز الثقافة المهجرية المكونة للمشهد الثقافي بالوسط المعاش، وبخصوص جانب اللباس وخاصة منه لباس الوافدات في دول الخليج، فإنه قد شمله تغييرا فرضه الواقع المعاش وتحول إلى العباءة الخليجية السوداء اللون والحجاب والبرقع وان بدأ التراجع عن هذا الخير في السنوات الأخيرة، كذلك هو الشأن بالنسبة إلى اللغات واللهجات التي فرضتها لغة الوسط المعاش الغالبة وتخللتها لغة مركبة مزدوجة تعارف عليها المهاجرون الأجانب كطريقة للتواصل وسهولة قضاء الحاجيات، وغير ذلك من جوانب الهوية والتقاليد المتعايشة.

  • المصادر والمراجع:
  • المراجع العربية:
  • ابن منظور، لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1999، ج1.
  • احمد، إبراهيم، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هايدجر، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 2008.
  • –         بودهان، محمد، المفهوم العامّي للهوية المتعددة: مقال بصحيفة هسبريس الإلكترونية المغربية، 24 فبراير 2013.
  • بوطالب، عبد القادر، الاختلاف والتماثل الثقافيان: رؤى انثروبولوجية، مجلة العلوم الاجتماعية الإلكترونية، موقع أنثروبوس الإلكتروني. https://www.aranthropos.com/
  • تراكي، بوشرارة زناد، المدينة الذاكرة، مساهمة في علم اجتماع المعيش، منشورات Meridiens Klincksiek. باريس، 1994، باريس، 1994،
  • خضر، زكريا وآخرون، دراسات في المجتمع العربي المعاصر، ط11، دار الأهالي، دمشق، 1999.
  • العرمرم، صفاء، سوسيولوجيا الهجرة، مقال منشور في موقع مجلة العلوم الاجتماعية: بتاريخ:16 ـ 1 ـ 2008.
  • اليحياوي، شهاب، دور الفاعلين في توزيع الفضاء المديني والتغير الاجتماعي: القصبة نموذجا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 2000م،
  • لبيب، علي، قاموس الجغرافيا (عربي فرنسي إنجليزي) تأليف، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2004، ط1.
  • إسماعيل، علي سعيد: الهوية والتعليم، عالم الكتاب، ط2005،1.
  •  بن نعمان، احمد: الهوية الوطنية، دار الأمة، الجزائر، ط1، 2005.
  • سلطان، ابتسام محمود: التطور الخلقي للمراهق، دار الصفاء للنشر والتوزيع، ط 2، عمان، 1410هـ .
  • صالح، عماد فاروق محمد، مؤشرات تمكين المعوقين من الاندماج الاجتماعي، بحث، جامعة السلطان قابوس، عمان،2001  .
  • دنكن، ميشيل، قاموس علم الاجتماع، ترجمة احسان محمد الحسن، دار الرشيد، بغداد، هـ1433.
  • خليل، احمد خليل معجم المصطلحات الاجتماعية، دار الفكر اللبناني، 1433هـ.
  • سليمان عبد الله أبو كاشف، الهوية الوطنية للفلسطينيين في مصر: دراسة ميدانية (رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، جامعة القاهرة، 1984،
  • –         كريب، إيان، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين غلوم ومحمد عصفور، د. ط، عالم المعرفة، 1999.
  • زايد، أحمد، خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري، المجلد/العدد: مج15, ع164. محكمة: نعم. الدولة: لبنان، 1992.
  • حفيظة، مخنفر، خطاب الحياة اليومية لدى الطالب الجامعي، مذكرة شهادة ماجستير في علم اجتماع التربية، جامعة سطيف، الجزائر، 2012-2013.
  • عبد الجواد، مصطفى خلف، قراءات معاصرة في نظرية علم الاجتماع، مطبوعات مركز البحوث الاجتماعية، جامعة القاهرة، مصر، 2002.
  • عبد الغني، عماد، سوسيولوجيا الثقافة: المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة، مكنز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2006.
  • عبد اللطيف، عادل محمد، استيعاب العمالة العائدة، مجلة المستقبل العربي، بيروت، لبنان، العدد، 182، 1994.
  • كعباش، رابح، الاتجاهات الأساسية في علم الاجتماع: مخبر علم اجتماع الاتصال، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2007،
  • عبد الرحمن، عبد الله محمد، النظرية في علم الاجتماع النظرية السوسيولوجية المعاصرة، د.ط، دار المعرفة الجامعية، الأزريطة، مصر، 2003.
  • عمر، معن خليل، نظريات معاصرة في علم الاجتماع، ط2، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005،
  • الهيتي، عبد الستار، الأبعاد الاقتصادية في هجرة الكفاءات: أسبابها وآثارها، كتاب المعطيات الحضارية لهجرة الكفاءات، سلسلة كتاب الأمة، إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، قطر، العدد 156، السنة 1431هـ/2010.
  • دغار، موران “النهج، إنسانية بشرية، الهوية البشرية”،  ترجمة هناء صبحي. هيئة أبو ظبي للثقافة والثراث، 2009 الطبعة الأولى.
  • ميمونة، مناصرية، هوية المجتمع المحلي في مواجهة العولمة من منظور أساتذة جامعة بسكرة (أطروحة دكتوراه في علم اجتماع التنمية)، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر/ 2011.
  • شريفـة، بريجـة، التغيرات السوسيو- ثقافية وأثرها على الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري: دراسة سوسيو ثقافية لبعض مؤشرات التغير نموذجا عبر بعض المدن الجزائرية، رسالة دكتوراه في علم الاجتماع، جامــعة وهـران كلية العلـوم الاجتمـاعية، الجزائر، 2015/2016.
  • الشرياني، محمد عمر، الهوية في دولة الإمارات العربية المتحدة من 1971- 2004، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، مصر، 2007.
  • الجابري، محمد عابد: العولمة والهوية الثقافية، عشر اطروحات المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، عدد 228، السنة 20، شباط فبراير، بيروت،1958.
  • عبد الغني، أحمد محمود، مقال مشكلات الأقليات المسلمة في الغرب، مقال إلكتروني، د.ت، موقع الألوكة Alluka
  • بركات، حليم، المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغير الأحوال والعلاقات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000
  • وطفة، علي أسعد، الهابيتوس في سوسيولوجيا بورديو، مقال إلكتروني، مجلة مصر المدنية (مجلة ليبرالية علمانية اجتماعية)، 19 مارس 2012.
  • بياريونت، وميشال ايزار، ترجمة مصباح الصمد، معجم الاثنولوجيا والانثروبولوجيا، لبنان.
  • الذوادي، محمود، “ابن خلدون وانزعاجه من تصدع العصبية الثقافية في هوية الوطن العربي” تبين للدراسات الفكرية والثقافية. 2015، طباعة1.
  • الذوادي، محمود، الوجه الآخر للمجتمع التونسي الحديث، تونس: تبر الزمان، 2006.
  • الجابري، محمد عابد، نحن والتراث، المركز الثقافي العربي، دار الطليعة، بيروت، 2051، ط 2.
  • الهرماسي، محمد صالح، مقاربة في إشكالية الهوية (المغرب العربي المعاصر)، لبنان: دار الفكر المعاصر، 2001
  • جوردن، مارشال: موسوعة علم الاجتماع، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، المجلد الأول، ط2، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2007
  • دوريية، جون فرنسوا، معجم العلوم الإنسانية والاجتماعية، ترجمة جورج كيري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2009
  • زينب، بشاينية الغزلاني، التداين البنكي وتأثيره في السلوك الاستهلاكي للأسرة التونسية، رسالة دكتوراه في علم الاجتماع، جامعة تونس، 2015-2016.
  • المراجع الأجنبية:
  • Erving, GOFFMAN, the presentation of self in everyday life, University of Edinburgh. Social sciences Research Centre, Edinburgh s Monograph No2. 1956
  • Dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française, 1994
  • Amartya, Seen, Identity and violence: the illusion of destiny, (New York/London: Norton and Company, 2006
  • CANDAU, Joël« Mémoire et Identité » , France, Puf 1998
  • www.mukalla-online.com 25/02/2013.
  • Geneviève, Vinsonneau , « L’Identité Culturelle», Armand Colin Paris, 2002
  • Postmodernism”, www.infoplease.com, Retrieved 29-3, 2018. Edited
  • Rea, Andrea et Maryse Tripier, La Sociologie de l immigration, la decouverte, Reperes, 2008, Paris.  
  • Karl, Marx, Introduction to A Contribution to the Critique of Hegel’s Philosophy of  Right, February, Progress Publishers, Moscow, 1859

– Stevete, bruce and Steven Yearly: the sage dictionary of sociology, sage publications LTD, first published, London California new-delhi, 2006.

–  Sumpt, Joseph et Michel Hugues, diconnaire de sociologie; Paris , libraire la rousse.


[1] خضر، زكريا وآخرون، دراسات في المجتمع العربي المعاصر، ط11، دار الأهالي، دمشق، 1999، ص49

[2] العرمرم، صفاء، سوسيولوجيا الهجرة، مقال منشور في موقع مجلة العلوم الاجتماعية: بتاريخ:16 ـ 1 ـ 2008

[3] Sumpt, Joseph et Michel Hugues; diconnaire de sociologie; Paris libraire la Rousse. 173. p: 173.

[4] سلطان، ابتسام محمود: التطور الخلقي للمراهق، دار الصفاء للنشر والتوزيع، ط 2، عمان،1410 ، ص 30

[5] CANDAU, Joël« Mémoire et Identité » , France Puf 1998 p.07

[6] صالح، عماد فاروق محمد، مؤشرات تمكين المعوقين من الاندماج الاجتماعي، بحث، جامعة السلطان قابوس، عمان،2001، ص5

[7] الصغير، محمد صالح بن محمد، التكيف الاجتماعي للطلاب الوافدين: دراسة تحليلية مطبقة على الطلاب الوافدين في جامعة الملك سعود بالرياض، جامعة الملك سعود، الرياض، مجلة جامعة القرى للعلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية، المجلد الثالث عشر، العدد الأول، شوال 1421هـ، يناير 2001م، ص 36

[8]  بوطالب، عبد القادر، الاختلاف والتماثل الثقافيان: رؤى انثروبولوجية، مجلة العلوم الاجتماعية الإلكترونية، موقع أنثروبوس الإلكتروني. https://www.aranthropos.com/

[9] جوردن، مارشال: موسوعة علم الاجتماع، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، المجلد الأول، ط2، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2007، ص576

[10] حفيظة، مخنفر، خطاب الحياة اليومية لدى الطالب الجامعي، مذكرة شهادة ماجستير في علم اجتماع التربية، جامعة سطيف، الجزائر، 2013، ص104

[11] زايد، أحمد، خطاب الحياة اليومية في المجتمع لمصري، القراءة للجميع للنشر والتوزيع، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 1992، ص 14

[12] كريب، إيان، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين غلوم ومحمد عصفور، دط، عالم المعرفة، 1999، ص284

[13] كعباش، رابح ، الاتجاهات الأساسية في علم الاجتماع: مخبر علم اجتماع الاتصال، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2007، ص167

[14] زايد، احمد، خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري ، مصدر سابق، ص59

[15] احمد، إبراهيم، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هايدجر، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 2008، ص54

 [16] كعباش، رابح ، الإتجاهات الأساسية في علم الاجتماع ، مرجع  سابق، ص.168

[17] عبد الرحمن، عبد الله محمد، النظرية في علم الإجتماع النظرية السوسيولوجية المعاصرة، دط، دار المعرفة الجامعية، الأزريطة، مصر، 2003، ص216

[18] عمر، معن خليل ، نظريات معاصرة في علم الاجتماع، ط2، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005، ص.295

[19] زايد، احمد، الاتجاهات الأساسية في علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 60-61

[20] حفيظة، خطاب الحياة اليومية لدى الطالب الجامعي، مرجع سابق، ص104نفس المرجع، ص104

[21] جورج، زيمل، السوسيولوجيا والأبستمولوجيا، مقدمة ل”جوليان فروند” (1981,1989،P.U.F) ، ص45

[22] تراكي، بوشرارة زناد، المدينة الذاكرة، مساهمة في علم اجتماع المعيش، منشورات Meridiens Klincksiek. باريس، 1994، باريس، 1994، ص 94

[23] اليحياوي، شهاب، دور الفاعلين في توزيع الفضاء المديني والتغير الاجتماعي: القصبة نموذجا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 2000م، ص72

[24] Erving GOFFMAN, the presentation of self in everyday life, University of Edinburgh. Social sciences Research Centre, Edinburgh s Monograph No2. 1956

[25] سليمان عبد الله أبو كاشف، الهوية الوطنية للفلسطينيين في مصر: دراسة ميدانية (رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، جامعة القاهرة، 1984، ص.45-46

[26] دغار، موران “النهج، إنسانية بشرية، الهوية البشرية”،  ترجمة هناء صبحي. هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2009 الطبعة الأولى. ص 82

[27] ميمونة، مناصرية، هوية المجتمع المحلي في مواجهة العولمة من منظور أساتذة جامعة بسكرة (أطروحة دكتوراه في علم اجتماع التنمية)، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر/ 2011، ص 125

[28] postmodernism”, www.infoplease.com, Retrieved 29-3, 2018. Edited.

[29] شريفـة، بريجـة التغيرات السوسيو- ثقافية وأثرها على الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري: دراسة سوسيو ثقافية لبعض مؤشرات التغير نموذجا عبر بعض المدن الجزائرية، رسالة دكتوراه في علم الاجتماع، جامــعة وهـران كلية العلـوم الاجتمـاعية، الجزائر، 2015/2016، ص49

[30] Geneviève Vinsonneau , « L’Identité Culturelle », Armand Colin Paris, 2002

[31] عبد الغني، أحمد محمود، مقال مشكلات الأقليات المسلمة في الغرب، مقال، موقع الألوكة الإلكتروني. د.ت

 [32] الشرياني، محمد عمر، الهوية في دولة الإمارات العربية المتحدة من 1971-2004، المرجع السابق، ص41

[33] الجابري، محمد عابد: العولمة والهوية الثقافية، عشر اطروحات المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، عدد 228، السنة 20، شباط فبراير، بيروت،1958، ص.16

[34] عبد الغني، أحمد محمود، مقال مشكلات الأقليات المسلمة في الغرب، المرجع السابق، مقال إلكتروني، د.ت

[35] بركات، حليم، المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغير الأحوال والعلاقات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠٠٠، ص ٦٥

[36] بودهان، محمد، المفهوم العامّي للهوية المتعددة: مقال بصحيفة هسبريس الإلكترونية المغربية، 24 فبراير 2013 ، المرجع السابق

[37]  وطفة، علي أسعد، الهابيتوس في سوسيولوجيا بورديو، مقال إلكتروني، مجلة مصر المدنية (مجلة ليبرالية علمانية اجتماعية)،

 19 مارس 2012

[38] بياريونت، وميشال ايزار ترجمة مصباح الصمد، معجم الاثنولوجيا والانتروبولوجيا، لبنان، ص769 –700

[38] شريفـة، بريجـة التغيرات السوسيو- ثقافية وأثرها على الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري، المرجع السابق، ص132.

[39] www.mukalla-online.com 25/02/2013.

[40] Amartya, Seen, Identity and violence: the illusion of destiny, (New York/London: WW Norton and Company, 2006, pp 74-76.

[41] الجابري، محمد عابد، نحن والتراث، المركز الثقافي العربي، دار الطليعة، بيروت، 2051، ط 2، ص 103

[42] الهيتي، عبد الستار، الأبعاد الاقتصادية في هجرة الكفاءات: أسبابها وآثارها، المرجع السابق، (مقال إلكتروني).

[43] وردية، مزيان، الاغتراب الاجتماعي وتأثيره على الهوية الوطنية لدى الشباب الجزائري: مذكرة تخرج شهادة ماجستير في علم الاجتماع التربوي، جامعة العقيد أكلي محند ولحاج، الجزائر،2011، ص.25

[44] أمين، عزام، سيكولوجيا المهاجرين، استراتيجيات الهوية واستراتيجيات التثاقف، مرجع سابق، ص35
________
*المبروك جابر التبيـــني (باحث أكاديمي/ جامعة الملك فيصل السعودية – جامعة صفاقس تونس).

جديدنا