جامعة “أوساكا” اليابانيَّة تناقش سؤال “النهضة” عند مالك بن نبي

image_pdf

يرى مالك بن نبي أن عملية التغيير الفعلية إنما تبدأ بتخلص الإنسان من عقدة النقص والانبهار بإنجازات الغربيين، كذلك بإعادة اللحمة بينه وبين قناعاته الصحيحة وبين عقيدته وسلوكه وعمله، يقول مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة، “حتى يومنا هذا لم يفكر غالبية المفكرين والمثقفين والوعاظ والخطباء جديًّا في حل مشكلات العالم الإسلامي، فعقدة النقص جعلت الدول المتخلفة تتفرج على منجزات غيرها ولم يحدث أن تحركت إلا إذا حضر الآخر، بمعنى تدخل الغرب في شؤوننا، ويضيف بالقول أن التخلف في العالم الإسلامي سببه التفرقة والخصومة فيما بين المسلمين والعداوة والبغضاء بين الطوائف والمذاهب الإسلامية فيما بينها والتجريح والتسفيه فيما بين أطراف الطائفة الواحدة والمذهب الواحد رغم أن الإسلام جاء ليوحد ويجمع لا ليشتت ويفرق.

لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟..، سؤال طرحه الدكتور بلقاسم عبد القادر نصر الدين أستاذ مساعد بجامعة “أوساكا” اليابان في كتاب من تأليف جماعي أعدته وأصدرته دار الأصالة للنشر الجزائر، شارك فيه باحثون ومفكرون من مختلف الجنسيات طرحوا إشكالية تتعلق بسؤال النهضة عند المفكر الجزائري مالك بن نبي، ومن هؤلاء الباحثين الدكتور بلقاسم عبد القادر نصر الدين الذي قال: إن طرح هذا السؤال بهذه الصيغة خاطئ ومفخّخٌ بالمقدس، فحبذا لو طرح السؤال بالصيغة التالية: لماذا تقدم المسيحيون في أمريكا والملحدون في اليابان وتأخر غيرهم في أفريقيا؟  لأن ربط الدين بتقدم وتأخر البشر هو من المغالطات المنطقية، فلو تأملنا تحليل صاحب هذه الدراسة لوجدنا أن السؤال الأول كان في محله حتى لو كان مفخخا كما قال هو أو أنه يخفي قنبلة قد تنفجر في أيّ لحظة، لأن المتحكم في جهاز الضغط على الزرّ لتفجير هذه القنبلة من وراء البحار ولا نعرف متى يضغط بأصبعه على زرّ هذا الجهاز، ولذا ، فإنّ طرح هذا السؤال يخدم الفكرة التي يراد توضيحها لأن المشكلة لا علاقة لها بالدين ( الإسلام) وإنما تفكير وسلوكات المسلمين وبخاصة العلماء والفقهاء لأنهم أغلقوا باب الاجتهاد وحرموا حرية التفكير والتأويل وعلم الكلام، ثم أن السؤال قد يُطرحُ بصيغ مختلف مثل لماذا تأخر الشرق وتقدم الغرب؟ ولماذا تقدم الغرب وتأخر العربُ؟ فهذه الأسئلة تخفي وراءها حقائق مدفونة تريد التيارات الدينية دفنها لأنها كانت السبب في تراجع الأمة، وبالتالي يمكن إعادة إخراجها من جديد وعرضها للتشريح كما تعرض الجثث في المشرحة.

 الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن الغرب تقدم على العرب بالعلم والتقنية رغم أن القرآن الذي أنزله الله على الناس كافة لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وعالجها  وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، لكن تعصب المسلمين وغلقهم باب الحوار والاجتهاد وكفرهم بالعقل  في حل المشكلات كان سببا في تخلفهم، فكم من غير المسلمين من المفكرين والمثقفين لما درسوا القرآن وحللوه وفككوا آياته وكلماته أمنوا بالإسلام واعتنقوه، والأسماء كثيرة لمن أسلموا بعدما كانوا كفارا ومن كفروا بعدما كانوا مسلمين، ولعل واجب الإجابة على سؤال:  لماذا يلحد المسلمُ؟ أي لماذا يغير دينه ويعتنق دينا غير دينه ؟ الرد على هذا السؤال ربما يتطابق مع ما قاله الدكتور بلقاسم عبد القادر نصر الدين وهو أن بعض المقولات المقتبسة من كلام الخلفاء الراشدين كعمر بن الخطاب  اقْتُبِسَتْ بشكلٍ خاطئ، وهو سبب الخلط العشوائي بين ما وصل إليه الإنسان العربي بفضل الدين من قيم إسلامية  (أي التغيير الإنساني الحضاري الذي حصل بين عصر الجاهلية وعصر الإسلام )  وبين ما توصل إليه الإنسان الغربي  بفضل العلم في شتى المجالات، فلا توجد إذن علاقة مباشرة للدين بالإبتكارات الحديثة ( الطائرة، الصواريخ العابرة للقارات، السفن والتقنيات وتطوير الأدوية والتكنولوجيا الحديثة كالحاسوب والفضاء الأزرق) فلا يعقل أن يكون الدين سببا في التخلف، وإنما سبب تخلف المسلمين بشكل خاص هو  ما نجم من تفكيرٍ خاطئٍ وتأويلات غير دقيقة غلفت بطابع ديني، يلاحظ هنا أن التأويلات مقبولة في عملية التفكيك للنصوص حتى لو كانت هذه النصوص مقدسة ( القرآن)  لكي يصل المُؤَوِّلُ إلى الحقيقة، طالما الحقيقة ضالة المؤمن،  بشرط ألا يكون فيها غلوٌّ أو تَعَنُّتٍ، وهو ما لم تقبل به  بعض التيارات الدينية التي لا تؤمن بالتأويل وخلقت العداء بينها وبين العلماء والمفكرين.

اعتمد الباحث في دراسته على  كتاب المفكر الإسلامي شكيب أرسلان بعنوان: ” لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”  ذكّر فيه بآيات العلم والعمل في القرآن، ولذا يرى شكيب أرسلان أن سبب تأخر المسلمين هو الجهل والعلم الناقص وفساد الأخلاق ولاسيما فساد الأمراء (الحكام) والعلماء كما أن تأخر المسلمين سببه التفاسير  والفتاوى الهَدَّامَة ففقدوا عِزَّهُمْ ومجدهم أمام الإنجازات التي ابتكرها الغرب، لقد أشار مالك بن نبي إلى التجربة اليابانية  كمثال، وما أحرزته من  تقدم علمي وحضاري في كل المجالات حيث جعلت من المواطن الياباني صانعا لجميع الوقائع الإجتماعية أي صانعا لنفسه بوصفه كائنا اجتماعيا، دفعه الأمر إلى مناقشة الفعالية في حياة الإنسان المسلم،  موضحا بالقول أن أيّ عملٍ لا يتحقق إلا إذا اتصل بجهدٍ فكريٍّ  ويطلق مالك بن نبي على هذا الجهد الفكري بالمنطق العملي practicallogie، فمالك بن نبي إذن كما يقول الدكتور بلقاسم يرى أن  من أهم مشكلات المسلمين غيلب المنطق العملي على الرغم ممّا توصلوا إليه من العلم، إلا أنهم أعملوا جانبا مهما وهو العقل التطبيقي، وهذا العقل حسبه هو شبه معدومًا، تذكرنا ملاحظة مالك بن نبي بالملاحظة التي قدمها باحث جزائري وهو الدكتور عبد الله حمادي عندما قال أن “التيارات الدينية أعدمت الإسلام بتحريمها علم الكلام” .

المسألة طبعا تتعلق ببناء مهارات التفكير الإيجابي ومهارات الإنجاز الدقيق والمزاوجة بينهما، وهو ما نراه اليوم في المنظومتين التربوية والجامعية في الجزائر (كعينة) اللتان لم تدرب الطلبة على التفكير الإيجابي، كما أن الجامعة الجزائرية لم تربط الجانب النظري بالعملي ( التطبيقي) إلا في السنوات الأخيرة من خلال إبرام اتفاقيات عمل مع المؤسسات الإقتصادية ولذا يواجه خريجي الجامعة عقبات في مواجهة الواقع ومتطلباته، فليس كل نظري قابل للتطبيق في الميدان، فالأفكار إذا لم تجد وسائل لتحويلها إلى أفعال وتجسيدها في الواقع تبقى جامدة من جانب أو آخر فيفقد الطلبة من خريجي الجامعة أو كما يسمونهم بالإطارات أو الكوادر الثقة في أنفسهم وبنظرة واقعية  نتساءل كم من خريجي الجامعة الجزائرية يعملون في مؤسسات لا تتناسب مع  تخصصاتهم واقتحموا مجالات لم يتخصصوا فيها، لسبب من الأسباب هل يعقل ان نجد جامعي يعمل سائق سيارة أجرة؟ وكم من حاملي الشهادات العليا يُدَرِّسُونَ تلاميذ الطور الإبتدائي؟، هذه الأمثلة هي عينة فقط وهي تعتبر قطرة في بحر،  دون ذكر عينات أخرى تتعلق بالممارسات اليومية للدين والسلوكات غير الحضاربة الموسومة بالعشوائية والتسيب والمؤذية غالبا للآخر( الفرد المخالف والفرد المختلف).

يرى باحثون أن المشكل ليس في السعي الجاد لإحياء الماضي بما فيه من أصالة وتراث عربي أصيل ولكن المشكلة في الطريقة، فالتعصب قد يولد الإنفجار والكراهية، فالقرآن الكريم على سبيل المثال لم يقل للمسلم اشتري “باش” واصنع منه لباسا للمرأة المسلمة، يقول الدكتور بلقاسم عبد القادر نصر الدين على لسان مالك بن نبي: “حتى يومنا هذا لم يفكر غالبية المفكرين والمثقفين والوعاظ والخطباء جديًّا في حل مشكلات العالم الإسلامي ، فعقدة النقص جعلت الدول المتخلفة تتفرج على منجزات الدول الكبرى بدون تحريك ساكن ولم يحدث أن تحركت إلا إذا حضر الآخر يمعنى تدخل الغرب في شؤوننا، غير أن عملية التغيير الفعلية إنما تبدأ بتخلص الإنسان من عقدة النقص والإنبهار بإنجازات الغربيين، كذلك بإعادة اللحمة بينه وبين قناعاته الصحيحة وبين عقيدته وسلوكه وعمله، يقدم مالك بن نبي  دولة “ماليزيا” كمثال على الدولة المدنية المتعددة الدجيانات والأعراق واللغات ، استطاعت أن تصنع نهضتها بالتعاون وافشتراك في إنجاز البرنامج النهضوي باستغلال الإمكانيات المتوفرة بطريقة مثلى، فماليزيا ما يقول مالك بن نبي نجحت لأنها احترمت الإختلاف والتنوع وتَقَبُّلِ الآخر زتجنبت الخلاف والتشاحن فاسست مجتمعا مبني على القيم النبيلة، ويقدم مالك بن نبي مثالا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” اثنين إذا صلحا صلح المجتمع كله وإذا فسدا فسد المجتمع كله، هما العلماء والحكام” ، ما اتفق عليه أنه من علامات النهضة حق الإختلاف الثقافي والعقائدي وحركة الفكر والتغيير واستقطاب الأدمغة والمفكرين وردع الفتن مع تطبيق ما يمكن تسميته بـ:  “الإستحقاقراطية” ويراد بها حكم الجدارة على أساس الإستحقاق القائم على الذكاء ودرجة التعليم والتجارب والنشاط وليس على الولاء للمنظومة الحاكمة سياسية كانت أو دينية.

ملاحظة/ “الباش” bash كلمة عامّيّة (جزائرية)  ويراد بها قماش سميك جدا يستعمل في تغطية الشاحنات الصغيرة.

__________

*الأستاذة علجية عيش.

جديدنا