هل يمكن للألعاب الذهنيَّة أن تجعلك أكثر ذكاءً؟

image_pdf

في العقود القليلة الماضية، اكتسبنا فهماً أفضل لكيفية تغير الدماغ في سياق التعلم أو التجارب الأخرى وكيف يمكن للأدمغة المسنة أن ينمو بها خلايا عصبية جديدة. ونتيجة لذلك، كان هناك تحول في كيفية تفكير علماء الأعصاب في كينونة الدماغ من تخيله كآلة معقدة، ولكنها ثابتة إلى مجموعة حية ومرنة من الدوائر التي تعمل معاً لتزويدنا بالعقل. هذه المرونة، تفصح عن نفسها بالتغيرات التي تحدث في بيولوجيا الدماغ، وتسمى علمياً المرونة العصبية الدماغية.

دراسة الراهبات

هناك أوقات في حياتك يكون فيها دماغك أكثر مرونة من غيره، خاصة في السنوات القليلة الأولى من الحياة عندما تقوم كل تلك الخلايا العصبية بتخليق وتوطيد روابطها. لكن ماذا يحدث مع تقدمنا ​​في السن؟

لفترة طويلة، كنا نظن أن تقدم العمر يسير جنباً إلى جنب مع الشيخوخة البيولوجية، وأن بعض الأفراد تمكنوا من البقاء على دراية معرفية فائقة حتى الشيخوخة، ولكنهم كانوا استثناءات وليسوا القاعدة. كان يعتقد بأن معظم البشر محكوم عليهم بتدهور طويل وبطيء في قدراتهم العقلية، ولم يكن هناك الكثير مما يمكننا فعله حيال ذلك.

بعد ذلك، عثر العلماء على مجموعة كاملة مثيرة للجدل، تعيش في بيئة مصغرة لعقود من الزمان، كانت هذه البيئة مشخصة في السيرة العقلية والبيولوجية لحياة مجموعة من الراهبات. في عام 1986، بدأ علماء وظائف الدماغ دراسة طولية للوظيفة الإدراكية في مجموعة مكونة من 678 راهبة كاثوليكية لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم رؤية العلامات المبكرة لمرض الزهايمر والتنبؤ بمن قد تصاب بالمرض في سن الشيخوخة.

كانت الراهبات متشابهات نسبياً في عدد من المتغيرات المهمة التي يمكن أن تؤثر على خطر الإصابة بالخرف: بيئتهن المنزلية، عدم وجود تاريخ لتعاطي المخدرات، قلة الكحوليات، و عدم وجود حالات حمل، وما إلى ذلك. وكن مستعدات للمشاركة في جميع أنواع الاختبارات المعرفية والجسدية، عاماً بعد عام.

قادت دراسة الراهبات إلى خلاصة مفادها أنه يمكننا درء أعراض الخرف، إلى حد ما، باستخدام أدمغتنا بحكمة. كلما زادت الموارد المعرفية التي نمتلكها، والتي نبنيها على مدى عمر من العادات، وليس فقط من خلال مورثاتنا أو خبراتنا المبكرة، كلما زادت احتمالات حمايتنا من عواقب الأمراض التنكسية العصبية مثل داء الخرف.

بالإضافة إلى التبرع بوقتهم وأجسادهن، أعطت الراهبات أيضاً إذناً للعلماء لتحليل السير الذاتية المصغرة التي كان عليهن كتابتها في العشرينات من العمر لدخول الأديرة التنسكية. كلما زادت الأفكار والمشاعر الإيجابية التي جمعتها الراهبات في جملهن، زاد احتمال عيشهن حتى سن الشيخوخة. في بعض الحالات، بدا الأمر كما لو أن دماغاً نشطاً وموقفاً سعيداً في سن العشرين يمكن أن يؤديا إلى 10 سنوات إضافية في الطرف الآخر من العمر.

أدوات تدريب الدماغ

من المهم ملاحظة أن الأشخاص الذين يتقدمون في السن بشكل جيد ويعيشون حياة طويلة ومنتجة يتشاركون سمات معينة. ولكن إذا كانت هذه السمات لا تأتي إليك بشكل طبيعي، فهل يمكنك تبنيها والاستمتاع بنفس الفوائد؟

بشكل أكثر بساطة، هل يمكننا تحسين وظائف الدماغ، بدلاً من تجنب التدهور الإدراكي ببساطة؟ والحقيقة هي أن البيانات التي تجيب على هذا السؤال مختلطة وليست واضحة المعالم.

تقوم شركات متعددة ببيع أدوات تدريب الدماغ المصممة لتجعلك أكثر ذكاءً، من نواحٍ عديدة. أدوات تدريب الدماغ التي طورتها هذه الشركات هي ألعاب حاسوبية يفترض أنها تستهدف المهارات المعرفية مثل الذاكرة العاملة والوظيفة التنفيذية.

يمكن للأشخاص دفع الكثير من المال مقابل هذه الألعاب وقضاء الكثير من الوقت الثمين في لعبها. لكن هل هي أفضل لصحة الدماغ بشكل عام من الطرق الأخرى لتمضية الوقت، مثل التمارين البدنية أو تعلم لغة جديدة؟

الشركات والعلماء الذين يقفون وراء تلك الألعاب سيقولون نعم. يجادلون بأنه، تماماً مثل بناء مجموعات عضلية معينة في جسمك، يحتاج دماغك إلى أنواع محددة من التمارين لإظهار نتائج محددة.

لتقييم فعالية ألعاب تدريب الدماغ، نحتاج إلى التفكير في المهمة أمام هذه الشركات: كيف يمكنهم تطوير ألعاب ممتعة للعب، ولكنها تصقل المهارات التي يمكن لعملائها نقلها إلى العالم الحقيقي في حيواتهم اليومية؟

يأتي النقل بأشكال مختلفة، ولكن فيما يتعلق بألعاب تدريب الدماغ، نريد أن نعرف عن النقل القريب والبعيد. ليس هناك شك في أنه من خلال لعب لعبة فيديو لساعات، ستتحسن في لعب تلك اللعبة، بغض النظر عن عمرك، خاصةً إذا كانت الشركة التي تبيع اللعبة برامجها بطريقة ما تجعلك دائماً تواجه تحدياً، يدفعك لتحسين أدائك خلال عملية اللعب.

ولكن هل ستجعلك ممارسة هذه الألعاب تتذكر قائمة البقالة بأكملها، أين أوقفت سيارتك، أو أي من المهام التي لا تعد ولا تحصى والتي يبدو أن الشيخوخة تجعلها أكثر صعوبة؟

هنا، نتحدث عن الفرق بين النقل القريب والنقل البعيد. يشير مصطلح النقل القريب إلى الفوائد التي قد تراها في المهام التي تشبه إلى حد بعيد لعبة الفيديو التي كنت تتدرب عليها. النقل البعيد هو الضالة الفعلية ومفادها: هل يمكن أن تجعلك ممارسة مجموعة من ألعاب الفيديو أكثر ذكاءً من نواحٍ عديدة ومختلفة؟

في عام 2014، صاغت مجموعة مؤلفة من 70 عالم من علماء الإدراك وعلماء الأعصاب من جامعة ستانفورد توصلت إلى الاستنتاج التالي: إن العديد من الادعاءات المستخدمة لبيع أدوات تدريب الدماغ مبالغ فيها ومضللة.

بالتأكيد، تؤدي ممارسة مهارة ما – سواء كانت العزف على البيانو أو التحدث بلغة أجنبية، أو التدريب على لعبة الذاكرة العاملة – إلى تحسينات كبيرة في المهمة التي تتم ممارستها. وأحياناً، يمكن أن ينتشر هذا التحسن إلى مهارات أخرى مماثلة.

تشير بعض الدراسات إلى حدوث تغييرات دائمة في تأثيرات النقل لقريب هذه، بينما تُظهر دراسات أخرى أن أي مكاسب تتبدد بمرور الوقت. لكن المشكلة هي أننا لم نر دليلاً على حدوث تغييرات دائمة أو مهمة في الوظيفة الإدراكية العامة للشخص في الحياة اليومية حتى مع التدريب المكثف للدماغ. بعبارة أخرى، نحن نفتقر إلى الدليل على أن ألعاب تدريب الدماغ تنتج أي فوائد بعيدة المدى، بما في ذلك الوقاية من الخرف.

لكن الأمر المثير هو أن لدينا الآن مجموعة كبيرة من الأدلة على أنه حتى الأفراد المسنين لديهم القدرة على تعلم مهارات جديدة. لكننا لا نرى دليلاً على أن تعلم هذه المهارات له تأثير قابل للقياس على القدرات الأوسع ذات الصلة بالعالم الحقيقي أو أن تدريب الدماغ يعزز صحة الدماغ بشكل عام. ولكن قد تكون هناك فوائد في الأشخاص المعرضين للخطر، والذين يمكن أن تمنع الحياة العقلية النشطة علامات التدهور لديهم.

دراسات تدريب الدماغ

هناك الكثير من الدراسات والشركات التي تظهر آثاراً إيجابية للتدريب على بعض مقاييس الوظيفة الإدراكية. عادة ما تكون أحجام تأثيرها صغيرة إلى متوسطة، ولا يزال هناك جدل مستمر بين علماء الأعصاب حول معنى هذه التأثيرات وما إذا كانت تمثل دليلاً حقيقياً على التغيير كنتيجة مباشرة للتدريب.

وتكمن مشكلة ألعاب وبرمجيات تدريب الدماغ في أن النتائج الإيجابية المرتبطة بها قد تكون خاصة فقط بنوع مهارة الانتباه التي يتم اختبارها من خلال الاختبارات المعرفية في تلك اللعبة، و من المحتمل ألا تؤدي إلى تحسن عام في الانتباه أو لا تحل المشكلات التي يحتاج الشخص لحلها فيما يتعلق بالتطبيقات الواقعية.

في علم الأعصاب، يتعين علينا تصميم مهام تمثل مضاهاة للمهارات المعرفية في العالم الحقيقي التي نهتم بها إذا كنا نسعى لتنمية قدرات الدماغ وتدريبه. ولكن هذا لا يعني أن التحسين في مهمة واحدة سيكون بديلاً جيداً للتحسين العام في الوظيفة المعرفية.

لكن شركات تدريب الدماغ ليس لديها نفس الأهداف، فإذا كان بإمكانهم بيع لعبة على أساس إظهار التحسن في اختبار معرفي واحد، فإنهم سيفعلون ذلك، لنظرهم إليك كمستهلك يتعين عليه التخلي عن الوقت والمال. والحقيقة أنه يجب أن تكون أكثر ذكاءً وتطلب أدلة على أن التغييرات التي يعدون بها تمتد إلى مواقف في حياتك تسعى إلى تحسينها.

نظراً لأن ألعاب تدريب الدماغ تحظى باهتمام أكبر من صناعة الألعاب وعلماء الأعصاب، فإنها تصبح أفضل وأكثر متعة. لذلك، ليس من السيئ عموماً قضاء بعض الوقت في لعبها إذا كنت تستمتع بقضاء وقتك بها.

ما عليك سوى تقييم تكاليف الانخراط في مثل تلك الألعاب. هل تقضي وقتاً في تلك الألعاب بدلا من قضاء الوقت في التفاعل مع الآخرين، أو تتعلم لغة جديدة، أو العزف على آلة موسيقية، أو تمارس الرياضة البدنية؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد لا يكون هذا هو القرار الأفضل إذا كان تحسن الأداء الإدراكي العام هو ما يقلقك.

هناك العديد من الدراسات التي تُظهر أن الأشخاص الذين لديهم شبكات دعم اجتماعي قوية من البشر الحقيقيين من لحم ودم وليس على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، والمتعلمين النشطين، والذين يمارسون الرياضة أفضل حالاً من حيث الإدراك من أولئك الذين يقضون معظم وقتهم بمفردهم أو يقومون بأنشطة سلبية أو الذين لا يمارسون الحركة بشكل كبير.

كبار السن الذين يلعبون ألعاب تدريب الدماغ غالباً ما يفيدون بأنهم يشعرون بتحسن في أذهانهم وأنهم يستمتعون بهذه الألعاب، وهو أمر رائع. النظرة الإيجابية يمكن أن تقدم فائدة كبيرة عندما يتعلق الأمر بطول العمر والشيخوخة الصحية.

ولكن وفقاً لبعض المقاييس، قد تكون التحسينات المبلغ عنها ذاتياً في الوظيفة الإدراكية أقرب إلى تأثير الدواء الوهمي. ربما لا يهم نوع التدريب الذي تقوم به بالضبط، ولكن الشعور بأنك تمارس بعض السيطرة على الأداء الإدراكي هو المفيد حقاً. تأثير الدواء الوهمي ليس شيئاً سيئاً، ولكنه قد يكون ضاراً إذا كنت تقضي كل وقتك أمام الكمبيوتر بدلاً من أن تعيش حياتك على أكمل وجه.

وقد يكون الأمر أكثر ضرراً إذا أصبحت مقتنعاً بأن تدريب الدماغ يمكن أن يمنع الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر، إذ لا يوجد دليل موثوق على أن ألعاب الدماغ من أي نوع يمكن أن تمنع أو تعكس مسار مرض الزهايمر.

ممارسه الرياضة

يمكن أن تؤدي التمارين القلبية الوعائية المنتظمة إلى تحسين تدفق الدم في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الدماغ، الأمر الذي يتطلب الكثير من العناصر الغذائية والأكسجين. لقد ثبت أن برامج التمرين تعمل على تحسين الأداء بشكل ملحوظ في مهام قياس الانتباه واتخاذ القرار وبعض جوانب الذاكرة. وقد ثبت أيضاً أنها تخفف من فقدان الوظيفة الإدراكية لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية.

عند مقارنة التمارين البدنية بتدريب الدماغ، فإن أحجام التأثير متشابهة جداً. لذلك، سيوصي علماء الأعصاب والأطباء بالتمارين الرياضية بسهولة مثل لعب تدريب الدماغ الأكثر مبيعاً التي صممها علماء الأعصاب. يمكن أن توفر التمارين فوائد أخرى للجسم لا يوفرها الجلوس أمام الشاشة، خاصة إذا كانت التمارين تتضمن تفاعلات اجتماعية أيضاً.

________
* الدكتور مصعب قاسم عزاوي.

**تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.

جديدنا