العلمانيَّة: تشعُّب المفهوم وزئبقيَّة الدلالة

image_pdf

ما الذي يمكن أن يهبنا إياه تقليب مفهوم العلمانيَّة؟ وهي في تقليبه ما يمنحنا حلا أو حلولا لمشكلاتنا الراهنة ويساعدنا على الإجابة عن أسئلة حارقة تشغلنا؟ أليس في إعادة طرحه كل مرّة ما يشير إلى زئبقيّته وتمنّعه عن كل حدّ بل أيضا إلى عسر هضمنا له لا لبلادة ذهن وتكلّس فكر، لكن لمقاومة الأرضيَّة الثقافيَّة لاستقباله؟ لكن أليس في معاودة طرحه ما ينم عن عناد الفكر مقاوما لواقعه ومناضلا ضد السائد والموروث الجليل؟ إن العلمانيَّة لمقلقة لا من جهة فهمها وتتبع دلالاتها بل من جهات عدّة، ذلك أنها تكشف في آن عن أزمة حقيقيَّة ينبغي علينا نحن من ندّعي تملّك المعرفة ومن آل إلينا أمر نشرها الاعتراف بها فهل القول بأن هذا المشغل خاص بالخاصّة وعِلْية القوم دون الرّعاع والعوام الدون وأن طرحه لا بد أن يقصد أوساطا بعينها، ما يشير فعلا إلى خوفنا من ولوج الفضاء العام وتركه للمشعوذين وتجار الدين والجهلة من سقط المتاع، أم أن عُود المثقف العربي ما زال غضّا طريّا لا يقوى على مقاومة من استوطن هذا الفضاء يمنع تطوّره بطرح إشكالات خارج سياق التاريخ ولا يزال يستنشق لَوَثَ القرون الغابرة ويتنفّس هواءها الفاسد؟

إننا بهذا السؤال نتوسّط حربا ضروسا تدور رحاها بين فريق علماني لا يرى في الدين إلا دجلا وجهلا عميما وهو في عناده يتناقض مع ذاته، فبدعوى العقلانيَّة والروح النقدي للموروث الثقافي يخلق روحا دغمائيا عنيدا ومعاندا لا يقوى أن يرى في الدين سؤال الروح عن المصير وحياة ما بعد الموت والخلود وملاذًا للإنسان زمن الكوارث والمحن. إن علمانيي عصرنا أشدّ تشدّدًا من أعداء العقل ذاته ومن رجال الدين لكونهم يخالفون واقع العصر ويتعامون جهرا عن مسار التاريخ، فما يحث اليوم في العالم هو عود ديني جامح ينبغي فهمه وتفكّره وتعقّبه وليس التغافل عنه، فالأفراد كما الجماعات الدينيَّة وفي كل مكان تقريبا لا يطلبون التحرُّر من الدين بل الاعتراف بمسالكهم الروحيَّة وحقّهم في ممارسة شعائرهم وتتبُّع مساراتهم الروحانيَّة كرهًا لماديَّة سمجة تطبّق على العصر، وفراغًا يسكن الإنسان المعاصر، فراغ نبّه إليه وحذّر منه نقّاد الحداثة من مدرسة فرونكفورت وأشياع نيتشه إلى كازانوفا وتايلور وغيرهم كثيرون كل تناولها من زاويته وفضح خيانتها لما وعدت به، فلم تحقِّق الرفاه الموعود، ولا التقدُّم المزعوم ولا الحريَّة للجميع بقدر ما ضاعفت أشكال الشقاء والاغتراب وزادت من حدّة التبعيَّة ونوّعت من الأصفاد التي كبّلت البشر. في المقابل يثير السؤال عن العلمانيَّة سخط المتدينين ويزيد من غلاء الحركات الدينيَّة فالشيوخ الذين انتصبوا محامين عن الله ومدافعين أشداء عن ملكوته يرون فيها كفرا محيقا لا دواء له إلا القتل وإراقة الدم، ويعتبرون القائلين بها شياطين إنس ومغتربين ألهتهم حضارة الغرب الكافر ومنتجاته الماديَّة عن السبيل القويم فعدّوا فكرهم شركا وجهالة.

إنَّ تفكُّر مفهوم العلمانيَّة ومراجعة شحنته الدلاليَّة ولاّدة لا لكونها تعِدُنا بفتح جديد في سماء اللفظ بل كذلك لكونها تعيد فهمنا له فنستعيد بذلك فهم أنفسنا، فَهْمًا لنفس الإنسان يتوق إلى فضاء عمومي خلاّق يكون الحوار العقلاني فيه ممكنا. يهبنا تفكُّر المفهوم أولا وعينا بسذاجة الحلم الأنواري الذي اعتقد أنَّ مزيدًا من التقدّم والعقلانيَّة سيؤدّي حتمًا لخفوت الديني وموت الله، لندرك أنَّ زمننا يشهد عودا للديني متنكّرا حينا وصريحا أحايين كثيرة، فالدين اليوم ما زال يلهم البشر ويخلق الثورات ويسكن الأفئدة. إنَّ أزمنة الكوارث كتلك التي خلقتها جائحة كورونا أو الحروب والزلازل تزيد من أسهم الدين، وتتحوّل دور العبادة من كنائس وأديرة ومساجد وزوايا إلى وجهة يسألها الناس يسألون اللطف والمغفرة ويلتقون بالله فليس ثمة ما أقلق البشر قدر خلوّ الساحات من المتعبّدين من مكة إلى الفاتيكان وخلوّ دور الله من المتعبّدين. كما توجّه الناس لرجال الدين والقدّيسين يسألونهم حين كنا ننتظر أن تشرئبّ الأعناق للأطباء ومراكز صنع الأدوية وتطوير اللّقاحات والعلماء، فهل عجز العلم عن سد حاجة الناس أم هو طبع البشر أن ينتظروا دوما رحمة السماء لقاطنة الأرض؟ إن هذا التوجّه يخبرنا بَعْدُ أن وعد الأنوار لم يكن حقا كما ادّعى من ادّعى أننا نسير نحو زمن سيضمر فيه الدين وتتلاشى فكرة الله.

 إنَّ اعتقادنا بأنَّ تراجع الديني وتقلّص أعداد المتدينين لم تكن فكرة دقيقة أو على الأقل كانت فكرة غير كافية ذلك أن عدد الملاحدة يتراجع وصوت المعادين للدين جهرا صار أكثر خفوتا كما أن عدد الدائنين بالعلمانيَّة أسلوب حياة ظل يتراجع باستمرار. لذلك تكون استعادة تفكّر العلمانيَّة مفهوما فرصة سانحة للطرفين، للمتدينين ليعيدوا مراجعة تصوّراتهم كشرط لولوج الفضاء العمومي وللعلمانيين ليتفكّروا أيضا مواقفهم من الدين ويعدّلوها حتى تصبح أكثر انسجاما مع الواقع ومع ما يدّعونه من روح نقدي.  وأول ما تخبرنا به هذه المراجعة أن العلمانيَّة مفهوم ظهر في الغرب وارتبط أشد ارتباط بالدين اليهودي-المسيحي الذي لم يُعْدِم منذ بداياته فصلا بين التيولوجي والسياسي وبين الربوبي والدنيوي وأن تأصيله جاء مع حركات الإصلاح الديني بدء من الحركة الغريغوريَّة 1250 وقد أرادت تلك الحركات في مسار تاريخها الطويل والمعقّد ترتيب علاقة جديدة بين الكنيسة والفضاء الخارجي وبين زمن الله وزمن البشر ، فكانت ترتيبا أو إعادة ترتيب للفضاءين الزماني والمكاني.

العلمانيَّة: ترتيبٌ للفضاء الزماني

 يؤكِّد تايلور أن العلمانيَّة حدث غربي بامتياز لذلك لا يمكن فهمها خارج هذا السياق. هذا لا يعني أن بقيَّة الشعوب والمجموعات البشريَّة لم تستطع أن تعلمن مجالاتها، ولا أنها لم تعرف في مسار تاريخها محاولات للفصل بين الديني والدنيوي، بل يعني أساسا أن نشأة المفهوم وتطوّره قد حدثت في سياق غربي هو الذي سيحدد تاريخها ودلالاتها لذلك يقول تايلور :”نحن نفكّر في العلمانيَّة بوصفها سيرورة بعينها يمكن أن تحدث في كل مكان (وهي وفقا للبعض تحدث فعلا في كل مكان) وكذلك نحن نفكّر في نظم الحكم العلمانيَّة بوصفها خيارا متاحا لأي بلد، سواء تم تبنّيها بالفعل أم لا، ويقينا، هذه الكلمات تظهر في كل مكان، ولكن هل هي حقا تعني الشيء نفسه في كل مرّة تُقَل؟ أم هل ثمة عوضا عن ذلك، فروقات دقيقة من شأنها أن تشوّش على النقاشات البين ثقافيَّة لهذه الموضوعات[1]

هذا يعني أننا اليوم بصدد علمانيات وهو ما يزيد من عسر مهمة تحديد دلالة العلمانيَّة لكن وثق المفهوم لفضاء تجلّيه هو ما سيهوّن المهمة، هذا ما دفعنا للقول أنه حدث غربي لا يمكن فهمه إلا في سياق هذا التاريخ، وأن انتقاله أيضا لم يكن مجرّد نقل لنموذج جاهز أو وصفة معدّة سلفا بل تتبع دوما عمليَّة النقل تغييرات وتحويرات كشرط للنجاح تجعل العلمانيَّة أسلوب حياة ينسجم مع المجموعة الثقافيَّة التي همّت بنقله ليجيب عن أسئلتها ويحلّ مشكلاتها فـ:”الأفكار وأشكال الممارسات لا تُنْقَلُ كحجر، هكذا وببساطة، بل تخضع مع كل انتقال لتحوير وإعادة تأويل وتوهب معان جديدة في كل مرّة.”[2]

ولأنَّ العلمانيَّة حدث غربي بامتياز فإن دلالتها قد تحدَّدت في سياق تاريخ هذه المجموعة البشريَّة، ولكون تاريخ المجموعات ليس خطيّا ولا يتقدّم دوما من نقطة أدنى في اتجاه نقطة أعلى، فإن تتبّع المسارات والإلتواءات وربما التراجعات والانحدارات والانكسارات كما الانتصارات يصبح جزءًا من فعل التأويل :”لأننا قد نفقد في هذه الحالة، يقول كازانوفا، ذاكرة التاريخ المعقّد والمتراكم ضمن المفهوم ونجد أنفسنا بدون فئات تصنيفيَّة ملائمة لمسح هذا التاريخ وفهمه.”[3] فالمراكمة التي تحصل في مسار التاريخ تزيد للمفهوم طبقات جديدة وتثريه بمعاني جديدة لتنزع عنه دلالات قديمة وتنفض أتربة وتزيل ترسّبات تكلّست، وتقوّض معاني ضاق بها الزمن.

 إنَّ التأكيد على الجذور الدينيَّة للعلمانيَّة لم يعد يثير دهشة الفكر لكثرة ما قيل فيه[4] فالمفهوم تبلور ونشأ في أحضان الكنيسة ذاتها، ولا أحد كان يتصوّر أن الديني كان يُعِدُّ شروط تحرُّر البشر منه لتنمو مكانه نبتة الإلحاد وتزهر فتنافحه وتضدّه وتعاديه. أليس ذلك من “حيل التاريخ” إن فهمنا التاريخ هيغليّا؟ أم أن الأمر لا يزيد عن تطوّر معقّد ومركّب لفكرة أجبرها أن تنكر جذورها كما يكون تحوّل الدودة إلى فراشة مؤذنا بولادة كائن جديد لا علم له بما كان ولا علم لما كانه بما أصبح عليه؟

 يشير لفظ علماني Sæculum في اللسان اللاتيني إلى معنى فترة زمنيَّة طويلة نسبيا وهي رديف لكلمات مثل زمن وعهد وقرن، وستحتفظ الألسن الغربيَّة بعد تشكّلها بهذا المعنى الأخير من قبيل Siècle, siglo, Centry ورديف اللفظ في اللسان اليوناني  aiôn وهذا ما يجعل من لفظ الدهر والأمد والحين ترجمة للمعنى في حرفيته في لغتنا العربيَّة.

 لا يوجد إذن في اللفظ ما ينبئ بما هو درامي، فهو يشير إلى الزمن الدنيوي أو “زمن هذا العالم” في تقابل وتضاد أيضا مع “زمن الأصول” أو زمن الخلود” بعبارة مرسيا إلياد أي الزمن الأعلى وهو زمن الله إن شئنا. وإذا كان الأول فإن وزائل ومحكوم بالفوت فالثاني أزلي لا يفوت، إنه زمن يمتد إلى “أبد الآبدين”. ليس من الغريب إذا أن يكون لفظ الدهر عندنا هو الزمن كله،. لذلك فالعلماني هو الدّهري شرط أن نزيل ما التصق به من دلالات ترسّبت تاريخيا لتجعل تناولنا له معياريّ حيث يستضيف اللفظ حال نطقه فرقة الدهريين التي اتهمت بالزندقة والمروق عن الدين والكفر به لقولهم بعدم وجود إله فلا مهلك لنا إلا الدهر، ونعثر في كتب الأولين للسير والتاريخ أنها فرقة وجدت قبل ظهور الإسلام تقول بقدم العالم فتنكر الصانع مقتفين أثر أرسطو في القول بقدم العالم ودوام حركة الأفلاك. ويقال الدّهري من يقول بقدم الدهر وإسناد الأحداث إليه، ومنهم من قال إن الله عندما خلق الكواكب والأفلاك وأتمّها دارت عليه، ومنهم من يقول إنَّ العالم دائم لم يزل ومازال فلا تغيّر يعتريه. يبدو أن استبعاد ذلك في ثقافتنا غير ممكن وقد ثبّت النص القرآني الدلالة السلبيَّة للفظ لقولــه تعالى:”وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يُهْلِكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنّون.”[5] ويشير لسان العرب إلى أن لفظ الدهر يُحْمَلُ على معنى الأمد الممدود من الزمن ويقال الدهر على الحين الذي يقع على الدنيا كلها، ويشير البعض إلى أن الدهر الأطول يقع على مدّة الدنيا كلها.

أما اللفظ الثاني الذي يمكن أن يُحْمَلَ عليه لفظ علماني فهو الدنيوي أي ما يتصل بالحياة الدنيا مقابل الآخرة، وهذا ما يكشف عن خطأ شائع في استعمال اللفظ إذ يُقَال عِلْمَانِيٌّ بدل عَلْمَاني بكسر وليس بنصب، بما يجعل اللفظ في صلة بالعِلْمِ كرؤية عقلانيَّة للعالم تقطع مع التفسير الأسطوري والسحري والديني في حين أنه لفظ يشير إلى انغراسنا في العالم وانتمائنا لزمنه العادي والمتجانس والمتمايز عن الزمن المقدّس وهو بحكم ذلك دهر.

اللفظ إذن يشير في دلالته الأشدّ بساطة والأكثر جلاء إلى شؤون هذا العالم، مقابل الشأن الروحي الذي لا يكون في صلة بالدنيا بل بـ”مملكة الرب” بعبارة القديس أوغسطين، وهو ما يُحْدِثُ فتحة على المكاني.

 العلمانيَّة: ترتيب للفضاء المكاني

لا يتضمَّن لفظ علماني ما يحيل إلى ما هو دراماتيكي، بل وعلى العكس من ذلك يجعلنا بصدد كلمة “قانونيَّة” بعبارة كازانوفا أو “ترتيبيَّة” بعبارة تايلور لأنه يقوم بترتيب عالمين متمايزين عالم روحاني والثاني زمني ووفقا لهذا المعنى فإن الكنيسة كموقع هذه المرة تقع في “مملكة الرب” أو على الأقل توجد في عالمنا كممرّ أو جسر نحو مملكة الله لذلك تجعل مما هو خارج عنها “علماني” أي يقع في هذا العالم، خارج أو على الأقل أمام الكنيسة. وفي الكنيسة هنالك رجال نذروا أنفسهم للرب لأنهم بحسب عبارة ماكس فييبر التي يستعيدها تايلور مع اختلاف في الموقف العقلي منها من “أولي العزم” فقد انسحبوا من الدنيا ليقيموا في مملكة الله، ويسيروا وفق شرائعها من هنا سُمُّوا إكليروسا نظاميّا أو قانونيا Regular Clergy مقابل إكليروس علماني Secular Clergy يقوم بتنظيم عالم الدنيا وإعداده للالتحاق بمملكة الرب وذلك بتنظيم وتطهير الناس العاديين. ولكون الرهبان نذروا أنفسهم وحياتهم للعالم الآخر أو لعالم الآخرة بعبارة أدق فهم في حاجة للائيك أو العلمانيين –ولفظ لائيك الفرنسي مشتق من لفظ Laos الإغريقي الذي يشير إلى عامة الناس مقابل رجال الدين-، إنهم في حاجة أكيدة للائيك أولا في المهام “القذرة” ذلك أن مهمة معاقبة الهراطقة والمارقين عن الدين إذ لا يجدر أن يلطّخ الإكليروس الديني أيديهم بهكذا أعمال ولا ذلك جدير بهم وبمنزلتهم لذلك يفوّضون عمليات القتل والسحل والتعذيب والحرق وملاحقة المارقين لأيادي علمانيَّة aux mains séculières، ثانيا أنه إذا كان الإيكليروس النظامي يُدِيمُ الإقامة في الأديرة والأبرشيات والكنائس للتعبّد والتقرّب للرب وينظم حياته لرهبانيَّة وفقا لقوانين هي ذاتها رهبانيَّة monacle في انتظار التحاقهم بعالم السماء عالم الحياة الأبديَّة، فإن تنظيم العالم وربط علاقة بين العالمين تبقى موكولة للكاهن العلماني المطالب إلى جانب ما تقدّم بإطعام هؤلاء وإكسائهم.

إنَّ أساقفة الأبرشيات العاديين علمانيون لكونهم يعملون في الخارج هناك في القرن إن شئنا، مقابل نظرائهم المترهبنين في الأديرة الذين يعيشون وفق قواعدها. تكتسب العلمنة في هذا الفضاء دلالة جديدة إذ تشير إلى عمليَّة نقل ممتلكات وأشياء الكنيسة أو هي في الأصل ممتلكات تقع بين يدي الكنيسة إلى أناس عاديين، ولم يكن في النقل ولا زامنه منحى درامي كما أشرنا، بل كان مجرّد عمليَّة لإعادة ترتيب الحيّز دون مسّ بسماته الأساسيَّة.

لقد كان لفظ العلمانيَّة في منبته ونموه ديني فما الذي حدث، وكيف حدث ما حدث ليصبح اللفظ اليوم في تعارض تام مع الدين بل أن البعض يجعل العلماني نقيض للدين ورفض صريح للزمن الديني؟ كيف أمكن لنا نحن المُحْدَثُون أن نطابق بين العلمانيَّة والإلحاد حيث سيزيل الإنسان فكرة الله ليتنزّل منزلته؟ كيف أمكن للعلمانيَّة أن تكون رديفا لسكنى عالم بلا رب؟ أليس في انسياقنا وراء تأويليَّة اختزاليَّة للعلمانيَّة وللحداثة برمّتها ما يجعلنا نعادي الديني بإطلاق؟

إن إعادة النظر في هذه التأويليَّة يمر عبر تتبع مسار تشكّلها والوعي بالتغيرات التي مرّت بها في كل مرة لتهبها معاني جديدة تتّصل حينا وتنفصل أحيانا عن الدلالات السابقة. وقد كان لحركات الإصلاح الديني إسهام هام في مسار التحوّل بما سمح من القطع مع واقع الحروب والاقتتال الذي غذّته ونمّته نحو واقع الاستقرار والسلم المدني الذي أنشد تطويرا للحياة اليوميَّة واتّفاق عقلاني يُنْهِي حالة الاحتراب والاقتتال الطائفي وفرض الانضباطيَّة كعلامة مميّزة للتديّن والذي أذن باستبدال معايير السلوك القديمة بوصفها معايير المنزلة الاجتماعيَّة ففي حين كان السيف والفروسيَّة علامة على النبالة تأسس تصوّر جديد يجعل من الكياسة واللباقة معايير جديرة بالتنميَّة وتقرّب الإنسان من ربّه وتُظْهِر حقيقة تديّنه.

 لقد أسَّس غروتيوس لتصوّر جديد يعتقد بموجبه أن الله أودع فينا قانونا طبيعيا يتّسق مع طبيعتنا العاقلة ويستمر في توجيهنا في غيابه. وإن كان ليس بمقدورنا أن ندّعي أن هذا السياق الفكري قد ألغى نهائيا فكرة الرب في تفسير العالم فإننا على ثقة بتأثيرها الواضح في انسحاب الله من الوجود الاجتماعي وتبلور مجتمع اتّفاقي قوامه عقد اجتماعي يتساوى فيه الأفراد ومن غايات هذا العقد “(الـ)غايتين (الـ)عظيمتين الأمان والازدهار أصبحتا من الآن فصاعدا الهدفين الأساسيين لمجتمع منظّم.”[6] هذا ما سيجعل العلمنة مسار لاستقلال فضاءات الوجود الإنساني.

 علمنة فضاء الاقتصاد:

من البديهي القول إنَّ حركات الإصلاح الديني كانت نتاجا لأسباب غير أن ذلك لا يمنع من القول أنها هي ذاتها ستكون سببا عميقا في تغيّر المتخيلات الاجتماعيَّة القائمة وإنتاج متخيل اجتماعي جديد كل الجدة لم تعهده المجتمعات السابقة. وليس من الغريب أن يتصوّر الأفراد الذين يعيشون في متخل اجتماعي أن أفكارهم وطرق سلوكهم وفهمهم هي الوحيدة الممكنة وقد يندهشون لما كان عليهم سابقيهم، بهذا المعنى نندهش نحن من أفكار وممارسات السابقين وبجهد افتراضي نعتقد أن السابقين لو قُيِّضَ لهم معرفة أفكارنا وسلوكاتنا سيندهشون بدورهم. إن هذه الملاحظة التي نسوقها إنما لندرك التغيرات العميقة التي طالت الواقع الإنساني في مسار علمنته. لنعد إلى حركات الإصلاح الديني التي أمكنها إحداث تغيّر في معنى الدين والتديّن من إحداث تبدّل جوهري في حياة الناس الغربيين، ذلك أن الإيمان قد قطع مع الطقوس والتعبّد وابتعد المؤمنون عن الاحتفالات الصاخبة والماجنة وعن الاختلاط الجنسي نحو حياة تقويَّة تقوم على رفض فكرة الوساطة والابتعاد عن العنف والتشدّد وحياة إيتيقيَّة قوامها القبول بالآخر بعد حروب دينيَّة واحتراب طائفي دفع الناس البسطاء ضريبته غاليَّة. لقد أصبح الأفراد في الغرب يرون أنهم “مسؤولين عن عالمنا.” والمسؤوليَّة تعني الاستفادة من خيرات العالم وتنمية شروط حياتنا لتظهر نعم الله علينا. هذا ما أدى إلى تبدّل جوهري في دلالة الإيمان الذي كف أن يكون التماسا للفقر وحياة الكفاف والتقشّف ليكون انغراسا في الحياة العاديَّة، حياة كل يوم إن شئنا وهو ما جعل الناس يقبلون على الزواج والعلاقات النفعيَّة وعلى العمل فالحياة الجيّدة لم تعد حياة التعبد والتأمُّل بل صارت تسكن الإقبال على ما هو مادي والانتفاع بالخيرات التي أنعم الله بها علينا.

 إنَّ الانتقال نحو عالم يكون فيه التمتُّع بخيرات العالم والتوجُّه نحو الكسب وجمع الثروة ونشدانًا لرفاه قد اقتضى وضعًا من السلم الاجتماعي أو المدني يكف فيه الناس عن الاقتتال والفوضى والصراع ليتجهوا إلى تنمية حياتهم. هذا الوضع الجديد كان نتاجا لتصوّر جديد للمجتمع افترض بموجبه غروتيوس وبيفندورف وج لوك وجود حالة سابقة للوجود الاجتماعي هي الوضع الطبيعي. لقد وهبت فكرة الحالة الطبيعيَّة مبدأين أولهما المساواة التامَّة بين الأفراد فالوضع الأوّلي هو وضع التساوي وثانيا أن الاجتماع اتّفاق تعاقدي، والتعاقد يرتبط بغايات تتمثل في تنميَّة الوجود وازدهاره وضمان تحقيق المنافع الخاصة للمتعاقدين. إننا نتجه نحو عالم جديد كل الجدة تحكمه فكرة “اليد الخفيَّة” العزيزة على الليبراليين فالأفراد المتنافسين والمدافعين عن منافعهم الشخصيَّة ورفاههم الخاص يتشابكون ويتعاضدون في تعارضهم وتعاندهم من أجل تبادل المنافع. إن هذا الوجود الاجتماعي يشترط السلم الأهلي فتنمية الحياة تفترض وجود أفراد “منظبطين” ومتحمّسين للحياة العاديَّة يقبلون على العمل والإنتاج لا يرضى بكفاف يومه بل غايته الرفاه ومباهج الحياة التي لم يوجدها الله إلا لننعم بها.

هذا المتغيّر غيّر نظرتنا للمجتمع الذي أصبح من الآن فصاعدا منظومة متداخلة لنشاطات التبادل والإنتاج والاستهلاك، ويضمن التنافس تبادل المنافع بين الأفراد وهو ما سمح بفهم المجتمع الاقتصادي في استقلال تام عن الدولة فـ:”بالنسبة لأبناء العصر الحديث، لم يعد المجتمع المنظّم مكافئا للدولة أو نظام الحكم. فما إن نكتشف العمليات المجرّدة عما هو شخصي جارية من وراء ظهور الفاعلين حتى نتبيّن وجوه أخرى للمجتمع تُظْهِرُ نوعا من النظاميَّة الشبيهة بالقانون. والاقتصاد الذي تقوده اليد الخفيَّة واحد من هذه الوجوه.”[7]      

إن العلمنة في هذا السياق أخذت معنى الدنيوة التي تعني في ما تعنيه أن الحياة العاديَّة حياة الزواج وتربية الأبناء والعمل وتنمية الثروة هي الحياة الجيّدة فخفت بذلك الابتهالات وتراجعت الصلوات وبدأ زمن إخلاء دور التعبّد، إذ يمكن للمؤمن أن يعبّر عن إيمانه بطريقة أخرى.

 علمنة الفضاء العام والفضاء الخاص:

 لا شك أن الفضاءين العمومي والخاص ليسا مفهومين محدثين لم تعرفهما المجتمعات القديمة، كما أن انفصالهما ليس حدثا مُحْدَثا لكن طبيعة هذين الفضاءين وطبيعة اشتغالهما كانت غير مسبوقة وهي العنوان الأبرز للعصر الحديث الذي هو عصر علماني بامتياز. إن الفصل بين المجال الخاص أو ما يسميه أرسطو تدبير المنزل وبين المجال العام كان حاضرا بقوّة عند أرسطو، فما يقع في المنزل يظل بعيدا عن أعين الآخرين فللسيد مطلق الحق والحريَّة في اختيار طريقة معاملة الزوجة والأبناء والعبيد بوصفهم أشياء يملكها، أما في الفضاء العمومي فيتم تداول ما هو مشترك وعام بين المواطنين الأحرار مع استثناء العبيد والنساء والأطفال والغرباء. كما أن الحضارة الرومانيَّة بدورها قامت على فصل شبيه بين المجالين وأكدت حق النبلاء، نبلاء الحرب والأرض في أن يدلوا بآرائهم في الشأن العام.

ينطلق المجتمع الحديث في بناء تصوّره للمجالين العمومي والشخصي من إحداثيَّة مختلفة كليا، إذ ما دام لنا وجود سابق عن الوجود الاجتماعي والذي قلنا أنه وضع طبيعي فإن المدنيَّة ليست طبع ولا أصل كما اعتقد أرسطو بل هي اتفاق بين أفراد متساويين قرروا تشكيل جسم سياسي له غايات دنيويَّة متّفق حولها. فغاية الدولة هي تنميَّة وجود البشر وتحقيق الازدهار والتعاون والتنافع. هذا الفهم الجديد أنتج معنى جديد للدولة بوصفها أداة مطالبة بأن تحكم بين الناس من خلال المنطق العمومي وأن تحقّق الرفاه والازدهار والأمن وتضمن الحريَّة ليتحوّل المجتمع إلى مصدر للشرعيَّة فالأفراد وبوصفهم يشكّلون المجتمع المدني يمارسون سلطة حتى وإن كانوا لا يمثلون السلطة وليسوا هم السلطة ولا جزء منها.

إن الفضاء العام الحديث هو فضاء يلتقي فيه أفراد يتساوون في الكرامة والحريَّة ويختلفون في التصورات والمصالح وهو ما يدفعهم لبناء حوار عقلاني أو محادثة بفضل ما يتوفّر من وسائل إعلام كالصحف والكتب والقنوات التلفزيَّة والإذاعيَّة ويمكن أن نظيف اليوم وسائل الاتصال الاجتماعي مثل الفيسبوك والأنستغرام والتيك توك وفي بعض الفضاءات كالجامعات والصالونات والمقاهي والبرلمانات يجدوا فيها ملجأ لتداول ما هو مشترك، “فالمجال العام كان طفرة في المتخيّل الاجتماعي وكنت هذه الطفرة حاسمة الأهميَّة لتطوّر المجتمع الحديث وكانت خطوة هامة في المسار الطويل.”[8]

 يتميّز الفضاء العام باستقلاله الكلي عن البنى السياسيَّة وقد تم وفي مسار علمنة هذا الفضاء إفراغه تدريجيا من الديني بانسحاب فكرة الله والروح الديني والماورائيات إلى الفضاء الخاص. لقد أصبح الدين في المجتمع الغربي الحديث مسألة شخصيَّة ومحميَّة فللأفراد الحق مطلق الحق في القيام بطقوسهم وأداء شعائرهم دون إحراج ولا إرغام لكن هناك في المنزل أو المسجد أو الكنيسة أو أي دار من دور العبادة. أما في الفضاء العام فيجب أن يكون الأفراد محايدون ومتجانسون. ولكون المدنيَّة محض اتفاق بين أفراد قرروا العيش معا فإنهم هم مصدر الشرعيَّة ويشكلون بصراعاتهم وتنافسهم وحواراتهم ومحادثاتهم وقراراتهم والتي يجب أن تظل جميعها عقلانيَّة تستبعد كل ما هو عنيف المصدر والمتكأ الذي يحكم من خلاله الحاكم، الذي لم يعد مختارا من الله ولا خليفة له بل خادم للأفراد. في هذا الفضاء المعلمن انفك الأفراد عن الزمن المتعالي لينغرسوا في الزمن المحايث وهو زمن عادي ومتجانس.

علمنة فضاء الحكم:

بعلمنة الفضاء السياسي تكون العلمانيَّة قد تبلورت وضمنت الانتقال الثالث محدثة بذلك تبدّل عميق في المتخيل الاجتماعي الذي أكسب الممارسات الاجتماعيَّة دلالات جديدة. لقد تم تجاوز مصدر الشرعيَّة الذي قامت عليه المجتمعات القديمة حيث يستمد الحاكم مشروعيَّة الحكم من ارتباطه بالسماء لتمتّعه بجسدين، جسد متعالي يتقاسمه مع الكائنات السماويَّة الروحانيَّة وجسد أرضي يحضر به في العالم بين الناس والأشياء. أكسبه هذا الحضور المزدوج إن شئنا اليد الطولى إذ هو يحكم الناس “العاديين” باسم الرب لذلك حوّلت الشرعيَّة المطلقة السلطة إلى مطلق لا يدركها نقص أو فوت وعُدَّ كل خارج عنها كفر ورجس شيطاني. في هذا الفضاء لم يكن للثورة ولا للمعارضة من معنى كما نفهمه نحن المحدثون بل عُدّت شكلا من الكفر والمروق عن الصراط المستقيم. لقد شهدت المجتمعات الغربيَّة أعظم تحوّل في التاريخ الإنساني حيث أصبحت الدولة “أداة” لتحقيق غايات ماديَّة تتمثَّل في الازدهار والرفاه وتوزيع الخيرات على الناس بوصفهم مواطنين. هذا ما جعل من الحاكم “خادما” للـ”شعب” ولم نختره لورعه وتدينه بل اخترناه اختيارا حرا وديمقراطيا لإيجاد السبل الكفيلة بضمان تحقيق تلك الغايات ويمكننا الخروج عليه ومقاومته لأن ما يربطنا به هو عقد مدني لا يتعلّق “بنجاة الأرواح” كما أكَّد ج لوك بل بتنظيم الوجود الاجتماعي حتى يتلاءم مع غاياتنا الماديَّة.

بعلمنة الوجود الاجتماعي لم يعد للموروث من قداسة بل أصبح يقبل المراجعة والشك والإنفكاك عنه إذا ما التمسنا سبل التقدّم. فتصوّر زمن دنيوي جعل أشكال الوجود الاجتماعي تقبل التغيّر فتنزّل مفهوم الثورة منزلة هامة في الفكر السياسي. إن العلمانيَّة في هذا المسار هي انفصال للدولة عن الدين والذي لم يتشكّل في مسار واحد بل مسارين وتجربتين مختلفتين.

تجربتين للعلمانيَّة: علمنة الدولة وعلمنة المجتمع:

تعتبر الثورة الفرنسيَّة والثورة الأمريكيَّة تجربتين رائدتين في الممارسة السياسيَّة “الأهم في تاريخ البشريَّة” لذلك أولاها الدارسون ما تستحق من العناية والتأويل لاختلاف مساريهما ونتائجهما على المجتمعين. المبدأ الذي قامت عليه الثورتين ويمثل مشترك بينهما هو رفض الحكم المطلق المستند على مرجعيات مفارقة في سبيل بناء حكم ديمقراطي يستمد شرعيته من الشعب. غير أن الفوارق بينهما جسيمة فقد حضر عند الثوّار في أمريكا ما نسميه “خلفيَّة” يؤسسون عليها البديل الممكن إذ رفضوا استبعادهم من قبل البريطانيين وعدم إشراكهم في القرار السياسي فأعطوا مضمونا للمشاركة الشعبيَّة باعتبارهم “الشعب” الممثّل في هياكل تقليديَّة تم إفراغها من محتواها الحقيقي وتملك تلك الهياكل وجود سابق ومستقل عن المؤسسات. فالأمريكيين وبوصفهم شعب في رعاية الرب اختار ممثليه الحقيقيين الذين يتولّون أموره وعلى المُسْتَعْمِرين إدراك ذلك. هذا ما يؤكد أن الثورة الأمريكيَّة لم تُحْمَل على موقف من الله ولا من الكنائس لذلك لم تنته إلى خروج عن الدين ولا إلى معاداته بل تحوّل الدين إلى عامل موحِّد وضمانة للشعب رغم تعدُّد طوائفه وتنوُّع كنائسه.

أما في فرنسا فقد كان الأمر مختلف جذريا رغم الاشتراك في مبدأ رفض الحكم المطلق  وأخذت الثورة منحى دراكاتيكي أدّى إلى سيل من الدماء كانت ضروريَّة للوصول إلى نقطة التقاء. لقد غاب عن الثوّار تصوّر أو خلفيَّة لما يمكن البناء عليها ولم تتوفّر ممارسات قديمة تقبل التأويل الجديد بل تم رفضها وإرادة البناء على أرض جديدة. ولأن الحكم القائم استند كليا على الكنيسة فقد توجّه إليها أيضا الفعل الثوري تقويضا من أجل “شنق آخر الملوك بأمعاء آخر القساوسة” كما تردد دوما.

 سريعا ما تحوّل الصراع ضد الحكم القائم إلى صراع بين الثوّر أنفسهم فقد تحوّلت “سلطة الشعب” إلى مطلق جديد قال عنه بنيامين كونستون B. Constant:”عندما نقرّ بأن سيادة الشعب لا حدود لها فإننا نخلق بذلك درجة من السلطة مفرطة القوة ونقذف بها دون تبصّر في المجتمع.”[9]      

 إن ما أنتجته الثورة الفرنسيَّة رغم دراماتيكيته قد وجّه العلمانيَّة نحو سياق مختلف عن ذلك الذي وصلت إليه العلمانيَّة في الدول التي تطوّرت بالوصل مع الديني، فثمَّة إذن سياقين من العلمانيَّة قد تبلورا أحدهما لا يعادي الدين ولا ينكره أو يعاديه وسياق قام منذ البدايَّة على انفصال ومعاداة للديني فألزم الكنائس ودور العبادة بحدود جدرانها ومنعها من ولوج الفضاء العام. هذا يعني أن العلمانيَّة ليست ضرورة معاداة للدين ويعني كذلك أن علمنة المجتمع تختلف جذريا عن علمنة الدين.

إن كل تفكّر للعلمانيَّة ينبغي أن يكون تفكّر لسياقاتها التي حددت معانيها لألا تتحول العلمانيَّة إلى أيديولوجيا جديدة تقوم على معاداة الدين.

 الهوامش:  

[1] تشارلز تايلور: العلمانيَّة الغربيَّة. ترجمة طارق عثمان. مركز نماء للبحوث والدراسات ص 3.

2 نفس المصدر ونفس الصفحة0

3 خوسييه كازانوفا: الأديان العامة في العالم الحديث. ترجمة قسم اللغات والترجمة في جامعة البلمند. مراجعة موسى وهبه. المنظمة العربيَّة للترجمة بيروت 2005. ص 26.

4  عزمي بشارة: الدين والعلمانيَّة في سياق تاريخي. ج2 المجلد 1 العلمانيَّة والعلمنة: الصيرورة الفكريَّة. المركز العربي للأبحاث والدراسات ط1 بيروت كانون الثاني/ يناير 2015. ص 50.

5 القرآن الكريم الآية 23 من سورة الجاثيَّة.

6   Charles Taylor : l’âge séculier .trad. Patrick Savidan. Ed seuil2001 p299 

7 تشارلز تايلور: المتخيلات الاجتماعيَّة الحديثة. ترجمة الحارث النبهان. المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات. ص 89.

8 المصدر السابق ص 105.

9 B. Constant : De la liberté chez les modernes. Ed. pluriel 1980. 


الأستاذ وحيد الهنودي/ باحث تونسي.

 

جديدنا