العلاقات العامة ومرتكزات السيطرة للقوة الناعمة

image_pdf

( مقاربة معرفية)

مقدمة:

تعد العلاقات العامة ظاهرة اجتماعية امتدت جذورها منذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض. فالتجمعات البشرية أينما وجدت نشأت بينها العلاقات والاتصالات والمعاملات لأغراض مواجهة متطلبات الحياة.

ومما زاد من دور وأهمية العلاقات العامة تعقد الحياة الإنسانية بحيث لا يستطيع الإنسان في المجتمع الحديث أن يجد وقتاً للإطلاع والإحاطة بالمعلومات التي تخرج عن مجال تخصصه، وحياة مجتمعه إلا القليل، مع أنه يعيش في مجتمع يحتم عليه المشاركة في صنع الحياة العامة. (حسن، 2005: 15).

نمت العلاقات العامة كمفهوم إداري وكوظيفة نمواً سريعاً خلال الأربعين سنة الماضية، وقد حدث هذا التطور نتيجة للتعقد المتزايد للمجتمع الحديث، وزيادة الاعتمادية المتبادلة بين منظماته، والقوة المتزايدة للرأي العام، كذلك زيادة فهم دوافع ومطالب الأفراد والجماعات، وأصبح كسب تأييد وتعاون وثقة الآخرين عن طريق الإقناع جزء من العمل اليومي للمدير في أي نوع من أنواع المنظمات. والعلاقات العامة أصبحت تعبيراً شائعاً في اللغة والفكر. (الصوفي، 2004: 33)

ومن المفهوم الوظيفي للعلاقات العامة أنه يعبر عن حاجة المدير المعاصر إلى معاونة ونصح عدد من الخبراء والمستشارين الذين يقدمون له المشورة في الأمور المتخصصة والتي لا يتسع وقته للقيام بها شخصياً حتى يتسنى له أن يتفرغ للأمور الإدارية بنجاح. ويعتبر خبير أو مستشار العلاقات العامة من بين هؤلاء، فهويتم اختياره بواسطة الإدارة العليا. (حسن، 2005: 54)

مما سبق يتضح أن وظيفة العلاقات العامة لا بد أن تتركز في ثلاثة مهمات رئيسة، هي:

1.الاستعلام السليم: عن حاجات البيئة وموقفها من المنظمة، للوصول إلى مؤشرات دقيقة عن رغبات الجمهور ومواقفه من نتاجات المنظمة (السلع أو الخدمات أو الأفكار) .

2.التنسيق الجيد مع إدارة المؤسسة: والمشاركة في رسم سياساتها الإدارية (خاصة الإنتاجية والتسويقية) وصولاً إلى الحد الأعلى الممكن من إشباع حاجات البيئة.

3.الإعلام الصادق: عن سياسات المنظمة ونتاجاتها بما يساعد على تعريف البيئة بإسهاماتها، وتوعية جمهورها بأفضل صيغ الانتفاع الجيد من نتاجاتها.

أسباب ودوافع الاهتمام بالعلاقات العامة:

نجد أن هنالك عدة دوافع أدت إلى الاهتمام بالعلاقات العامة نذكر منها:

1.تزايد وتعقد هيكل الصناعة، وزيادة ابتعادها عن الاتصال المباشر بجماهيرها.

2.ظهور شبكة واسعة ومعقدة من وسائل الاتصال بالجماهير.

3.ظهور المنشآت الكبيرة بما لها من مصالح ويترتب عليها من نتائج.

4.ظهور تنافس تتزايد حدته، ومما فرض احتراماً أكبر للرأي العام وحاجة أقوى إلى التأييد الجماهيري.

5.اشتداد الطلب على الحقائق والمعلومات من جانب الجمهور نتيجة لانتشار التعليم والمعرفة. (الصحن، 2004: 41)

ولكن مفهوم العلاقات العامة شابه كثير من الالتباس والغموض لأسباب عدة، يمكن إيجازها فيما يلي:

1.تباين واختلاف ممارسات من يعمل ومن يهتم بهذا المجال على الصعيدين العملي والوظيفي، والأكاديمي النظري، لتنوع خلفيات ومداخل معالجة هذا الموضوع من قبل المهتمين به.

2.تداخل نشاط العلاقات العامة مع العلاقات الأخرى السائدة في المجتمع، وامتدادها في مجال التعامل والمعاملة.

3.تعدد وجهات نظر وفلسفة وتطلعات الإدارات العليا في المنظمات تجاه مفهوم ونشاط العلاقات العامة. (العتيبي، 2002: 280)

لذلك ستسعى المقاربة التالية إلى معالجة الموضوع من هذه الزاوية، بالتوقف عند التفصيلات الذهنية سيطرة العلاقات العامة للقوة الناعمة على العالم المعاصر.

حيث يتضح من خلال مراجعة الأدب المتعلق بالموضوع أن هناك خمسة محركات ذهنية هي التي تشكل الأساس الموضوعي لهذه الظاهرة، فطريقة فهم وممارسة مسائل السيطرة، والتفوق، والمصلحة، والتخطيط الاستراتيجي، والمعرفة هي ما يجعل القوة الناعمة على ما هي عليه الآن من العظمة، والقوة.

مرتكزات القوة الناعمة في العلاقات العامّة: الهيمنة، التفوّق، المعرفة، المصلحة، التخطيط الاستراتيجي.

Organization Chart

1– العلاقات العامة والهيمنة:

الهيمنة كمحرك ذهني، طاقة حيوية أساسية، لا يتميز بها الإنسان دون غيره من الكائنات، ذلك أن هذا المحرك على تماس ما يعرف عند جميع الكائنات الحية باسم (غريزة البقاء)، ولكنها عند الإنسان فالمسألة تتخطى الهاجس البيولوجي باتجاه البعدين الاجتماعي والخارجي للهيمنة.

وعليه يعود الآن الإدراك الحضاري للعلاقات العامة في القوة الناعمة إلى روحية الهيمنة التي توافق طرائق تفكير وتخطيط وعمل المهيمنين عليهم، كما أنها تعتمد على الابتعاد المعنوي الإرادي عن المحيط، فهي لا تأبه بثقافة المجتمع المختلف الذي تقوم فيه.

2- العلاقات العامة والتفوق:

اعتمدت القوة الناعمة على روحية التفوق من خلال منطق تخطي الإرث الثقافي والقطع معه من خلال رجال بارزين ومؤسسات جديدة وأفكار مبتكرة من صنع أيديهم.

فعندما تتفاعل العلاقات العامة تشكل من التميز فإن القوة الناعمة لا تعتمد على المنطق السياسي، ولكن تعتمد على موظفيها الذين يحملون في جعبتهم النفسية – الاجتماعية إصرارا على التميز الايجابي غالبا ما يبلغ حد الشعور بالتفوق (المعلن، المضمر)

3– العلاقات العامة والمعرفة:

قامت العلاقات المعرفة بدور بارز في منح القوة الناعمة استراتيجياتها من خلال المشهد المعرفي القلق المعتمد على (الاستيعاب المعيد لإنتاج مكتسبات المعرفة) في الوقت الذي قابله استكانة معرفية لافتة في المناطق التي يؤثر فيها حيث الغلبة للتقليد والتكرار والنقل.

فهي – العلاقات العامة – تخضع المعرفة للمعرفة فتعيد إنتاجها على نحو مختلف، فتتعامل معها وظيفياً، وترى فيها مادة مهما علا شأنها، وذلك للدخول في المنافسة بشكل دائم.

4- العلاقات العامة والمصلحة:

” حيث تكون المصلحة، تكون دواعي السيطرة) بهذه العبارة لخص احد أبرز منظري الاستعمار البريطاني (شارلز ديلك) معادلة التعامل والعلاقات العامة الخارجية، حيث إن الغربيين يعتمدون مبدأً فلسفياً قديماً ألا وهو (العقلانية المرنة) فلكل وضعية جديدة، تحت سقف ما يقبل به العقل.

لهذا السبب نلاحظ أن منطق المعادلات المختلفة كلها واحد، كما تعبير المثل الشعبي الصيني: (ليس المهم لون الهر، المهم أنه يلتقط الفئران)، وطبقا لهذا المنطق تابعت سيطرة القوة الناعمة سيرها من خلال العلاقات العامة بالتكيف مع كل ثقافة، وكل مجتمع، ومع كل ذهنية بمرونة لافتة.

5- العلاقات العامة والتخطيط الاستراتيجي:

إن التخطيط يهدف إلى إعطاء وحدة العلاقات العامة في المؤسسة دوراً هاماً في حياتها وموقفا متميزا في هيكلها التنظيمي، ويعتمد هذا النجاح على مقدار نجاح وتميز وحدة العلاقات العامة في تنفيذ خططها السابقة على مستوى الإدارة العليا، ويأتي هذا التخطيط بعيد المدى على مرحلتين، هما:

–  مرحلة تنفيذ الخطة على مستوى الإدارة العليا:

حيث يقوم مسئول العلاقات العامة في نهاية السنة المالية بتقديم تقرير تفصيلي يستعرض فيه مراحل تنفيذ خطة السنة المنتهية، وما صادفه من صعوبات، وما هي الفرص الضائعة التي كان بإمكانه الاستفادة منها، وأسباب عدم تمكنه من ذلك، أي تحليل المواقف حسب نموذج (SWOT) أو نموذج ( دلفاي).

– مرحلة الخطة الإستراتيجية:

يقوم مسئول العلاقات العامة، بعد أن نجح في تنفيذ خطته السابقة، بوضع مشروع خطة إستراتيجية في ضوء رؤية ورسالة محددتين للسنوات القادمة، ويجب أن تشمل الخطة على:

1- الهدف/ الغاية المنشودة من وضع الخطة، بحيث يسهم في تحقيق مصلحة وتطلعات المؤسسة، وألا يتعارض مع أهدافها.

2- التبرير/ وهو ذكر سبب اعتماد كل بند في الخطة وفائدته.

3- الوسائل والأساليب لتطبيق الخطة / يجب ذكر كيفية تحقيق الخطة كي تتمكن الإدارة من معرفة مدى التقدم من عدمه.

4- التكاليف/ وهو مقارنة العائد بالنفقات لتلك الخطة، إذ يجب ان تكون التكاليف أقل من العائد، حيث أن ذلك مرتبط بمفهوم (الربح) الداعمة لفكرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي.

5- وضع جدول زمني لتطبيق بنود الخطة/ الذي يفيد في تحديد أوقات النشاطات، وحجم التوسع والتنسيق فيما بينها، وبين النشاطات الأخرى للمؤسسة.

قائمة المراجع:

  1. العتيبي، صبحي (2002): تطور الفكر والأنشطة الإدارية، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان.
  2. الصوفي، خالد (2004): العلاقات العامة أساليب وممارسات، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة
  3. الصحن، محمد فريد (2004): العلاقات العامة – المبادئ والتطبيق، الدار الجامعية، الإسكندرية.
  4. 4-     حسن، محي محمود (2005): العلاقات العامة والإعلام في الدول النامية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية.
  5. معتوق، فريدريك (2009): مرتكزات السيطرة الغربية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
  6. ناي، جوزيف (2007): القوة الناعمة وسياسة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة: محمد البجيرمي، دار العبيكان، السعودية.

جديدنا