استراتيجية قبول الآخر، مدخل لدعم الطفل اليتيم

image_pdf

مقدمة:

لا يمكن تحقيق قبول الذات إلا إذا كان الأطفال واعين لنقاط القوة ونقاط الضعف فيما يتعلق بوجودهم الجسماني والأكاديمي والاجتماعي، فالإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولذا فإنه يندمج مع من حوله، فبقدر ما تمتد وتتسع صلاته بالآخرين من الأقارب والجيران والزملاء والأصدقاء والمعارف، بقدر ما يشعر بالطمأنينة والأمان.

من الطبيعي أن تكون درجة الود والأخوة مختلفة من شخص لآخر، وهي أمور يدرسها أساتذة علم النفس لتحليل السلوك الإنساني، وبرغم ذلك يظل هناك أسوار مجهولة تكتنف العلاقات بين الأفراد على تباينهم، فهي خليط من الحب والكراهية والعطف بدرجاتها المختلفة، ولذلك تحليلات وأسباب يمكن إدراكها وتفسيرها أحيانا، ولكن في معظم الأحيان نقف عاجزين عن تعليل السبب، فهناك أشخاص محبوبون من كثرة وهذه ” منحة ربانية ” .. ومن هنا ظهرت عبارة ” الشخصية الكاريزمية “. (حنا، 1999: 45)

إن قبول الآخر على المستوى الشخصي مسألة مفيدة، ومن غير الممكن أن يكون لها أي ضرر، فكلما قبل الآخر- كما هو بمميزاته وعيوبه ففي الأغلب الأعم ستجد رد فعل طبيعي لدى الآخرين، فتجد قبولا لديهم، فتتسع دائرة الصداقة والمعارف، وهذا ما يفعل الكيمياء البشرية بين الناس ويجعلهم أكثر قبولا.

على ضوء ما سبق كان من الواجب تدريب الطفل منذ نعومة أظافره على قبول الآخر خاصة إذا كان من الأيتام أو ممن يتعامل مع زملائه الأيتام، حيث أن مجتمعنا الفلسطيني يتمتع بخصوصية عالية من حيث ارتفاع نسبة عدد الأطفال الأيتام فيه نتيجة للظروف السياسية التي يمر بها من حيث الحصار والممارسات الاحتلالية والحرب المتواصلة عليه.

الطفل اليتيم:

هو الطفل أو الطفلة الذي حرم من رعاية أمه وأبيه لعدة أسباب ومنها: أما أن يكون طفل غير شرعي بسبب كثرة الفتن.. أو وفاة أهله، أو عجز أهله عن تربيته لأسباب منها الكبر والمرض أو مشاكل عائليه تحول بين الطفل وأبويه..

في ضوء هذا التعريف يجب الحرص على تعويضه من الحنان والحب والرحمة والخوف والاهتمام به وعليه حتى لا يعيش محروما منها ولان هذه السنوات هي من أهم السنوات التي يمر بها الشخص ولأنها تعكس شخصيته في المستقبل، فما تزرعه في سن الطفولة تحصده عند الكبر. ولنضرب أمثله على ذلك للتوضيح:

1- في بعض الأحيان نجد من الأيتام من هو يحمل شخصية حقودة وتكره الناس وهذا يعود لطفولته أي عندما كان صغيرا كان يتقبل الاهانات وغيرها سواء من معاملات أو ألفاظ تجرح

القلب عند سماعها أو رؤيتها..

2- وفي الاتجاه الأخر نجد بعضا منهم إنسان فاشل بمعنى الكلمة لا يوجد لديه طموح ولا أخلاق يريد أن يعيش فقط ليومه.. وهؤلاء العينة هم من الذين لم يتلقوا الاهتمام الجيد والحرص من حاضنيهم فتجد أنهم لم يؤخذوا في الاعتبار فجميع من حوله لا يهتمون به ولا يراعونه.. حتى بالسؤال عن الصحة وأموره ودراسته.

3- ونجد أيضا منهم من له طموح وشخصية مهذبة يحترم الآخرين ويفكر بعقلانية في تصريف أموره ولا ينسى من اعتنى به، ويتمنى أن يرد الجميل لمن قام على تربيته واهتم به وهو في أمس الحاجة له، وهم الذين عوملوا بطريقة ايجابيه ووضح لهم جميع الأمور التي يحتاجونها والتي أيضا لا يحتاجون لها، حتى يتوسع إدراكهم، ويستطيعوا أن يكونوا كفئوا للمسؤولية ويعتمد عليهم. وهذه الفئة هي التي نريد أن نصنعها …

وبالتالي هو طفل يعاني من فراغ عاطفي وعدم استقرار نفسي، وهو بحاجة إلى معاملة خاصة، تتمثل في:

أولا/ الاهتمام بالدين الإسلامي القائم على الكتاب والسنة، والبناء القيمي والأخلاقي:

التربية الخلقية للأطفال منذ نشأتهم، هي التي تسلحهم بالإرادة والشجاعة على مواجهة مشكلات الحياة، والعزم على محاربة أهواءهم، وتحفظهم من الطيش والانحرافات.

والبناء القيمي يساعد المجتمع وأفراده على التمسك بالمبادئ الثابتة والمستقرة، وتساعده على مواجهة المتغيرات، وتعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساساً عقلياً يقي المجتمع من الأنانية المفرطة ومن النزعات الشهوانية.

وحتى يؤتى البناء القيمي والأخلاقي ثماره، لدى الطفل اليتيم يجب مراعاة ما يلي:

1.أن تكون تربية الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- لنا المثل والقدوة في الأفعال والتصرفات.

2.التركيز على غرس أصول العقيدة في نفوس الأطفال الأيتام منذ الصغر من خلال بيان وجوه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، من خلال الحوار والنقاش الدائم في البيت والمدرسة. (مجاهد، 2001: 196)

3.إبراز محاسن الأخلاق الفاضلة في حياة الأطفال وبيان عواقب السلوك اللاأخلاقي.

4.تحقيق التوازن بين القيم الأخلاقية النظرية والقيم الممارسة في المجتمع والأخذ من العادات والتقاليد بما يتماشى مع قيم الإسلام وتعويد الأطفال على ممارستها.

5.تغيير اتجاهات الأطفال الايتام النفسية والفكرية المتعارضة مع السلوك الاجتماعي المرغوب عنه، إلى السلوك المرغوب فيه والمتوافق مع قيم المجتمع.

6.ربط الطفل اليتيم بالعبادات منذ نعومة أظافره، حتى ترسخ لديه القيم الخلقية وتصبح سلوكاً ثابتاً في حياته. (حنا، 1999: 67)

وهنا يتجسد دور المؤسسات التربوية كالأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام وخصوصاً التلفاز في تهيئة المناخ التربوي المناسب، وكذلك نبذ أساليب الشدة والعنف مع الأطفال، واستخدام سلاح الإقناع والحوار، والتحذير والتنفير والعتاب.

ثانيا/ ترسيخ الهوية الثقافية والأصالة وقبول التعددية:

وذلك من خلال:

  1. تحسين معرفة هؤلاء الأطفال منذ نشأتهم بمسائل الحلال والحرام، ولا سيما في قضايا المعاملات التي تعد في مركز عمليات المتغيرات الحديثة.
  2. نوضح لهم آثار التقنية فيهم والتغيرات السيئة التي أدخلتها على حياتهم وعلاقاتهم.
  3. توعية الأطفال والنشء بأخطار التقليد الأعمى وبيان عيوبه وآثاره السلبية وفي المقابل التأكيد على الإقتداء بالنماذج السلوكية السوية.
  4. إبراز الجوانب الحيوية في ثقافتنا الإسلامية (الدين، اللغة، العلوم النافعة، القيم والعادات الأصيلة).
  5. إبراز الجوانب المضيئة في تراثنا العربي والإسلامي، بما فيه من إنجازات حضارية متنوعة أسهم فيها العلماء المسلمون عبر التاريخ.
  6. توضيح طبيعة الصراع بيننا وبين اليهود، وما هي دواعي ممارساتهم الاجرامية تجاهنا.

ويرى الباحث أن القصد بذلك هو الحفاظ على هدفين هما: الانتماء، والقدرة على التعامل الايجابي مع حقيقة التعددية الفكرية والثقافية والسياسية.

فالتعددية بأنواعها مبدأ إسلامي تربوي، وهي سنة من سنن الله تعالى في خلقه، حيث اقتضت حكمته التعدد والتباين بين الخلائق ” يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا…” (الحجرات،13)، وتربية الطفل في ضوء هذه التعددية من شأنها أن تنمي فيه روح التسامح ورفض التعصب، وقبول الآخر، واحترام الاختلاف مع التغيير، والقدرة على تبادل الأدوار.

أضف إلى هذا أن تربية الطفل اليتيم على تقبل التعددية بألوانها خصوصاً السياسية (الحزبية) في وطننا له منافع عديدة، فهي تسهم في زيادة التواصل بين أفراد المجتمع، وزيادة اللحمة والوحدة بين أفراد المجتمع الواحد حيث أننا في أمس الحاجة إلى اللحمة والوحدة في هذه الفترات العصيبة التي تتكالب فيها الأمم علينا لمسح هويتنا.

ولن يأتي ذلك إلا عبر قنوات عديدة وسنوات قد تكون طويلة، نحتاج فيها إلى:

  • تنمية مهارات الاتصال والتفاهم مع الآخرين ذوي الثقافات والخلفيات المختلفة، والأخذ بوسائل التطوير والتقدم العلمي.
  •  ضرورة تفعيل هياكل التكامل بين المؤسسات المجتمعية ودمج الأطفال فيها منذ نشأتهم وربطهم داخل المدارس بالمجتمع المحلي.

ثالثا/ تنميه مفهوم الحوار وتنشيطه:

من منطلق أن رأي اثنين أفضل من رأي فرد واحد، وان رأي مجموعة أفضل من رأي اثنين، يمكن القول بأنه كلما اتسعت دائرة الحوار وتعمقت الآراء، وازداد عدد المشاركين كانت النتيجة الأفضل.

ولذلك تتمثل تربية اليتيم في إكساب أصول الحوار في الآتي:

  • تأكيد الشروط التي تساعد على إيجاد لغة حوار مشتركة بين الطلاب بعضهم البعض وبينهم وبين الآخرين والتي من أهمها:
  • توافر مرجعية يعترف بها كل المتحاورين (قوانين العقل، مبادئ الدين، سلطة العادات والتقاليد)، وتحسين تقبل الطلاب لزميلهم اليتيم وعدم إشعاره بالنقص.
  • وجود حكم يلتزم كل المتحاورين بطاعة أوامره وتنفيذ ملاحظاته.
  • إعطاء الفرص المتكافئة لكل طرف سواء في الوقت المحدد للحديث أو في إبداء الملاحظات والتعقيب، خاصة الطفل اليتيم ليعبر عن نفسه ويشعر بأنه محل اهتمام الجميع.
  • ضرورة الإصغاء الكامل عندما يتحدث هذا الطفل، وعدم ملاحقته بالموافقة أو مقاطعته بالمخالفة، خاصة في ظل ظروف الحصار والحرب التي عاشها ويعيشها أطفال مجتمعنا.
  • احترام شخص اليتيم، وان يكون لدى أطراف الحوار الاستعداد لتقبل وجهات النظر.

رابعا/ تدعيم النظرة الجادة إلى طبيعة التعليم كمفتاح للتفوق العلمي:

إن مجتمعنا الفلسطيني غني بالكوادر والعقليات الناجحة القادرة على الإبداع، ولكن ما ينقصنا هو نظرة الجيل الجديد إلى جدية التعليم والعلم وضرورتها لعملية التنمية، ولكي ندرك أهمية وجدية العلم يجب أن نتفهم أن المستقبل لا يتوقف على عدد المهندسين والعلماء الذين يتخرجون كل عام، بل يتوقف على الجو العقلي والثقافي الذي يعملون فيه، والمنهج العلمي الذي يدرسونه، فالعمق في العملية التعليمية هو المتصل بالتطوير الكيفي لمناهج التعليم من أجل تحقيق تعلم فاعل ينمي التفكير ويرعى الموهبة ويدعم الإبداع.

في ضوء ذلك يرى الباحث أننا كمربين مسئولين عما يلي تجاه الطالب اليتيم:

  • تعريف الأطفال والطلاب الأيتام في كافة مراحلهم التعليمية ببعض أوضاع العالم من حولنا وبعض المشكلات الدولية وأسبابها، وما قد يترتب على هذه المشكلات، وذلك من خلال دراسة بعض مشكلات الوطن.
  • تعريفهم بأوجه التشابه والتباين بين البشر، حيث يجب أن يعلم الطفل أن غالبية الناس لديهم مطالب متشابهة من حيث الرغبات والاحتياجات والطموحات، وإن كانت هذه المطالب قد تتحقق بطرق مختلفة، تتوقف على مدى الرقي والتقدم، وذلك من خلال تعليمه أساليب التعامل مع الجماعة.
  • إكسابهم فلسفة للحياة يمكن إذا تنامت أن تصبح عالمية، لأن الطفل أصبح اليوم في أمس الحاجة إلى تنمية إحساسه تجاه العالم.
  • الاهتمام بالتعليم التكنولوجي الذي يركز على الوعي المهني، والجانب العملي التطبيقي.
  • الاهتمام باللغة العربية، وتنمية التفكير الناقد كوسيلة لتنقية ما يصل إليه من ثقافات الآخرين. (العمر، 2001: 33)

ومن المعروف أن اليتيم أكثر حساسية من غيره وأكثر دقه,,فتلاحظه يراقب الصغيرة والكبيرة والمهمة وغير المهمة .فهو سريع التأثر من المواقف خصوصا عندما يكون بين اقرأنه أو منهم اكبر منهم فيحاولون مضايقته حتى يتحطم،,ومن هذه الناحية يجب أن نبين له أسباب مضايقة الآخرين له وأنهم ناس يفضلون تأخره وعدمه وان هذا ناتج عن نقص في شخصياتهم ,وان الناس لا تضايق إلا المميز ,لأنهم يغارون منه فعندما يسيطر اليتيم على نفسه من هذه الناحية فسوف تلاحظ تقدما له في انجازاته ..وسوف يبدأ بالتفكير العقلاني,أي المتوازن ,المتفهم وبهذا سوف تقلل من حساسيته.

الخلاصة:

من خلال اقتراح الاستراتيجيات السابقة للتعامل مع الطفل اليتيم، يمكن أن نوصي بما يلي:

1.تفعيل المؤسسات الإسلامية القائمة، لتقوم بالوظائف التي يجب أن تقوم بها، والتي أنشئت من أجلها، وإنشاء مؤسسات جديدة ذات بعد شعبي، تهدف إلى تغيير نظرة المجتمع تجاه الطفل اليتيم.

2.ضرورة توفير برامج وأنشطة تخدم أهدافا تتعلق بتنمية الشخصية، وتدفع الأطفال الأيتام في اتجاه العمل الجماعي المشترك في جو من الحرية التي تساهم في معالجة الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، وبرامج وأنشطة توفر المساندة والدعم وتكفل الإبداع والتجديد، وتستند إلى صلة قائمة بين النظرية والتطبيق، وذلك من خلال المدارس والمؤسسات الاجتماعية الأخرى.

3.ضرورة تعريف الأطفال الأيتام في كافة مراحلهم التعليمية ببعض أوضاع العالم من حولنا وبعض المشكلات الدولية وأسبابها، وما قد يترتب على هذه المشكلات، وذلك من خلال دراسة بعض مشكلات الوطن، وربطهم بالمجتمع المحلي المحيط.

4.عقد ندوات بشكل متواصل لمن يكفل هؤلاء الأيتام لتعريفهم بشكل دوري على طرق التعامل مع هؤلاء الأطفال.

قائمة المراجع:

  1. أبو حشيش، حسن (2005): تصور مقترح لإعلام الطفل الفلسطيني، مؤتمر الطفل الفلسطيني بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل، الجامعة الإسلامية، غزة.
  2. الخلايلة، عبد الكريم واللبابيدي، عفاف (1997): طرق تعليم التفكير للأطفال، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان.
  3. العمر، معن خليل (2001): قضايا اجتماعية معاصرة، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة.
  4. حنا، ميلاد (1999): قبول الأخر، مكتبة الأسرة، مطبوعات مهرجان القراءة للجميع، القاهرة.
  5. قرعان، مها (2003): قبول النفس والآخرين، مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، رام الله.
  6. مجاهد، محمد إبراهيم (2001): بعض مخاطر العولمة التي تهدد الهوية الثقافية للمجتمع ودور التربية في مواجهتها، مجلة مستقبل التربية العربية، مج7، العدد 22، ص 157-206.
  7. مركز القطان للبحث والتطوير التربوي (2005): أي تربية نريد لأطفالنا؟ مجلة رؤى تربوية، العدد 17، أيار 2005.
  8. مركز الدراسات الإستراتيجية (1995): البديل الإنساني للتعامل مع اليتيم، دار المستقبل العربي، القاهرة.
    __________________
    *الدكتور محمود عبد المجيد عساف.
وسوم:

التعليقات:

Comments are closed.

جديدنا