دحباش

image_pdf

على مدى ليالي رمضان الكريم بعد الإفطار، تابع المشاهدون عبر أجهزة الفضائيات بداخل الكويت وخارجها؛ مسلسل ( دحباش ) والذي كتب القصة والسيناريو والحوار الأستاذ مشاري حمود العميري، وأستطيع القول من دون مجاملة وشهادتي مجروحة، فإن بوحمود بذل جهداً كبيراً فوق طاقته وتكمن الصعوبات التي واجهتة كون المسلسل يعتبر من الأعمال الوثائقية الكويتية وتطلب الأمر الدقة المتناهية وهذا ما أعرفه وذلك لو أدركنا أن أحداث المسلسل تتحدث عن فتره قديمة جداً تمتد من سنوات 1812 إلى 1830 وشاهدنا كيف كانت ( القرين ) التي هي الكويت شكلاً ومضموناً وعن أحوالها ومساكنها وأسرها ومساجدها وملابس الناس بذلك الوقت وكذلك تعرفنا على بعض الأحداث التي عاصرتها ( القرين ) وهي الكويت!

أول ما لفت نظر المشاهد الكريم هو اللباس الذي كان يرتديه أهالي الكويت، ونعرف أن في تلك الحقبه التي تمتد مئتان عام إلى الوراء لا يوجد تصوير ولم تُخترع الكامرات ولم تتحدث الوثائق القديمة عن ملابس الكويتيين، ولكن لدقة الأستاذ مشاري العميري، اعتمد على كتب الرحالة الأجانب الذين كانوا يتنقلون في منطقتنا والجزيره العربية ويُدونون ويرسمون بالقلم والألوان ما يشاهدون وظهرت ملابس الشخصيات بالمسلسل مطابقه تماماً للواقع .

حول ما أثير عن شخصية ( دحباش ) هو فقط رمز وكواحد من المهاجرين من بادية نجد إلى الكويت، والجميل والرائع أدوار ( دحباش ) بالمسلسل اتسمت بالمروءه والشهامة والفزعة والكفاح لأجل لقمة العيش وتجسدت أدواره بهذا المعنى في المسلسل .

شاهدنا كيف ضرب الحظ معه عندما دخل البحر ( عّزال ) وحصل على لؤلؤه نادره فتحت له أبواب الخير، وكان كريماً وأهل نخوة في دفاعه عن ( بلال ) الافرنجي الذي أسلم في الكويت ودفع المال سخياً لفك الدين الذي عليه.

قصة عالم الكيمياء الكويتي الذي ظهر في ( القرين ) الكويت عام 1820، وكان يقوم بتحويل المعادن الرخيصه إلى معادن ثمينة بالطرق الكيميائية وجسد شخصية هذا العالم الممثل عبد الإمام عبدالله، وهي قصة حقيقية وردت تفاصيلها وأحداثها في المذكرات التي كتبها،الكابتن البريطاني في شركة الهند الشرقية sir john macdonland kinner حين رفعت التقرير للحكومة البريطانية وفي أحداث مثيرة للغاية .

دقة الأستاذ مشاري العميري، تطلبت منه معرفة العملة المستخدمة بالكويت في تلك الفتره التي تمتد من 1812 إلى 1830 والثابت أن الكويت بذلك الوقت لم تستخدم الروبية الهندية حيث استخدمت رسمياً عام 1835، ورأينا التداول النقدي بالمسلسل بالقروش العثمانية والريال (الفرنسي) و تداول بالكويت في تلك الفترة المشار إليها.

الملاحظة الفنية، هي حرص الكاتب مشاري العميري بذكر أسماء الأسر والعوائل ومساجد و(فرجان) أحياء الكويت القديمة التي كانت موجودة بتلك الفترة، ونعرف أن هجرات كبيره جاءت إلى الكويت ما بعد أحداث المسلسل في عام 1850 واستوطنت أسر عديدة وظهرت أحياء جديدة .

لربما الهم الأكبر للأديب مشاري العميري والذي أجهده كثيراً هو تدريب بعض الممثلين على نطق اللهجة الكويتية بالطريقة الصحيحة والطلب منهم لإعادة التصوير أكثر من مرة حين تواجد يومياً وقت التصوير وهذا الجهد المتعب لا يقوم فيه كتاب المسلسلات الآخرون، حيث يقدم لهم النص ويحفظون أدوارهم.

وسمعت ما أثير حول لفظ ( دچان ) وهو ( للدكان ) المتداول بالوقت الحاضر وأضيف أيضا أن البعض يقول ( تكان ) .. واللهجة عموماً متطورة باستمرار .

توظيف المسجد بالمسلسل وفي كل حلقة تقريباً، تعبير صادق و مشاهد إيمانية روحانية وخاصة لأن المسلسل يعرض في شهر رمضان، وكذلك يُعبر عن واقع وحقيقة مؤكدة وهي أنه منذ بدايات الكويت قبل بناء البيوت يُبنى أولاً المسجد وثم تُبنى البيوت حوله ويعتبر مكانًا للصلاة والتجمع والاستفادة من الدروس الدينية والأمور الحياتية ويحرص الكويتيون على أداء الفرائض بالمساجد منذ الأزل.

ايضاً لاحظنا في العديد من الحلقات توظيف ( الديوان ) الديوانية الكويتية، وهي امتداد تاريخي عرفتة الكويت منذ البدايات الأولى والمعروف يجتمع بالديوان كل فئات المجتمع الغني جنباً مع الفقير ويتداول من خلال هذا اللقاء اليومي الرأي بحرية تامة وتتخذ قرارات مهمة.

الحلقات الأخيرة في المسلسل، جسدت حدث مهم، عندما حلَّ وباء ( الطاعون ) بالكويت، وخرج بعض الأهالي إلى بر الشويخ ومن ظل في المدينة أصابه المرض ومات ودفن الموتى بالطرقات وبداخل بيوتهم إلا القليل من الأسر احتمت بداخل بيوتها وأغلقت الأبواب وكتب الله لها النجاة …تلك الاحداث والمشاهدت عبرت بصدق وعمل فني بمنتهى الدقه حين أجاد الكاتب من خلال السيناريو وحرفنه التصوير والإخراج تجسيد المشاهد المحزنة والمؤثرة.

وأخيراً في هذه الإطلالة السريعة، قد لا يعرف المتابعون لمسلسل ( دحباش ) مكان التصوير فهو ليس بداخل استديو أو مباني ديكور من الخشب كما نشاهد في المسلسلات الأخرى، وإنما هو عبارة عن حي كويتي قديم قام ببنائه الأستاذ مشاري حمود العميري بنفس المواد المستخدمة في البناء القديم، وعلى نفقته الخاصة في مكان خاص تمتلكه أسرته.

______
*د . عادل العبدالمغني.

جديدنا