إياك أن تسرق كلمة!

image_pdf

للكلمة شرف وضمير، إما أن تصون شرفها وترضي ضميرها فتكون جديرا بإنسانيتك، وإما أن تخالف فتخرج عن إنسانيتك إلى ملكوت آخر يختاره لك الناس رغما عنك؛لأنك وأنت ترتكب الجرم لا ترتاح لوصفك بالإجرام وأنت غارق فيه.

شرف الكلمة المصان هو علامة البكارة للرجل والمرأة سواء، إذا فض فقد فضت فيهما البكارة، وضمير الكلمة حين يسكن الحقيقة ويرتاح هو الإشارة إلى رقي صاحبه، إلى عراقة أصله ونسبه،وثقافته ووعيه وإلى رفعته وسموه، فإذا اجترح الضمير سقط صاحبه من شاهق إلى حضيض، وقدم الإشارة إلى تخلف صاحبه، ووضاعة أصله ونسبه، وإلى جهله وعماه، وإلى انتمائه لغير مملكة الإنسانية.

لن يجديك نفعا أن تختلق لنفسك عذرا، ( أكذب وأضلل لأنال ما أريد ) هذا التبرير هو الجزء الأكبر من سقوطك، فلا نستهن بقبولك فقدان الاحترام لنفسك، إذ قبله تكون قد فقدت احترام كل الناس، لم تعد منهم وأنت بين كائنات ملكوتك الجديد.

لا يقتصر الأمر على أن تقول الصدق أو تكذب، أن تجاهر بقناعتك وإن كانت ممضة، أو أن تشكلها وتلونها إرضاء لغيرك أو لشئ في نفسك، وإنما أبشع من هذا كله وأفظع أن تسرق كلمة ليست لك وتنسبها لنفسك، هي ليست مجرد كلمة من حروف، لكنها جهد وعرق واجتهاد وأخلاق وضمير وشرف وحياة تخص شخصا آخر، وقبلت أن تغتصبها لنفسك وهي منك براء، فعل لا يختلف عن بلطجة الشارع وقطع الطرق واغتصاب مال الغير.. سارق المال تقطع يده، فماذا نقطع في سارق الفكر والرأي والكلام إلا أن نقطع رأسه؟

لدي أمثلة كثيرة للصوص الكلام، تكاد هذه اللصوصية تشكل ظاهرة تهدد شرف وأخلاقيات العمل الصحفي، فبعض الساقطين الذين لا يملكون القدرة ولا الموهبة ولا الفكر ولا الرأي ولا الضمير، يحاولون أن يندسوا بين صفوف الصحفيين بجهود الغير، يسرقون العمل جاهزا ويرفعون عنه اسم صاحبه ويعيدون تصديره باسمهم ويتقاضون ثمن الغنيمة المسروقة بكل الرضا والراحة.. هل هذا معقول؟ لو انتشر هذا الفيروس لأسقط صاحبة الجلالة وطردها من بلاطها.

وأغرب ما في الأمر أن هؤلاء اللصوص يتبجحون بمهنيتهم؛ ويصفون ممن يشكك فيها بالجرذان؛ ربما هي مهنية أخرى لا نعرفها فالكلمة عند صاحبها لها شرف وضمير وحين يسرقها لص لا تعود الى مجرد حروف مفرغة معتمة خالية من المعنى وفاقدة كسارقها وهج الاجتهاد والضمير .

______

*د. خالد محمد غازي/ رئيس تحرير ” وكالة الصحافة العربية “.

جديدنا