قضِيّة المرأة والنّسف باسم الخُصُوصِيَّة الثّقَافِيَّة

image_pdf

المرأة اليوم أمام تحديات الهوية الوطنية والشعور بالانتماء الوطني في ظل الضياع الثقافي الذي يتمثل في التعصب والانكماش لدى طرف والانحراف والتفسخ لدى الطرف الآخر ما جعل علماء الاجتماع والنفس يعبرون عن قلقهم من تنامي تشتت المرأة أمام تعدد الخطابات والخطابات المضادة التي تولدت عنها مشاكل عديدة فكانت تهديدا مباشرا لأواصل الوحدة وهذا بالنظر لما تفرزه العولمة والحداثة،  بالإضافة إلى الأحداث التي شهدتها البلاد العربية وبخاصة الجزائر من حالات عنف وما تستخدمه “الميديا” من إعلانات تشجع المرأة على مطالبتها بالحرية المطلقة  حتى في المسائل المتعلقة بالأسرة كأن تكون العصمة في يدها وهذا بسبب حركة التحديث التي  شهدها العالم جعلت بعض النساء لا يراعين المقدسات وهذا ما قاد المجتمعات إلى التفكك فكانت النتيجة التطاحن فيما بينهم.

فقضية المرأة تتعلق بالوجود ومصير المجتمع وتتعلق أيضا بالبعد المعنوي للجنس البشري، لكونها عماد الأسرة بها ينهض المجتمع وبها يُدَمَّرُ، لدرجة أن الأديان السماوية اهتمت بالمرأة لما تمتاز به من مكانة مقدسة، والذين جعلوا منها قضية أرادوا استغلالها سياسيا فشجعوا المرأة على المطالبة بحقوقها عن طريق تأسيس الحركات النسوية لحصل على ما كان ينقصها من حقوق، فالمرأة مثل محرك السيارة لا يمكنها السير بدونه،  كذلك الأسرة قد لا يمكن لها الاستمرارية بدون المرأة (زوجة وأم) والدليل أن القانون في النزاعات الخاصة بالأحوال الشخصية  يمنح للمرأة حق الحضانة في حالة حدوث طلاق، لأن الرجل يملك الجانب العقلي فقط في حين تملك المرأة الجانب العقلي والوجداني، في غياب الزوج  قد تعزف  المرأة عن الزواج من أجل تربية أبنائها ورعايتهم عكس الرجل، وهذا يدل على أن المرأة لها القدرة على المقاومة ولهذا خصّ لها الله ميزة الإنجاب وتحملها آلام المخاض بعد تحملها آلام الحمل، ونرى هذه المقاومة في المرأة العاملة التي تقسم أدوارها بين االبيت والعمل والطبيب لتعالج أبناءها والسوق أحيانا ، كما نرى هذه المقاومة في المرأة الريفية وهي تحمل طفلها على ظهرها وتحرث الأرض أو تحلب البقرة، وتقوم باشغال يقوم بها الرجل.

 ولذا أولت الأديان السماوية المرأة بنوع من الاهتمام وكذلك منظمات حقوق الإنسان، لكن كُلٌّ والزاوية التي يرى بها المرأة، فمنهم من يرى المرأة  من زاوية دينية فطالب ببقائها في البيت من أجل الحفاظ على حرمتها وحتى لا تتعرض للتحرش وتكون سلعة بين أيدي الرجل، ومنهم من  شجع على خروجها وآخرون ربطوا وجودها بالغريزة (الجنس) فقط وكأنها حيوان، وقد سال حولها  حبر كثير من قبل علماء الاجتماع والكتاب والفلاسفة وحتى الشعراء الذين تفننوا في وصف  جسدها والتغزل بها، فأطلقوا عليها اسم “الجنس اللطيف” لاستدراجها إليهم، فظهرت تيارات فكرية وحركية لإخراجها من القالب الذي وضعت فيه باسم حقوق الإنسان، وباسم الحداثة والعصرنة،  وكادوا أن يدرجوها ضمن حوار الحضارات وحوار الثقافات وإن كان ذلك حق شرعي باعتبار أنها إنسان ، خاصة وأن الإسلام  أكرمها ومنحها “الحرية” بعدما كانت توءد حية، فموقف الإسلام لا يتعارض مع حرية المرأة وأن يكون لها وجود ومكانة في المجتمع،   نعم من حق المرأة أن تكون طبيبة ومعلمة وإعلامية ورائدة فضاء وكاتبة  وشاعرة وأستاذة في الجامعة، أو أن تكون “داعية” كما نراه في بعض المجتمعات العرببة ( زينب الغزالي في مصر) ، كما من حقها أن تكون امرأة  أعمال، لقد كانت زوج الرسول خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها  تمارس التجارة وكان الرسول من يرعى تجارتها ويسوّقها لها.

 من حقها أن تقود السيارة والطائرة طالما هي تتمتع بقدرات عقلية تتساوى مع الرجل، ومن حقها أيضا أن تكون “مقاومة” كما نراه في البلدان التي تعيش الحروب  والثورات، ومن هذا المنبر نحيي المرأة في فلسطين والمرأة  في لبنان والمرأة في سوريا والمرأة في جنوب افريقييا والمرأة في الجزائر وعلى رأسهن المجاهدة جميلة بوحيرد أطال الله عمرها، والأديبة زهور ونيسي أطال الله عمرها، دون أن ننسى المناضلة  الفرنسية جاكلين قروج التي جاءت للجزائر لتعمل مدرسة  لتجد نفسها في صفوف المجاهدين لتقاوم الاستعمار الفرنسي من أجل استقلال الجزائر، حيث قادت الثورة في العاصمة وبسبب مقتها ممارسات جيش الاحتلال ضد الجزائريين اعتقلت وسجنت  تعرضت للتعذيب وسلط عليها الجيش الفرنسي أقسى أنواع العذاب باعتبارها خانت وطنها الأصلي فرنسا،  فكل واحدة كانت سيّدة فريدة في نضالها وصمودها وفريدة في رؤيتها للحياة ويمكن هنا أن نفتح قوسين لنقول أن البعض فهم معني الجهاد بأسلوب خاطئ، فأن تكون المرأة “انتحارية” تمارس العنف والتطرف مثلما حدث في الجزائر خلال العشرية السوداء حينما انخرطت المرأة في الجماعات الإرهابية  وحملت السلاح  إلى جانب إرهابيين تقتل أبرياء دون أدنى حق ولغاية سياسية، فمارست العنف فكرا وسلوكا وقامت بعمليات تفجيرية فهذا ليس بجهاد ، فهل حرية المرأة  تعني تجاوز حدود هذه الحرية؟ كأن تكون مثلا رئيسة عصابة  كما نراه اليوم، مجرمة تسرق وتتاجر بالمخدرات والأسلحة، أو تتعاطى الشيشة وما إلى ذلك، فهذه ليست بحرية.

مفاهيم في حاجة إلى ضبط

والحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالذات يستوجب تحديد بعض المفاهيم وبالأخص مفهوم “المساواة ” و”الذكورة ”  و”الآدمية”  و” الخصوصية الثقافية ” وغيرها ، فمفهوم المساواة بين الرجل والمرأة يختلف من شخص لآخر، حيث أن هناك من يرى أن المساواة تختلف حتى بين المرأة والمرأة وبين الرجل والرجل وطرحوا السؤال التالي: مَنْ مِنَ النساء تساوي غيرها من النساء؟ وكذلك بالنسبة للرجل، كيف تتساوى المرأة المثقفة  الواعية الإنسانية في مواقفها وسلوكاتها مع المرأة الجاهلة الأنامنية الكارهة في فرديتها، مع من يساوي ابن سينا أو فيتاغورس آو الرجل المثقف، العالم الحكيم، الراقي المتسامي مع الآخرين الجاهلين المبتذلين في سلوكهم المتكبرين الذين يتضاءلون امام المغريات، وكيف يتساوى الرجل المتواضع مع الرجل المتكبر، وقالوا: إذا كنّا نعجز عن إقامة المساواة المطلقة بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة فكيف نقيمها بين الرجل والمرأة؟ وقد ذهب الأديب السوري ندرة اليازجي في الإتجاه الذي يخالف الكثير من الأدباء الذين دعوا إلى تحرير المرأة ومنحها كل حقوقها مثلها مثل الرجل، فهو يرى أن هذه الحربة نسبية وليست مطلقة، وإذا كانت مطلقة بمن الصعوبة بمكان إيجاد قاعدة أساسية يرتكز عليها مفهوم المساواة، هذا لأن المساواة لا تتحقق بمعادلة أو بقانون.

 فقياس الذكورة على نحو أفضل من الأنوثة وضعه “الذّكر” الذي لم يستسغ المفهوم الكوني من الذكورة والأنوثة، لأنه هو المشرع وليست المرأة، ومفهوم آدم لا تعني الذكر، بل تعني الجنس البشري أي الرجل والمرأة معًا وكل واحد منهما يحقق إنسانيته، لأن صفة الآدمية ليس صفة ذكرية، فالرجل في مجتمع ذكوري لا يرى المرأة كزوجة أو شريكة حياته، بل ينظر إليها كخادمة أو ممرضة حين يمرض أو آلة إنجاب فقط، ولإعطائها مكانتها الخاصة في البناء الإجتماعي  لقيت المرأة في العهد النبوي أنصف تقدير فقد اعتنى الخطاب الإسلامي بالمرأة لما رسمته من صور العطاء والتضحية والبطولات يعجز التاريخ عن إدراك مثيلاتها ، نساء قدمن النفس والنفيس من أجل رفع راية الدين والوطن ، فقد كانت سمية زوجة ياسر اول من تحمل لقب الشهيد في الإسلام، ويكفي أن نقارن بين المرأة بالأمس والمرأة اليوم ، المشكلة هي أن المرأة العربية تأثرت بالحضارة الغربية التي يرى البعض أنها محور الأشياء.

 طبعا موضوع المرأة في المجتمع الغربي يختلف عنه في المجتمع العربي والمقاربة بينهما تستوجب الوقوف على الخصوصية الثقافية لكل مجتمع  ورؤية كل طرف للآخر الذي هو عبارة عن مستويات مختلفة كما يرى في ذلك الباحثون كون أن بعض المجتمعات منقسمة ، فمثلا نجد في المجتمع المسيحي هناك من يدعو المرأة إلى التزام الحشمة وهذا اقتداء بأمّ المسيح  مريم البتول عليها السلام، يرى باحثون ومنهم حسن ةحنفي أن حقوق الإنسان وحقوق المرأة هما عبارة عن إسقاطات غربية صرفة على باقي الشعوب وهذه الحقوق تقوم على فلسقة فردية وحقوق المرأة تقوم على مفهوم فردي جنسوي بعد تجزئة الفردية إلى فرديات ( رجل، امرأة، طفل ، شيخ، شاب) وهذا  كما يقول كله تفتيت للمجتمع كله بل ضرب للخصوصية specificity في مقابل العولمة globalisation وكل ذاك من أجل وضع نموذج الإنقطاع بين التراث والحداثة باستخدام قضية المرأة لدرجة أن أسرار المرأة والأسرة أصبحت مكشوفة ومباحة عبر القنوات القضائية ومواقع التواصل الإجتماعي، والتي نتجت عنها انتشار الجريمة الإلكترونية، كل هذا يتم تحت غطاء المدنية المزيفة والتحضر المزيّف والتحرّر المفرط.

المدرسة الباديسية والمدرسة الإباضية ( العَزَّابَة) نموذجا

  لم تكن القضية قضية دين أو عادات وتقاليد بل قضية نظام والسياسة التي تنتهجها الدول في علاقاتها مع الآخر، وكلما وقع التشابك بين السياسي والثقافي كانت المرأة وسطهما في أداء العمل الجماعي،  الخلاصة هي أن الصورة التي ترصدها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وانتهاك كرامة المرأة في البلدان المستقلة مبالغ فيها عندما نقارنها  بوضع المرأة داخل السجون والمعتقلات في فلسطين مثلا وسوريا ولبنان وحتى في جنوب افريقيا والحالة السوريالية الباعثة على السى وهي تواجه سرطان العنف الجسدي والجنسي عليها، فالعلاقة الحقيقية بين المرأة والرجل كالعلاقة  بين الأصل والواقع،  ذلك الأصل بقواعده ومبادئه وشريعته وذلك الواقع الذي يتجاوز “البرافنات”..، يسمح لما هو غير مسموح، أي يفرض الأشياء قسرا.

 فالآلة الإستعمارية (خاصة الثقافية) انطلقت  باسم تحرير المرأة في عملية تغريبية لعناصر المجتمع الإسلامي، وهكذا مررت مشروع التغريب، ولننظر ما تقوله المدرسة الباديسية عن المرأة: ” إن المجتمعات الشرقية المتهمة بكونها مجتمعات رجولية أو بالأحرى ذكورية يكاد يكون دور المرأة فيها مهمشا بل مغيبا، ولذلك لا حظّ لها في المشاركة في تدبير شؤون الحياة إلى درجة أن خروجها من البيت أو ظهورها في أوساط المجتمع يعد من المحرمات، وبهذا المنطق العرفي عزلت المرأة في البيت وسجنت فيه، وللرد على هؤلاء تعترف المدرسة الباديسية بأن المرأة هي نصف المجتمع وهي بالتالي نصف الحياة،  إذن فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وانسجام بينها وبين الرجل، فجمعية العلماء المسلمين بقيادة العلامة عبد الحميد ابن باديبس عنيت بتعليم المرأة وتهذيبها لصوتها وتحصينها وحمايتها من كل ما هو تغريبي والنهوض بها على كل الأصعدة في الحدود التي يسمح بها الإسلام، أمام الصراع الذي نراه اليوم قائما حول لباس المرأة ومطالب بنزع الخمار  كشرط أساسي لتوظيف المرأة المسلمة خاصة لدى الجالية المسلمة في المهجر ( فرنسا كمثال) حتى لو كانت حاملة شهادة جامعية.

و إلى جانب المدرسة الباديسية التي اعترفت بالمرأة وحقوقها في بناء المجتمع إلى جانب الرجل، فالمدرسة “الميزابية” في الجزائر كنموذج فما زال الرجل الميزابي يرفض تكسير جدران العزلة على المرأة، ولم يفسح لها المجال كاملا في شتى ضروب الحياة العامة التي يمارسها الرجل، حتى مشايخ ميزاب وأعيانهم يرون أن فتح المجال الكامل للمرأة يعدّ خرقا لمنظومة المجتمع الميزابي المحافظ، ويرون أن مكانة المرأة يجب أن تكون في الأسرة لتؤدي واجب الزوجية والأمومة، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا ويوجه خصوصا إلى مؤسسة “العزّابة” ، طالما الرجل الميزابي له غيرة على المرأة بقصد تحصينها والحفاظ على عرضه فهل يقبل أن يفحصها طبيب رجل؟ أو يتولى توليدها في الحالات الإستثنائية ( عملية قيصرية) عندما يستعصي الأمر على القابلة التي لا تملك شهادة تخصص؟حسب الكتابات قام صراع كبير بين المدرسة الباديسة وحتى مدرسة الأفغاني والمدرسة الإباضية حول قضية المرأة وإعلان الثورة على  المناهج التقليدية التي ترى المدرسة الإباضية ( العزابة) أنها من المقدسات،  خلاصة القول إنه عندما نقارن بين نساء في التاريخ نجد أن المرأة لعبت دورا في النهوض بدينها وثقافتها  فكن قائدات ورائدات يضرب بهن المثل في العطاء والتضحية من أجل هدف نبيل.

___________

* إعداد /علجية عيش (للمقال مراجع).

جديدنا