إحياء الثقافات العربيَّة القديمة؛ الجزائر نموذجًا

image_pdf

آن الأوان لعقد حوار يؤدِّي إلى إصلاح ثقافي يكون في مستوى يتم فيه قبول التعدديَّة الثقافيَّة، من خلال تنظيم مواسم ثقافيَّة تناقش فيها  كل الأفكار والرؤى ووجهات النظر وتطرح فيها المقترحات، للخروج برؤية موحّدة ثم  إيجاد آليّات تجسيدها في الميدان ، ففي زمن اللامبالاة تبقى على المثقَّف العربي مسؤوليَّة ضخمة وعظيمة في علاج المسألة الثقافيَّة ودراسة كل مفردات الثقافة ومفاهيمها القديمة والحديثة، فثمَّة مصطلحات ربطها باحثون بالمسألة الثقافيَّة مثل التحيزات الثقافيَّة وأنماط الحياة ومفاهيم أخرى كانت أكثر تشويها للثقافة العربيَّة وللمثقفين العرب، كما تقع المسؤوليَّة على الجامعة العربيَّة التي هي مطالبة بتجديد  دورها الثقافي وتعزيز الثقافة العربيَّة وإقامة جسور ثقافيَّة بين دول العالم العربي، فبدلا من تكريس نظريَّة “المؤامرة” لماذا لا نفعِّل نظريَّة النقد الذاتي التي تستند إلى  تأصيل ظاهرة الحوار الثقافي والحضاري معا؟

“إحياء الثقافات العريبة القديمة” هو عنوان مقتبس من كتاب: “تحت شمس الفكر” للأديب المصري توفيق الحكيم وهو عبارة عن مقالات  ورسائل بعثها إلى صديقه المقيم في باريس، كتبها باسلوب يتَّسم بالحِكَمِ  والبراهين، مقالات يتداعى داخلها الفكر الإبداعي فتستيقض أحاسيسك على حقائق، وربما هناك من كتب في هذا المجال وطالب بإحياء الثقافات العربيَّة القديمة،  طبعا لا يمكن أن يتجرد أي كاتب من ذاتيته، وهو يكتب يتحدث عن أخبار البلد ونمط حياة شعبها، وقد لفت انتباهي مقاله “من النيل إلى السين” تحدَّث فيه عن الثقافات القديمة في رسالة بعثها إلى صديقه أحمد الصاوي محمد، المقيم في باريس في عام 1927، وقد أثارت رسالته في نفسه ذكريات وأعادته إلى الماضي، في رسالته يصف توفيق الحكيم جمال النيل، لكن هذا الجمال كما يقول هو،  كان بلا روح، لا يرى فيه الحضارة النشطة، وفي رسالته يقارن توفيق الحكيم بين مصر ( في ذلك الزمان ) وباريس الحضارة، إذ يقول: لا شيء في الليالي المصريَّة يمكن أن ينم عن الرُّوح المصريَّة والذوق المصري عكس باريس.

  ثم يصف  الحياة الشرقيَّة في الشق الثاني من رسالته كتبها في عام 1937 فيقول إنها فوضى أو هي حياة أوليَّة (سديميَّة) لم تتكون فيها عوالم منظّمة متألِّقة يعيش فيها الناس، ( الفارق طبعا طويل، 10 سنوات مضت ولا شيءتغير في مصر) ، لأن رجال السياسة كما يضيف كانوا يتحكمون في طائفة من طوائف الأدب والعلم والفن والرياضة، السبب هو أن هذه الطوائف لم تستطع تنظيم نفسها، تنظيما يؤهلها لتثبت وجودها في الساحة ولذا ظل المجتمع الشرقي في وضعه الحاضر مجتمع ابتدائي…الخ، نعم وقد صدق توفيق الحكيم، لأن النخبة من أبناء الوطن العربي لم تقف في معسكر واحد، على جبهة الدراسات في بحث الثقافات العربيَّة القديمة ( قبل وبعد دخول الإسلام) فتجنبها الدخول في الصراعات وتمكنها من إحياء النهضة العربيَّة وبلورتها، ودون الخوض في تفاصيل الرسالتين يقول الأديب المصري توفيق الحكيم في حديثه عن إحياء الثقافات العربيَّة القديمة أن الثقافات والحضارات لا تموت، وإنما المقصود من إحيائها  يعني إعادة لها مجدها الغابر ومكانتها والازدهار الذي لفت الأنظار إلى الثقافة العربيَّة القديمة في عصرها، فهذا شيءآخر وأمر ممكن لو عملنا واجتهدنا في سبيل إحداث نهضة ثقافيَّة يشعر بِهَزَّتِهَا العالَمُ المُتحضر، ثقافة تنم عن روحنا وشخصيتنا الشرقيَّة، والطريق – كما يرى هو-  يكون بحركة ترجمة واسعة النطاق مثلما حدث في عصر النهضة.

تعقيـــــب/ إن إحياء الثقافات العربيَّة القديمة يطرح تساؤلات عن ماهيَّة الثقافات العربيَّة القديمة طالما هي عنوان لـ “الهويَّة” ، فأن يكون الحديث عن الثقافة المصريَّة القديمة فهذا يقود القارئ إلى الحديث عن الثقافة الفرعونيَّة، أو الحديث عن الثقافة المصريَّة في العهد المسيحي، وقد اشار توفيق الحكيم في كتابه إلى هذه النقطة، كان في هذا العهد أدب وقَصَصٌ ديني صوفي تلمس فيها الشخصيَّة المصريَّة بأفكارها الثابتة، ثم الحديث عن مصر في الإسلام، وهذه الثقافة  تظهر في أسلوب البناء الإسلامي المعماري للمساجد الذي يخنلف عن الفن الفرعوني المعماري، ولو تكلمنا عن الثقافة العربيَّة القديمة في العراق مثلا ، فهذا يقودنا أيضا إلى الحديث عن الثقافة البابليَّة الأصيلة ، ونفس الشيء بالنسبة للثقافة العربيَّة البحرينيَّة، التي تأسس فيها أول منتدى ثقافي كرّس أصحابه التضامن الاجتماعي المرتبط بالحِسّ العربي والقيم العربيَّة النبيلة، وعملوا على نضج الوعي العروبي السمح، ثم الثقافة في الحجاز والشام قبل دخول الإسلام ونوادي الأدب المنتشرة، دون الحديث عن الثقافات العربيَّة القديمة في البلاد الأخرى وحتى عند شعوب المغرب العربي، تشير العديد من الكتابات أن المجتمعات التي يغلب عليها الطابع القروي أو الخارجة منذ عهد قريب من نمط الحياة القرويَّة أشد تمسكا بالثقافة الأصيلة رغم أنه لها قابلبة للتعدد الثقافي.

الثقافة الجزائريَّة ازدهار أم انكسار؟

ماذاعن الثقافة الجزائريَّة؟ …، هو طبعا حديث ذو شجون، يطرح تساؤلات عديدة حول ماهيَّة الثقافة الجزائريَّة هل هي أمازيغيَّة أصيلة أم هي عربيَّة إسلاميَّة؟، فطالما عاشت الجزائر صراعات ثقافيَّة (الصراع العربي الأمازيغي والصراع العربي الفرانكفوني) وكله يدور حول الثقافة واللسان، ولكن أُعْطِيَ له طابعا سياسيا، الخطأ الذي وقع فيه الأمازيغ ( وهذا كلام الؤرخين) هو أنهم لم يدونوا تراثهم وثقافتهم ولم يترجموهما إلى اللغة العرببة، فلما اعتنقوا الإسلام وتعلموا اللغة العربيَّة نطقا وكتابة، كتبوا في كل مجال باللغة العربيَّة ولم يلتفوا إلى ترجمه ثقافتهم التي كانت بالأمازيغيَّة إلى اللغة العربيَّة،  ولم ينهضوا بها طيلة قرون ، حتى القرن الماضي الذي طالبوا فيه بإعادة الإعتبار للثقافة الأمازيغيَّة وإحيائها، وظهرت حركات تروج للمنتوج الفكري الأمازيغي والفني والمعرفي الغزير وتطوعت نخب فكريَّة وسياسيَّة في البلاد للمطالبة بهذا الحق، بعدما عرضت أحداث التاريخ الثقافي والسياسي للمنطقة وكيف شوّ الاستعمار ثقافتهم وعملت أطراف من الداخل على طمسها وتغييبها بل محوها إن صح القول.

فالثقافة القديمة غير قابلة للتحقيق، وغير قابلة للزوال،  لأن لها مُقَوِّمات هو ( الثقافة الأصليَّة، المجتمع الأول والعادات والتقاليد)،حتى لو كان هناك تغير للواقع الثقافي الإجتماعي (ثقافة المهاجر الجزائري) أو كما سمّاها البعض بـ ثقافة “البور”  Beur لذوي الأصول الجزائريَّة من الجيل الثالث في فرنسا، وقد نشر الباحث الجزائري عبد المالك صياد دراسات عن ثقافة المهاجرين الجزائريين في فرنسا ومدى تاثير سياسة الإدماج في المقيمين في الخارج، فكيف يكون الحديث إذن عن الثقافة الجزائريَّة؟ وبالأخص ثقافة المهاجرين الجزائريين في المهجر؟ وكيف يمكن إزالة أو محو التسميَّة التي أطلقتها فرنسا عليهم وهي “الغبار البشري” la poussiere humaine ، هذه مجرد تساؤلات قد تصلح لصياغة فرضيات عن الثقافة الجزائريَّة، هذه الثقافة التي لا تتوقف عند كتابة القصة والقصيدة والرواية أو المسرحيَّة، ولكنها تتعلق بالتراث بصفة عامة، وهنا يقودنا الحديث عن الثقافة الشعبيَّة بما فيها “الزيّ” (اللباس) سواء كان قبائلي أو شاوي أو اللباس العاصمي،  طالما هو يعبر عن ثقافة مجتمع وهويته.

المؤتمر الخامس لحزب “ج ت و” أول مؤتمر يناقش ملف الثقافة

هناك ملاحظة أخرى وجب الإشارة إليها، فبالعودة إلى الوراء وبالضبط إلى المرحلة البومديينيَّة  نلاحظ أن الرئيس هواري بومدين عشيَّة الإستقلال إلى جانب الثورة الزراعيَّة والثورة الصناعيَّة،  أعطى أهميَّة قصوى للثورة الثقافيَّة تمثل ذلك في مسالة تعريب المدرسة الجزائريَّة والإدلرة، لكن مشروعه لم يكتمل ، فبعد وفاته وخلفه الشاذلي بن جديد تعهد هذا الأخير بمواصلة المسيرة الثقافيَّة عندما تعهد خلال الدورة الثالثة للجنة المركزيَّة لحزب جبهة التحرير الوطني في ماي 1980  تعهد بأن ينظم حملة وطنيَّة لمناقشة ملف الثقافة، لكن الملف تم تأجيله  إلى جوان 1981 لأسباب سياسيَّة أراد الرئيس أن لا تدخل الجزائر في دوامة بين ابناء البلد الواحد وهذا لغلق الباب أمام المعارضين، بعد ظهور تيار جديد اصطلح عليه بـ: “البربريزم”، لكي لا يستثمرون في أحداث تيزي وزو، رغم أن الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت كانت اجتماعيَّة واقتصاديَّة حينما تعلق الأمر برخصة الخروج من التراب الوطني وانقطاع المواد الغذائيَّة الضروريَّة من السوق بصورة مزمنة.

 ومع مطلع 1981 شرع الشاذلي بن جديد في تنفيذ تعهده ونصبت في ذلك لجنة خاصة لدراسة ملف الثقافة في الجزائر،  كان المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني أول مؤتمر يناقش ملف الثقافة  ووضع منظومة التثقيف تحت المجهر من أجل تكوين شخصيَّة الفرد الجزائري والعنايَّة بالشباب الذي يعتبر حجر الزاويَّة في المشروع الثقافي الضخم، كان مجموعة من الكتاب والأدباء  المهتمين بشؤون الأدب والفكر والثقافة قد اسسوا هيئة ترعى شؤونهم سموها اتحاد الكتاب الجزائريين، لكن هذه الهيئة أو المؤسسة الثقافيَّة صادفتها عقبات بسبب الصراعات الإيديولوجيَّة  بعدما تحول الإتحاد إلى حلبة لتصفيَّة الحسابات السياسيَّة في الوقت الذي كان يرجى منه أن يكون ظاهرة ثقافيَّة فكريَّة وأدبيَّة.

 إن هذه الملاحظات ليست دعوة إلى الشوفينيَّة العنيفة xénophobie ضد الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، فهذه الأخيرة تحتاج كذلك إلى إعادة نظر حتى في مجال الزيّ، فهل وجب على المسلمين أن يكون لهم زيّا موحدا كما نراه في المجتمعات الإسلاميَّة الأخرى؟ طالما الزي الموحد يُعَبِّرُ عن الثقافة الإسلاميَّة بل يعبر عن هويَّة المسلمين، فإحياء الثقافة القديمة في الجزائر مثلا يدعونا إلى إحياء العادات والتقاليد التي تخلى عنها البعض ماعدا في مناطق الجنوب، والعودة إلى اللباس التقليدي الجزائري (القندورة والشاش)، وتصحيح كل انماط السلوك المتمثلة في نظام القيم التي تعرضت للتشويه، ومن هنا نقف على السؤال الذي يطرحه أهل الإختصاص إن كان التعامل مع الثقافة من زاويَّة إنتاجها وتوصيلها إلى النخبة أو الجمهور؟،  أم التعامل معها عن طريق التربيَّة والإنتماء إليها والعلاقة التاريخيَّة بها؟.

  في كل ذلك تقترن الثقافة بالمنظومة التربويَّة والسياسة الثقافيَّة التي تضعها الدولة، يمكن الإشارة هنا أنه كلما تعلق الأمر بالسياسة حضرت الإيديولوجيَّة، وقد سبق لبعض الباحثين وأن تطرقوا إلى هذه الإشكاليبة، ومنهم الباحث حنفي بن عيسى الذي أدخل على القاموس اللغوي مصطلحا جديدا سماه “فكرولوجيَّة” باعتبارها تعبيرا للخطاب الثقافي، إذ يقول: إنه بالنظر إلى طبيعة النظام في دولة ما، فقد يتحول الخطاب الثقافي إلى قناة تحمل الرسائل الإيديولوجيَّة وتستهدف التعبئة والإثارة ( Agit-prop ) ، هذه الإيديولوجيَّة التي كانت وراء كثير من الصراعات الدمويَّة، يقول باحثون آخرون أن في الثقافة سياسة وفي السياسة ثقافة وبدل الخوض في العلاقة بين الثقافة والإيديولوجيَّة من الأوضح الإتفاق على مصطلح توافقي لا يكون مثقل بالشبهات، إذن إن إحياء الثقافة العربيَّة القديمة عموما وبالأخص الثقافة الجزائريَّة يعني العودة إلى نقطة الصفر، وهذا قد يجدد الصراعات القديمة ويعيدها إلى السطح إذا قلنا أن هذه الصراعات لا تزال قائمة إلى اليوم.

دعوة إلى حوار ثقافي تلتقي فيه جميع الأطراف

يقول مفكرون ومؤرخون أنه تم فرق بين الثقافة العربيَّة القديمة والثقافة العربيَّة الحديثة ويؤكدون أن الثقافة العربيَّة الحديثة هي ثقافة إيديولوجيَّة أكثر مما هي  ثقافة معرفيَّة وثقافة حضارة، باعتبار أن المعرفة  معرفة الذات ومعرفة الآخر ومعرفة الواقع بمعناه الأشمل والأعمق، وهي الشرط الأول لبناء الحضارة ودفع عجلة التقدم الحضاري، المسألة تتعلق بوجوب عقد حوار يؤدي إلى إصلاح ثقافي تتسامح فيه جميع الأطراف المتنازعة في مستوى يتم فيه قبول التعدديَّة الثقافيَّة واحترام الآحر  من أجل تصحيح الأخطاء وتوضيح الإختلاف القائم  في المنهج والأسلوب ولغة الكتابة، فقد يكون التفكير (عربي /جزائري، مغربي لبناني، عراقي،  مصري ، سوري)   لكن لغة الكتابة أجنبيَّة كما رأين ذلك عند أدبائنا ومفكرينا الجزائريين كمالك حداد و كاتب ياسين ومالك بن نبي وأسماء كثيرة.

 أما غير ذلك فهذا يعني انعدام احترام ثقافة الآخر ( المحلي) وانعدام الاحترام يعني تسيّد الصراع، وهذه الإشكاليات تحتاج إلى مواسم ثقافيَّة خارجة عن ثقافة الهرج والمرج ، مواسم تناقش فيها  كل الرؤى ووجهات النظر وتطرح فيها كل المقترحات، للخروج برؤيَّة موحدة ومتفق عليها  ثم  إيجاد آليات تجسيدها في الميدان طالما الأمر يدخل في إطار حقوق الإنسان وفي ظل العولمة التي تفرض التعايش مع الآخر، وليكون اللقاء لقاء التاريخ، فلكل فرد أو هيئة له الحق في أن يروج لثقافته الأصيلة، أما أن تتحول المواسم الثقافيَّة (ملتقيات كانت أو ندوات وطنيَّة أو موائد مستديرة أو حتى مؤتمرات) إلى حلبة لتصفية الحسابات والقذف والإعتداءات الجسديَّة كما نراه في بعض المؤتمرات التي تعقدها الآحزاب السياسيَّة في بلادنا، لأن اللقاء هو لقاء نخبة واعيَّة  ملتزمة ومتحضرة تحترم نفسها والأشخاص الذين تحاورهم دون اتهامهم بالكفر أو الزندقة مثلما حدث مع كثير من المثقفين والمفكرين والروائيين الجزائريين، وحتى لا يكون المثقف الجزائري أضحوكة للآخرين.

 يقول راسل جاكوب في إحدى بحوثه حول المسالة الثقافيَّة: ” في الجزائر المعاصرة أن تكون مثقفا هذا يعني أنك في سبيلك إلى الإغتيال، أما في أمريكا الشماليَّة وأوروبا الغربيَّة فالمثقفون لا يواجهون خطرا”، أظن أني أجبتُ على سؤال قد يطرحه البعض وهو: لماذا الجزائر بالذات؟، لا شك أن الباحث راسل جاكوب محق لما خصّ الجزائر بالحديث وهو يعالج المسألة الثقافيَّة ، لأن ظاهرة الاغتيالات في الجزائر مست شريحة واسعة من المثقفين قبل  العشريَّة السوداء وبعدها،  سواء كانوا أدباء، مفكرين، إعلاميين وحتى ناشطين سياسيين أو نقابيين، ثم أن الحديث عن الثقافة يفتح الباب لتسليسط الضوء على بعض المفاهيم كالحداثة والعصرنة والعولمة وما يقابل هذه المفاهيم من مصطلحات مناقضة وفاسدة كعصر ما بعد التاريخ، وحتى يضع المثقفون العرب حدا لظاهرة الإنتحار الأدبي مثلما حدث مع أبي حيان التوحيدي، والإنتاحار الفكري للفيلسوف الوجودي جان بول سارتر وانتحار الشاعر الكبير خليل حاوي والأمثلة كثيرة .

خلاصة القول وفي زمن اللامبالاة تبقى على المثقف العربي بصفة عامة مسؤوليَّة عظيمة، فهو مطالب اليوم بنفض عنه الغبار والتحرك لتطهير الساحة الفكريَّة الثقافيَّة من كل اشكال الإنحطاط والتبعيَّة وعلاج المسألة الثقافيَّة ودراسة كل مفردات الثقافة ومفاهيمها القديمة والحديثة، فثمة مصطلحات ربطها باحثون بالمسألة الثقافيَّة مثل التحيزات الثقافيَّة وأنماط الحياة ومفاهيم أخرى كانت أكثر تشويها للثقافة العربيَّة وللمثقفين العرب، كنت قد قرأت كتاب ضم مجموعة مقالات عن حوار الحضارات وحوار الثقافات ولفت انتباهي أن الجامعة العربيَّة منذ نشأتها والموضوعات ذات الطابع الثقافي تحتل أولويَّة اهتماماتها، وكانت أول إدارة يتم إنشاؤها في الجامعة العربيَّة هي الإدارة الثقافيَّة،  ولها تجربة في إقامة حوار حضاري ومنه الحوار العربي الأوروبي  خلال فترة السبعينيات وفي فترة ما بعد أحداث سبتمبر 2011 ، وهي اليوم مطالبة بإعادة تفعيل دورها الثقافي في الساحة وعلى كل المستويات والأصعدة، ناهيك عن دور المنظمة العربيَّة للتربيَّة والثقافة والعلوم في تعزيز الثقافة العربيَّة والتعريف بها وحمايتها، وإقامة جسور ثقافيَّة بين دول العالم العربي، فبدلا من تكريس نظريَّة “المؤامرة” لماذا لا نفعل نظريَّة النقد الذاتي التي تستند إلى  تأصيل ظاهرة الحوار الثقافي والحضاري معا؟

عبارة كتبها أحد الأدباء اللطفاءالظرفاء: “ما أجمل هذا العالم لو كان الجميع مثلنا”.

__________

*علجيَّة عيش مع ملاحظات وتعقيب.

جديدنا