الخلاف السنّي الشيعي؛ خطوات لنزع فتيل الخصام

image_pdf

 يمرّ الخلاف السنّي- الشيعي بأصعب مراحله اليوم لاستنفاده الأفكار والرؤى والمواقف والآليّات العمليَّة، ناهيك عن دور عامل التاريخ الذي رسَّخ المشاكل وأكَّد المفاهيم القديمة وعزَّز حدَّة الاستقطاب لدى الطرفين مع تقادم الأعوام. الخلفيَّة الثقافيَّة والتراثيَّة التاريخيَّة لا تسمح في إقامة حوار موضوعي ومثمر حول الخلاف القائم على إلغاء الآخر وتركيز الذات، مستخدماً كافة الدلائل.

بداية الخلاف كان سياسياً ودار حول خلافة الرسول (ص) حيث رأى السنَّة بالخلافة والشيعة بالإمامة، وتطوَّر فيما بعد ليغدو لاهوتياً. ولا بد القول إنَّ النقاط المشتركة بين الطرفين كثيرة، فيما تعتبر نقاط الاختلاف قليلة، غير أن النقاط الهامشيَّة تبقى في الغالب هي أكثر تأثيرا في مفصل العلاقة بين الجانبين.

لا بد من الاعتراف أنَّ المصطلحات الغابرة التي تميَّز بها الخلاف السنّي- الشيعي كالنواصب والروافض، كانت ولا تزال العائق الأهم لتأسيس علاقة سليمة بينهما . كذلك توجد مشكلتين أساسيتين تتطلَّب مواجهتهما مجدّداً بشجاعة وشفافيَّة، بعدما فشلت جهود عدَّة في التعامل معهما في الماضي القريب، وهما : أولا: الاعتراف بوجود مشكلة قائمة تزداد عمقاً مع مرور الزمن والدعوة بصوت عال بمواجهتها وليس طمسها أو التغاضي عنها، بعيداً عن عبارات المجاملة أو الشعارات مثل «كلنا أخوة مسلمين»؛  إذ إنَّ العبارات والدعوات المخلصة والطيِّبة لم تصل إلى نتائج عمليَّة، رغم تعدّدها وتنوّعها ماضياً و حاضراً. فالاستقطاب اليوم تجاوز الازدراء والحقد والكراهية، ليصل إلى مصاف القتل على الهويَّة، مثلما شهده العراق، وما زالت باكستان تشهده لغاية الآن.

الأبعاد السياسيَّة هي الأخرى تلعب دوراً فاعلا في تعقيد العلاقة بين الطرفين وتساهم في تشنّج المواقف وتزمُّت الرؤى ودور القوى المحليَّة في عموم المنطقة، إضافة إلى دول الجوار، لذا فالنيَّات الصادقة والجهود المثابرة من قبل الجانبين غير كافية لإقامة علاقة سلميَّة بسبب تلفّع العلاقة بالعاطفة، والأهم، ربما، أنَّ الصراع قائم على النقل وليس العقل، ولم يخضع للتحقيق والتمحيص أو النقد طوال التاريخ، ما أدَّى إلى تضخّمه مع مرور الوقت.

ثانياً: عدم تبلور الاحترام المتبادل لعقائد الطرفين ومحاولة كل طرف إقناع الآخر باهميَّة ما عنده من مبادئ وأفكار، وما يتطلَّب فعلا احترام كل جانب حقّ الجانب الآخر في الخيار والقناعة لصحَّة العقائد التي يؤمن بها، فالتقريب بين الطرفين لا يقوم على إقناع الآخر .. وإنما احترام خياره. وفي هذا السياق يعتقد بعض السلفيّين، إن لم نقل جميعهم، أنَّ أيَّة محاولة للتقريب بين الطرفين، ما هي إلا بدعة من الشيعة لنشر عقائدهم، أو مؤامرة على أهل السنَّة، الأمر الذي يستحيل تبلوّر علاقة صحيَّة بينهما .

ويبقى الحوار، رغم صعوبة تحقيقه، البديل الوحيد للحدّ من تطوّر الفجوة بين الطرفين وتوفير المنفذ لتمزيق الأمّة وتشتّتها. فلا غالب أو مغلوب في هذا الصراع، ويضحى الخراب سمة الجميع.

 توعية المسلمين بالخلاف ونتائجه إحدى أهمّ الضرورات، فضلاً عن نزع فتيل التاريخ باعتباره أحد مصادر المعرفة المغذيَّة لتأصيل أفكار التكفير والرفض والإلغاء، الأمر الذي يتطلَّب:

-الالتزام بالقرآن الكريم باعتباره کتابًا مقدّسًا يؤمن به ويعود له المسلمون على اختلاف مللهم ونحلهم.

– إیجاد آليَّة عمليَّة لتسوية العلاقة السنيَّة – الشيعيَّة، تقبل بتعدُّد الطوائف والمذاهب والأديان، ووضع الدولة الأسس القانونيَّة لشرعيَّة التعدّديَّة والاعتراف بحقوق الجميع وتأسيس علاقات احترام متبادلة ومساواة تامَّة لقبول علاقة الاجتماع والاختلاف في مجتمع واحد ، وسنّ قوانين لمنع التحريض والعنف والقتل على مستوى الفتاوى الدينيَّة والكتب والبيانات والخطب؛ أي فرز المعياريَّة الجوهريَّة لتبلور إطار مشترك يحدِّد العلاقات بين الأطراف المختلفة، ووضع إستراتيجيَّة لإطار يهندس العلاقات السنيَّة – الشيعيَّة والعمل على تطوير الأجندات المشتركة. ويأتي دور الإعلام لنشر التوعية والتأكيد على أهميَّة رفع الشعارات المناسبة والتركيز على العيش المشترك وتعزيز التنوير والانفتاح ومحاربة الجهل.

ولعلَّ أهميَّة تأسيس وتقوية مؤسَّسات المجتمع المدني التي تدعو إلى التوجّه السلمي، وذلك لاستثمار برامج عمليَّة تعمل على التقريب كالندوات والحوارات أو الصلاة المشتركة، وتنظيم فعاليات جماعيَّة مشتركة تحدّ من التباعد والفرقة، وإشاعة الوعي المشترك من خلال اللقاءات المشتركة، عندئذ نكون قد مارسنا بالفعل الوحدة وحقَّقنا للأجيال المقبلة ما نصبو إليه من أُخوّة حقيقيَّة تمثّل أهم مرتكزات ديننا الحنيف.

_______

*الراصد التنويري/ العدد السابع/ شتاء 2010.

جديدنا