هل من اختلاف بين أدمغة الذكور والإناث؟

image_pdf

هناك اختلافات بيولوجية تشريحية ووظيفية بين أدمغة الرجال والنساء. في النهاية، تفرض الهرمونات الجنسية بعض أنساق التطور العصبي المختلف في أدمغة بني البشر منذ مرحلة تخلقهم الجنيني في أرحام أمهاتهم، وتؤثر على وظائف الدماغ طيلة حيواتهم بدرجات مختلفة وخاصة في مرحلة البلوغ.

الرجال مقابل النساء

الأسطورة الشائعة هي أن الرجال أذكى من النساء لمجرد أن الرجال، في المتوسط، لديهم أدمغة أكبر من الناحية الحجمية. العلاقة بين حجم الدماغ والذكاء معقدة، والدماغ الأكبر حجمياً لا يعني الكثير عند مقارنة الأفراد سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، لأن الأدمغة بالإضافة لحجمها يمكن أن تكون أكثر أو أقل كثافة من ناحية عدد الخلايا العصبية الفاعلة فيها، ولديها اتصالات أسرع أو أبطأ.

في الواقع، وجدت دراسة تصويرية واسعة النطاق نُشرت في عام 2015 أن معظم الأدمغة تحتوي على سمات ذكورية وأنثوية مختلطة بدرجات وأطياف لا حصر لها. هذا صحيح سواء كان الباحثون يدرسون أعداد الخلايا في مناطق الدماغ المختلفة (المادة الرمادية)، وكميات الألياف العصبية (المادة البيضاء)، أو الروابط بين مناطق الدماغ المختلفة.

قياس الاختلافات

في علم الأحياء، تُعرف الاختلافات المورفولوجية بين الذكور والإناث من نفس النوع بازدواج الشكل الجنسي. الفرق بين ذيل ذكر الطاووس وذيل أنثى الطاووس هو مثال واضح.

ولكن عندما تقوم بمسح بيانات علم الأعصاب بحثاً عن ازدواج الشكل الجنسي في أدمغة بين البشر ذكوراً وإناثاً، لا بد أن تحتوي الدراسات التي تظهر الاختلافات المورفولوجية بين الأفراد المدروسين على أحجام عينات كبيرة نظراً لوجود تباين هائل في بنية ووظيفة الدماغ بشكل عام وإقليمي بين الأفراد.

علاوة على ذلك، يمكن القول إن العمر هو مؤشر أكبر على الاختلافات في الدماغ من الجنس، بالنسبة للعديد من المتغيرات. ازدواج الشكل الجنسي يتغير مع تقدم العمر. بعض الاختلافات تضعف؛ البعض الآخر يتفاقم. أيضاً، لا ترتبط وظيفة الدماغ دائماً بشكل مباشر بمورفولوجيا الدماغ.

عندما نتحدث عن الفروق بين الجنسين في الدماغ، نحتاج إلى اعتبار أن الدماغ هدف متحرك. تكمن قوة هذا العضو في مرونته، وهي ليست لانهائية – فهي مقيدة بالبيولوجيا – لكن هذا التباين يضيف طبقة إضافية من التعقيد لمشكلة محاول إيجاد فروق حقيقية وذات معنى وظيفي بين أدمغة الذكور والإناث.

لكن بالعموم يمكن اعتبار الفروق بين الجنسين على المستوى الدماغي على أنها تنتمي إلى فئات ثلاثة:

1. تشمل الفئة الأولى الاختلافات التي هي، بحكم تعريفها، موجودة دائماً ومزدوجة الشكل بين الرجل والمرأة. هذه الاختلافات مرتبطة مباشرة بالتكاثر الجنسي والهرمونات الجنسية، وهي موجودة بشكل حصري تقريباً في أحد الجنسين أو في الجنس الآخر.

2. تشمل الفئة الثانية الفروق التي تقع على طول سلسلة متصلة كما لو أنها طيف بدرجات حدة لونية متدرجة ومتعددة، ولدى الذكور والإناث توزيعات أو متوسطات مختلفة على طول هذه السلسلة.

3. الفئة الثالثة تشمل الاختلافات التي تتغير بمرور الوقت. في بعض الأحيان، يكون الرجال والنساء أكثر اختلافاً في سمة معينة في وقت واحد أو في ظل ظروف معينة، لكنهم يصبحون أكثر تشابهاً مع تغير الظروف أو مرور الوقت، أو أنهم يبدؤون على نفس المنوال، ولكنهم يتباعدون في وقت لاحق في الحياة أو في ظل ظروف مختلفة.

الاختلافات الرئيسية

هناك العديد من الاختلافات الرئيسية بين أدمغة الرجال والنساء والتي تستحق منا التركيز عليها.

أظهرت ثلاث مناطق في الدماغ، في المتوسط​​، اختلافاً بين الرجال والنساء، وهي اللوزة، وهي بنية على شكل لوزة تلعب دوراً رئيسياً في الارتكاسات العاطفية الحرجة كالخوف والقلق والتشكيل العاطفي للذاكرة؛ والحُصين، الذي تتمثل وظيفته في وضع ذكريات جديدة طويلة المدى والإدراك ثالثي الأبعاد؛ والجسم الثفني، السبيل الليفي الذي يربط بين نصفي الكرة الأيمن والأيسر.

تكون اللوزة الدماغية بشكل عام أكبر عند الرجال منها عند النساء. تساعدنا اللوزة على تذكر تفاصيل الأحداث ذات الشحنات العاطفية مثل مشاعر الخوف والقلق والتوجس، بالإضافة إلى دور مهم في صياغة الميول الجنسية. وتلعب اللوزة دوراً في حث الحُصين على الانتباه.

هناك أيضاً دليل على أن اللوزة المخية لها وظائف مختلفة عند الرجال والنساء عندما يتعلق الأمر بالسلوك والميول الجنسي للفرد. متوسط ​​اللوزة الدماغية للذكور أكبر من متوسط ​​اللوزة الدماغية للإناث، حتى عند حساب الحجم الكلي للدماغ. تمتلئ اللوزة بمستقبلات الهرمونات الجنسية، لذلك يمكن أن يُعزى هذا الاختلاف البيولوجي إلى تغيرات الدماغ التشريحية التي تحدث نتيجة نشاط الهرمونات الجنسية على الدماغ.

هناك أيضاً اختلافات تشريحية في البنية المجاورة للَّوزة، وأعني هنا الحُصين. لقد وجدت العديد من الدراسات أن النساء يملن إلى أن يكون لديهن الحصين أكبر، في المتوسط، من الرجال. قد يكون السبب في ذلك هو أن الحُصين يميل إلى التدهور مع تقدم العمر، بدءاً من الرجل في الثلاثينيات من عمره، ولكن ليس عند النساء، كما هو موصوف في دراسة من عام 2001. ويمكن أن يكون للتوتر والشدة النفسية تأثيرات مختلفة على الحُصين عند الرجال والنساء.

وفي نفس سياق الحديث عن اختلافات حجم اللوزة الدماغية الحصين في أدمغة الذكور والإناث فقد أثبتت الدراسات التي توثق الاختلافات السلوكية في تذكر الأحداث العاطفية من قبل الرجال والنساء بأن النساء يتمتعن بذكريات أقوى وأكثر تفصيلاً عن الأحداث العاطفية وقادرات على إعادتها إلى الذهن بسرعة أكبر. لذا، فإن زيادة قوة الذاكرة المشحونة عاطفياً أكبر لدى النساء منها لدى الرجال، في المتوسط، وهو ما يمكن عزوه إلى زيادة حجم الحصين النسبي في أدمغة النساء عموماً.

قد يبدو تحسين الذاكرة هذا مفيداً، ولكنه قد يكون أيضاً أحد الأسباب التي تجعل النساء يميلن إلى أن يتم تشخيصهن بشكل متكرر باضطرابات مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.

في المتوسط، تحتوي أدمغة النساء نسبياً على مادة رمادية أكثر من أدمغة الرجال، وتحتوي أدمغة الرجال على نسبة أكبر من المادة البيضاء التي تربط الخلايا العصبية. ولكن عندما ننظر إلى الجسم الثفني – وهو أكبر حزمة من المادة البيضاء في الدماغ – تصبح قصة الاتصال أكثر تعقيداً.

غالباً ما يُشار إلى الجسم الثفني باعتباره أحد المناطق التي تُظهر ازدواج الشكل الجنسي بشكل جلي. لقد وجدت الدراسات أن النساء يملن إلى أن يكون لديهن جسم ثفني منتفخ أكبر من الرجال، وقد تم تفسير هذه النتيجة على أنها تظهر أن النساء لديهن تواصل أكبر بين نصفي الكرة الدماغية وأنهن يفكرن بشكل أكثر شمولية. تم الإبلاغ عن هذا الاختلاف لأول مرة في عام 1982.

وأظهرت دراسة أجريت في عام 2003 أنه في الأدمغة في عينة بحثية من الهند، بأن الجسم الثفني أطول في الذكور عنه في الإناث، وأن ذلك يزداد مع تقدم العمر عند الذكور، ولكن ليس عند الإناث.

ويفسر بعض الباحثون تلك النتائج بانه نظراً للتفاعل الأكبر بين نصفي الكرة الدماغية عند النساء بسب كبر حجم الجسم الثفني في أدمغتهن، فإنهن يتمتعن بإمكانية أكبر للوصول إلى النصف الأيمن غير المسيطر والمسؤول عن التفكير الإبداعي والفني والعاطفي، بينما يهيمن على الرجال نصف الكرة الأيسر التحليلي المنطقي بشكل أكثر نسبياً من لصعوبة إدراكهم لإشارات نصف الكرة الأيمن بنفس كفاءة الإناث جراء عدم تحليهم بنفس الدرجة من الكفاءة الحجمية في أدمغة الإناث.

البحث الطبي

هناك حاجة لمزيد من البحث حول الفروق بين الجنسين في الدماغ، لأن هذه الاختلافات، عندما تكون حقيقية، لها آثار مباشرة على صحتنا. هناك اختلاف في انتشار العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية بين الجنسين. ولعلاج الرجال والنساء الذين يعانون من هذه الاضطرابات بشكل صحيح، نحتاج إلى فهم الاختلافات في بيولوجيا الأعصاب لديهم.

قد يتفاعل الرجال والنساء مع نفس الظروف بطرق مختلفة. قد يُظهرون بعد ذلك تغييرات بيولوجية ليست هي نفسها، ونحن بحاجة إلى فهم هذه الاختلافات إذا أردنا تشخيص الأمراض وعلاجها بشكل صحيح. ويمكن أن تظهر الفروق بين الجنسين في انتشار المرض والتشخيص ومستوى الاستجابة للعلاج.

ومع ذلك، هناك تحيز واسع الانتشار في الطب للتركيز على المرضى الذكور والحيوانات الذكور. بين الباحثين في مجال الحيوانات، كان الجدل هو أنه ما لم يكن هناك دليل واضح على وجود فروق بين الجنسين، فإن الحيوانات الذكور أسهل في التعامل معها من الحيوانات الأنثوية لأنه لا داعي للقلق بشأن الدورة الحيضية، والتغيرات الهرمونية التي تصاحب دورية الشبق التكاثري التي تؤثر على سلوك الحيوان وإدراكه.

الإناث ممثلات تمثيلا ناقصاً في كثير من البحوث الطبية. وهذا يمثل مشكلة لأن الآثار الجانبية والجرعات الفعالة للعديد من الأدوية يمكن أن تكون مختلفة جداً بين الرجال والنساء.

تختلف تأثيرات العمر على أحجام المخ لدى الرجال والنساء، ويبدو أن الرجال يفقدون حجماً أكبر من المخ مع تقدم العمر أكثر من النساء. لكن النساء يفقدن حجماً أكبر في مناطق معينة، مثل الفص الجداري.

لذلك، هناك حجة قوية لتصحيح هذا الخلل في التوازن بين الجنسين في البحث الطبي على وجه الخصوص، حتى تتمكن النساء من الاستفادة من العلاجات المصممة لأجسادهن أيضاً، وليس فقط لأجساد الرجال.
__________
*تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.

* مصعب قاسم عزاوي.

جديدنا