الحالة الصحيَّة في اليمن؛ الغذاء والبيئة

image_pdf

 

ملخص الدراسة:

يقصد بالغذاء مجموعة المواد اللازمة لبناء أنسجة الجسم وحمايتها وتجديدها، وقيامها بوظائفها الحيويَّة المختلفة، في حين أن التغذية هي مجموعة العمليات التي يحصل الفرد بواسطتها على ما يحتاجه من مواد لازمة لبناء أنسجة جسمه وحمايتها وتجديدها، وقيامه بوظائفه الحيويَّة المختلفة، والتغذية والصحَّة مسألتان مترابطتان، فالغذاء الجيد عامل أساسي للتمتُّع بصحة جيدة، فبدون الغذاء الجيد لا يمكن الوصول إلى المستوى الافضل للصحَّة. وتتأثَّر حالة الفرد الصحيَّة بنوعيَّة الغذاء الذي يتناوله، وبمدى قدرة الجسم على الاستفادة من العناصر الغذائيَّة، التي تشمل النشويات والبروتينات والدهنيات والفيتامينات، والأملاح، والماء.

وهناك خمس حالات للسلوك الغذائي، تشمل حالة الإفراط الغذائي وحالة الاتِّزان من ناحية الكم والكيف، والعوز أو الفقر الغذائي، وحالة الاختلال الغذائي غير الملحوظ، التي تنجم عن عدم حصول الجسم على متطلباته الغذائيَّة بشكل متكامل ممَّا يؤدِّي إلى خلل في وظائفه، ولكن بصورة غير ملحوظة. إضافة إلى حالة الاختلال الغاذئي الملحوظ التي تنجم عن نقص عنصر أو عناصر غذائيَّة أساسيَّة، وتؤدِّي إلى ظهور أعراض مرضيَّة واضحة (الزعبي، 1994).

وتتأثر مقاومة الجسم للأمراض المختلفة تأثراً كبيراً بحالة الجسم الصحيَّة والغذائيَّة، كما يؤدِّي سوء التغذية إلى الإصابة بمجموعة كبيرة من الأمراض مثل الاسقربوط والبري بري، والعشى الليلي، وغيره من الأمراض. وتنتشر أمراض سوء التغذية، حيث ينتشر الفقر والجهل، ويهبط المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأفراد (موسى وعطا والجارم، 1962 : 37(.

وبهذا الصدد فقد أدَّت الزيادة في عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة والتقدم الصناعي والزراعي، وعدم اتباع الطرق الحديثة في جمع ونقل ومعالجة النفايات إلى تراكمها بشكل كبير، ممَّا أدى إلى تلويث البيئة بعناصرها المختلفة من أرض وماء وهواء، وإلى استنزاف الموارد البيئيَّة المختلفة.

وللنفايات بأنواعها المختلفة تأثيرات سلبيَّة على صحَّة الإنسان وسلامته، ولعل أهم تلك التأثيرات انتشار الأمراض السرطانيَّة بشكل واسع، وإصابة أعداد كبيرة من سكان دول العالم بالأمراض الناتجة عن جراثيم الأمراض، والطفيليات التي تنتقل بواسطة المياه الملوثة (الخليلي وآخرون، 1995 : 229).

 

الغذاء والبيئة في الجمهوريَّة اليمنيَّة:

تشكل الأمراض المتعلقة بنقص أو بسوء التغذية السمة البارزة للوضع الصحي في اليمن، وتتعدَّى معدلات أمراض سوء التغذية، وشدتها مثيلاتها في الكثير من الدول. وفي هذا المقام فإن هذه المعدلات مرتفعة في اليمن مقارنة بالدول العربيَّة عدا موريتانيا والسودان.

ومن الناحية العمليَّة تسهم أمراض سوء التغذية في زيادة معدل وفيات الرضع والأطفال، وانخفاض توقعات الحياة عند الميلاد، وتؤكد تقديرات اليونيسف أن نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية في الجمهوريَّة اليمنيَّة في مطلع التسعينات تصل إلى 30%. (بامطرف وهاشم وعبد الله : 1996 : 14).

ويعاني غالبيَّة السكان في اليمن من سوء في التغذية، فالمواطن اليمني يعاني في الغالب من عدم كفاية الغذاء وفقر الفيتامينات من الناحيتين الكميَّة والنوعيَّة، واليمني بسبب هذا الفقر عرضة للضعف الجسماني وضعف نمو العضلات، وعدم التناسب بين وزنه، وطول قامته، وعمره (السعدي، 1986).

ونظراً  لأن اليمن تمرّ بمرحلة الزيادة السكانيَّة المبكرة، التي تتجلى بارتفاع معدلات الزيادة الطبيعيَّة في النمو السكاني، واتساع قاعدة الهرم العمري للسكان وارتفاع نسبة صغار السن في المجتمع، فإن هذه الزيادة تكون ذات دلالة واضحة، وارتباط وثيق بزيادة الطلب على الغذاء.

ويزداد الوضع سوءاً، وتتفاقم الازمة الغذائيَّة بصورة أكثر حدة، عندما يصاحب، زيادة ارتفاع الطلب على الغذاء، انخفاضاً موازياً في كميات الغذاء المنتجه. وبهذا الصدد، تشير الدلائل إلى انخفاض المساحة المزروعة بالحبوب من 1.2 مليون هكتار عام 1975 إلى 840 ألف هكتار فقط في عام 1986، وهذا يعني أنَّ المساحة المخصَّصة لإنتاج الحبوب تناقصت من 0.2 هكتار للفرد إلى 0.1 هكتار للفرد في نفس الفترة، وبات من الواضح أن اليمن مثل كثير من البلدان النامية تعاني نقصاً كبيراً في الإنتاج المحلي من الحبوب الذي لا يغطي سوى 50% من حاجة السكان إلى الحبوب (الشرجبي وآخرون، 1991 : 31).

ويشير قسم مكافحة سوء التغذية بوزارة الصحة إلى أنَّ نتائج المسح الميداني للأعوام 79، 82، 1983، قد بيَّنت أن سوء التغذية ينتشر بشكل واسع، وخاصةً بين فئات الأطفال تحت سن الخامسة والحوامل والمرضعات، كما يشير التقرير إلى أنَّ أسباب سوء التغذية في اليمن ناجمة إمَّا عن نقص البروتين والطاقة في الوجبات التي تؤدِّي إلى حالات الهزال والتقزم، وإما عن نقص فيتامين أ الذي يؤدي إلى العشى الليلي، أو عن نقص الحديد الذي يؤدي إلى فقر الدم، أو عن نقص الكالسيوم الذي يسبب الكساح لدى الأطفال. ويمكن إجمال أسباب ذلك إلى نقص التغذية كمياً وسوء تنوعها، والرضاعة غير الطبيعيَّة للأطفال، وانتشار الأمراض المعديَّة، وخاصةً الإسهالات. (الحداد ومحرم وناجي، 1994 : 14).

ومن العوامل الأخرى المؤثرة في تردّي الأوضاع الصحيَّة في الجمهوريَّة اليمنيَّة، الضغوط السكانيَّة المتزايدة على الموارد البيئيَّة، فإلى جانب محدوديَّة هذه الموارد، فقد شهدت الظروف البيئيَّة في اليمن تدهوراً ملحوظاً، فارتفعت معدلات التلوث البيئي نتيجة للتزايد المتسارع لأعداد السكان، وأنشطتهم التنمويَّة المختلفة.

استنادا إلى خطة العمل البيئيَّة، تم حصر وتحديد الكثير من المشكلات البيئيَّة التي تم تصنيفغها في إطار عدد من المجالات التي شملت التصحر وإمدادات المياه، والمياه العادمة، وندرة المياه، والمخلفات السائلة والصلبة، وتلوث البحار، وسوء إدارة الثروة السمكيَّة واستغلالها، والنمو السكاني، ومخلفات السفن، وتدهور الموروثات التاريخيَّة والثقافيَّة .

وتواجه اليمن أزمة حادة في المياه، من حيث الاستنزاف والتلوث وتدني خدمات الإمداد ( بامطرف وهاشم وعبد الله، 1996 :6 )، أما فيما يتعلق بعمليَّة الصرف الصحي، فإن الوضع يكاد يكون أكثر سوء مما هو عليه الحال بالنسبة لمياه الشرب، فطبقا لبيانات 1988 بلغت نسبة الوحدات السكنيَّة المزودة بالمجاري 20 % من إجمالي الوحدات السكنيَّة في البلاد، وهي نسبة ضئيلة للغاية لخدمة ضروريَّة للسكان، تكاد تقتصر على المدن، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من المجاري في أمانة العاصمة هي مجاري خاصة يجهزها مالك السكن، بحفر حفرة عميقة أمام مسكنه، تسمى ( بيارة )، ولها مخاطر صحيَّة كثيرة ( مجلس حمايَّة البيئة، 1992 ) .

كما أن هناك عجزا في تصريف القمامة في المدن الرئيسيَّة نتيجة الزيادة المتسارعة لكميَّة هذه المخلفات تبعا لزيادة عدد السكان، حيث تشير التقديرات أن كميَّة القمامة في مدينة صنعاء قد زادت من حوالي 96 الف طن عام 1980 إلى حوالي 280 الف طن عام 1994، وإن نسبة تغطية مشروع نظافة شوارع المدينة لا تتجاوز 51 % فقط ( عبد الصادق واخرون،1996) .

ويحتل المسكن الصحي المرتبة التي تلي الغذاء والماء والكساء، في ترتيب الحاجات الماديَّة الأساسيَّة، باعتباره يمثل شرطا أساسيا من شروط المعيشة الصحيَّة، ويعاني عدد كبير من السكان في الجمهوريَّة اليمنيَّة من عدم توفر المسكن الصحي المناسب الذي تتوفر فيه شروط المعيشة الصحيَّة، المتمثلة بالخدمات الأساسيَّة الضروريَّة للمعيشة الصحيَّة مثل مياه الشرب النقيَّة، ووسائل الصرف الصحي، والكهرباء، وغيرها .

مشكلة الدراسة وهدفها:

تسعى وزارة الصحة العامة في الجمهوريَّة اليمنيَّة إلى تحسين الوضع الصحي، ورفع مستوى الصحة العامة للفرد والمجتمع، ألا أن جهودها في هذا المجال، ينبغي أن تستند على أساس من الدراسة العلميَّة القائمة على تشخيص الوضع الصحي بجميع جوانبه، وتحديد المشكلات الصحيَّة، حتى يمكن وضع خطة مناسبة، تتحدد فيها الأولويات على أساس علمي سليم.

لذلك تأتي الدراسة الحاليَّة كإسهام متواضع لتحقيق هذا الهدف، من خلال دراسة جانب من جوانب الوضع الصحي، المرتبط بالغذاء والبيئة، وبصورة أكثر تحديداً تهدف الدراسة الحاليَّة إلى الإجابة عن الاسئلة الآتية :

  • ما هي المشكلات الصحيَّة القائمة في الجمهوريَّة اليمنيَّة، ذات العلاقة بالغذاء والبيئة؟
  • ما ترتيب المشكلات الصحيَّة القائمة في الجمهوريَّة اليمنيَّة، ذات العلاقة بالغذاء والبيئة، من حيث درجة الأهميَّة ؟
  • ما ترتيب المشكلات الصحيَّة في الجمهوريَّة اليمنيَّة، ذات العلاقة بالغذاء والبيئة، من حيث درجة الشيوع ؟

إجراءات الدراسة :-

للإجابة عن أسئلة الدراسة، قام الباحث بتنفيذ مجموعة من الإجراءات، نعرضها فيما يأتي :-

  • مجتمع الدراسة وعينتها :-

تحدد مجتمع الدراسة بالأطباء اليمنيين العاملين في المستشفيات الحكوميَّة بمدينة الحديدة، ويوضح الجدول رقم (1) توزيع الأطباء على تلك المستشفيات.

جدول رقم (1) توزيع الاطباء على المستشفيات الحكوميَّة بمدينة الحديدة*

تسلسل اسم المستشفى عدد الاطباء
1 مستشفى العلفي 20
2 مستشفى الثورة 40

المجموع

60

 

أما عينة الدراسة فقد تكونت من (34) طبيباً من بين الأطباء العاملين في المستشفيتين المذكورين، ومثلت ما نسبته 56% من إجمالي عدد أفراد المجتمع الذي تنتمي إليه، وهي نسبة مرتفعة، وأعلى بكثير من النسبة المطلوبة، في هذا النوع من الدراسات، ولذلك فإن العينة ممثلة للمجتمع، وتفي بأغراض الدراسة، أما توزيع العينة على المستشفيتين المذكورين، موضح في الجدول رقم (2).

جدول رقم (2) توزيع عينة الدراسة من الاطباء على المستشفيات الحكوميَّة بمدينة الحديدة

ت اسم المستشفى عدد الأطباء النسبة المئويَّة
1 مستشفى العلفي 13 65%
2 مستشفى الثورة 21 52.5%
المجموع 34 56.6%

 

  • أداة الدراسة :-

قام الباحث بمراجعة الوثائق الرسميَّة، والأدبيات ذات العلاقة، بغرض رصد المشكلات الصحيَّة ذات العلاقة بالغذاء والبيئة، وتمكن الباحث من وضع قائمة بالمشكلات الصحيَّة ذات العلاقة بالغذاء والبيئة في الجمهوريَّة اليمنيَّة مكونة من (22) مشكلة صحيَّة، وذلك بعد أن تم عرضها على عدد من الخبراء والمتخصصين في المجالين الصحي والتربوي، وإجراء التعديلات اللازمة عليها في ضوء ملاحظات وآراء الخبراء.

  • تصحيح القائمة وتحليل البيانات :-

ارفقت كل مشكلة من مشكلات القائمة بميزاني تقدير، كل منهما يتكون من ثلاثة بدائل (كبيرة، متوسطة، قليلة) الأول لتقدير درجة أهميَّة المشكلة، والثاني لتقدير درجة شيوعها، كاحتمالات متوقعة يتم اختيار البديل المناسب لكل مشكلة في الحالتين.

وعند التصحيح أعطى البديل الأول (كبيرة) ثلاث درجات، والبديل الثاني (متوسطة) درجتان، والبديل الثالث (قليلة) درجة واحدة.

ويقصد بدرجة أهميَّة المشكلة، درجة تأثير المشلكة ومدى خطورتها، على الفرد والمجتمع، المتمثلة بالمضاعفات والآثار المترتبة عنها، سواءً بالإعاقة أو الوفاة، بصرف النظر عن مدى انتشارها وشيوعها. أما درجة الشيوع فيقصد بها مدى انتشار المشكلة، والمعبر عنه بعدد حالات الإصابة في نطاق المنطقة التي يعمل بها الطبيب.

وبعد التصحيح ثم تفريغ البيانات وتحليلها، باستخراج المتوسطات الحسابيَّة الخاصة بدرجة الأهميَّة، وكذا المتوسطات الحسابيَّة بدرجة الشيوع، لكل مشكلة من المشكلات التي تضمنتها القائمة. وعلى أساس تلك المتوسطات تمَّ ترتيب المشكلات الصحيَّة من حيث درجة الأهميَّة، ودرجة شيوعها.

نتائج الدراسة:

للإجابة عن السؤال المتعلق بتحديد المشكلات الصحيَّة ذات العلاقة بالغذاء والبيئة، قام الباحث بإعداد قائمة بالمشكلات الصحيَّة ذات العلاقة بالغذاء والبيئة، مكونة من (22) مشكلة صحيَّة، واعتمد الباحث في إعداد القائمة على مسح الوثائق والتقارير الرسميَّة، والاطلاع على الأدبيات، والدراسات الصحيَّة ذات العلاقة، وعرضها على لجنة من الخبراء والمتخصّصين.

ولترتيب المشكلات الصحيَّة بحسب درجة أهميتها وشيوعها، أرفقت كل مشكلة بمقياسين، كل منهما يتكون من ثلاثة بدائل، كبيرة، متوسطة، قليلة، وتمَّ توزيع القائمة على عينة الدراسة، وهم من الأطباء العاملين بالمؤسَّسات الصحيَّة الرسميَّة في مدينة الحديدة، وطلب منهم تقدير درجة الأهميَّة، ودرجة الشيوع لكل مشكلة من المشكلات، وذلك باختيار البديل المناسب، بوضع الإشارة أمام البديل المناسب.

وبعد أن قام الباحث باستخراج المتوسطات الحسابيَّة لكل مشكلة من المشكلات التي تضمنتها القائمة، في حالتي الأهميَّة والشيوع، قام الباحث بترتيب المشكلات الصحيَّة تنازلياً بحسب درجة الأهميَّة، ودرجة الشيوع.

وقد تراوحت المتوسطات الحسابيَّة الخاصة بدرجة الأهميَّة، ما بين (2.9118) لمشكلة سوء التغذية، و (1.6471) لمشكلة السمنة.

ويوضح الجدول رقم (3) ترتيب المشكلات الصحيَّة المتعلقة بالغذاء والبيئة، تنازلياً، بحسب درجة الأهميَّة.

جدول رقم(3) ترتيب المشكلات الصحيَّة المتعلقة بالغذاء والبيئة تنازلياً،بحسب درجة الأهميَّة.

ت المشكلة المتوسط المرتبة
1 سوء التغذية 2.9118 الأولى
2 ضعف أنظمة الصرف الصحي 2.8824 الثانية
3 ضعف أنظمة جمع النفايات وصرفها 2.8529 الثالثة
4 السكن غير الصحي 2.7059 الرابعة
5 تلوث مياه الشرب 2.7059 الرابعة
6 ندرة وجود المراحيض العامة 2.7059 الرابعة
7 فقر الدم 2.6765 الخامسة
8 نقص التغذية 2.6765 الخامسة
9 التلوث الناجم عن عوادم السيارات والشاحنات 2.5588 السادسة
10 نقص فيتامين د (D) 2.5000 السابعة
11 التلوث الناجم عن استخدام المبيدات 2.5000 السابعة
12 التسمم الغذائي 2.5000 السابعة
13 نقص فيتامين ب (B) 2.3529 الثامنة
14 نقص فيتامين ح (C) 2.3529 الثامنة
15 نقص فيتامين أ (A) 2.3235 التاسعة
16 النفايات السامة 2.3235 التاسعة
17 الضجيج 2.2647 العاشرة
18 الغازات الناجمة عن المعامل والمصانع 2.1765 الحاديَّة عشرة
19 التلوث الناجم عن كسارات الأحجار 2.0294 الثانية عشرة
20 النحافة 1.8529 الثالثة عشرة
21 السمنة 1.6471 الرابعة عشرة
22 التخمة 1.5588 الخامسة عشرة

 

يتضح من الجدول رقم (3) ان سوء التغذية قد احتلت المرتبة الأولى، وهي بذلك مثلت المشكلة الأكثر تأثيراً وخطورة من بين المشكلات التي تضمنتها القائمة، فالمعروف أن سوء التغذية تعد من أكثر المشكلات المؤثرة على الصحة، فالصحة لا يمكن أن يستقيم أمرها بدون تغذية جيدة ومتوازنة، فنمو الجسم وصحته وسلامته يعتمد بالدرجة الأولى على ما يتناوله الفرد من غذاء، ونقص عنصر واحد من العناصر الغذائيَّة الضروريَّة يؤدي إلى اختلال في نمو الجسم، واعتلال في صحته، فغذاء الفرد لا يكون كاملاً، إلا إذا كان متنوعاً، ومتوازناً، ومشتملاً على جميع العناصر الضروريَّة للجسم، وإلا أصيب الجسم بالهزال، وظهرت عليه أعراض مرضيَّة مختلفة، فسوء التغذية يعد سبباً للاصابة بعدد كبير من الأمراض، وكثيراً ما تظهر على الأفراد الذين يعتمدون في غذائهم على عنصر واحد، ظواهر مرضيَّة مختلفة، فيقل نمو أجسامهم وإنتاجهم الذهني والجسماني، كما تقل مقاومتهم للأمراض المختلفة (موسى وآخرون، 1962 : 43).

واحتلت مشكلة ضعف أنظمة الصرف الصحي المرتبة الثانية، في حين أن مشكلة ضعف أنظمة جمع النفايات وصرفها احتلت المرتبة الثالثة، وهما تمثلان المنبع الأول للكثير من الامراض والمشكلات الصحيَّة، فأكثر من نصف حالات المرض والوفاة تنجم عن الجراثيم التي تتكاثر في هذه الأماكن، وفي المجتمعات التي تفتقر إلى المراحيض ومرافق الصرف الصحي، ووسائل جمع النفايات وصرفها، فإنها تتحول إلى مصدر لانتشار الاوبئة والأمراض (ادامسون، بدون تاريخ : 59).

وقد اشتركت المشكلات الثلاث المتمثلة بمشكلة السكن غير الصحي ومشكلة تلوث مياه الشرب، وندرة وجود المراحيض العامة في احتلال المرتبة الرابعة من حيث درجة الاهميَّة، وذلك لأن السكن الذي لا تتوفر فيه الشروط الصحيَّة من تهوية وإضاءة ومجاري مياه، وعدد مناسب من الساكنين، يمثل عاملاً من عوامل الإصابة بالمرض، مصدرا لانتشار المشكلات الصحيَّة المختلفة. وكذا الحال بالنسبة لتلوث مياه الشرب وندرة المراحيض العامة.

أما المشاكل التي اتت في ذيل القائمة فقد تمثلت بالنحافة والسمنة والتخمة، ولا تمثل النحافة في الغالب مشكلة صحيَّة، ولا تكون دليلاً على المرض إلا حينما تكون مظهراً من مظاهر سوء التغذية، وكذلك السمنة التي لا تمثل مشكلة صحيَّة إلا عندما تتعدى الحدود المعقولة وتتحول إلى عبٍ ثقيل على صاحبها، أما التخمة وإن كانت تمثل مشكلة صحيَّة، إلا أنها لا ترقى من حيث آثارها على الصحة إلى مستوى سوء التغذية.

أما فيما يتعلق بترتيب المشكلات الصحيَّة بحسب درجة الشيوع، فإن الجدول رقم (4) يوضح ترتيبها، على وفق ذلك.

جدول رقم (4) ترتيب المشكلات الصحيَّة المتعلقة بالغذاء والبيئة تنازلياً، بحسب درجة الشيوع

ت المشكلة المتوسط المرتبة
1 ضعف أنظمة الصرف الصحي 2.7941 الأولى
2 ضعف أنظمة جمع النفايات وصرفها 2.7941 الأولى
3 فقر الدم 2.7059 الثانية
4 سوء التغذية 2.6176 الثالثة
5 ندرة وجود المراحيض العامة 2.5882 الرابعة
6 السكن غير الصحي 2.5294 الخامسة
7 نقص التغذية 2.4412 السادسة
8 نقص فيتامين ب (B) 2.3235 السابعة
9 نقص فيتامين د (D) 2.2941 الثامنة
10 التلوث الناجم عن عوادم السيارات والشاحنات 2.2941 الثامنة
11 نقص فيتامين ح (C) 2.2353 التاسعة
12 تلوث مياه الشرب 2.2353 التاسعة
13 نقص فيتامين أ (A) 2.2059 العاشرة
14 الضجيج 2.2059 العاشرة
15 النحافة 2.1176 الحاديَّة عشرة
16 التلوث الناجم عن استخدام المبيدات 1.9118 الثانية عشرة
17 التسمم الغذائي 1.8824 الثالثة عشرة
18 النفايات السامة 1.8529 الرابعة عشرة
19 التلوث الناجم عن كسارات الأحجار 1.7941 الخامسة عشرة
20 الغازات الناجمة عن المعامل والمصانع 1.6471 السادسة عشرة
21 السمنة 1.5882 السابعة عشرة
22 التخمة 1.4412 الثامنة عشرة

 

يتضح من الجدول رقم (4) أن مشكلة ضعف أنظمة الصرف الصحي قد اشتركت مع مشكلة ضعف أنظمة جمع النفايات وصرفها في احتلال المرتبة الأولى من بين المشكلات التي تضمنتها القائمة، وتعد من أكثر المشاكل الصحيَّة تأثيراً في الوضع الصحي بشكل عام على مستوى المدينة والريف، وفيما يتعلق بالصرف الصحي، فقد بلغت نسبة الوحدات السكنيَّة المزودة بالمجاري، 20% من إجمالي الوحدات السكنيَّة في البلاد، وتشير التقديرات إلى أنه في العاصمة صنعاء زادت كميَّة القمامة من حوالي 96 ألف طن عام 1980 إلى حوالي 280 الف طن عام 1994، وإن نسبة تغطية مشروع نظافة شوارع المدينة لا تتجاوز 51%، ويستلزم هذا الوضع العمل الجاد من أجل إيجاد معالجات سريعة وحلول علميَّة لتفادي الآثار السلبيَّة المترتبة عن ضعف أنظمة الصرف الصحي وجمع النفايات على الوضع الصحي بصورة عامة.

أما مشكلة فقر الدم فقد احتلت المرتبة الثانية من حيث درجة الشيوع، وتشير البيانات المتاحة، إلى أنه سجل في عام 1992، من خلال المعلومات التي وصلت من ست محافظات فقط، أن نسبة المصابين بفقر الدم بلغت 0.4% في صنعاء و6% في تعز، و9.5% في ابين، و6.3% في ذمار، و4.3% في حجة، و4.7% في صعدة، وذلك من بين المرضى الذين تستقبلهم المؤسسات الصحيَّة الرسميَّة (الحداد وأخرون، 1994 : 134).

واحتلت مشكلة سوء التغذية المرتبة الثالثة، وتأتي اليمن في مقدمة الأقطار العربيَّة التي ترتفع فيها معدلات سوء التغذية، التي تتعدى مثيلاتها في الكثير من الدول باستثناء موريتانيا والسودان. وتؤكد تقديرات اليونيسف أن نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية في الجمهوريَّة اليمنيَّة في مطلع التسعينات، تصل إلى 30% (بامطرف واخرون، 1996 : 14).

كما احتلت مشكلة ندرة المراحيض العامة المرتبة الرابعة في حين احتلت مشكلة السكن غير الصحي المرتبة الخامسة، وعلى أساس تقديرات أفراد العينة، فإنهما تعدان ضمن المشكلات الأكثر شيوعاً وانتشاراً في المجتمع، إلا أن عدم توفر البيانات الاحصائيَّة، لا يسهل إمكانيَّة تقديرات درجة شيوع الكثير من المشكلات الصحيَّة على نحو دقيق.

وتجدر الإشارة إلى أن عدم توفر البيانات الإحصائيَّة عن مدى انتشار الأمراض والمشكلات الصحيَّة المختلفة يمثل عائقاً كبيراً، يعيق عمليَّة التخطيط والتنميَّة الصحيَّة، فبدون البيانات الإحصائيَّة الدقيقة، يكون من الصعب اتخاذ القرارات، ووضع المعالجات الصحيحة لرفع المستوى الصحي للفرد والمجتمع، الأمر الذي يستدعي الاهتمام بتطوير نظام متكامل للمعلومات الصحيَّة، يضمن تدفق المعلومات والبيانات، والاستفادة منها في تطوير الوضع الصحي وتنميته.

وينبغي التنويه إلى أن تحسين الوضع الغذائي والبيئي في الجمهوريَّة اليمنيَّة بعد مسؤوليَّة جماعيَّة مشتركة للمجتمع أفراداً او مؤسسات، ويتطلب تعاون الجميع. كما أن عمليَّة تحسين الوضع والغذائي والبيئي تعتمد بالدرجة الأولى على الوعي الغذائي والبيئي لأفراد المجتمع. وبهذا الصدد ينبغي الاهتمام بالدور التربوي لوزارة التربيَّة، عبر تطور المناهج الدراسيَّة، في كل ما يتصل بالصحة والبيئة، باعتباره دوراً اساسياً لا يمكن إغفاله او تجاهله، والعمل على استثماره من أجل رفع مستوى الصحة العامة للأفراد، والحفاظ على البيئة وحمايتها.

وبهذا الخصوص فإن ((أنموذج المنهج المدرسي الصحي ذي المردود العملي في المدارس الابتدائيَّة)) يمثل أداة مناسبة، يمكن الاستفادة منها لتحقيق هذا الهدف.

التوصيات :-

في ضوء النتائج التي توصلت إليها الدراسة يمكن اقتراح التوصيات الآتية :-

  • اتخاذ الإجراءات ووضع المعالجات المناسبة لتحسين الوضع الغذائي والبيئي في الجمهوريَّة اليمنيَّة. والعمل من أجل إيجاد معالجات سريعة، وحلول عمليَّة لتفادي الآثار السلبيَّة المترتبة عن ضعف أنظمة الصرف الصحي وجمع النفايات على الوضع الصحي بصورة عامة .
  • إجراء دراسات أوسع وأشمل فيما يتعلق بالوضع الغذائي والبيئي في الجمهوريَّة اليمنيَّة، للإحاطة بجوانبه المختلفة، والاستفادة من نتائج هذه الدراسات في تحسين الحالة الغذائيَّة للسكان وتطوير الوسائل والأساليب المناسبة للحفاظ على البيئة، وحمايتها من التدهور.
  • تطوير نظام المعلومات الصحيَّة وتوفير البيانات الصحيَّة المتعلقة بالوضع الغذائي والبيئي، ووضع الأسس السليمة والمناسبة لتطوير نظام متكامل للمعلومات الصحيَّة، يضمن تدفق المعلومات والبيانات، والاستفادة منها عند وضع المعالجات، واتخاذ القرارات.
  • الاهتمام بالدور التربوي لوزارة التربية والتعليم، عبر تطوير المناهج الدراسيَّة، وبرامج إعداد المعلمين. واستثمار هذا الدور وتوجيهه من أجل رفع مستوى الوعي الغذائي والبيئي للطلبة. ويمكن الاستفادة في هذا المجال من ((أنموذج المنهج المدرسي الصحي ذي المردود العملي للمدارس الابتدائيَّة)) الذي ساهمت منظمة الصحة العالميَّة في إعداده.

المصادر :-

  • ادامسون، بيتروليسلي. (بدون تاريخ). حقائق للحياة. منظمة اليونيسف، عمان – الاردن.
  • بامطرف، عبد الرحمن وهاشم، عبد المؤمن احمد وعبد الله، فؤاد علي. (1996). السكان والبيئة. وثائق المؤتمر الوطني الثاني للسياسات السكانيَّة، المجلس الوطني للسكان – صنعاء.
  • الحداد، احمد محمد ومحرم، عبد الله عبد العزيز وناجي، مسعد احمد مصلح. (1994). الامراض الشائعة والمستوطنة في اليمن. وثائق المؤتمر الوطني الاول للتنميَّة الصحيَّة – صنعاء.
  • الخليلي، خليل يوسف والحنيطي، عبد الرحيم سلامة وغرايبة، سامح حسين والدبعي، عبد الرحمن سعيد. (1995). العلوم العامة والصحة – الجزء الثاني وزارة التربيَّة والتعليم – صنعاء.
  • الزعبي، محمد احمد. (1994). الكتاب المرجعي في الثقافة السكانيَّة : دراسة نظريَّة – تطبيقيَّة. مركز الدراسات والبحوث اليمني – صنعاء.
  • زهران، حامد عبد السلام. (1981). علم نفس النمو (الطفولة والمراهقة). عالم الكتب – القاهرة.
  • السعدي، عباس فاضل. (1986). التحليل الجغرافي لمشكلة الغذاء في اليمن. دراسات يمنيَّة، (23، 24)، مركز الدراسات والبحوث اليمني – صنعاء.
  • الشرجبي، قائد احمد وشكري، حازم علي وعبد الغني، عبد الكافي وعلامة، عبد الخالق يحيى. (1991). سكان اليمن : الماضي والحاضر والمستقبل. وثائق المؤتمر الوطني الأول للسياسات السكانيَّة، الجهاز المركزي للإحصاء – صنعاء.
  • عبد الصادق، احمد علي التهامي، عبد الملك عبد الرحمن والشعب، مجاهد وسيف، عبد الرقيب عبده ومحمد، سميَّة صالح. (1996). السكان والتنمية : التحديات المستقبليَّة. وثائق المؤتمر الوطني الأول للسياسات السكانيَّة، المجلس الوطني للسكان – صنعاء.
  • مجلس حماية البيئة. (1992). التقرير الوطني المقدم لمؤتمر الامم المتحدة حول البيئة والتنميَّة، مجلس حمايَّة البيئة – صنعاء.
  • موسى، احمد حافظ وعطا، عبد الحميد علي والجارم، احمد علي. (1962). الامراض المتوطنة بأفريقيا واسيا. مؤسسة سجل العرب – القاهرة.

______

* تم الحصول على هذه البيانات من مكتب الصحة بمحافظة الحديدة للعام 1998م.
__________
*أ. د. عبد الوارث عبده سيف الرازحي.

جديدنا