أبرز الأسس الفكريَّة والتنظيميَّة لليسار الإلكتروني

image_pdf

طرحت بدايات مفاهيم اليسار الإلكتروني (Electronic Left ”E-Left”) منذ ما يقارب العشرين عاما وتطرقت إليها في نقاط أساسيَّة في مقالات وحوارات مختلفة، كما نرى إن الكثير من تلك النقاط التي طرحت أثبتت الكثير من مصداقيتها، وأرى من الضروري الآن التوسع في توضيح أبرز أسسه الفكريَّة والتنظيميَّة وبشكل أكثر تفصيلا.
من الممكن أن يفهم مصطلح اليسار الإلكتروني من خلال الاسم في أنه تحويل مؤسَّسات وأحزاب اليسار من شكلها التقليدي إلى استخدام تقنية المعلومات والإنترنت فقط! برأيي انه يتجاوز ذلك بشكل كبير جدا، حيث هو تيار جديد يطرح مفاهيم علميَّة ديمقراطيَّة معاصرة وحديثة لمفهوم اليسار وخطابه السياسي، وآليَّات تنظيمه وعمله لتتلاءَم مع التطوّر والتقدُّم العلمي والمعرفي والحقوقي للإنسانيَّة في المجالات المختلفة، والتغيير الكبير الذي حصل في آليَّات التعامل والتواصل وتنظيم الجماهير بسبب الثورة التكنولوجيَّة والمعلوماتيَّة الكبيرة.

أبرز الأسس الفكريَّة والسياسيَّة لليسار الإلكتروني

كقوى يساريَّة نناضل ضد النظام الرأسمالي بأشكاله المختلفة ونعمل من أجل تغييره، نحو أنظمة اشتراكيَّة ديمقراطيَّة أخرى أكثر عدلا وإنسانيَّة بغض النظر عن مسمياتها، ولكن السؤال هنا هل سنستطيع تغييره من خلال التمسك الحرفي بنصوص وخطاب سياسي وآليات عمل وتنظيم تقليديَّة تقادمت إلى حدٍّ كبير! وحصرت في قوالب جامدة، وتتنافى بشكل كبير مع التفكير الجدلي والتقدمي للماركسيَّة واليسار، في حين إنَّ الرأسماليَّة تطور نفسها في كافة المجالات على مدار الساعة بل في الدقيقة ! وتتكيَّف بشكل سريع وفعّال مع الأزمات المختلفة والخروج منها وتجديد ذاتها؟ وهل سنستخدم” أسلحة قديمة جدا” وأقصد هنا الخطاب وآليَّات العمل والتنظيم في هذا الصراع الكبير والمعقد ونضمن الانتصار؟ برأيي الجواب سيكون ”لا” بالتأكيد والواقع الحالي يفرضها علينا ويزكي ذلك.

إذا لا بد أن نواجه الرأسماليَّة ”بأسلحتها” المتطوّرة، العلوم الحديثة والتجديد والتطوير المتواصل في كافة المجالات، ونتفوَّق عليها وهكذا فعل كارل ماركس وفريدريك أنجلز (لقد أشار ماركس أنجلز في مقدمة الطبعة الألمانيَّة لعام 1872 من البيان الشيوعي بعد حوالي ربع قرن فقط من كتابته: “لقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه بتأثير التقدُّم الضخم الذي أنجزته الصناعة الكبرى خلال الخمس والعشرين عامًا الأخيرة”……….)، والتطوّر المحدود الذي حصل في تلك الفترة القصيرة التي أشار إليها ماركس و أنجلز لا يقارن بأي شكل مع التطور الهائل الذي حصل الآن ووفقا لذلك ماذا سيكون رأيهم الآن؟….. إذ عاصروا المرحلة الحاليَّة بعد كل هذه التغييرات الهائلة.

من الضروري جدا مواكبة العصر الراهن والتحديث الكبير والمستمر ومسايرة التطوّر العلمي والمعرفي والحقوقي الهائل في مختلف المجالات، والاستفادة القصوى منها واستخدامها في نضالنا من أجل التغيير ولتطوير وتحديث، وتجديد خطاب وبرامج أحزابنا اليساريَّة، وآليَّات التنظيم والقيادة والتعامل مع الجماهير، ومواجهة التحدّيات المعقَّدة والكبيرة، والتفاعل السريع مع التغييرات المحليَّة والإقليميَّة والعالميَّة، بما يمكن أن يسهم في تفعيل الحوار المحلي والإقليمي و العالمي بين قوى اليسار، لتطوير وتحديث تنظيمات اليسار و تأسيس أطر وتحالفات يساريَّة ديمقراطيَّة،، ملتزمة جوهريا بروح التجديد المعرفي والتنظيمي والإنساني للفكر اليساري من جهة و بروح الثورة التكنولوجيَّة والمعلوماتيَّة من جهة ثانية.

ووفقا لذلك أرى ان أبرز الأسس الفكريَّة لليسار الإلكتروني هي:

1. يسار علمي يستند إلى التطوُّر المعرفي والحقوقي العقلاني للفكر اليساري والإنساني، ومواثيق حقوق الإنسان العالميَّة، ويستفيد من الجوانب الإيجابيَّة لكافة الاتجاهات الماركسيَّة واليساريَّة والتقدميَّة المختلفة، ويقر بتعدُّد المرجعيات الفكريَّة اليساريَّة، ولا يعتبر أي نظريَّة أو ايدولوجيَّة نصّاً دينياً مقدساً. ويعمل على الاستفادة واستخدام التطوّر التكنولوجي والعلمي والمعرفي والحقوقي في عمله السياسي والتنظيمي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، ولتكن لنا العشرات من الحلول المختلفة نعمل وفقها ونجرِّبها للتخطيط وتوجيه نضالنا اليساري وآلياته من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعيَّة والمساواة والحريَّات وبأفق اشتراكي.
2. بدائل علميَّة وعقلانيَّة وفق ما هو الممكن الآن وليس ما هو المطلوب: إذا ننطلق من الجانب النظري ووفق ما هو المطلوب الآن منا أن نطرحه كمعظم اليساريين فأكيد هو دولة اشتراكيَّة ديمقراطيَّة ونظام لا طبقي والمساواة الكاملة إلى حدٍّ كبير، ولكن السؤال هنا هل هو الممكن الآن عمليا وفي ضوء الظروف الموضوعيَّة والذاتيَّة؟ وهل سنستمرّ أن نكون أسرى ألايدولوجيا وترديد الجمل الثوريَّة، وننطلق ممَّا هو مطلوب نظريا في غياب المنهج العلمي في كيفيَّة تنفيذ هذا التغيير المجتمعي الجذري الكبير والشامل، ولا ننطلق ممَّا هو ممكن تحقيقه الآن عمليا على أرض الواقع؟
لذلك يحاول اليسار الإلكتروني طرح سياسات وبرامج وبدائل علميَّة وأكثر عقلانيَّة واقعيَّة مرتبطة بهموم الجماهير الكادحة وعموم المجتمع، وتطلعاتها وحياتها اليوميَّة وتغيرها نحو الأفضل ولو بدرجات محدودة، منطلقا من قدراته الواقعيَّة و قدرات الفئات التي يدافع عنها، والأوضاع القائمة وخصوصيَّة ودرجة تطوّر المجتمعات التي يعمل فيها، والظروف والمتغيرات المحليَّة والإقليميَّة والدوليَّة في تحديد مهماته العمليَّة والمرحليَّة بالاستناد إلى العلوم الحديثة والأفكار اليساريَّة والتقدميَّة المختلفة.
لكي لا يبتعد اليسار بأهدافه وأطروحاته ويقتصر على ترديد الجمل الثوريَّة والوصفات الكلاسيكيَّة الجاهزة، ويهيم في الأوهام أو النصوص النظريَّة الجامدة التي تقادم الكثير منها في الوقت الحاضر. والتي للأسف حوّلت من قبل الكثير من اليساريين إلى “نصوصٍ مقدَّسة جامدة “ وحقائق دينيَّة مطلقة وأزليَّة معصومة من الخطأ، وصالحة لكل الأزمان والأمكنة، وفي أحيانٍ كثيرة تمَّ “عبادة وتأليه“ منظري الماركسيَّة واليسار وبعض قادة الأحزاب.

لابد من تحرير اليسار من النصوص النظريَّة المطلقة وما أنتجته من عبادة الأفراد لكي نتجاوز تلك المرحلة، وإعادة القادة العظام ومفكِّري اليسار إلى خانة “البشر“ بعد أن حوَّلوا إلى “آلهة وقديسين وشيوخ دين“، وخلق ذلك حالة سلبيَّة من الجمود الفكري العقائدي أضرَّت كثيرا باليسار وتطوّره ودوره في مجتمعاتنا.
تغيير حياة البشر نحو الأفضل هو الأساس لليسار الإلكتروني، ولو بخطوات محدودة وتدريجيَّة من خلال طرح بدائل مرحليَّة واقعيَّة، تنطلق من الواقع وفي ضوئها تتوجَّه نحو النظريات والأفكار اليساريَّة والتقدّميَّة والإنسانيَّة المختلفة التي يمكن الاستفادة منها للتغيُّر حسب حالة وظروف وتطوّر كل بلد وليس العكس، والتي يجب أن تخضع إلى عمليَّة نقد وتطوير وتجديد متواصل ومترابط بشكل وثيق مع التطور العلمي و السياسي و الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي والثقافي والبيئي للإنسانيَّة.

3. التجارب الاشتراكيَّة واليساريَّة: يدعو إلى مراجعة الماركسيَّة والمدارس اليساريَّة المختلفة وتراثها، وتقييم التجارب الاشتراكيَّة واليساريَّة مثلا (المعسكر الاشتراكي السوفيتي، التجربة الصينيَّة، التجارب الاشتراكيَّة واليساريَّة المحليَّة، وتجارب الاشتراكيَّة الديمقراطيَّة وبالأخصّ في الدول الإسكندنافيَّة….. الخ) بشكلٍ علمي وفق السياق التاريخي لها ويستند إلى الظروف المحليَّة والإقليميَّة والعالميَّة آنذاك ومن كافة جوانبها، ويدرس الإيجابيات والسلبيات وفق قراءة و تحليل نقدي ومنهجيَّة علميَّة غير متعصَّبة لهذا التيار أو ذاك أو لشخصيات يساريَّة محدَّدة من أجل الاستفادة من الجوانب الإيجابيَّة وتجنُّب السلبيات.

4. يهدف إلى بناء دولة ديمقراطيَّة علمانيَّة بنظام سياسي واقتصادي واجتماعي وبيئي عادل ويؤكِّد على رفض كافة أشكال الاستغلال الطبقي و يستند فيه إلى سلطة الشعب، يحيد فيها دور الدين والقوميَّة، وتستند إلى المواطنة المتساويَّة ويحترم التعدد القومي وحق الشعوب في تقرير المصير، وسيادة القانون المستند إلى مواثيق حقوق الإنسان الدوليَّة، و احترام الحريات والمساواة و العدالة الاجتماعيَّة والضمانات وحقّ التنظيم والتظاهر والإضراب وفصل السلطات والقضاء المستقل والإعلام الحر المفتوح لكافة التوجهات الفكريَّة والسياسيَّة، ويؤكِّد على أن الإنسان وحقوقه الكاملة هي الأساس، وبمفهوم عالمي بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو التوجّه السياسي والفكري، ويناهض عقوبة الإعدام، ويبتعد في عمله وتحالفاته عن الحكومات و القوى الاستبداديَّة والدينيَّة والقوميَّة المتعصِّبة المناهضة لحقوق الإنسان الأساسيَّة.
5. يتوجه ببرامجه وسياساته بشكل رئيسي نحو العمَّال والكادحين وكافة الفئات المستغلَّة و المهمَّشة والطاقات الشابة وكل الفئات المتعطشة للتحديث والتغيير والعدالة والمساواة في المجتمع، وكمرحلة إصلاحيَّة يدعو إلى نظام اقتصادي عادل وشفاف يتحقَّق فيه أكبر قدر ممكن من العدالة ودولة الرفاه والمساواة، من خلال سياسيات اقتصاديَّة مختلفة يشترك فيها القطاع العام والتعاوني والمختلط والخاص ويكون وفق الإدارة الجماعيَّة للاقتصاد مع إعطاء الأهميَّة لدور الدولة في التخطيط الاقتصادي المركزي و تحت إشراف ديمقراطي جماهيري، ويستند إلى الضرائب التصاعديَّة والعدالة الاجتماعيَّة والضمان والتكافل الاجتماعي المناسب واستئصال الفقر و تكافؤ الفرص ومكافحة البطالة وتنميَّة القدرات البشريَّة والاستخدام العلمي العقلاني والكفؤ لموارد البلاد، ومجانيَّة التعليم والصحة والرعايَّة الاجتماعيَّة وكافة الخدمات العموميَّة الأخرى وإشراك الجميع في خيرات المجتمع بحيث يضمن مستوى ونوعيَّة حياة مناسبة لجميع المواطنات و المواطنين.
النضال الاصطلاحي لا يناقض النضال المتواصل من أجل التغيير التدريجي نحو نظام سياسي-اقتصادي يحقِّق المساواة الكاملة وإزالة كافة الفوارق الاقتصاديَّة بين طبقات المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة إلى أكبر قدر ممكن بغض النظر عن مسمياته، طرح طبيعة وأسس النظام السياسي والاقتصادي الذي سنناضل من أجله سيختلف حسب خصوصيات وطبيعة كل بلد، والتوازنات الطبقيَّة والسياسيَّة والظروف المحليَّة والعالميَّة.
6. يسار يتجاوز الشموليَّة ويؤمن بالعمليَّة الديمقراطيَّة والتعدّديَّة والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة،والتغيير التدريجي نحو أنظمة أكثر عدلا حسب توجّهات أغلبيَّة الجماهير، وتجمع بشكل خلاق بين الديمقراطيَّة والمساواة والعدالة الاجتماعيَّة والعلمانيَّة، ويرفض كافة أنواع الدكتاتوريات مهما كانت تسمياتها والى أي شرعيَّة تستند إليها او الادّعاء باحتكار الحقيقة المطلقة، وكذلك مفهوم الطبقة أو الحزب الواحد المحتكر للسلطة وبأي تسمية كانت، ويتبع أساليب مختلفة من النضال الجماهيري والديمقراطي سواء كان في السلطة أو المعارضة، ويحترم آراء الناخبين والناخبات في أجواء ديمقراطيَّة تتوفر فيها الحدّ المناسب من المساواة لكافة الأحزاب والتوجّهات السياسيَّة وفق حالة كل بلد.
7. يعمل من أجل بناء وتقوية اتّحادات ونقابات عماليَّة ومهنيَّة مستقلّة وموحّدة تدافع عن الفئات التي تمثلها وفق مواثيق حقوق العمال وعموم شغيلة اليد والفكر الدوليَّة واتّفاقيات الحريات النقابيَّة وحماية حقّ التنظيم النقابي، ويتجنب تحويلها إلى واجهات سياسيَّة – حزبيَّة تنفذ بشكل أكبر سياسات هذا الحزب او ذاك، وحتى أحيانا تكون جزءا من صراعاته، وهذا لا ينفي وجود تيارات سياسيَّة مختلفة داخل تلك النقابات وتنسق وتعمل معا من اجل تحقيق أهداف مهنيَّة مشتركة.

أن خضوع الاتّحادات والنقابات العماليَّة والمهنيَّة إلى سلطة الأحزاب وتأثيراتها يعتبر عاملاً سلبياً ويؤدي إلى إضعافها، ونشوب صراعات داخليَّة تساهم في تشتيتها بسبب المحاولات التي تجري لفرض أجندات حزبيَّة ضيقة معينة عليها، وكذلك إدخالها في متاهات الصراعات التنظيميَّة والحزبيَّة الخارجيَّة والداخليَّة التي ابتلي بها اليسار نتيجة مواقف معظم النخب اليساريَّة المتزمِّتة، التي ما زالت ترفض التنسيق والعمل المشترك في ما بينها وحتى بين منظماتها الجماهيريَّة والنقابيَّة.
8. يطالب بالمساواة الكاملة للمرأة والتميُّز الإيجابي، وتكريس حصة ” كوتا” تصاعديَّة في مؤسّساته لحين تحقيق المساواة الفعليَّة والتامَّة، ويتوجَّه نحو تحقيق ذلك في كافة هيئاته القاعديَّة والقياديَّة ونشاطاته المختلفة، ويعمل آليات تنظيم تتيح وتوفِّر مرونة كبيرة في تبوّء المرأة المناصب القياديَّة وتطوير إمكانيّاتها القياديَّة، وكذلك دعم والمساهمة في تشكيل اتحادات نسائيَّة مستقلة وموحدة، تعمل وفق مواثيق حقوق المرأة الدوليَّة. معظم قوى اليسار ما زالت ذكوريَّة وإلى مستويات كبيرة، ودور وتأثير المرأة محدود وبشكل واضح وخاصَّة في المستويات القياديَّة.
إن النضال من أجل تحقيق المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل ليس شرطا أن يكون مرتبطا بضرورة تغيير النظام الرأسمالي وإحلال البديل الاشتراكي من خلال اختزاله بالبعد الطبقي وإن كان له ترابط وثيق، حيث يمكن تحقيق الكثير من الإصلاحات الآن في ظلِّ الأنظمة الطبقيَّة، والإحصائيات الموثَّقة والوقائع تشير إلى أنَّ معظم الدول التي استطاعت فيها النساء بنضالاتها الحصول على حقوق كثيرة ومكاسب ودرجات متقدِّمة من المساواة نسبيا إلى الآن ما زالت تصنَّف كدول رأسماليَّة، الدول الإسكندنافيَّة كمثال.
9. تحييد دور الدين عن الدولة: يطرح اليسار الإلكتروني تحييد دور الدين عن الدولة مع ضمان حريَّة التديُّن والعقيدة، واحترام حريَّة المعتقدات الدينيَّة الشخصيَّة لعامَّة الجماهير كعلاقة بين الإنسان ودينه دون أن يفرض قسرا على الآخرين، ولا بدّ للدولة أن تكون علمانيَّة وفي مسافة متساوية مع كافة الأديان، وتقدِّم الدعم للمؤسَّسات الدينيَّة كمنظّمات جماهيريَّة بشكلٍ متساو حسب درجة ومستوى التديّن في المجتمع. ووفق ذلك كافة المؤسَّسات الدينيَّة لا بد أن تكون تحت إشراف الدولة، والعاملين في المؤسَّسات الدينيَّة يتمّ تعليمهم في مؤسَّسات تعليميَّة حكوميَّة، تستند الى تحييد الدين عن الدولة وقبول التعدديَّة الفكريَّة والدينيَّة، ونبذ العنف والتعصُّب وفرض سلطة الأديان والأفكار في المجتمع.
لا ينظر للدين كقضيَّة تناقض رئيسيَّة حيث هو نتاج ظروف اقتصاديَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة وتاريخيَّة و وتأثيراته ودوره وبقاءه وزواله مرتبطة بذلك، ولذلك يتجنَّب الاصطدام الحاد مع المعتقدات الدينيَّة للجماهير، و يطرح حوار عقلاني علمي رصين وهادئ حول الأديان، وقراءة التراث الإسلامي والأديان الأخرى في بلداننا برؤيةٍ يساريَّة علميَّة والإشادة بالجوانب الإيجابيَّة والتقدُّميَّة فيها، والاستفادة منها للتغيّر الاجتماعي، والانتقاد الهادئ العلمي للجوانب السلبيَّة وفق السياق التاريخي، بحيث يكون مؤثّرا بشكل إيجابي على الجماهير المؤمنة وإن كان بنسب مختلفة حسب طبيعة كل بلد.
القوى الدينيَّة المتعصِّبة والتي تعمل من أجل أنظمة حكم تستند إلى الدين سواء كانت إسلاميَّة، مسيحيَّة، يهوديَّة…. الخ قوى رجعيَّة وتستخدم الدين للترويج لأجنداتها المتخلفة المنافية للفكر اليساري والديمقراطي وحقوق الإنسان، ويجب الوقوف ضدّها وفضحها بكل الطرق الممكنة، وفي نفس الوقت لابد من دعم والعمل مع كافة التوجهات الدينيَّة المتنورة والإصلاحيَّة والتحرّريَّة، التي تطرح قراءات تجديديَّة عصريَّة للنصوص الدينيَّة والتراث وأنستنها، وتهدف من خلالها إلى تحديث وعصرنة وعلمنة الأديان، وموائمتها مع التطور الفكري والعلمي والحقوقي للبشريَّة الذي أصبح يتناقض بشكل كبير مع التفكير الديني المتعصِّب والمتزمِّت.
10. تعدُّد المنابر اليساريَّة والتحالفات والعمل المشترك: الكثير من قوى اليسار بشكل عام تعاني من التشتت والتعصُّب التنظيمي والانشغال بالصراعات الداخليَّة والعلاقات التناحريَّة ونفي الآخر وخوض” الحرب الباردة” بشكل مباشر وغير مباشر ضدّ بعضها الآخر وهناك نوع من ” الطائفيَّة السياسيَّة المتزمتة! ”، والتركيز على الاختلافات المتعلِّقة بالأطروحات الإستراتيجيَّة البعيدة الأمد، وعدد غير قليل من قوى اليسار ترفض عمليا كل اتّجاه يساري الآخر الذي يختلف عنه، وبل في حالات كثيرة يخونها ويكفرها يساريا، ويرفض أي شكل من أشكال العمل المشترك على كافة الأصعدة. رغم المشتركات ونقاط الالتقاء الكثيرة جدا بين معظم قوى اليسار في بلداننا، لحد فيأنه إذا أتيت بصحفهم وبياناتهم وفقط أزلت أسماء الأحزاب والمنظَّمات التي تصدرها، فلن تجد اختلافات كبيرة في الأطروحات والسياسات الموجودة وخاصَّة في الأمور المرحليَّة، وإن وجدت فهي اختلافات محدودة ومعظمها نظريَّة عامَّة، وعادي وجودها في أي حزب يساري ديمقراطي، يتقبَّل الاختلاف الفكري الداخلي والذي هو ظاهرة صحيَّة تطوّر من الخطاب اليساري.
لذلك اليسار الإلكتروني يطرح العمل والنضال في إطار حركة يساريَّة اجتماعيَّة واسعة، تهدف الى تعزيز و تقويَّة دور التيار اليساري والتقدمي في المجتمع بشكل عام متجاوزة للأطر الحزبيَّة التقليديَّة الضيقة، ويرفض التعصُّب التنظيمي والنخبوي والشخصي، ويدعو إلى الأحزاب والتحالفات اليساريَّة المتعددة المنابر، والعمل المشترك للقوى اليساريَّة والتقدُّميَّة والإنسانيَّة الذي أصبح أمرا شائعا وضرورة ومطلبا حيويا على صعيد العالم أجمع.
من الضروري دراسة والاهتمام بتجارب التحالفات والعمل المشترك في العالم والمنطقة، والاستفادة منها وتطبيقها بما يتلاءم مع الوضع السياسي لكل بلد، و العمل على كل الأصعدة داخليا وخارجيا من أجل إزالة آثار التعصُّب التنظيمي تجاه البعض الآخر، وتجاوز الأطر التنظيميَّة الحزبيَّة الضيقة، وتجديد وتطوير بنيتها الفكريَّة والسياسيَّة والتركيز على التحالفات والعمل المشترك، والاقتناع بأن مصير الحركة الاجتماعيَّة الواسعة لليسار وتغيير حياة الطبقات الكادحة وعموم المجتمع نحو الأفضل أهم وأكبر من مصالح تنظيم يساري محدَّد.
من المهم جدا أيضا أن تعمل قوى اليسار بخطّها المستقل “دون خلط الرايات ” وفق نقاط التقاء معينة مع الاتجاهات السياسيَّة والفكريَّة الديمقراطيَّة والعلمانيَّة والإنسانيَّة المختلفة الأخرى من أجل تغيير الدكتاتوريات المستبدة في بلداننا ومواجهة قوى التعصب الديني والقومي وإرساء حكم ديمقراطي علماني مؤسساتي وتوفير الأمان والخدمات كبرنامج ديمقراطي للحدِّ الأدنى، ولا بد من اتباع تكتيكات وتحالفات معينة حسب ضرورات المرحلة والمجتمع وموازين القوى الطبقيَّة، ولا بد من الاستمرار في الحوار البناء مع تلك القوى وانتقاد نقاط الاختلاف معها.
النضال اليساري على مستوى أي البلد مرتبط بالظروف الإقليميَّة والعالميَّة لذا لا بد من التنسيق والعمل المشترك بين القوى اليساريَّة في المنطقة وعموم العالم، والاستفادة من خبرات بعضها الآخر، وتشكيل تحالفات وأطر تنظيميَّة إقليميَّة ودوليَّة تعزُّز من ذلك وتقوّي من دور قوى اليسار عالميا.

أبرز الأسس التنظيميَّة لليسار الإلكتروني
التوجّه العالمي بشكل عام هو نحو الإنترنت وتطبيقاته في المجالات المختلفة. وتشير الإحصائيات أنه في تزايد مستمر ومتواصل وبشكل كبير جدا حتى في بلدان ما يسمي بالعالم الثالث، وأصبحت جزءا رئيسيا لا يستغنى عنه في إدارة وعمل المفاصل المختلفة في المجتمع، التطور العلمي والمعرفي الكبير جدا وسيادة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت كأمر واقع إلى” السلطة الخامسة” في معظم المجتمعات أدَّت إلى:

  1. a. خلق أنماط جديدة من الوعي وأشكال التعبير عنها.
    b. وفي نظرة الجماهير إلى التغيير وآلياته.
    c. ومكنت عموم الجماهير من التواصل الشفاف والحر.
    d. وطرح كافة الأمور ومنها الحسَّاسة جدا بشكل علني، والمشاركة والتفاعل في تكوين الحقائق.
    e. ومتجاوزين كل الأطر المستندة إلى المركزيَّة والانغلاق، والمقيدات الجغرافيَّة والأمنيَّة والتنظيميَّة والقوميَّة والدينيَّة …. الخ
    f. أشاعت حريَّة الانتقاد العلني دون أي قيود.
    g. وفعَّلت الكثير من طاقاتهم الكامنة في فضاء واسع بعد أن كانوا في حالة ركود نسبي ومتلقين إلى حدٍّ كبير.
    h. وساهم ذلك في رفع مستوى الوعي والمتابعة والرغبة في التمرد، وتطور الوعي الديمقراطي من خلال الاطلاع على الكثير من الآراء الأخرى والتفاعل ومعها وبالتالي قبول متزايد للتعدديَّة الفكريَّة والسياسيَّة محليا وإقليميا وعالميا.

لقد أدَّى هذا التطوّر الكبير في الوعي المعرفي والديمقراطي والشفافيَّة وطرق التعبير والاحتجاج والانتقاد إلى عزوف عدد كبير جدا عن الانتماء إلى أشكال التنظيم التقليديَّة، حيث تغيرت وتطورت مفاهيمهم ومتطلباتهم وتوقعاتهم للتنظيم، وبشكل عام هم الآن أصبحوا ينفرون من أنماط التنظيم القديمة بما فيها الأحزاب والمنظمات اليساريَّة، التي الكثير منها مازالت تعاني من البيروقراطيَّة والهرميَّة والمركزيَّة المفرطة وضعف في الشفافيَّة، و تستخدم معظمها آليات عمل وتنظيم تقادمت بصورة واضحة وإلى حدٍّ كبير.
والبعض من هذه الأحزاب والتنظيمات اليساريَّة وبسبب هذه الآليَّات القديمة تحوَّلت إلى تنظيمات نافرة وطاردة للأعضاء بدلا ان تكون جاذبة وحاضنة للمزيد من الأعضاء  بشكل عام وبشكل خاص بين جيل الشباب، وأصبح معدل الأعمار فيها هو الستين فما فوق ، أو تحولت إلى أحزاب بقيادات بدون قواعد.
الجيل الجديد لا يرفض العمل الحزبي وقيم اليسار، وإنما لا يمكنه العمل وفق تلك الآليات وأشكال التنظيم الحزبي القديمة جدا ولا يجد نفسه فيها الآن. حيث نرى الآن أن معظم الشباب يستخدمون ويبدعون في طرح وتنظيم أنفسهم في أشكال تنظيميَّة جديدة وحديثة، باستخدام الانترنت وشبكات التواصل، ويؤثرون بشكل فاعل في الواقع الاجتماعي بأضعاف كثيرة مما يقوم بها الكثير من أحزاب اليسار، حيث خلق لهم فضاء رحب وحفزهم في التعبير عن الذات والانتهاكات المختلفة التي يتعرضون إليها، والتطوير والحوار والنقد دون أي قيود تنظيميَّة او فكريَّة، وفي والوقت والطريقة التي تناسبهم.
وتشكَّلت ثقافة وخطاب سياسي وآليات تنظيم جديدة خاصة بهم، تجسَّدت في مجموعات إلكترونيَّة مختلفة، ساهمت في تقريب وجهات النظر وكذلك تحديد المطالب الجماهيريَّة والنضال والاحتجاج، وأصبحت تمثِّل حركات سياسيَّة اجتماعيَّة مختلفة يقودها الشباب، وبرزت بواكيرها في انتفاضات ما سميت ”بالربيع العربي” التي أسميتها بـ” ثورات اليسار الإلكتروني غير المنظَّم” في مقال نشرته في 2011، لاستخدامهم التقنيات الحديثة واتباع أنماط تنظيم وتحشيد جديدة وفق التطوّر العلمي والتكنولوجي وطرحهم مطالب يساريَّة واضحة، متجاوزين أحزاب المعارضة التقليديَّة بما فيها اليساريَّة.
الاحتجاجات والمظاهرات والنشاطات المختلفة…. الخ على الأرض هي الأساس والمحك في أي تغيير جذري، ولكن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أصبح لها أهميَّة كبيرة جدا الآن، و لها دور أساسي ومحوري في تكوين الوعي والتحشيد والتنظيم والاحتجاج، ودعم وتنسيق النشاط الميداني للجماهير، ووفرت إمكانيات هائلة للنضال والتحرك بغض النظر عن المكان والزمان وبأقل الكلف.
الانترنت وثورة المعلومات والاتصالات وشبكات التواصل أدَّت الى خلق عالم ديمقراطي وشفاف مفتوح وكبير جدا، وأصبحت المحرِّك الرئيسي للاحتجاجات، وأثَّرت كثيرا في تطوير الفكر الإداري والتنظيمي وأنماط القيادة، نحو المزيد من الشفافيَّة واللامركزيَّة والمرونة والجماعيَّة.
وأدَّت أيضا إلى إعادة صياغة مفهوم ” دور الجماهير وتدخلها” ارتباطا بقوة التحشيد وتدفّق المعلومات والأخبار من مكان الحدث الى أي مكان في العالم، الأمر الذي راكم في بلورة قوة وتأثير الاحتجاج الجماهيري و ضغط الرأي العام الشعبي العفوي، الذي إلى الآن وبشكل عام يوجه في اتجاهات محدَّدة حسب قوة المالكين والمشرفين على شبكات التواصل و أجهزة الإعلام والفضائيات، والذين لهم إمكانيات التنظيم والسيطرة على التحركات الجماهيريَّة والاستفادة منها لإغراضها السياسيَّة ….الخ، وهي بشكل عام قوى ومؤسَّسات يمينيَّة تناهض تطلعاتها ومطالبها العادلة.

وهنا يأتي دور اليسار الإلكتروني في تنظيم هذه النشاطات والاحتجاجات …. الخ المختلفة وتوجيها نحو الاتجاه الصحيح بدلا من أن تكون تحت تأثير وأسيرة للقوى المعادية لليسار والجماهير وتطلعاتها، من خلال التطوير والتحديث الكبير في آليات التنظيم والقيادة والعمل والتفاعل، متزامنة مع الاستخدام الأمثل والكفؤ للأنترنت وثورة الاتِّصالات والمعلومات، التي من المؤكَّد أنها ستخدم النضالات الجماهيريَّة كما ونوعا وتطورها وتنظمها بشكل كبير، وتعزِّز من دور القوى اليساريَّة والتقدّميَّة.
ولتحقيق ذلك، وكذلك لعلاج الانفصال والتباعد الكبير الذي حصل بين الجيل الجديد وتنظيمات اليسار، يطرح اليسار الإلكتروني تطوير وتحديث علمي كبير في آليَّات التنظيم والعمل والنضال ودمقرطتها وإشراك العقل الجماعي إلى أكبر مستوى ممكن، لكي تساير الوضع الجديد وتتفاعل معه من خلال:
1. أنماط جديدة للتنظيم: يتجاوز النمط التقليدي المركزي الذي يعطي احتكار والسيطرة الكبيرة للهيئات القياديَّة نحو أنظمة داخليَّة وآليات تنظيميَّة ديمقراطيَّة جديدة مرنة للبناء التنظيمي كنوع من ” التحالفات أو الشبكات أو التنسيقيات التشاركيَّة الفيدراليَّة” التي لا تتبنَّي المركزيَّة الهرميَّة الصارمة والتبعيَّة الإداريَّة الشديدة، وتتيح قدر كبير من الاستقلاليَّة واللامركزيَّة والديمقراطيَّة، والحريَّة الكبيرة للمنظَّمات الحزبيَّة والجماهيريَّة والتحالفات والمجموعات والأشكال المختلفة الأخرى للتنظيم في إقرار سياساتها، سواء كانت على الصعيد الفكري أو الجغرافي او الإقليمي أو وفق قضايا مطلبيَّة مختلفة…. الخ، وتفويض الصلاحيات والتنسيق في كافة المجالات، حيث من الضروري إعطاء المنظمات والكتل والمجموعات المختلفة داخل التنظيمات المزيد من الصلاحيات في إقرار سياسات والبرامج، وخطط العمل وفق اجتهاداتها وحاجات المناطق التي تعمل فيها، أو المجموعات التي تعمل معها وتستهدفها. ولا بد من استخدام مفاهيم الإدارة الحديثة والبحث العلمي والتطوّر التقني والمعرفي والحقوقي في عصرنة آليّات التنظيم والإدارة والاتِّصال الداخلي والخارجي.
أشكال واليات التنظيم المختلفة سواء كانت حزب أو تحالف أو تنسيقيات تشاركيَّة…. إلخ، لا بد أن تكون ذات مرونة كبيرة دون هيكليَّة مركزيَّة جامدة وفي تغيير وتحديث متواصل حسب الحاجات والمتطلّبات وفق:
a. التطور التكنولوجي والمعرفي والحقوقي.
b. ودرجة التطور الديمقراطي والسياسي والقانوني.
c. مستوى الحريات وإمكانيات العمل التنظيمي في كل مجتمع، سواء كان سريا أم علنيا.

d. أطر العمل التنظيمي المحلي والإقليمي والعالمي.
e. نوع القضايا المطروحة والجهات المستهدفة، ووفق ذلك يتم اختيار نوع التنظيم المطلوب.
f. عمل وحاجات المنظَّمات والكتل والمجموعات المختلفة.
g. بناء هياكل تنظيميَّة خاصَّة لفترات أو حالات معيّنة.
h. دراسة مستوى التأثير وتقييم العمل كتنظيمات يساريَّة مستقلَّة، أم العمل بشكل فردي أو كتل داخل أحزاب او حركات أو تحالفات كبيرة مؤثرة في المجتمع، ولها طابع تقدُّمي نسبيا وتسمح بتعدُّد الكتل والمنابر الفكريَّة داخلها ومنها الاتجاهات اليساريَّة، وفق الموازين الطبقيَّة والحالة السياسيَّة لكل بلد، مثلا تجربة كتلة ” بيري ساندرز” اليساريَّة داخل الحزب الديمقراطي في أمريكا، ووفقها يتم الاختيار أيهما هو الأنسب والأكثر تأثيرا لصالح تعزيز دور ومكانة اليسار في المجتمع.
i. ضرورة الحذر والدقَّة الكبيرة عند اختيار أسماء التنظيمات والأحزاب والتحالفات والشبكات اليساريَّة حسب درجة تطور المجتمعات والموازين الطبقيَّة والسياسيَّة وخصوصيات كل بلد وتغيير الكثير من الأسماء الحاليَّة، وتجنُّب الأسماء التي من الممكن أن تكون لها تأثيرات سلبيَّة أكثر من مما هي إيجابيَّة، حيث إن وجود الكلمات الشيوعي، الاشتراكي…. الخ في اسم التنظيم لا يعني بالضرورة يساريَّة وحقانيَّة ذلك التنظيم، العمل الجماهيري على أرض الواقع ومدى مساهمته وتأثيره في تغيير حياة العمال والكادحين، وعموم المجتمع نحو الأفضل هو الأساس والمحك لأي تقييم أو مصداقيَّة واقعيَّة لأي تنظيم يساري. إضافة إلى التأثيرات السلبيَّة للدعاية المضادَّة لليسار، وآثار تجربة انهيار” المعسكر السوفيتي” التي من الضروري أن تؤخذ بنظر الاعتبار.
2. أسس العضويَّة وحقوق العضو-ة: يطرح اليسار الإلكتروني سياسيات وآليات جديدة في العضويَّة التنظيميَّة بحيث تتيح للعضو-ة إمكانيات أكثر في التأثير وصياغة السياسات والبرامج، والحريَّة الكاملة في العمل وفق توجهاته الفكريَّة والسياسيَّة، التي من الممكن إن تتطابق مع كافة سياسات التنظيم الحزبي اليساري أو جزء منها، وتعزز من روح الانتماء الطوعي للفرد إلى المجموعة ومن الشعور بالمسؤوليَّة السياسيَّة والتنظيميَّة، كما يتجاوز كافة أنواع المركزيَّة المفرطة والسكرتاريَّة التنظيميَّة والانضباط الحزبي الصارم، وفق إن تنظيمات اليسار لا بد إن تكون اتحادات طوعيَّة ديمقراطيَّة تستند إلى الانضباط الذاتي الحر وليست مؤسَّسات عسكريَّة.
ويدعو إلى إلغاء أي قواعد أو بنود تمنع أو تعيق حقّ الأعضاء في التعبير عن الرأي داخل وخارج التنظيمات اليساريَّة، ولا بد أن يكون لهم الحريَّة الكاملة في طرح أفكارهم الفكريَّة والسياسيَّة بالطريقة التي يرونها مناسبة، والمشاركة الفاعلة في صياغة وإقرار السياسات الحزبيَّة، ومفاهيم وبنود مثل:

  1. a. ” اطرح رأيك داخل هيئتك الحزبيَّة أو في النشرات الحزبيَّة الداخليَّة أو من خلال رسالة إلى قيادة الحزب”.
    b. ”نفذ ثم ناقش”.
    c. ”الطاعة الحديديَّة العمياء”.
    d. ”التبعيَّة الكاملة للأعضاء لسلطة القيادة التي تضطلع وحدها بالتفكير والتحليل وإصدار القرارات والقاعدة عليها التنفيذ دون أي اعتراض”.
    e. التقدُّم في المناصب الحزبيَّة استنادا إلى الولاء للقيادة.
    مفاهيم من الممكن أنها كانت مقبولة إلى حدٍّ ما قبل عقود، ولكن الآن أصبحت شموليَّة وضعيفة ديمقراطيا وعفا عليها الزمن إلى حدٍّ كبير، ولها تأثيرات سلبيَّة جدا،وأبعدت الأعضاء وخاصَّة الشباب جيل الثورة المعلوماتيَّة بشكل كبير جدا عن أحزاب اليسار فكما نرى أنهم خلال دقائق معدودة من الممكن أن ينشروا بوستات علنيَّة عدَّة في شبكات التواصل، وفي مواقع الانترنت يعبِّرون عن آرائهم فيها ويتحاورون حولها بكل حريَّة ودون أي قيود تذكر وتصل إلى عدد كبير جدا، في حين أن معظم تنظيمات اليسار ستمنعهم من التعبير العلني،وستطلب منهم الانتظار لاجتماع هيئاتهم الحزبيَّة بعد أسبوع أو شهر، أو النشر في النشرات الحزبيَّة الداخليَّة، أو من خلال رسالة خاصَّة إلى القيادات الحزبيَّة لكي يطرحوا و يعبِّروا عن رأيهم فيها وبشكل سرّي غير علني يصل إلى عدد محدود جدا ولا يصل حتى لكل أعضاء الحزب، فما بالك بعموم المجتمع.  إن اعتبار نقاشاتنا السياسيَّة والفكريَّة ورأي الأعضاء أمرا داخليا ويجب أن لا تعلن للخارج هو بحدّ ذاته منع جماهير اليسار من الاطلاع على الأفكار و الأطروحات المختلفة والحوارات داخل تنظيمات اليسار وتقييمها، وكذلك منع وصول الرأي المختلف عن الخط الرسمي إلى الجماهير، وبالتالي إضعاف التفاعل والرقابة الجماهيريَّة للمجتمع علينا، وتحولنا إلى شبه طوائف يساريَّة-دينيَّة مغلقة.
    كيساريين نطرح الكثير للمجتمع، ونطالب بالديمقراطيَّة والتعدّديَّة والشفافيَّة والانتخاب المباشرة، وإشراك الجماهير في القرارات والحريَّات الفرديَّة والعامَّة، وحقّ التعبير العلني والاختلاف والرأي الآخر والإعلام المفتوح والمتنوِّع… الخ، ولكن من المهم أيضا أن نسأل أنفسنا هل هذه الأمور والحقوق الأساسيَّة والهامة جدا موجودة ومتاحة ومسموحة للأعضاء في تنظيماتنا اليساريَّة، وإلى أيِّ حدٍّ تطبق، وينعكس ذلك في عملها التنظيمي والسياسي والفكري، لدينا تناقض ونقص وخلل كبير، والأمر يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر جذريَّة وتحديث وتطوير كبير، ووفقا لذلك فإن أبرز أسس العضويَّة وحقوق العضو-ة الحزبي وفق اليسار الإلكتروني هي:
    a. العضويَّة تستند الى مفهوم التحالف والتعاون والعمل الجماعي لتحقيق أهداف معينة، وليس إلى الانتماء وفق مفهوم هرمي وبسلطة مركزيَّة صارمة. والعضو-ة له الدور الرئيسي والأساسي في إقرار السياسة العامة للحزب، مساهمة أعضاء وكوادر الحزب في صياغة سياسة الحزب من القاعدة أي من الأسفل إلى الأعلى ”القيادة” أمر ضروري ومهم، ويجب خلق الإمكانيات والآليَّات والظروف الملائمة لذلك داخل الحزب، ولا بد من تطوير الأعضاء وتشجيع روح الاجتهاد والتحليل الخلاق بين صفوف الأعضاء، بغض النظر عن توافقه مع الخط الرسمي أم لا، ومن أجل تقوية النضال على مختلف الأصعدة وتطوير المبادرات بين الأعضاء والاستفادة منها.
    b. اختيار أشكال ودرجات مختلفة من العضويَّة المرنة (الفاعلة، المؤازرة، الوقتيَّة، …… الخ) التي تتيح العمل التنظيمي وفق الظروف الشخصيَّة والحياتيَّة، وكذلك حسب التطوّر المعرفي والعلمي والحقوقي وأنماط التنظيم.
    c. يسترشد بالخطوط العامَّة للتنظيم أي كان شكله وينشط وفقها وبما يتَّفق معها.
    d. التعبير العلني عن رأيه في داخل وخارج المنابر التنظيميَّة بشكل حضاري بناء، وبالطرق المناسبة له ودون أي قيود أو تردّد أو خوف من إجراءات تنظيميَّة بسبب الاختلاف والإعلان عنه.
    e. يحق له بشكل كامل وعلني نقد السياسات التنظيمة الرسميَّة التي لا يتوافق معها.
    f. يحق له عدم تنفيذ سياسات رسميَّة هو غير مقتنع بها.
    g. الحق في الانتخاب، وفي ترشيح نفسه أو آخرين إلى مختلف الهيئات التنظيميَّة، وكذلك المشاركة في عزل أعضاء القيادة الذين لا يثبتون كفاءتهم في تنفيذ مهماتهم.
    h. له الحق في” العضويَّة المركبة” أي الانضمام إلى أكثر من حزب او تنظيم يساري في آن واحد فمثلا يجد أن له مقتربات سياسيَّة وفكريَّة مختلفة مع أكثر من تنظيم يساري واحد، فمن الممكن العمل في حزب يساري عام وفي نفس الوقت العمل في حزب أو إطار يساري آخر يركز على البيئة بشكل أكبر.i. حق التكتُّل للأعضاء داخل الحزب وحقّ الكتل المختلفة داخل الحزب في استخدام القنوات الحزبيَّة وإعلام الحزب أو إصدار إعلام خاص به للترويج لسياساتها واختلافاتها عن الخطِّ الرسمي للحزب.
    j. الابتعاد عن التعامل الاستعلائي تجاه الأعضاء والتلقين الببغائي، وأساليب والتوهين والإقصاء والعزل والتخوين بسبب الاختلاف الفكري والسياسي والتنظيمي.
    k. إلغاء عقوبة الطرد من الحزب حيث هي نوع من” الإعدام السياسي والتنظيمي” والاستعاضة عنها بعقوبات إصلاحيَّة أخف مثلا ” التجميد الكامل”، بحيث تحفظ الكرامة الإنسانيَّة والسياسيَّة للعضو-ة لحين يقرّر البقاء أم لا ويعطى له فرصة للتغيير، ولا بد أن يكون الخروج تطوعيا مثلما هو الانتماء إلى الحزب، عقوبة الطرد عقوبة قاسية جدا، ومن الممكن أن تستخدم في حالات كثيرة في تصفية حسابات سياسيَّة من قبل بعض القيادات الضعيفة ديمقراطيا مع من يختلف معها أو ينتقدها.
    l. استحداث وتطوير آليَّات وقواعد للعضويَّة الإلكترونية، تتجاوز الأنماط التقليديَّة للعضويَّة وأطر البلد والجنسيَّة والمكان والعمر….. الخ، وهنا من الضروري جدا مراعاة الجوانب الأمنيَّة ودراستها بدقَّة.
    m. إيجاد آليَّات سياسيَّة-تنظيميَّة ديمقراطيَّة مرنة للتعامل مع اليساريين المستقلين الذين لا يودّون الانضمام إلى اي نشاط تنظيمي منظَّم ولأي سبب كان، والاستفادة من إمكانياتهم قدر الإمكان وبالشكل الذي يناسبهم، ويقدر ويتفهَّم توجّهم الرافض للعمل المنظَّم، ولا ينظر إلى ذلك بشكل سلبي، أو يتم التعامل معهم من منطلق استعلائي.
    تعدُّد المنابر وحقِّ التعبير والاختلاف والإعلام الحر: لضمان وتعزيز وحدة الحزب وتطويره، وتجنُّب الانشقاقات والصراعات النخبويَّة التي هي أحد الأمراض المزمنة والمدمِّرة لليسار، والاستقالات الكبيرة وهجرة الأعضاء، والالتزام بالمبادئ الديمقراطيَّة، يقرّ اليسار الإلكتروني بتعدُّد المنابر والاجتهادات والكتل الفكريَّة والتنظيميَّة اليساريَّة المختلفة داخل المؤسَّسة التنظيميَّة سواء كانت حزبا أو أي نمط تنظيمي آخر.

إعلاميا يطرح الصحافة الحزبيَّة الحرَّة المفتوحة، حيث لابد أن يكون الإعلام الحزبي منبرا واسعا للكل في الحزب ومن خارجه من حاملي الأفكار اليساريَّة والتقدُّميَّة والإنسانيَّة، وحتى الناقدة لليسار وتنظيماتها كنوع من تقبُّل واحترام الرأي الآخر والتفاعل معه، ويحقّ لجميع الأعضاء والكتل والأفكار المختلفة داخل الحزب بغض النظر عن موقفهم من السياسات الحزبيَّة الرسميَّة، استخدامه للتعبير عن آرائهم وسيؤدِّي ذلك إلى خلق حالة حوار إيجابي بين الاتِّجاهات المختلفة، وإلى حالة من التفاعل والحوار نشط داخل الحزب، وبالتالي تطويره داخليا وخارجيا واتِّخاذ القرارات الرشيدة.
ومثلما نطرح ضرورة وجود قضاء مستقل ونزيه في المجتمع، لا بد أيضا من بناء نظام قضائي ومحاكم حرفيَّة وهيئات تحقيقيَّة مستقلَّة ومنتخبة داخل أحزاب اليسار، وضمان ” محاكمات” قضائيَّة نزيهة وعلنيَّة في حالة حصول” مخالفات أو اختلافات” ويحق للعضو-ة الحزبي أو الكتل الحزبيَّة توكيل محامي للدفاع عنها من داخل أو خارج الحزب أو التحالف، وتوجيه العقوبات يجب أن يكون آخر الأساليب التي يلجأ إليها، لابد أن يعطي ذلك انطباعا قضائيا-حقوقيا رائعا في عمل اليسار القضائي في إدارة التنظيمات والمؤسَّسات إذا تسلَّم حكم المجتمع.
4. القاعدة الحزبيَّة مصدر السلطات: كما نطرح أن ” الشعب مصدر السلطات” في الدولة والمجتمع لا بد أن تكون ” القاعدة الحزبيَّة مصدر السلطات” في أحزاب وتنظيمات اليسار وأن يكون العقل والقرار الجماعي أساس تنظيمات اليسار الإلكتروني، وتصاغ السياسات والبرامج من القاعدة وتناقش بشكل علني، وتقر القرارات المهمَّة والكبيرة من خلال استفتاءات‎ حزبيَّة ديمقراطيَّة علنيَّة ووفق أسس ديمقراطيَّة تحت إشراف لجان مستقلة ومحايدة يشارك فيها كل عضوات وأعضاء الحزب، ويسبقها حوار علني مفتوح حول القضايا المطروحة للاستفتاء، ولا بد من تطوير آليَّات لأجرائها بشكل سهل ودائمي، والتقنيات الحديثة توفر ذلك إلى حدٍّ كبير جدا وبكلف رخيصة جدا.
5. العقل الجماعي والمؤتمرات: المؤتمرات تشكِّل أحد أهم أسس الحزب أو التحالف اليساري، وهي المحطة الرئيسيَّة للمراجعة والتقييم وإقرار سياسات وآليَّات جديدة من خلال إشراك واسع للعقل الجماعي للحزب، لذلك من الضروري عقد مؤتمرات دوريَّة وعلنيَّة وفق:
a. التحضير للمؤتمرات يتم من قبل لجان علنيَّة تشترك فيها كافة المستويات الحزبيَّة، القيادة والقواعد والكتل المختلفة في الحزب، ويجب أن لا يقتصر التحضير على الهيئات القياديَّة فقط.
b. تحضير علني واسع يضمن مشاركة الجميع من الاتجاهات والكتل المختلفة داخل مؤسساته وخارجه في الحوار المتعلق بسياسات وبرامج الحزب واحترام الرأي والرأي الأخر.
c. إجراء انتخابات ديمقراطيَّة علنيَّة تحت إشراف قضائي لمندوبي المؤتمرات.
d. كوتا شبابيَّة ونسائيَّة لمندوبي المؤتمرات.
e. أعضاء القيادات السابقة يحضرون كضيوف وللتقييم إذا لم يتم انتخابهم من قبل هيئاتهم الحزبيَّة التي يعملون فيها، ولا يحقّ للقيادة أن تنسب ” مندوبين” للمؤتمر بدون انتخاب من هيئاتهم الحزبيَّة ولأي سبب كان.
f. تتشكل لجان وبمستويات حزبيَّة مختلفة لإدارة المؤتمرات ويتم تغييرها مرتين أو أكثر في اليوم الواحد.
g. تبثّ المؤتمرات بشكلٍ علني للجماهير أو على الأقل لأعضاء الحزب حسب ظروف كل بلد، والتقنيات الحديثة توفِّر ذلك بشكلٍ سهل جدا وشبه مجاني.
h. لا بد من طرح تقييم لسياسات الحزب بين كل مؤتمرين يتطرَّق فيه إلى أوجه النجاح والفشل، وأسباب ذلك وتناقش وتقرّ في المؤتمر.

  1. إجراء انتخابات ديمقراطيَّة علنيَّة لقيادة الحزب بعد المؤتمر تحت إشراف قضائي مستقل ومحايد من خارج وداخل الحزب، بعد أن يسبقها حملة انتخابيَّة علنيَّة داخل وخارج الحزب للمرشحات والمرشحين، للترويج لسياستهم في حالة تبوئهم المناصب القياديَّة في الحزب، ويتمّ انتخابهم مباشرة من قبل كافة عضوات وأعضاء الحزب، وليس من قبل مندوبي المؤتمرات فقط، لكي تعكس العقل والقرار الجماعي للحزب بأوسع أشكاله الممكنة.
    بشكل عام لا بد أن تكون كافة الهيئات الحزبيَّة في حالة ”مؤتمر دائم ” والتقنيات الحديثة توفِّر ذلك، من خلال طرح كافة السياسات والبرامج والبيانات على المستويات الحزبيَّة المختلفة بشكل دائمي للحوار الجماعي حولها في فترة محدَّدة، والتصويت عليها إذا تطلب ذلك، وإقرارها قبل طرحها للعلن، سواء كان على عموم الحزب او التنظيمات المحليَّة أو الهيئات الخاصَّة… إلخ في مجموعات انترنتيَّة أو في شبكات التواصل المغلقة للأعضاء فقط، ومجموعات أخرى لجماهير الحزب في القرى والمدن … الخ وانتهاءً بعموم البلد، لكي تعكس العقل الجماعي لأعضاء وجماهير الحزب إلى أكبر مستوى ممكن، بدلا من أن يكون ذلك محصورا في الهيئات القياديَّة فقط.
    التفاعل ورقابة الجماهير على الحزب: يركز على التفاعل المتبادل مع الجماهير والمحيط الخارجي كجزء من ” الرقابة على نشاط الحزب وسياساته” ودعوتهم للمشاركة الفاعلة في إقرار سياساته وتقيمها والحوار عليها من خلال:
    a. طرح برامجها ووثائقها وأنظمتها الداخليَّة للنقاش العام والمفتوح بشكل دائمي من خلال مواقع الكترونيَّة متطورة تسمح بالآراء المختلفة وتتيح التفاعل والتعليق والتصويت… إلخ، وفي مجموعات شبكات التواصل الاجتماعي، والاستفادة من البرامج التي توفِّر تحليلات وإحصائيات علميَّة حول عدد الزيارات ودرجة وأشكال التفاعل والمواضيع المقروءة…… إلخ للتقييم والتطوير.
    b. ويستفيد من الرأي والتحليل العلمي للشخصيات والمؤسَّسات العلميَّة والبحثيَّة في إقرار السياسات والبرامج.
    c. وبشكل متواصل يطلب التغذية العكسيَّة أو الراجعة ”الفيدباك Feedback ” طرق علميَّة من فئات المجتمع المختلفة.
    d. من أجل تحليل وتقييم السياسات المختلفة على مختلف الصعد وتقويمها وقياس مدى نجاحها ومستوى تحقيق الأهداف المرجوَّة، وإعادة النظر بها بشكل دوري وفقا لذلك، وتشخيص الأخطاء والنواقص وتصحيحها ما أمكن.
    e. فقط الذي يعمل لا يخطأ فلذلك عندما تخطأ أحزاب اليسار في سياسات معيَّنة فمن الضروري أن تقدَّم اعتذارات علنيَّة للجماهير وللأعضاء على تلك الأخطاء وتأثيراتها السلبيَّة لضمان عدم تكرارها.
    7. القيادة الجماعيَّة: إلغاء كافة المناصب التي من الممكن أن ترسخ السلطات الفرديَّة مثل – الأمين العام، السكرتير، الرئيس، القائد …. الخ وتعزيز القيادة الجماعيَّة في الحزب ومن الجنسين واستحداث منسّقين ومنسّقات في الأقسام المختلفة وناطقين باسم الحزب في المجالات المختلفة مثلا الناطق-ة باسم الحزب في مجال (الشباب، الاقتصاد، المرأة، الدفاع، مجلس النواب، السياسة الخارجيَّة……….. الخ) بحيث يتمّ تقاسم الصلاحيات والمسؤوليات والخبرات بين الكادر القيادي في الحزب بشكلٍ جماعي تخصصي، ويتمّ التطوير والإبداع حسب المسؤوليات.
    8. التداوليَّة، قيادات شبابيَّة مع الجماهير: للأسف إلى الآن نرى أن بعض من قادة اليسار في العالم العربي ينافسون حكام وملوك العالم العربي في البقاء في كرسي القيادة، بل أن البعض منهم حولها إلى” مملكات عائليَّة وراثيَّة! ” و ” ملكيَّة خاصة مطلقة ”، إضافة إلى ذلك هناك حالات من الذاتيَّة والنرجسيَّة المفرطة وتقديس دورها، وفي أحيانٍ كثيرة نرى أن القيادات اليساريَّة لا تتغيَّر وهي التي تصنع القاعدة الحزبيَّة وتنتخبها وليس العكس.
    ممَّا خلق حالة سلبيَّة أضرَّت كثيرا باليسار، وأدَّت إلى جمود نظري وعملي وتنظيمي، وهو بعيد كل البعد عن التقاليد الديمقراطيَّة اليساريَّة، لذلك يركِّز اليسار الإلكتروني على تداوليَّة القيادة، ويعتبرها بندا رئيسيًّا في أنظمته الداخليَّة بحيث لا يحقّ تبوّء المناصب القياديَّة لأكثر من دورتين انتخابيتين وحد أعلى 6- 8 سنوات.
    ويركِّز أيضا على القيادات الشبابيَّة، ويحدِّد نسب ومعدل معين للأعمار في قيادة الحزب، ويعطي أهميَّة للمنحدر الطبقي في تبوّء المناصب القياديَّة، ويعمل من أجل إبراز وتكوين كوادر وقيادات جديدة بشكل متواصل، ولا بد أن تكون من ومع الجماهير تقود وتتواجد معها في التجمعات والاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات….. الخ.
    كما يرى أن من الضروري جدا ومن أجل طرح سياسات عقلانيَّة وقريبة من الواقع، أن يصاغ بند واضح وأساسي في الأنظمة الداخليَّة، يتعلَّق بضرورة تواجد كافة أعضاء قيادة التنظيم داخل البلد، وأن يكونوا من سكانه الدائمين، وبالتالي الاشتراك الواقعي والفعلي في قيادة العمل اليومي الميداني للتنظيم وهيئاته المختلفة والعمل والنضال بين الجماهير، ولا يسمح بقبول ترشيح أي عضو-ة لمنصب قيادي إذا كان متواجدا أو يعيش في الخارج بشكل دائمي أو شبه دائمي، إلا في حالات استثنائيَّة جداً بسبب خطورة أمنيَّة قاهرة، أو مهمَّات حزبيَّة ضروريَّة جدا تستلزم البقاء في الخارج لفترة محدودة، وعلى العضو القيادي الاستقالة وترك المنصب لرفيق-ة آخر إذا قرَّر العيش خارج البلد، أو لم يستطع الاستمرار كقائد سياسي وتنظيمي لأسباب شخصيَّة أو عائليَّة أو مهنيَّة …. الخ.9. الشفافيَّة والماليَّة: العالم بشكلٍ عام يتَّجه نحو الشفافيَّة، حيث الإنترنت والتقنيات الحديثة وشبكات التواصل أتاحت كسر حواجز الرقابة وحجب الحقائق عن الجماهير، وحتى عن الأعضاء في الكثير من أحزاب وتنظيمات اليسار، لذلك يستند اليسار الإلكتروني في عمله إلى الشفافيَّة الكاملة في كافة أنشطته الداخليَّة والخارجيَّة، ماعدا التي من الممكن أن تلحق ضررا أمنيا كبيرا به في الدول الاستبداديَّة.
    أعضاء الحزب يقدِّمون اشتراكات ماليَّة للحزب وكذلك أنواع مختلفة من الدعم المادِّي، لذلك يجب أن تلتزم كافة هيئاته وقيادته وأعضائه بالشفافيَّة العامة الكاملة وخاصَّة الماليَّة على المستويين الحزبي والشخصي، وتقدِّم تقارير ماليَّة مفصلة بشكلٍ دوري حول كيفيَّة استخدام الماليَّة لكافَّة الأعضاء والعضوات في مختلف الهيئات الحزبيَّة، ويلزم كافة الأعضاء بكشف الذمة الماليَّة وخاصَّة المترشّحين للهيئات القياديَّة المختلفة لضمان النزاهة وعدم تضارب بين المصالح الحزبيَّة والشخصيَّة.
    ولمواجهة الفساد داخل أحزاب اليسار والاستغلال السلبي للمنصب وتعزيز النزاهة من الضروري أن يستخدم مبدأ ” من أين لك هذا يارفيق-ة؟ ” في حالات وجود قضايا مشكوك فيها.
    كما تفرض ضريبة ” الحزب التصاعديَّة ” أي نسبة من رواتب ممثّلي الحزب العاملين في الوظائف الحكوميَّة أو أنواع الدخل الأخرى بسبب الموقع الحزبي تحول وتسلم إلى المؤسَّسات الماليَّة للحزب، وفق ظروف الحياة وخصوصيتها في هذا البلد أو ذاك.
    10. ينمِّي قدرات أعضائه وقياداته في استيعاب واستخدام التطوّر التكنولوجي والتقني والعلمي، وبالأخصّ تقنية المعلومات والانترنت وشبكات التواصل، إلى أقصى الحدود الممكنة والمتوفِّرة وتطويرها بشكلٍ مستمرّ من أجل:
    a. الترويج لأفكار اليسار والقيم الإنسانيَّة والمدنيَّة بشكلٍ عام، ولمفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعيَّة والعلمانيَّة والاشتراكيَّة الديمقراطيَّة والمساواة الكاملة للمرأة بشكلٍ خاص، وكسر احتكار الأعلام الموجَّه والممول والذي بالعادة تسيطر عليها الحكومات الدكتاتوريَّة والمؤسَّسات الرأسماليَّة والقوى الدينيَّة المتعصِّبة، واستخدام مفاهيم تسويقيَّة علميَّة معاصرة لإيصالها إلى أكبر عددٍ ممكن وبأقل الكلف، والتخلِّي إلى حدٍّ كبير عن الأعلام الورقي المكلف والذي يصل إلى عدد محدود جدا.
    b. استخدامها بشكلٍ فاعل في مجال التنظيم وعمل الهيئات الحزبيَّة للإدارة وللتواصل وللحوار، ولاتِّخاذ القرارات الرشيدة والعقلانيَّة والتي تعكس الرأي الجماعي إلى أكبر مستوى ممكن، وتعزيز التفاعل والحوار الداخلي وتعزيز روح ” فريق العمل” والتعاون الايجابي.
    c. التفاعل الحيّ والمؤثر مع المحيط الخارجي.
    d. واستخدامها بشكل فاعل في التطوير الفكري والسياسي.
    e. وبشكل عام استخدامها في المجالات المختلفة السياسيَّة والإعلاميَّة والتنظيميَّة.
    f. استخدامها في استحداث آليَّات جديدة وحديثة للتنظيم والتظاهر والتعبئة والتحشيد الجماهيري والحملات الانتخابيَّة، ممَّا سيؤدِّي التي تطوير العمل كمّاً ونوعاً، وإلى تخفيض المصاريف في ظل الأزمة الماليَّة المزمنة التي تعاني منها معظم فصائل اليسار.
    g. استخدامها بشكلٍ فاعل في الاحتجاجات الجماهيريَّة الإلكترونية والإضرابات العماليَّة والمهنيَّة مثلا لإطلاق الحملات وتشكيل مجموعات الكترونيَّة ….. إلخ وحتى إيقاف العمل بشكل تقني – الكتروني وبطرق مختلفة من أجل الضغط لتحقيق مطالب معينة.
    h. يتوجَّه نحو اكتساب قدرات تقنية متقدِّمة وسريعة تتيح له الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجهات والمجموعات التي يستهدفها.
    i. كما يستطيع مواجهة اختراقات الخصوم وحملات التخريب والتجسُّس والحروب الإلكترونيَّة، وحماية الأنظمة الإلكترونية للحزب والمنظَّمات والأعضاء، وتطوير الإمكانيَّات السريعة لامتصاص الضربات التقنية-الأمنيَّة وإعادة العلو بالتنظيم بأقصى سرعة ممكنة.
    j. وأحيانا الردّ الإلكتروني عندما يتطلَّب الأمر ذلك.
    k. إضافة إلى إمكانيَّة اختراق وتعطيل وتدمير الشبكات والأنظمة التقنية للحكومات الشموليَّة وخاصة الأمنيَّة القمعيَّة والسياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة والإعلاميَّة….. عندما تقتضي الحاجة،
    l. ولا بد أن يكون في عمليَّة تطوير مستمرَّة على الصعيدين التقني والمعلوماتي، بحيث يصبح النضال الإلكتروني أحد أهمّ الأشكال الرئيسيَّة للنضال.
    في الختام قوى اليسار بكافة فصائلها، خاصَّة في بلداننا، تعمل وتناضل الآن في ظروفٍ صعبة جدا وبالغة التعقيد، وبإمكانيَّات ضعيفة جدا وتتعرَّض إلى أشكالٍ مختلفة من القمع ومقيدات ومعوقات كثيرة، وهي رغم النواقص والتشتُّت والتراجع الأمل الإنساني التقدُّمي الكبير والأساسي في بناء عالم أفضل في بلداننا. اليسار الإلكتروني مساهمة متواضعة لإخراج اليسار من أزماته ووقف التراجع والانحسار ولتحريك الوضع المتشتت الراكد نحو تحديث وتطوير خطابه السياسي، وآليَّات العمل والتنظيم والإدارة، وفق خبرتي السياسيَّة والتنظيميَّة والإعلاميَّة في الكثير من أحزاب ومنظَّمات اليسار العراقي، وفي مؤسَّسة الحوار المتمدِّن بتقاليده في العمل الجماعي الديمقراطي الشفَّاف، ومن عملي المهني الشخصي كمتخصِّص في بناء وتطوير أنظمة القيادة والإدارة والحكومة الإلكترونية.
    قد يكون المفهوم بهذا المعنى هو في تطوّر كبير ومتواصل على صعيد الواقع العملي، وأكيد أنه يتقبَّل الخطأ والصواب، وبالتأكيد يحتاج إلى وقت وجهود جماعيَّة لكي يتطوَّر أكثر وأكثر، وهو مطروح للنقاش لكل من يهمّه تحديث وتطوير اليسار والأفق الاشتراكي الديمقراطي، نحو أشكالٍ جديدة علميَّة وعصريَّة من الخطاب السياسي وآليات التنظيم، والنضال ومن أجل بديل سياسي اقتصادي اجتماعي وحقوقي وثقافي وبيئي أفضل وأرقى وممكن للإنسان.
    _____
    * رزكار عقراوي/ يساري مستقل.

    __________

    **يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة عن رأي التنويري.

 

جديدنا