المتطلبات الأساسيَّة لتوحيد المناهج التعليميَّة في الجمهوريَّة اليمنيَّة

image_pdf

من بين المهام الماثلة أمام دولة الوحدة، تبرز مهمة إعادة بناء الإنسان اليمني وتحريره من رواسب الماضي كمهمة وطنيَّة كبرى. و يظطلع التعليم بدور واسع في إنجاز هذه المهمة، وبحكم مواقع المناهج في النظام التعليمي باعتبارها تمثل مضمون التعليم ومحتواه الأساسي تحتل عمليَّة توحيد المناهج أهميَّة خاصة، الأمر الذي يستدعي إعطاء هذه المسالة الاهتمام اللازم، ووضعها في مقدمة المهام المطلوب إنجازها خلال المرحلة الراهنـة.

فمن غير المعقول أن نتصور الدولة الجديدة بمضمونها الواحد ونهجها الموحد المجسد للإدارة الوطنيَّة الواحدة ففي ظل مناهج ضعيفة و مشطرة تكرس التجزئة، وتعكس بدرجة أو بأخرى التوجهات السياسيَّة والفكريَّة المتباينة للنظامين السياسيين القائمين في الشطرين قبل الوحدة، وتعبر عن أوضاع التشطير، وعما أصاب التعليم من تدهور وانحطاط وصل حد الشكوى من أميَّة خريجي الجامعات.

وينبغي التنويه إلى أنَّ تدنِّي مخرجات التعليم، وضعف المناهج عموماً، وعدم صلاحيَّة وجدوى الاستمرار بتدريسها تعدّ من الأمور التي تمَّ الاعتراف بها قبل قيام الوحدة بوقت مبكِّر، وكانت القيادات السياسيَّة والتربويَّة في كل من شطري الوطن سابقاً قد قرَّرت حينها إجراء تغيير شامل للمناهج المقرَّرة وتطويرها.

وتنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسيَّة التي كانت قائمة في الشطرين ( سابقاً ) كانت تجري في الشطرين وبصورة متزامنة العمليات الأوليَّة الخاصة بإعداد الخطط للقيام بعمليَّة تغيير وتطوير شاملة للمناهج التعليميَّة، ولو المتغيرات التي شهدتها البلاد مع أواخر عام 1989 م لوضعت تلك الخطط موضع التنفيذ. وهذا ما يثير التساؤل لدينا، فإذا كانت تلك المناهج التي لا يزال العمل بها قائماً حتى الآن قد اعتبرت غير صالحة في ظل ظروف و أوضاع التشطير فهل هي صالحة اليوم بعد أن تحققت الوحدة؟

ففي الشطر الشمالي ( سابقاً ) وعلى أثر النشاط المكثف المشهود خلال الثمانينات، المتمثِّل بعقد العديد من اللقاءات والندوات في مجال المناهج ( ندوة الصحفيين، ندوة صحيفة الثورة…… الــخ ). وبتوجيه رئيس الحكومة أثناء زيارته لمركز البحوث والتطوير التربوي عام 1989 م، تقدم المركز بمشروع لتحسين وتطوير المناهج تلبيَّة لرغبة الوزارة والحكومة، وتوصيات مجلس الشورى، والمؤتمر الشعبي، وترجمة لتوجيهات رئيس الجمهوريَّة التي أكَّدها أثناء زيارتيه المتتابعتين لوزارة التربية خلال نفس الفترة ( المخلأفي، 1989 م).

وفي الشطر الجنوبي ( سابقاً ) يؤكِّد وزير التربية والتعليم في تقريره المقدم إلى اللقاء التشاوري العام (وزير التربية والتعليم، 1989 م )  والذي يتفق مع ما أشار إليه رئيس مركز البحوث التربويَّة ( كجهة مختصة بالمناهج )، أن نتائج الدراسات والبحوث قد أظهرت العديد من الظواهر والتشوهات فـي المناهج، مما حـدا بـوزارة التربية والتعليم ( تنفيذاً لقرارات الدورة العاشرة للجنة المركزيَّة ) إلى وضع مخطط شامل لتطوير المناهج والكتب والمراشد التي يفترض أن تستكمل مرحلتها الأولى – في حال توفر الإمكانيات – في نهاية العام 1989 م ( العيدروس، 1990 ).

ولأن المناهج الحاليَّة لا تنسجم مع الظروف والمتغيرات الجديدة، ولا تتبنَّى حاجات ومتطلبات الجمهوريَّة اليمنيَّة في التنمية والتحديث، فإن الحاجة إلى توحيدها وتطويرها تصبح ملحَّة وعاجلة لا تقبل المماطلة والتأجيل، وينبغي أن تعطى أولويَّة خاصة ضمن الأولويات والأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها والوفاء بها في إطار برنامجها الخاص بإصلاح وإعادة البناء.

وممَّا يجدر التنبيه إليه هو أننا لا نقصد بعمليَّة توحيد المناهج التعليميَّة تلك العمليَّة الشكليَّة التي يحاول البعض فرضها على أساس التجميع الميكانيكي للموضوعات والمقرَّرات الدراسيَّة عن طريق الانتقاء، والتوفيق لما هو قائم بأسلوب هو أقرب إلى الأسلوب الذي اتبع في ترتيب أوضاع دولة الوحدة الذي اتخذ شكل التقاسم بين النظامين في الهيئات والمناصب القياديَّة وغير القياديَّة.

وبحسب عرفنا فإن الجهود التي تمت حتى الأن لتوحيد ودمج الكتب والمقررات الدراسيَّة ما هي إلا خطوات أوليَّة ومؤقتة، ومحاولة لترميم وتحسين ما هو قائم بقدر الإمكان، وبالتالي ما يزال هدف توحيد المناهج قائماً وملحاً.

أمَّا نظرتنا إلى هذه المسألة فإنها مختلفة كلياً، ومغايرة تماماً للنظرة السابقة، وهي تقوم على أساس تخطيط وتوجيه عمليَّة توحيد المناهج باتجاه إحداث تغيير جذري وشامل لمختلف جوانب ومكونات المناهج القائمة، والعمل على خلق مناهج جديدة متطورة تظطلع بمهام بناء الإنسان على أسس سليمة تنسجم مع الظروف والمتغيرات الجديدة، وتلبي حاجات الواقع ومتطلبات تنميته وتحديثه،  وتواكب التقدم العلمي والتكنولوجي المميز لعصرنا الراهن.

وانطلاقاً من ذلك ينبغي أن تبدأ عمليَّة توحيد المناهج بتوحيد الأسس والمنطلقات العامة للنظام التعليمي، باعتبارها تشكل المدخل السليم لتوحيد الأهداف العامة والخاصة للمراحل والمواد الدراسيَّة المختلفة بما يؤدي إلى توحيد الخطة الدراسيَّة، ويحقق توحيد المحتوى  والأساليب والوسائل وأنظمة التقويم والامتحانات، وما يرتبط بها من عموميات أو جزيئات لها أثر مباشر أو غير مباشر على العمليَّة التعليميَّة، لتصبح هذه العمليَّة نواة للتطوير والتجديد التربوي المستمر للمناهج التعليميَّة مستقبلاً.

وفي ضوء معايشتنا لواقع العمل التربوي والمناهج، ومن خلال ملامستنا لمجمل الظروف والعوائق والصعوبات المحيطة بعمليَّة توحيد المناهج تكونت لدينا القناعة بأنه ما لم تتم معالجة عاجلة ومسؤولة للأوضاع بمشاركة مختلف الجهات، وعلى مختلف المستويات لتجاوز الأوضاع القائمة وخلق مناخ تتوفر فيه كافة الشروط الملائمة، فإنه يستحيل أن تتقدم عمليَّة توحيد المناهج خطوة واحدة إلى الأمام.

وتأتي هذه الورقة كمحاولة للإسهام في تجاوز الأوضاع القائمة، ولمساعدة القيادات التربويَّة  لخلق مناخ أفضل تتهيأ فيه الشروط اللازمة لسير العمل ونجاح العمليَّة. وقد رأينا أن يقتصر التركيز فيها على تناول المتطلبات الأساسيَّة لتوحيد المناهج بصورة عامة، ودون الدخول في التفاصيل.

ولاعتبارات تنظيميَّة بحتة قمنا بتصنيف وتوزيع تلك المتطلبات في ثلاثة محاور أساسيَّة، وفقاً لطبيعة الدور الذي ستؤديه تلك المتطلبات في عمليَّة توحيد المناهج.

ويوضح المخطط التالي الأسلوب الذي اتبعناه في تصنيف تلك المتطلبات على المحاور الثلاثة.

تقويم التجربتين

التربويتين

التشريعات

أولا – في مجال التوجيه:

تتطلب عمليَّة توحيد المناهج توفر بعض الشروط والمتطلبات ذات الأهميَّة للدفع بعمليَّة توحيد المناهج وتوجيهها، وتكمن أهميَّة هذا النوع من المتطلبات في قدرتها على التحكم بمسار العمليَّة وضبط اتجاهها، وتحديد نوعيَّة المناهج المطلوبة ومضمونها بصورة مسبقة، كما إنها تساعد القائمين بالعمليَّة على امتلاك الوضوح المطلوب في مختلف مراحل تنفيذهم للعمل، وبموجبها أيضا تتحدد المعايير الخاصة لتقويم المناهج الناتجة والحكم على صلاحيتها، ومن  أهم تلك المتطلبات في هذا الجانب ما يلي:

1- وحدة الرؤية والمنطلق ( الفلسفة التربويَّة ):

تستلزم عمليَّة توحيد المناهج التعليميَّة وحدة الأسس والمنطلقات القائمة على أساس رؤية فلسفيَّة وفكريَّة واحدة تحدد مرتكزات ومقومات النظام التعليمي، وتوضح معالم السياسة التربويَّة وأهدافها العامة، وتعمل على توجيه كافة العمليات والإجراءات التي سيتحدد في ضوئها المنهج التعليمي من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث أساليب ووسائل تخطيطه وتنفيذه وتقويمه وتطويره.

وتمثل التشريعات التربويَّة حجر الزاويَّة لبلورة رؤية فلسفيَّة وفكريَّة للنظام التربوي والتعليمي، ولذلك فـلابـد أن تتضمن التشريعات التربـويَّة المرتكزات الفكريَّة و الوطنيَّة والقوميَّة و الاجتماعيَّة للفلسفة التربويَّة المستلهمة للثقافة الوطنيَّة الأصيلة للشعب اليمني، وقيمه المشرقة ومعتقداته الدينيَّة النبيلة، وتراثه الحضاري، والمرتكزة على مقومات دولة الوحدة ممثلة بالدستور و الوثائق الرسميَّة المتصلة بسياسة الـدولـة واتجاهاته وبرامجها وخططها التنمويَّة  الشاملة. ( المخـلافـي، 1990 م ).

وبمقدار مـا تكون تلك التشريعات مستوعبة لحاجـات الواقع ومتطلبات نمـوه وتطويره بمقدار ما تتوفر ضمانة من أهم الضمانات لنجاح عمليَّة توحيد المناهج.

2- دعم القرار السياسي وحضوره:

ما لم تلق عمليَّة توحيد المناهج الاهتمام من القيادات السياسيَّة وهيئات الدولة، وتعزيز ذلك الاهتمام بالدعم المتواصل والرعايَّة المستمرة، وتذليل الصعوبات التي تواجهها وحل المشكلات التي تعترضها، فإن العمليَّة ستفقد شرطاً من أهم شروط نجاحها، وستكون عرضة للتلكؤ والتعثر.

وعلى أيَّة حال فإن نجاح عمليَّة توحيد المناهج مرهون  بحضور القرار السياسي حضوراً فاعلاً كلما دعت إليه الحاجة، وبدعم دائم من القيادات السياسيَّة وهيئات الدولة ومؤسساتها المختلفة.

3- دراسة وتقويم التجربتين التربويتين:

تمثل التجربتان التربـويتان ( للشطرين سابقاً ) الإرث التربـوي للـجمهـوريَّة اليمنيَّة، وسيبقـى تأثير كـل تجربة علـى مختصـي المناهج فيها قائماً لمدة طويلة، وسيظل كل مختص محكوم بخبرته السابقة الـتي اكتسبها كنتـاج لمعـايشته الطويلة للتجـربة التـي جاء منها، وستمثل كـل تجربة المثال الأعلـى والنموذج الأمثـل الـذي يحكم جميع آرائه ومواقفه، وسيحتفظ الماضي ببريق خاص يسيطر على البعض ويشدهـم إليه، خصوصـاً عندما لا يكـون البديل جاهزاً في أذهان البعض. ويكون لمثل هذا التأثير فعله لـدى كـل من يفشل فـي استيعاب المتغيرات والظروف الجديدة، ويجـد صـعـوبة في فهم متطلبات الواقع الجديد والتكيف معـه… وفي مثل هذه الظروف فإن دراسة التجربتين وتقويمهما وإبراز مواطن القوة والضعف في كل منهما تمثل المخرج السليم لذلك، و الأساس المتين لفهم الحاضر و الوعي بمتطلباته.

وبصرف النظر عما حققته كل تجربة من نجاح أو فشل فإن أي محاولة لتوحيد المناهج التعليميَّة لا تقوم على أساس من الدراسة الوافيَّة والفهم الدقيق للتجربتين ولكل ما فيهما من سلبيات وإيجابيات سوف تتعثر ولن يكتب لها النجاح.

ولذلك فإن دراسة التجربتين وتقويمهما، ومعرفة خصوصياتهما سيوفر الأساس السليم لتوحيد الرؤية ولفهم الظروف والمتغيرات الجديدة ومتطلباتها، مما سيساعد كثيراً في نجاح عمليَّة توحيد المناهج التعليميَّة.

ثانياً – في مجال التنظيم:

بموجب الاتفاقيات الوحدويَّة وفي إطار الترتيبات لأوضاع دولة الوحدة أسندت مهمة إعداد المناهج التعليميَّة و تطويرها لدائرة المناهـج والتقنيات التربويَّة بمركز البحوث والتطوير التربوي.

وعلى أساس ذلك يكـون مركز البحوث والتطوير التربوي ممثلاً بدائرة المناهج فيه هو الجهة المخولة والمسؤولة عـن الإشراف و التنفيذ لكافة العمـليات والنشاطـات والمهام المتصلة بإعداد المناهج التعليميَّة وتطويرها في مختلف مراحل التعليم مـا قبـل الجامعي، ومعاهد المعلمين والمعلمات.

ومن الناحية العمليَّة فإن الأوضاع القائمة المتصلة بتنظيم عمليَّة توحيد المناهج تنبئ عن حالة اختلال وقصور، تبرز كعوامل إعاقة وإهدار للجهود وتبديد للإمكانيات والطاقات.

وقبل أن تتطرق للحديث عن متطلبات توحيد المناهج في هذا الجانب سنحاول الإشارة إلى بعـض مظاهر الخلل والقصور التنظيمي المحيط بعمليَّة توحيد المناهج. ومن تلك المظاهر ما يلي:

  • الفجوة القائمة بين الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرار والجهات المنفذة، وانعدام القنوات الواضحة والمحددة التي تسير عمليَّة التواصل و تساعد على تحقيق الاتصال والتنسيق الدائم سواء فيما بين تلك الجهات نفسها، أو فيما بينها وبين الجهات الأخرى ذات العلاقة.
  • تعدد الجهات المختصة بالمناهج، فإلى جانب دائرة المناهج والتقنيات التربويَّة بمركز البحوث والتطوير التربوي كجهة اختصاص، أنشى مشروع الإنماء التربوي ( بعد الوحدة ) ليتولى إعداد مناهج الصفوف الأولى من المرحلة الإبتدائيَّة بموجب الاتفاقيَّة المبرمة بين وزارة التربية ووكالة التنمية الأمريكيَّة، ويمارس المشروع مهامه بصورة منفصلة ومستقلة تماماً عن جهة الاختصاص.

كما أنشئ مشروع أخـر وبتمويـل خارجـي، مختص بإعداد مناهج  معاهد المعلمين والمعلمات.

وفي ضوء ذلك فإن المتطلبات الأساسيَّة اللازمة في المجال التنظيمي تتمثل بما يلي :

  • تشكيل الهيئات واللجان الدائمة:

لسد الفجوة الناشئة بين متخذي القرار ومنفذيه، وحتى لا تتأثر المناهج التعليميَّة بالتغيرات السياسيَّة الناجمة عـن إجـراء تعـديـلات وزاريَّة جزئيَّة أو كليَّة ولتحقيق الاستقرار والتطور فـي المناهج، لا بـد مـن تشكيل هيئات ولجان دائمة على مختلف المستويات، تتولى رسم السياسات والاتجاهات العامة، وتنفيذ المهام المتصلة بتخطيط  المناهج وتقويمها وتطويرها، وذلك على النحو الآتي:

أ-  الهيئة العليا المختصة بصنع القرار  التربوي:

تتطلب مهمة توحيد المناهج، تشكيل هيئة عليا مختصة يكون لها كامـل الصـلاحيَّة لاتخـاذ القرارات ووضع السياسات و الاتجـاهـات العامـة للتربيَّة، والمناهج، واقتراح التشريعات التربويَّة وتعديلاتها.

وفـي البلـدان المختلفة يتم تشكيل هذه الهيئة وتمثل فيها الوزارات ذات العلاقة بأعلى مستوى فيهـا (الـوزيـر ) كما تمثل فيها الفعاليات الاجتماعيَّة والتخصصات المختلفة، وتختلف التسمية التي تطلق على مثل هذه الهيئة، فقد تسمى على سبيل المثال: مجلس التربية والتعليم، كما هو الحال في لأردن (وزارة التربية والتعليم، 1988 م )، أو المجلس الوطني الأعلى للتربية والتعليم، أو المجلس الأعلى للمناهج.

ويرتبط تشكيل هذه الهيئة بإصدار القانون العام للتربيَّة والتعليم الـذي يحـدد تكوينها واختصاصاتها، ممـا يستوجب إعطاء القانون أولويَّة خاصة، وطرحه للمناقشة في أقرب فرصة ضمن أعمال مجلس النواب.

ب- اللجنة الفنيَّة العليا للمناهج:

تتطلب عمليَّة توحيد المناهج تشكيل هيئة فنيَّة تتولى مهام المتابعة و التنسيق، واتخاذ القرارات الخاصـة بتنظيم المناهج وتـوحيدها، والبت في القضايا المرفوعة من الفـرق المتخصصة بالمواد الدراسيَّة.

ولتحقيق الترابط و التواصل و التنسيق بين مختلف الهيئات، وخلق آليَّة عمل سليمة تساعد على الإنجاز وتحقيق الهدف من تشكيل اللجنة فلا بد من أن تقتصر عضويتها على العناصر التي تشغل مواقع وثيقة الصلة بأعمال المناهج.

ولذلك فإن الوضـع الطبيعـي يفترض تشكيل اللجنة من رؤساء الفرق الوطنيَّة للمواد والمباحـث الدراسيَّة المختلفة، ورئيس دائـرة المناهج ونائبه، ومدير المركز ومساعده، ورؤساء القطاعات التربويَّة و الدوائر ذات العلاقة على أن تسند مهمة رئاسة اللجنة لوزير التربية والتعليم أو نائبه.

جـ- الفرق الوطنيَّة للمباحث والمواد الدراسيَّة:

تقتضي عمليَّة توحيد المناهج تشكيل فرق وطنيَّة في مختلف المواد والمباحث الدراسيَّة، وبالـرغـم مـن أن قراراً قد صـدر بهذا الشأن في وقت سابق (مركز البحوث والتطوير التربوي، 1991 م ) إلا أن الـوضع يتطلـب إعادة تشكيل الفـرق المختلفة بشكل يضمن فعاليتها بحيث يضم كل فريق مختصين في المادة العلميَّة مـن أساتذة الجامعات، وموجهين تربويين، ومعلمين ممارسين لمهنة التعليم بالإضافة إلـى المختصيـن من دائرة المناهج والمتخصصين التربويين في علم النفس وتكنولوجيا التربية بالإضافة إلى ممثلين عن الجهات ذات العلاقـة بالمبحث، علـى أن يراعى في اختيار الأعضاء الجانب النوعـي والكفاءة، والقدرة على العطاء والإسهام بفاعليَّة فـي عمليَّة توحيـد المناهـج ( جرادات و آخرون، 1988م ).

2- دمج وتوحيد الجهات المشرفة والمختصة بالمناهج:

تستلزم عمليَّة توحيد المناهج اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة لإلغاء حالة التعدد في الجهات المشرفة على المناهج، والعمل على دمجها وتوحيدها في جهة واحدة تجنباً لإهدار الطاقات وتبديد الجهود والإمكانيات، وضماناً لتسخير تلك الطاقات والإمكانيات بما يساعد على أن تحقق العمليَّة نتائجها المرجوة .  ومنعاً لما قد يترتب عن استمرار هذا الوضع أثار سلبيَّة.

أن هيئات الدولة بمختلف مستوياتها مطالبة بالوقوف أمام هذه الظاهرة بمسؤوليَّة وأمانة لمعالجة هذا الوضع بصورة عاجلة وسريعة.

3- الوضع التنظيمي والإداري للجهة المختصة بالمناهج:

بحكم الأوضاع والظروف الجديدة التي نشأت بعد الوحدة وبحكم المهام الجديدة التي أسندت إلى مركز البحوث والتطويـر التربـوي، وحتى يتمكن المركز من إنجاز تلك المهام على الوجـه الأمثل، فـإن الحاجة تستدعـي الاهتمام باستكمال كافة الترتيبات التنظيميَّة والإداريَّة للمركز.

ومـن ذلك علـى سبيل المثال إصدار لائحة المركز، ووضع الأنظمة واللوائح المنظمة للعمل في مختلف الجوانب، وتشكيل الهيئات المختلفة للمركز، ( مجلس الإدارة والمجالس واللجان العلميَّة والفنيَّة)، ومن الأهميَّة بمكان أن تستكمل التعيينات في مختلف المستويات الإداريَّة، وأن يرافـق ذلك وضـع الخطط والبرامج الزمنيَّة التي تحدد سير عمليَّة توحيد المناهج بطريقة سليمة ومنظمة.

ثالثاً – في مجال التنفيذ:

بالرغم من أهميَّة المتطلبات المتعلقة بتنفيذ عمليَّة توحيد المناهج نظراً لعلاقتها المباشرة بالعمليَّة إلا أن فاعليَّة وتأثير هذه المتطلبات تعتمد على الإيفاء بالمتطلبات الأخرى الواردة آنفاً.

وفيما يتعلق بالمتطلبات في مجال التنفيذ فقد اكتفينا بالتركيز على أهم تلك المتطلبات التي سيتم تناولها في إطار مجموعتين: الأولى منها خاصة بمتطلبات ذات صلة بوسائل وأدوات التنفيذ، والثانية تتعلق بالأساليب المفترض اتباعها عند تنفيذ عمليَّة توحيد المناهج وهي على النحو التالي:

  • وسائل وأدوات التنفيذ :
  • تتطلب عمليَّة توحيد المناهج توفير مجموعة من المتطلبات والوسائل لتنفيذ عمليَّة توحيد المناهج منها ما يلي:
  • نوعيَّة الكادر ومستوى الخبرة الفنيَّة: تقتضي عمليَّة توحيد المناهج اجتذاب الكفاءات اللازمة من مختلف التخصصات المطلوبة والضروريَّة لإنجاز مهمة تـوحيـد المناهج، ولمواجهة متطلبات العمل للتطوير والتجديد التربوي اللاحق في مجال المناهج. ويتطلب ذلك انتقاء واختيار تلك الكفاءات وفقاً لمعايير خاصة تعتمد على الكفاءة والقدرات والاستعدادات، وغير ذلك من المعايير التي يطلبه العمل في هذا المجال.

مع ضرورة أن يرفق ذلك البدء بتنفيذ خطة لتطوير الكادر الوطني المتخصص في مجال المناهج وتأهيله بما يتفق والاحتياجات اللازمة للتطوير والتجديد التربوي المستمر للمناهج في المستقبل، وعلى أن ترتبط خطة التأهيل بواقع العمل في مجال المناهج وبالمشكلات القائمة فيه.

ب- التمويل المالي والإمكانيات الماديَّة:

على الرغم من أن مهمة توحيد المناهج قد انتقلت إلى مركز البحوث والتطوير التربوي إلا أنه لم يرفق ذلك توفير الإمكانيات الضروريَّة واللازمة لنجاح العمليَّة، ولضمان سيرها وانتظامها مثل التجهيزات والمواد والمتطلبات الأخرى، بما في ذلك الاعتمادات الماليَّة اللازمة لتغطي النفقات المطلوبة لتوحيد المناهج  التي ما تزال حبيسة بنظر وزارتي الماليَّة والتربية بما يستلزم الإسراع والتعجيل بتوفير كافة الإمكانيات والمتطلبات الماديَّة من أجهزة ومواد، ورصد الاعتمادات الماليَّة اللازمة للعمل.

جـ- نظام تدفق المعلومات:

عندما تبدأ عمليَّة توحيد المناهج  فإن القائمين عليها سيجدون أنفسهم بأمس الحاجة إلى كم كبير ومتنوع من المعلومات والبيانات والحقائق اللازمة لإعداد المناهج الجديدة الموحدة.

وفي عالم اليوم فإن قيمة المعلومات وأهميتها تكمن بدرجة أساسيَّة في نوعيَّة ودقة وحداثة تلك المعلومات، الأمر الذي يستدعي وضع الترتيبات واتخاذ التدابير اللازمة لبناء نظام خاص بجمع وخزن وتنظيم معلومات تدفقها بصورة مستمرة لتكون في متناول من يطلبها، ويكون الحصول عليها سهلاً وميسوراً.

وفي هذا المجال يجدر التنويه إلى أن هناك جهوداً  قد بذلت خلال العوام من قبل مركز البحوث والتطوير التربوي لتأسيس الشبكة الوطنيَّة للمعلومات التربويَّة، إلإ أنه مع الأسف أجهض هذا المشروع، وتم تحويل الأجهزة والمعدات الخاصة به لخدمة أغراض أخرى.

وعموماً فإن ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو ضرورة توفير مجموعة من وسائل الاتصال المتنوعة، البريديَّة، والهاتفيَّة، والبرقيَّة، وغير ذلك من الوسائل الممكنة تسهيل عمليَّة الحصول على المعلومات المطلوبة في  الوقت المناسب.

 

  • أساليب التنفيذ:

بقدر ما تتوقف عمليَّة توحيد المناهج على توفير المتطلبات المشار إليها سابقاً فإن نجاحه يتوقف أيضا وإلى حد كبير على اتباع الأساليب العلميَّة، والأخذ بمبادئ المشاركة الجماعيَّة، والتكامل والتنسيق بين مختلف الجهات. ومن أهم المتطلبات في هذا الجانب ما يلي:

أ- البحث العلمي:

تنشأ الحاجة إلى اتباع الأساليب العلميَّة في توحيد المناهج بنفس الاعتبارات والدواعي التي تنشأ عند القيام بإعداد مناهج جديدة أو عند إجراء تطوير لمناهج قائمة.

وإذا نظرنا إلى عمليَّة توحـيد المناهج نظرة موضوعيَّة سنجد أنها عمليَّة متعددة الجوانب، ومعقد وأكثر صعـوبة  وتعقيداً مـن الإعداد الجديد للمناهج ، أو من تطويرها، بل من كليهما معاً، مما يدعـم ويعـزز الحاجة لأن يحتل البحث العلمي موقعه المناسب في جميع مراحل عمليَّة توحيد المناهج، ولأن تربط العمليَّة بصورة  أوثق بالواقع وبالعمل التربوي في الميدان.

ويستلزم ذلك خضوع العمليَّة فـي مختلف مراحلها للتقويم المستمر، ولتجريب المناهج قبل تعميمها وفقاً لشروط التقويم والتجريب العلمي بإجراء البحوث العلميَّة لدراسة التأثيرات المحتملة كنتيجة للتقويم أو التجريب حتـى يمكن اتخاذ القرارات المتعلقة بتعميم، أو إلغاء، أو تعديل المناهج الموحدة.

ب- المشاركة والتكامل والتنسيق :

من المعروف ان هناك جهات متخصصة تتولى مسؤوليَّة إعداد المناهج وتطويرها، إلا أن المسؤوليَّة تقع فـي الأخير على عاتق الدولة ككل بمؤسساتها وهيئاتها المختلفة. ولأن المنـاهج التعليميَّة في جانب مـن جوانبها تتخذ طابعاً اجتماعياً باعتبارها من القضايا التي تهـم المجتمع ككل، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن عمليَّة توحيد المناهج تتطلب حشـد كل الطاقات، ومشاركة الجهات والأطراف المختلفة، وأن تقـوم تلك المشاركة على أساس التكامل والتنسيق مع جميع تلك الجهات والأطراف.

ولكـي تأتـي النتائج محققة لتطلعات وطموحـات الجميع فمـن الضروري أن تنظم تلك المشاركة بحيث تشمل جميع مـراحـل العمليَّة وتتخذ المشاركـة أشكالهـا وأساليبها وفقاً لمقتضيات الحاجة ودواعيها، فهـي إما أن تأخـذ صفة الاستمرار عن طريق العضويَّة في الهيئات واللجان الدائمة، وإما أن تكون بصفة مـؤقتة من خلال المشاركـة فـي الندوات والمؤتمرات، أو المقابلات والاستبيانات وغيرها.

وفي الخاتم فإننا نرى أن القضايا التي حاولنا التعرض لها فيما سبق، تمثل أهم الشروط اللازمة لنجاح عمليَّة توحيد المناهج.

وإذا لم تتضافر الجهود في سبيل تـوفير تلك المتطلبات وتذليل كل مـا قـد يعترض عمليَّة توحيد المناهج من صعوبات فإننا سنـدفع الثمـن غالياً وسيكون سداده مـن أعمار أطفالنا ومستقبل أبنائنا.

المراجع :

  • جرادات، عزت، وآخرون. ( 1988 ). وثائق المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي ، رسالة المعلم، بديل العدديين الثالث والرابع من المجلد التاسع. وزارة التربية والتعليم، عمان – الأردن.
  • المـخـلافـي، محمد سرحان. ( 1989 ). مقترح مشروع تحسين وتطوير المناهج مع التقديرات الأوليَّة للتكلفة. مركز البحوث و التطوير التربوي – صنعاء.
  • المـخـلافـي، محمد سرحان. ( 1990 ). ملاحظات أوليَّة حول قوانين التعليم، ورقة غير منشورة دائرة المناهج – مركز البحوث و التطوير التربوي – صنعاء.
  • مركـز البحـوث و التطوير التربوي. ( 1990 ). قرار وزاري رقم ( 12 لسنة 1991 م ) بشأن تشكيل اللجـان الفنيَّة المتخصصة لمراجعة وتـوحيـد المناهج والكتب المدرسيَّة. مركز البحوث و التطوير التربوي – صنعاء.
  • العيدروس، عباس حسين. ( 1990 ). المسألة التربويَّة وآفاق تطورها. مجلة التربية الجديدة ، ع 2, 3، 4 ( 15 )، مركز البحوث التربويَّة – عدن.
  • وزارة التربية والتعليم. ( 1988 ). قانون التعليم ( قانون مـؤقت رقـم لسنـة 1988 ) وزارة التربية والتعليم، عمان – الأردن.
  • وزير التربية والتعليم. ( 1989 ). التقرير العـام المقـدم إلى اللقاء التشاوري العام. مجلة التربية الجديدة ، ع 2, 3، 4  ( 15,14)، مركز البحوث التربويَّة – عدن.

 

____________
*أ. د. عبد الوارث عبده سيف الرازحي.

 

جديدنا