فلسفة التربيَة عند أفلاطون؛ في العود الأبدي إلى فكر القدامى

image_pdf

 

“ومادام فيّ عرق ينبض ونفس يتردّد وأتمتّع بملكاتي العقليّة، فلن أتوقّف البتّة عن ممارسة الفلسفة وعن نصحكم وشرح الحقيقة والحقّ لكلّ امرئ تلقي به الصدفة في طريقي(..) لن أبدّل مسلكي، ولن أغيّره حتّى ولو توجّب عليّ أن أموت مائة مرّة”.

أفلاطون: {دفاعا عن سقراط}.

“فلتكن التربية تربية الإنسان من حيث هو، لا تربية الإنسان من حيث ما ليس هو”.

جان جاك روسّو {إميل أو في التربية}.

مقدّمة:

قصدنا في هذه الدّراسة تصريف القول الممكن بخصوص فلسفة التربية عند أفلاطون {427 -347ق.م}[1] هذه المسألة المثارة سابقا والمتخاصم بشأنها حاضرا، إنّما تعكس في السجّل الفلسفي برمته قضيّة مركزية ذات بال. ولأمر كهذا، ارتأينا الحفر في ثنايا الفكر الأفلاطوني، عسانا نتبيّن محدّداتها وأبعادها ورهاناتها السياسيّة والأخلاقيّة. ولكن أيضا كشف حدودها. هذا تساوقا مع ما ذهب إليه: “بول ريكور” {Paul Ricœur} ذات مرّة متسائلا: “هل مازال لدينا شيئا نأخذه عن القدامى في فلسفة الأخلاق والسياسة؟”[2] ناهيك أنّ تاريخ الفلسفة برمته، إلى الآن محكوم بلحظة “البدء” هذه، سواء نظرنا إليها كبدء مطلق أو كبدء نسبي. سيّما، و: “أنّ مسألة “البدء” الفلسفيّ لإشكاليّة العمليّ قد وجدت في السّؤال عن الإنسان موضعها الأصيل”[3].

ذلك من أهمّ ما يقصد بيانه وأنفع ما يراد شخصه وإيضاحه حيث: “كان هذان الحكيمان (أفلاطون وأرسطو) هما مبدعان للفلسفة ومنشئان لأوائلها وأصولها ومتمّمان لأواخرها وفروعها وعليهما المعوّل في قليلها وكثيرها وإليهما المرجع في يسيرها وخطيرها وما يصدر عنهما في كلّ فنّ إنّما هو الأصل المعتمد عليه لخلوّه من الشوائب والكدر بذلك نطقت الألسن وشهدت العقول إن لم يكن من الكافّة فمن الأكثرين من ذوي الألباب الناصعة والعقول الصافيّة”[4].

ولعلّ في ذلك كلّه، ما يفسّر قول “شيلنغ” {Schelling Friedrich Wilhelm}: “إنّ أفضل برنامج لحياة التّفلسف هو أن نبدأ مع أفلاطون وننتهي بأرسطو”[5]. والأمر ذاته، أبانه “روسّو” في اعتباره: “أنّ محاورة الجمهوريّة أفضل ما كتب في فلسفة التربية”[6].

وحينئذ، تحدّد اختيارنا – في ربط فكر أفلاطون بعصرنا-انطلاقا من هاجسين رئيسيين: أولهما، يعزى إلى ما نعيشه اليوم: الآن وهنا، من استفحال لأزمة التربية على المواطنة محليّا وعالميّا وتفاقم مظاهر البؤس وتردّي الوضع الإنسانيّ قيميا. في واقع يكاد ينتهي إلى طمس المعنى والقيمة من خلال: (تأليّة الفعل، تنميط الحاجات، نفي القيّم، صناعة الأذواق وتشكيل الوعي وقولبة السّلوك، وتشيئة الإنسان ومحاصرته…). ينضاف إلى ما ذكرنا، تراجع الأبعاد القيميّة في سلوك الإنسان وخضوعها إلى الرّغبة. واستبعاد الإنسان بما هو ذات: استبعاد دور الجمالي والعاطفي والأخلاقي والنظر إليه كشيء أو أداة أو موضوع.

فمفاهيم: “الجمال” و”العدالة” والصداقة” و”الخير” و”الفضيلة” والحبّ” ومطلب السّعادة ونحوها، باتت نسيا منسيّا، بما أنّها لم تعد في الحقيقة إلّا أشباح كونيّ مندثر في عالم بلا ضمير، منقسم على نفسه، يتعالى فيه: “ما هو كائن” على “ما يجب أن يكون”، بل يرفضه وينسفه بلا شفقة ولا رحمة أيّها النّاس. وما يستدعيه ذلك فعلا، من حاجة إلى إعادة التفكير في ترتيب الأولويات في علاقة الإنسان بالعالم والقيم ضمن رهان فلسفي وإتيقي أصيل ينتصر للمعنى رأسا، باعتباره مطلب المعقوليّة الأخلاقيّة المحدّدة لقدرة الفضيلة المدنيّة على تثبيت الكرامة، بوصفها واجبا إزاء أنفسنا. إذ ” لا يمكن للإنسانيّة العيش والبقاء دون أخلاق عالميّة”[7].

ولأنّ الفيلسوف هو المؤهل ليطوّر المعنى في شموليته، ويختار العقل والحكمة، لا بالمعنى المجرّد، بل بالمعنى الّذي يتجسّم في الفعل كمقولة عليا تلتقي فيها الحقيقة بالحريّة. وذاك الّذي عن الالتقاء به يكون انبجاس الحقّ نظرا وعملا وتأصّله في الوجود الإنساني الحقّ. فإنّ ذلك، ليسوّغ لنا في مستوى ثان، العود الأبدي إلى فكر القدامى ممثلا ههنا، في فلسفة أفلاطون التي رغم اندراجها في زمن غير زماننا، اكتشفنا مفاعيلها في مساعدتنا على فهم بعض قضايانا الرّاهنة. ففلسفة أفلاطون إلى جانب فعلها النّظري الخالص، أدت دورا تنويريّا، مازال قادرا على دعم تطلّعاتنا إلى فكر نقدي يتصدى إلى مظاهر الشرّ الأنطولوجي وسياسات الفساد والافساد والرّداءة والزيف التي اكتسحت بلا هوادة مجالات حياتنا وثقافتنا، بما كسبت أيدي النّاس. ونحن لواجدون صدى ذلك في منطوق بعض الآيات الفرقانيّة الآسرة:

﴿ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾[8].﴿ الّذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ﴾[9].﴿ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون ﴾[10]. ﴿ ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ﴾[11]. ولا قبل لنا بهم وهم لا يسئمون.﴿ أولئك هم شرّ البريئة ﴾[12]. فهل أتاكم نبأ من جاءوا بالنهاية شيئا إدّا أو فريّا؟

من نافلة الكلام القول، بأنّ التأمّل في كلّ هذه الإمكانات الفكريّة التي فتحها أفلاطون، يجعلنا نعتقد أنّ المرحلة الحضارية التي نعيشها، قد تكون هي المرحلة التي تبرز مدى راهنيّة هذه الفلسفة وضرورة استعادتها، عساها تساهم بشكل جدي في إنارة الكثير من قضايانا الرّاهنة، على نحو ما تجليه إشكاليّة التربية مجال تأمّلاتنا في دراستنا هذه.

وعندئذ، قمين بنا التساؤل إذن: كيف يتمظهر التّأسيس الفلسفي الأفلاطوني لمعالم نظرية في التربية؟ ما العلاقة المفترضة بين المعرفة والفضيلة في إطار بحثنا سياسات التربية ومقوّماتها من منظور أفلاطون؟ أنّى لنا تمثل فلسفة التربية في أبعادها ورهاناتها السياسيّة والأخلاقيّة صلب النسق الفلسفي الأفلاطوني؟ أليس من الوجاهة بمكان، اعتبار أفلاطون الرّائد البعيد للمعقوليّة الإتيقيّة والنزعة الإنسيّة عند الإغريق وفي تاريخ الفلسفة برمته؟ وأخيرا، فيم تتمثل حدود المقاربة الأفلاطونيّة لفلسفة التربية في اعتقاد أرسطو؟

إنّما غرضنا في هذه الدّراسة محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة بالاستناد أساسا إلى تصوّر أفلاطون لفلسفة التربية. وسنعتمد في تحليل هذه المسألة على نظام البرهنة التّالي:

سنحاول في مرحلة أولى، النّظر في شروط إمكان التّأسيس الفلسفي الأفلاطوني لمعالم نظرية في التربية من جهة مقوّماتها وسياساتها. على أنّ ذلك، لا يكون ممكنا في تقديرنا المتواضع، إلّا باستنطاقنا طبيعة العلاقة المفترضة بين المعرفة والفضيلة.

أمّا في مرحلة ثانيّة، نتناول بالدّرس والتّحليل فلسفة التربية عند أفلاطون في أبعادها ورهاناتها السياسيّة والأخلاقيّة، وإنّ ذلك هو الّذي ندبنا إلى تفصيل القول الممكن بخصوص تربية المحاربين وتربية الحكّام ضمن دروب المعقوليّة الإتيقيّة والنزعة الإنسيّة الأفلاطونيّة الغير مسبوقة. اعتبارا إلى أنّ مدارها الرّئيس، لهو تأسيس حياة اجتماعيّة فاضلة، تقوم على الأدب والوعي السياسي بقيمتي الفضيلة والعدالة. ولأمر كهذا، أكّد أفلاطون على ضرورة أن يتولى الفيلسوف تدبير شؤون المدينة (نظرية الفيلسوف – الملك).

أمّا في مرحلة ثالثة، ولّينا تأمّلاتنا شطر القراءة النقدية الأرسطيّة، عساها   تمكّننا من تبيّن حدود التصوّر الأفلاطوني الدّائر حول فلسفة التربية، حتّى لا نستسلم إلى سحر كتابات أفلاطون وضروب إغرائه على حدّ عبارة الفيلسوف الألماني: فريدريك نيتشه {Friedrich Nietzsche}.

ومع ذلك، فإنّه يبقى من الضروري في نهاية هذا العمل، البحث فيما إذا كان بالإمكان تلقينا عمليا اليوم لفلسفة التربية ومشروع المعقوليّة الإتيقيّة -الإنسيّة الأفلاطونيّة، في سبيل ترشيد ممارساتنا الإنسانيّة في أبعادها المختلفة، وتصحيحا لسياسات ومناهج التربية. آملين في استحالة زمن المدينة والفضاء العمومي كونيا إلى زمن المعنى من خلال شيوع قيم: الفضيلة، والأدب، والجمال، والحقيقة، والخير، والمحبّة، والسّعادة، والعدالة، والتسامح، والتضامن الأنطولوجي… ونحو ذلك.

1-أفلاطون والتّأسيس الفلسفي لمعالم نظرية في التربية

ملاحظات حول مقوّماتها من خلال علاقة المعرفة والفضيلة

لاشكّ في أنّ القارئ للمتن الفلسفي الأفلاطوني يسترعي انتباهه رأسا الطابع التّعليمي، أو إن شئنا الدّقة البعد التربوي الذي يسم محاوراته. ولأمر كهذا، ارتأينا في هذا السياق العمل على تدبر خصائص وأبعاد تلكم الميزة النوعيّة، وذلك بإرجاعنا القهقرى شطر المحاورات الفلسفيّة التي أفردها افلاطون لمقاربة مسألة التربية، سيّما الجانب الأخلاقي – السياسي منها وهو في تقديرنا المتواضع الإطار العامّ الذي يهمّ نظرية التربية، بما هي: “تبليغ الشيء إلى كماله أو هي كما يقول المحدثون تنميّة الوظائف النفسيّة بالتمرين حيث تبلغ كمالها شيئا فشيئا، تقول ربيت الولد، إذا قويت ملكاته، ونميت قدراته، وهذبت سلوكه، حتّى يصبح صالحا للحياة في بيئة معيّنة. وتقول تربّى الرّجل إذا أحكمته التجارب ونشأ نفسه بنفسه… وتعد التربية ظاهرة اجتماعيّة تخضع لما تخضع له الظواهر الأخرى في نموّها وتطوّرها”[13].

ولسوف نستأنس في هذا الخصوص بمحاورات أفلاطون الآتيّة: بروتاغوراس (Protagoras) ومحاورة دفاعا عن سقراط (Apologie de Socrate) والجمهورية[14] (La République ou De la justice). ولكن أيضا، في محاورات أخرى التي عمّق فيها نظرياته السياسيّة: “القوانين” (Les Lois) و”السياسي”(le politique) ونعثر في الثياتيتوس” (Théétète ou sur la science)  والمنون” (Ménon ou sur la

Vertu)  و”المأدبة”(Le Banquet ou sur L’Amour) و”فادروس”   (Phèdre ou de la beauté)   على جوانب نظرية أفلاطون في المعرفة، بما هي مقوّم من مقوّمات فلسفة التربية، على نحو ما سنفصّل فيه القول.

إنّه لقمين بالملاحظة هاهنا، أنّ تناول تلكم المسألة بالدّرس والتحليل، ليكتسي معنى وقيمة اجرائيّة متزايدة إذا ما تمّ بحثها من خلال السّؤال الذي يشق أغلب المحاورات التي طرحت مسألة الفضيلة: هل هي علم يمكن تعلمه؟

من الأهميّة بمكان، الإشارة إلى أنّ محاورة بروتاغوراس قد شكّلت من منظور أغلب شرّاح أفلاطون المنعطف الفكري الذي حدث صلب التفكير الفلسفي الإغريقي.  وعليه، خليق بنا ايلاءها الأهميّة الفلسفيّة التي تستحقّها، ناهيك أنّها تتعرّض لإشكاليّة الفضيلة، ولكلّ ما يترتّب عنها.

وتبعا لما سبق التلميح إليه، يعالج أفلاطون في هذه المحاورة إشكاليّة تعلّم الفضيلة من خلال أنموذج بروتاغوراس الذي يعدّ أوّل معلّم لها. على أنّ الفضيلة، في مدلولها اليوناني الأصيل، تحمل على معنى القدرة (بما أنّها موقف معيّن) على ممارسة النشاطات المتنوّعة بطريقة متجانسة فيما بينها. وفي هذه المحاورة، ألفينا بروتاغوراس يستخدم نفس المنهج الخطابي الذي استخدمه السفسطائيّون، في سبيل شيوع الفضيلة والدّفاع عنها، وأيضا لغاية أن يحمل تلاميذه على قبول أفكاره بشأن تلكم المسألة، فيصطدم بموقف سقراط الرّافض لآرائه. وكنتيجة لذلك نشأت مسألة التعلّم، تعلّم الفضيلة.

لعلّنا، لا نجانب الصّواب عندما نساير سقراط في اعتباره أنّه من الممكن تعلّم الفضيلة، ويشترط ضرورة إيجاد من تتوفر فيهم المهارات أوّلا، والّذين لديهم القدرة على استيعاب الفضيلة، ولكنّه يشترط قبل ذلك كلّه وضع لائحة بأسماء الأشخاص الحاصلين على تلكم المؤهلات. بهذا المعنى، لا جرم أن نفحص منهج فيلسوفنا في الولوج إلى قضيّة التربية. فالإنسان الفاضل في تقدير أفلاطون، لهو الحاصل على المعرفة والحكمة، وهذا في المحصّلة عين الفضيلة. لذلك، لا غرابة في شيء تركيز سقراط على أهميّة تعليمها عندما تكون الفضيلة علما لها هدف محدّد وغاية واضحة.

وحينئذ، أفلا يكون تعليم الفضيلة مسألة ذات بال وليس من الوجاهة بمكان إيلاء أيّ كان هذه المهمّة الساميّة وفقا لمعهود التأويل الأفلاطوني. هذا مصداقا لقول سقراط: “سأل سقراط، أبقراط (Hypocrite) الذي أراد الالتحاق بمدرسة بروتاغوراس: هل تعرف حقا الخطر الذي تدفع نفسك إليه؟ فإذا أردت تسليم جسدك إلى الهلاك أو إلى الكمال، فإنّك ستفكّر مليّا في هذا الأمر (…) قبل اتّخاذ القرار المناسب. ولكن فيما يخصّ النّفس التي هي أسمى من الجسد، سواء أكانت فاضلة أم لا، فهذا يتعلّق بسلوك”[15].

نستجلي من هذا القول أنّ التربية عند أفلاطون لهي علاج النّفس، كما أنّها علاج القيّم الأخلاقيّة والنفسيّة التي تتمتّع بها النّفس الإنسانيّة. وعليه، فإنّ الإنسان الذي يرغب في تسليم ذاته لمعلّم ما، يجدر به أن يعي بأنّه ليس بحاجة إلى معلّم فقط، بل إلى طبيب للنّفس. وهذا الطبيب هو الفيلسوف الذي يعرف كيف يعالج الجهل الّذي هو ألم النّفس.

ولذلك، فإنّ أفلاطون لا يتورّع من أن يعلن في مستوى محاورته الموسومة: “دفاعا عن سقراط” {Apologie de Socrate} الأمر التّالي: ” يا صديقي العزيز إنّك أثيني وتنتمي إلى مدينة هي من أعظم مدن العالم وأشهرها قوّة وحكمة. ألا تخجل من نفسك إذ تركز اهتمامك على كسب أكبر مقدار ممكن من المال، وكذلك من الشّهرة والمجد، بينما لا تهتمّ إطلاقا بالحقّ والفهم وكمال نفسك؟”[16].

ويضيف سقراط موضّحا جسامة المهمّة المناطة بعهدته، قائلا: “هذا ما سأفعله مع كلّ إنسان أصادفه سواء أكان شابا، أم شيخا، أجنبيّا أم وطنيّا، ولكنّني سأنهج نهجي بهذا بصورة خاصّة معكم يا أهل بلدي، وذلك لأنّكم أقرب إليّ من غيركم وأقول لكم مؤكّدا – هذا ما تأمرني به الآلهة. وإنّي لراسخ القناعة بأنّ مدينتكم هذه لم تلق أبدا من الخير أوسع من خدمتي للآلهة، فأنا أقضّي كلّ وقتي جوالا متنقّلا محاولا إقناعكم، شبابا وشيوخا، بألّا تجعلوا أجسادكم وثرواتكم بل صلاح نفوسكم، شغلكم الشاغل، وسأجهر بالقول وأنا أجول: بأنّ الثّروة لا تجلب الصّلاح، بل الصّلاح يعود بالثّروة وبكل بركة أخرى على الفرد والدّولة معا. والآن فإذا كنت أفسد الشّبيبة بهذه الرّسالة، فستبدو هذه الرّسالة مؤذية ضارّة، ولكن إذا زعم امرؤ بأنّني أقول غير هذا، فمثل ذلك المرء يكون قد حاد عن الحقّ”[17].

إنّ هذا الإقرار، إنّما يوضّح للتوّ انهمام سقراط بفلسفة التربية من خلال بيداغوجيا الحوار، بما هو منهج جدلي قائم على أساس السّؤال والجواب والمقدّمات والنتائج في اتّجاه تأكيد منطق الإلزام، باعتبار أنّ الحوار لغة العقل نفسه. وهو ما عناه سقراط من أنّه حامل لرسالة إلهيّة تقضي بممارسة التّفلسف وحثه الآخرين على ذلك. فحسب أفلاطون حدّد “أبولون” (Apollon)إله النّور والفنون لسقراط مهمّة العيش متفلسفا بفحص ذاته وفحص الآخرين.

وعلى نفس الصّعيد الإشكالي، تسعفنا العودة إلى محاورة بروتاغوراس من تبيّن صنفين من المربين:

أوّلا، السفسطائي الذي يستند إلى العقل الإنسانيّ.

ثانيّا، المعلّم والطّبيب (سقراط) الذي يعالج النفس باعتماد المعرفة.

إنّ المبحث الأسنى في مسألة الفضيلة يتعيّن في سبل تعلّمها. لهذا، انطلق بروتاغوراس في مستوى أوّل من معادلة تعليم الفضيلة. ولكن تحث تأثير الحجج التي يوردها سقراط، فإنّه لا ينتهي إلى تعميم هذه القاعدة على كلّ الفضائل، فيعتبر أنّ الشجاعة – بماهي فضيلة – ليست علما. وخلافا لذلك، يصل سقراط الذي انطلق من استحالة تعلّم الفضيلة، إلى الإقرار بأنّها علما. هذا ما عبّر عنه بقوله: “…إذا سألنا النّاس عن رأيهم فينا (أي فيما يتعلّق بالحوار الدائر حول مسألة تعلّم الفضيلة)، فإنّهم يقولون أنّكم متساوون (يقصد نفسه بروتاغوراس). إذ تقول أوّلا أنّ الفضيلة يمكن تعلّمها، في حين تحاول الآن جاهدا بيان عكس ما تقوله، وتحاول بالتّالي، أن تبرهن بأنّ جميع الفضائل: الشجاعة، العدالة، الحكمة…هي كلّها ضروب من العلم؟ فهذه الطريقة هي من أجدى الطرق لإبراز إمكانيّة تعلّم الفضيلة. فإذا كانت الفضيلة في الواقع لا تختلف في شيء عن العلم – مثلما يحاول بروتاغوراس إبراز ذلك، إنّما يبرهن على أنّ كلّ شيء يأتي نتيجة للعلم”[18].

يتراءى لنا من خلال هذه المقولة، استخدام سقراط تمشيا منهجيا، يروم على إثره بيان تهافت قول بروتاغوراس لينتهي إلى نظريته القائلة بأنّ الفضيلة هي معرفة الخير، وأنّ معرفة هذا الخير إنّما تتمّ عبر تعلّم الفضيلة ومن خلال حسم السجال الفكري القائم ضدّ السفسطائيين الذين استخدموا أساليب خطابيّة تعتمد قولا مغالطيا لا ينفذ إلى جوهر المسألة. ومن هنا، يعزى الفضل إلى سقراط في بلورته لنظرية جديدة في التربية، وذلك عبر إدماج مسألة المعرفة في الإشكاليّة الخلقيّة.

لعلّه بالإمكان الآن وفي هذا المستوى من التحليل، استشراف خصوصيّة الطرح الفلسفي الأفلاطوني لنظرية التربية في محاورة “مينون” (Ménon ou sur la vertu)[19] هذه المرّة، من خلال تصريفه القول في المعرفة تحليلا. وفحصا لمسألة التعلّم رأسا. وذلك من خلال موقفين أساسيين: اعتبار أنّ الجدل بمفرده لا يكفي لبلوغ المعرفة، وكذلك فإنّ المعرفة وحدها لا تكفي لبلوغ الفضيلة. وحسبنا دليلا عمّا نزعم، الحوار الدّائر بين سقراط ومينون ومداره الفضيلة والمعرفة نعرضه كالآتي:

-سقراط: من البديهي إذن أنّ أولئك الّذين لا يعرفون الأشيّاء السيّئة لا يرغبون فيها، بل هم يرغبون في الأشياء التي يعتقدون أنّها حسنة وهي في واقع الأمر سيّئة. ومن ثمّ، فإنّ الّذين يظنون أنّها حسنة، دون أن يعرفوها، إنّما يرغبون حقا في أشيّاء حسنة أليس كذلك؟

-مينون: قد يكون لهؤلاء نصيب من ذلك.

-سقراط: على مهلك فما ترى في الذين – على حدّ قولك – يرغبون في الأشيّاء السيّئة مضرّة بمن تصيبه، أيعرفون أنّهم عرضة لضررها؟

-مينون: نعم، بالضرورة.

-سقراط: ألا يعتقد هؤلاء أنفسهم، أنّ الّذين يلحقهم ضرر يكونون تعساء على قدر ما أصابهم من الضرر؟

-مينون: هذا أيضا ضروري.

-سقراط: وأنّ التعساء قليلو الحظ؟

-مينون: أعتقد هذا، من جانبي أنا.

-سقراط: أيوجد إنسان يودّ أن يكون تعيسا ومنكود الحظّ؟

-مينون: لا يبدو لي ذلك، سقراط.

-سقراط: فلا أحد إذن، يا مينون، يحبّ ما هو سيّئ، هذا إن صحّ أنّه يأبى أن يؤول به الأمر إلى هذه المرتبة. فما معنى أن يكون الإنسان تعيسا إلاّ أن يرغب فيما هو سيّئ ويحصل عليه.

-مينون: قد يكون ما تقوله صحيحا يا سقراط، فلا أحد يريد ما هو سيّئ.

ينتهي بنا التحليل هنا إلى تبيّن أنّ الأخلاق أضحت موضوع تأمّل نظري جعل بعضهم يذهب إلى اعتبار الفضيلة معرفة. ولسوف يكون للحرج (Embarras) الذي عرف “مينون” (Ménon) مضايقة في حواره مع سقراط مزاياه المتعيّنة في التعرّف على الفيلسوف – وفقا للصورة التي استعملها “مينون، فهو شبيه ب (سمكة) الرّعادة التي تسكّن فريستها. وإذا كان لا يصنع سوى ارباك مخاطبه، أ لا يكون من الوجاهة عندئذ أن نتساءل مع “مينون”: ما الجدوى من البحث عن الحقيقة (ما الفضيلة؟ ما الشجاعة؟) إن كنّا نجهل ما به يتقوّم جوهرها؟ أ ولا يكشف هذا الوضع – وهو وضع يتعرّى فيه جهلنا – أنّ كلّ قول عن المعرفة مستحيل؟ لنصغي إلى “مينون”: مينون: سقراط، بلغني قبل لقاك أنّك لا تصنع سوى احراج نفسك وجعل غيرك في الحرج (…) وأنا أرى، إن سمحت بأن أداعبك أنّك تشبه تماما (سمكة البحر العريضة المعروفة) بالرّعادة (La tropille) فهذه السمكة تسكّن كلّ ما يقترب منها ويلمسها. وأرى أنّك تركت فيّ أثرا. نعم، أنا أيضا لي، في الحقيقة، نفس غدت ساكنة سكون لساني، ولا أدري بماذا أجيبك؟”[20].

لم كان سقراط ومينون جميعا في حرج يا ترى؟ إنّ أفلاطون يروم من خلال ذلكم الوضع ابراز أمرين: أراد من ناحيّة، إبانة جملة صعوبات العلم في البحث عن الحقيقة (الجوهر من الأشيّاء) وهي صعوبات تردّ إلى تحديات مختلفة، من ذلك موقف الإنسان عموما حين يبحث ويناقش (فقد يقصد في مناسبات كثيرة إلى تحقيق الغلبة على الطرف الثّاني في النقاش)، ومن ذلك اللّغة نفسها ونحن نستعملها في تعريف الحدود المستخدمة، ففي اللّغة ترادف، واشتراك ووجوه مختلفة في ترتيب أجزاء القول. وبإيجاز، إنّ الأمر الذي أراد أفلاطون ابرازه في هذا المستوى الأوّل هو أنّ البحث عن العلم لا يستقيم إلاّ إذا عاضدته رغبة صادقة في البحث عن الحقيقة. ومن ناحيّة أخرى، وهذا أمر يمثّل المقتضى الفلسفي الّذي تحيل عليه ممارسة الحوار، ونعني حدث “التّوليد” (Maïeutique)[21]. وهنا، يقول سقراط: “إنّ فنّ التّوليد عندي يشمل إذن كلّ الوظائف الّتي تضطلع بها المولّدات، ولكنّه يختلف عن فنّهنّ حيث أنّه يخلص الرّجال لا النّساء، ويراقب أنفسهم لا أبدانهم. ولكن الفائدة الرّئيسيّة لفنّي هي أنّه يجعلنا بالتّأكيد قادرين على التّثبّت ممّا إذا كان ذهن الشّاب يلد وهما كاذبا أو ثمرة حقيقيّة وفعليّة. زد على ذلك أنّني أشترك معهنّ في كوني عقيما في مجال الحكمة”[22].

ونلمس هذه الطريقة في كلّ بيداغوجيا تؤكّد على أهميّة التفكير الشخصي في بناء المعرفة. ولهذا، فإنّ مسعى أفلاطون يتعيّن في إثبات أنّ سقراط، حين سأل ذاك العبد الصّغير مسائل تخصّ الهندسة، لم يعلّمه شيئا، لكنّه سمح له ” بفضل أسئلة بسيطة أن يجد بنفسه وفي ذاته العلم”. فالمعلّم في تقدير أفلاطون هو “مولّد” له ثقة في القدرة على تخليص المسائل من عالم الظاهر، وهي ثقة لا يحدّها سوى يقينه في أنّه لا يكون أبلدا منشئ تلكم المسائل. فسقراط يولّد المعارف في الفرد، أي يساعده على إخراجها من ذاته.

أن تكون في ذواتنا حقائق، لا شيء يدلّ على ذلك أحسن من التقدّم الذي أحرزه العبد في البحث عن الحقيقة، وذلك بالأجوبة الصائبة التي قدّمها. وبالفعل، فإنّ سقراط سأل “مينون” على إثر الفراغ من مساءلة العبد:

-“سقراط: هل توجد في أجوبته آراء لا ترجع إليه؟

-مينون: إنّها حقّا تعزى إليه.

-سقراط: فالآراء كانت في ذاته من قبل.

-مينون: نعم”.[23]

ونحن نعلم علم اليقين النتيجة التي انتهى إليها سقراط من تجربة مساءلة العبد. وتبعا لذلك تمكّن أفلاطون من صياغة نظريته في التربية والتعلّم، ونظريته في المعرفة في آن، وهذه الثنائيّة تقوم عليها تلك الأولى. ولسوف نجد ترجمانا لنظرية المعرفة والتعلّم أفلاطونيا في محاورة “الجمهورية”(La République) أيضا، وهو ما يجليه الحوار الذي عقده أفلاطون بين سقراط وغلوكن[24] (Glaucon)، كالآتي:

سقراط: ليست التربية أبدا ما ذهب إليه بعض النّاس، هم يزعمون أنّهم يضعون العلم في النّفس حيث لم يكن موجودا، كما لو كان يمكن أن نضع البصر في عيون المكفوفين.

-غلوكن: هم يزعمون ذلك بالفعل.

-سقراط: لكنّ حديثنا هذا يبيّن أنّ في كلّ نفس ملكة تعلّم وعضوا خاصا بذلك الفعل. ولمّا كان لا يمكن أن نحوّل العين من الظلام إلى النّور إلاّ بتحويل الجسم كلّه في الآن نفسه، فإنّ ذلك العضو ينبغي أن يحوّل هو والنّفس كلّها عن الأشيّاء الفانيّة حتّى يصبح قادرا على تحمّل رؤية الوجود والجزء الأكثر اشراقا منه. وهذا ما ندعوه الخير. أليس كذلك؟

-غلوكن: أجل.

-سقراط: التربية هي صناعة تحويل ذلك العضو بالذّات وإيجاد المنهج الأيسر ولأنجع لتحقيق ذلك. فهي لا تتمثّل في وضع البصر في العضو، إذ أنّه يمتلكه. لكن لمّا كان موجّها وجهة فاسدة، وكان ينظر إلى جهة غير تلك التي كان ينبغي أن ينظر إليها، فإنّ التربية تهيّء إعادة التوجيه”[25].

إنّ النّفس في تقدير أفلاطون قادرة على أن تستكشف بنفسها ما كانت تظنّ أنّها لا تعلمه، وهذا يعود إلى أنّها تعلم ذلك سلفا. فالنّفس، على نحو ما علّمنا أفلاطون قبل حلولها بالجسد، كانت لها معرفة بالحقائق التي هي قادرة على أن تتذكّرها. أفلا يكون التعلّم ساعتها سوى استعادة معرفة منسيّة، سيّما وأنّ المعرفة تذكّر(Réminiscence)[26] والجهل نسيان على نحو ما ألفيناه مع أفلاطون على لسان سقراط الحكيم. وليست معرفتنا أبدا سوى تعرّف. وهنا، حقيق بنا التساؤل مع أفلاطون: كيف يكون فعل التذكّر ممكنا؟ يتم ذلك في تقديره، بتغيير وجهة نظر المتعلّم من فضاء المحسوس (Le sensible) إلى فضاء المعقول (L’intelligible). وتقودنا هذه الملاحظة الأخيرة إلى القول، بأنّ فعل “التذكّر” الّذي يقتضي “التوليد” ضمن منهج الجدل الصاعد، تسلك فيه النّفس طريق العلم بدءا بالظنّ مرورا بالرّياضيات وصولا إلى أعلى درجات المعرفة وهي المعرفة الحدسيّة للمعقولات، من أهمّ ما أسّسه أفلاطون في هذا السّياق الخاصّ بنظرية المعرفة في دروبها الأساسيّة تنبيها وتحصيلا.

وإنّا إذا ما مكثنا في الفضاء الفلسفي اليونانيّ أدركنا أنّ الخطاب الفلسفي الأفلاطوني ليعد من الخطابات الأولى التي أقامت تفرقة بين عالم المحسوس وعالم المعقولات، بين الظّنّ والعلم. وفي ثنايا ذلك تتحدّد علاقة الأنثروبولوجي بالأنطولوجي، أي تعريف الإنسان في إطار الاختلاف بين عالم المثل وعالم المحسوسات الذي تحرّك ضمنه الفكر الفلسفي الأفلاطوني برمته[27].

ولاعتبار كهذا، ندرك إدراكا جليّا خصوصيّة المقاربة الأفلاطونيّة هاهنا، بوصفها مقاربة أنطولوجيّة تجعل من النّفس شأنا أساسيّا في تحديد معنى الفكر ومقام الوجود الخاصّ به. فالأسبقيّة الأنطولوجيّة للنّفس على نحو ما تجلت في المدوّنة الفلسفيّة الأفلاطونيّة[28]، ترتّب عنها جملة استتباعات عمليّة ونظريّة: تتمثّل في القول بالتحرّر من الرّغبة أو الشهوة في المجال الأخلاقي وما في ذلك من تأثر بالأخلاق الفيثاغوريّة عمليّا. فحين أنّ الاستتباع المعرفي / النظري، يتمثّل في الكشف عن العلاقة التي تربط بين الاعتراض على الجسد[29] والاعتراض على مواقف السّفسطائيين من مسألتي المعرفة والأخلاق. ولا يسمح المقام هنا لتفصيل القول الممكن فيها. ولذلك، نحن نحيل عليها، حتّى لا نثقل المتن بالكثير من الشواهد المتيسرة لكلّ مهتّم.

نستخلص ممّا سبق، أنّ التربية في مدلولها الفلسفي الأصيل وفقا للمعقوليّة الإيتيقيّة -الإنسيّة لدى أفلاطون، لتحمل على معنى الصناعة التي تقتضي: المعرفة، والدّربة، والتّأهيل، والعلم، والانضباط، والآداب، والتثقيف، والتوجيه، والفنّ، والتهذيب، والمراس، والفضيلة، والعمل على العناية بتنميّة القدرات والمواهب وصقلها لدى النشء ونحو ذلك من الشرائط الفطرية والمكتسبة الأساسيّة للعمليّة التربويّة وللثقافة الإنسانيّة عموما.  وسيمثّل النّظر في أبعادها ورهاناتها السياسيّة والأخلاقيّة مدخلا مهما، في سبيل تحصيل معرفة بشأنها. عسانا نتبيّن على إثرها، مدى راهنيتها وإمكانات الإفادة منها في سياقات أنطولوجيا الحاضر

{L’ontologie du présent}، أو أنطولوجيا النحن التّاريخيّة

{L’ontologie historique de nous – mêmes}. فكيف ذلك؟

2) التربية والسياسة عند أفلاطون

  • في سياسات تربية المحاربين وإتيقا الحرب العادلة:

استأثرت تربية المحاربين وإتيقا الحرب العادلة من جهة سياساتها وأبعادها الفلسفيّة والسياسيّة بمتابعة لافتة من طرف أفلاطون، وإذا كان على المحاربين تعلّم الموسيقى والرّياضة، فإنّه على الحكّام التزوّد بالحكمة الفلسفيّة بما أنّهم على رأس الدّولة. وهذه المهمّة الفضلى تقتضي العناية بتربية أبناء الحكّام، وتأهيلهم للمستقبل عن طريق الفلسفة. وسنعمل من جهتنا على تفصيل القول الممكن في هكذا مبحث تباعا. ولكن، الأسئلة الحارقة التي تساورنا في ثنايا ذلك لهي: ما مقتضيات تربية المحاربين من منظور أفلاطون؟ ومن هم هؤلاء المحاربين درء لكلّ المغالطات الفادحة بخصوص هذه التسميّة؟ وأيّة علاقة مفترضة بين تربية المحاربين وإتيقا الحرب العادلة صلب المدوّنة الفلسفيّة الأفلاطونيّة؟

لقد ألحقت بهم هذه التسمية في محاورة الجمهورية، عندما تمّ استدعائهم في فترة محدّدة من التطوّر الطبيعي للدّولة، التي تكون مجبرة على خوض الحرب والتي ستصبح من طبائعهم، ممّا يضفي على تربيتهم طابعا عسكريا، وهو ما ينسحب على طبيعة حياتهم أيضا. ولكن، الحرب حينئذ ليست المصير الوحيد، إذ يمكننا القول هنا أنّها سبب مؤقت لتكوين ذو طابع يتجاوزها إلى حدّ بعيد. فالمحارب إذن، ليس ذاك الّذي يبدي استعداده لمقاومة الأعداء الخارجيين، إنّه بالأحرى من يمتلك كيفيّات ضروريّة لمقاومة أعداء الدّاخل، عساه يتصدى لكلّ ما يترتّب عن شهوات الجسد والنّفس الدّنيا، سواء كان ذلك في الدّولة أو في ذاته هو.

والشّجاعة بوصفها فضيلة المحارب الخاصّة لا تعرف بكونها أفقا معيّنا ضمن حقل الصراع، سيّما وأنّ أفلاطون قد عمل بلا هوادة على دحض تصوّر بكذا شكل وما مسّه في ثنايا ذلك نصب ولا لغوب.  و”لاخاس” (Lâchés) صريح جدا في هذا الشّأن، فهو لا يعرّف الشّجاعة باعتبارها القدرة الشاملة على مقاومة الألم والانتصار عليه، بقدر ما يحيطها تحديدا بالقوّة على مقاومة جاذبيّة اللّذة”[30].  وهذا لألفيناه متعيّنا بشكل واضح، في مستوى الجمهورية[31] أو في القوانين.[32]

تتوفر هذه الفضيلة (الشّجاعة) في دولة أفلاطون لأنّها تجد في طبقة الحرّاس قوّة حافظة على أوامرها ضد الأعداء الدّاخليين والخارجيين. “إنّ فضيلة الشّجاعة في الدّولة تتمثل أن يقف الحرّاس عند حدود الادراك الصّحيح لما يأمر به القانون بشأن ما يهاب ولا يهاب (…) ومثلما أنّه على طبقة الحرّاس إطاعة طبقة الحكّام ومساعدتهم، كذلك فعلى الجزء المتحمس والمندفع في الإنسان أن يطيع الجزء العاقل ويساعده. وتتمثل الشّجاعة في أن يحافظ الجزء المتحمس والمندفع على أوامر الجزء العاقل فيما يتعلّق بما يهاب وما لا يهاب، (فيكون) ضد اللذة وضد الأعداء الخارجيين”[33].

إنّ المحارب الحقيقي في تقدير أفلاطون، هو الّذي يكون قادرا على تنظيم مخاوفه على قاعدة التمييز بين: “ما يجب دفعه وما يجب قبوله في سبيل الحياة الأسمى للنّفس، وكذلك لأجل خير الدّولة”[34]. ومن هذا المنطلق، أفلا نقول بأنّ المحارب، وتبعا لما يبديه من انغلاق بشأن بعض المواضيع لن يكون حينئذ محاربا، بل فيلسوفا بما أنّه يتأثّر بثقافة العلوم، وخاصّة بالجدل وتملك فكرة الخير. بهذا المعنى، نتبيّن أنّ التربية المقدّمة للمحارب ليست تربية مخصوصة، بل هي تربية موجهة لعموم المواطنين، إذ يجب البدء بتلقين وتعليم القانون مثلما نعلّمه للأطفال. وفيلسوف المستقبل لن يكون معفى من هذا التّعليم الّذي لسوف تتجلّى مزاياه العقليّة لاحقا، ولكن هذا التّمشي حتمي إلى أن  تتمظهر تدريجيّا قدرته العقليّة.

من نافلة القول الإشارة ههنا، إلى أنّ الميزة التي تلحق بالمحارب – مقارنة بمن هم أدنى منه، لهي ظهوره أكثر من غيره بمظهر الشغوف الذي يروم “معرفة ما يقتضي هذا القانون الّذي يجب أن يخضع له”[35]. فضلا على كونه أوّل من “يسعى إلى وضعه حيّز التنفيذ”.[36]

قد يحملنا الاعتقاد على أنّ التربية السياسيّة التي يصفها أفلاطون، لتربية مخصّصة للمحاربين، ولكن، ماذا لو اتّضح لنا، أنّها تستعمل لانتقاء المحاربين رأسا. ففي القوانين، يلفى القارئ مهنة المحارب التي لتكفّ عن أن تكون اختصاصا – مثلما سوف تكون التّجارة والصناعات مخصّصة للغرباء، حينها لسوف نتبيّن بما لا يدع مجالا للارتياب في الطابع الكوني أو الشمولي للتربية، التي لم تكن موجهة في الجمهوريّة إلاّ لرهط قليل من الأفراد وفي سبيل مهمّة مضبوطة كذلك. هذا ما أبانه أرسطو من خلال طعونه الموجهة للتصوّر الأفلاطوني، الذي لم يعمّم نظريته في التربية على جميع المواطنين في كتاب “الجمهوريّة”، لأنّه: ” لا يمد بالتربية إلاّ طبقة الحماة…فأيّة سياسة تطبق على أولئك الزّراع، وكيف ستكون تربيتهم ونظمهم”[37]. ولنا في ذلك وقفة تأمّل لاحقا.

إنّ الالمام بالمقاربة الفلسفيّة الأفلاطونيّة لإشكاليّة التربية في مداراتها ومقاصدها المتنوّعة، يقتضي منّا استدعاء طائفة من النّصوص المستقاة من المتن الأفلاطوني على غرار: “القوانين”، و”السياسي”، ولكن أيضا، “الجمهوريّة”، كما لا يفوتنا في هذا المضمار استثمار نصوص من “طيماوس”، لتخصّ: “التطوّر الاتّصالي للنّفس وللجسم”[38]. وكلّ ذلك في سبيل تحصيل جملة من المعطيات عساها تساعدنا في مسألة تربية المواطن تربية سياسيّة.

طفق أفلاطون يجوس في الاعتراض على كلّ القراءات والطروحات القائمة على مصادرة مفادها الاختلاف الوظيفي بين المرأة والرّجل، سيّما لمّا يتعلّق الأمر بتدبير الدّولة وبتربية النّفس. ورغم أنّه يشدّد من جهته على الدونيّة العامّة للمرأة، فهو لا يجد حرجا في الاعتراف مع ذلك بأنّ الأمر لا يتعلّق هنا برؤية شاملة لا يتمّ فيها اعتبار الحالات الجزئيّة.  هذا مصداقا لقوله: “هناك نساء كثيرات يتفوقن على عدّة رجال وفي أكثر من مجال”[39].

والجدير بالملاحظة في هذا الموضع، أنّ الفارق بين الرّجال والنّساء في تقدير أفلاطون، لهو فارق في الدّرجة فقط. وبهذا، ألفيناه يمهد لهنّ لتولي كلّ الوظائف في الدّولة – المدينة بما في ذلك مهمّة الحرب والحكم. فهو يروم تدريبهنّ على ممارسة تلكم الوظائف، إذ أبدين أنّهنّ لقادرات على ذلك، أو على الأقلّ أن يكن المرافقات اللواتي يمكن الاستعانة بهنّ حقيقة لأولئك الّذين يمارسون وظيفة الحرب.

يطالعنا أفلاطون في الجمهوريّة، بالتنبيه إلى جملة مواهب واستعدادات تخصّ النّساء، المؤهلات “للموسيقى، للطب، للممارسات الرّياضيّة والعسكريّة، للفلسفة أو لحماية الدّولة”[40]. كما نقرأ في القوانين أنّ “ذلك الرّأي الّذي لدينا، والقاضي بعدم دعوتهن لمزاولة التمارين عينها التي يقوم بها الرّجال، لا يملك أيّ معنى”[41]. وعليه، فإنّ القول أيضا بأنّه لا وجود لدولة سليمة يكون نصفها ممارسا لذات النشاطات التي يتعاطاها الرّجال، لهو قول متهافت، وعلى المشرّع أن يعي هذا الجانب فلا ينحاز إلى الرّجال فقط. وإنّما عليه سنّ القوانين التي تخلص جنس الأنثى من حياة الجهل والعبودية.[42]

إنّ أوّل المبادئ التي تعتمدها التربية الأفلاطونيّة، هو مبدأ “القيس العادل”-الّذي ألحّ عليه في محاورة السياسي-ويتحدّد هذا المبدأ في اعتماد قضيّة داخل علاقة هي ذاتها معلومة بين مختلف العوامل التي تتعاضد في عمل الجسم برمته. فعندما يحظى أحد هذه العوامل بأهميّة ذات بال، أو هو يظل-عل النّقيض من ذلك -دون المستوى المأمول، وعندئذ يكون الجسم في حالة عطالة أو يكفّ عن العمل. والأمر على هذا النّحو عينه، إذا كانت المسألة تتعلّق بتعاون النّفس مع الجسد. ولمسوّغ كهذا، ألفينا أفلاطون يؤكّد على ضرورة تطوير هذين البعدين بتساوق، وذلك عن طريق الموسيقى والرّياضة على نحو ما أورده في محاورات: “الجمهوريّة”، “طيماوس”، و”القوانين”.

ليس من المبالغة في شيء الإقرار أنّ أفلاطون ليعتقد في مرونة كبيرة تمتاز بها الطبيعة الإنسانيّة، كما في نجاعة الرّأي الشّائع، إذ يكفي أن يكون هذا الرّأي موجه من لّدن المشرّع (Le Législateur): لقد نجحنا، يقول الأثيني في الكتاب الثّاني من القوانين، في “أن نجعل أسطورة كادميس (Cadmus) تروي أنّ رجالا مسلحين سوف يخرجون من أسنان التنين المغروسة في الأرض”. يتميّز المشرّع إذن، بدرجة عاليّة من الحنكة في استخدام الأساطير والقوانين التي تقرّر ما يجب في مرحلة الشباب. وهذا ما يؤكّد الدّور التربوي المنوط بعهدته في مجال تشريع القوانين التي تنظم حياة المجتمع والمدينة، إذ هو يبحث عن الطرق الملائمة لخلق وإنتاج الخير في المدينة. وعندما يحصل هذا الأمر، يتعيّن عليه مباشرة التنفيذ حتّى يصبح المواطنين قادرين على إعلان ذلك ونشره في كلّ حقول الخطاب والأساطير”[43].

من السياسات الأخرى الخاصّة بتربية الجند أو الحرّاس في تقدير أفلاطون، تتمثل في “تطبيق المشاعيّة على الحرّاس، لأنّ امتلاك أيّ منهم للثروة سيحوله إلى طاغيّة حاقد يكره غيره ومكروه من طرف الآخرين”[44].

إنّ مفاعيل تربية الجند والمحاربين، لتجد تعبيراتها المثلى صلب القول الفلسفي الأفلاطوني في مستوى إتيقا الحرب العادلة، مجال تأمّلاتنا في هذا المستوى من البحث. من الأهميّة بمكان، الإقرار هاهنا، أنّ الحرب في تقدير أفلاطون، تكون ضدّ أعداء خارجيين، أي ضدّ من يسميهم: “البرابرة”، وهم كلّ من لم يكن يونانيّا، أمّا إذا تعلّق الأمر بمعارك بين اليونانيين أنفسهم، فإنّه لا يسمّيها حربا، وإنّما نزاعا داخليّا. هذا مصداقا لقوله فإنّ: “قاتل اليونانيون البرابرة أو البرابرة اليونانيون فعندئذ نقول إنّ بين الفريقين حربا وأنّهما بطبيعتهما أعداء، وأنّ هذه العداوة تستحق اسم الحرب، أمّا إذا قاتل اليونانيون بعضهم بعضا فلنقل إنّ القرابة بين الفريقين لم تنعدم ولكن اليونان في هذه الحالة تبدو مصابة بداء الانشقاق على نفسها، بحيث يكون اسم النّزاع المحلي هذا هو ما ينطبق على هذه العداوة”[45].

نستجلي من هذا القول الأفلاطوني، أنّ الحرب العادلة عنده، هي استثناء أخلاقي، وحرب للضرورة القصوى. كما عمد في سياق مقاربته لمفهوم الحرب العادلة إلى التمييز بين الحرب والنزاع المحلي. فإذا كانت الحرب في اعتقاده، نزاعا بين دولتين أو شعبين، فإنّ النزاع المحلي على خلاف ذلك، هو مجرّد حرب أهليّة، أو انشقاق داخلي، أو فتنة داخليّة بين أفراد الشعب أو مواطني بلد واحد. ومن هنا، يعلن أفلاطون رفضه للحرب، إلا لضرورة قصوى، يكون الهدف منها هو تحقيق الوفاق أو السّلام العادل. وبالتالي، يرفض الحرب الطويلة الأمد التي﴿ لا تبقي ولا تذر ﴾[46] ﴿لوّاحة للبشر﴾[47]. ﴿ ما أتت على شيء إلاّ جعلته كالرّميم ﴾[48]، في عبارات فرقانيّة بليغة.

تتخذ رؤية أفلاطون إلى الحرب طابعها الإنساني-الأخلاقي العادل. ومن ثمّ، فالحرب العادلة هي التي تحتكم إلى السّلوك القويم في التعامّل مع الأبرياء من النّاس المدنيين، ولا تسعى إلى الخراب والدّمار والهلاك الشّامل. وهذا السلوك لا ينبغي أن يقتصر على اليونانيين فقط، بل ينبغي تعميمه حتى على الأجانب في حالة الحرب، بمعاملتهم وفق معاملة اليونانيين لبعضهم البعض. يقول أفلاطون في هذا الصّدد: “فحيثما يشب نزاع وتنقسم الدّولة، ويعمد أحد الفريقين إلى تخريب حقول الفريق الآخر، وهدم بيوته، عندئذ تستطيع أن تتصوّر إلى أيّ حدّ يكون ذلك أمرا مرذولا. فليس ثمّة جماعة محبّة لوطنها تجرؤ على تمزيق الأرض التي هي أمّها ومصدر غذائها، وإنّما المعقول أن يكتفي الغزاة بالاستيلاء على محصول المهزومين، وعليهم أن يذكروا أنّهم سيصلون يوما إلى وفاق، ولن يظلوا في حرب دائمة.

-والحقّ أنّ هذه الطريقة في التفكير أقرب إلى الإنسانيّة من سابقتها.

-ولمّا كانوا يونانيين، فهم لن يخربوا بلاد اليونان، ولن يحرقوا بيوتها، ولن ينظروا بعين العداوة إلى جميع سكان دولة ما، رجالا ونساء وأطفالا، وإنّما يعادون مصدر الشقاق وحده، وهو عادة ضئيل من الناس، وعلى ذلك، فهم لا يرضون بأن يخربوا أرضا أو يهدموا بيوتا معظم سكانها أصدقاء لهم، هم لا يمضون في عدوانهم إلى أبعد الدّولة الذي يطر فيه المدنيّون، تحت ضغط الأبرياء المعذبين، إلى أن يسلكوا سلوكا قويما.

– فقال: إنّي لأسلم معك بأنّ سلوك موطنيها نحو خصومهم يجب أن يسير على هذا النّحو، وبأنّ عليهم أن يعاملوا الأجانب كما يعامل اليونانيون الآن بعضهم بعضا.

-فليكن من القوانين – إذا – أن يخرب حراسنا الأرض، ولا يحرقوا البيوت.

-لنسن هذا القانون، ولنعترف بأنّه قانون عادل كالباقين”[49].

لا جرم، أنّ أفلاطون في معرض حديثه عن نظريّة الحرب العادلة في مؤلفه: “الجمهوريّة”، إنّما يروم من خلاله، دعوة اليونانيين، في مقاتلتهم للبربر، إلى أن تكون حربهم عادلة وأخلاقيّة، وألا تكون عنيفة وقاسية.

وحتّى عندما يتطرّق أفلاطون في كتاب: “القوانين” إلى التمييز بين نوعين من الحروب: الحرب الخارجيّة، والحرب الداخليّة، فإنّه يدقق الأمر، مؤكّدا على إثر ذلك، أنّ “الحرب الدّاخليّة”، هي فتنة وشغب على وجه التحديد: “الأثيني”: “إنّ هنا نوعين من الحرب، هناك ما يسميه كلّ الناس بالفتنة والشغب وهي بالطبع أكثر أنواع الحروب ضررا (…). أمّا الأخرى وهي ما أتصوّر إنّنا نوافق على أنّها أقلّ بكثير وأعني بها تلك التي تندلع عندما تختلف مع غريب أجنبيّ”[50].

وعليه، إنّ النّزاعات المسلحة التي تحدث داخل البلد الواحد، لا تُسمّى حربا، وإنّما نزاعا داخليّا.

استئنافا لهذا الطرح الأفلاطوني، يرى أرسطو {384/322 ق.م} في كتاب “السياسات”، أنّ بقاء النظم السياسيّة، أو زوالها، يرتهن رأسا بفضيلتي العدل والبسالة الحربيّة. فمتى انحرفت هذه النّظم عن إقامة العدل ورعاية المصلحة العامّة (المشتركة لدى الجميع). تولدت الفتن وكان سقوط النظم. ولمّا كانت “المبادئ بالنّسبة للعامّة عاجزة على الإطلاق عن أن تدفعهم إلى الخير…(و) ليس من السّهل تغيير عادات قد أقرتها الشهوات من زمان طويل بمجرّد قوّة الكلام”[51]. ويؤكد أرسطو في ذات الإطار، قائلا: “يبدو أنّ الدولة إذا احتاجت إلى تلك الفئات (أي الأغنياء والفقراء، والرقيق). فهي تحتاج أيضا – والأمر جليّ إلى فضيلة العدل والبسالة الحربيّة. لأنّه لا سبيل إلى تأسيس دولة بدون هاتين الفضيلتين. لا بل بدون تلك الفئات يستحيل إنشاء دولة”[52].

يرى المعلم الأوّل في مستوى كتابه: “السياسة”، أنّ أمور الحرب والسلام في المجتمع اليوناني، إنّما تُعزى رأسا إلى السّلطة الشرعيّة العموميّة. هذا ما ألح عليه بأكثر تفصيلا في قوله: “الجمعيّة العموميّة تقرّر على وجه السّيادة السّلام والحرب، وعقد المعاهدات وحلها، وتصدر القوانين وتصدر حكم الإعدام والنفي والمصادرة وتنظر في محاسبة الحكام”[53].

وخلافا لمعهود التّأويل الأفلاطوني، الباحث عن مشروعيّة فلسفيّة للحرب، كواقعة قانونيّة وأخلاقيّة، نستجلي في المدوّنة الأرسطيّة طرحا مغايرا، يُنزل الحرب منزلة واقعيّة ماديّة وبراغماتيّة تدقيقا. ناهيك أنّه يقول بالتآلف بين الحرب وتحصيل الغنائم والخيرات والمنافع. ولأمر كهذا، فإنّ الحرب في تقدير أرسطو، تشبه عمليّة الصيد، والاستئثار بمآرب، كالغنائم والطريدة، وإخضاع البشر لسلطة القوي أو الغالب أو السيد، انطلاقا من قاعدة أنّ الآخرين خلقوا للعبوديّة والاسترقاق والإذعان لسلطان الأسياد الأقوياء. هذا ما عبّر عنه أرسطو، بقوله: “لذلك، فإنّ فنّ الحرب قد يكون بالطبع من بعض وجوهه فنّ اقتناء واغتنام، لأنّ فنّ الصيد جزء منه. والصيد يجب استعماله لأخذ الأوابد، وقمع من لا يريدون الخضوع من البشر مع كونهم أوجدوا لأجله، على اعتبار أنّ تلك الحرب عادلة بالطبع”[54].

ذلك هو إذا، المنطق الداخلي الذي يشدّ المعماريّة الفكريّة الأرسطيّة برمتها في مقاربته لنظريّة الحرب العادلة، من جهة ضروراتها، مقوماتها ومقاصدها الكبرى، مشرّعا على إثر ذلك في كتابه: “السياسات”، لنظريّة الحرب العادلة، خاصّة وأنّه طرح الظروف التي تبرّر أحقيّة الممارسة المشروعة للأعمال العدوانيّة الهادفة إلى تحقيق السّلام العادل.

إنّ تقصي أبعاد فلسفة التربية عند أفلاطون من خلال جدليّة السياسي -الأخلاقي، يسوّغ لنا النّظر هذه المرّة في شرائط تربية الحكّام ورهاناتها ضمن سياقات المعقوليّة الإيتيقيّة. ولسوف نعمل على تعميق النّظر في هذه المسألة تباعا. فأنّى لنا إذن تحصيل إمكانات فهم بخصوص سياسات تربية الحكّام ورهاناتها صلب القول الفلسفي الأفلاطوني؟

2.2) في سياسات تربية الحكّام ورهانات المعقوليّة الإيتيقيّة عند أفلاطون

إنّ استنطاقنا لهذا الإشكال يرتبط بادئ الأمر، بتفصيل القول الممكن في جملة خصال رئيس المدينة الفاضلة، على نحو ما أوردها فيلسوفنا الفذّ في مستوى كتاب: “الجمهورية”، نعرضها كالآتي:

أوّلا: يشير أفلاطون إلى أنّ الدّولة لا يستقيم لها الحال إلاّ بأن يحكمها الفلاسفة، فأيّة دولة أو أيّ دستور أو أيّ فرد لن يبلغ الكمال ما لم تدفع الظروف المواتيّة هذا العدد الضئيل من الفلاسفة الّذين لم يتطرّق إلى نفوسهم الفساد… إلى تولي الحكم”[55].

ثانيا: يشترط أفلاطون في معرض حديثه عن خصائص رئيس المدينة الفاضلة أن يكون فيلسوفا محبّا للصدق ومبغضا للكذب، هذا مصداقا لقوله: “الصدق ومحبّة الحقّ وكراهيّة الزيف وعدم قبول الكذب في أيّة صورة من صوّره”[56]، شرط ضروري في الفيلسوف.

ثالثا: يرى أفلاطون أن تكون للفيلسوف “ذاكرة قويّة”[57]. مادام فعل التذكّر على نحو ما علمنا أفلاطون نعمة عدد قليل من الأنفس التي لم تتأثر بشواغل المادّة وعالم الحسّ وبمطالب الجسد وأهوائه. فالنّفس تفكّر أحسن ما يكون التّفكير، عندما لا يعكّر صفوها، لا السمع ولا البصر ولا الألم ولا اللّذة، بل فقط لمّا تعكف أشدّ ما يكون الاعتكاف، متخلصة من الجسد وقاطعة معه كلّ معاشرة، سعيا إلى إدراك الحقيقة التي نعشقها بعد الموت.

رابعا: يتعيّن على الفيلسوف في تقدير أفلاطون أن يكون “محبا للعلم ساعيا طوال حياته إلى الحقيقة”[58]. فلئن وضع أفلاطون الخير على رأس المثل فقد ربطه بالمعرفة، إذ لا يمكن للإنسان أن يكون خيّرا إذا لم يعرف ماهيّة الخير.

خامسا: اشترط أفلاطون في هذا الفيلسوف أن “لا يسعى إلاّ إلى اللذّة التي تستمتع بها الرّوح وحدها ويدع جانبا لّذات البدن”[59].

سادسا: ينبغي على الفيلسوف في نظر أفلاطون أن “لا يسعى كالآخرين إلى المال ولا يستبد به أي نوع من أنواع الجشع”[60]. ومن هنا، فإنّ مطلوب الفيلسوف الترفع عن كلّ أشيّاء هذه الحياة لأنّه يتمتّع بنفس كبيرة.

سابعا: أن يكون الفيلسوف محبا للعدل وأهله، وأن يكون قوي العزيمة: “فمثل هذا الرّجل لن يرى في الموت ما يخيف”[61]. على حدّ عبارة أفلاطون.

هذا غيض من فيض الخصال الممكنة التي يؤكّد أفلاطون على ضرورة توفرها في الفيلسوف المرشّح لحكم المدينة الفاضلة. فمن الواضح إذن من خلال ما ألمعنا إليه بخصوص التربية في أبعادها السياسيّة والأخلاقيّة أنّ شيخ فلاسفة اليونان يروم البحث في شروط إمكان شيوع الفضيلة والعدالة داخل الجمهورية. فكيف ذلك؟

أولى أفلاطون مبحث العدالة اهتماما متزايدا في مستوى كتاب الجمهورية خاصّة. وحسبنا الإشارة هاهنا، إلى أنّ العنوان الفرعي لمؤلفه هذا هو: “في العدالة” (De la justice) كما أفرد الكتاب الثّاني والثّالث والرّابع لمسألة العدالة في الدّولة والفرد. هذا مصداقا لقوله على لسان سقراط: “لذا أقترح أن نبحث عن طبيعة العدالة أوّلا كما تبتدئ في الدّولة ثمّ نبحثها بعد ذلك في الفرد”[62].  كما ألفينا في سياقات هذه الكتب الثلاثة نظرية أفلاطون في الدّولة: نمط تشكلها ونمط ترابطها مع الفرد، فمن الوجاهة بمكان إذن، أن نلفى هنا بالذّات “أهميّة التربية (تربية الحرّاس)”[63].

ولقد انطلق فيلسوفنا في تفصيله القول الممكن لموضوع العدل من سؤال: كيف يمكن ضمان وجود دولة عادلة، حيث لا تعاد محاكمة الفيلسوف في يوم ما؟ أو بعبارة أدّق، أنّى لنا تخطي الانفصال الّذي حدث بين الفلسفة، والمدينة – الدّولة بموت سقراط؟[64]

هذا الحدث الذي كان له الأثر الكبير في نفسيّة أفلاطون وترجمه في محاوراته. لأنّ موت سقراط كان يعني له هزيمة الفكر الوحيد، “المهتّم بالعدالة المطلقة”. تساوقا مع ما ذكره في محاورة الغورجياس[65] {Gorgias ou sur la rhétorique} كما يعني له إفلاس “الدّيمقراطيّة”، كنظام للحكم في أثينا في القرن الخامس قبل الميلادي. وعليه، “إنّ إعادة الاعتبار للفلسفة وإزالة شبح سمّ الشّكران”[66]. هما اللذان كانا لأفلاطون الدّافع للاجتهاد في التّأسيس الفلسفي لنموذج دولة عادلة، يكون فيها الفلاسفة ملوكا (وهو مشروع “الجمهورية”).

ومن هنا، فإنّ حكم الفلاسفة، هو الّذي سيمحو الجريمة التي اقترفتها المدينة في حقّ سقراط. لأنّه “ما لم يصبح الفلاسفة ملوكا في بلادهم، أو يصبح أولئك الّذين نسمّيهم (…) ملوكا وحكاما فلاسفة جادين متعمقين، وما لم تتجمّع السّلطة السياسيّة والفلسفة في فرد واحد، وما لم يحدث، من جهة أخرى أنّ قانونا صارما يصدر باستبعاد أولئك الّذين تؤهلهم مقدرتهم لأحد هذين الأمرين دون الآخر في إدارة شؤون الدّولة – ما لم يحدث ذلك كلّه، فلن تهدأ…حدّة الشّرور الّتي تصيب الدّولة، بل ولا تلك الّتي تصيب الجنس البّشري بأكمله”.[67]

إنّ هذا القول يتطلّب بادئ الأمر تحديد كلمة فيلسوف: “وإذن فمن هم الفلاسفة الحقيقيّون في رأيك؟ إنّهم أولئك الّذين يعشقون الحقيقة”[68]. سيّما وأنّ “الفلسفة صناعة سياسية: وقد كانت كذلك منذ نشأتها الأولى لدى اليونانيين القدامى وذلك أنّها تدخل في صنف الصناعة الذي مقصده “تحصيل الجميل” أي تحقيق الجمال في الحياة المشتركة على أنّ ذلك يحصل ببلوغ السلم واجتناب الحرب”[69]. في هكذا عبارات آسرة من لّدن أستاذي الجليل “الحبيب الجربي”، أحد أبرز جهابذة الجامعة التونسيّة ممّن تخصّصوا في الفلسفة اليونانيّة عامّة وفي فلسفة أفلاطون رأسا.  ينضاف إلى ذلك قوله في السّياق عينه: “إنّ قصّة علاقة الفلسفة بالسياسة هي قصّة العلاقات الصّعبة، التي تجسّد صعوبتها حادثة مقتل سقراط أوّل الفلاسفة بإيعاز حكّام زمانه”[70].

وكأنّي بأستاذي الكيس: “الحبيب الجربي” بقوله هذا، إنّما يساير في غير مرية الفيلسوف الفرنسي: “موريس مرلوبونتي”، فيما ذهب إليه بخصوص حادثة موت سقراط وعلى إثرها منزلة الفلسفة داخل المدينة، حينما أقرّ أنّ “حياة سقراط وموته ترجمان عن تاريخ العلاقات العسيرة التي يقيمها الفيلسوف -وقد حرم من الحصانة التي للعلماء -مع آلهة المدينة، أي مع غيره من البشر ومع المطلق المحنّط الّذي يقدّمون صورته إليه إغراء. ولو كان الفيلسوف من المتمردّين لكان أقلّ إزعاجا”[71].

ولقد تأثر أفلاطون بالغ التأثر بمحاكمة سقراط وبإعدامه حيث رأى في ذلك مؤشّرا على تأزم المدينة ورداءة السياسة فيها معتبرا أنّ الفلسفة -كردّة فعل على هذه الأوضاع-مطالبة بأن تنظر في أسّس السياسة العادلة. خاصّة أنّ أفلاطون ما انفكّ يردّد، كما في الجمهورية أو السياسي أو النواميس، أنّه إنّما دخل الفلسفة من باب السياسة ومن أجلها[72].

لذلك سعى إلى البحث عن العدل بمقولات: الكيف، والأين، والمتى. كما يمكننا القول إنّ موقف أفلاطون من العدالة تعود أبعاده إلى الصراع بين نوعين من الخطاب: خطاب سفسطائي (يمثله “تراسيماخوس” في “الجمهوريّة” عند الحدّيث عن العدالة) وخطاب فلسفي يمثّله سقراط. فالخطاب الأوّل كما يصوّره أفلاطون طبعا -يقوم على ادعاء المعرفة بحقائق الأشيّاء مع الإيمان بالتغيّر. والخطاب الثّاني يقوم على امتلاك معرفة حقيقيّة شاملة وكليّة مع الإيمان بالثوابت (المثل). رغم ادعاء سقراط الجهل وحسن إحكام القبضة على السّفسطائي المتبجّح بشموليّة معرفته في حين أنّه لا يعرف شيئا.

لا ريب في أنّ موقفا كهذا يعني أنّ البحث في مسألة العدل في الجمهورية، يردّ إلى المشروع الأفلاطوني الدّائم في كلّ محاوراته، وهو نقد المدرسة السفسطائيّة، ففي معظم محاوراته، مهما اختلفت المواضيع – يقع اختيّار موضوع أو مسألة للنقاش يكون فيه طرفا المناقشة ممثلين لموقفين هما السفسطائيّة من جهة، وسقراط من جهة أخرى. وحسبنا دليلا عمّا نقول ههنا الحوار بين “الغريب”{l’étranger} و”تياتيتوس” {Théétète} في محاورة السفسطائي {Sophiste}، نعرضه كما يلي:

“-الغريب: {سقراط} لنتوقف إذن حتّى نسترجع أنفاسنا، وبينما نحن نستريح هكذا لننظر من جديد فيما تبيّناه: فبكم من وجه ظهر لنا السفسطائي؟ لقد تبيّنا، بدون شكّ، أنّه أوّلا بالمرصاد للشبّان الأثرياء طمعا في أموالهم.

-تياتيتوس: أجل.

-الغريب: وتبيّنا ثانيا أنّه متاجر بالعلوم الخاصّة بالنّفس.

-تياتيتوس: هذا صحيح.

لغريب: وثالثا أنّه بائع بالمفرّق والمفصّل لنفس موضوعات هذه العلوم.

-تياتيتوس: أجل. ورابعا أنّه صانع هذه العلوم التي يبيعها.

-الغريب: ذكرياتك دقيقة. وسأذكّرك أنا بنفسي بالوجه الخامس للسفسطائي: إنّه رياضي ولاعب قوي ماهر في الصراع اللّفظي والمطارحات الكلاميّة”[73].

ولاعتبار كهذا، فإنّ: “تحقّق هذا البعد السياسي للفلسفة على الوجه الأكمل في الفلسفة الأولى التي اكتملت فيها معالم الفلسفة من جهة استكمال دلالتها والتي كانت فلسفة أفلاطون، وهي الفلسفة التي اتّخذ فيها القول شكلا حواريا يجسّد تجوال القول العقلاني بين النّاس ليدخل مجالسهم وينعقد بينهم ضمن حياتهم اليوميّة”[74].

وبناء عليه، يقول أفلاطون مؤكدا ذلك في الجمهوريّة: “فإذا كان الفلاسفة هم أولئك الّذين يمكنهم أن يدركوا ما هو أزلي ثابت على حين أنّ من يعجزون عن ذلك، ويضلون طريقهم وسط الكثرة والتغير، لا يستحقون هذا الاسم، فأيّهما ينبغي أن نعهد إليه بالإشراف على الدّولة”[75]. والجواب طبعا هو: الفيلسوف، الأحق والأقدر على خدمة الرّعيّة وتحقيق العدل.

إنّ الفلاسفة هم المؤهلون لحكم المدينة. لأنّهم يعرفون الخير في ذاته، الجمال في ذاته، والعدل في ذاته، إذ يتيح تأمّلهم للمعقول تجاوز كلّ ما هو عارض ومتقلب ومشروط. ويتعرّض أفلاطون لهذه المسألة في الكتاب السّابع من الجمهوريّة عندما أورد “أسطورة الكهف” جسّد فيها عمليّة ارتقاء الرّوح من أسفل درجات الجهل إلى أعلى مراتب المعرفة المطلقة، وأنّ مراحل هذا الارتقاء تصوّر تعاسّة المنزلة الإنسانيّة قبل حصول المعرفة (حالة الطبيعة؟) وكذلك مختلف المراحل التي يجب أن تقطعها الذّات (الرّوح) لتحصل على التربية المواتيّة للسّلوك في هذه الحياة وفق مسلك العدل وهي تربية من الضروري أن يحصل عليها من سيسوس المدينة”[76].

هذا ما أبانه أفلاطون في نصّ الحوار الدّائر بين “سقراط” وغلوكن” نسوقه كالآتي:

“واستطردت {سقراط} قائلا: تمثّل الآن، طبقا للوضعيّة التّاليّة، وضعيّة طبيعتنا من جهة كونها تقبّلت تربية أم بالعكس لم تتقبلها، ولهذا الغرض تخيّل رجالا قبعوا في مسكن تحت الأرض يمثل كهفا تطلّ فتحته على النّور على كلّ عرض الكهف، هناك ظلّ هؤلاء النّاس منذ طفولتهم وقد قيّدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال بحيث يبقون هناك لا يرون أي شيء سوى ما يقع أمام أنظارهم، إذ تمنعهم الأغلال من التلفّت حولهم. ومن ورائهم تضيء نار اشتعلت عن بعد في موقع عال، وبين النّار والسجناء طريق مرتفع: ولتتخيّل على طول هذا الطريق جدارا صغيرا، مشابها لتلك الحواجز التي نجدها في مسرح العرائس المتحركة والتي يقيمها اللاعبون أمام الجمهور ليعرضوا عليها ألعابهم.

فقال {غلوكن}: إنّي أتخيّل ذلك.

ولتتخيّل الآن على طول الجدار الصغير، رجالا يحملون شتى أنواع الأدوات الصناعيّة وهي تعلو على الجدار، وأشكالا للنّاس والحيوانات المختلفة صنعت من الحجارة أو من الخشب على أشكال مختلفة؛ وكما هو طبيعي فهناك بين حملة هذه الأشكال، البعض يتكلّم والبعض الآخر صامت.

فقال: إنّها صورة غريبة، وإنّهم نوع غريب من السجناء.

فقلت: إنّهم يشبهوننا، وبالفعل هل تعتقد أوّلا أنّ السجناء في موقعهم ذاك يرون من أنفسهم ومن الآخرين شيئا آخر غير الظلال التي تلقيها النّار على الجدار الموجه من الكهف؟

فقال: وكيف يكون الأمر على خلاف ذلك ما داموا عاجزين طوال حياتهم عن تحريك رؤوسهم؟

-أوليس الأمر كذلك فيما يتعلّق بالأشيّاء التي تمرّ أمامهم؟

-بلا جدال.

-وإن أمكنهم إذن أن يتخاطبوا فيما بينهم ألا تظنّهم أنّهم لمّا يسمّون ما يرون يعتقدون أنّهم يسمّون الأشيّاء الواقعة نفسها؟

-هذا ضروري.

-وإن كان هناك صدى يتردّد من الجدار المواجهة لهم ماذا سيحدث؟ هل تعتقد أنّه كلّما تحدث أحد الذين يمرّون من ورائهم أنّهم يظنّون أنّ الصوت آت من شيء آخر غير الظلّ الّذي يمرّ أمامهم؟

-فقال: لا وحقّ زيوس[77].

فاستطردت قائلا: يقيني أنّ هؤلاء النّاس لا يتصورون أنّ الحقيقة يمكن أن تكون شيئا آخر غير ظلال الأشيّاء المصنوعة.

فقال: لا مفرّ من ذلك.

-فلنتأمّل الآن كيف سيتقبلون رفع قيودهم عنهم وشفاءهم من جهلهم لو حدث لهم ذلك بصورة طبيعيّة بالكيفيّة التّاليّة: فلنفترض أنّنا أطلقنا سراح واحد منهم وأرغمناه على أن ينهض فجأة أن يدير رأسه وأن يسير ويرفع عينيه نحو النّور، إنّ كلّ هذه الحركات ستكون مؤلمة له، وسيجعله الانبهار يعجز عن رؤية الأشياء التي كان يرى ظلالها من قبل. فما الذي تظنه سيقول إذا أنبأناه بأنّ ما كان يراه من قبل وهم باطل، وأنّ رؤيته الآن أدّق ولأنّه أقرب إلى الواقع الآن فإنّه متّجه نحو أشياء أكثر واقعية. وفي النهاية إن أريناه مختلف الأشياء التي تمرّ أمامه فدفعناه تحت إلحاح أسئلتنا إلى أن يذكر لنا ما هي؟ ألا تعتقد أنّه سيشعر بالحيرة ويعتقد أنّ الأشياء التي كان يراها من قبل أقرب إلى الحقيقة من تلك التي نريها له الآن؟

فقال: إنّها ستبدو أقرب كثيرا إلى الحقيقة.

-وإذا أرغمناه كذلك إلى أن ينظر إلى الضوء نفسه ألا تعتقد أنّ عيناه ستؤلمانه وأنّه سيحاول الهرب للعودة إلى الأشياء التي هو قادر على رؤيتها وأنّه سيظنّ بالفعل أنّها من الأشياء التي نريه إياها الآن؟

-فقال: سيكون الأمر كذلك.

فاستطردت قائلا: وإذا ما اقتدناه رغما عنه ومضينا به في الطريق الصاعد الوعر، فلا نتركه حتّى يواجه ضوء الشمس، ألا تظنّه سيتألّم، وسيثور لأنّه اقتيد على هذا النّحو بحيث أنّه لما سيصل إلى النور فستنبهر عيناه من وهجه وسيكون عاجزا عن رؤية أي شيء من الأشياء التي نسميها الآن أشياء حقيقة؟

-إنّه لن يستطيع ذلك على الأقلّ في بداية الأمر.

فاستطردت قائلا: إنّه يحتاج بالفعل إلى التعوّد إن أراد أن يرى الأشياء في ذلك العالم الأعلى. وفي البداية يكون أسهل الأمور أن يرى الظلال، ثمّ صوّر النّاس وبقية الأشياء منعكسة على صفحة الماء، ثمّ الأشياء ذاتها. وبعد ذلك سيتأمل ليلا أشياء السماء والسماء نفسها برفع عينيه إلى ضوء الأجرام والقمر بأكثر سهولة من تأمّل الشمس نورها في النّهار.

-بدون أي شك.

-وسيكون في النهاية، على ما أعتقد، قادرا على رؤية الشمس، لا مظهرها لمّا تنعكس على صفحة الماء أو على أيّ جسم آخر وإنّما الشمس ذاتها في ذاتها في مكانها الخاصّ بها، وأن يتأمّلها كما هي.

فقال: بالضرورة.

-وإثر ذلك سيستخلص بخصوص الشمس أنّها أصل الفصول والسنين وأنّها تسيّر كلّ شيء موجود في العالم المنظور، وأنّها بمعنى ما علّة ما كان يراه هو ورفاقه في الكهف.

فقال: من الواضح أنّ هذا ما سينتهي إليه بعد هذه التجارب.

-إذن فإن عاد بذاكرته إلى مسكنه القديم، وما كان يعدّ فيه حكمة، وإلى رفاقه السجناء، ألا تعتقد أنّه سيغتبط لهذا التغيّر الّذي طرأ عليه وسيرثي لحالهم؟

-هذا يقيني.

-أمّا فيما يتعلّق بمظاهر الشرف وبالمدائح التي قد كانوا يضفونها على بعضهم البعض وكذلك الجوائز التي يمنحونها لمن يبصر الظلال العابرة بأكثر دقّة كما لمن يتذكّر بصورة أحسن ماهي الظلال التي مرّت الأولى منها أو مرت مجتمعة، بحيث يكون تبعا لذلك أقدرهم على التكهن بما سيكون القادم منها؛ أتظن أنّ صاحبنا هذا سيحسد من ستكتمل له منهم مظاهر الشرف والقوّة؟ أو لن يشعر بنفس ما شعر به بطل “هوميروس” {أخيل بطل الإلياذة} من أنّه يفضّل ألف مرّة “أن يكون أجيرا في خدمة فلاح فقير” أو أن يتحمل كلّ شيء على أن يعود إلى مثل أوهامه القديمة، وأن يعيش مثلما كان يعيش من قبل؟

فقال: إنّ هذا ما أعتقد بالفعل، إنّه سيرى أنّ تحمل أي شيء أحبّ له من أن يعيش بتلك الكيفيّة.

فاستطردت قائلا: تخيّل كذلك ما يلي: إن عاد صاحبنا واحتلّ مكانه القديم في الكهف ألن تنطفئ عيناه من الظلمة حين يعود فجأة من الشمس؟

فقال: يقيني أن نعم.

-فإذا كان عليه أن يحكم على هذه الظلال من جديد، وأن ينافس السجناء الذين لم يتحرّروا من أغلالهم قطّ، في الوقت الّذي تكون فيه عيناه لا تزال معتمة زائغة، وقبل أن تعتاد الظلمة، وهو أمر يحتاج إلى بعض من الوقت، ألن يسخروا منه، يقولوا أنّه لم يصعد إلى أعلى إلاّ لكي يفسد إبصاره، وأنّ الصعود أمر لا يستحق منّا عناء التّفكير؟ فإذا ما حاول أحد أن يحرّرهم من أغلالهم، ويقودهم إلى أعلى، وكانوا قادرين بصورة ما على الإمساك به وقتله ألن يقتلوه بالفعل؟

فقال: تماما.

فأضفت قائلا: علينا الآن يا عزيزي “غلوكن” أن نطبّق تفاصيل هذه الصورة على تحليلنا السابق: فالسجن يقابل العالم المنظور، ووهج النّار الّذي كان ينير السجن يناظر نور الشمس: أمّا رحلة الصّعود لرؤية الأشياء في العالم الأعلى فتمثل صعود الرّوح إلى العالم المعقول، فإذا تصوّرت هذا فلن تخطئ فهم فكري مادام هذا ما تريد أن تعرفه، ولست أدري إن كانت فكرتي هذه صحيحة أم لا، ولكن هذا هو ما يبدو لي على أيّة حال، فآخر ما يدرك في عالم المعقول بعد عناء شديد هو مثال الخير، ولكن المرء ما أن يدركه حتّى يستنتج حتما أنّه علّة كلّ ما هو خير وجميل في الأشياء جميعا، وأنّه في العالم المنظور هو خالق النور وموزّعه وأنّه في العالم المعقول هو مصدر الحقيقة وللعقل، فبدون تأمّل هذا المثال لا يستطيع أحد أن يسير بحكمة في حياته الخاصّة أو في شؤون الدّولة”[78].

يروم أفلاطون من خلال هذه القصّة بيان وضعيّة سجناء الكهف بوصفها تجلي لنا بلا ريب المنزلة الإنسانيّة في العالم المحسوس الموسوم باستشراء الاعتقادات والآراء الزائفة، والأوهام والظنون، “وإنّ أفلاطون يصوّر بصعود السجين إلى العالم المنظور صعود الرّوح بواسطة التربية الفلسفيّة نحو الحقّ والمعقول والعدالة، ويؤكّد أفلاطون أنّ الخير (الحق) هو أقصى ما يمكن أن يعرف، هو علّة كلّ ما هو جميل فيما يفعل، وأنّ تأمّله بالتّالي ضروري لتحصيل الحكمة في الحياة الخاصّة والحياة العامّة”[79].

إنّ عسر فعل الصعود إلى العالم المنظور في تقدير أفلاطون، يقابله أيضا صعوبة التعوّد من جديد بالظلمة إثر العودة من سطح الأرض إلى الكهف؛ لذلك فهو يلحّ على أن يضطلع الفيلسوف بمهمّة تأهيل الّذين سيتولون تدبير وسياسة شؤون المدينة إلى حسن النزول من المستوى التأمّلي المحض إلى حيّز الممارسة التطبيقيّة في الحياة العمليّة مجال اهتمامهم.

والجدير بالملاحظة في هذا الصّدد، أنّ الأساس الّذي تقوم عليه المدينة –الدّولة كما تصوّرها أفلاطون هو “المعقول” الّذي استوحى منه الفيلسوف “الدّساتير”، القوانين والقواعد”. أين يجب على “السياسي” أن يمتلك معرفة “بعالم المثل”، عالم الثوابت، ومتأمّلا للخير في ذاته، حتّى يكون قادرا على جعل المدينة على غرار الكيان المثالي – وقادرا – على تحقيق العدل فيها. فلا يمكن التّفكير في الأمور العمليّة بمعزل عن نظريّة “المثل”. بمعنى لا يمكن جعل شؤون الدّولة موضوعا خاصّا مستقلا عن عالم “المثل”، أو كما يقول ف. وولف (F. Wolff) “الأشيّاء البشرية غير قادرة على أن تشكل عالما متميّزا أو مستقلا بالنسبة لعالم السّماء”[80]. لدى أفلاطون. هناك منهج موحّد يجمع التّفكير في عالم الأرض وعالم السّماء بحيث نجد لدى هذا الأخير كلّ الحلول المناسبة لعالمنا، لأنّه الأصل والحقيقة الثابتة وعالمنا عالم النسخة المشوهة.

وعلى هذا النّحو، فإنّ السياسة في منظوره تتنزّل ضمن أفق أنطولوجيّ. ومن ثمّة، فإنّ الشرعيّة تقوم على أساس متعالي. فالقانون كما حدّده أفلاطون مفهوما ووظيفة، لهو تعبير سياسي عن القياس الّذي يوجد في العالم المعقول، على أنّ وظيفته تكمن في فرض النظام[81]، تحقيقا للوحدة والخير المشترك في المدينة – الدّولة.

نلمس في سياقات ما ذكرنا، التآلف العضوي بين السياسة والأخلاق، فالسياسة دون أخلاق قوّة. كما أنّ الأخلاق دون سياسة زائفة لا طائل منها. وخلافا لما عرفته المدن التّاريخيّة من انحلال وزوال بحكم الغياب المدوي لتلكم الوحدة الصّماء بين الأخلاقي والسياسي وبحكم الانقسامات السياسيّة. فإنّ المدينة الفاضلة مع أفلاطون، لن تكون معرّضة لفعل الانحلال بفعل “دستورها وقوانينها الحسنة”، الدّستور هو مصدر تنظيم وتوزيع المهامّ السياسيّة، بما يمنح المدينة شكلها، ويمثّل أيضا المبدأ الّذي تستمد منه القوانين.

وعلاوة على ذلك، يوازي أفلاطون في “محاورة طيماوس” {Timée} بين القانون الطّبيعي والقانون السياسي، في اعتباره أنّ المدينة(Polis) شبيهة بالكون” {Cosmos} “الكوسموس”، وهي في حاجة، شأنها في ذلك شأن الكوسموس إلى “مبدأ نظام”{Principe d’ordre} يؤمّن لها الانسجام، الوحدة. وفي هذا السياق يقول أستاذي الجليل الحبيب الجربي وهو على حقّ: ” كان مبحث الفلسفة عند نشأتها والّذي هو مبحث في المبدأ، يتبع هذا النظر في المعقوليّة (لوغوس) الكامنة الموجود في عمومه باعتبار المبدأ يعني القاسم المشترك بين جميع الموجودات الّذي يجعلها تكون في وجودها مع بعضها البعض محكومة بعلاقة “معقولة” هي علاقة تقوم على القرابة بين مكوّنات العالم مهما كانت مختلفة مع بعضها في الظاهر (…) وهذا الأمر هو ما به يكون هذا العالم “كوسموس” أي جميلا (وبالفعل فعبارة “كوسموس” تعني لغة الجميل، وهو ما يفيد بأنّ الجمال هنا هو التناسق والتآلف وفي نهاية الأمر المعقول مقابل التنافر والعنف أي الفوضى، “خاووس” وهو عين اللامعقول حسب اللّسان الإغريقي أيضا)”[82].

علما وأنّ فكرة الانسجام تلك، هي ما به يعرّف أفلاطون العدالة، بما هي فضيلة إنسانيّة في المقام الأوّل. كما تحمل على معنى المساواة التناسبيّة بين الأفراد بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، كما تفيد مقولة التّنظيم، والنّظام العضوي، وهذا المعنى الثّاني هو الّذي يقصده أفلاطون في معرض حديثه عن المدينة -الدّولة المثلى القائمة على ضرب من التراتبيّة {Hiérarchie}، أي بمثابة سلّم تراتبي عضوي تترابط فيه كلّ الأشيّاء فيما بينها. هذا ما أعلنه أفلاطون بقوله: ” المساواة بين الأوضاع غير المتساوية إنّما هي اللّا مساواة (…) أمّا المساواة الحق والأفضل (…) فهي في جميع الحالات مصدر للخيرات: يرصد منها نصيب أعظم إلى من كانت قيمته أعظم، ونصيب أقلّ إلى من كانت قيمته أقلّ مع مراعاة ما يناسب طبيعة كلّ واحد وما تستحقّه”[83].

هذا التحديد الفلسفي لمعنى المساواة يحيلنا أيضا إلى التمييز الّذي قام به أفلاطون في كتاب “الجمهوريّة” بين المساواة الأرثميطيقيّة (الحسابيّة) التي تنظر إلى الأفراد على أنّهم متساوون كأسنان المشط، بحيث يمثّل العدل في معاملتهم على حدّ سواء، والمساواة الهندسيّة أو التناسبيّة التي تقتضي معاملة الأفراد وفق الاستحقاق، الكفاءة، والحاجة.

ومن ثمّة، فإنّ العدالة في تقدير أفلاطون تفترض اللّامساواة الطبيعيّة بين السواد الأعظم. وتلكم اللّامساواة لهي التي تؤهّل الفيلسوف للحكم، والحراس للحراسة، والحرفيين والفلاحين للإنتاج.

أفلا تكون العدالة مذاك، احدى الفضائل الأربع التي ذكرها أفلاطون، وهي الحكمة والعفّة، والشجاعة والعدالة، التي تختص بها كلّ طبقة:

  • الحكمة للحكّام: {الفلاسفة}[84].
  • الشجاعة للحرّاس.
  • العفّة للحرفيين والمزارعين.

نستخلص من هذا التصنيف الأفلاطوني، أنّ الحكمة فضيلة العقل، والشجاعة فضيلة القوّة الغضبيّة والعفّة فضيلة القوّة الشهوانيّة، والعدالة هي الفضيلة الجامعة بين هذه الفضائل كلّها[85]. وحيث هناك عدالة، هناك انسجام، وحدة وتفاهم، أي حينما يكون كلّ واحد في المكان الّذي عينته له الطّبيعة، وحينما يؤدّي الدّور الّذي يتقابل مع هذا المكان. وبالتّالي، فإنّ هذا التّصوّر للعدالة لدى أفلاطون، يتعارض مع المساواة التي أوجدتها الدّيمقراطيّة الأثينيّة. كما يتضمّن هذا التصوّر الأفلاطوني كذلك، رفضا للمذهب الفردي، لأنّه يعطي الغلبة للكلّ على الجزء. فالقانون والعدالة يهدفان حسب أفلاطون إلى تحقيق الخير المشترك.

برز إلى حدّ كبير أنّ نظرية أفلاطون في التربية مترتبة عن مذهبه الفلسفي في المثل واقتران الخير بالحقّ والجمال والمعرفة والحقيقة والحبّ. وفي تخريج نحن أميل إليه مفاده: ربط أفلاطون بين سجّلات مختلفة لهي: السّجل الفلسفي (حبّ الحكمة) والسّجل السياسي (الخير، الحق والعدل) والسّجل الاستطيقي (حبّ الجمال). إذ يتحدّث أفلاطون في محاورة “المأدبة” (Le Banquet ou sur l’Amour) عن الحبّ، باعتباره عشقا للجمال. وإذا كان الفيلسوف هو عاشق الحكمة[86]، عاشق الجمال، فإنّه مهوس بالحبّ دائما. فنحن مع أفلاطون إزاء وحدة بين تلكم السّجلات المختلفة. يقول أفلاطون في هذا الصدد: ” إنّ المزيج قد أصبح خيّرا، نظير الخير”[87]. ولا يمكن لغير الفيلسوف (الفيلسوف – الملك) أن يحقّق الارتباط الممكن بينها. ومن ثمّة، فإنّه هو المؤهل لحكم المدينة الفاضلة وتحويلها إلى جمهورية عشاق على الدّوام.

لا ضير في القول مع أفلاطون، إنّ الإنسان لقادر على التخلّص من الشرّ بالمعرفة التي من شأنها أن تمكنه من الفوز بالسّعادة الكامنة في حياة أساسها الاعتدال بين اللّذات الصادقة والحكمة. ” فإن لازمها الاعتدال، فإنّ حياة الإنسان تظلّ وتبقى جميلة وحقيقيّة ويتجلّى فيها الخير بثلاثة مثل مجتمعة هي: الجمال والحقيقة والاعتدال”[88]. ويتساوق منطوق هذه الأطروحة مع ما أبانه أفلاطون في “النواميس”، بإقراره: “أنّ الانتصار على الذّات لهو من بين جميع الانتصارات الأعظم والأنبلّ في حين أنّ انهزام الإنسان أمام ذاته لهو من بين جميع الهزائم الأكثر خزيا”[89].

لا جناح علينا، في التسليم بقيمة هذه المصادرات الفلسفيّة لأفلاطون حيث طالعنا في ذات المحاورة قائلا: “إنّ سيادة الإنسان على نفسه علامة دالّة على أنّه خيّر. وعلى النقيض من ذلك فإنّ ضعفه أمام سلطان أهوائه لهو علامة كافية لتدلّ على أنّه شرّير”[90]. إنّ التحكم في الأهواء في تقدير أفلاطون، لهو في آن شرط تحصيل السّعادة وتدقيقا تلكم السّعادة الكامنة في اكتفاء الإنسان بذاته.

تبعا لما ذكرناه آنفا، نخلص إلى القول إذن، إنّ فلسفة التربية عند أفلاطون نظرية جماليّة، أخلاقيّة _ مدنيّة على نحو تكاملي يؤلّف هذه المباحث الثلاثة تأليفا تامّا وطريفا. ولكن، ماذا لو اتّضح، أنّ هذه المقاربة الأفلاطونيّة لفلسفة التربية، لسوف تشكل مدار قراءات فلسفيّة نقدية قديما وحديثا[91]. وإنّنا لنكتفي بالإشارة إلى هذا الأمر دون الوقوف عنده واستقصاء النظر فيه، لأنّ ما يشغلنا الآن رأسا، إنّما هو رأي أرسطو مجال اهتمامنا، كما يلي:

1)أرسطو قارئا أفلاطون حول فلسفة التربية ومآلاتها

أفرد أرسطو الفصول الأولى من أثره الموسوم: “السياسات” للنظر نقديا في التصوّر الأفلاطوني الخاصّ بفلسفة التربية، من جهة سياساتها وأبعادها السياسيّة والأخلاقيّة. ومن هذا المنطلق، يرى المعلّم الأوّل أنّ أفلاطون لم يعمّم نظريته في التربية على جميع المواطنين، لأنه “لا يمد بالتربية إلاّ طبقة الحماة… فأيّة سياسة تطبق على أولئك الزراع، وكيف ستكون تربيتهم ونظمهم”[92].

أغفل أفلاطون في معرض حديثه عن التربية مكانة الفلاحين والصّناع، وكذا دورهم في النّظام السياسي. وهنا، يتساءل أرسطو: “فهل يكون لهم حظ في الحكم أو لا يصيبون منه نصيبا؟ وهل ينبغي أن يحرزوا هم أيضا كميّة من الأسلحة وأن يساهموا في الحروب، أو أن يمتنعوا عن ذلك؟ فبشأن هذه النقط كلّها لم يحدّد سقراط شيئا”[93].

توجهت الطعون الأرسطيّة إلى النّظام السياسي الذي يروم أفلاطون تأسيسه داخل المدينة الفاضلة على نحو ما عبّر عنه في كتاب “الجمهوريّة”، إذ ألفيناه ينطلق من بعض الفرضيات التي من الصّعوبة بمكان تحقيقها، كالقول بمشاعة النّساء والأولاد، وجعل منها أسّس النظام السياسي الفاضل لم يكن مقنعا حسب أرسطو. “وعلى فرض أنّ المجتمع الأفضل هو ما بلغت وحدته أقصى حدودها، فبرهان ذلك لا يظهر من تعليمهم بأنّ الجميع يقولون في آن واحد: “هذا لي وهذا ليس لي” لأنّ سقراط بحسب هذا علامة على كمال وحدة الدّولة”[94].

بل أكثر من ذلك، “فلفظة جميع” ملتبسة، فإذا دلت على “كلّ واحد” ربّما تمّ لسقراط على وجه أكمل ما يروم تحقيقه، وبات كلّ يقول عن نفس الولد ابنه، وعن نفس المرأة إنّها زوجته، وكذلك عن الممتلكات وعن كلّ ما يقع في حوزة البشر. فهذه المغالطة”[95]. يرفض أرسطو السياسة الأفلاطونيّة كما بشّر بها سقراط على امتداد مؤلف: “الجمهوريّة”.

لا شكّ في أنّ التركيز الأفلاطوني عل تربية طبقة المحاربين وتبخيسه طبقة الصّناع والزّراع، هو ما حدا بأرسطو إلى الارتياب في هذا النّظام واعتباره مجرّد حدوسات (تخمينات) لا تنبني على حقائق علميّة، هذا ما ألحّ عليه بأكثر تفصيلا في قوله: “فمقالات سقراط كلّها تنطوي إذن على شيء من الرّوعة والرّونق والطرافة والعمق، ولكن يعسر أن تكون كلّها صائبة على السّواء”[96].

يرى المعلّم الأوّل أنّ أستاذه نظر إلى الدّولة وكأنّه ينظر إلى الأسرة، فإذا كانت الأسرة واحدة، فإنّ الدّولة هي الأخرى واحدة. ولكن هذا الموقف متهافت في تقدير أرسطو، اعتبارا إلى استحالة القول بالتطابق بين الوحدة في الأسرة والوحدة في الدولة من كلّ الجوانب: “كما لو حاول الموسيقي أن يجعل تأليف الأنغام نغما واحدا، وتساوق الأوزان وزنا واحدا”[97].

يختطّ أرسطو في مجال التربية الأخلاقيّة منهجا منطلقه الأسرة لينتهي إلى الدّولة. في مسعى من لّدنه لنقد نظرية أفلاطون في هذا الصدد، القائلة بشيوعيّة النّساء. وذلك مقابل تقريظه الواضح لمؤسّسة الأسرة المناط بعهدتها تربية الأطفال إلى حدود سنّ معيّنة ينتقلون إثرها إلى مرحلة التربية العامّة المشتركة. وفي هذا السّياق يقول أرسطو بتربية واحدة للسّواد الأعظم برمته: “بما أنّ هناك غاية واحدة للدّولة برمتها، فهذا يبيّن بنفس الدّرجة وجوب أن تكون هناك تربية واحدة متماهيّة بالنسبة للجميع”[98].

يرى أرسطو أنّ التربية السياسيّة، إنّما تتوجه لأبناء الملوك وذلك تبعا لاختلاف الفضائل التي تختص بها كلّ طبقة من طبقات المجتمع. إلاّ أنّه لقمين بالمواطن أن يدرس في الآن عينه فضائل مختلفة، بل وأن يجعلها قنيّة (اكتساب أو تحصيل) له. وذلك جليّ في فضيلة الرّئاسة والخضوع مثلا، والتي على المواطن امتلاكها بما هو شريك في السّلطة وخاضع لها في آن.

أمّا فيما يتّصل بالحاكم، فإنّه غير مطالب بكذا فعل، بل هو يتعلّم كيفيّة استعمال السّلطة وإدارة شؤون المواطنين، بما أنّ ما هو دون ذلك، فهو من أمر العبيد الّذين هم مجبولون على القيام بتلكم الأعمال والصناعات، في حين يترفّع عنها السياسي أي الحاكم والمواطن الفاضل. إلاّ أنّ الرّئيس مطالب بتعلّم صنف آخر من السّلطة وهو ما يدعوه أرسطو بالسّلطة المدنيّة. وفي هذا الصنف، يكون الرّئيس بمثابة المرؤوس، حتّى يتمكّن من التعلّم، باعتبار أنّه “من لم يتعلّم الطاعة لا سبيل لأن يحسن الرّئاسة”[99].

إنّ سياسات التربية في تقدير المعلّم الأوّل تظلّ من واجبات المشرّع وحده، وخاصّة التربية التي تعنى بشؤون الأطفال، لأنّ تهميش هذا الجانب في حياة المدن يقود إلى الإضرار بسياساتها. فحسب فيلسوفنا المشائي، كان لزاما أن يربى النشء على العدل وطاعة القوانين العادلة منذ الطفولة، يقول أرسطو: “أوّل شرط هو أن يكون القلب ميالا بالفطرة للفضيلة. ومحبا للجميل وكارها للقبيح. ولكن من الصعب أن يسلك الإنسان كما ينبغي نحو الفضيلة منذ طفولته إذا لم يكن سعد حظه بأن ربيّ تحت سلطان قوانين عادلة”[100]. “كان اللاّزم أن تنظم بالقانون تربية الأطفال”[101].  إذ بالتربية الحسنة ووفق ما يمليه القانون يمكن ضمان مجتمع فاضل وعادل، إذ أهميّة التربية لدى أرسطو إرث أفلاطوني، حافظ عليه المعلّم الأوّل لأنّ به يمكن تسهيل عمل المشرّع في توجيه النّاس نحو الفضيلة. “على أنّ الفضيلة، ولاريب، ما كانت لتفسد محرزها، ولم يكن العدل مفسد للدّول”[102].

ومن هنا، يتمظهر التآلف العضوي بين التربية الأخلاقيّة والتربية السياسيّة، إذ أنّ “أفضل الأخلاق كانت دائما بسبب أفضل السياسات”[103].

ويقترح أرسطو تربية موحّدة داخل الدّولة، بما أنّ غايتها واحدة. وهذه التربية كما مرّ هي من واجبات المشرّع الذي تعنيه الدّولة، وليس للأسرة دخل في تربية فردية تخص أبناءها، إلاّ في السنوات الأولى من عمر الطّفل. فالتربية السياسيّة شأن جماعي، باعتبار أنّ جميع الأفراد أعضاء في الدّولة، فهم بذلك بمثابة الأعضاء من الجسم حري بالسياسي إذن، “أن يسنّ الشرائع للتربية وأن يجعلها عامّة”[104].

يتعين التّفكير مع أرسطو إذن، في مناهج التربية وفي مائيتها وصنوفها. فالتربية في تقديره تختلف من طبقة إلى أخرى، كما قد تعني تربية الفكر، أي التربية العقليّة أو تربية النّفس، وهي التربية الأخلاقيّة. وعليه، فإنّ تعدّد أوجهها، هو ما يبرّر صعوبة تفصيل القول فيها. ولذا، “فلا عجب أن يختلف النّاس في الارتياض عليها وفي ممارستها”[105].

هذا الاختلاف في الفضائل، وفي تنوعها ليس برهانا على تكثرها. فالفضيلة بما هي فعل النّفس، هي واحدة، وإن شئنا فهذا التنوّع ليعزى في أصله وفصله لتنوّع الّذي يسم القوى المشكلة للنّفس الإنسانيّة الخاضعة للبعد العاقل منها. لذلك، أفلا يجب أن تتجه التربية السياسيّة إلى ذلكم البعد عساها تخاطب العقل وتروضه على قيادة المدينة، مثلما يقود باقي أجزاء النّفس.

من البيّن بداهة، أنّ الرّئيس بالنسبة للمدينة هو كالعقل بالنسبة لسائر البدن، فهما يشتركان في الحكم وفي الرّئاسة، وعندها صحّت العناية بتربية من سوف يكون مدبّر المدينة، وتأهيله وفق أسمى مقتضيات الفضيلة. تحصيلا للخير وسعادة الكلّ. وهذه هي الغاية من التربية داخل المدينة، فهي تعاضد عمل الفضيلة الأخلاقيّة من أجل الفوز بالسّعادة. وعليه، فإن كانت الأخلاق تعنى بشؤون الفرد وتربيته، فإنّ السياسة تعنى بالتربية العامّة التي تقود الكلّ نحو الخير الكلّي، أي السّعادة التي هي غاية الدّولة.

 

ولقد تبيّنا فيما سبق كيف أنّ الحقل الأخلاقي – السياسي، لا تحكمه قوانين المنطق اليقينيّة وإنّما هو مجال للاحتمال والصدفة، وهذا ما يفسّر تشديد أرسطو على تأثير الحتميّات التّاريخيّة والطبيعيّة في تبيئة العلاقات السياسيّة القائمة في ظلّ نظام معيّن. وعليه، فإنّ استنطاق المتن الأرسطي في شموليته وارتباطه لسوف يمكّننا من تبيّن حضور إشكاليّة الأخلاق والسياسة في مؤلفي: “الأخلاق إلى نيقوماخوس” و”السياسة”، كأهمّ متون أرسطو التي بحثت في شروط ومواصفات الدّولة من خلال استعراض العديد من المعطيات الاقتصادية والمؤسسيّة والقانونيّة التي تضبط غائيّة الدّولة، وتضمن الدّستور الأفضل وتحقّق العدالة التوزيعيّة التي تكفل إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه[106].

ناهيك أنّ الطبيعة البشريّة – في تقدير أرسطو – لهي طبيعة أخلاقيّة لا تجد تجسيدها التّامّ إلاّ داخل الجماعة السياسيّة حيث تعد المدينة رمزا لنضجها، “إنّها التتويج الطبيعي لنمو تدريجي (…) فبعد الأسرة التي تشكّل الجماعة الأولى التي كوّنتها الطبيعة من أجل إشباع الحاجات اليوميّة، ظهرت القرية، الجماعة المشكلة من عدّة أسر بهدف إشباع حاجات لم تعد ضرورية. وأخيرا ظهرت الجماعة المشكلة من عدّة قرى، وهي المدينة”[107].

ولئن كان أرسطو يلحّ على كون المدينة هي الكيان الوحيد الّذي يتوفر على عناصر الاكتفاء الذّاتي {L’autarkeia}، أي إلى كلّ ما يرمي إلى اشباع الضروريات الأساسيّة للحياة المادّية والرّوحيّة، فإنّه اعتبر أنّ غاية الدّولة تتمثل في تجسيد الفضائل الإنسانيّة وضمان العيش الأفضل، ذلك أنّ الجماعة السياسيّة توجد بهدف إنجاز الخير، وليس فقط بهدف الحياة في المجتمع.

لا جرم في اعتبار السّعادة غاية قيام الدّولة لدى المعلّم الأوّل، لتأكيد على تنزيله الأخلاق في قلب المبحث السياسي، فهو لا يكتفي بدحض جملة الطروحات ذات الارهاصات الماورائيّة التي تضع هدفا دينيا أو أسطوريا لقيام المجتمع السياسي، وإنّما هو يؤكّد على التناسب بين السياسة والأخلاق، إذ أنّهما يبحثان في موضوع واحد هو الخير. وبما أنّ هذا المطلب يتبع “العلم الأسمى” الّذي هو “علم السياسة”، فإنّه يعيّن ما هي العلوم الضرورية لحياة الدّول، وتلك التي ينبغي على المواطنين أن يتعلموها وإلى أيّ حدّ ينبغي أن يعلموها.

ومن هنا، فإنّ غرضه يشمل موضوع الأخلاق، لأنّه إذا كان الخير متماثلا بالنسبة للفرد وبالنسبة للجماعة، فإنّ “تحصيل خير المدينة وضمانته هو شيء أعظم وأتمّ. إنّ الخير حقيق بأن يحب حتّى ولو كان لكائن واحد، لكنّه مع ذلك أجمل وأقدس متى كان ينطبق على مدن برمتها”. إنّ الانتقال من الأخلاق إلى السياسة يعني، بالنسبة لأرسطو، الانتقال من علم أدنى إلى علم أشمل، أنّ نظرية الإنسان تظل ناقصة ما لم تستكمل بالنظرية الخاصّة بالمجتمع.

يتّضح إذن، أنّ “علم السياسة” هو الّذي يحقّق الخير الأقصى باعتباره أنّه علم دولة المدينة. لهذا يعود أرسطو في الكتاب الأوّل من “الأخلاق إلى نيقوماخوس” إلى مناقشة هذه القضيّة، بقوله: ” ما دامت كلّ معرفة تتجه نحو خير ما، فما الهدف الّذي يمكن أن يكون لعلم السياسة سوى تحقيق الخير الأقصى؟ إنّ ذلك هو ما يتّفق عليه معظم النّاس إذا ما ذكر علم السياسة، فهم جميعا يذهبون إلى أنّ غاية علم السياسة هي السّعادة…”[108].

ولذلك، فإنّ “علم السياسة” يأخذ كمهمّة له، الكشف على أسمى قيمة للإنسان وسلوكه الّذي ينبغي أن يتّخذه لبلوغ هذه القيمة. ومن أجل ذلك كان “علم السياسة” هو أوّل العلوم وأكثرها أهميّة، أوّل العلوم بما أنّه هو من ينظم العلوم الأخرى ويحدّد مكانتها ضمن دولة المدينة، وهو أهمّها لأنّه معني بتحقيق الخير الأقصى. وعليه، نستجلي أنّ هدف “العلم السياسي”، لهو أخلاقي في المقام الأوّل، فتدبير أمر الفرد بوصفه جزءا من المدينة يقتضي تدبّر “علم الأخلاق” بوصفه جزءا من “علم السياسة”، وهكذا فإنّنا نلفى المعلّم الأوّل يسخّر لهذا العلم ما عداه من الفنون الأخرى مثل فنّ الحرب والاقتصاد أو تدبير المنزل، وكذلك الخطابة وما إليها، إذ أنّ غايته على هذا النّحو تشمل كلّ العلوم الأخرى، وهذه الغاية كما بيّنا سابقا تتعلّق ببلوغ الخير الأسمى.

وبعبارة أوضح، استحالة “علم السياسة” إلى علم للسّعادة، بوصفها غاية السّلوك الإنساني سواء كان على مستوى الفرد أو الجماعة المدنيّة، ومن هنا سيكون من أولويات هذا العلم وضع نظرية تتعلّق بسلوك الإنسان العادي الّذي هو بحكم طبيعته موجود سياسي، أو مدني بالطبع[109]. إنّ الهدف من قيام الدّولة في تقدير أرسطو – لهو هدف أخلاقي رأسا، فالدّولة في اعتقاده عبارة عن جماعة تتفاعل أجزاؤها بفعل التعاون من أجل تحقيق ما يسمّيه دولة الصداقة[110]. وهذه الدّولة هي دولة الصّالح العامّ ورهانها هو مساعدة الفرد على تحصيل أقصى حدّ ممكن من السّعادة.

على هذا الأساس، أليس من الوجاهة بمكان، اعتبار الأخلاق الهادفة إلى مطلب الخير فرعا لعلم السياسة، تساوقا مع ما ألفيناه في مؤلفي: “السياسة” و”الأخلاق”؟ إنّ هذا التآلف بين السياقين الأخلاقي والسياسي، بين النبش في مقتضيات السّلوك الفردي وقوامه الفعل الفاضل، وبين شرائط التدبير المدني القائم على الالتزام بدستور المدينة، هو ما تجليه المصطلحات الأولى من كتاب: “الأخلاق إلى نيقوماخوس” التي تجمع بين الأثرين. هذا مصداقا لقول أرسطو: “كلّ دولة تتألف من جماعة، وكلّ جماعة تقوم لتحقيق خير ما، ولكن لو أنّ المجتمعات كلّها تستهدف خيرا ما، فإنّ الدّولة أو الجماعة السياسيّة التي هي أعلى من كلّ تنظيم والتي تشمل كلّ التنظيمات الأخرى، تستهدف الخير بدرجة أعظم من أيّ تنظيم آخر، بل إنّها تستهدف الخير الأقصى”[111].

وإجمالا، يتّضح لنا أنّ تحقيق العدالة في المجال السياسي من منظور أرسطو، لهو شرط تحقيق السّعادة في المجال الأخلاقي للفرد وللمجتمع، إذ يستبعد وجود الإنسان السّعيد في المجتمع الّذي تغيب عنه العدالة.

الخاتمة:

إنّ هذا التتبّع الّذي قمنا به لنظرة أفلاطون لفلسفة التربية أوضح لنا، مركزية هذا المبحث صلب النّسق الفلسفي الأفلاطوني برمته. كما تسنى لنا تبيّن مقتضيات التربية، وما ارتبط بها من سياسات ورهانات في علاقتها بالطبقات المشكلة لروح الجمهوريّة الفاضلة، تعلّق الأمر بالجند، العمّال، أو الحكّام ومن لفّ لفهم. وهو ما يبرّر اهتمام أفلاطون بنموذج المدينة ونموذج رجل السياسة الذي تعهد له مهمّة تدبير شؤونها. على أنّ المدار الإشكالي لهذا المبحث، إنّما يدور في فلك الإنسان عامّة والمواطن الأثيني رأسا. وهذا ما يفتخر به سقراط بقوله: “إنّك لمتني يا كالكلاس على موضوع بحوثي، ولكن أيّ شيء أجمل من أن نبحث ما يجب أن يكون عليه الإنسان؟”[112].

ولعلّنا لسنا نغالي، إذا اعتبرنا كتاب: “الجمهوريّة هو مقال في الإنسان”[113]. ولأمر كهذا، فإنّ إنسانيّة الإنسان على نحو ما ألفيناها في المعقوليّة الإيتيقيّة عند أفلاطون، لهي نتاج تربوي واجتماعي وسياسي. فليس “من شيء أهمّ بالنّسبة إلى الدّولة من تكوين أفضل نخبة ممكنة، سواء من النّساء أو من الرّجال؟”[114].

أليست الفلسفة افتتاحا لهذا المجال وتأسيسا لعلاقتنا بالحياة، لا على جهة الاتباع، وإنّما على جهة الإبداع بإدراك الإمكان وطلب الممكن واستشراف الأرحب والأخصب. بحثا عن المعنى أو تأسيسا له. هذا ما أقرّه أفلاطون بقوله: “ما أجمل دراسة الفلسفة متى كانت تخدم التكوين وليس من عيب في أن يقبل فتى يافع على التّفلسف. ولكن، إذا واصلنا التّفلسف وقد بلغنا من الكبر عتيّا فإنّ الأمر يصبح هزأة يا سقراط وإنّي من وجهتي لأكنّ لمن يشتغل بالفلسفة شعورا يقارب ذاك الشّعور الّذي أكنّه لمن يتلعثم في الكلام وينجب الذريّة”[115]. “فأنا أحبّ الفلسفة لدى المراهق وأرى الأمر يليق به ويدلّ في نظري على رجل حرّ أمّا من يهمل الفلسفة فإنّي أراه ذا نفس خسيسة لا يساور الظنّ أبدا في أنّها قادرة على جليل الأفعال وجزيلها”[116].  ربط أفلاطون التّفلسف بسنّ المراهقة. وينكر على المرء أن يستمرّ في التّفلسف في سنّ الكهولة أو الشيخوخة[117].

يكتسي هذا الموقف الأخير قيمة ذات بال، خاصّة إذا ما علمنا فضلا عمّا أسلفنا بالقول مع سقراط، أنّه: “ومهما يكن من أمر، فإنّا لو كلّفنا أحدا برعاية عدد من الحمير والخيول والثيران، لبدا لنا راعيا رديئا إذا ما تكفّل بها وهي لا تدهّس بقوائمها ولا تنطح ولا تعضّ، فصيّرها إلى غاية من الوحشيّة حتّى أصبحت تفعل كلّ ذلك. أفلا يبدو لك أنّ السّائس، أي سائس كان، إذا تسلّم حيوانات أليفة، أيّا كانت تلك، فصيّرها أكثر توحّشا ممّا (كانت) عندما تسلّمها، إنّما هو سائس رديء؟ (قل لي) هل ترى ذلك أم لا تراه؟”[118].

وغني عن البيان القول إنّ مسألة التربية في مفاعيلها وأبعادها الفلسفيّة القصوى، تتمظهر في مدى شيوع قيمتي: الصّداقة {Philia} “الفيليا” التي تعني عامّة كلّ شعور بالمحبّة والتعلّق بالآخرين عفويّا كان أو غير عفويّ، الصّداقة هي إذن أجلّى تعبير عن اجتماعيّة الإنسان وهي الرّباط الاجتماعي بحقّ. والفضيلة، بما هي العلم بالخير والعمل به، تدبيرا للسّعادة طبقا لحكمة العقل. وفقا للعبارة الأفلاطونيّة المأثورة. على أنّ ذلك، ليتعاضد مع رغبة أفلاطون في البحث عن شروط إمكان الوحدة والنّظام المفقودين في أثينا. إذ “لا يتأتى ذلك إلاّ إذا قام بناء المدينة على مواقع محدّدة يستقرّ فيها كلّ واحد بحسب طبيعته الخاصّة.

وفي هذا النّظام وحده تعمّ الحكمة (Sôphrosuné) كلّ المدينة، فينتج عنها التوافق الكامل بين كلّ المواطنين مهما كانت طبقتهم، ومهما كان الموقع الّذي يحتلونه، في أعلى الهرم أو أسفله أو في موقع متوسّط بين هذا وذاك، وذلك بطريقة تمكّننا من القول إنّ (Sôphrosuné)، أي الحكمة تتمثّل في التوافق والاتّفاق المتبادل بين الجزء الأسفل والجزء الأعلى لكي يتقرّر أيّهما يجب أن يقود الدّولة والفرد”[119].

إنّ شرط قيام مثل هذا النّظام يكمن في الحدّ من توسيع الانقسام الاجتماعي حسب الثروة، وذلك من خلال ما عرف في الفكر الأفلاطوني بالمشاعيّة. وليس الدّافع إليها في منظور أفلاطون المساواة الكاملة بين طبقات المجتمع وذلك بإلغاء الملكيّة الخاصّة، بل الغاية منها إرساء النّظام والتّفاهم. وهذا لا يحصل في تقديره، إلاّ إذا بقي كلّ شخص في المكان المناسب له. فهاجس أفلاطون يتمثّل في بحثه عن النّظام العادل المؤسّس على التماسك. تماسك يحصّن الفئات الاجتماعيّة والأحزاب من الصّراعات المدمّرة. عسى أن تمتلئ المدينة والفرد عدلا بعد أن امتلآ جورا.

هذا مصداقا لقوله: “إنّي أؤكد أنّ من يطلب السّعادة عليه أن يطلب الاعتدال ويهرب من التطرّف بأقصى سرعة تسطيعها رجلاه… هذا ما يبدو لي أنّه الهدف الّذي يجب أن يتابعه الإنسان ويجب أن يوجّه إليه جهده عاملا على أن يظفر بالاعتدال والعدالة في نفسه ويكون سعيدا، غير تارك لشهواته العنان يحاول إشباعها فلا تشبع”[120].

إنّ السياسة على هذا النّحو، لهي فنّ تدبير حياة المجتمع وليست مجرّد مسألة تقنيّة، أي تقنيّة ربط الوسائل والغايات، بقدر ما أنّها السعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وذاك إلى تحقيق سعادة الأفراد. فأفلاطون رأى فيها: “علما توجيهيّا”[121]، فمثّلها: “بفنّ نسّاج ملكي يحبك حياة الجميع بالمودّة والوفاق”[122].

هذا ما أبانه ف. وولف قائلا: “إنّ الحقل السياسي مرتبط بالنسبة للإغريق ب: «Koinon» أو المشترك، و”يشمل النشاطات والممارسات التي يجب أن تكون مشتركة أي التي يجب ألا تكون حكرا على أحد”. “كلّ النشاطات المتعلّقة بعالم مشترك” بالتعارض مع تلك التي تتعلّق بحفظ الحياة”[123]. فالسياسة أو «Politiké» تهمّ كلّ ما يتعلّق بشؤون «Polis». فهي ليست فقط تفكيرا بصدد شكل محدّد زمنه تاريخيا أو فرادة إتنوغرافيّة هي الدّولة المدينيّة. إنّ لها استهدافا شاملا أو على الأقلّ عامّا. وإنّ لشؤون الدّولة المدينيّة، ما وراء خصوصيّات «Polis» اتساعا أهمّ بكثير ممّا بالنسبة إلينا نحن راهنا. فكلمة سياسة لدى الإغريق قديما لتعني كلّ ما يتعلّق بالحياة العامّة (في مقابل الحياة الخاصّة) من دين، وأخلاق، وتربية النشء.

لا جرم أنّ ما تعرضنا له من أفكار بخصوص فلسفة التربية، قد مكّننا من تبيّن أنّ أفلاطون، ليعتبر في تقديرنا المتواضع الرّائد البعيد للنزعة الإنسيّة وللمعقوليّة الإيتيقيّة عند الإغريق وفي تاريخ الفلسفة برمته[124]، حيث أسّس الإتيقا {Ethikos} تأسيسا فلسفيا دقيقا على شاكلة الرّياضيات. وتساوقا مع أستاذه “سقراط” يذهب أفلاطون إلى وضع معايير أخلاقيّة على أسّس ثابتة يقينيّة: أفكار بموجبها يتعرّف كلّ إنسان عاقل على العادل والجائر. ولقد ظلّ أفلاطون على انتباه للعلاقة التي ألحّ عليها السفسطائيون بين الفضيلة والسياسة، إلى حدّ أنّه أقرّ بأنّ الفضائل ليست في متناوّل الجميع فلكلّ فضيلة ما يناسبها من الوظيفة الاجتماعيّة. في حين أنّ معيار الخير يبقى ذا صلة بالأفكار أو المثل. وبالتّالي، ثابتا بثباتها ضامنا لأحكام أخلاقيّة يقينيّة، ويكون الخير الأسمى للإنسان أن يترفّع بتأمّل المثل دون غايات عمليّة[125].

وعلى هذا الأساس، ألا تكون “الإتيقا” عند أفلاطون: “محصّلة تنبّه الإنسان إلى قدرته على أن يصير ما هو، وذلك باستعمال ما هو ممكن فيه، أي ماهيته بوصفه كائنا مندوبا إلى استكمال نفسه بنفسه. الإتيقا هي قدرة الإنسان على أن يكون ما هو بما هو”[126]. إنّها قبل كلّ شيء اعتراض على نسيان الإنسان. إنّها تأهيل له شوقا للحقيقة، الحقّ، الخير، الجمال، والحرية، بما هي وسائط معيارية تجلي لما به يكون الإنسان إنسانا وهو إبداع القيم كسياقات محدّدة لنظرية التربية في مفاعيلها السياسيّة والأخلاقيّة.

من هذا المنظور، يبدو إذن أنّ المعقوليّة الإتيقيّة -الإنسيّة على نحو ما بلورها أفلاطون، تفيد أن يحيا المرء في الأدب طلبا من لّدنه بلوغ المثاليّة المعياريّة لما يجب أن يكون. فهي ترجمان للآداب من حيث هي مبادئ أخلاقيّة، حيث لا تمثل الآداب مجموعا شاذّا غريبا من الممارسات الاعتباطيّة، إنّها تمثّل مجموع “قواعد الحياة” تساهم عند الفرد في الحفاظ على تفاوت مناسب بين مختلف نشاطاته، وتمنعه عن الاستسلام للأهواء، أو يتيه في حريّة موهومة. وتمكّن في الوقت ذاته من ضمان الأمن والانسجام، بين الأفراد والجماعات التي تكوّن المجتمع. فيجب ألاّ ننظر إلى الآداب بصفتها مجموع غير منسجم من العادات الغريبة. إنّها تمثّل شروط الحياة الفاضلة المحدّدة لسبل إمكان السّعادة، بما هي مثل أخلاقي أعلى ضمن المعقوليّة الأخلاقيّة.

ولسوف يكون لهذه الأطروحة الأفلاطونيّة في مناحيها الإنسيّة والإتيقيّة النوعيّة، امتداداتها وعمق تأثيراتها في الفكر الفلسفي طويلا ومنطلقا لنزعة صوفيّة أو زهدية. نلمس هذا الأثر في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة لدى كلّ من: الفارابي وابن سينا ومسكويه، والشّأن نفسه لدى ابن رشد وابن طفيل وابن باجة… وغيرهم. ليس هذا مقام تفصيل القول الممكن فيها الآن، لأنّ بحثها يقتضي منّا مزيدا من التحليل. فحسبنا أن نستأنف لها قولا آخر وبدء جديدا.

ربّ معقوليّة إتيقيّة لا تعنى، إلاّ بإنشاء المعنى الّذي تتجدّد به علاقة الإنسان بذاته وبالعالم لحسن قيادة حياته وبلوغ السّعادة. فما أوكد حاجتنا نحن اليوم إلى استلهام مبادئ الإتيقا الأفلاطونيّة ومن خلالها مقوّمات فلسفة التربية، عسى ذلك يتيح لنا رسم أقوم المسالك، تحرّرا من أزمة المعنى المعمّمة معموريا بلا هوادة.

وأخيرا، لمّا كان هذا العمل لا يدّعي كمالا، جاز لنا القول: “فإنّا، مع شدّة العناية بذلك، نعلم أنّا لم نبلغ من الواجب فيه إلاّ أيسر اليسير، لأنّ الأمر في نفسه صعب ممتنع جدا”[127]. ناهيك أنّ: “الإبداع هو حفظ ادامة وجود الشيء الّذي ليس له وجود بذاته، ادامة لا تتصل بشيء من العلّل غير ذات المبدع”[128].

 

قائمة المصادر والمراجع

مؤلفات أفلاطون:

  • أفلاطون، آخر أيّام سقراط، ترجمة: أحمد الشيبان، دار الكتاب العربي، د.ت.
  • أفلاطون، الجمهورية، ترجمة ودراسة: د. فؤاد زكريّا، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر، 1974.
  • أفلاطون، الجمهوريّة، تعريب: حنّا خباز، دار القلم، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1969.
  • أفلاطون، دفاعا عن سقراط، تعريب: سعيد الجابلي، مجلّة التنويري، تصدر عن الرابطة العربيّة للتربويين التنويريين (نشر إلكتروني)، الأردن، مارس 2021.
  • أفلاطون، القوانين، ترجمه من اليونانيّة إلى الإنجليزية د. تايلور ونقله إلى العربيّة: محمّد حسن ظاظا، مطابع الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1986.
  • أفلاطون، غورجياس ترجم: تحت عنوان، الخطيب، ترجمة: أديب نصور، دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1966.

 

  • Platon, Gorgias, in : Œuvres complètes, les Belles lettres, lettres, T3 (1975) et T7 (1992).
  • Platon, La République, in : Œuvres complètes, T3, T7, T13, trad. E. Chambry, Les Belles lettres, 1975 – 1977 – 1985 – 1992.
  • Platon, Lâchés, in : œuvres complètes, Tome 2, Trad. Croiset (A), Les Belles Lettres, Paris, 1994.
  • Platon, Ménon, in Œuvres complètes, T3, trad. A. Croiset, les Belles lettres, 1992.
  • Platon, Les lois, trad. Par E. Des places et A. Diès, les Belles lettres, Paris, 1951-1976.
  • Platon, Sophiste, Politique, Philèbe, Timée, Critias, trad. E. Chambry, Flammarion, 1969.
  • Platon, Protagoras, in : Œuvres complètes, T3, trad. A. Croiset et L. Bodin, les Belles lettres, 1984.
  • Platon, les œuvres complètes, T.I, traduction nouvelle et notes par Léon Robin avec la collaboration de M.J. Moreau éd, Gallimard, Paris, 1950.

مراجع ومصادر مختلفة (كتب ومقالات):

  • القرآن الكريم، بالرّسم العثمانيّ، ومختصر من تفسير الإمام الطبري، مذيلا بكتاب أسباب النزول للنيسابوري، قدّم له وراجعه، مروان سوار، دار الجيل، بيروت – لبنان، الطبعة السّابعة، 1995.
  • أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمة: برتملي سنتهلير، تعريب: أحمد لطفي السيّد، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1924.
  • أرسطو، السياسة، ترجمة: أحمد لطفي السيّد، مختارات الإذاعة والتلفزيون، الدّار القوميّة للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، (د.ت).
  • أرسطو، كتاب السياسات، نقله من الأصل اليوناني، وعلّق عليه الأب أغسطينس بربارة البولسي، اللّجنة الدوليّة لترجمة الرّوائع الإنسانيّة، بيروت – لبنان، 1957.
  • الأهواني (أحمد فؤاد)، أفلاطون، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة، 1971.
  • بدوي (عبد الرّحمان)، أفلاطون، مكتبة النّهضة المصريّة، القاهرة، مصر، الطبعة الرّابعة، 1964.
  • برييه (إيميل)، تاريخ الفلسفة اليونانيّة، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1982.
  • بوبر (كارل)، المجتمع المفتوح وأعداؤه، الجزء الأوّل، ترجمة: السيد نفادي، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، القاهرة، تونس، الطبعة الأولى، 2014.
  • بن هلال(الطّاهر)، أفلاطون ومسألة الشرّ، استقصاءات في الفلسفة والأخلاق، دار نقوش عربيّة، تونس، الطبعة الأولى، 2013.
  • التريكي (فتحي)، أفلاطون والدّيالكتيكيّة، الدّار التونسيّة للنشر، د.ت.
  • التريكي (فتحي)، العقل والحرّيّة، تبر الزّمان، تونس، الطبعة الأولى، 1998.
  • الجابلي (سعيد)، فلسفة الصداقة والسّعادة عند أرسطو، مقاربة إناسيّة في سياسات إيتيقيّة، مجلّة يتفكّرون، العدد 14، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث، الرّباط، المغرب، 2020، ص 250 – 260.
  • الجابلي (سعيد)، نظرية العدل لدى أرسطو: دراسة تحليليّة نقدية في فلسفة الأشياء الإنسانيّة، مجلّة دراسات فلسفيّة، العدد 12، الجمعيّة الجزائرية للدّراسات الفلسفيّة، الجزائر، 2019، ص 138 – 172.
  • الجربي (الحبيب)، الفلسفة صناعة سياسيّة، الشارع المغاربي (الشارع الثقافي)، العدد 128، الثلاثاء، 12 جوان، 2018.
  • الجربي (الحبيب)، الفلسفة من خلال النّصوص دراسة تحليليّة ونصوص، دار التقدّم للنشر والتوزيع، تونس، د.ت.
  • حرب (حسين)، الفكر اليوناني، الجزء الثاني، أفلاطون، دار الفارابي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1980.
  • شوفالييه (جان جاك)، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: محمّد عرب صاصيلا، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1985.
  • الفارابي (أبو نصر)، عيون المسائل، نشرة ديتريشي، لا يدن، 1890.
  • الفارابي (أبو نصر)، كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين، ضمن المجموع، مطبعة السّعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1907.
  • المسكيني (فتحي)، فلسفة النوابت، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، تشرين الأوّل، أكتوبر، 1997.
  • معجم الفلسفة، أشرف على إعداده عبد الكريم المرّاق، المركز القومي البيداغوجي، الجمهوريّة التونسيّة، وزارة التربية القوميّة، اللجنة القوميّة للفلسفة، نشرة أولى، 1977.
  • نيتشه (فريدريك)، مقدّمة لقراءة محاورات أفلاطون، ترجمة: د. محمّد الجوة والأستاذ أحمد الجوة، تقديم: د. فتحي التريكي، دار البيروني للنشر والتوزيع، صفاقس – تونس، الطبعة الأولى، د.ت.
  • وولف (فرنسيس)، أرسطو والسياسة، ترجمة: أسامة الحاج، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت – لبنان، 1994.
  • Alexandre (M), Lecture de Platon, Bordas, Paris, 1968.
  • Aristote, Ethique à Nicomaque, trad. Tricot (J), Vrin, Paris, 1967.
  • Aristote, de l’âme, trad. J.Tricot, J. Vrin, Paris, 1987.
  • Aristote, La politique, trad. Tricot (J), Vrin, Paris, 1970.
  • Baraquin (N) Laffitte (J), Platon, in dictionnaire des philosophes, deuxième
  • Ben Aziza (H), Mathématique et légitimité politique chez Platon, Revue Tunisienne des Etudes Philosophiques, Les Grecs et Nous ; N30/31, 2002, P.3-
  • Bloom (A), the « Republic » of Plato, New York, 1968.
  • Châtelet (F), Platon, Gallimard, Paris, 1965.
  • Dixsaut (M), Platon, dictionnaire des Philosophes, (Encyclopaedia Universalis), nouvelle édition augmentée, Préface d’André Comte – Sponville, Introduction de Jean Greisch (2 édition), Albin Michel ; Paris. 2001, édition, ARMAND COLIN / HER, Paris, 1997, 2000, P.249 – 252.
  • Gadamer (H.G), L’idée du bien comme enjeu platonico – aristotélicien. Trad. de l’allemand par Pascal David et Dominique Saatdjian, J.Vrin, Paris, 1994.
  • Koyré (A), Introduction à la lecture de Platon, Paris, 1962.
  • Kung (H), Projet d’Ethique planétaire, la paix mondiale par la paix entre les religions, Seuil, Paris, 1991.
  • luccioni (J), La pensée politique de Platon, Paris, 1958.
  • Merleau – Ponty (M), Eloge de la Philosophie, Gallimard, Paris. 1971.
  • Popper (K), La société ouverte et ses ennemis, (T.I), Seuil, Paris, 1979.
  • Popper (K), The Open Society and its Enemies, Vol. I, Londres, 1945.
  • Ricœur(P), Le juste entre le légale et le bon, dans, Revue Esprit, n 9, 1991, P.5-21.
  • Robin (L (, Platon, Paris, 1935.
  • Robin (L), La pensée grecque, Paris, 1923.
  • Rousseau (J.J), Emile ou l’éducation, Ed. Sociales, 1958.
  • Russ (J), Mémo Références, Philosophie, Les auteurs, les œuvres, Bordas, Paris, 2003. (Platon, PP.10 – 25).
  • Strauss (L), et Cropsey (J), Histoire de la philosophie politique, Traduit de l’américain par Gilvier SEDEYN, P.U.F Paris, 1994.
  • Strauss (L), Etudes de philosophie politique platonicienne, tra. Français, Paris, 1992.

_________
د. سعيد الجابلي*

 

[1]  اسمه الحقيقي أرسطو كلاس ولقب بأفلاطون لأنّه عريض الكتفين وذو جسم ضخم. ولد في أسرة أرستقراطيّة وتتلمذ في البداية على السفسطائيين وكراتيل قبل أن يتعرّف على سقراط وعمره عشرون سنة ويتعلّق به حتّى إعدامه. كان رياضيا فائقا وجنديا بارزا. اعتنى بالشعر في أوّل شبابه ثمّ مثّل التقاؤه بسقراط نقلة نوعيّة في حياته أدخلته علم المنطق والجدل والتّفكير العقلاني أي الفلسفة. وقد كان يقول عن نفسه: ” أشكر الله على ثلاث، أنّه خلقني يونانيّا وليس بربريا، حرّا وليس عبدا، وأنّني ولدت في عصر سقراط”. وبسبب إعدام سقراط ترك أثينا ليزور مصر ويتعرّف إلى حضارتها وديانتها، ثمّ إيطاليا وصقليّة ليتعرّف إلى الفيثاغورية التي ستوجّه مذهبه الفلسفي. بنى أوّل مدرسة فلسفيّة منذ عودته إلى أثينا سمّاها بالأكاديميّة وفيها بنى نسقه الفلسفي الّذي جسّمه في مؤلفاته التي عرفت بالمحاورات التي ناهزت ثمان وعشرين محاورة على مدى أربعين سنة جعل فيها سقراط محاورا دائما وتختصّ كلّ محاورة بموضوع يصاغ في مستهلّ كلّ محاورة على هيئة سؤال: ما العدالة؟ {الجمهوريةّ}، ما العلم؟ {ثياتيتوس}، و{الفيلاب} في اللّذة والخير، و{الطيماوس} في أصل العالم، و{البرمنيد} في الواحد والمنطق، {المأدبة} أو في الحبّ، و{الغورجياس} في الأخلاق والسياسة، و{الفيدون} في خلود النّفس…وبعد تجربة فاشلة إلى جانب طاغيّة سراقسطة من أجل بناء دولة عادلة تجسّم نظريّته في “حكم الفيلسوف”، استقرّ في أثينا لينشأ أكاديميّة للعلوم يدّرس فيها فلسفته دون أن يكفّ عن محاولاته في تحقيق حلمه السياسي قرب “دونس الشاب”. لمزيد التوسّع حول الترجمة الذاتيّة لأفلاطون، أنظر:

Dixsaut (Monique), Platon, dictionnaire des Philosophes, (Encyclopaedia Universalis), nouvelle édition augmentée, Préface d’André Comte – Sponville, Introduction de Jean Greisch (2 édition), Albin Michel ; Paris. 2001, P.1235 -1257.

راجع أيضا، نيتشه (فريدريك)، مقدّمة لقراءة محاورات أفلاطون، ترجمة: د. محمّد الجوّة والأستاذ أحمد الجوّة، تقديم: د. فتحي التريكي، دار البيروني للنشر والتوزيع، صفاقس، تونس، الطبعة الأولى، د.ت، ص 18 – 24.

[2] «Avous – nous encore quelque chose à apprendre des anciens en philosophie morale et politique ?». Ricœur(P), Le juste entre le légale et le bon, dans, Revue Esprit, n 9, 1991, P.5- 21.

[3]   المسكيني (فتحي)، فلسفة النوابت، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، تشرين الأوّل، أكتوبر، 1997، ص 91.

[4]  الفارابي (أبو نصر): كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطو طاليس، ضمن المجموع، مطبعة السّعادة، مصر، الطبعة الأولى،1907، ص 1-2.

[5]   ورد ذكره في مقدّمة “باسكال دافيد” لكتاب “غادا مار”:

Gadamer (H.G), L’idée du bien comme enjeu platonico – aristotélicien. Trad. de l’allemand par Pascal David et Dominique Saatdjian, J.Vrin, Paris, 1994, P.8.

 

[6] « Lisez la République de Platon. Ce n’est point un ouvrage de politique, comme le pensent ceux qui ne jugent des livres que par leur titre. Ce n’est plus beau traité d’éducation qu’on ait jamais fait ». Rousseau (J.J), Emile ou de l’éducation, Edition Gallimard, Paris, 1999, P.86.

[7]  Kung (H), Projet d’Ethique planétaire, la paix mondiale par la paix entre les religions, Seuil, Paris, 1991, P.46.

[8]    سورة النّمل/ الآية 50.

[9]    سورة الفجر/ الآية 11 – 12.

[10]  سورة البقرة / الآية، 11.

[11]  سورة البقرة / الآية 12.

[12]   سورة البيّنة/ الآية 6.

[13]  معجم الفلسفة: أشرف على إعداده عبد الكريم المرّاق، المركز القومي البيداغوجي، الجمهوريّة التونسيّة، وزارة التربيّة القوميّة، اللجنة القوميّة للفلسفة، نشرة أولى، 1977، ص 33 – 34.

[14]  الجمهوريّة هي محاورة من محاورات النضج الأفلاطونيّة، وهي أكثر المحاورات نسقيّة، عنوانها الأصلي السياسة، يعتقد أنّ أفلاطون قد ألّفها في الفترة الممتدة بين سنتي (385 – 370 ق.م). بحث فيها عن ماهيّة العدالة وعن أسّس جمهوريّة فاضلة أو “دولة عادلة”، كما عرض فيها نظريّته في المعرفة من خلال “أمثولة الكهف” الشهيرة (الكتاب السّابع من الجمهوريّة).

[15] Platon, Protagoras, 313 a – 314 b.

[16]  أفلاطون، دفاعا عن سقراط، 29 d -30 c، تعريب: سعيد الجابلي، مجلّة التنويري، تصدر عن الرّابطة العربيّة للتربويين التنويرين (نشر إلكتروني)، الأردن، مارس 2021.

[17]  يقول سقراط: ” ومادام فيّ عرق ينبض ونفس يتردّد وأتمتّع بملكاتي العقليّة، فلن أتوقّف البتّة عن ممارسة الفلسفة وعن نصحكم وشرح الحقيقة والحقّ لكلّ امرئ تلقي به الصّدفة في طريقي (…) لن أبدّل مسلكي، ولن أغيّره حتّى ولو توجّب عليّ أن أموت مائة مرّة”. المصدر نفسه، 29 d – 30 c.

[18] Ibidem, 316 a – b.

[19] «Menon est un noble Thessalien, ami de Gorgias, qui tient, avec Socrate, un rôle essentiel dans le dialogue. S’ajoutent deux autres personnages : un esclave de Menon et Anytos, L’accusateur de Socrate.

Dialogue aporétique, c’est – à dire n’apportant pas de réponse aux problèmes posés dès le début, le Menon conduit surtout à L’idée qu’apprendre n’est que se ressouvenir. D’où L’importance centrale de L’épisode avec L’esclave en mesure de résoudre la question de la duplication d’un carré». Russ (Jacqueline), Mémo Références, Philosophie, Les auteurs, les œuvres, Bordas, Paris, 2003. (Platon, PP.10 – 25).

مينون: أحد النبلاء التساليين شارك في حملة العشرة آلاف وهو من القادة الّذين سجنوا في معركة كوناكسا. وهو تلميذ غورجياس وصديقه. –

[20] Platon, Ménon, 79 c – 80 b.

[21] « Maïeutique : chez Socrate, art d’accoucher les esprits, comme sa mère, qui était sage – Femme, accouchait Les corps ». Russ (Jacqueline), Mémo Références, P.11.

[22]  يقول سقراط مضيفا بخصوص فنّ التوليد: “إنّ الإله أرغمني على توليد الآخرين، ولكنّه لم يسمح لي بأن ألد. لست إذن حكيما بالمرّة، وليس باستطاعتي أن أتقدّم بأيّ اكتشاف رائع في الحكمة تلده نفسي. ولكن كلّ الّذين يتعلّقون بي –رغم أنّ بعضهم جاهل تماما في البداية –يحقّقون كلّهم أثناء تبادلهم معي، وإذا سمح لهم الإله بذلك، تقدّما عجيبا لا في حكمهم فقط ولكن كذلك في حكم الآخرين. إنّني لم أعلّمهم أبدا شيئا، وأنّهم عثروا بأنفسهم على كثير من الأشياء الجميلة في أنفسهم وولدوها، وهذا أمر واضح وضوح النّهار. ولكن أن ولدوها فذلك بفضل الإله وبفضلي أنا”. راجع:    Platon, Théétète, trad. Et notes par E. Chambry, G. F. 1967, 150 a- 150 e.

[23] « Menon, plutôt que de définir la vertu, en revient à la première question : la vertu est – elle un don de la nature ou une science ? En vérité, la vertu n’est pas une science, mais une opinion vraie, fruit d’une faveur divine » (Ibidem., P17). Ainsi conclut Socrate : « La vertu n’est ni un don de nature ni l’effet d’un enseignement (…) elle vient par une faveur divine » (Menon, Les Belles Lettres, P.279).

[24]   غلوكن: هو اخ أفلاطون الأكبر. وهو يجسّم صورة المواطن الأثيني الأصيلة من خلال جمعه بين فتوّة الجسد من خلال تعاطي الصيد والرّياضة، ومقتضيات الفكر من خلال الاهتمام بالموسيقى والفلسفة.

[25] Platon, La République, 518 b – d.

[26] « Réminiscence : souvenir et retour à L’esprit des Idées contemplées autrefois par L’âme, avant son séjour sur cette terre, et ce durant une vie antérieure ». (Ibidem., P.11). « La théorie de la réminiscence est, on L’a vu, essentielle dans le Menon : elle fonde la conception platonicienne des Idées et forme le noyau le plus célèbre de ce dialogue de Platon : il y a là un tournant, explicitant le problème de la connaissance ». (Ibidem., P.17).

[27]   المثال (Idée) عند أفلاطون: النّموذج العقلي للأشيّاء الحسيّة فهو الوجود الحقيقي. “إنّ أفلاطون في كثير من أقاويله يومئ إلى أنّ للموجودات صورا مجرّدة في عالم الإله، وربّما يسمّها المثل الإلهيّة، وإنّها لا تدثر، ولا تفسد، ولكنّها باقيّة، وأنّ الّذي يدثر ويفسد إنّما هي هذه الموجودات التي هي كائنة”. الفارابي، الجمع بين رأيي الحكيمين، ص 31.

[28] Platon, Le Phédon ou sur l’âme, 66b – 66e éd. Les Belles lettres, Paris, 1963.

[29]  Platon, Premier Alcibiade. Ed. G.F. PP. 160 – 162.

[30] Platon, Lâchés, in : œuvres complètes, Tome 2, Trad. Croiset (A), Les Belles Lettres, 1994, 191 d – e.

[31] Platon, la République, 413 c.

[32] Platon, Lois, Livre1, 633 et sq.

[33]  نيتشه (فريدريك)، مقدّمة لقراءة أفلاطون، ص 84 – 85.

[34] Platon, Lâchés, 195 a.

[35] Platon, La République, 376 b.

[36] Ibidem, 413 d.

[37]   أرسطو، كتاب السياسات، نقله من الأصل اليوناني، وعلّق عليه الأب أغسطينس بربارة البولسي، اللّجنة الدوليّة لترجمة الرّوائع الإنسانيّة، بيروت – لبنان، 1957، ص64. ويضيف قائلا: “إنّ ذلك الرّأي له مساءلة أخرى وهي أنّ ما شاع بين الأكثرية نال أقلّ قسط من العناية، إذ كلّ يصرف اهتمامه إلى ما اختصّ به”. المصدر نفسه، ص 52.

[38] Platon, Timée, 87 c.

[39] Platon, La République, 455 d.

[40] Ibidem., 455 e – 456 a.

[41] Platon, Lois, Livre 7, 805 a – b.

[42] Ibidem, 806 c. Voir aussi, Robin (Léon), La pensée grecque, Paris, 1923.

[43] Ibidem, Livre 2, 663 e – 664 a.

[44] Platon, République, VII, 417 a. Voir dans ce sens : Bloom (A), the « Republic » of Plato, New York, 1968.

[45]   أفلاطون، الجمهوريّة، تعريب: حنّا خباز، دار القلم، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1969، ص 375.

[46]    سورة المدّثر/ الآية 28.

[47]  سورة المدّثر/ الآية 29.

[48]  سورة الذاريات/ الآية 42.

[49]   المصدر نفسه، ص 376. إنّ العودة إلى النّصوص اليونانيّة، تكشف عن قول مخصوص للحرب. أليس أفلاطون هو من كان مهتما في محاورة: “الجمهوريّة” بمسألة التربية ومنها تخصيصا تربية الجند؟ ألم يقل هيراقليطس قبل أفلاطون “أنّ الحرب هي أمّ الأشياء”؟ لهذا يصف “جان جاك روسّو”، محاورة “الجمهوريّة” لأفلاطون بأنّها “أفضل ما كتب في مجال التربية”. إلا أنّ ذلك لا يحجب عنّا الجدل الحادّ الذي أثير بشأن البعد السياسي الذي تحمله التربية عند أفلاطون كان مهتما في محاورة : “الجمهوريّة” بمسألة التربية ومنها تخصيصا تربية الجند؟ ألم يقل هيراقليطس قبل أجمي، وخاصة في محاورتي الجمهوريّة والقوانين. هل هي نزعة إنسانيّة تتجه إلى مختلف طبقات المجتمع أم أنّها تربية تمجّد القوّة والحرب وتنتصر بالتالي للطبقات المحظوظة؟ انظر:

Rousseau (J.J), Emile ou l’éducation, Ed. Sociales, 1958, p.91.

 

[50]   أفلاطون، القوانين، ترجمه من اليونانيّة إلى الإنجليزية د. تايلور ونقله إلى العربيّة: محمّد حسن ظاظا، مطابع الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1986، ص 90-91.

[51]   أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمة: برتملي سنتهلير، تعريب: أحمد لطفي السيّد، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1924. جII، ك V، ب 10، فقرة 4-5، ص 367. (Lx,10,1179b15). وما يليها.

[52] أرسطو، السياسات، نقله من الأصل اليوناني وعلق عليه: الأب أوغسطينس بربارة البولسي، اللجنة الدوليّة لترجمة الرّوائع الإنسانيّة، (الأونسكو)، بيروت -لبنان، الطبعة الأولى، 1957، ص 151-152.

[53]   المصدر نفسه، ص 24.

[54]   أرسطو، السياسة، ترجمة: أحمد لطفي السيّد، الدّار القوميّة للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، (د.ت)، ص 348.

[55]   أفلاطون، الجمهورية، الكتاب السّادس، ترجمة ودراسة، د. فؤاد زكريّا، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر، 1974، ص413.

يقول أفلاطون: “أولئك الّذين يديرون شؤون رعيّتهم، برضاها أو بغير رضاها، وفق قوانين مكتوبة أو بغيرها، سواء كانوا من الأثرياء أو من الفقراء، إنّما هم يمارسون الحكم وفق فنّ معيّن، وهم لا يختلفون في ذلك عن الأطبّاء، الّذين نعتبرهم دائما أطبّاءنا، سواء عالجونا برضانا أو بغير رضانا (…) وسواء اتّبعوا قواعد مكتوبة أو غير مكتوبة (…) بشرط أن يكون ذلك من أجل سلامة أجسامنا وصحّتها”. راجع:

Platon, Politique, 292e – 293 c.

[56]   أفلاطون، جمهورية أفلاطون، ص394.

[57]  جمهورية أفلاطون، ص396. راجع أيضا:

Strauss (L), Etudes de philosophie politique platonicienne, tra. Français, Paris, 1992.

[58]   جمهورية أفلاطون، ص 349.

«Quelle sera donc l’éducation du philosophe ? Il commence par pratiquer les mathématiques, avec arithmétique, géométrie et astronomie. Mais les disciplines mathématiques ne sont pas encore la science. Monter, par le raisonnement pur, jusqu’aux Essences et au Bien, tel est le travail de la dialectique, qui a pour terme la connaissance du Bien ».Russ (Jacqueline), Mémo Références, p.24.

[59]   جمهورية أفلاطون، ص394.

[60]   جمهورية أفلاطون، ص395.

[61]   جمهورية أفلاطون، ص395.  راجع أيضا: الأهواني (أحمد فؤاد)، أفلاطون، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة، 1971.

[62]   جمهوريّة أفلاطون، ص368. ويذكر بأنّ أفلاطون، يعالج مسألة “العدل” من زوايا نظر مختلفة في “محاورة الغورغياس” (Gorgias):

(468e -470C)- (463a-466a) – (458e -460a) (457C-458a).

(482c -468d) (474c-476a) (473a -474c) (417d-472d-472e) (460e-461a).

(517a -520e) (506c-508) (490a-491) (489e-490a).

(478e-479e) (476a-478e) (513d-517a) (508c-511a).

” محاورة القوانين” (Les Lois)، (LVI. 756e-758a).

” محاورة السياسي” (le Politique) في الفقرات الآتيّة: (293d-e-294a-b).

محاورة “الكريتون”(Criton) في مستوى الفقرات الآتية:  516-C (49C-4e) (47d- 48a).

اعتمدنا في تحديد هذه المواضع على كتاب:

Platon, les œuvres complètes, T.I, traduction nouvelle et notes par Léon Robin avec la collaboration de M.J. Moreau éd, Gallimard, Paris 1950.

 

[63]   جمهوريّة أفلاطون، ص 376. أنظر: بدوي (عبد الرّحمان)، أفلاطون، مكتبة النّهضة المصريّة، القاهرة، مصر، الطبعة الرّابعة، 1964.

[64]  أفلاطون، دفاعا عن سقراط، تعريب: سعيد الجابلي، مجلّة التنويري، تصدر عن الرابطة العربيّة للتربويين التنويريين، (نشر إلكتروني)، مارس 2021.

[65]  غورجياس: {Gorgias}) 487 – 380 ق.م)، سفسطائي يوناني من أصل صقلّي قدم إلى أثينا للدفاع عن صقليّة ضدّ أطماع سرقسطة بقي في أثينا معلّما الخطابة. من أهمّ مؤلّفاته: “اللاّوجود” أو “في الطبيعة” وفيه نقد الوجود عند بارمنيدس. و”غورجياس” هي أيضا محاورة أفلاطونيّة موضوعها الخطابة أو فنّ الإقناع الّذي يدافع عنه غورجياس في مقابل سقراط الّذي يؤسّس خطاب الحقيقة.

[66]   وولف (فرنسيس)، أرسطو والسياسة، ترجمة: أسامة الحاج، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت – لبنان، 1994، ص17.

[67]   أفلاطون، الجمهورية، ص379. الجدير بالملاحظة أنّ أهمّ مؤلّفات أفلاطون ك “الجمهوريّة” و”النواميس” و”السياسة”، تركز على السياسة بما هي تدبير للمدينة أمّا هيمنة السياسي على المعرفي عند أفلاطون تتمظهر بوضوح في “الرسالة السابعة”. لكن هذه الهيمنة تمرّ عبر المعرفة وتتمثل هذه المعرفة في الرّياضيات. فقد شكلت الرياضيات في نظره النموذج الذي شيّد عليه منظومته الفلسفيّة برمتها التي طغى عليها النفس السياسي لمزيد التوسع في هذا المبحث راجع:

Ben Aziza (Hmaid), Mathématique et légitimité politique chez Platon, Revue Tunisienne des Etudes Philosophiques, Les Grecs et Nous ; N30/31, 2002, P.3 – 18.

[68]  أفلاطون، الجمهوريّة، ص475.

يقول أفلاطون: ” أعتقد أنّني واحد من القلّة القليلة في أثينا – هذا إذا لم أقل إنّي الأثيني الوحيد في هذا الزّمان – الّذي يمارس فنّ السياسة الحقيقي ويعنى بشؤون الدّولة”. الخطيب، ترجمة: أديب نصور، دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1966، ص 160-161، (الفقرة 521 – 522).

[69]  الجربي (الحبيب)، الفلسفة صناعة سياسيّة، الشارع المغاربي (الشارع الثقافي)، العدد 128، الثلاثاء، 12 جوان، 2018، ص 15.

[70]  الجربي (الحبيب)، الفلسفة من خلال النّصوص دراسة تحليليّة ونصوص، دار التقدّم للنشر والتوزيع، تونس، د.ت، 105-106.

يقول أستاذي الكيس أيضا بشأن هذا المبحث المركزي ما يلي: “يتّفق كلّ الفلاسفة تقريبا حول رأي “أفلاطون” الّذي يتمثل في قول أنّ المؤهلين دون غيرهم لسياسة المدينة طبقا للعدل هم بالذات أولئك الّذين ليست لهم رغبة في السّلطة أي أولئك الّذين لا تتحقّق لهم مصالح شخصيّة من وراء ممارستها: هؤلاء النّاس هم الفلاسفة”. لمزيد التوسّع، أنظر، المرجع نفسه، ص123.

[71] Merleau – Ponty (Maurice), Eloge de la Philosophie, Gallimard, Paris. 1971. P.42. Voir dans ce contexte-là : Alexandre (M), Lecture de Platon, Paris, 1968. Et Robin (Léon), Platon, Paris, 1935.

[72]   بن هلال(الطّاهر)، أفلاطون ومسألة الشرّ، استقصاءات في الفلسفة والأخلاق، دار نقوش عربيّة، تونس، الطبعة الأولى، 2013، ص18.

[73] Platon, Sophiste, 231c – 232 a. A cela s’ajoute : luccioni (J), La pensée politique de Platon, Paris, 1958.

[74]   الجربي (الحبيب)، الفلسفة صناعة سياسية، الشارع الثقافي، ص15.يقول أفلاطون في هذا الصّدد: ” أولئك هم الفلاسفة من استطاعوا بلوغ معرفة ما لا يتغير، أمّا الّذين لا يستطيعون ذلك ويبقون تائهين بين كثرة الأشيّاء المتغيّرة، فليسوا بفلاسفة”. Platon, la République, v, 456e

[75]   الجمهوريّة، ص 392.

[76]   الجربي (الحبيب)، الفلسفة من خلال النّصوص، ص112.

[77]   زوس {Zeus}: إله السّماء ورب الأرباب الأولمبي في الميثولوجيا الإغريقيّة. يتّصف بالصرامة والعدل.

[78]   أفلاطون، الجمهوريّة: الكتاب السّابع، ترجمة: د. الحبيب الجربي، منشور في، الفلسفة من خلال النّصوص، ص114-118.

[79]   الحبيب (الجربي)، الفلسفة من خلال النّصوص، ص113.  يقول أستاذنا في موضع آخر: “إنّ الدلالة الحقيقيّة للطابع الديمقراطي للفلسفة الأفلاطونيّة يتمثل في تبيان أنّ العقل العملي، أي التعقل في مجال الفعل السياسي مثلما هو الحال في القرارات السياسيّة لاختيار “الحياة الأفضل” (…)؛ ففلسفة أفلاطون، ككلّ فلسفة أصيلة، هي تعترف للكثرة من النّاس بأن تكون لهم صلة حقيقيّة بالحقّ ونسبة فعليّة إلى العقل”. راجع، الفلسفة صناعة سياسية، الشارع الثقافي، ص15. يقول أستاذي الجليل في موضع آخر: ” إن تأملنا ولو قليلا في الأهميّة القصوى للمثل في ميدان الفعل التاريخي والاجتماعي للإنسان قصد تبديل وضعيته من حال إلى حال، مع الملاحظ أنّ أسوأ خدمة يمكن أن نقدّمها لهذه المواقف “المثاليّة” هي أن نحاول البرهنة عليها بأمثلة مستمدّة من الواقع إذ من العقل يستمد الحقّ وليس من الواقع”. راجع، الفلسفة من خلال النّصوص، ص 128.

[80]  وولف (فرانسيس)، أرسطو والسياسة، ص 19.

[81]   يرى “ليو ستراوس”، أنّه من الأجدر بنا استخدام مصطلح نظام عند الحدّيث عن مفهوم العدالة عند أفلاطون، إذ أنّ كلمة نظام باليونانيّة تعني (Politeia) التي تترجم غالبا ب “دستور”. والمقصود بها شكل تنظيم الحكم الّذي يجعل مدينة متميّزة عن غيرها، لأنّه يحدّد من جهة الغاية التي تسعى لها، من جهة أخرى نوع الأشخاص الّذين يحكمونها. أنظر في هذا الإطار:

Strauss (L), et Cropsey (J), Histoire de la philosophie politique, Traduit de l’américain par Gilvier SEDEYN, P.U.F Paris, 1994.

[82]   الجربي (الحبيب)، الفلسفة صناعة سياسية، الشارع الثقافي، ص15.

[83] Platon, Lois, 757 c. Voir aussi, Koyré (A), Introduction à la lecture de Platon, Paris, 1962.

[84]    يقول أفلاطون: “تقتضي سعادة الدّول إمّا أن يكون الفلاسفة ملوكا أو الملوك فلاسفة”.  La République, 473 a – 474

[85]  تكمن العدالة عند أفلاطون في أن تقوم كلّ وظيفة في النّفس (الرّغبة والعقل والغضب أو الإرادة) بعملها. راجع، الجمهوريّة، الكتاب الرّابع، 441 a.

[86]  إنّ الوصول إلى الحكمة، إلى معرفة ما هو نافع حقا للنّفس الإنسانيّة يكون بالتربيّة والتّعليم وفقا للفهم التّالي: ” إنّ من يرى أنّ المعرفة تغرس في النّفس بالتّعليم مخطئ في رأيه، ذلك أنّه لا يمكن أن تزرع لأعمى عينا. وإن قدرة الفكر على الادراك يجب أن تكون حاضرة كما لو كانت من أصل إلهي. وهمّة التربيّة تنحصر في توجيه هذه العين التي للفكر الوجهة الصحيحة وبالصورة الأكثر ملاءمة، أي الانتقال به من شبه ظلمة عالم الحواس إلى شمس المثال المشرقة. أي من الصيرورة إلى ما هو موجود، إلى مثال الخير الّذي يقود إليه الجدليّة. وتكون الرياضيات تمهيدا لها”. راجع، نيتشه (فريدريك)، مقدّمة لقراءة محاورات أفلاطون، ص 83 – 84.

[87] Platon, Philèbe, 65 a.

[88]  بن هلال (الطاهر)، أفلاطون ومسألة الشرّ، ضمن كتابه: استقصاءات في الفلسفة والأخلاق، ص 38.

[89] Platon, Les lois, I, 626 e.

[90] Ibidem, I, 644 b.

أشار أفلاطون في الجمهوريّة إلى أنّ الكائن الإنسانيّ يتكوّن من ثلاثة مركّبات: جزء راغب وجزء عاقل وجزء يسميه توموس أو روح الحياة. هناك جزء كبير من السّلوك الإنساني يمكن تفسيره من خلال اندماج العنصرين الأولين، الرّغبة والعقل. فالرّغبة تدفع البشر للبحث عن أشياء موجودة خارج ذواتهم، بينما العقل يوضّح أفضل السبل للحصول عليها”. أورده أستاذي الفاضل: فتحي التّريكي، في كتابه الموسوم: العقل والحريّة، تبر الزمان، تونس، الطبعة الأولى، 1998، ص 117. فنظرية أفلاطون إذا تتأسّس على مسلّمة مفادها بأنّ الإنسان مزيج من مركّبات ثلاثة: الرّغبة والعقل والتوموس (روح الحياة أو الوجدان). لمزيد التوسّع في معنى توموس، أنظر: أفلاطون، الجمهوريّة، الكتاب الرّابع، ص 436 – 444.  الأمر عينه ذهب إليه أرسطو في كتابه: “في النّفس” حيث ميّز بين الإيبيتوميا «Epithumia»  (الشهوة التي اعتبرها أفلاطون في محاورة الطيماوس الرّغبة في الأكل والجنس)، والتوموس (أي النزق والغضب العنيف) والبوليزيس «  Boulèsis »(أي التوق والتمني المصحوب بالعقل والتعقل أو بعبارة أدّق الإرادة). Aristote, de l’âme, trad. J.Tricot, J. Vrin, Paris, 1987. 111433, 10, b.

[91]    بالإمكان التنبيه إلى بعض المقاربات النقدية للفلسفة الأفلاطونيّة، نذكر منها:

Aristote, Métaphysique, t. 1,   A, 6, 9, J. Vrin, Paris, 1987, P.53 104.

  1. Deleuze, « Renverser le platonisme », Revue de métaphysique et de morale, 1967 ; Logique du sens, Minuit, Paris, 1969, p. 2, 292 – 307.

 

  1. Dixsaut (Dir), Contre Platon, I, le platonisme dévoilé 2. Renverser le platonisme, université de Paris XII, J. vrin, Paris, 1993, 1995.
  2. Hegel, leçons sur l’histoire de la philosophie, j. vrin, Paris, T.3, et T. 4, 1975, P.946.
  3. Kant, critique de la raison pure, « Quadrige », PUF, Paris, 1989, P.36, 262 – 266.
  4. Nietzsche, le Crépuscule des idoles, Mercure de France, 1952, P. 183 sq. ; Par – delà le Bien et le Mal, « Folio » n 9, Gallimard, Paris, 1971, §7 ; La Volonté de puissance, « Tel », Gallimard, Paris, 1995, § 112, T.2, P. 48 – 50.
  5. Weil, Logique de la philosophie. J. Vrin, Paris, 1974, P. 142 – 155. Voir, Baraquin (Noëlla) Laffitte (Jacqueline),( Platon, P249 – 252), Dictionnaire des philosophes, ARMAND COLIN , HER, Paris, 1997, 2000, P.252.

[92]   أرسطو، كتاب السياسات، ص64. قام كارل بوبر بإخضاع التصوّر الأفلاطوني لفلسفة التربيّة إلى امتحان نقدي على امتداد الفصول: (السّادس والسّابع والثّامن) من مؤلفه الموسوم: المجتمع المفتوح وأعداؤه، الجزء الأوّل. يقول بوبر: “إنّ أفلاطون أفسد وأربك بشدّة نظرية وممارسة التربيّة بربطها بنظريته في القيادة. والضرر الناتج أفدح من ذلك وقع على علم الأخلاق بالمطابقة بين الجماعة والإيثار، وعلى نظرية السياسة بإدخال مبدأ السيادة”. واللاّفت أنّ نقد بوبر لأفلاطون كان من جهة نظر ليبيراليّة. راجع، المجتمع المفتوح وأعداؤه، الجزء الأوّل، ترجمة: السيد نفادي، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – القاهرة – تونس، الطبعة الأولى، 2014، ص 213.

Popper (Karl), La société ouverte et ses ennemis, (TI), Seuil, Paris, 1979.

[93]   أرسطو، كتاب السياسات، ص 65. ويضيف قائلا: “إنّ ذلك الرّأي له مساءلة أخرى وهي أنّ ما شاع بين الأكثرية نال أقلّ قسط من العناية، إذ كلّ يصرف اهتمامه إلى ما اختص به”. (المصدر نفسه، ص 52).

[94]   أرسطو السياسات، ص 51.

[95]   أرسطو، السياسات، ص 52.

[96]   أرسطو، كتاب السياسات، ص 66. ترك أفلاطون الأمور الأخرى في نظر أرسطو غامضة: ” فهو يقسم جمهور السّكان إلى فئتين: فئة الفلاحين وفئة المحاربين، وهي الهيئة الاستشارية، ولها السّيادة في الدّولة”. (المصدر نفسه، ص 65).

[97]   أرسطو، السياسات، ص 64. يقول أستاذي الفاضل الحبيب الجربي بخصوص هذا الشكل من القراءات النقدية لفكر أفلاطون ما يلي:” يمكن أن نردّ على منتقدي “جمهوريّة أفلاطون” لكونها حسب زعمهم جملة أفكار خياليّة وضبابيّة ومثاليّة في نهاية الأمر بشأن تنظيم الواقع السياسي (والحال أنّها في الحقيقة حديث عمّا يجب أن تكونه السياسة من جهة العقل) بأنّ “جمهورية أفلاطون”،  والمواقف الفلسفيّة عموما، ليست ضبابيّة أو خيالا بل هي صلبة كالمعدن الكريم الّذي يكون الواقع السياسي كما هو، تجاهه شاحبا وحقيرا وخيالا وضبابا، مع العلم أنّه ليس أسهل  – ولكن أضعف إلى جانب ذلك – من “تحطيم” موقف فلسفي بأمثلة “مستمدّة من الواقع””. أنظر، الفلسفة من خلال النّصوص، ص 107 – 108.

[98] Aristote, La politique, VIII, 3, 1337 a 20 – 25.

[99]   هذا القول الّذي استشهد به أرسطو هنا مستوحى من مآثر صولون {Solon}. أنظر: La politique, 1276 b 10 – 15.

[100]  أرسطو، علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، ج II،  الكتاب X،  8 §، ص 368. (L X, 10, 1179 b 30).

[101]  المصدر نفسه، ص 368. (LX, 10, 1179 b 30).

[102]  السياسات، الباب III، الفصل 6.

[103]  Aristote, La politique, VIII, 1, 1337 a 15 – 20.

[104]  Ibidem, 1337 a 30 – 35.

[105]  Ibidem., 1337 b 5.

[106]   راجع دراستنا: نظرية العدل لدى أرسطو: دراسة تحليليّة نقدية في فلسفة الأشياء الإنسانيّة، مجلّة دراسات فلسفيّة، العدد 12، الجمعيّة الجزائرية للدّراسات الفلسفيّة، الجزائر، أفريل 2019، ص 138 – 172.

[107]   شوفالييه (جان جاك)، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: محمّد عرب صاصيلا، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1985، ص 77.

[108]  Aristote, Ethique à Nicomaque, I, 1, 1094 b.

[109]  La politique, I, 10, 1253 a.

[110] Ibidem, I, 10, 1253 a.

لمزيد التوسع في هذه القضية، أنظر: مقالنا الموسوم: فلسفة الصداقة والسّعادة عند أرسطو، مقاربة إناسيّة في سياسات إيتيقيّة، مجلّة يتفكّرون، العدد 14، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث، الرّباط، المغرب، 2020، ص 250 – 260.

[111] La politique, I, 10, 1252 a.

[112] Platon, Gorgias, 488 a.

[113] «La République est un traité de l’Homme ». Ef. M .Alexandre, Lecture de Platon. Bordas, Paris, 1968, P.170.

[114] Platon, République, V, 456 e.

[115]  Platon, Gorgias, 484 b – 485 c.

[116]  Ibidem, 484 b – 485 c.

[117]  يقول أفلاطون: “وإذا ما شاهدت شيخا بلغ من الكبر عتيّا وهو يتعاطى الفلسفة ولا يرعوي عن هذه الدّراسة فإنّي – يا سقراط – أرى له أن يجلد بالسّياط. فإنّ مثل هذا الرّجل، كائنة ما كانت موهبته، ليقضي على نفسه بألاّ يكون رجلا لاعتزاله رحاب المدينة والمجالس حيث يبرّز الرّجال على حدّ عبارة الشاعر لتقضيّة حياته في خلوة وهو يسارّ منزويا ثلاثة من الفتيان أو أربعة دون أن يلقي أيّ خطاب حرّ جليل بليغ”.

(Ibidem, 516 a –b).

[118]  Ibidem, 516 a –b.

[119] Platon, La République VII, 432 a.

“فأخذت أثني على الفلسفة وأصرّح بأنّها وحدها القادرة على أن ترينا ما تكون العدالة… إنّ الأجيال البشرية لن تشهد توقف وإمّحاء شرورها إلاّ عند تحقق أحد الأمرين: فإمّا بوصول ذرّية من يعيشون الفلسفة بأصالة إلى الحكم وإمّا بأن يتعلّم الحكّام، بفضل إلهي، الفلسفة الحقيقيّة”. أفلاطون، المصدر نفسه.

[120] Platon, Gorgias, 456 c.

[121]  أفلاطون، محاورة السياسي، 260 أ. ب.

[122]  أفلاطون، المصدر نفسه، 311 ب.

[123]  وولف (فرانسيس)، أرسطو والسياسة، ص 11.

[124]   يقول شاتلي: “أفلاطون هو خالق الفلسفة الحقيقيّة”. راجع، أفلاطون، ص22. ومن هنا نستطيع أن نقول “أنّ كلّ فيلسوف هو أفلاطوني”. أنظر، التريكي (فتحي)، أفلاطون والدّيالكتيكيّة، الدّار التونسيّة للنشر، د.ت، هامش 13، ص23.

[125]  يقول شاتلي موضّحا من جانبه هذا الأمر: “إنّ تعريف فلسفة أفلاطون بالمثاليّة أو بواقعيّة الجواهر هو سجنه داخل مذهب أو عقيدة إنكاره المعنى العميق لآثاره في آخر الأمر، لأنّ طريقته الجدليّة وتصوّره السياسي ونظريته في المثل – وهي اكتشافات ثقافيّة هامّة – تبعث إلى ابتكار أعمق نعني ابتكار الفلسفة”. Châtelet (François), Platon, Gallimard, Paris, 1965, P.22.

[126]   المسكيني (فتحي)، فلسفة النوابت، ص 72.

[127]   الفارابي (أبو نصر)، كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين، ص 37.

[128]   الفارابي (أبو نصر)، عيون المسائل، نشرة ديتريشي، لا يدن، 1890، ص 6.

*  أستاذ باحث في الفلسفة القديمة والعلوم العربيّة والإسلاميّة، جامعة تونس.

جديدنا