“معتقدات إسلاميَّة” تناقض القرآن الكريم

image_pdf

رسَّخت الروايات التاريخيَّة العديد من الأساطير، التي أصبحت في نظر المسلمين جزءا من العقيدة، التي يحرم المساس بها أو الاقتراب منها، وهي مناقضة تماما لكلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأنَّنا في شهر كلام الله (رمضان) فإنّنا سنعرض لبعض تلك الأساطير لنبيِّن مخالفتها الصريحة للقرآن أولا، ثم افتراء أصحابها على رسول الله ثانيا.

 

عذاب القبر:

يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) [يس: 51-52]  ولا يخفى ما في هذه الآية الكريمة من دلالة على أن ساكنة القبور لم تكن مستعجلة على البعث والحساب؛ ممَّا يؤكِّد أنها -على الأقل- لم تكن تعاني عذابا ولا ألما، بل كانت نائمة في مراقد وهي أماكن النوم، ويقول جل من قال ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَـَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـَكِنّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (الروم 55، 56) وفي هاتين الآيتين كذلك يعبِّر المجرمون عن قصر الزمن في القبر في نظرهم، والمعروف أن الزمن تحت المعاناة يكون طويلا؛  فكيف يقصر زمنهم وهم يعذّبون، والمعروف أنَّ المجرمون هم أكثر الناس عذابا يوم القيامة، ويقول جلّ قوله {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185)/آل عمران. وتعبِّر هذه الآية بصراحة عن أنَّ المحاسبة لا تكون إلا يوم القيامة، يوم يوزَّع الناس بين الجنَّة والنار.

وهكذا يتَّضح من هذه الآيات الكريمات مجتمعة أنَّ فترة الموت فترة فراغ لا يحاسب فيها أي إنسان ولا يعاقب؛ بل يظلّ أشبه بالنائم حتى يبعث الله عباده يوم القيامة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} الزلزلة الآيتين 7/8.

 

علامات الساعة:

يقول الله تبارك وتعالى {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} (٣١ الأنعام) تبين هذه الآية أن الساعة ستأتي بغتة، والمباغتة تدل على أن أي علامة أو أمارة لم تسبق الأمر، كما أن قوّة تحسر الناس على تفريطهم في طاعة الله يؤكِّد أنهم لو كانوا أحسَّوا -بأي طريقة- بقرب قيام الساعة لما كانوا فرطوا في طاعة الله، ويقول وقوله الحق {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} ﴿١٨٧ الأعراف﴾ وتوضح هذه الآية كذلك أن علم الساعة مقتصر على ربنا جل في علاه، فلا يعلم عنها غيره شيئا، حتى الأنبياء لا يعلمون عنه شيئا، والله تبارك وتعالى لم يخبر عن موعدها ولا عن علاماتها شيئا في كتابه، وقوله {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ﴿١٠٧ يوسف﴾ فهذا تأكيد آخر على مباغتة الساعة للناس دون أن يشعروا لها بشيء، ولو كانت هناك علامات لشعر الناس باقتراب قيام الساعة من خلال تلك العلامات، ويقول عزّ من قائل مؤكِّدا تلك المباغتة {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَّة مِنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} ﴿٥٥ الحج﴾ كما يقول موضحا ومبينا أن لا أحد يعلم الساعة غير الله {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} ﴿٦٣ الأحزاب﴾ فالخطاب موجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم، وواضح فيه حصر معرفة شأن الساعة بالله، حتى رسول الله أمره أن يقول ذلك للناس حين يسألونه عن شأنها، ويقول {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} ﴿٤٧ فصلت﴾ وغيرها من الآيات القرآنيَّة التي تؤكِّد أنَّ الساعة لا يعلم قيامها إلا الله، وأنه أخفاها حتى عن الأنبياء، وأنها ستقوم بغتة، أي دون ميعاد أو علامات، ثم بعد ذلك يأتيك رواة بسيل من المرويات تؤكِّد وجود علامات -لهذه البغتة والفجأة- صغرى وكبرى، وهي مرويّات تكذب كلام الله -حاشاه- من مرتين؛ إذ تزعم أنَّ الساعة لا تأتي بغتة، وأن غير الله يعلم شيئا عن قيامها..!

 

عودة المسيح عليه السلام:

يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} آل عمران، الآية (55) في هذه الآية يبين الله أنه توفى عيسى عليه السلام قبل أن يرفعه إليه، والمعروف أن البعث لا يكون إلا بعد فناء كل الكائنات على وجه البسيطة، ويكون لكل البشر، من أيام آدم وحتى آخر إنسان، وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} المائدة، الآية (116) ويظهر من خلال هذا الحوار (حوار الله لعيسى) يوم القيامة، أنَّ عيسى لم يدرك أنَّ بعض المسيحيّين غيَّروا وبدّلوا بعد، وهذا ما يؤكِّد أنه لم يعد إلى الأرض منذ أن توفّاه الله ورفعه؛ إذ لو كان رجع إليها لأدرك ذلك. كما يبيِّن الحوار كذلك أنه (أي عيسى) كان رقيبا عليهم -فقط- قبل أن يتوفّاه الله (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم).

________
*رئيس مركز تسامح لنشر فكر التعايش والسلام. 

جديدنا