الإسلام السياسي بين المعارضة والمقاومة

image_pdf

*نشرت في الراصد التنويري/ العدد السادس(6)/ خريف 2009.

الكثير منّا في الصف الليبرالي يمتلك حساسيَّة تجاه استخدام الدين في السياسة وتجاه الإسلام السياسي. ولكن هذا التيّار أصبح يتمتّع بوجودٍ حقيقي في كل أرجاء العالم العربي. فبعضنا يخلط كل يوم كما خلطت الإدارة الأمريكيَّة الأخيرة بين الإسلام السياسي وبين التطرّف والإرهاب، وبعضنا الآخر يرى في كل ممارسة للإسلام السياسي عدوًّا للتقدّم وللمستقبل وللحضارة وللمدنيَّة، في تعاملنا مع الإسلام هناك الكثير من ضعف في الحوار، وعدم رغبة في الاستماع. فلو أقمنا انتخابات مفتوحة وصادقة في كل العالم العربي لأسس الإسلميّون حكومات إسلاميَّة في معظم الدول العربيَّة. على الأقل لو أقمنا انتخابات مفتوحة وصادقة سيكون هذا التيّار أكبر أقلّيَّة ويحقّق بالتالي الأغلبيَّة النسبيَّة. إنّ إهمال التعامل السياسي البنّاء مع التيّار في الكثير من الدول العربيَّة يساهم في زيادة حدّته وتطرّفه ورفضه للطرف الآخر كما يساهم في تأخير عمليَّة إنضاج التطوّر الديمقراطي في البلاد العربيَّة. علينا أن نفكِّر بطريقٍ آخر مع الإسلام السياسي وإلا ساهمنا بإدخال منطقتنا بمزيد من العنف والتراجع.

لقد أفرزت الأنظمة غير الديمقراطيَّة التي تعرفها منطقتنا معارضة بقوّة مراسها وعنادها وعسكريَّة أحكامها. هكذا تتواجه أنظمتنا بأمر يصعب معارضته؛ معارضة تعتمد على الدين وتطبيقه، ربما لو كانت أنظمتنا العربيَّة أكثر مرونة وأكثر استعدادًا لتداول السلطة لتغيير الموقف ولكانت قوى المعارضة لدينا أكثر مرونة هي الأخرى كما هو الحال في تركيا وكما تتطوّر الأوضاع بين الإسلاميّين العراقيّين الذين تحوّلوا نحو المرونة في الصف الشيعي والسنّي بنفس الوقت. بمعنى آخر هكذا نظام سياسي عربي شديد التمسّك بالسلطة والقوّة سوف يفرز بطبيعة الحال معارضة شديدة المراس شديدة التعصّب والمغالاة، بل يمكن القول بأنّه كلّما قامت في عالمنا أنظمة أمنيَّة أكثر قوّة تحوّلت المعارضة إلى نمطٍ أكثر تشدّدًا. هذا وهو الواقع الذي أفرزه النظام العربي في العقدين الأخيرين.

ولقد تعزَّز دور التيّار الإسلامي العربي من خلال آخر مواجهتين بين هذا التيّار وإسرائيل، فقد نجح حزب الله، بطريقةٍ أو بأخرى، في مواجهته في عام 2006 كما نجحت حمس بطريقتها في المواجهة مع إسرائيل، فما استطاعت إسرائيل أن تأخذه بساعات عام 1967 من الدول العربيَّة لم تنجح في أخذه من حماس إبان شهر من القتال، أنّ معركة غزة كانت حرب عربيَّة إسرائيليّة يخوضها الفلسطينيّون، ولكنّها كانت أيضا حرب التيّار الإسلامي السني ضد إسرائيل بعد أن خاض التيّار الإسلامي الشيعي حربه عام 2006 في الحربين كانت الوسائل مختلفة، وفي الجوهر أصبح الإسلام السياسي سلطة مواجهة ودولة مواجهة يمتلك جبهة قتاليَّة إضافة إلى تحوّله لمعارضة شعبيَّة ورئيسيّة في دول عربيَّة شتى، هذا كلّه ساهم في المراحل الأخيرة في زيادة شرعيَّة التيّار الإسلامي وانتشاره في الشارع الغربي.

لكن هل سينتهي التاريخ العربي بالإسلام السياسي؟ بالتأكيد لن ينتهي هناك، فالتيّار الإسلامي يمثِّل مرحلة ولا يمثِّل نهاية، كما يمثِّل قوّة ستلعب دورها في إنهاء واقع النظام العربي كما نعرفه حتى الآن. فالإسلام السياسي قوّة سياسيَّة ستفرض على الدول أن تتعامل مع الحلّ الديمقراطي في نهاية المطاف، فالمستقبل ومسار المنطقة العربيَّة هو نحو الانفتاح الفكري والعقائدي وبناء السلام واحترام الأقلّيّات وفصل الدين واحترام الحرّيّات، فهذا الإطار سيكون جزءًا طبيعيًّا من كل بناء هادف للتنمية في ظلّ وعي الأفراد بحقوقهم، ولكن هذا لا يعني أن لا نرى أنّ هذه المرحلة التاريخيَّة تتضمّن دورًا خاصًّا للإسلام السياسي في مشروع المقاومة والمعارضة وتحرير الأراضي المحتلّة إضافة إلى مشروع التنمية وبناء الدول، أنّ الإسلام السياسي جزء من التشكيلة السياسيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة التي تتطلّب حوارًا وتعاملًا بنّاء، ربما عندما يصل الإسلام السياسي بواسطة صناديق الاقتراع للحكم في أكثر من بلد تكون بداية تعديله لأطروحاته كما حصل في تركيا وكما قد يحصل في العراق وفي مواقع أخرى. أنّ الطريق فيه أكثر من مجرى بما يساهم بعمليّة تغيير شاملة.

_______

*شفيق ناظم الغبرا.

 

جديدنا