الإسلام.. التوحيد والوحدة والدولة

image_pdf

الإسلام دين توحيدي، تتحوَّل الوحدة في أدبيّاته إلى معادل للتوحيد، وقد سيّجها بالشريعة التي تنبع من التوحيد وتنتهي إليه. ولكن وحدويّة الإسلام غير إلغائيَّة، أو أنّ الوحدة أساسًا غير إلغائيَّة، أي أنّها لا تلغي أطرافها المكوّنة مهما تعدّدت، ولا تهمل الخاص من أجل العام، بل تضبطه وتحوّل الخاصّ إلى عامل إثراء للعام، وشرطًا موضوعيًّا للحوار الدائم القائم على أساس أنّ الاختلاف سنَّة أو قانون كوني.

ونقرأ مشهد التعدّد والتنوّع المستوعب بالإيمان ومعياريَّة التقوى، والتحرّك على مساحات مفتوحة ومتجدّدة من المعرفة في الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

ويصل الانتباه إلى التعدّد حدّ أنّ الإسلام الملحّ على الوحدة لا يضع مشروع الدولة الواحدة استقطابًا أو مآلاًا حصريًّا لها، وعندما يصل التعدّد مع حفظ نصاب الإيمان في الوعي والسلوك إلى اقتضاء الدولة المركزيَّة أو الدول الطرفيَّة (الوطنيَّة)، على أساس من الفوارق النوعيَّة الأصليَّة أو المتراكمة من خلال العمليّة التاريخيَّة، فإنّ الوحدة الداخليَّة، على موجبات العقيدة ونظم الأفكار والقيم والمصالح، تقع موقع القبول، حتى من دون إغلاق الباب أمام البحث عن أنساق وحدوديَّة ملائمة لزمانها، وفي حدود إقليميّة متفاوتة في اتّساعها طبقًا للمصلحة.

وهنا يقع الإسلاميّون الحاملون مشروع الدولة الإسلاميَّة المطابقة للأمّة، في مدى السؤال المنهجي عن الأولويّة التي يعطيها الإسلام، ما إذا كانت للسلطة الدولة أم للدعوة، ومن هذا السؤال يتفرَّع سؤال منهجي آخر، عمّا إذا كان الإسلام في مصادره التأسيسيَّة وفي حركته التاريخيّة، قد وصف دولته أم مجتمعه المنشود. وترك مسألة الدولة في حدود ضروريّات الاجتماع الإسلامي، أي أنّها تتشكّل بحسب الظروف الداعية والمتاحة والنماذج السائدة، مطابقة لها أو معدّلة على مقتضى الخصوصيّات؟ ولعلّه هنا بالذات يمكننا أن نميّز العولمة عن العالميّة الإسلاميّة في المستوى السياسي أي مستوى الدولة العالميّة العابرة للدول والأفكار والشعوب والثقافات والحساسيّات. باعتبار أنّها تهديد للنواظم الاجتماعيّة العظمى، من ناظم العقيدة إلى ناظم الأمّة أو القوميّة أو الوطنيّة، إلى سائر النواظم المتراكبة أو المتراتبة أو المتداخلة؟

_______

 

*الراصد التنويري/ العدد السادس/ خريف 2009.

جديدنا