جيل في مهبّ الريح؛ الأطفال في مواجهة إعصار كورونا

image_pdf

 

“قلّص الوباء دخول الأسر، وفي ضوء الفقر المتنامي وغياب الدعم يضطر الكثير من الأطفال للعمل في ظروف غير إنسانية” (غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية)

 

*أ.د. علي أسعد وطفة  – جامعة الكويت

1- مقدمة:

تشكّل المدارس الفضاء الحيوي لتنمية الأطفال والمراهقين وتحقيق رفاهيتهم ونموّهم المعرفيّ والأخلاقيّ. وتأسيسا على ذلك فإن تعطيل المدارس سيشكّل أزمة خانقة بالنسبة إلى الأطفال، إذ تلحق بالغ الأثر بالمجال الحيوي لوجودهم ونمائهم. وعند إغلاق المدارس لفترات طويلة يظهر عدد من المشكلات والصعوبات التي تواجهها هذه الشريحة العمرية.

ومن الصعوبة بمكان الفصل، منهجيّا وواقعيّا، بين إغلاق الدارس، وجوانب التأثير الذي أحدثه هذا الإغلاق في مجتمع الأطفال، حيث تتداخل العوامل والمعطيات بصورة بالغة جدا، فالعلاقة بين المدرسة والأطفال علاقة وجودية شديدة التعقيد، تترابط خيوطها وتتداخل بطريقة عمودية ودائرية، وعلى صورة شبكة معقدة التكوين. ومع ذلك سنحاول الفصل بين هذه المتغيرات بطريقة منهجية، لكنها لا تستطيع مهما بلغت من الدقّة والإحكام أن تعالج هذا التداخل بصورة كاملة. فالأبعاد الصحية والنفسية والاقتصادية والتعليمية تتداخل وتترابط وتتشابك ضمن منظومات تفاعلية جدا، آخذة بالأبعاد الأربعة للوجود بما فيها البعد الزمني المتحرّك. ومن المفارقات التي تزيد الأمور تعقيدا أن الأطفال هم أقل الفئات الإنسانية تعرضا للإصابة بالفيروس المستجد (كوفيد-19)، لكنهم يستطيعون نقل العدوى لمن يخالطهم من الكبار والبالغين. لقد كان تأثير الجائحة على التعليم هائلاً، كما ذكرنا آنفا، حيث بلغت نسبة الطلبة المنقطعين عن العمل 1.6 مليار طفل وطالب في 200 دولة. وقد عبرت أودري أزولاي، المديرة العامة (لليونسكو) عن هذه الوضعية بقولها: “لم نشهد من قبل قط اضطرابًا تعليميًا بهذا الحجم” (اليونيسكو، 2020).

وفي هذا السياق يقول ريتشارد أرميتاج، مدير قسم الصحة العامة وعلم الأوبئة بجامعة نوتنغهام: “على الرغم من أن الخطر على الأطفال ربما لا يكون بنفس مستوى الخطر على البالغين الذين يعلمونهم، فقد يصبح الأطفال حاملين للفيروس وينقلونه إلى أفراد المجتمع المسنين كالآباء والأجداد” (Robson, 2020). وهذا من شأنه أن يجعل العودة الكاملة إلى الحياة الطبيعية أمرًا غير مرجّح بالنسبة إلى معظم الأطفال؛ إذ لا أحد يعرف متى ينتهي زمن الفيروس، ومتى تكون العودة إلى المدارس. وعندما يقترن الإغلاق بالضغوط الأخرى التي يسبّبها العيش في عزلة تحت الحجر الصحي، فإنّ العواقب على الأطفال تكون، بلا شك، وخيمة، وفي مقدّمتها تأخير نموهم المعرفي والعاطفي والاجتماعي. أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين هم في فترات المراهقة الأكثر حرجًا، فإنّ خطر إصابتهم بالأمراض العقلية يصبح أكبر (Robson, 2020)، فضلا عن مخاطر الوقوع في العوز والفقر، من ذلك أنّ بعض المنظمات الدّوليّة تتوقّع أنّ الإغلاق سيؤدي إلى وقوع ما بين 42-66 مليون طفل إضافي في براثن الفقر نتيجة للأزمة، يضافون إلى 386 مليون طفل يعيشون في فقر مدقع قبلها(United nation, 2020).

ولمّا كانت العائلة في مطلق الأحول، تشكل صمام أمان بالنسبة إلى الأطفال، فإنّ هذا الوضع الجديد سيؤدّي حتما إلى زيادة الأعباء على الأسرة والضغط على مواردها النفسية والاجتماعية. وهو ما قد يؤدي، بالتبعيّة، إلى نواتج سلبية على الأطفال ونموهم النفسي والاجتماعي. وهكذا، فقد كانت الأسرة الملاذ الأكثر أمنا للأطفال في ضوء الجائحة، لكن عطالة المدرسة حملت الأسرة ما لا تستطيعه من مسؤوليات وأعباء، حيث توجّب عليها أن تحمل مشاق إضافيّة كانت المدرسة تقوم بها، إضافة إلى وظائفها المضنية. و ممّا أدّى إليه الفقر والعزلة اللّذان فرضتهما الجائحة هوجعل أجواء الأسرة مشحونة بالعطالة والجمود، فكان أن تعطلت قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحياة، ولاسيما في الأسر الفقيرة كثيرة الأفراد، وهكذا ساء المحيط الذي يعيش فيه الأطفال، وازداد احتمال تعرضهم للمخاطر الكبيرة في المنزل الذي تحول إلى سجن حقيقي يكتظ فيه سجناء العائلة كبارُهم وصغارُهم.

من نافلة القول التذكير بأنّ الأطفال والناشئة يعيشون في ظل ثلاثة فضاءات حيوية للتنشئة تتمثل في الفضاء الاجتماعي، والفضاء الطبيعي، والفضاء المدرسي. وتتكامل هذه الفضاءات الثلاثة في عملية التشكيل الروحي، والنفسي، والجسدي للطفل. وتنبني شخصيّته من خلال تفاعله في المدرسة مع الأقران وفي النوادي والملاهي. وبحلول الأزمة وتطبيق الحجر الصحي فقد طفل جناحي وجوده، إذ حُرم من الفضاء الاجتماعي (المدرسة) ومن الفضاء الطبيعي: الطبيعة. وهذا الأمر يشكل نوعا من التدمير الكبير في شخصية الطفل وكينونته الاجتماعية. وهو ما يفضي في المحصّلة إلى وضعية شديدة التأزّم تؤثّر بصورة مباشرة وأكيدة في تنمية شخصية الطفل وتربيته.

أما الفضاء الثالث، ونعني به الجو الأسري، فهو متخم بمسؤوليات كبيرة جدا، حيث يصعب على أفراد الأسرة جميعا تحمل هذا الضغط الكبير الهائل الذي يأخذ أبعادا سيكولوجية وتربوية واجتماعية ضاغطة وخطيرة. وفي اللحظة التي نعلن فيها عن أهمية التفاعل الاجتماعي تواجهنا الصدمة التي تدعو إلى التباعد الاجتماعي بكل ما يحمله هذا التباعد من أبعاد اغترابية تفصل بين الإنسان والإنسان، وتجعل من الآخر خطرا متفجّرا يهدد حياة الذين يحيطون به.

فمن المعلوم أن المدرسة والمؤسسات الاجتماعية تقوم بوظائف تربوية تتجاوز إلى حدّ كبير حدود التعلم والتعليم، إذ هي معنية وفاعلة في ميدان التنشئة الاجتماعية، أي تكوين الروح والجسد والنفس والهوية الاجتماعية. وهي عمليات لن تتم داخل المنزل وحده. وهذا يعني أنه مهما يكن من تسليمنا بقدرة التعليم الإليكتروني في المنزل على أن يحل جزئيا إشكالية التعلم والتعليم، فإنّ هذا التعليم عن بعد ينأى عن القصد في مجال بناء الشخصية. وهنا تكمن إحدى أكبر مشكلات الحجر الصّحي والتعليم عن بعد.

ويظلّ، بالرغم من كلّ الفروض، سؤال مهم قائم يدور في خلد الكثيرين، ألا وهو: هل سيستمر زخم التعلم الإلكتروني فيما بعد كورونا، أم أنه سيختفي، وتعود الأمور إلى مسارها السابق؟ تتعدد الآراء هنا بين من يظن -أو ربما يتمنى- أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ومن يعتقد أنه لا رجعة عن التعلم الإلكتروني الذي طال انتظار التحوّل إليه بشكل أكبر.

إنّ ظروف الإغلاق القسري للمدارس، قد واكبته، كما أسلفنا مشكلات اجتماعية وتربوية شديدة الوطأة على الأسرة التي استيقظت للقيام بوظائفها القديمة المتجدّدة، فبدا الحمل ثقيلا عليها، في سياق هذا العصر الذي نعيشه، بما يميّزه من تعقّد الحياة فيه، وهكذا برزت تحديات تربوية كبيرة جعلت من حياة الأطفال جحيما في داخل الحصار الأسري. وتبين الملاحظات الجارية في هذا المسار تنامي مشكلات جديدة لم تكن في الحسبان، ونذكر منها:

-تزايد حالات الانتحار حتى بين صفوف المعلمين وأساتذة الجامعات، وقد أعلنت وكالات الأنباء عن انتحار خمسة أساتذة في إحدى الدول العربية (المغرب أخيرا).

-تزايد حالات الإجرام الإليكتروني نتيجة الاستغراق في اللعب الإلكتروني وقد فاجأتنا وسائل الإعلام أخيرا أن طفلا فرنسيا قام بقتل جميع أفراد الأسرة بنفس طريقة اللعبة التي يؤديها في الكمبيوتر وعندما جاءت الشرطة كان يتابع اللعبة وطلب منهم إمهاله حتى ينتهي من اللعبة.

– تزايد حالات طلب الطلاق بين الأسر، وتزايد حالات العنف الأسري.

– تراجع المستوى التعليمي للأطفال، وتزايد المشكلات النفسية والصحية عند الأطفال.

– ارتفاع مستوى معاناة الأسر الفقيرة من ظروف الحجر الصحي الذي أودى بأرزاقهم ووظائفهم.

-إدمان بعض الأطفال على الأجهزة الرقمية والألعاب الإلكترونية الخطيرة التي تسبب لهم انفصاما سيكولوجيا يربك حياتهم الواقعية.

– استحالة التعلم عن بعد بالنسبة لفئات واسعة من الأطفال لعدم وجود البنية التحتية والترسانات الرقمية الضرورية لتعليمهم. وقد أصبح هؤلاء الأطفال ضحية الوباء الذي أدى إلى إقصائهم كليا من المدرسة، وسيؤدي حتما إلى فشل مؤكد في العملية المدرسية.

وفي نظم التعليم الأكثر هشاشة، سيكون لهذا الانقطاع في السنة المدرسية تأثير سلبيّ غير متناسب على التلاميذ الأكثر ضعفاً، الذين يواجهون محدودية في الظروف التي تكفل استمرارية التعلُّم في المنزل. ومن شأن وجودهم في المنزل أيضاً أن يزيد من تعقّد الوضع الاقتصادي لآبائهم وأمهاتهم الذين يتعيّن عليهم إيجاد حلول لتوفير الرّعاية، أو لتعويض خسارة الوجبات الغذائية المدرسية.

وثمة قلق متزايد من أنّه في حالة عدم تقديم الدّعم الملائم لهؤلاء الطلاب، فإنهم قد لا يعودون إلى المدارس أبداً، ومن شأن ذلك أن يزيد من مفاقمة التفاوتات القائمة بالفعل، وقد يعكس مسار التقدّم المحرز بشأن الهدف الرابع وغيره من أهداف التنمية المستدامة، فضلًا عن مفاقمة أزمة التعلُّم القائمة بالفعل، وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى تآكل القدرة الاجتماعية والاقتصادية الاستمرار، فأغلب الأطفال قد لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس في العام المقبل بسبب التأثير الاقتصادي للجائحة وحده (اليونيسكو، 2020).

2- التغذية وصحة الأطفال:

أدّت الجائحة إلى زلزلة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وكان من نتائجها تدمير الاقتصاد العالمي وكساده، وأدّى هذا بدوره إلى ظهور موجة هائلة من الفقر والفاقة والجوع انعكس على صحّة الأطفال ومستويات تغذيتهم. وتشير التوقعات الأممية إلى أن 270 مليون شخص في جميع أنحاء العالم سيواجهون انعدام الأمن الغذائي بسبب الجائحة (Save the Children, 2020). ومن المرجّح أن تواجه كثير من الأسر غائلة الفقر والجوع في جميع أنحاء العالم نتيجة لفقدان الوظائف وتقييد الحركة وانخفاض التحويلات وفقدان فرص العمل بسبب زيادة أعباء الرعاية وارتفاع التّكاليف. وتظهر تلك التقارير أن 89٪ من الآباء الذين ظلّ أطفالهم خارج المدرسة لمدة 20 أسبوعًا أو أكثر، واجهوا صعوبات كبيرة في تأمين ثمن الطعام، وأن ثلث الآباء يتناولون طعامًا أقل منذ بداية الجائحة (United nation, 2020).

وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ كثيرا من المدارس حول العالم كانت تقدم للأطفال وجبات غذائية غنية خلال الدوام المدرسي، وتشرف على صحتهم الجسدية والنفسية. وفي ضوء غياب الدعم والبنية الهيكلية اللذين كانت توفرهما المدارس، ستتأثر تغذية الطلبة وصحتهم البدنية سلباً، بالنظر إلى اعتماد نحو 368 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم على برامج التغذية المدرسية (البنك الدولي، 2020، 6).

وتبيّن التقارير الجارية أنّ 370 مليون طفل في 195 بلداً قد تضرروا من فقدان الوجبات المدرسية وغيرها من الخدمات المتعلقة بالصحة والتغذية في الأشهر الأولى من الجائحة، ممّا أدى إلى زيادة معدلات الجوع ونقص التغذية بين أشد الفئات حرماناً. ومع ذلك، تمكّنت بعض البلدان من تكييف برامج التغذية المدرسية والحفاظ عليها (ECLAC, 2020) ويؤثر تعطل الأنشطة التعليمية أيضا على الخدمات الصحية والخدمات النفسية – الاجتماعية، لأنّ المؤسسات التعليمية تعمل أيضا كمنصّات للوقاية والتشخيص وتقديم المشورة.

وغنيّ عن البيان أن المدارس تؤدّي دورًا رئيسيًا في تغذية الطلبة تغذية صحّية. ففي المملكة المتحدة يحظى 1.3 مليون طفل بالحصول على وجبات مدرسية مجانية. وفي الولايات المتحدة يوفر البرنامج الوطني للغذاء المدرسي وجبات غداء مجانية أو منخفضة التكلفة لـ 29.7 مليون طفل. وتظهر العديد من الدّراسات وجود علاقة بين التغذية والأداء المدرسي للأطفال، مثلما تظهر أنّ الوجبات المدرسية الصحية تحسّن النتائج التعليمية، وأن الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة وغير المشبعة قد يكون لها تأثير سلبي على الدّماغ، مما يؤثر على التعلم والذاكرة (Gómez-Pinilla, 2008).

وتعتبر الوجبات المدرسية مهمة بشكل خاص للأطفال الذين ينحدرون من أسر ذوات دخل منخفض، لأنهم لا يستطيعون دائمًا الحصول على الأطعمة المغذية في المنزل، ولاسيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث يعاني السكان من انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية. وتسهم هذه الوجبات أيضًا كحوافز لإبقاء الأطفال في المدرسة وتكون بمثابة إعفاء مالي للعائلات. ويعوق إغلاق المدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية توفير الخدمات الأساسية للأطفال والمجتمعات المحلية؛ فقد تضرر 370 مليون طفل في 195 بلداً من فقدان الوجبات المدرسية وغيرها من الخدمات المتعلقة بالصحة والتغذية في الأشهر الأولى من الجائحة، مما أدى إلى زيادة معدلات الجوع، ونقص التغذية بين الفئات الأشدّ حرمانا. ومع ذلك، تمكّن بعض البلدان من تكييف برامج التغذية المدرسية والحفاظ عليها (ECLAC, 2020).

وفي البلدان التي ترتفع فيها معدلات الفقر، تصل نسبة إحدى الوجبات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي إلى أكثر من 10٪ من الدخل الشهري للأسر الأشد فقراً. لذلك، ربما يهدّد فقدان الوجبات المدرسية الأمن المالي والغذائي للأسر الضعيفة اقتصاديًا. وعلى الرغم من قيام أكثر من 70 دولة، بما في ذلك 45 دولة منخفضة الدخل، بوضع برامج استثنائية لمواصلة دعم وصول الأطفال إلى الوجبات المدرسية (بما في ذلك الوجبات المنزلية أو القسائم أو التحويلات النقدية)، فإنه من المرجّح ألاّ تتم تغطية جميع الفئات السكانية المعرضة للخطر.

وقد يكون لدى الأطفال الذين لم يعد بإمكانهم الوصول إلى الوجبات المدرسية موارد أقل للوقاية من نقص المغذيات الدقيقة وانخفاض مستويات الطاقة، وقد يواجهون صعوبة في مواصلة تعليمهم إذا كان ذلك هو حافزهم الأساسي للحضور. في غرب أفريقيا وجنوبها، أبلغت (اليونيسف) عن زيادة معدلات سوء التغذية، لأن الأطفال يفقدون وجبات مدرسية. وفي الهند، الدولة التي لديها أكبر برنامج للتغذية المدرسية في العالم، غابت الوجبات المدرسية عن نحو 90 مليون طفل (Save the Children, 2020).

ومع كلّ انخفاض بنقطة مئوية في الناتج المحلي الإجمالي، قد يواجه 700.000 طفل إضافي في جميع أنحاء العالم سوء تغذية مزمنا يؤدّي إلى التقزّم. ومن المتوقّع أن تزداد معدلات سوء التغذية الحادّ، أو الهزال، في السياقات التي تكون فيها الآثار أكثر حدّة، أو حيث توجد أزمات موجودة مسبقًا(Save the Children, 2020).

وتوقّعت مجلة The Lancet أن يواجه 6.7 مليون طفل إضافيّ دون سن الخامسة الهزال بسبب الجائحة، في حين توقع برنامج الأغذية العالمي زيادة بنسبة 20٪ في عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين سيعانون من سوء التغذية الحاد، أي ما يعادل 10 ملايين طفل إضافي (Save the Children, 2020). ومن المرجّح أن تواجه الفتيات سوء التغذية في جميع أنحاء العالم أكثر من الأولاد، بسبب مشاكل بيولوجية (مثل الدورة الشهرية والحمل، على سبيل المثال)، أو بسبب عدم المساواة بين الجنسين (مثل التوزيع غير المتكافئ للأغذية وتقسيم العمل)، في بعض البلدان الأخرى، والذي تحتاج الفتيات معه إلى سعرات حرارية أكثر مما يحصلن عليه. وقد يزيد نقص التغذية من القابلية للإصابة بالأمراض والعدوى، وقد يضعف النمو البدني والعقلي لديهم، من ثم قد يصبحون أكثر عرضة للتغيّب عن المدرسة، ويواجهون المزيد من الصعوبات في التعلم (Save the Children, 2020).

وتقوم المدرسة عمليا بواجبات الإشراف الصحي على الأطفال، وهذا الأمر مهم جدا للأطفال وعائلاتهم. إذ تقدم المدارس معلومات مهمة عن القضايا المتعلقة بالصحة، مثل كيفية الوقاية من الأمراض المعدية والسيطرة عليها، وتوفّر الإرشادات الطبية والصحية للأطفال ولذويهم في وقت واحد. وممّا لا شك فيه أنّ الإغلاق المدرسي عطل وصول الأطفال وذويهم إلى المعلومات الصحية الضرورية (ACAPS, 2020). ويصبح هذا الأمر معقدا وصعبا عندما لا يستطيع الآباء تعويض هذه الخدمات الإرشادية المتوفرة في المدرسة. ويشار إلى أن الأطفال تفوتهم تعليمات ممارسة النظافة التي غالبًا ما يتمّ تعلمها في المدارس، بما في ذلك غسل اليدين بانتظام، وهو إجراء حاسم لتقليل مخاطر انتقال الفيروس. وقد يلجأ الأطفال الأكبر سنًا على وجه الخصوص إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من مخاطر انتشار المعلومات المضلّلة. وقدلا تتلقّى الأسر التي ليس لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت أي معلومات بشأن الجائحة، بما في ذلك كيفية حماية أنفسهم، ومكان الحصول على الرعاية الصحية والمشورة (ACAPS, 2020).

3- تأثير الإغلاق على الصحة العقلية والنفسية للأطفال:

فرض الانقطاع عن الدراسة وإغلاق المدارس في أنحاء العالم مخاطر كبيرة على صحة الأطفال النفسية والعقلية. فالمدرسة – كما يعرف المربّون- تشكل شريان الوجود والحياة للأطفال، وهي جنّة وجودهم، فيها ينشؤون ويلعبون ويهزجون ويتشكلون روحيا ونفسيا وأخلاقيا. ومن ثم، فإن القطيعة المدرسية تشكل كابوسا ثقيلا تنوء به عقولهم ومشاعرهم وانفعالاتهم، وربما يقودهم إلى حالة من الاضطراب العاطفي والذهني والانفعالي. وتلك هي الحقيقة التي أثبتتها الدراسات التاريخية حول واقع حياة الأطفال أثناء الأزمات الخانقة والحروب التي دفعتهم خارج جدران مدارسهم. وقد شكّل هذا الموضوع محور اهتمام الباحثين والدارسين والمنظمات الأممية المعنية بالأطفال والتحديات التي تواجههم. ومن أجل هذه الغاية أجرت منظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children) دراسة استقصائية حول انقطاع الأطفال عن المدرسة ومقدّمي الرعاية في مدارس شملت 37 دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية، وذلك لتقييم أثر الانقطاع المدرسي على الصحة النفسية والعقلية للأطفال ومستويات تعليمهم وترفيههم. وخرجت الدراسة بنتائج خطيرة بيّنت من خلالها أن 83٪ من 8.000 طفل شملهم الاستطلاع، أفادوا بسيطرة المشاعر الانفعالية السلبية كنتيجة طبيعية لتفشّي الوباء والانقطاع عن المدرسة، وبأنّهم أصبحوا ضحيّة مشاعر القلق والخوف والتوتّر المستمرّ. وقد سجّل 96% من الأطفال في شرق إفريقيا وجنوبها مشاعرهم السلبية إزاء الإغلاق المدرسي المستمر لمدة تتراوح ما بين 17-19 أسبوعًا (Edwards, 2020). وقد أكّد الآباء أنّ أطفالهم يعانون من القلق والتوتر والخوف وانعدام الأمن أثناء الإغلاق، وأفادوا بأن أطفالهم بدؤوا يعانون من قلة النّوم وضعف الشهية، والسلوك العدواني وضعف القدرة أيضا على ضبط عواطفهم ومشاعرهم والسيطرة على ميولهم الانفعالية كالغضب والحزن والعصبية وسرعة البكاء (Edwards, 2020).

وقد أقرّت منظمة الصحة العالمية بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه الجائحة على الصحة العقلية للأطفال، وأكّدت أنّهم ربّما يواجهون القلق والتوتّر والخوف. وأظهرت دراسات أجريت على أطفال المدارس وآبائهم في الصّين وبنغلاديش وإيطاليا وإسبانيا زيادة درجة الاكتئاب والقلق بين الأطفال أثناء عمليات الإغلاق، وبيّنت أن فترات الإغلاق الطويلة أدت إلى شعور الأطفال بالعزلة الاجتماعية والوحدة التي قد تؤدّي إلى تدهور الصحّة العقلية ووقوعهم في براثن الاكتئاب في المستقبل، وأكّدت أن وضعية الإغلاق قد تؤدي عامّة إلى تدهور الصحة العقلية للأطفال وإلى زيادة حدة التوتر لديهم، وقد يؤثر ذلك سلبا في عملية نموهم العقلي وقدرتهم على التعلم في مستقبلهم المدرسي. وبعبارة أخرى، فإن الإغلاق المستمر والطويل قد يؤثر على النتائج التعليمية للأطفال وصحتهم حتى بعد عودتهم إلى المدرسة (ACAPS , 2020). واتّضح من الدراسة أنه ربما يكون لسوء الصحة العقلية ومستويات التوتر المرتفعة تأثيرات طويلة المدى على رفاهية الطفل وتعلّمه ونموّه العام (Banque Mondiale, 2020). وهذا يعني أن تدهور الصحة العقلية أثناء إغلاق المدارس قد يؤثر على النتائج التعليمية للأطفال وصحّتهم حتى بعد عودتهم إلى المدرسة.

ويلاحظ الخبراء في هذا السياق أن الانقطاع عن المدرسة ارتبط بالانقطاع عن جماعات الأقران التي تؤدي دورا حيويا في عملية البناء النفسي للطفل. ومن المعروف تربويا أنّ هذه الجماعات تشكل المجال الحيوي لنمو الطفل عقليا ونفسيا وجسديا. وهذا يعني أن القطيعة المدرسية والحظر المنزلي يحرم الطفل من التفاعل مع جماعات الأقران والتواصل مع الرفاق، وهذا بدوره يؤدّي إلى نتائج كارثية في مجال توازن الطفل نفسيا وجسديا، وإلى زيادة المشاعر السلبية مثل التوتر والقلق والاكتئاب (ACAPS, 2020). وتبين الملاحظات العلمية أن المراهقين الذين يعيشون في أشد فترات المراهقة حرجًا قد يتعرضون بدرجة أكبر من غيرهم للإصابة بالأمراض العقلية والعقد النفسية(Save the Children, 2020). وتبين أن الأطفال القاطنين في المناطق الحضرية الذين انقطعوا عن ملاقاة أصدقائهم صاروا أكثر عرضة للشعور بالقلق والتوتر والإجهاد النفسي مقارنة بنظرائهم في المناطق الريفية (Save the Children, 2020).

ولا بدّ لنا، في هذا السياق، من الإشارة إلى دور المدرسة في استكشاف الأمراض النفسية والصعوبات الانفعالية التي يواجهها الأطفال والتلامذة، وإلى الدور الكبير الذي تؤديه في معالجتهم، ووضعهم تحت الرعاية النفسية وإشراف المتخصّصين في التوجيه والإرشاد النفسي. وهذا يعني أن الإغلاق المدرسي قد يؤدي إلى كارثة كبيرة للأطفال الذين يتلقون العناية الصحية في المدارس، مثلما يحرم الآخرين من عنصر الرقابة الوظيفية الذي تمارسه المدرسة في حماية الأطفال ورعايتهم. ويبنى على ذلك أن التطور النفسي للطفل سيتعرض للكثير من الضرر أثناء الحجر المنزلي والانقطاع عن المدرسة. وغالبًا ما يكون المعلمون هم أول من يلاحظ تدهور الصحة العقلية بين طلبتهم ويشجعونهم على طلب العلاج. وتوفر العديد من المدارس الاستشارة والعلاج النفسي كوظيفة أساسية من وظائفها. فعلى سبيل المثال، يتلقى نحو 35٪ من المراهقين الأمريكيين رعاية صحية نفسية في مدارسهم حيث تكون المدارس هي المصدر الوحيد لمعالجة مشكلاتهم النفسية والعقلية (Robson, 2020).

وما يزيد الأمر تعقيدا أن أجواء الحجز المنزلي، التي تؤدي، كما أشرنا آنفا، إلى توليد الصعوبات النفسية والعقلية، لا تمكن الآباء والأمهات من استكشاف هذه الصعوبات، وهم أصلا ليسوا مؤهلين لعلاجها. ويزداد الأمر حدّة في أوساط العائلات الفقيرة التي يعاني أربابها من الأمّية وضعف الثقافة الصحية. وتظهر الدراسات أن المخاوف التي يواجهها الأطفال سيكون لها تأثير سلبي جدا على مؤشرات أهداف التنمية المستدامة للأطفال في مجال الصحة والتعليم والرفاهية النفسية والاجتماعية ( النمري، 2020).

ومن المرجّح أن يكون لإغلاق المدارس تأثير متفاقم على الطلبة الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية، كما أظهر استطلاع لمنظمة بحثية بريطانية شمل 2.036 مشاركًا لديهم تاريخ من المرض العقلي في المملكة المتحدة ممّن كانت أعمارهم تصل إلى 25 عامًا (YoungMinds, 2020). وقد أعلن 83% من المستفتين بأنّ إغلاق المدارس أدّى إلى تفاقم مرضهم العقلي، وأعلن 26% منهم أنهم صاروا غير قادرين على الحصول على الدعم اللازم، وذكر 80٪ أن الجائحة جعلت صحتهم العقلية أسوأ بكثير مما كانت عليه، وغالبًا ما كان هذا مرتبطًا بزيادة مشاعر القلق أو العزلة، أو فقدان آليات التكيف أو فقدان دوافع التكيف مع هذه الأوضاع، وقد أعلن 87٪ من المشاركين أنهم شعروا بالوحدة أو العزلة خلال فترة الإغلاق، على الرغم من أن 71٪ منهم تمكنوا من البقاء على اتصال مع الأصدقاء (YoungMinds, 2020).

4- تأثير إغلاق المدارس في مستوى رفاهية الأطفال:

من المعروف في التربية وعلم النفس أن الطفل ينمو في مسارح اللعب وفي أجواء الفرح، وغالبا ما يتمّ هذا النشاط في الطبيعة والحدائق والحقول. ويشكّل اللعب والترفيه عند الطفل أهمّ أركان نموه الأخلاقي والنفسي والإنساني. ومن هنا تتأتّى أهميّة السؤال الآتي: كيف يمكن أن يؤثر فقدان اللعب في حياة الأطفال أثناء اشتداد الأزمة؟

لقد أدت إجراءات الإغلاق الصارمة في ظروف انتشار الفيروس إلى فقدان الأطفال إمكانية الوصول إلى ملاعب المدارس والحدائق العامّة. وشكلت هذه القضية مدار اهتمام الباحثين والمفكرين. ويمكن الإشارة إلى الاستقصاء الذي أجرته منظمة “حماية الأطفال” على عينة من الآباء بلغت 17.000 في سبتمبر 2020 حول تأثير الإغلاق المدرسي في ترفيه أطفالهم. وقد أفاد أكثر من ثلث العيّنة من الآباء (35٪) بأنّه ليس لدى أطفالهم إمكانية الوصول إلى المساحات الخارجية، وزادت هذه النّسبة إلى الثلثين (63٪) بين الأسر في المدن الكبرى. وأشار طفلان من كلّ خمسة أطفال إلىافتقادهم الكبير للّعب، وأفاد نصفهم عن قيامهم بمزيد من الأعمال الروتينية، ورعاية الأشقاء أكثر مما كان عليه الأمر قبل الجائحة (Edwards, 2020).

5- الاتجار بالأطفال واستغلالهم:

تؤدي الضغوط المالية، جنبًا إلى جنب مع إغلاق المدارس وفقدان/أو تقليل رعاية الوالدين، وتقديم المشورة وخدمات الصحة العقلية، إلى خطر الاستغلال الجنسي للأطفال. ويتم الاتّجار بالأطفال في معظم الحالات بغرض العمل أو الاستغلال الجنسي التجاري أو الزواج القسري أو التّجنيد من قبل الجماعات المسلحة (ACAPS, 2020). وتُعدّ الفتيات بشكل خاص أكثر تعرضا لخطر الاتّجار. وقد زادت جائحة كورونا من صعوبة تحديد وإنقاذ الأطفال الذين يتم الاتجار بهم واستغلالهم. وحتى قبل انتشار الجائحة، كان تحديد ضحايا الاتّجار أمرًا صعبًا لأنّه غالبًا ما يتم استغلالهم بشكل غير قانوني. وقد يكون الأطفال المتّجر بهم خائفين من الإبلاغ عن تعرّضهم للإيذاء، أو لا يستطيعون فعل ذلك (ACAPS, 2020). ومع القيود الحكومية العالمية لمنع انتشار الفيروس، ونقص منظمات المجتمع المدني الناشطة، وإغلاق المدارس وأماكن التعلم حيث يمكن لموظفي المدرسة اكتشاف الأطفال الذين تمّ الاتجار بهم، ازداد عدد الأطفال الذين يتمّ الاتجار بهم واستغلالهم (ACAPS, 2020).

 6- عمالة الأطفال:

دفعت الأزمة النّاجمة عن إغلاق المدارس إلى تضخم ظاهرة العمالة عند الأطفال، ولاسيما في البلدان الفقيرة والأسر ذات الدخول المتواضعة. ومن المعروف تاريخيا أن تواتر هذه الظاهرة يكون أكبر في الحروب والأزمات، ويزداد بزيادة مستوى الفقر في المدن والأرياف. وقد أدّت الجائحة إلى فقدان الوظائف وإفلاس الشّركات، وفقدان كثير من الآباء مصدرَ رزقهم. وهو ما دفعهم إلى تشغيل أبنائهم. فالعائلات منخفضة الدخل لا تملك المدخرات أو الائتمان لتحمل الصّدمات والنكسات المالية مثل فقدان العمل والدّخل. وبدون مساعدة حكومية كافية، يُطلب من كلّ فرد قادر في هذه الأسر المساهمة في بقاء الأسرة.

ولا شكّ أنّ عمليات الإغلاق الواسعة النطاق، وإغلاق المدارس، وازدياد عدد الشركات التي تعاني من خسائر هائلة في الوظائف والدخل تشكل عوامل مواتية لزيادة مخاطر عمالة الأطفال، والتي يمكن أن تشمل الأعمال الشاقة والخطيرة. وقد تدفع الجائحة والإغلاق الأطفال إلى العمل ساعات أطول للحصول على مزيد من الدخل، مما يتسبب في ضرر كبير لرفاهيتهم وسلامتهم الصحية والجسدية. يضاف إلى ذلك ازدياد الطلب على العمالة الرخيصة، مما يعرض الأطفال لخطر الاستغلال الرّهيب.

وفي هذا السّياق، توقعت منظمة العمل الدولية ازدياد عمالة الأطفال لأوّل مرة منذ 20 عامًا، وذكرت أنّه مقابل كل زيادة بنسبة 1% في الفقر، قد تكون هناك زيادة مقابلة بنسبة 0.7 ٪ في عمالة الأطفال. وأظهرت الأدلة المستمدة من وباء الإيبولا أنه كلما طال إغلاق المدارس، زاد احتمال انضمام الأطفال إلى القوى العاملة، وقل احتمال عودتهم إلى المدرسة (ACAPS, 2020).

وأظهرت الأبحاث أن عمالة الأطفال تعوق نموّهم وفرصهم في المستقبل، إذ غالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للبطالة أو انعدام الأمن الوظيفي، كما أنّ كثيرا منهم يعملون في ظروف خطرة، وأن استمرار دورة الفقر وعمالة الأطفال لفترات طويلة قد تؤدي إلى تسربهم وعدم عودتهم إلى المدرسة مع تقدمهم في السنّ. يضاف إلى ذلك أن بعض الأسر الفقيرة التي تعاني من ضغوط مالية قد تمانع كليا في عودة الأطفال الأكبر سنّا إلى المدرسة بعد فترة طويلة من الانقطاع المدرسي (ACAPS, 2020).

وتشير الأبحاث التي أجرتها خدمة معلومات السّلام الدولية في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى زيادة عدد الأطفال دون سن 15 عامًا الذين يعملون في مناجم الذهب والماس. وسجلت هذه الظاهرة نفسها في نيجيريا ومدغشقر. وفي الهند لاحظت المؤسسات الاجتماعية المعنية بحماية الأطفال (DCPCR) زيادة في عمالة الأطفال منذ بداية الجائحة، وأنهم يعملون في ظروف غير آمنة ولا صحيّة (ACAPS, 2020).

وأظهرت دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن الأطفال العاملين في الأساس قد يضطرون إلى العمل ساعات أطول أو في ظروف أسوأ في ضوء الجائحة والانقطاع، وهذا يعني أن الانقطاع عن المدرسة يزيد من الصعوبات والمعاناة للأطفال الذين يعملون في العادة، وقد تُرغَم أعداد متزايدة منهم على ممارسة أسوأ أشكال عمل الأطفال مما يضر كثيراً بصحتهم وسلامتهم (منظمة العمل الدولية، 2020). وفي هذا الخصوص يقول غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية: ” إن الوباء قلص دخول الأسر، وفي ضوء الفقر المتنامي وغياب الدعم يضطر الكثير من الأطفال للعمل في ظروف غير إنسانية”، ويطالب بأن تدرج مشكلة العمالة ضمن سياسات التعليم وأن توفر لهم الحماية الاجتماعية الدولية من أجل تحقيق العدالة وحماية حقوقهم (منظمة العمل الدولية، 2020).

وتقول هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لليونيسف في هذا الخصوص: “في أوقات الأزمة، يصبح عمل الأطفال آلية للصمود لدى كثير من الأسر. فمع تزايد الفقر، تغلق المدارس أبوابها وتتناقص الخدمات الاجتماعية ويضطر المزيد من الأطفال إلى العمل. وبينما نعيد رسم ملامح العالم بعد كوفيد، علينا التأكّد من امتلاك الأطفال وأسرهم الأدوات المطلوبة لمواجهة العواصف المماثلة في المستقبل. وربما يكون التعليم الجيد، وخدمات الحماية الاجتماعية، وتحسين الفرص الاقتصادية عوامل مهمة في التغيير نحو الأفضل” (منظمة العمل الدولية، 2020).

وينتهي تقرير منظّمة العمل الدولية إلى التأكيد على تزايد عمالة الأطفال ضمن شروط بائسة وخطرة. وقد تزداد حدة اللامساواة بين الجنسين لأن الفتيات معرضات بشكل أكبر للاستغلال في الزراعة والعمل المنزلي. وتقترح الدراسة عدداً من التدابير لمواجهة مخاطر زيادة عمل الأطفال، كتوفير حماية اجتماعية أكثر شمولاً، وتسهيل حصول الأسر الفقيرة على القروض، وتعزيز العمل اللاّئق للبالغين، وتدابير لإعادة الأطفال إلى المدرسة، مثل إلغاء الرسوم المدرسية، وتوفير المزيد من الموارد لمراقبة العمل وتطبيق القانون (منظمة العمل الدولية، 2020).

وتفيد بعض التقارير أن 152 مليون طفل وجدوا أنفسهم في سوق العمل مجدداً إثر انقطاع المؤسسات التعليمية عن العمل، ولاسيما في الأشهر الأولى من الجائحة، وهو رقم ” يتوقع أن يتعاظم في إحصاءات عام 2021 لاسيما مع تسرب نحو 49% من الطلبة – 67 مليوناً- من التعليم في شرق وجنوب أفريقيا، و 48% غرب ووسط القارة الأفريقية، تليهما بنسبة مرتفعة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تسرب 40% من الطلاب من التعليم كونهم لا يستطيعون الاستفادة من وسائط وآليات التعليم عن بعد”( حسن،2020).

وباختصار أدّى التعليم عن بعد إلى كارثة كبيرة تتعلق بعمالة الأطفال، فقد تسبّب إغلاق المدارس، الناجم عن فيروس كورونا المستجدّ، في خروج الأطفال من مقاعد الدراسة إلى الشوارع للعمل في أجزاء كثيرة من العالم النامي بسبب حاجة عوائلهم إلى المال. ووفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإنّ مئات الملايين من الأطفال في البلدان الفقيرة، يفتقرون إلى أجهزة الكمبيوتر أو الإنترنت وقد توقّفوا عن التّعليم بشكل كامل.

وهنا أيضا، ومن جديد، فإنّنا نعتقد بحضور إشكالية التّفاوت الاجتماعي بين الأسر الفقيرة والميسورة، لا سيّما في ما يتعلّق بثقافة الأبوين، ومساحة المنزل، ودخل الأبوين، وعدد أفراد الأسرة. ويمكن القول بأن الأسر الميسورة ماديا، والمحظوظة ثقافيّا هي الأسر الأقل عرضة للخطر من الأسر الفقيرة التي تتميز بتعدّد الأطفال، وبصغر المساحة في السكن وضعف ثقافة الوالدين. وقد ساهم إغلاق المدارس الناجم عن فيروس كورونا المستجدّ، في خروج الأطفال من مقاعد الدراسة إلى الشوارع للعمل، كما أسلفنا.

7- زواج الأطفال:

عملت المنظّمات الدولية والإنسانية منذ عقود على محاربة ظاهرة زواج الأطفال القصر التي تشكل ظاهرة اجتماعية ضاربة الجذور في البلدان الفقيرة والمجتمعات التقليدية في البلدان النامية. ويقدّر الخبراء وعلماء النفس أن زواج القصّر يشكل واحدة من أخطر الكوارث التي تصيب الأطفال وتدمّر مستقبلهم. ويُلاحظ أن هذه الظاهرة تستشري وتشتدّ أوقات الأزمات. وقد شكلت أزمة كورونا والإغلاق الناجم عنها مناخا مشجعا على زيادة الزّواج المبكّر للأطفال. ووفقا لتقديرات إحصائية فإنّ العالم يشهد سنويا ​​12 مليون حالة زواج مبكّر، لكن الجائحة والإغلاق سيؤديان إلى زيادة خطيرة في أبعاد هذه الظاهرة. ويقدّر أن 2.5 مليون فتاة إضافية سيصبحن عرضة لخطر الزّواج المبكّر في السنوات الخمس المقبلة نتيجة لـلجائحة.

وكما في الأوبئة السابقة، سيؤدي إغلاق المدارس إلى مضاعفة المخاطر التي تثقل كاهل الأطفال الإناث، حيث تكون الفتيات الصغيرات عرضة لكلّ أشكال العنف المنزلي والاعتداء الجنسي والزواج المبكّر والقسريّ. فالأطفال يتعرّضون لخطر متزايد من الزواج القسري عندما يكونون خارج المدرسة، والفتيات معرضات بشكل خاص لخطر زواج الأطفال حيث تواجه الأسر تزايدًا في انعدام الأمن الاقتصادي والغذائي وتلجأ إلى تزويج بناتها لتقليل التكاليف المالية للحياة، والتقليل من عدد الأفواه التي يجب إطعامُها. ومع مثل هذا الزواج يأمل الآباء الفقراء أن تكون بناتهم الصغيرات في وضع أفضل مع الزواج من أفراد أسر تتمتع باستقرار مالي أكبر. وقد تلجأ عائلات أخرى إلى تزويج بناتها من أجل المهر والمكاسب المالية. وتشير الدلائل المستمدّة من أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا إلى أنه عندما تدفع الموارد المحدودة الآباء إلى اختيار الأطفال الذين سيرسلون إلى المدرسة، يتم عادةً إعطاء الأولوية للفتيان، ممّا يزيد من تعرّض الفتيات لانتهاكات الحماية. وفي العديد من البلدان، وفقًا للبنك الدولي، قد يقلل التعليم الثانوي من احتمال زواج الأطفال كل عام بنسبة 5٪ على الأقل، ومن المرجّح أن يكمل الأطفال في حالات الزواج المبكر سنوات أقلّ من التعليم ويتركوا تعليمهم مقارنة بأقرانهم.

8- الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت:

توفّر المدرسة للأطفال مكانًا آمنًا من الآثار السلبية للتواصل الاجتماعي مع أصدقائهم وأقرانهم. لكن مع وجود الأطفال الإلزاميّ في المنزل وفقدان الإرشاد التربوي المعهود في المدرسة وغياب أولياء الأمور ووجود مساحة واسعة من الفراغ القاتل في المنزل، يجد الطفل فائضا من الوقت للتّسكّع على صفحات الإنترنت وإجراء المزيد من التواصل الاجتماعي عبرها. يضاف إلى ذلك زيادة احتمال وقوع الطفل في براثن الأفلام الإباحية التي تشكل خطرا حقيقيا على حياته النفسية والأخلاقية، وضمن هذا المسار يتعرّض الطفل لخطر الاستغلال الجنسيّ (Human right Watch, 2020).

وفي استطلاع أجرته مؤسسة (حماية الأطفال) أعرب 77٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 17 عامًا عن معرفتهم بطرق مختلفة للحفاظ على سلامتهم عبر الإنترنت، بما في ذلك المعلومات التي يجب عليهم مشاركتها والتي يجب عليهم عدم مشاركتها، ومع من يشاركون المعلومات الشخصية (Edwards.2020). ومع ذلك، لا يمتلك جميع الأطفال الموارد أو المعرفة أو المهارات اللاّزمة للحفاظ على سلامتهم عبر الإنترنت. إن الإسراع في نقل التعليم عبر الإنترنت يعرض خصوصية الطفل وبياناته للخطر، وذلك من قبل المتحرّشين جنسيّا بالأطفال، فمعظم البلدان لا تمتلك وسائل حماية للأطفال، ولا تقدّم وعيا حقيقيا لهم يتعلق بحماية أنفسهم من التحرّش، إذ لا يوجد لدى الطفل وعي حقيقي بوجوب الامتناع عن مشاركة المعلومات، مثل أسماء الأطفال أو عناوين المنازل أو معلومات السلوك أو أيّ تفاصيل شخصيّة أخرى؛ لأنّ تسريب هذه المعلومات قد يدفعهم للوقوع في أيدي المحتالين والمتحرّشين ويعرّضهم للاستغلال الجنسي (Human right Watch, 2020).

وتبيّن كثير من الدّراسات أنّ المحتالين والمتحرّشين يستغلّون ظروف الانقطاع المدرسي للأطفال، ويقومون بممارساتهم المضادّة للقيم والأخلاق. وتبيّن هذه الدراسات أنّ الشعور بالوحدة يؤدّي إلى زيادة المخاطر التي يتعرّض لها الأطفال عبر الإنترنت في تواصلهم مع الآخرين. وقد يتمّ الاقتراب من الأطفال عبر الإنترنت من قبل الغرباء أو كبار السنّ الذين يعرفونهم، والذين قد يكون لديهم ميول جنسيّة منحرفة. وقد يطلب المحتالون عبر الإنترنت من الأطفال مشاركة معلوماتهم الشخصية أو الصور ومقاطع الفيديو الجنسية. ووفقًا لصندوق حماية الطفل الهندي، كانت هناك زيادة كبيرة في عمليات البحث عن المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال في شهر مارس بعد الإعلان عن عمليات الإغلاق على مستوى البلاد في الهند. علاوة على ذلك، ارتفع استهلاك مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال في الهند بنسبة 95٪ أثناء الإغلاق. وقد يتعرّض الأطفال أنفسهم لمحتوى ضارّ وعنيف، أو يكونون أهدافًا للتنمّر عبر الإنترنت. فغياب الأطفال عن المدرسة يقطع صلتهم بالمعلمين والمستشارين المعنيين بحمياتهم وتوجيههم، ومن الصّعب جدا في ضوء هذا الانقطاع أن يبلغ المعلّمون والمستشارون عن حالات إساءة المعاملة المشتبه فيها.

9- الصراع وتجنيد الأطفال:

تزدهر عمليات تجنيد الأطفال في ضوء الحروب والكوارث الطبيعية والبشرية. وتشكل هذه الكوارث أحد العوامل التي تؤدي إلى انقطاع الأطفال عن مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية، وتستقطبهم في الصراعات والحروب القائمة. وقد شهد العالم بروز هذه الظاهرة في البلدان التي تدور فيها حروب أهلية حاليا مثل: الصومال وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا.

وكشف تقرير دولي لعام 2018 عن تواصل تجنيد الأطفال واستغلالهم بلا هوادة، فعلى مستوى العالم تمّ الزجّ بأكثر من 7.000 طفل في خطوط القتال الأمامية، أو وضعهم في أدوار داعمة لها. وتظلّ الصومال الدولة التي تحتوي على أكبر عدد من الأطفال المجندين أو الذين يتم استغلالهم، تليها في ذلك نيجيريا، ثم سوريا(أخبار الأمم المتحدة، 2019). وجاءت أزمة إغلاق المدارس بسبب الجائحة لتعزّز ظاهرة جعل الأطفال عرضة للتجنيد والمشاركة في الصراعات الدائرة حول العالم. وقد تعاظمت هذه الظاهرة مع عملية استيلاء الجماعات المسلحة على المدارس والمؤسسات التعليمية لأغراض عسكرية (أخبار الأمم المتحدة، 2020).

وأعرب أحد المسؤولين في (اليونيسكو) عن مخاوفهم من أنه بدون مشاركة المدارس وحمايتها، يكون الأطفال أكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة العاملة في العالم. وأشار إلى أنّ كولومبيا قد شهدت ارتفاعًا في تجنيد الأطفال حيث تستغل الجماعات المسلحة غير الشرعية الجائحة لتوسيع سيطرتها على الأراضي والسّكان المحليين، وتقوم تلك الجماعات بإغراء الأطفال بالطعام والمال لتجنيدهم في الأعمال العسكرية في ظل إغلاق المدارس. واللاّفت أنّ التقارير تظهر أن العديد من الأطفال قد انضموا إلى الجماعات المسلحة في كولومبيا في النصف الأول من عام 2020، وأن الأطفال، ولا سيما من السكان الأصليين والكولومبيين المتحدرين من أصل أفريقي وأولئك من المناطق الريفية، قد كانوا معزولين بشكل متزايد خلال فترة الإغلاق في كولومبيا. فاغتنمت الجماعات المسلحة الفرصة لخداع الأطفال واستقطابهم، أو إجبار الآباء على السماح لأطفالهم بالانضمام إلى الجماعات المسلحة ( ACAPS, 2020).

ونظرًا إلى أنّ المدارس قد كانت شاغرة، فقد تمّت إعادة توظيفها من قبل الجهات الفاعلة غير التعليمية مثل الجماعات المسلحة غير الحكومية والجيش، مما أدّى إلى مزيد من تأخير العودة إلى الفصول الدراسية. وقد حدث هذا بالفعل في السودان، حيث احتلت القوات شبه العسكرية مدرسة ابتدائية للبنات وبدأت في استخدامها كقاعدة تدريب عسكرية، مما حال دون إعادة فتحها للامتحانات ( ACAPS, 2020).

10- الفجوة بين الأطفال:

تشكل مسألة اللاّمساواة بين الأطفال والفجوة بين عائلاتهم اقتصاديا واجتماعيا قضية القضايا وإشكالية الإشكاليات في الدراسات التربوية والاجتماعية. وهي معضلة تمتدّ بظلالها إلى مختلف مناحي حياة الأطفال ووجودهم، كما تتغلغل في نسيج هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي تبحث في قضايا التعليم في مختلف شروط الحياة والوجود الطفولي. وتكاد الدراسات تجمع على حضور اللامساواة الاجتماعية والتربوية في حياة المجتمع، ويوشك تأثيرها أن يكون فارقا في التأثير على حياة الأطفال ووجودهم. إذ هم يعيشون في أوساط اجتماعية متفاوتة اقتصاديا وماليا وثقافيا، وهو تفاوت يؤدّي دورا كبيرا في مختلف مستويات وجودهم وحياتهم، ولاسيما في مستوى تحصيلهم العلمي، ونمو ذكائهم، وتحديد موقعهم في النظام الاجتماعي والاقتصادي لاحقا.

وقد أوردت، في هذا السياق، صحيفة الإيكونومست (Economist) تقريرا جاء فيه أن إغلاق المدارس سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة التي لا تتوفر فيها خدمة الإنترنت لمعظم الطلاب والأطفال، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى حرمانهم من التعلّم الجيد، وجعلهم يفقدون عادات التعلم، على نحو ينعكس سلبا على حياتهم العلمية ومستقبلهم المدرسي. وأشارت المجلة في تقريرها إلى أن تسارع وتيرة تفشي جائحة كورونا في مطلع أبريل عام 2020 قد أدى إلى إغلاق المدارس في وجه 90% من الطلاب حول العالم، وأن ذلك العدد تراجع بنحو الثلث، حيث أعيد فتح العديد من المدارس في أوروبا وشرق آسيا، لكن وتيرة إعادة فتح المدارس في أماكن أخرى كثيرة ما زالت بطيئة (Economist, 2020).

ويرى المراقبون أن الأزمة لن تؤثر على جميع العائلات بالتساوي، لكنها ستسبب ضررًا كبيرا للأطفال المنتمين إلى أسر فقيرة ذات دخول منخفضة وتعليم متدنٍّ. لقد أدى الانتقال المفاجئ من الفصل الدراسي إلى التعلم عن بعد عبر الإنترنت، عند تفشي جائحة الفيروس التاجي، إلى توقف التعلم للأطفال القاطنين في المناطق الفقيرة، أولئك الذين تفتقر أسرهم إلى الموارد المالية لتحمل تكاليف الحواسيب والوصول إلى الإنترنت اللاسلكي، وكان على الآباء، الذين يفتقر أكثرهم إلى المهارات التعليمية، أن يقوموا بواجبات تعليم أطفالهم في المنزل (Bangani, 2020).

من جهة أخرى تبين الدراسات الجارية أن الإغلاق المدرسي والتحول إلى التعليم عن بعد، قد أثرا سلبيا في مستويات تعلم الأطفال، وأدّيا إلى احتمال كبير لتسرّبهم من التعليم الأساسي، ولاسيما في المناطق التي تفتقر إلى البنى التحتية، ومنها خاصّة الوسائط الإلكترونية المتاحة لتلقي التعليم عن بعد، أو تلك التي لا توفر للطلاب البيئات التعليمية المناسبة داخل المنازل.

11- تعميق الفجوة بين الجنسين:

لقد أخفق ما يقدّر بنحو % 40 من أشد البلدان فقرا في دعم طلاب العلم المعرضين لخطر أزمة كورونا، واتّضح أن ثمة ميلا إلى إغفال أوجه التفاوت في التعليم وانعدام المساواة بين الجنسين في جهود التصدّي لتفشي المرض، إذ يمكن أن تؤدي الأعمال المنزلية، وخاصة تلك التي تقوم بها الفتيات، إلى الحيلولة دون حصول الأطفال على وقت كافٍ للتعلم(UNESCO , 2020).

ومن المرجّح أنّ العدد الإجمالي للأطفال الذين لن يعودوا إلى دراستهم بعد انتهاء فترة إغلاق المدارس سيكون أكبر حتى من ذلك، وأن يؤدي إغلاق المدارس إلى جعل الفتيات أكثر عرضة لزواج الأطفال، والحمل المبكّر والعنف الجنسي، وكلّها عوامل تقلّل من احتمال استمرارهن في التعليم. وفي ظل التأثير المزدوج للتداعيات الاقتصادية العالمية للجائحة وإغلاق المدارس، يمكن أن تتحوّل أزمة التعلّم إلى كارثة على الأجيال (Global Partnership for Education , 2020). ويتّضح أنّ إغلاق المؤسسات التعليمية يؤدي إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات، وذلك لأنهن أكثر عرضة لأنواع متعددة من سوء المعاملة، من قبيل العنف العائلي، والمقايضة بالجنس، والزواج المبكّر والقسري ( اليونيسكو، 2020).

وقد حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من أن إغلاق المدارس على نطاق واسع في الدول النامية قد تنتج عنه مخاطر مدمّرة، لاسيّما بالنسبة للفتيات، اللاتّي تزيد احتمالية خروجهن من المدرسة على الأرجح بمعدل مرتين ونصف مقارنة بالذّكور، وتبيّن الدراسات الجارية أنّ إغلاق المدارس سيكون له تأثير مدمّر ليس فقط من ناحية التعلّم، بل كذلك على أمن الأطفال وسلامتهم.

12-اللاّمساواة في التعليم:

تقدم إلين مارتينيز، الباحثة البارزة في قسم حقوق الأطفال بمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، صورة قاتمة حول اللامساواة بين الأطفال في الوصول إلى التعليم حتى قبل تفشي فيروس كورونا، إذ تقول:” لقد تم استبعاد واحد من كل خمسة أطفال وشباب من المدارس حتى قبل أن يضرب كوفيد -19″ (Bangani, 2020). ويؤكد الخبراء من مختلف المشارب على مخاوفهم من تضخم الفجوة (الكبيرة أصلا) في التحصيل التعليمي بين العائلات الغنية والفقيرة (Robson, 2020).

وبينما تحاول الحكومات تشجيع التعليم في المنزل، فإنّ مثل هذا الاختيار يتطلب توفر الحواسيب وشبكة إنترنت قوية ومنتظمة من أجل الوصول إلى المنصات التعليمية والحصول على الموارد المدرسية في غرف هادئة للدراسة. ويتطلب التعليم عن بعد في المنزل وجود آباء متعلمين بما يكفي، ولديهم وقت كافٍ ليتمكنوا من مساعدة أطفالهم في فهم الدروس وتحضيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أيّ حد تتوافر هذه الأجواء التعليمية ولاسيما عندما نأخذ بالحسبان الأطفال في البيئات الفقيرة والمعدمة؟ يقول ريتشارد أرميتاج، من إدارة الصحة العامة وعلم الأوبئة بجامعة نوتنغهام: “للأسف، لا يصح هذا الافتراض [دائمًا]، مما يعني أن التطور التعليمي لكثير من الأطفال سيتوقف مع وأثناء إغلاق المدارس، ولاسيما في العائلات الفقيرة، وهذا سيؤدي إلى زيادة اتساع فجوة التحصيل المدرسي بين الأسر الغنية والفقيرة “(روسون، 2020). وهذا ما تؤكّده كثير من الدراسات الجارية في هذا المجال. وقد وجدت إحدى الدراسات الحديثة في المملكة المتحدة أن الأطفال من العائلات الغنية يقضون نحو 30٪ من الوقت في التعلم المنزلي أكثر من أطفال الأسر الفقيرة(Robson, 2020). ويؤكد فان ويم فان لانكر، من جامعة لوفان في بلجيكا، رؤية أرميتاج بأن توفير مكان هادئ للدراسة، مع اتصال فعال بالإنترنت، يمثل مشكلة كبيرة لكثير من الناس. ويقول في هذا السياق: “إن تحقيق هذه الشروط غير ممكن بالنسبة للأطفال الذين يعيشون في عائلات فقيرة مكتظة بعدد كبير من الأطفال”. ويتابع fقوله: “نحن نواجه فترة صعبة جدا وقد تكون طويلة جدا جدًا، وقد تمتد لعدة أشهر ربما لا تتمكن فيها مجموعات الأطفال المحرومين من التعلم كثيرًا، وبالتالي فإن الفجوة ستتسع عندما تبدأ المدرسة مرة أخرى في الفصل الدراسي التالي” (روبسون، 2020).

وتظهر الأبحاث التي أجرتها أليسون أندرو وسارة كاتان ومونيكا كوستا دياس في معهد الدراسات المالية، وهو مركز أبحاث في لندن بالمملكة المتحدة، أن الأسر الفقيرة أقل استعدادًا للسماح لأطفالها بالعودة إلى التعليم. تقول أليسون أندرو: نعلم من الأدلة التي تظهر، بشأن الأشخاص الأكثر تضررًا من الناحية الصحية من فيروس كورونا (كوفيد19)، أن الأفراد من خلفيات فقيرة هم أكثر عرضة للتّسرّب. وقد يكون هذا مصدر قلق متزايد بين الأفراد في الأسر الفقيرة” (Robson, 2020).

ومن أجل تقديم أدلة قوية حول تأثير الانقطاع المدرسي في مستوى تعليم الأطفال تشير بعض الدراسات إلى أن العطلة الصيفية لا تسبب فقط انخفاضًا في التعلم، ولكنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم عدم المساواة في التعليم. وتقدم المدارس مزايا متساوية تقريبًا للأطفال من كلّ خلفية اقتصادية. ومع ذلك، خلال الوقت الذي لا توجد فيه المدرسة (مثل الإجازات الصيفية)، وبينما يستمر الأداء بين الأطفال من الوضع الاجتماعي والاقتصادي العالي في التطور، لم يلاحظ أي نمو مماثل في الأطفال من الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض. وهذا يعني أن الانقطاع المدرسي ضمن ظروف كورونا سيكون تأثيره كبيرا في مستويات تعليم الأطفال من الفئات الاجتماعية الفقيرة.

أثناء الإغلاق، يميل الأطفال من الخلفيات الأكثر حظًا إلى المشاركة في أنشطة التعلم خارج المدرسة أكثر من الأطفال من الخلفيات الأقل حظًا. وقد تؤدي مثل هذه الأنشطة إلى تحسين تحصيل الطلاب بشكل كبير لأنها قد تكمّل موارد التعلم الإلكتروني التي توفرها المدارس. ومن المرجح أن يدرس الأطفال من الخلفيات الميسورة في المدارس المجهزة جيدًا من حيث موارد التكنولوجيا الرقمية، وهذا سيسهل عليهم التكيف مع التعلم عبر الإنترنت بعد الجائحة.

وهكذا، فإنّ هناك تفاوتا كبيرًا في إمكانية وصول الطلاب إلى التقنيات الرقمية في المنزل. ومن المرجح أن يكون لدى الطلاب ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الميسور ما يحتاجونه من الأجهزة الرقمية وذلك بدرجة أكبر من الطلاب ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض. وتُظهر، على سبيل المثال، البيانات من Teacher Tapp – وهو تطبيق يطرح أسئلة يومية على أكثر من 6000 معلم بريطاني – أنه في نهاية الأسبوع الأول من الإغلاق بعد الجائحة، لم يكن لدى نحو 10٪ من الطلاب إمكانية الوصول إلى أي من الأجهزة أو الإنترنت. وفي الولايات المتحدة، وفقًا لتحليل أجرته وكالة أسوشييتدبرس لعام 2019، فإنّ النسبة المئوية للطلاب الذين ليس لديهم حاسوب في المنزل وأولئك الذين يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت عريض النطاق، إذ تراوحت بين17٪ و 18٪. وأظهر مسح أمريكي أجراه مركز (بيو) للأبحاث أيضًا في عام 2019 أن هناك اختلافات ملحوظة في الوصول إلى الإنترنت على نطاق واسع في المنزل بين العائلات ذات الدخل المنخفض والمرتفع على السّواء. وتُظهر البيانات أن هناك في أوروبا تفاوتا اجتماعيا واقتصاديا كبيرا، وأن الوصول إلى الإنترنت غالبا ما يرتبط بدخل الأسرة فيها. وإضافة إلى الوصول إلى الموارد الرقمية المناسبة، يجب أن يكون الطلاب في بيئة منزلية تساعد على التعلم. ومع ذلك، ربما لا يكون هذا هو الحال بالنسبة إلى عدد كبير من الطلاب من العائلات الأقل حظًا، والذين يتعين عليهم غالبًا أداء عملهم في مساحة صغيرة مشتركة مع أفراد الأسرة الآخرين.

وهنا أيضا، ومن جديد، فإننا نعتقد بحضور إشكالية التفاوت الاجتماعي بين الأسر الفقيرة والميسورة ولا سيما فيما يتعلق بالدخل وثقافة الأبوين ومساحة المنزل ودخل الأبوين وعدد أفراد الأسرة. ويمكن القول بأن الأسر الميسورة ثقافيا وماديا هي أقل عرضة للخطر من الأسر الفقيرة التي تتميز بتعدد الأطفال وقلة المساحة في السكن وضعف ثقافة الوالدين.

وقد بينت صحيفة إيكونوميست (Economist) الأميركية أنّ المخاطر المترتبة على إغلاق المدارس في العديد من دول العالم كبيرة، خاصة في الدول الفقيرة التي لا تتوفر فيها خدمة الإنترنت للغالبية العظمى من الطلاب، و هو ما يجعل تكلفة حرمان الأطفال من الدراسة باهظة، إذ تؤدي إلى حرمانهم من العلم وفقدان عادات التعلم، وتعتبر التطبيقات الإلكترونية المستخدمة في التعليم عن بعد، مثل تطبيق زوم، بديلا سيئا.

وأشارت المجلة إلى أن تسارع وتيرة تفشي جائحة كورونا في مطلع أبريل/نيسان الماضي أدى إلى إغلاق المدارس في وجه 90% من الطلاب حول العالم، وأن ذلك العدد تراجع بحوالي الثلث، حيث أعيد فتح العديد من المدارس في أوروبا وشرق آسيا، ولكن إعادة فتح المدارس في أماكن أخرى كثيرة ما زال بطيئا.

ومن اللافت أن إيكونوميست قد أشارت إلى أنه، على الرغم من الخوف المبرر الذي ينتاب أولياء أمور الطلاب جراء فيروس كورونا المستجد الذي ما زال عصيا على الفهم، وازدحام المدارس، وصعوبة التزام الطلاب بارتداء الكمامة وإجراءات التباعد الاجتماعي، فإن فوائد إعادة فتح المدارس تفوق الأضرار المترتبة على إبقائها مغلقة في وجه الطلاب.

ورأت المجلة أن إغلاق المدارس سيئ في البلدان الغنية، ولكنّ الضرر الذي يلحقه بالدول الفقيرة يعد أسوأ بكثير، وأن ما لا يقل عن 465 مليون طفل لن يتمكنوا من متابعة الدراسة عن بعد لأنه لا تتوفر لديهم خدمة الإنترنت.

وأضافت أنّ العديد من العائلات في أفريقيا وجنوب آسيا، نتيجة لهذا الوضع، قد باتت تشجع أطفالها على التخلي عن الدراسة ودخول معترك العمل أو الزواج بسبب الصعوبات الاقتصادية. وقد حذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) الخيرية من أن حوالي 10 ملايين طفل يواجهون خطر التسرب المدرسي، ومعظمهم من الفتيات.

13- الفاقد التعليمي والتسرّب:

يشكل التسرّب المدرسي نتيجة آليّة لجائحة كورونا، وهو غالبا ما يكون حصادا لمختلف مظاهر التأثير التي يمارسها إغلاق البلاد بصورة عامة والمدارس بصورة خاصة، فالعمالة والزواج المبكر والحمل المبكر والعنف ضد الأطفال وتدهور الصحة النفسية والغذائية وكل منتجات الإغلاق تؤدي في نهاية الأمر إلى التسرب المدرسي. وبناء على هذه الحقيقة فإنّ خطر التسرب قد يكون هو الخطر الأكثر عمقا وشمولا، وقد يشكل الحصاد الأساسي لتأثير الإغلاق المدرسي الناتج عن الجائحة.

في الولايات المتحدة مثلا، عادةً ما تتوقف المدارس لمدة ثلاثة أشهر في العطلة الصيفية. وتشير الأبحاث إلى أن هذا الفاصل يؤدي إلى انخفاض درجات الطلبة بقيمة شهر واحد من التعلم داخل المدرسة. وبتأثير جائحة (كوفيد-19) انقطع المتعلمون عن مدارسهم فترة تراوحت بين سبعة أشهر إلى سنة في مختلف أنحاء العالم، وبناء على التقديرات التربوية للتأثير الممكن فإن الفاقد التعليمي سيكون أكثر من أربعة أشهر على الأقل. وهذا الفاقد سيكون أكثر هولاً بالنسبة للأطفال الذي ينتمون إلى الطبقات والفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والمحدود، وهذا يشمل الأطفال الذين يعيشون في البلدان النامية الفقيرة لأن ظروف تعلمهم، أثناء الانقطاع، تكون صعبة جدا. إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الأطفال ذوي الدخل المنخفض لديهم آباء غير موجودين لمساعدتهم على التعلم لأنهم يعملون خارج المنزل.

ومن المؤكد أن الفاقد التعليمي يشمل من جملة ما يشمله ظاهرة تسرب الطلاب من المدرسة، وهي الظاهرة التي يشتد أوارها في البلدان الأكثر فقرا في العالم، ويشمل ذلك البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وتظهر الإحصائيات أنه قبل انتشار الجائحة فإن 53٪ من الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل سجلوا تحصيلًا منخفضًا في المدارس، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من قراءة نص فضلا عن فهمه (The world bank, 2020). وهذه الوضعية تدفعهم ليكونوا على الهامش في مستقبل الحياة. إضافة إلى ذلك، فإن معظم هؤلاء الأطفال ينتمون إلى العائلات الأكثر فقرا في بلدانهم (SAVE OUR FUTURE, 2020). ويقدر البنك الدولي أن خمسة أشهر من إغلاق المدارس قد تؤدي إلى خسارة فورية قدرها ثمانية أشهر في المتوسط. وهذه النسبة تتذبذب حسب مستوى التعليم وجودة التدريس (The world bank, 2020). وتشير هذه المعادلة إلى أن نتائج الإغلاق تؤدي إلى تعلم ضائع لا يمكن أن يعوض ما لم تتمّ معالجة الفجوات التعليمية على الفور، وهذا من شأنه أن يعمق الفجوة القائمة بين الأطفال في المستقبل، ويؤدي إلى زيادة الفقر والفاقة والهامشية لاحقا.

وتشير تقديرات (اليونسكو) إلى أن الإغلاق المدرسي الطويل بسبب الجائحة والتداعيات الاقتصادية السلبية المرافقة لها سيؤدي إلى تسرّب 23.8 مليون طفل وشاب إضافيين في مختلف مراحل الدراسة، وذلك مع بداية العام الدراسي المقبل 2020/ 2021 (UNESCO, 2020). ومن المرجّح أن العدد الإجمالي للأطفال الذين لن يعودوا إلى دراستهم بعد انتهاء فترة إغلاق المدارس سيكون أكبر بكثير من التوقعات الجارية في هذا الميدان. وتبين التوقعات الجارية أن معدل التسرب من الدراسة سيرتفع بدرجة كبيرة لدى الطلبة الذين هم في المراحل الأولى من التعليم، وبين أبناء الفئات الاجتماعية المحرومة. فعندما أعيد فتح المدارس في أعقاب أزمة إيبولا، التي تسببت في ضياع عام دراسي كامل تقريباً في سيراليون، كانت احتمالات عودة الفتيات للمدارس أقل بنحو 16 نقطة مئوية. ومن المرجح أن يكون ارتفاع معدل التسرب مصحوباً بزيادة في عمالة الأطفال وزواج الأطفال بين الأطفال والمراهقين.

وبسبب هذه الظروف المأساوية للإغلاق تبين الدراسات الجارية أن حالة الإرباك التي سببها الإغلاق المدرسي أدت إلى تسرب نحو40 مليون طفل في جميع أنحاء العالم، ولا سيما الأطفال الذي فاتتهم فرص التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في السنة الحرجة السابقة للتعليم المدرسي؛ لأنهم فقدوا التواجد في بيئة محفزة وثرية، وفاتتهم فرص للتعلم، والتفاعل الاجتماعي، بل والحصول على القدر الكافي من التغذية في بعض الحالات. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بنمائهم الصحي في الأجل الطويل، ولا سيما الأطفال الذين ينتمون إلى أسر فقيرة أو محرومة (اليونيسكو، 2020).

وأظهر مسح أممي أن نحو 70% من الأطفال الملتحقين بالتعليم ما قبل المدرسي (رياض الأطفال والحضانات) لا فرصة لهم في التعلم عن بعد، سواء الرقمي منه أو الإذاعي. وبين المسح الذي نفذته (اليونيسف) بالشراكة مع (اليونسكو) والبنك الدولي أن نحو 50% من الدول المشاركة في المسح أغلقت برامج التعليم ما قبل المدرسة دون تحديد موعد لإعادة فتحها. وأفادت اختصاصية حماية الطفل وتنمية الطفولة المبكرة في (اليونيسف) ساجدة عطاري في ندوة عن أثر جائحة كورونا على الطفولة المبكرة أن الجائحة شكلت أزمة حادة وطويلة الأمد بالنسبة للرعاية والتعلم في مرحلة الطفولة المبكرة (Banque mondiale, 2020).

وتشير التقديرات الإحصائية إلى وجود 258 مليون طفل خارج أسوار المدرسة في جميع أنحاء العالم في عام 2018، منهم 59 مليون طفل في سنّ المدرسة الابتدائية، وأكثر من 61 مليونًا في سن التعليم المتوسط، و138 مليون طفل في سن المرحلة الثانوية(ACAPS , 2020). وتبين التقارير أن الفتيات والأطفال ذوي الإعاقة والفئات المهمشة الأخرى هم الأكثر عرضة لخطر التسرب، لأنهم أكثر عرضة لمواجهة تحديات التعليم أو التعلم قبل الجائحة(Save the Children, 2020). وتشير بعض الإحصائيات إلى نسبة تسرب عالية عند الإناث، وقد بلغ عدد المتسربين منهنّ 130 مليون فتاة خارج المدرسة بالفعل قبل الجائحة (Edwards, 2020). وتشير الدراسات في هذا السياق إلى أن الأطفال الذين ينقطعون عن المدرسة لفترات أطول أثناء الوباء هم أكثر عرضة للتسرب، ولاسيما أولئك الذين يمرون بمرحلة انتقالية حرجة بين المستويات التعليمية (Save the Children, 2020).

وتظهر تقديرات (اليونسكو) أن الأثر الاقتصادي للجائحة وحده قد يؤدي إلى تسرب 23.8 مليون طفل وشاب إضافيين من الدراسة )ابتداء من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي وحتى مرحلة التعليم العالي (أو عدم التحاقهم بالدراسة في عام 2021. وهذا ما أكدته سابقا إحصائيات الأمم المتحدة. وفي المستويات العليا الجامعية يصعب تقدير عدد المتسربين المحتملين في الوقت الحالي، ومع ذلك يقدر الخبراء أن احتمالية تسرب الطلاب الجامعيين ستكون مرتفعة جدا.

إن من أكبر المشكلات التي فرضتها كورونا استحالة التعلم عن بعد بالنسبة إلى فئات واسعة من الأطفال، وذلك لغياب البنية التحتيّة الذي من شأنه أن يؤدي إلى إقصائهم كليا من المدرسة. وقد أشارت البيانات الإحصائية إلى تسارع وتيرة تفشي جائحة كورونا في مطلع أبريل/نيسان 2020، وهو ما أدّى إلى إغلاق المدارس في وجه 90% من الطّلاب حول العالم، غير أنّ ذلك العدد قد تراجع بحوالي الثلث، حيث أعيد فتح عدد كبير من المدارس في أوروبا وشرق آسيا، ولكن إعادة فتح المدارس في أماكن أخرى كثيرة ما زال بطيئا.

وتبيّن الدراسات الجارية أنّ نسبة كبيرة جدّا من العائلات في أفريقيا وجنوب آسيا قد باتت تشجّع أطفالها على التخلّي عن الدراسة، ودخول معترك العمل، أو الزواج بسبب الصعوبات الاقتصادية. وقد حذّرت منظّمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) الخيرية من أنّ حوالي 10 ملايين طفل يواجهون خطر التسرّب المدرسي، ومعظمهم من الفتيات. وثمة خوف من أنّ تمتدّ الخسائر في التعلُّم إلى ما يتجاوز هذا الجيل، وأن تمحى عقود من التقدّم في مجالات ليس أقلها دعم فرص الفتيات والشّابات في الالتحاق بالتعليم والبقاء فيه. وقد يتسرّب من التعليم نحو 23,8 مليون طفل.

وفي أفريقيا، ولاسيما في منطقة السّاحل، جاءت حالات إغلاق المدارس على الصعيد الوطني في وقت كان فيه عدد كبير جداً من المدارس مغلقاً بالفعل لعدة أشهر، إمّا بسبب الانعدام البالغ للأمن، أو بسبب الإضرابات أو المخاطر المناخية.. وقد تفاقم وضع التعليم بعد الجائحة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث كان يعيش، قبل الجائحة، 47% من أطفال العالم الموجودين خارج المدارس البالغ عددهم 258 مليون طفلاً بسبب النزاعات وحالات الطوارئ( (اليونسكو، 2020).

ومما يزيد الوضع سوءا ما أشارت إليه منظّمة اليونسكو إلى من نقص يتعلّق بتأهيل المعلمين على مهارات التعليم عن بعد، ويبدو أنّ قدرة البلدان الفقيرة على تقديم هذا الدعم محدودة للغاية. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم يتلقّ سوى 64% من معلّمي المرحلة الابتدائية، و50% من معلمي المرحلة الثانوية الحدّ الأدنى من التّدريب، الذي غالباً ما لا يشمل المهارات الرقمية الأساسية،. وذلك حتى في السياقات التي تتوفر فيها الوسائل الرقمية الكافية، وهذا يعني أنّ أغلبية المعلمين يحتاجون اليوم إلى أبسط مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد أبرزت أزمة كورونا أنّ تأهيل المعلمين بحاجة إلى جهود جبارة لتدريبهم بشكل أفضل على استخدام أساليب جديدة في مجال التعليم عن بعد(اليونسكو، 2020).

14 – خاتمة:

في النصف الأول من القرن الماضي كان التفكير السوسيولوجي يدور حول تضاؤل دور الأسرة لصالح المدرسة، وجرى الحديث عن موت الأسرة مع تصاعد دور المؤسسات التربوية الجديدة وتعاظم أهميتها. وقد اضطرت الأسرة إلى التخلي عن معظم وظائفها خلال العقود الماضية حتى أصبحت أشبه بمكان للنوم والراحة يلجأ إليه الأطفال بعد يوم متعب من الحياة في المؤسسات الخارجية. وكانت المدرسة – حتى خلال العطل الرسمية – تؤدي دورا حيويا في رعاية الأطفال وحمايتهم وتنظيم الرحلات الترفيهيّة لهم بعيدا عن الأسرة. وقد ظهرت كتابات كثيرة بعنوان موت الأسرة وموت العائلة بعد أن اشتد عود المدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية المساندة لها من رياض للأطفال ودور للحضانة ونوادي ومؤسسات عديدة جدا إلى الحد الذي اقتصر فيها دور الأسرة على وظائف محدودة للغاية تتمثل بالرعاية الأسرية.

والآن، وتحت هول الصدمة الفيروسية، تعود الأسرة من جديد لتقوم بدورها التقليدي، بل ولتقوم بدور المدرسة والمؤسسات التربوية والاجتماعية الأخرى. وأصبحت اليوم في ظل الجائحة حاضنا يضم فعالية مختلف الفضاءات الاجتماعية والتربوية والطبيعية، وهو حمل شديد الوطأة يثقل على كاهل الأسرة ويحملها مسؤوليات تفوق طاقتها.

وجاءت كورنا لتدق المسمار الأخير في نعش المدرسة التقليدية وتعلن موتها سريريا، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه المدارس بمجملها من رياض الأطفال والجامعات والمؤسسات التعليمية قد أغلقت أبوابها حول العالم، وأن ثمة تغيرات جوهرية ستنال منها في مختلف مكوناتها ووظائفها التقليدية. وأصبحت هذه المدرسة بين المطرقة والسندان. وفجأة تحول التعليم إلى تعليم افتراضي رقمي توجّهه معطيات الثورة الصناعية الرابعة في مجال الاتصال والمعلوماتية. وبدأت فرضية التحول المدرسي إلى عالم افتراضي تتحقق بصورة حيوية. وبدأ العالم يودّع التعليم التقليدي بمكوناته الكلاسيكية، حيث المدرسة والمعلم والطالب والسبورة والاختبار الورقي، وداعاً بائناً لا رجعة فيه.

لقد دفعت الثورة الصناعية الرابعة المجتمع الإنساني برمته إلى ما يسمى بالمجتمع الافتراضي إذ يقوم فيه كل شيء على منجزات الثورة الصناعية التي تشكل انفجارا أسطوريا في عالم المعرفة والثقافة والفكر. فالمجتمع بدأ بالتحول إلى مجتمع افتراضي رقمي تحركه مقومات الثورة الرقمية والاتصالات: ثورة الأنترنيت، الجيل الخامس، إنترنيت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، والنانو تكنولوجي، والروبوتات. وستحدث الثورة الصناعية الرابعة القائمة على منجزات الثورة الرقمية في الجيل الخامس ثورة عارمة في قلب الأنظمة التربوية، إذ تنحو المدرسة إلى أن تكون مدرسة افتراضية بتأثير الثورة الرقمية الهائلة في مجال التواصل الاجتماعي. وقد أفرغت المدرسة التقليدية من مضامينها التربوية تحت تأثير الثورة الصناعية التي استطاعت أن تغير جذريا في التكوينات الهيكلية والبنيوية للتربية التعليم.

ومع موت المدرسة وتقلص دورها مع أزمة كورونا ومطارق الثورة الصناعية الرابعة فرض على الأسرة اليوم أن تسترجع دورها القديم الجديد في تربية الأطفال وتنشئتهم والعناية بهم، فالأطفال والناشئة اليوم يلوذون بالأسرة ويعيشون في أحضانها. ومهما تكن حدود هذه الأزمة زمنيا فإنّ الأسرة لن تتخلى عن دورها الحيوي مع تنامي مظاهر الرقمية في المجتمعات الافتراضية، ومع احتمالات متجددة لانتشار الأوبئة والكوارث مستقبلا.

ولا يعني الترحيب بدور الأسرة وعودتها المظفرة للقيام بأدوارها الحيوية أننا نقلب ظهر المجن للمدرسة، فالمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية ستكون، وستبقى، المؤسسة التي لا يمكن للمجتمع أن يتخلى عن أدوارها الحيويّة والحضاريّة في المجتمع. ولا بد لنا من التأكيد على موقع المدرسة الأساسي في المجتمع الحديث. فالمدرسة تشكل نسقا حيويا في البنية المجتمعية. ولها أدوار لا يمكن للأسرة أن تقوم بها، ولا يمكن الاعتماد اليوم كليا على الأبوين والأجداد والأقارب في تربية الأطفال ورعايتهم، إذ لا تتوفر دائما المساحات الحيوية للطفل اجتماعيا وطبيعيا مثل الحقول أو الحدائق والملاعب الآمنة التي تمكن الأطفال من تصريف طاقاتهم، وتعلم المهارات الحركية والاجتماعية الأساسية، والاختلاط مع أطفال آخرين. ولكن جلّ ما نتمناه أن تتحول المدرسة من صيغتها الكلاسيكية القديمة، التي تعتمد أكثر المناهج والطرائق والفلسفات القادرة على استلاب عقول الأطفال وذكائهم، أي، المدرسة التقليدية الغارقة في مستنقعات التلقين والضبط، وتكريس ثقافة الذاكرة ومحورية المعلم، إلى المدرسة الحديثة الإلكترونية التي تتوافق مع مرتكزات الذكاء الاصطناعي ومع الثورة الرقمية والتي تناشد في الأطفال ذكاءهم وإبداعهم وقدراتهم الابتكارية الخلاقة في زمن لا يكون فيه أهمية لغير الإبداع والاختراع والابتكار والاستقصاء والاستكشاف.

فالتحديات التي فرضها كورونا يحتاج منا اليوم إلى جهود كبيرة في مجال العلوم الإنسانية، ويمكن القول: إنه لا توجد حتى اليوم إجابات جاهزة عن طبيعة هذه التحديات التي تواجه الأطفال والناشئة والأسر في هذه المرحلة. فتدمير الفضاء المدرسي وتحوله إلى عالم افتراضي أو الانتقال إلى التعليم الافتراضي يطرح كثيرا من المشكلات الذهنية والعقلية عند الأطفال. وهنا يجب علينا القول بأن تغييب الواقع الاجتماعي للطفل يبقى كارثيا إذ لا شيء يعوض القطيعة بين الطفل والطبيعية أو بين الطفل ومؤسساته الاجتماعية.

ومن هنا، نعتقد، ومن جديد، أننا في أمس الحاجة إلى تعاون كبير بين المفكرين في مجال علم النفس والتربية والمجتمع لدراسة هذه الوضعية. كما يحتاج الأمر إلى تضافر كبير بين المؤسسات والتربوية والاجتماعية لوضع الأسس العملية للتفاعل بين أفراد الأسرة ووقاية الأطفال من وضعية العزلة والانقطاع الاجتماعي.

 

مراجع المقالة :

 

– Save the Children International (2020) , The HIDDEN impact of COVID-19 ON CHILD POVERTY , A GLOBAL RESEARCH SERIES, Op.Cit.

– ACAPS (2020) GLOBAL ANALYSIS COVID-19: Impact on education, COVID-19:

Thematic series on education, Novem-ber 2020. available at: https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/20201102_acaps_thematic_series_review

_of _covid-19_impacts_on_global_education.pdf, accessed on 19/12/2020.

– Bangani , Zandile (2020). The impact of COVID-19 on ed-ucation, September 03, 2020, peoplesdispatch.org , https://peoplesdispatch.org/2020/09/03/the-impact-of-covid-19-on-education/. Accessed on 19/12/2020.

– Banque mondiale(2020). Simulating the Potential Impacts of the COVID-19 School Closures on Schooling and Learning Out-comes: A set of Global Estimates”, 18 juin 2020: https://www.worldbank.org/en/topic/education/publication/ simulating-potential-impacts-of-covid-19-school-closures-learning-outcomes-a-set-of-global-estimates.

– ECLAC , Economic Commission for Latin America (2020) “The social challenge in times of COVID-19”, available at https://repositorio.cepal. org/bitstream/. han-dle/11362/45544/1/S2000324_en.pdf

– Economist (2020). he risks of keeping schools closed far outweigh the benefits. 18/Jully/2020. https://www.economist.com/leaders/2020/07/18/the-risks-of-keeping-schools-closed-far-outweigh-the-benefits , showed at 16/12/2020.

– Edwards, Jess (2020) The impact of COVID-19 on children’s lives, Save the Children International, Protect a Generation: The impact of COVID-19 on children’s lives, 19/9/2020 | Re-source Centre (savethechildren.net), accessed on 18/12/2020.

– Global Partnership for Education (GPE), “Opinion: Don’t let girls’ education be another casualty of the coronavirus”, 1 May 2020, available at https://. www.globalpartnership.org/news/opinion-dont-let-girls-education-be-another-casualty-coronavirus.

– Gómez-Pinilla, F.(2008), Brain foods: the effects of nutrients on brain function. Nat Rev Neurosci 9, 568–578 (2008). https://doi.org/10.1038/nrn2421.

– Human right Watch (2020). COVID-19 and Children’s Rights , APRIL 9, 2020. COVID-19 and Children’s Rights.pdf (re-liefweb.int). accessed on 19/12/2020.

– Robson , David (2020). How Covid-19 is changing the world’s children, 4th June 2020. https://www.bbc.com/future/article/20200603-how-covid-19-is-changing-the-worlds-children. Accessedon 17/12/20220.

– SAVE OUR FUTURE(2020). Averting an Education Catastro-phe for the World’s Children, White-Paper-FINAL.pdf (re-liefweb.int). accessed on 19/12/2020.

– Save the Children (2020)2 , SAVE OUR EDUCATION, Save Our Education: Protect every child’s right to learn in the CO-VID-19 response and recovery | Resource Centre (savethechildren.net). accessed on 19/12/2020.

– The world bank(2020). Simulating the Potential Impacts of the COVID-19 School Closures on Schooling and Learning Out-comes: A set of Global Estimates,18/6/2020, Simulating the Potential Impacts of the COVID-19 School Closures on Schooling and Learning Outcomes: A set of Global Estimates (worldbank.org), accessed on 19/12/2020.

– UNESCO (2020).”COVID-19 Education Response: How many students are at risk of not returning to school?” advocacy pa-per, June 2020.

– UNESCO, Global Education Monitoring (GEM) Report, 2020: Inclusion and education: all means all, 2020, available at https://unesdoc.unesco.org/. ark:/48223/pf0000373718.

– United nation (2020). Policy Brief: The Impact of COVID-19 on children 15 APRIL 2020. policy-brief-on-covid-impact-on-children-16-april-2020.pdf (who.int) accessed on 19/12/2020.

– YoungMinds (2020). Reports: Coronavirus: Impact on Young People with Mental Health Needs, Coronavirus: Impact on Young People with Mental Health Needs. Accessed on 1/1/2021.

– البنك الدولي (2020). جائحة كورونا: صدمات التعليم والاستجابة على صعيد السياسات، تقرير مايو، واشنطن، ص 6.

– النمري، نادين (2020). “كورونا” تلقي بظلال سلبية على مؤشر تنمية الطلاب الصغار، جريدة الغد، 23 سبتمبر. http://bitly.ws/aMps

– اليونيسكو (2020). موجز سياساتي: التعليم أثناء جائحة كوفيد – 19 وما بعدها، أغسطس، ص6.

– حسن، نوران (2020). الثقافة السياسية ونظم التعليم ما بعد كورونا، المعهد المصري للدراسات، 16 سبتمبر 2020. شوهد في 15/12/2020. http://bitly.ws/aMVD

– روبسون، ديفيد (2020). فيروس كورونا: كيف يؤثر الوباء على حياة الأطفال ومستقبلهم؟12 يونيو. https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-53014381 شوهد في 2/1/2021.

– منظمة العمل الدولية (2020). كوفيد-19 قد يرغم ملايين أخرى من الأطفال على العمل، 12 يونيو. https://www.ilo.org/global/about-the-ilo/newsroom/news/WCMS_747771/lang–ar/index.htm

– منظمة العمل الدولية (2020). كوفيد-19 قد يرغم ملايين أخرى من الأطفال على العمل.

– هيئة الأمم المتحدة (2020). موجز سياساتي: التعـليم أثناء جائحة كوفيد – 19 وما بعـدها.

-أخبار الأمم المتحدة (2019). تقرير أممي يشير إلى أن عام 2018 شهد أعلى مستويات مسجلة لأعداد الأطفال القتلى أو الجرحى في الصراعات المسلحة، https://news.un.org/ar/story/2019/07/1037561

-أخبار الأمم المتحدة، 20 سبتمبر (2020). تجنيد الأطفال https://news.un.org/ar/story/20

 

جديدنا