مفهوم الدولة عند هيغل

image_pdf

ملخص:

تناولنا في هذا المقال مفهوم الدولة عند هيغل، مع التشديد على العلاقة الوثيقة التي تربطه بمفهوم الإرادة، حيث بيّنا أن الفصل بين المفهومين، وتناول الواحد منهما بمعزلٍ عن الآخر، هو في العمق، اجتثاث للمفاهيم الهيغيلية من التربة الجدلية التي تستمد منها أبعادها ومعانيها. ويُعتبر مقالنا هذا محاولة لمناقشة السؤال المهم التالي: ما العلاقة التي تربط بين مفهومي الدولة والإرادة، جدليا، عند هيغل؟  ولماذا يعتبر هيغل أن سوء إدراك العلاقة بين هذين المفهومين أهم أسباب قصور مفهوم الدولة في فلسفة العقد الاجتماعي.

الكلمات المفتاحية: هيغل، الدولة، الإرادة، الجدل.

 

متن المقال:

يعرف قُرّاء هيغل Hegel، أن العلاقة بين مفاهيمه تحتكم إلى مبدإ المُحايثة، وأن من المفاهيم عنده، ما يقترن اقتراناً يجعل تناول الواحد منها دون الآخر صعب الفهم، إن لم نقل مستحيلَه. هكذا هي العلاقة بين مفهومي الدولة l’Etat والإرادة La volonté في فلسفته السياسية. حتى أن القارئ لا يعثر على كتابٍ ناقش فيه هيغل مفهوم الدولة من دون تمهيدٍ يُحلّل فيه مفهوم الإرادة؛ ففي كتابه أصول فلسفة الحق[1]، خصّصَ مقدمةً طويلةً لتحليل مفهوم الإرادة، قبل البدء في درس مفهوم الدولة وتجلّياته. وفي موسوعته[2]، قبل الحديث عن موضوعة الحق، مهّد بفِقراتٍ تتناول مفهوم الإرادة. والخطْوات عينها، يجدها القارئ في كتابٍ آخر أعدّه لتلاميذ المرحلة الثانوية[3]؛ مقدمةٌ تتناول مفهوم الإرادة بالفحص والتحليل، قبل الولوج إلى أطروحة الحق، حيث تمثل الدولة المبتدأ والمنتهى. الترتيب هذا، من وضع هيغل، وهو ملزمٌ حتى لقرائه، إن هم أرادوا فهم الأسس التي يبني عليها قوله في الدولة – أو الاقتراب من فهمه على الأقل-. لذلك لا نرى أن ماكسونس كارون Maxence Caron قد حاد عن الصواب حين أكد أن الدراسات التي تتناول مفهوم الدولة عند هيغل، من دون الإشارة إلى جذوره الأنطولوجية -التي تُزوّد النشاط السياسي بالمعنى- تقع في خطإٍ منهجيٍّ فادحٍ يؤدي إلى إساءة فهم فكر هيغل السياسيّ، برمّته[4]. بل وإننا لنزعمُ أن أية قراءةٍ لمفهوم الدولة عند هيغل، إذ تنتزعه من السياق الذي ترعرع فيه، تُجرّد الفكر الهيغيليّ من أروع سماته: النسقية. وتخون الوصية التي تركها هيغل لقرائه في تمهيد كتابه أصول فلسفة الحق حين كتب: “أودّ أن يُنظَر في هذا المؤلف ويُحكَم عليه بأخذ هذا البعد –بعد التسلسل المنطقي والترابط المنهجي– بعين الاعتبار، لأن الأمر هنا يتعلق بالعلم، وفي العلم يرتبط الشكل بالمضمون ارتباطاً وثيقاً”[5]. وفاءً للوصية تلك، سنتناول، في ما يلي، مفهوم الدولة عند هيغل في انتباهٍ شديدٍ لعلاقته الجدلية بمفهوم الإرادة.

بخلاف التصوّر السائد للإرادة، بما هي قدرة الفرد على فعل ما يريد، وضع هيغل تصوراً جديداً للمفهوم ينأى به عن التعارض مع القوانين والسلطة العليا للدولة، ويجمع الكل في تركيبةٍ متجانسةٍ تجعل الإرادة قانوناً والقانون إرادةَ، وتجعل من الدولة تحققاً لحرية الإرادة؛ الإرادة عند هيغل هي إدراك نظام العالم وتبنّيه باعتباره نظامها الخاص. قد يعترض معترضٌ على التصوّر ذاك بدعوى أنه يحصر الإرادة في إرادة ما هو كائن؛ والإرادة التي تتقيّد بما هو كائن إرادةٌ تنفي ذاتها؛ لأنها إرادةٌ لا تُريد شيئاً، إرادةٌ من دون قوةٍ، لا تنتج تحوّلاً أو تغييراً[6]. قد يكون الاعتراض هذا وجيهاً خارج فلسفة هيغل، أما داخل الفلسفة تلك، فالاعتراض عينه، يتحوّل إلى موقفٍ سطحيٍّ وسخيفٍ؛ فمن العبث، عند هيغل، أن تريد الإرادة عالماً آخر أفضل وأجمل لسببٍ بسيطٍ؛ هو أن تكوين العالم قد اكتمل وانتهى الأمر[7]. ولم يبق أمام الإرادة من دورٍ سوى اكتشاف العالم المكتمل التكوين ذاك والتعرف عليه. أضف إلى ذلك أنها (=الإرادة) حين تعرفه حقّ المعرفة؛ تُدرك أنه ما ناقضها في مقصدٍ أو عارضها في غايةٍ؛ كيف يُعارضها وهو مجرد صورةٍ موضوعيةٍ لوجودها الذاتيِّ؟ غنيٌّ عن البيان أن الإرادة الفردية لا تصل إلى الإدراك القاضي بعدم وجود تناقضٍ بينها وبين العالم القائمِ بسهولةٍ، لا يتأتّى لها ذلك إلّا بعد المرور بمراحل ثلاث: أولهما مرحلة التجريد؛ تكون فيها الإرادة فكرة مجرّدةً خالصةً في ذاتها، غير مُتعيِّنةٍ، غير مرتبطةٍ بأي مضمونٍ، لا سمة لها غير التجريد الخالص. تمظهرت هذه المرحلة من الإرادة، تاريخياً، في الأشكال الأولى للدولة، حين كان المواطن على علاقة “وحدةٍ مباشرةٍ بالمدينة، وحدةٌ لم تبسط بعد ما تضمّه من لحْظاتٍ، لم تطرح بعد ما في جوفها من تباينٍ”[8]. تُشبه اللحظة تلك، عند هيغل، لحظة الطفولة في التاريخ[9]؛ فالطفل هو الأخر لا يعي ذاته، وينتمي إلى أسرته (الكلّ) كعضوٍ من دون أن يُدرك فرديته كشخصٍ متمايزٍ واعٍ. لكن الإرادة عند هيغل، لا تقبع على هذه الحال، فهي كغيرها من مفاهيمه، تخضع لمُحرّك فلسفته الأول، الذي يُغير المفاهيم ولا يتغيّر: المنطق الجدلي La logique dialectique. بحُكم المنطق ذاك تستخرج الإرادة من ذاتها (=الكلية اللّامتعيّنة) نقيضها (= موضوعها الجزئي)؛ وقد أحسنت كاثرين مالابو Catherine Malabou وصف التحوّل الذي تقوم به الإرادة حين كتبت: “في كل مرةٍ قبل أن يُحسم الأمر، ينبسط التناقض بكل عنفٍ؛ وبلا انقطاعٍ، تستمرّ الإرادة في تمزيق ذاتها على الأشواك القاتلة للتناقض بين الذاتيّ والموضوعيّ”[10]؛ من قلب الكل يخرج الجزء متمرّداً، مُعتقداً أن الكل يُعارضه ويُكبّل حريته ويُقيّد قراراته، من دون أن يُدرك (=الجزء) أن حريته عشوائيةٌ وقراراته عرضيةٌ. يجهل هذا المُتمرّد الجزئيّ الموضوعيّ الصغير أنه في حربه ضد كلّه ما يُحارب إلّا نفسه؛ وأن الكلّ ذاك إن هلك، هلك معه بما هو بعضه.

تتميّز الإرادة الجزئية La volonté particulière بالجهل والعشوائية والعرضية؛ لفهم الموضوع بشكلٍ جيدٍ، ضرب هيغل المثال التالي؛ زيدٌ متمسّكٌ بإرادةٍ جزئيةٍ هي: المشي فقط، أو الرؤية فقط؛ هل تتساوى هذه الإرادة الجزئية مع حقيقة الإنسان الكلية بما هو كائنٌ يمشي ويقفز ويرى ويسمع ويُفكر…؟ ألم يظلم زيدٌ نفسه حين تمسّك بهذه الإرادة الجزئية فقط؟ الحق أنه يُريد التصرّف “بشكلٍ غير مساوٍ لنفسه؛ لأن المشي أو الرؤية حقائق محدودة غير مساوية للأنا”[11]. لا تُنصف الإرادة الجزئية ذاتها حين تختار مضموناً واحداً لأنها كليةٌ في جوهرها؛ وحين تتعيّن بمضمونٍ جزئيٍّ تحدث فرقاً بين ما هي عليه في ذاتها En soi وما هي عليه لذاتهاPour soi ؛ أي أنها تحدث فرقاً بين ذاتها ومضمونها. والفرق هذا فخٌّ تسقط فيه مفاهيم هيغل، جميعها، في لحظةٍ من لحْظات تطوّرها الجدليّ: لحظة الجزئية. وهي عين ما اصطلح عليه هيغل بالمُتناهي L’infini حين كتب: “يتمثل المتناهي… في التباين بين ما هي عليه الحقيقة في ذاتها وما هي عليه لذاتها[12]. بالنسبة إلى هيغل، يُعبٍّر الدين المسيحيّ عن تحوّر الإرادة الكلية المجرّدة La volonté universelle abstraite وتحوّلها إلى الجزئية، في لحظةِ الابن؛ فقد طوَتِ المسيحيّة “الثقافة القديمة وعبادة الوحدة اللّامتمايزة، وأعلنت القيمة اللّانهائية لجزئية الإنسان… –حين- أصبح الإله (=الكلّ) إنساناً (=جزءً)”. في المسيحية، عند هيغل، تجدُ مراحل الإرادة الثلاث؛ يُمثل الأب لحظةَ الكلية المجردة، والابن لحظةَ الجزئية، فيما يُمثّل الروح القُدُس المرحلة الأخيرة في الإرادة: مرحلة الكلية المتعيّنةLa volonté universelle concrète [13].

لكل شكلٍ من أشكال الإرادة، عند هيغل، دولةٌ تُعبٍّر عنه في التاريخ، ترتدي خصائصه ونقائصه؛ إن كانت الأشكال القديمة للدول تُعبّر عن مرحلة الإرادة الكلية المجردة، فإن الدولة الحديثة كما ظهرت في فلسفة العقد الاجتماعيّ، تعبّر عن مرحلة الإرادة الذاتية الجزئية الموضوعية، لذلك تجدها مطبوعةٌ بصفات الإرادة تلك: الجهلُ والتّخبّطُ والعشوائيةُ والعرضيةُ. ولذلك أيضاً تجد نقد هيغل لدولة جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau شديداً وقاسياً؛ فدولة الفيلسوف السويسري تنتج عن تعاقدٍ تخضع بموجبه إرادات الأفراد الخاصة للإرادة العامة La volonté générale. مشكلة الخاصِّ في دولة روسو (=الإرادة الخاصة، الحرية الخاصة، المنفعة الخاصة) أنه لا يتحوّر، جدليّاً، بشكلٍ يُمكّنه من التعرف على الكلّي كصورةٍ من صوره، بل يظلّ على حاله: خاصّاً، جزئيّا، ذاتياً، عشوائياً، جاهلاً حقيقة علاقته بالكلّ الذي ينتمي إليه. ويُطلب منه (=الخاص)، على جهله ذاك، أن يخضع للدولة، بما هي تعبيرٌ عن العام (=الإرادة العامة). دولة روسو تٌعاني من استمرار التناقض بين العام والخاص، أو بلغة هيغل، بين الجزئيّ والكليّ. هذا التصور، عند فيلسوف الجدل، ليس سطحيّا فحسب، بل خطيرٌ أيضاً، لأنه “يجعل العقلانيّ يظهر كقيدٍ للحرية، لا باعتباره عقلاً مُحايثاً بل باعتباره كونياً خارجيّاً صوريّاً”[14]. تتمثّل خطورته، تحديداً، في ترافق خضوع الأفراد للدولة بمشاعر القسر والإلزام والإكراه.

ربما كان روسو على وعيٍ بهذا المأزق النظريّ، المتمثّل في التناقض بين الخاص والعام في فلسفته، لذلك بلور فكرة الدين المدنيLa religion civile . لكن الأطروحة تلك لم تنتهِ إلى ما سعى إليه -تلطيفُ التناقض بين الإرادات الخاصة والإرادة العامة- بقدر ما كشفت خطورة التناقض ذاك؛ بدا لروسو أن الدين المدنيّ سيضخُّ الحياة في العقد الاجتماعي بمشاعر الانتماء إلى الكلّ السياسيّ، لذلك منح الإرادة العامة الحق في فرضه على الأفراد. عقائد دين روسو قليلة، وهي: الإيمان بالله وباليوم الآخر، الإيمان بجزاء الصالحين وعقاب المفسدين يوم البعث، ثم الإيمان بقدسية العقد الاجتماعي. أما النواهي فتتلخص في واحدة: ذمُّ اللّاتسامح، لأنه رذيلةٌ تحدث الفِتن والشقاق، وتؤثر على الاجتماع السياسي سلباً، لذلك نهى عن التَّسامح مع اللاَّمتسامحين، وحثَّ على طردهم من الاجتماع السياسي والتنكيل بهم لتعارض تعصُّبهم مع الإرادة العامة. هذا دين صاحب العقد وجزاء من لم يؤمن به النفي، أما المنافقين الذين يُظهرون الإيمان دون أن يضمروه، فجزاؤهم الإعدام، عند فيلسوف “الحرية”، لأنهم ارتكبوا كبيرةَ الكذب على القانون[15]. أَ بهذا التطرّف والقسر والإرهاب يُلطّف التناقض بين الخاصّ والعامّ؟  لم يُفلح روسو في سعْيِهِ إلى تجاوز مرحلة التناقض، لذلك ظلّت العلاقة بين المواطن والدولة في فلسفته، علاقة مقتٍ وعداءٍ. والحق أن العداء ذاك اشتعل، واقعيّا، في أحداثٍ فوضويةٍ ألحقت أضراراً جسيمة بالاجتماع السياسيّ، “أحداثٌ لا تضاهيها رعباً إلا سطحية الأفكار التي تسبّبت فيها”[16]، على حدّ تعبير هيغل.

ما كان النظام الذي سمّاه فلاسفة العقدِ الاجتماعيِّ دولةً، حسب هيغل، كان مجتمعاً مدنيّاً وهم لا يُدركون. لإدراكِ الدولة، لا بدّ من إدراكِ الأساس الذي تقوم عليه: الإرادة الفردانية الكلية المُتعيّنة La volonté universelle individuelle concrète؛ بما هي وحدة اللحظتين المتناقضتين السابقتين (= الإرادة الكلية المجرّدة، والإرادة الجزئيّة المتعيّنة)[17]. حين تبلغ الإرادة مستوى الفردانية الكلية، تستردّ الكليّ من الجزئيّ؛ يتمّ ذلك عبر نفي كل المضامين الجزئية التي لا تُناسبُ كلّيتها، والتي تمّ اختيارها بشكلٍ عشوائيٍّ عرضيٍّ سلفاً. في هذا المستوى (=الكلّيّ) تختار الإرادة ذاتها، وتتعلّق بذاتها، فينتفي التناقض بين الذات وموضوع الاختيار، وبانتفاء التناقض تُدرك الإرادة حريتها، بالفعل. تُسمى الإرادة تلك إرادةً كليّةً، لأنها تمحي كل اختياراتها الجزئية السابقة. لكن هذه التسمية قد تحدث خلطاً لدى القارئ بين مرحلة الإرادة الأولى (=الإرادة الكلية المجردة) والمرحلة الثالثة (=الإرادة الكلية المتعيّنة). تنبّه هيغل لهذا الخلط لذلك كتب: “لا يجب الخلط بين الكليّ في ذاته ولذاته، والكلي المجرّد”؛ فالكلية الأولى تُعبّر عن وحدةٍ مجرّدةٍ خالصةٍ، في حين تُعبّر الثالثة عن وحدةٍ متعيّنةٍ بسطت كل ما فيها؛ مرت بمرحلة التناقض والجزئية، ثم ارتفعت إلى مرحلة التركيب والكلية، فصارت كلية متعينةً لا كليةً مجرّدةً. مقابل الحرية الفارغة التي تميّزت بها لحظة الإرادة الكلية المجردة الأولى، والحرية الجزئية العشوائية التي تميّزت بها لحظة الإرادة الجزئية الثانية، تحظى الإرادة الكلية المتعيّنة (وهي المستوى الثالث) بحريةٍ حقيقيّةٍ، عند هيغل، لأنها إرادةٌ ناضجةٌ عاقلةٌ؛ مكّنتها رحلتها في التاريخ من تحصيل حقيقةٍ بالغة الأهمية، مفادها أن العالم الخارجيّ مجرّد صورةٍ موضوعيةٍ لها، ومن السّخف أن يرفض المرء صورةً من صوره. حين تبلغ الإرادة هذا المستوى، تتبنّى العالم الخارجي ونظامه (=الدولة)، وتُدرك أنه، في العمق، يُعبّر عنها ولكن في تمظهرٍ مختلفٍ. لذلك قلنا آنفاً، أن الإرادة الحرة، عند هيغل، هي الإرادة التي تريد ما هو كائن.

على المستوى الواقعي، يتمظهر ارتفاع الإرادة الجزئية إلى مستوى الكلية، في المفارقة التالية: أثناء سعي الأفراد نحو منافعهم الجزئية في المجتمع المدني، يشيّدون من دون وعيٍ منهم، أركان نظامٍ كُلّيٍّ قويٍّ: الدولة. هذه المفارقة هي عين ما أسماه هيغل: “مكر العقل”La ruse de la raison . حين تتحقّق الدولة، ينضج وعي الأجزاء بالانتماء إلى نظامٍ كلّيٍّ أساسٍ la constitution؛ لاستيعاب هذا المفهوم لا بد من استحضار معناه الاصطلاحي (=الدستور) ومعناه البيولوجي الذي يشير إلى العضوية والحياة[18]؛ ليس دستور الدولة نسقاً قبلياً من القواعد يخضع لها المواطن بالقسرِ والإلزام. بل نظامٌ حيٌّ ثاوٍ في العالم منذ البدء، تطوّر وتحقّق عبر التاريخ من خلال إرادات الأفراد الحرة بما هي إرادةٌ جماعيةٌ مهيمنةٌ واعيةٌ بذاتها. حين تتحقٌّق الدولة، يُدرك المواطنُ ألّا حياة لمنفعته الجزئية خارج المنفعة الكلية. فتتحقّق كرامته كجزءٍ ضروريٍّ داخل كلٍّ قويٍّ.

الدولة، إذن، تحقّقٌ موضوعيٌّ لإرادةٍ كليةٍ. لتُعبّر الإرادة الكلية تلك عن خروجها من التجريد الفارغ، وعن تميّزها عن لحظة الإرادة الكلية الأولى، لا بدّ لها من التجسّد الفردانيّ، حتى تكتسب سمات الكلية والفردانية، في الوقت عينه. والشخص القادر على تجسيد اللحظتين معاً (=الفردانية والكلية) هو الأمير. لذلك يؤكد هيغل أن الدولة في تحقّقها الكلّي الفردانيّ “ملكيةٌ دستوريةٌ”[19]، بالضرورة. قد يعترض معترضٌ على دولة هيغل، الملكية الدستورية، بدعوى أن خضوع الشعب للملك خضوعٌ لأهوائه ونزْواته. إن كان الاعتراض هذا مشروعاً فخارج فلسفة هيغل لا داخلها؛ لأن الدولة عند هيغل، كما أشرنا، ليست نظاماً يضعه فردٌ، أميراً كان أو امبراطوراً، بل نظامٌ يضعه العقل أثناء تطوره عبر التاريخ. أمير هيغل لا يضع النظام الأساس، إنه مجرّد عضوٍ صوريٍّ لا تتعدى مهمته وضع النقط على الحروف[20].

Books :

Hegel, Encyclopédie des sciences philosophiques, trad. Maurice de Gandillac. (Paris : nerf Gallimard, 1940).

________, La raison dans l’histoire, trad. Kosta papaioannou. (Paris : 10l18, 2003).

________, Principes de la philosophie du droit, trad. André Kaan. (Paris : tel Gallimard, 1940).

________, Propédeutique philosophique, trad. Maurice de Gandillac. (Paris : Gonthier, 1963).

Rousseau, Jean Jacques, Du Contrat Social. (Editions Chaaraoui, 2014).

Caron, Maxence et autres, Hegel. (Paris : Cerf, 2007).

[1] Hegel, Principes de la philosophie du droit, trad. André Kaan. (Paris : tel Gallimard, 1940).

[2] Hegel, Encyclopédie des sciences philosophiques, trad. Maurice de Gandillac. (Paris : nerf Gallimard, 1940).

[3] Hegel, Propédeutique philosophique, trad. Maurice de Gandillac. (Paris : Gonthier, 1963).

[4] Maxence Caron et autres, Hegel. (Paris : Cerf, 2007), p503, 504,505.

[5] Hegel, principes de la philosophie du droit. P28.

[6] Maxence Caron et autres, Hegel. P243.

[7] Hegel. Principes de la philosophie du droit. p41.

[8] Ibid, p530.

[9] Hegel, La raison dans l’histoire, trad. Kosta papaioannou. (Paris : 10l18, 2003), p185.

[10] Maxence Caron et autres, Hegel. P244.

[11] Hegel, Propédeutique philosophique. p28.

[12] Hegel, Principes de la philosophie du droit. P58.

[13] Hegel, La raison dans l’histoire. P79,80.

[14] Hegel, Principes de la philosophie du droit. P70.

[15] Jean Jacques Rousseau, Du Contrat Social. (Editions Chaaraoui, 2014), p153,154.

[16] Hegel, Principes de la philosophie du droit. P70.

[17] Ibid.

[18] Maxence Caron et autres, Hegel. P538.

[19] Ibid, 540.

[20] Ibid, p540,541,542,543.

جديدنا