مكتبات بلا جدران.. فضاء المكتبات الرقميَّة

image_pdf

يثار حاليا جدل دولي وعربي مناطه سؤال  حول هل نحن بحاجة لبناء مكتبات جديدة، أم أن العالم يتغيَّر، وأصبحت المكتبات فضاءً رقميًّا، عُدَّت المكتبات رمزًا دالا على ارتقاء الشعوب ونهوضها، مخزنًا لمعارفها وكنوزها، ومكانًا لاحتضان المثقّفين والمفكّرين والأدباء والعلماء، وكأنَّها حضانة تفرخ وتنمي لنا أجيالاً جديدة منهم؛ لذا حرصت الشعوب على أن يكون لديها مكتبات قوميَّة، وأخرى ذات اختصاصات في علوم بعينها، وغيرها لنشر الثقافة في المدن والقرى، لكن في عصر الإنترنت ومع ظهور المكتبات الرقميَّة، أصبح هناك تساؤلات عديدة حول ماهيَّة هذه المكتبات؟ كما أنَّ السيل الغزير بها من  المعلومات والمعارف هل يهدِّد الهويَّة الثقافيَّة؟ وهل انتهى عصر المكتبات التقليديَّة؟

​تعرف المكتبات الرقميَّة بأنها مجموعة من المعلومات الخاضعة لإدارة منهجيَّة، تهدف إلى تقديم خدمة معرفيَّة، من خلال اختزان المعلومات في صيغ رقميَّة، وإداراتها، ومن ثمَّ إتاحتها عبر شبكة من الحاسبات. من المهمّ هنا التفريق بين السيل المتدفِّق من المعلومات إلى الحاسب الآلي لأي شخص في منزله، وبين إدارة المعلومات عبر شبكة الإنترنت، فالأولى تعني العشوائيَّة والثانية تعني أن هناك من ينظِّم هذه المعلومات ويدقِّقها ويمحّصها قبل أن تصبح ذات مصداقيَّة لدى من يتلقَّاها.

​من هنا بات من الملحّ أن نؤكِّد أنَّ هناك سباقًا بدأ في العالم اليوم نحو نوعيَّة جديدة من أدوات تكوين المعرفة البشريَّة ليس عبر الورق، لكن عبر شبكة الإنترنت، ومن سيكون له وجود حقيقي مدار بشكل جيد، من هنا ظهر مصطلح الأمن المعلوماتي، من سينتج المعرفه في الفضاء الرقمي سيكون له بالفعل مستقبل في الثقافة العالميَّة خلال السنوات القادمة، فهل هذا يعني أن مفهوم المكتبات بات حوله نقاش جديد؟  ​

​لا شكَّ أن الإجابة بنعم ستكون منطقيَّة، فهناك تحوَّلات جذريَّة تحدث الآن، أدَّى بعضها إلى تشكيل اتِّحاد دولي للمكتبات الرقميَّة(DLF)  في مقابل الاتِّحاد الدولي للمكتبات (التقليديَّة) IFLA، فالأوَّل يضمّ المكتبات الجامعيَّة في الولايات المتَّحدة والمكتبة البريطانيَّة وجامعة أكسفورد ومعظم المكتبات الأمريكيَّة، وهم يسعون جميعًا من خلال معايير صارمة نحو خلق مجتمع مكتبي افتراضي يشكِّل وعاءً للمعرفة الإنسانيَّة على شبكة الإنترنت، أما الثاني فهو مجتمع المكتبات التقليديَّة الذي يرتكز على مفهوم المكتبات الوطنيَّة التي تقوم بخزن وفهرسة وحفظ الإصدارات الوطنيَّة وغيرها من أوعية المعرفة، الفرق بينهما شاسع يماثل الفرق بين الورق والحاسبات الآليَّة؛ فالأول انتشاره محدود مقارنة بالثاني، والثاني يوجد في كل بيت يتجدَّد في كل ثانية. الثاني سيل يتدفَّق ويتجدَّد، والأول – وهو الورق- وعاء وحيد غير مترابط؛ كل مجموعة أوراق تشكِّل كتاباته صورًا أو أشكالاً أو جداول أو إحصاءات، لكن في النوع الثاني هناك ترابط بين النصّ والصورة والشكل والجدول فضلاً عن الأفلام، وهنا يمكن تغيير المادة وتحسينها بصورة مستمرَّة، من الممكن أن يتفاعل معها القارئ وينقدها، الفرق هنا هو الفرق بين جمود المعرفة التي يحملها الورق وحيويَّة التفاعل مع المعرفة عبر شبكة الإنترنت.

​عبر شبكة الإنترنت وإمكانياتها غير المحدودة، لم يعد القارئ في حاجة إلى شراء الكتاب الورقي لكي يصل إلى المعلومة ولا إلى تصفّح الموسوعات للوصول لها، كما لم يعدّ المؤلف في حاجة للناشر التقليدي لكي ينشر كتابه، بل أصبح لديه إمكانيَّة أكبر في نشر مؤلّفه، فأصبحنا نقرأ عن أدباء وشعراء ينشرون أعمالهم عبر أوعية رقميَّة مختلفة، ما الذي يجعل إذن للمكتبات الرقميَّة دورًا إذا كان القارئ مستقلًّا عنها والمؤلِّف ليس بحاجة لمثل هذه المكتبات؟ إن عمليَّة تنظيم المعلومات يقوم بها المختصّون في المعلوماتيَّة(Information Professionals) ؛ وهم الذين يفرّقون بين الغثّ والسمين والهزل والعبث واللهو والجد، فضلاً عن دورهم الذي نتخيّله في الحفاظ على الهويَّة الثقافيَّة على شبكة الإنترنت، هذا الدور في غاية الخطورة ويحتاج إلى مكتبات تكون هي الحاضنة لهم والفاعلة في بثِّ هذه المعلومات سواءً في شكل كتب رقميَّة أو مواقع إلكترونيَّة أو بوابات Gateway، أو غير ذلك من أشكال الأوعية الرقميَّة. من هذا المنطلق لا نستطيع أن نقول إنَّه مع التدفُّق المعلوماتي انتهى عصر المكتبات، وأصبح لدينا فضاء رقمي جديد للمعرفه بل إنَّ هناك مفهومًا جديدًا للمكتبات سيكون بلا شكّ معتمداً بصورة أساسيَّة على البثِّ الرقمي للمعلومات، هذه مكتبات بلا جدران.

​إذا كانت المكتبات الرقميَّة تختلف عن مثيلتها التقليديَّة في كثير من المعطيات، فإنَّ العامل المشترك بينهما هو العنصر البشري الذي ينتج المعرفة لكي يستخدمها، وما بين المنتج والمستهلك للمعرفة وسيط يتمثَّل في المكتبات سواءً كانت تقليديَّة أو رقميَّة؛ هذا الوسيط يحتاج دائمًا إلى كشاف هو الإنسان الذي يقوم بعمليَّة تكشف الأوعية أيًّا كان نوعها، وأنجح كشاف بحثي عالمي حاليًّا هو (Google).

ظهر مفهوم المكتبة الرقميَّة الذي يدلّ على نظام معلومات تكون فيه موارد المكتبة متوفِّرة في شكل يعالج بواسطة الحاسوب، وفيه تستند جميع وظائف الاقتناء والحفظ والاسترجاع والإتاحة إلى تكنولوجيا الرقمنة.

أما المكتبة الافتراضيَّة فإنها قد عرفت بأكثر من طريقة نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي:

  • مجموعة إلكترونيَّة منظَّمة تتألَّف من المواد الموزّعة والمخزّنة على شبكة والتي يمكن الوصول إليها والبحث فيها.
  • أو مكتبة بلا جدران.
  • أو الانتقال م.ن الاقتناء إلى الوصول.

وبناء على تلك التعريفات، يتبيَّن أن مصطلح ” المكتبة الرقميَّة” يحيل إلى طريقة للترميز، ثم بدأ في مرحلة لاحقة يشير إلى تحوّل فعلي في عمليَّة إتاحة المجموعات والنصوص من الإتاحة المباشرة إلى الإتاحة عن بعد، وإلى تطوّر شكل المكتبة ونشاطها الذي تحوَّل إلى صيغة افتراضيَّة. والمكتبة الرقميَّة لها وجود مادي، فهي عبارة عن مجموعة من نصوص رقميَّة أتيحت للعرض بواسطة تقنية النص المترابط (Hypertext) ومتاحة على شبكة الإنترنت، ويطلع عليها المستفيد عن بعد، أي أن الاتِّصال بالمكتبة الرقميَّة لا يكون إلا عبر الحاسوب، ويمكن تنزيل هذه الوثائق ونسخها.

ويتطلَّب البحث في المكتبات الرقميَّة استخدام أدوات متطوّرة رافقت ظهور شبكة الويب، ونعني بذلك الأدلة الموضوعيَّة (Subject Directories) ومحرّكات البحث (Search Engines) وأدوات البحث الكبرى (Meta Search Tools). كما أنه يتطلَّب اعتماد طريقة جديدة في تكشيف المعلومات، وهو ما تقوم به بعض البرمجيّات التي تحمل أكثر من اسم منها العناكب (Spiders) وزواحف الويب (Web Crawlers) والديدان (Worms) والإنسان الآلي (Robots).

ويرى البعض أنه لا توجد اختلافات بين مصطلحي “المكتبات الرقميَّة” ومصطلح “المكتبات الافتراضيَّة”، مثل سعد الهجرسي الذي يؤكِّد على أنه و “بالمعايير الدقيقة وجهان تعبيريان لمفهوم واحد حقيقة وواقعاً”.

وقد حدى الأمر بالبعض إلى استخدامهما استخدام الترادف. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن ذلك لا يمكن أن يتمّ من دون تجاوز.

والرقمي مرتبط بآليَّة إضافة النصّ فهو يبدأ من الفكرة إلى التنفيذ وصولاً إلى النشر من خلال الحاسوب الذي يعتمد على الرقمين 0 و 1، ومن هنا أتى مصطلح المكتبات الرقميَّة. أمَّا الافتراضي فهو مرتبط بمكان وجود المكتبة وسمي افتراضياً لأنَّها موجودة في عالم افتراضي إلكتروني لا يرى، وقد لا يعرف موقع تلك المكتبة أي في أي مكان على الكرة الأرضيَّة.

في خضم هذه البيئة الرقميَّة يجدر التساؤل هل حدثت قطيعة بين المكتبات التقليديَّة والمكتبات الرقميَّة في مستوى الوظائف. يرى سوتر (Sutter) ” أنَّ التغيير الكبير الذي حصل مع ظهور المكتبات الرقميَّة تمثّل في الفصل الزمني والفضائي بين المجموعات الوثائقيَّة وبين المكتبيين؛ فهؤلاء مدعوون للتعامل مع موارد المعلومات عن بعد. وإنَّ دورهم الفنّي التقليدي المتمثِّل في إدارة المجموعات، سيتقلَّص نوعاً ما لفائدة دور الوساطة. إنَّ الوظائف التقليديَّة تشهد حالياً تغييراً من حيث الشكل، لا من حيث الأصل، أي أن مهام المكتبة ستركِّز على المجموعات الإلكترونيَّة أكثر من المجموعات الرقميَّة، وما يتبعها من تقديم خدمات عن بعد للجمهور”.

ومن أبرز الوظائف التي تقوم بها المكتبة الرقميَّة يمكن الإشارة إلى ما يلي:

1- وظيفة الانتقاء واقتناء موارد معلومات من شبكة الويب:

أ.تتمثل الوظيفة التقليديَّة في اقتناء أوعية المعلومات حسب حاجات المستفيدين. ومن معايير الاقتناء يمكن الإشارة إلى الجودة والتكلفة. إلا أنه مع ظهور الإنترنت طرحت مشكلة كيفيَّة التعرّف إلى الجمهور وملامحه واختيار الموارد المناسبة له.

فهذا الجمهور غير معروف بشكل جيِّد؛ لأنّه يحصل على خدمات المعلومات عن بعد؛ لذا يتعين على المكتبات القيام بدراسات ميدانيَّة للتعرّف إلى المستفيدين الذين يدخلون موقع المكتبة على شبكة الويب(عدد الزيارات ونشاطهم والمعلومات التي يطلبونها…).

بالنسبة لاختيار المصادر تقوم المكتبة بتعويض المصادر التقليديَّة (الورق أو أقراص مدمجة) بمصادر على الخط. كما تتولَّى الإعلام بالمصادر الإلكترونيَّة المهمَّة عن طريق موقع المكتبة، ويتمّ ذلك بواسطة ما يسمَّى “ترصد المواقع” أو اليقظة المعلوماتيَّة. ويعني ذلك السهر الدائم لملاحقة هذه الموارد الإلكترونيَّة سواء ما يظهر من موارد جديدة أو ما يطرأ على القائم منها من تطورات.

2- وظيفة فهرسة المصادر:

للتعريف بمصادر المعلومات العامة لدى المستفيدين و المتوافرة على الإنترنت، تقوم المكتبات الرقميَّةبفهرستها ووضعها في صفحات الروابط Links، وهنالك تجارب حاليَّة مهمَّة في مجال فهرسة هذه المصادر من بينها المشروع التعاوني لفهرسة الموارد(CORC) Cooperation Resource Catalog الذي يسمح بفهرسة الموارد على شكل مارك ودبلن كور Dublin Core وباستخدام قائمة رؤوس موضوعات مكتبة الكونجرس.

ويسمح هذا المشروع التعاوني بإعادة الروابط وتحديثها، وكذلك بإنشاء صفحات ويب تتضمن أجزاء من قاعدة CORC علاوة على الوصف المادي للمورد.

3- وظيفة الاتصال وإدارة حقوق الملكيَّة الفكريَّة:

يهتمّ مختصّ المعلومات أيضاً بحقوق الوصول إلى الموارد الإلكترونيَّة التي تتيحها مؤسَّسة المعلومات للمستفيدين سواء كانت في شكل أقراص مدمجة أو موارد متاحة على الويب (توقيع عقود مع الناشرين والموزعين).

4- إنتاج الموارد الإلكترونيَّة و إتاحتها:

تقوم المكتبة بوظيفة النشر أي رقمنة الأوعية الورقيَّة المتوفِّرة لديها (خاصَّة الرسائل الجامعيَّة والكتب التي لا تخضع لحقوق التأليف المالي) ووضعها على ذمة المستفيدين. ويكون مختص المعلومات بذلك قد تحول إلى ناشر يتابع عمليَّة الرقمنة، فيختار النصوص التي سيمسحها و يراعي جوانب الملكيَّة الفكريَّةالخاصة بكل وثيقة وسبل إتاحتها.

5- حفظ الموارد الرقميَّة:

كما تقوم المكتبة الرقميَّة بحفظ الموارد الرقميَّة باعتبار المخاطر التي تتعرَّض لها، ويمكن أن تتسبَّب في ضياعها. فالأوعية الرقميَّة باتت تتأثَّر بالتطور التقني والتغيير السريع للتجهيزات الإلكترونيَّة وخاصَّة نوعيات الحواسيب والبرمجيات التي تظهر في طبعات متطوّرة من حين لآخر. ونتج عن ذلك أن بعض النصوص الرقميَّة بدأت تختفي؛ لأنه لم يعد بالإمكان قراءتها بسبب تغيّر طرق الترميز وظهور معايير جديدة للتعرّف إلى الرموز. لذلك فإنَّ مختصّ المعلومات مدعو لإعادة تسجيل المعلومات الرقميَّة بصفة منتظمة على أوعية جديدة ووفقًا لآخر نسخة من البرمجيّات حتى تبقى هذه البيانات مقروءة.

انظر حول هذا الموضوع ما كتبه عبد المجيد بوعزة عن المكتبات الرقميَّة وصدر عن مكتبة الملك فهد في الرياض.

لقد غيَّرت شبكة الإنترنت مفهوم الزمان والمكان، وأتاحت لنا فرصًا لم تكن منظورة منذ أعوام قليلة، فيمكن عن طريقها التعرّف على كم هائل من المخزون المعرفي في شتَّى المجالات؛ حيث إن شبكة الإنترنت تحوي عشرات المليارات من الصفحات، قابلة للبحث والكشف في ثانية واحدة أو أقل. وفائدة الإنترنت هذه مرهونة بآلة البحث (الكشاف الإلكتروني) المستخدم للتعرّف على المادة المتاحة، واختيار الأنسب منها لعرضها على الباحث، فلا يعقل أن نتصوّر الباحث يحاول أن يجد ما يريد بين مليارات دون دليل. ومن ثمّ صار الكشاف المستخدم آليَّة أساسيَّة في عصرنا، بل أصبحت هذه الآليَّة أكثر أهميَّة من أي عنصر آخر في عناصر الشبكة الاتصاليَّة المعلوماتيَّة، ولا شكّ أنّ أهمّ كشَّاف إلكتروني على الساحة حاليًّا هو (Google)، إلا أن جوجل لم يكتفِ بعرض كشافه لاستخدام مئات الملايين من المتجوّلين على شبكة الإنترنت، بل دخل في شراكة مع كبريات المكتبات الأكاديميَّة لرقمنة ملايين الكتب، حتى يتاح للباحث استعمال كشاف جوجل للبحث عما يريد فيها. أثارت هذه المبادرة جدلاً عالميًّا، وبصفة خاصة في الولايات المتحدة؛ حيث بدأ الصراع بين الناشرين من جهة وجوجل من جهة أخرى، فضلاً عن أوروبا التي باتت في قلق شديد من سيطرة محرك البحث  Googleعلى الفضاء الرقمي، هذا يعني سيطرة الثقافة الأمريكيَّة والإنجليزيَّة على الثقافة العالميَّة، فكأنَّ العالم أصبح ذا ثقافة أحاديَّة في الفضاء الرقمي مؤكّدًا هيمنة ثقافة بعينها، فباتت الثقافات الأوروبيَّة والآسيويَّة ومعها العربيَّة وغيرها غير ذات محلّ في هذا الفضاء، لعل هذا ما دفع جان – نويل جانيني المدير السابق للمكتبة الوطنيَّة الفرنسيَّة إلى تأليف كتاب عنوانه “جوجل.. عندما تتحدَّى أوروبا” مثيرًا للقضايا التالية:

أولاً: أن سيطرة كشاف جوجل (Google) سوف تؤدِّي إلى اختيار المادة المطروحة باللغة الإنجليزيَّة دون غيرها. فإذا تعرَّف جوجل على آلاف الصفحات فإنه يقدِّمها في ترتيب أولويات تحكمه “فلسفة جماهيريَّة”، أي الصفحة التي قرأها أكبر عدد من القراء كسبق في الأولويات؛ مما يؤدِّي بمزيد من مستعملي الكشاف إلى قراءتها فيدعموا مكانتها في كشف تالٍ يقوم به باحث آخر.

ثانيًا: أن تركيز جوجل على الفقرة الواحدة في الصفحة الواحدة، فيه تحطيم للمضمون الثقافي للعمل، وليس الوسيلة المثلى لتعريف القارئ بكتاب أو مقالة.

ثالثًا: إننا نحن المهتمِّين بالثقافة يجب علينا أن نؤكِّد أن تقديم ثقافتنا بلغتنا لا يحجب عن القرّاء والباحثين في شتَّى أنحاء العالم؛ لأن كشاف جوجل(Google)  سيعطي الأولويَّة للمنتج باللغة الإنجليزيَّة.

رابعًا: أنه يتعيَّن علينا أيضًا أن نقدِّم منتجنا الثقافي في إطار مختلف عن مجرِّد فقرات متناثرة من صفحات متباينة؛ ولأن أمّهات الكتب في ثقافتنا لا يجوز أن تطمس لمصلحة ما هو رائج مهما كان سطحيًّا.

​إن خلاصة ما ينتهي إليه جانيني بأن تقام مكتبة رقميَّة أوروبيَّة، تقدِّم الثقافة باللغات الأوروبيَّة المختلفة، وأن تستثمر أوروبا لإنتاج كشاف يضاهي كفاءة كشاف جوجل لخدمة القراء والباحثين الراغبين في التعرُّف على الثقافة الأوروبيَّة.

لذا بات أيضًا من الملح أن نفكر جليًّا في إنتاج  كشاف عربي وبناء مكتبة رقميَّة عربيَّة، إذ إن الفضاء الرقمي إذا لم يوجد فيه العرب بقوة فلن يكون لهم مستقبل ثقافي، وإذا كان هناك جدل أوروبي، فمن المهمّ أن نثير هذه القضيَّة عربيًّا، فهل هناك جهود عربيَّة في هذا المضمار؟

إن موقعًا مثل الوراق والمكتبة الرقميَّة العربيَّة التي أطلقتها مكتبة الإسكندريَّة، والمكتبة الرقميَّة المغربيَّة التي أطلقتها المكتبة الوطنيَّة في المغرب، وجهود دار الكتب المصريَّة حاليا وهي تمثل أولى المحاولات العربيَّة الجديَّة لإقامة مكتبة رقميَّة على شبكة الإنترنت، لكن يجابه هذه المحاولات عدَّة إشكاليات منها:

– عدم توافر قواعد البيانات للمطبوعات العربيَّة من القرن 19 إلى الآن بصورة متكاملة، وان كانت هناك محاولات علي المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع الذي طبعه معهد المخطوطات العربيَّة.

– عدم وضوح حقوق الملكيَّة الفكريَّة سواء بالنسبة لدور النشر أو المؤلِّفين.

– تصاعد الاستخدام من قبل الفئة العمريَّة من 18 إلى 40 عامًا لشبكة الإنترنت، دون دمج هذا الاستخدام في العمليات البحثيَّة بالجامعات أو ضمن البرامج الدراسيَّة وهو ما حدث في الشهور الماضية بصورة أذهلت الجميع.

جديدنا