التعمّق في فكر وتراث أهل البيت؛ الطريق نحو”الاستبصار”

image_pdf

أسئلة لا بد منها: من هم المستبصرون؟ هل أولئك الذين يعتمدون على “العقل” في تفسير الأحداث وكشف الحقائق التاريخيَّة خاصة ما تعلق بالتاريخ الإسلامي ولماذا انقسم المسلمون بعد وفاة الرسول (ص)؟ وكيف قامت الخلافة الإسلاميَّة؟ ولماذا سقطت؟ وهل كلمة “الاستبصار “مرادفة لكلمة “التنوير” وبالتالي نقول المستبصرون هم المستنيرون أو التنويريون، وهل هناك فرق بينهما؟ بعض آراء ومواقف العلماء بمختلف مذاهبهم فيها تناقض واختلاف في الرؤى قد تجعل القارئ العادي يشكِّك في كل شيء وقد يكفر بكل شيء، فكثير من العلماء مختلفون فهذا ينتصر لشعيته ( أي لأتباعه) وذاك ينتصر لشيعته، متّخذين بعض المرجعيات، ككتاب “صحيح البخاري”، كقاعدة أساسيَّة ما دفع بالكثيرين للتساؤل إن كان كتاب صحيح البخاري الذي عند الشيعة مثلا هو نفسه كتاب صحيح البخاري الذي يعتمد عليه أهل السنة، فالمطلع على هذه الكتابات يقف في تيه وحيرة مما يقرأ، ويجد نفسه يجهل كثير من الحقائق، ويصعب عليه أن يقف إلى جانب فئة دون أخرى، ولذا نجد جل عامَّة المسلمين يتجنبون الخوض في مثل هذه المسائل، وبالتالي لم يتمكنوا من بلوغ درجة الاستبصار

كثيراً ما يتوقف المستبصر في حياته عند محطّات كثيرة في السيرة النبويَّة وفي التاريخ الإسلامي عموماً، وعند كثير من المواقف في حياة الرسول (ص)،  ومن خلال سيرة أهل البيت  لذلك ينبغي على المؤمن المستبصر أنْ يراعي كلّ الفروقات بين الإيمان المستقرّ والمستودع، وهذا لا يتأتى إلا بالالتزام المطلق لنداء القلب والعقل في التعمّق في فكر وتراث أهل البيت  وإعادة النظر في المواقف التاريخيَّة ومعاينة واقع  المسلمين السيّء الفاسد والحال المتشتّت، ومقارنته بسلوك مدرسة أهل البيت وإصدار الحكم الصحيح، في هذا الكتاب ينتقد الدكتور صلاح الدين الحسيني عامَّة الناس الذين  يترفّعون عن ذكر جملة (عليه ‌السلام)، أو (سلام الله عليه) بعد ذكر اسم الإمام عليّ بن أبي طالب أو أحد أئمة أهل البيت، ويضعون بدلاً منها كرّم الله وجهه، أو رضي ‌الله ‌عنه، ممّا يوحي للناس بأنّ في ذلك شبهة تحريم أو كراهة، وأنّ ما يتلفّظ به الشيعة عند ذكر الإمام هو بدعة، وإن سمعوه من أحد  يبدون الامتعاض الشديد وعدم الإقرار، فقد  حرص أتباع “الإماميَّة” على حبّ أهل البيت عليهم ‌السلام  وولايتهم، وحمل رايتهم، ومدى التزامهم بالإسلام الحقيقيّ ومبادئه الأصيلة التي أرادها الله ورسوله.

هذا ما جاء في كتاب الدكتور صلاح الدين الحسيني بعنوان: “نهج المستنير وعصمة المستجير”، ونتيجة لكلّ ذلك ازداد عدد المستبصرين بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام، وفتح الباب أمام العشرات بل المئات من الناس، لسلوك طريق الاستبصار، والعودة إلى الحقيقة الغائبة المغيّبة، واستئناف الإيمان المتمثّل بولاية أهل البيت واتّباعهم والاقتداء بهديهم ومتابعة نهجهم، وسلوك صراطهم المستقيم، حيث لا سبيل للنجاة من فتن الدنيا وضلالاتها ومحنها، إلا باتّباعهم عليهم‌السلام والاقتداء بهم وبهديهم، وقد جاءت مئات الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي تتعلّق بأهل البيت عليهم‌ السلام  وفضائلهم  عموماً ومنها التي تختصّ بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه ‌السلام خصوصاً من حيث الفضائل والوصيَّة بالولاية، ومنزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه ‌وآله ‌وسلم، كما جاءت خطب كخطبة الغدير وكذلك ألأحاديث التي تتعلَّق بالسيدة فاطمة وبالحسن والحسين، والأئمة الاثنا عشر، حسبما جاء في الدراسة فإن اتباع سلوك أهل البيت تمهِّد الطريق لبلوغ الإنسان درجة  “الاستبصار”، والمستبصر بمقدوره طرح أفكاره ومعتقداته بشكل مباشر للمجتمع والناس لفهم حقيقة أهل البيت عليهم‌ السلام وأحقيّتهم في الولايَّة والإمامة دون إنكار أو طمس أو رفض الآخر، ودون أن يقع في الاصطدام بشكل غير مُتوقّع مع المجتمع ومع العادات والتقاليد، ومع ما ألفه الناس وجمدوا عليه من أفكار وعقائد، وكذلك مع عقليات ونفسيات لم يكن يظن أنّها موجودة في الأفراد، من عقول متحجّرة، ونفسيات مريضة، ولذلك من الضروري  التعمق في فكر وتراث أهل البيت، فالتعامل مع المجتمع والناس من خلال مدرسة أهل البيت، تتطلَّب المزيد من الدراسة والمعرفة لأحكامه وعقائده الإسلاميَّة الأصيلة من قبل المستبصر، وتتطلّب أيضاً التعمّق بدراسة أخلاق وسلوكيّات الأئمة من أهل البيت ومن ثم  تعلم تطبيقها، بالمقابل فإنّ الواجب على المستبصر أنْ يحيي أمر أهل البيت عليهم ‌السلام، فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، ويربّي نفسه ومن معه على أخلاق أهل البيت.

يقسِّم الكاتب الناس إلى فئات: فئة استحبت الحياة الدنيا على الآخرة، وشغلهم طول الأمل، فهم يعتبرون الدنيا دار خلود وبقاء، حتّى أنّهم يرفضون كلّ ما يذكّرهم بحقيقة دنياهم الفانيَّة، وفئة اتخذت الدين مطيَّة لتحقيق مآربهم الدنيويَّة، فيُصلّون في الصفوف الأولى، ويقومون بالعبادات وأعمال البرّ والتقوى أمام الناس، ويطلقون اللحى، يراؤون فيها من أجل الشهرة والسمعة، حتّى تتحقّق لهم من وراء ذلك عمليات النصب والاحتيال على عباد الله تعالى، وفئة لا تدري ما هي عليه، ولا يوجد عندها استعداد لمعرفة ما غاب عنها من الحقيقة، وفئة تعرف الحقيقة، ولكن خوفا على نفسها ومصلحتها الدنيويَّة ومركزها تجحد الحقيقة وتنكرها،  وفئة  من الناس يحبّون أهل البيت ويطربون عند سماع أخبارهم وفضائلهم، ولكنّهم لا يريدون دراسة التاريخ والبحث فيه، ولا ينتمون إلى مذهب معيّن، بل يقولون بكل ما يسمعون، ويأخذون من كلّ عالم، ويفضلون فصل الشريعة عن الحقيقة، ولذلك تجدهم إلى التصوّف أقرب، فيحبّون أهل البيت عليهم ‌السلام، وفي نفس الوقت يترضّون على أعدائهم، أي أنّهم يدّعون محبّة أهل البيت عليهم‌ السلام، وفي نفس الوقت يوالون أعداءهم.

حسب الدراسة هذا الواقع غير مقبول شرعاً وعقلاً، لأنّ الأصل في المحبّة هو الاتباع والاقتداء، والولاية لأولياء الله والبراءة من أعدائهم، ولا يمكن للمحبّة أنْ تكون إلا بعد المعرفة، فمن ادّعى المحبّة من دون معرفة فهو كاذب، وفئة من الناس هي فئة المتذبذبين الذين يتنقّلون بين كلّ ما ذكرنا من الفئات، ولا يستقرّ لهم قرار، تارة مع هؤلاء وتارة مع أولئك، يميلون مع الواقع حيث يميل، ليس لهم شخصيَّة واضحة، بل في الحقيقة شخصيَّة ضعيفة ذليلة لا تملك موقفاً، وربّما تتقلّب في الدقيقة الواحدة في أكثر من موقف، وفئة المؤمنين الصادقين الصابرين الذين عرفوا الله فعرفهم وصدقوا في حبّهم وإخلاصهم، فأكرمهم الله تعالى بمعرفة نبيّهم وأئمّتهم، فاتّبعوهم بإرادة قويَّة وعزيمة صادقة، فأعزّهم الله تعالى بكرامته لهم، يوالون من والى الله تعالى ونبيه والأئمّة المعصومين، ويعادون أعداءهم، فهم تحت الأمر الإلهي يتوجّهون إلى حيث يوجههم بصدق وثبات وعزّة منيعة، فلله العزّة ولرسوله وللمؤمنين.

 

حقائق عن مذهب أهل البيت:

يرى الدكتور صلاح الدين الحسيني أنَّ مذهب أهل البيت هو مذهب الفرقة الناجية، بعيد  عن التناقضات والاختلافات، وهو المذهب الموافق للفطرة، كيف لا وقد قال رسول الله صلى‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم : تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدًا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهو أيضاً سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهلك، كما ذكر رسول الله صلى‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم في حديث السفينة: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهلك، وبالرغم من كلّ الشواهد والقرائن والتي تؤكّد أنّ أتباعه هم أتباع الفرقة، فإن المكفرين  للمسلمين من السلفيين والوهابيين وأتباعهم من خوارج العصر الحديث  يشكِّكون في مذهب أهل البيت، وأنكروا الحقّ بسبب حقدهم وجهلهم، وهذا بسبب أعراض وأمراض نفسيَّة خبيثة، والدليل ما حدث في العراق حين انتُهكت حرمة مرقد الإمام علي عليه‌السلام ومرقد الإمام الحسين واغتيال العديد من العلماء والمراجع، وحالات القتل اليومي للمؤمنين على أيدي خوارج القرن الواحد والعشرين الميلادي من المكفّرين للمسلمين هم في الحقيقة أعداء اللهِ ورسولهِ وأهل بيته وشيعتهم.

وفي هذ كله  ينتقد صاحب الكتاب عامّة الناس الذين  يترفّعون عن ذكر جملة (عليه ‌السلام)، أو (سلام الله عليه) بعد ذكر اسم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، أو أحد الأئمّة من أهل البيت سلام الله تعالى عليهم، ويضعون بدلاً منها كرّم الله وجهه، أو رضيّ ‌الله ‌عنه، ممّا يوحي للناس بأنّ في ذلك شبهة تحريم أو كراهة، وأنّ ما يتلفّظ به الشيعة عند ذكر الإمام هو بدعة، ولحرص أهل السنّة على اجتناب البدعة كما يدّعون، فإنّهم لا يقولون ذلك ويترفّعون عنه، وتأبى أنفسهم تحمّله، وإذا سمعوه من أحد، فإنّهم يبدون الامتعاض الشديد، وعدم الإقرار، يقول صاحب الكتاب أن  المؤمن المستبصر المقتدي برسول الله صلى‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم، المطيع لسنّته، يعتبر في نظر المجتمع الجامد على عاداته وتقاليده التي في مجملها مخالفة للشارع المقدس خارجا عن المألوف، فهم يعتبرون الدين ما تناقلوه بالوراثة عن آبائهم من دون بحث أو تقصٍّ وحتّى لو كان خطأ، فعندما توضّح لهم عن حكم شرعيّ أو سنّة معيّنة أو حقيقة مغيّبة، فبدلاً من تتبّعها والبحث فيها ينظرون إليك نظرة الشاذّ المخالف للمجتمع المتمرّد على المألوف من العادات والتقاليد الدينيَّة المخالفة لشرع الله تعالى، وقد في دائرة مغلقة، يقوقع نفسه في داخلها، مقدما في ذلك عغلاجا يخرجه من دائرة الإنغلاق  ويحرره من الجمود،  بل يتحرّر من تركيبة الشخصيَّة “السفيانيَّة”، ذلك عن طريق الحوار ومعرفة الآخر وقبوله، والبحث فيما عندها قبل الحكم عليه.

جديدنا