التزامن والتعاقب في حياة الإنسان والمجتمع

image_pdf

 

1

العلاقةُ بين الحُلم الإنساني والفِعل الاجتماعي لا يُمكن اختزالها في أطوار تاريخيَّة مُعيَّنة، أوْ أُطُر جُغرافيَّة مُحدَّدة، لأن الحُلم الإنساني هو صورة الوَعْي وجَوهر الحقيقة، والفِعل الاجتماعي هو الوَعْي بالحقيقة، وتطبيقها على أرض الواقع، وهذا يعني أن ثنائيَّة (الحُلم الإنساني/الفِعل الاجتماعي ) عبارة عن علاقةٍ وجوديَّة لا يُمكن تجنيسها، ونظامٍ حياتي مركزي عابر للزمان والمكان، ومُتدفِّق في ذاكرة المجتمع بلا فواصل، لأن ذاكرة المُجتمع هي ذاكرة جَمعيَّة لا فرديَّة، تَعتبر الماضي والحاضر والمستقبل كُتلةً واحدة، تتحرَّك في المسار الحضاري بشكل تزامُني مع الشُّعور الإنساني (الزمن والشُّعور يتحركان معًا في نَفْس اللحظة )، وأيضًا، تتحرَّك هذه الكُتلة الواحدة في البِنية المعرفيَّة بشكل تعاقُبي مع القُدرة العقلانيَّة (الزمن والفِكر يجيء أحدهما بعد الآخَر، ولا يتحركان معًا في نَفْس اللحظة ).

2

الزمن والشُّعور مُرتبطان بعلاقة تزامُنيَّة، يُوجَدان معًا، ويَغيبان معًا، ولا يُمكن الفصل بينهما، لأن الإنسان لَيس آلةً ميكانيكيَّة، ولَيس حَجَرًا في البناء الزمني للمجتمع، ولَيس رقمًا عابرًا في تاريخ الحضارة، وهذه الحقائق الأساسيَّة تَجعل الإنسان في قلب الأحداث، صانعًا لها، ومُنفعلًا بها، ومُتفاعلًا معها. والزمنُ الاجتماعي يُولِّد الشُّعورَ بالحياة، وهذا الشُّعور يصنع زمنَ التحولات الاجتماعيَّة. وهذه العلاقة التبادليَّة تتم في نَفْس اللحظة، لاستحالة فصل الزمن عن الشُّعور. وكما أن الإنسان لا يَستطيع التحرّرَ من الجاذبيَّة الأرضيَّة مهما كان قويًّا، كذلك لا يَستطيع شُعُورُه التحرّرَ من جاذبيَّة الزمن، لأن الإنسان ابن وَقْته، ولا يَملِك إلا اللحظة الآنِيَّة، لأن الماضي ذهب ولَن يَعُود، والحاضر المُعاش يُصبح ماضيا بشكل مُستمر، والمُستقبل مَجهول. وهذه الحقائق ثابتة في كُل المجتمعات الإنسانيَّة بغض النظر عن درجة تقدُّمها أو تخلُّفها. والجديرُ بالذِّكر أن التقدُّم التكنولوجي لا يَستلزم التَّقَدُّمَ الشُّعوري، والرُّقِي المادي لا يَستلزم الرُّقِي الإنساني، لأن القوانين التي تَحكم الآلةَ تَختلف عن القوانين التي تحكم الإنسان.

3

الزمنُ والفِكر مُرتبطان بعلاقة تعاقُبيَّة، يُوجدان بشكل مُتتابع بسبب وجود فاصل بينهما، وهذا الفاصل هو الفترة بين الفِعل (الحدث) ورَد الفِعل (القرار ). إن الزمن يشتمل على وقائع وأحداث، وعندما يَقع أمر ما على أرض الواقع، لا بُد من دراسته وتحليله من أجل اتخاذ القرار المناسب بشأنه، وهذه العمليَّة تستغرق وقتًا، وهذا يعني وجود فاصل بين الزمن والفِكر. وبعبارة أُخرى، إن الفِكر الإنساني يَحتاج إلى زمن كَي يَختمر. والزمنُ الواقعي المحسوس يُولِّد الفِكرَ المنطقي الذهني غَير المحسوس، وهذا الفِكر يصنع زمنَ التغيرات الاجتماعيَّة، ويَدفع باتجاه اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

 

4

وصولُ الإنسان إلى محطّة القطارات ليس له فائدة بحدّ ذاته. يجب على الإنسان أن يُدرِك هَدَفَه (وُجهته)، ويَعرِف موعدَ انطلاق القِطار، ويصل إلى المحطة في الوقت المناسب. وهذه العناصر مُجتمعة تكشف أهميَّة الترابط بين الزمان والمكان والشُّعور، وضرورة التطبيق العملي على الأرض. ولا يَكفي أن يَكون الإنسان على قَيد الحياة، يجب أن يكون صانعًا للأحداث، ومُوَجِّهًا لها، لتحقيق مصلحته الشخصيَّة في إطار المصلحة العامَّة، وسِوَى ذلك سَيَفُوته القِطار، ويَقف على رصيف المحطة حزينًا بعد فوات الأوان، ونادمًا حِين لا يَنفع الندم، ويحرق صفيرُ القِطار أعصابَه، ويُحطِّم أحلامَه وذِكرياته. والوَعْي الوجودي يُحتِّم على الإنسان أن يَستبق القِطارَ، ولا يَترك القِطارَ يَسبقه، والفِكر العقلاني يفرض على الإنسان أن يكون فِعْلًا لا رَدَّ فِعل.

 

جديدنا