التأويل في الفكر العربي والإسلامي المعاصر

image_pdf

مفردة “تأويل” من أكثر المفردات شيوعاً في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، بل يمكن القول في كل المعرفة الحديثة، وذلك بعد تحول التأويليَّة “الهيرمنوطيقا” من آليَّة لفهم النصوص لاتجاهات فلسفيَّة لها تعريفات محدّدة للحقيقة، بيد أنَّ ما يهمنا هنا في هذه المقالة، هو استخدام هذه المفردة في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، كيف استخدمت؟ ومن من؟ وبأي طريقة؟ ولأي نتيجة؟ مع العلم بأن تطور التأويليَّة في الفكر الغربي ارتبط بمشروطيات اجتماعيَّة ومعرفيَّة محدَّدة، فبعد أن احتلت الصدارة في لب نظريَّة المعرفة الحديثة الآن هناك نزوع لمسآءلة أسس هذه الفلسفة في الفكر الغربي المعاصر.

 

بما أن أهم المشاريع الفكريَّة المعاصرة في الفكر العربي والإسلامي هي مشاريع معنيَّة في الأساس بالحقيقة الدينيَّة؛ مناقشة التراث الإسلامي، فهم النصوص الإسلامية التأسيسيَّة، لذا نجد أنَّ مفردة تأويل كانت من أكثر المفردات توظيفاً ولكن بتعريفات مختلفة توصِل لنتائج جد متباينة، فهناك تياران رئيسيَّان يعيدان قراءة التراث العربي والإسلامي بغية الإصلاح، إصلاح العقل والأوضاع الاجتماعيَّة والسياسيَّة، التيار الأول معروف كما هو شائع بالتيار التجديدي، ويضمّ بعض منظّري الحركات الإسلامية و مفكرين معاصرين من أمثال محمد شحرور، أبو القاسم حاج حمد_ وكل من يعرف بالقرآنيين_ هؤلاء على اختلاف توجهاتهم ومناهجهم يتَّفقون في تعريف محدّد للتأويل ولطبيعة النص القرآني.

 

التيار الثاني ما عُرِف بالقراءة الحداثيَّة للتراث العربي والإسلامي، أي القراءة التي توظِّف مناهج وطرائق تفكير تنتمي للمعرفة الغربيَّة الحديثة في قراءة هذا  التراث، من أهم هؤلاء محمد أركون، محمد عابد الجابري، طيب تيزيني، نصر ابوزيد، هشام جعيط وآخرين، إبتداءً سأشخِّص وأحدِّد على وجه الدقة التأويل في النسق التجديدي، ثم لاحقاً بنفس المنهج سأقارب النسق الحداثي.

 

 – مَعالِم التأويليَّة التجديديَّة:

يُقِرُّ المجدِّد بتأخُّر المسلمين مقارنة بالغرب على جميع الأصعدة، يتساءل بحيرة لماذا تقدَّم الغرب وتأخّرنا؟! كيف حصل ذلك ونحن آخر أمّة خاطبها الله! لدينا رسالةٌ هي خُلاصَة الكتاب السماوي، أفكار الله النهائيَّة للبشر ومع ذلك تأخّرنا! يجيب بسرعة ومن غير قراءة دقيقة للتاريخ الغربي وتطور المعرفة الغربيَّة لاكتشاف كيف تمت  هذه النقلات على جميع الأصعدة، أقول يجيب بسرعة  لأنه ومنذ البداية في حالة سجال مع الغرب المستعمر “المتقدم” هذا، بتعبير عبد الله العروي في حالة مناظرة “انظر مناقشة عبد الله العروي لمحمد عبده في كتابه مفهوم العقل”. قديماً كان المجدِّد في سجال مع الغرب مباشرة محمد عبده مثال على ذلك (1)، مؤخراً المجدد في حالة مناظرة مع التيارات العلمانيَّة والمشاريع الحداثيَّة داخل الفكر العربي. يجيب بأنَّه لابد أننا ابتعدنا عن الإسلام، سبب تأخُّرُنا هو اتباع فهم الأسلاف للإسلام، ينبغي إذن تحرير العقل فوراً من فهم السلف الصالح والتقليد، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه والرجوع إلى الإسلام النقي.

 

يطابق فوراً بين الإسلام والقرآن فقط، يقرّ  بتاريخيَّة التراث الحديثي والتفسيري، فكل القيم الحديثة موجودة في القرآن، كيف لا تكون كذلك وهو كلام الله الصالح لكل زمان ومكان الهادي للعقل الإنساني، أيّ عقل وفي أيّ زمان، عندما يُصبح الرجوع للقرآن فقط هو الحل، بذلك تكون المعرفة التجديديَّة كلها معرفة قرآنيَّة (2)، أي معنيَّة بفهم القرآن، لذا أوَّلُ آليَّة ستكون هي التفرقة بين التفسير والتأويل، التفسير يدَّعي التطابق بين النص والمفسِّر، كما يوحي بالمعنى النهائي، لذا بالضرورة غير محبذ بالنسبة للمجدّد كما سنلاحظ، بينما التأويل هو معنىً مقترح فقط من ضمن معاني كثيرة، فالمعنى النهائي للقرآن لايعلمة إلاَّ الله، في هذه الدنيا ليس هناك معنى نهائي لكلام الله لأنّه سيَّال، قادر على أن ينتج دلالات تتناسب مع أيّ عصر، بل مع محمد شحرور تكون هذه الخاصيَّة هي الإعجاز القرآني، إعجاز القرآن هي قابليته للتأويل، فلو رجع الإنسان في أيِّ عصر للقرآن سيجد معرفة تتناسب مع عصره (3).

 

بالتالي من خصائص التأويليَّة التجديديَّة هي الإقرار بتاريخيَّة التراث التفسيري، كل نَتَاج  المفسرين في القرون الوسطى تاريخي، أي مرتبط بالسياق الذي عاشوا فيه، لذا يجب مفارقته فوراً والرجوع للخطاب القرآني كأنَّه نزل علينا الآن، بالإضافة لفكرة نجدها محوريَّة في هذه التأويليَّة ألا وهي: لا يمكن فهم القرآن إلا بالقرآن، سيرة النبي محمد “ص” وأقواله وتاريخ القرآن نفسه أي أسباب النزول وعلوم القرآن من ناسخ ومنسوخ وغير ذلك، غير مهمة لفهم القرآن حسب المجدد القرآني (4)، بذلك تقوم التأويليَّة التجديديَّة عند الكثيرين منهم “محمد شحرور كمثال” بنزع القرآن من سياقه التاريخي، هذه الخاصيَّة يعتبرها طيب تيزيني هي المؤديَّة لسيولة المعنى القرآني (5) التي هي عند شحرور إعجازيَّة، فعندما يُنتزَع القرآن من سياقه “سيقول كل شيء ولا يقول شيئا في آن واحد”. مع العلم أنَّ المجدد الأصولي وضعه فيه شيء من التعقيد، يشترك مع أي مجدد في كل هذه الخصائص سوى أنه يُرجِع بعض الآيات لسياقها التاريخي(6) أو بعبارة أخرى يتعامل “برغماتيا” مع تاريخ القرآن أيْ جزئياً فقط،  لأنه أيضاً في حالة مناظرة مع الغرب، وفي نفس الوقت ذو معرفة عميقة بالتراث التفسيري، لذلك لا يستطيع أن يرفض تاريخ القرآن كله كما يفعل المجدِّد القرآني ضعيف الصلة بالتراث الإسلامي الأصولي.

 

التأويل في هذا النوع من الفكر هو الرجوع إلى الأوَّل والأوَّلي، ولا يكون الرجوع هذا بمثابة فهم فقط لهذا الأولَّي، بل عمليَّة وجوديَّة ترتبط بها جميع مآلات الحياة، تشترك مع التراث التفسيري الكلاسيكي في ذات الرؤية للإنسان والله والمعنى المفيد في الدنيا والآخرة، فالتأويل هنا أقرب للتعريف القرآني منه للفلسفة التأويليَّة، أغلب المجدِّدين التأويل لديهم آليَّة لفكّ التعارض بين القيم الحديثة والقرآن، وأغلبهم يهتمّون بمناقشة آيات معينة غالباً ما تثير إشكاليَّة مع مسلمات علميَّة أو معرفيَّة حديثة، أمَّا أصحاب التفاسير الكاملة أغلبهم أصوليون، بالتالي التأويل في هذا النسق هدفه الأساسي هو إثبات تعالي المعرفة القرآنيَّة، لأنه كما ذكرنا آنفاً المجدد في حالة مناظرة، يحاول أن يقطع الطريق دائماً أمام أيّ رأي يتهم الإسلام بأنَّه سبب التأخر كالمستشرق الكلاسيكي زمن عبده، أو أيّ رأي من داخل المجتمع المسلم يراهن على الفكر الغربي نظريات محددة أو مناهج، وبذلك ضمنياً يكون نهوضنا وتقدمنا ليس مرتبط برسالة الله! إذن نفسيَّة المجدِّد المُشَخَّص أعلاه لاتختلف كثيراً عن نفسيَّة المؤمن القروسطي “التقليدي” التي توحِّدُ بين عالم الغيب والشهادة معرفياً، أي بتوسّط كلام الله بالضرورة، لذا أيّ تأخر يكون سببه فهم خاطئ لرسالة الله، وأيّ تقدم يكون بالضرورة متطابق مع رسالة الله، حتى وإن كانت رسالة الله المعنيَّة هي الإسلام، وكان التقدم في مجتمع  آخر هو المجتمع الغربي ” في الغرب إسلام من غير مسلمين، وفي الشرق مسلمين من غير إسلام”.

في الآونة الآخيرة ظاهرة الحركات الإسلامية أفرزت نمطا تجديديا لا يرى في الغرب تقدّماً كما محمد عبده، بل يرى فقرا روحيا يُلخِّص فيه إضافة قد يُشكِّلها الإسلام في هذا الاتّجاه، متناسياً أن هنالك لاهوت مسيحي يقدم نفس الأطروحات، ونصوص إسلاميَّة لم تتعرض لنفس التحديات، وهذا ما ستثيره التأويليَّة الحداثيَّة في الفكر العربي والإسلامي.

 

– معالم التأويليَّة الحداثيَّة:

خلصنا إلى أنَّ التأويليَّة التجديديَّة هي ردَّة فعل للحداثة، ترى أنَّنا أصحاب رسالة خالدة لم نفهمها كما يجب لذا تقدم غيرنا وتأخرنا، غاية ما تصبو له هو اللاتاريخيَّة بالنسبة للقرآن، والفصل الدائم بين إسلام نقي لا تشوبه شائبة وفكر إسلامي تاريخي دائماً وأبداً، فالتجديد إذن هو تمثُّل بعض القيم الحديثة والمعرفة العلميَّة في ذات الأُطُر المعرفيَّة التقليديَّة أي ذات المسلمات” والعقائد” التراثيَّة، لايتحرج المجدد من ترديد أنَّ هناك حقيقة أبديَّة خالدة متجسدة في لغة إلهيَّة، يقول ذلك وهو منتشي بفكرة أنَّه المُطَّلِع الأخير على هذه الحقيقة المتعاليَّة.

بالتوازي مع هذه القراءة التجديديَّة هناك قراءة أخرى تتعامل مع المعرفة الحديثة بنفسيَّة مغايرة، لا ترضى بالقراءة الاستشراقيَّة للتراث الإسلامي وكذلك لا ترتمي في أحضان المُطلق التراثي بشقيه التقليدي والتجديدي، قراءة تركز على الجانب الانتقادي أكثر من الاعتقادي، لأنها تعي جيداً الثورة الحديثة في  المعرفة، حيث أنَّه لا يوجد فكر حديث وبجانبه نقد، بل الفكر الحديث كله نقد، هذه هي الثورة الكوبيرنيكيَّة في المعرفة، لا يكفي الكلام عليها، بل يجب الكلام بها. هي إذن تأويليَّة تنخرط في ما هو متاح للبشريَّة جمعاء، وبما أنها ليست في حالة “مناظرة” مع الحداثة، لذلك تطرح أسئلتها، وتحاول أن تجيب عليها بهدوء في السياق الثقافي الإسلامي، من أهم هذه المشاريع القائمة أساساً على هذه الثورة المعرفيَّة، مشروع محمد أركون، نصر حامد أبوزيد، عابد الجابري، هشام جعيط … تُعرَف عادةً هذه المشاريع بالقراءة الحداثيَّة للفكر العربي والإسلامي .

 

التأويل ليس عمليَّة يُستَنبَط من خلالها معنى مفيد في الدنيا ومنجي في عالم آخر غير عالمنا هذا، كما في التأويليَّة التجديديَّة، بل هو البحث عن معنى تاريخي “وقع في التاريخ” وإصلاح واقعنا الآن لا يكون بالرجوع لمعنى وقع في التاريخ، أو لعصر ذهبي قبل قرون، أو لحقيقة أبديَّة انكشفت في ذلك العصر، وإنَّما بالاندماج الكلي في الواقع والإنهمام بالدرس والتحليل للواقع المشخص.

تُوظِّف هذه القراءة التأويليَّة “الهرمونطيقا” كنظريَّة فلسفيَّة وليس كآليَّة فقط لفهم النصوص، بالذات في دراسات محمد أركون، وعلي حرب، وأبو زيد بالتحديد، لُبُّ النظريَّة كالآتي؛ دائماً مايتوسط فهمنا واتصالنا بالواقع “التصورات ” المسبقة عنه، أي أنَّنا لانتعامل مع الواقع بصورة مباشرة، أيُّ قراءة لأيِّ ظاهرة هي “تأويل” مما يفتح الظواهر أمام قراءات عديدة متباينة، هذا التعدد لا يعني أنَّه ليس هناك قراءة صحيحة وأخرى سيئة تأويل سيء وتأويل مغلوط بعبارات إمبرتو إيكو وإنما يعني تعدد التصورات والمناظير وتَعقُّد الظواهر.

القبليات التي تنطلق منها التأويليَّة الحداثيَّة بالنسبة لفهم القرآن هي أنَّ اللغة لا تنفصل عن الثقافة، فهي حاملٌ ثقافي حسب القاعدة اللسانيَّة الشهيرة، كما أن الحقيقة ليست منفصلة عن المشروطيات الإجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة كما كان مسلم به في القرون الوسطى في التفكير الأسطوري وحتى  العقلاني، كما أنَّ حركة الفكر محايثة دائماً لحركة الواقع، بذلك يكون التأويل دائما هو “تنقيب” عن المعنى التزامني، عكس القراءة التجديديَّة التي تصُدُّ كل الطرق دائماً أمام المعنى التزامني (7)، وعكس الاستشراق الكلاسيكي الذي يدَّعي دائماً الوصول للمعنى التاريخي الحقيقي بمنهجه الوضعي الفللوجي المختزل، في التأويليَّة الحداثيَّة أركون كنموذج “الخطاب القرآني في طزاجته الأوليَّة فُقِد للأبد(8)، المعني التاريخي الحقيقي لانُجزِمُ بالوصول إليه، وهذا لا يمنعنا من البحث عنه، ولكن ليس خارج التاريخ أو في تاريخنا المعاصر، وإنما داخل التاريخ وتاريخه هو بالذات، وهنا الاختلاف مع التأويليَّة التجديديَّة، عندما تقول الأولى بلانهائيَّة التأويلات والمعاني المقترحة التي كلُّها مفيدة ومأجورٌ عليها، تقول الأخرى بتاريخيَّة حتى المعنى الذي نبحث عنه، لأنَّه  كان في التاريخ وذلك بالضرورة يعني أنَّه  مرتبط بالنظام المعرفي لذلك التاريخ، فالنصوص الدينيَّة حسب هذا النسق كانت ناظرة لإصلاح واقع اجتماعي معين وليس أي واقع  كما يتبنى التجديدي، فالسؤال غير المطروح لا يتم الإجابة عنه. بالتالي لا تقر التأويليَّة الحداثيَّة بتعالي المعرفة القرآنيَّة بنفس الطريقة التقليديَّة، أي أنَّها لاتاريخيَّة، بل تنظر إليها أنها معرفياً تَشكَّلت في بيئة ونظام معرفي محددين، وهذا لا يعني نفي للظاهرة الدينيَّة كما يظن البعض، وإنما إحياء لتدين لايصادر ويستلب الذات باسم الإيمان كما يقولون. فالنصوص الدينيَّة بها  هوادي عامة الوعي بتاريخيتها لا يعني إلغاءها بل يعني فهمها وتنزيلها على حسب تطور الأوضاع والظروف. لذلك نجد أنَّ التأويليَّة الحداثيَّة أيضاً تُحاول أن تقترح نظام إيمان يتناسب مع العقل الحديث.

 

كما أنها تُشير لتأثير المسبوقات الفكريَّة في تشكيل المعنى، وأنَّه ليس هناك قراءة بريئة لذلك تلح دائما على سؤال المنهج وعرض المسبوقات الفكريَّة والقبليات للنقاش والبرهنة من البداية.

 

تقول أيضاً بتاريخيَّة التراث التفسيري ولكن ليس بغرض أن تدَّعي بنقاء وأبديَّة الخطاب القرآني كما في التأويليَّة التجديديَّة، التراث التفسيري تشكَّل في سياق مغاير للسياق الذي شَكَّل    القرآن، بالإضافة إلى الصراعات المذهبيَّة التي نشأت فيها التفاسير، بيد أنَّه هنا لايتم رفض التراث التفسيري بالمطلق بقدر مايتم التنقيب فيه كما يتم التنقيب في الخطاب القرآني نفسه الذي يفهم في سياق واسع بلغة بورديو يفهم وفق (المدة الطويلة)، لنفهم القرآن يجب أن نفهم الأوضاع الاجتماعيَّة والماديَّة والثقافيَّة لما قبله، فهو لم يظهر بصورة فجائيَّة، مهما يكن من أمر هذه التأويليَّة تقول بتاريخيَّة التراث التفسيري وتاريخيَّة المعرفة القرآنيه نفسها.

 

بالتالي التأويل ليس عمليَّة يُستَنبَط من خلالها معنى مفيد في الدنيا ومنجي في عالم آخر غير عالمنا هذا، كما في التأويليَّة التجديديَّة، بل هو البحث عن معنى تاريخي “وقع في التاريخ” وإصلاح واقعنا الآن لا يكون بالرجوع لمعنى وقع في التاريخ، أو لعصر ذهبي قبل قرون، أو لحقيقة أبديَّة انكشفت في ذلك العصر، وإنَّما بالاندماج الكلي في الواقع والإنهمام بالدرس والتحليل للواقع المشخص.

 

لذا يكون التأويل عند المجدد عمليَّة وجوديَّة، بعبارة أدق “عمليَّة تعبديَّة” بينما في التأويليَّة الحداثيَّة يكون عبارة عن تنقيب تاريخي عادي. فالفرق في الأساس هو فرق بين نظرة تعبديَّة للمعرفة، لنوع خاص من المعرفة ونظرة تاريخيَّة للمعرفة، بيد أنَّ التياران يشددان على حركيَّة المعني ليضمنا مكان لا يتأتي إلا بخلخلة  السياج السلفي الذي ضُرب حول الفكر الإسلامي منذ القرن الخامس الهجري.

 

(1) مثال على ذلك مناظرة محمد عبده مع سبنسر.

(2) لمحمد أبو القاسم حاج حمد كتاب كامل يحاول أن يثبت فيه أن النص القرآني معادل موضوعي للكون. أنظر كتابه المعنون ب ” العالميَّة الإسلامية الثانية”.

(3) انظر مقدمة كتاب_ الكتاب والقرآن؛ قراءة معاصرة_ وهو أهم كتاب لمحمد شحرور إذ لخص فيه كل مشروعه التجديدي.

(4) انظر كتاب محمد شحرور نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي ص160.

(5) أهم كتاب لطيب تيزيني خُصِّص لذه المسألة هو كتابه _النص القرآني أمام إشكاليَّة البنيَّة والقراءة.

(6) مفهوم بيئة التَنَزُّل من المفاهيم المهمة جداً في تفسير المجدد الأصولي حسن الترابي ” التفسير التوحيدي”.

(7) انظر نقد نصر حامد أبو زيد لمحمد شحرور في كتابهالنص السلطة الحقيقة ص”116″ وما بعدها.

(8) أنظر مقدمة كتاب_ أين هو الفكر الإسلامي المعاصر_ لمحمد أركون.

(9) مفهوم “المدة الطويلة” هو من إجتراح  عالم الاجتماع الفرنسي بير بورديو، ويعني أنَّ الظواهر لا يجب قراءتها في السياق الذي أنتجها فقط، وانَّما الغوص عميقاً في تاريخها، فكل ظاهرة هي نتاج مشروطيات ماديَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة حصلت ببطء في الزمن، لتفسير أي ظاهرة ينبغي إذن الرجوع لتاريخ تشكلها لا لحظة تمثلها.

جديدنا