كيف يمكن التوفيق بين الدين والحداثة؟

image_pdf

*ترجمة عارف حجاج

 

الإسلام قابل للإصلاح وهو الآن في طريقه نحو التجديد الذاتي. هذا صلب النظرية التي يطرحها كتاب “الإسلام في منعطف الطريق”. يقدّم الكتاب انطباعات شيِّقة حول الجدل الدائر في الوقت الراهن في صفوف المسلمين حول قضايا الدين والديموقراطية وحقوق الإنسان.

كيف يوفّق المسلمون بين عنصري الإيمان والحداثة؟ وكيف يجعلون الإسلام متمشّيا مع الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان؟ يدور في العالم الإسلامي جدل حيّ حول النهج الصحيح في فهم الدين الإسلامي. وقد دلَّ الكتاب بناء على ما ورد فيه من مجموعة تتألَّف من 19 سيرة حياة لإصلاحيّين وإصلاحيات مسلمين على تنوّع وتعدديَّة هذا الجدل الدائر اليوم ابتداء من إندونيسيا وامتدادا إلى الولايات المتَّحدة. الجدير بالذكر أن هذا الجدل التاريخي تعود جذوره نوعا ما إلى عهد ظهور الإسلام.

 

إصلاحيّون ليبراليّون وآخرون محافظون

 

تعمَّد ناشرو وناشرات هذا الكتاب تعريف مفهوم “الإصلاحيين” في هذا السياق على نحو أشمل من النهج الاعتيادي حيث راعوا وجهات كلا الليبراليين والمحافظين مستعينين في ذلك بالمعنى الأصلي للمصطلح اللاتيني reformare الذي يعني “استعادة الوضع السائد في الماضي”.

 

لهذا فإنَّ أبعاد البحث تتضمَّن سواء أفكار عالم الدين الإيراني شبيستاري التقدّميَّة المتأثِّرة بفكر إيمانويل كانط وعلم التفسير الحديث وفكر المثقَّف السويسري طارق رمضان المتَّسم في أغلبه بطابع محافظ ليشمل ذلك أيضا تيار عالم لاهوت التحرير فريد إسحاق المنحدر من جنوب أفريقيا وتيار المصريَّة جيهان الحلفاوي التابعة لفكر حركة الإخوان المسلمين.

 

تتألف سير الحياة من مجموعة خمسة فصول تتناول عناوينها أهمّ التحدّيات التي يواجهها الإصلاحيون المعاصرون، وهي الإسلام في مجتمعات الأغلبيَّة غير المسلمة والعلاقة بين الإسلام والديموقراطيَّة ودور الشريعة الإسلاميَّة في الدولة الحديثة والتفسير العصري للقرآن وأهميَّة حقوق المرأة والإنسان في القرآن.

 

وضع المسلمين في أوروبا كأقليَّة دينيَّة

 

لا أحد في صفوف كافة هؤلاء الإصلاحيين يتبنَّى توجّها “غربيا” بل كلهم ينطلقون في حججهم من الأرضيَّة الدينيَّة. يولي القراء الأوروبيون غير المسلمين اهتماما فائقا فريدا بسير حياة الرواد الأوروبيين الذين عظم نفوذهم وتأثيرهم.

 

هذا يسري خاصّة على الفيلسوف وعالم الدراسات الإسلاميَّة طارق رمضان المولود عام 1962 في جنيف. في هذا السياق يدحض عالم الدراسات الإسلاميَّة في جامعة فرايبورغ، لودفيغ أمان، التهمة الموجّهة كثيرا لرمضان بكونه “ذئبا في زي حمل”.

 

يقول أمان إنّ رمضان وإن دافع عن الشريعة واعتبرها أصل القوانين إلا أنه يهاجم في نفس الوقت ادّعاء رجال الدين المحافظين إلى حدّ التشدّد بكونهم يملكون وحدهم الحقّ في تفسير القرآن. يتابع أمان بأن رمضان وإن لم يمكن اعتباره إصلاحيا ليبراليا إلا أنه لا ينتمي إلى الرجعيين: “إنه محافظ يسعى إلى الوقوف مع عامَّة الشعب في النقاط التي يتَّضح فيها عدم قدرتهم على التعاطي مع مظاهر التحوّل”.

 

لكن السؤال يطرح نفسه هنا عن الأسباب التي جعلت ناشري هذا الكتاب يقتصرون في أبحاثهم على الشرق الأوسط وتركيا وأوروبا، فلا توجد أدنى إشارة إلى السعوديَّة ومنطقة الخليج العربيَّة. كما لم تأت الإشارة إلى المغرب والجزائر وتونس إلا في حالة وحيدة فقط تمت الإشارة فيها إلى نادية ياسين. ربما كان لهذا الاختيار أسبابه، لكن الحاجة كانت تتطلب تعليل ذلك في مقدّمة الكتاب أو ختامه.

 

كما أن المرء يتساءل هنا عما إذا كان ناشرو وناشرات الكتاب قد أعطوا المواضيع المطروحة القدر المناسب من الأهميَّة بالنسبة لكل منها. فالفصل الخاص بالشريعة لم يعط الأهميَّة الكافية التي يستحقها هذا الموضوع في سياق علاقته بالمجتمع والديناميكيَّة الواقعيَّة التي يحتلها داخل الدول العربيَّة في أقل تقدير.

 

في هذه الحالة كان من الضروري تضمين الكتاب على سبيل المثال سيرة حياة عالمة القانون المغربيَّة فريدة بناني باعتبارها قد أثرت بحكم كونها عالمة خبيرة بشؤون حقوق المرأة على الإصلاحات التي جرت في قطاع قانون العائلة في المغرب.

 

كما أن الكتاب تناول في الفصل المسمى “الناشطون في مجال حقوق المرأة والإنسان” هذا الموضوع على نحو هامشي بالنظر إلى الأهميَّة الكبيرة التي يحتلّها في واقع الأمر، يأتي بالإضافة إلى ذلك أن المعايير المرسومة في هذا الصدد لم تتسم بالوضوح:

 

فعلى سبيل المثال ليست نادية ياسين التي تطرّق الكتاب إلى سيرة حياتها ناشطة لا في مجال حقوق المرأة ولا الإنسان بل هي الناطقة باسم حركة سياسيَّة يتزعّمها رجال. هذا ومجرد كون نادية ياسين قد طالبت بوضع نسبة معينة لتمثيل النساء في قيادة تلك الحركة لا يجعلها مؤهلة لأن تسمى ناشطة في شؤون حقوق المرأة.

 

فاهتمامات نادية ياسين الإصلاحيَّة لم تتناول شؤون الدين بل موضوع النظام الملكي المغربي الذي تطمح في تحويله إلى جمهوريَّة إسلاميَّة. لكن الأمر يبقى خاليا من الوضوح فيما يتعلق بأوضاع الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان والمرأة في مثل هذه الجمهوريَّة الإسلاميَّة.

 

نموذج على الطريقة الأنغلوساكسونيَّة

 

إلى أين يسلك العالم الإسلامي طريقه في المستقبل، نحو الانطواء على نفسه أم الانفتاح على الحداثة العالميَّة؟ هذا هو موضوع كلمة اختتام الكتاب التي كتبها عالم السياسة السويسري باتريك هيني. الأمر لا يتعلق في نظره حول ما إذا كان الإسلام مؤهلا للتكيف مع الحداثة بالنظر لكون المسلمين والمسلمات يتعايشون مع هذه الحداثة منذ وقت طويل في حياتهم اليوميَّة حتى ولو لم يتزامن ذلك بعد مع التجاوب مع الحداثة من قبل علم الدين والأيديولوجيا.

 

أما الأمر الذي يطرح نفسه فإنه يتعلق في نظر هيني بطبيعة نموذج الحداثة الذي ستعتمده على الأجل البعيد المجتمعات ذات الصفة المسلمة. يرى هيني بأن الفصل التام بين الدين والدولة على النمط الفرنسي ليس محتملا كما انه ليس بالأمر الذي ينبغي على العالم الإسلامي أن يعتبره هدفا له.

 

وهو يعتقد بأن الأرجح أن ينشأ مستقبلا في المجتمعات ذات الصفة المسلمة نموذج على النمط الأنغلوساكسوني فيما يختص بالعلاقة بين الدين والدولة، بمعنى ألا تكون الدولة في حد ذاتها مبنيَّة على هيكل ديني على أن يلعب الدين في نفس الوقت دورا هاما في المجتمع دون أن يفهم ذلك على أنه يتناقض مع روح الحداثة.

_______
*قنطرة/ الراصد التنويري/ العدد الثالث (3)/ يناير- كانون الثاني 2009.

جديدنا