اد حسين: علينا الوقوف ضدّ من اختطف إيماننا وأساء إلى تسامح ديننا

image_pdf

اد حسين، 33 عامًا، مؤلِّف كتاب “الإسلاموي the islamist” الصادر باللغة الإنجليزيَّة، الذي أثار الكثير بعدما سلَّط مؤلّفه الضوء على تجربته الحياتيَّة كمسلمٍ بريطاني، وارتباطه بتجمّعات إسلاميَّة متطرّفة، في السادسة عشرة من عمره، ودعوته إلى التسامح ونبذ الكراهية ومعرفة الذات من خلال معرفة الآخر.

يقول الكاتب:

“لم تبلور قضيَّة الهويَّة والانتماء أي مشكل لدي عائلتي، فنحن ننتمي إلى إنكلترا .. فهي الوطن. قدم والدي إليها، وهو في الثلاثين من عمره، حينما كانت الهند تحت الاستعمار البريطاني، واستطاع أن يدير مطعمًا صغيرًا يقدِّم وجبات هنديَّة سريعة في منطقة “لايم هاوس” شرقي لندن.

وعلى الرغم من أنّنا عائلة مسلمة ملتزمة، إلا أن والدي دائمًا ما كان يرتدي بذلة من ثلاث قطع، ويفخر بانتمائه إلى التاج البريطاني، في حين كانت والدتي تصحبنا لرؤية بابا نويل في أعياد الميلاد.

كانت الآصرة الأسريَّة التي جمعتنا حميمة. ولم تكن مدرستي الابتدائيَّة تبعد عن منزلنا سوى 3 دقائق، فكيف أشعر دائمًا أنّها ملحقة بمنزلنا ذاك. كان والدي يقدّمان مساعدات لمدير المدرسة وطاقمها التدريسي في السفرات المدرسيَّة والمعارض الفنيَّة..كانت أيّامًا سعيدة وجميلة.

بدأت منذ تلك الأعوام بكتابة قصص قصيرة حظيت بإعجاب المعلّمة التي أخذت تطبعها على الآلة وتوزّعها على التلاميذ.

نصحني مدير المدرسة بعدم الالتحاق بالثانويَّة الخاصَّة بالفتيان، حيث كان أغلب طلابها من العائلات البنغلاديشيَّة المهاجرة حديثًا إلى إنكلترا، لكن أبي أصر على التحاقي بتلك الثانويَّة. رفض المدير وإصرار أبي أدخلني في حيرة، فكان القرار الأخير لأبي في ان ألتحق بثانويَّة “ستيبني غرين”. شعرت بالغربة منذ أيّامي الأولى في تلك الثانويَّة، وأحسست بالوحدة وبأنّني أغرذد خارج السرب، فكنت أتمنّى عودة أيّامي الجميلة في مدرستي الابتدائيَّة متعدّدة الأثنيّات والأديان.

في الثانويَّة جرت الأمور على غير عادّة ما كان في المدارس البريطانيَّة. فقد كان المدير قاسيًا ومدرّس الرياضة يزعق في وجوهنا على الدوام. وترك غالبيَّة التلاميذ مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة ليعملوا في مطاعم هنديَّة، أو في أسواق شعبيَّة، أو في المصانع المنتشرة في الضواحي. بصراحة كانت حياتي على شفير هاوية حقيقيَّة في تلك الثانويَّة.

لكن الأسوأ هو الذي سيأتي لاحقًا، حيث كنت موضع سخرية التلاميذ بسبب نظارتي الطبيَّة، إذ كان الطلبة القادمون من قرى وأرياف بنغلادش يعتقدون أن ارتداء النظرات الطبيَّة مقتصر على كبار السن. وأطلقوا عليّ لقب “صاحب النظّارات”.

لم أكن أنتمي إلى تلاميذ الصف، أو إلى العصابات، التي شكّلها التلاميذ في المدرسة..كنتُ وحيدًا. وبعد التجمّع الصباحي، كان التلاميذ يهربون في الغالب من المدرسة متوجّهين إلى شارع أكسفورد التجاري لسرقة حاجيّات رخيصة وبسيطة، ولم تكن الهيئة التدريسيَّة تعر أهمّيَّة تذكر لما يجري.

وأتذكّر جيدًا أنّ صفّ العلوم، الذي كان تحت إشراف مدرّس مساعد، كانت المياه تغمر المكان، ونيران المختبر متوهّجة، في حين كانت الكراسي مهشّمة.. هكذا كان الحال في الثانويَّة.

في يومٍ ما وفي عامي الخامس عشر، وبعد انتهاء الدوام، وخلال انتظار والدي الذي تأخّر قليلا، شاهدت أحد الطلبة، الذين كانوا يهربون من المدرسة، عائدًا وهو ملطّخ بالدماء لأنّه سار في منطقة معادية على وفق تقسيمات عصابات المدرسة.. وكان ممكنًا ان أكون أنا الضحيَّة.

في تلك الأيّام، كنت أبحث عن معنى للحياة. وظننت أنّ الإسلام الأصولي قد يكون حلال بالنسبة لي.. بدأت خطوتي الأولى مع الإسلامويين بالقراءة، حيث التقيت بإسلاموي آسيوي مولود في إنكلترا، وكان يرتدي دائما الكوفيَّة الفلسطينيَّة ويتردّد على مسجد الحي، حيث أعطاني مجموعة كتب أنا المولع بالقراءة! ولم أرغب حينها أن يعرف والدي بأمر تلك الكتب.

مثل لي الانضمام إلى تلك الجماعة الهويَّة والقوَّة الروحيَّة، لذا انتميت إلى تنظيم متطرّف يدعى “حزل التحرير”. وفي العام 2005 أديت فريضة الحج، وأردت ان أكون قريبًا من مكّة والمدينة لأستمدّ القوّة الروحيَّة من المكان. هناك أدركت أن الإسلام يمكن أن يكون القوّة الأكثر خطرًا على الأرض قاطبة لو حّرِّف واستغلّ.

زرت مسجد الرسول في المدينة المنوّرة وطفت في المكان بعد صلاة الفجر.. وجدت كل شيء تغمره روحيَّة طاهرة.. حتى الهواء. كان ثمّة مجموعة من المسلمين الشيعة بدأوا، بعدما أدّوا الصلاة في المسجد، بمدح الرسول وخصاله الحسنة، غير أن الحرس السعودي وبعض الهيئات الدينيّضة المشرفة على المكان منعتهم من أداء هذه الطقوس وطردتهم بالقوّة من المسجد. اعتقدت أن وجودي في هذا المكان سيقرّبني إلى الخالق ورسوله، لكني كنت شاهد عيان على الحقد والكراهية المتزايدة بين المسلمين.

سألت أحد الحرّاس باللغة العربيَّة: لِمَ فعلتم هذا بهؤلاء الناس؟

اجابني: هل تعلم مَن هم هؤلاء؟

  • إنهم مسلمون.
  • كلا، إنّهم شيعة.

برق في رأسي أنّ الإهانة التي كنت أتعرّض غليها على يد تلاميذ تلك الثانويَّة إنّما سببها اختلافي عنهم. وهنا، في هذا المكان الطاهر، يتعرّض الشيعة للإهانة ويطردون من بيت الله ببساطة لأنّهم مختلفون أيضا.

دفعتني تلك الحادثة لأقول: علينا الوقوف ضد من اختطف إيماننا وأساء إلى تسامح ديننا، لذا وضعت كتاب “الإسلاموي” لأنقل إلى القرّاء، بخاصَّة المسلمين منهم، ما يحدث عادة حين يحاول البعض سلخ الدين عن سماحته.

بعد مدّة قصيرة من نشر الكتاب ولدت لي ابنة أسميتها “كميلة” اسم مشترك بين العرب والإنكليز “كميلة- كاميلا” لأثبت دليلًا على التكامل بين الثقافات والأديان. أتمنذى أن تنشأ ابنتي “كميلة” بعيدًا عن أجواء الكراهية والإساءة إلى المراة، فعلى المسلمين احترام اخواتهم وبناتهم.

واليوم، هناك مساجد لا يرغب القائمون عليها ان أؤدّي صلاتي فيها، بخاصَّة بعد صدور كتابي هذا. مع ذلك، عليّ المضي في مسيرتي لتوعية المسلمين بضرورة اقتلاع الحقد والكراهية ومعاداة الآخر من قلوبهم.

“كميلة” تعني الكامل بالعربيَّة، وهذا ما أسعى إليه بعد ولادتها وصدور الطبعة الأولى من كتابي الأوّل.

_______

* مجلّة “ذي صاندي تايمز اللندنيَّة- الراصد التنويري (العدد 2) أيلول/ سبتمبر 2008.

 

جديدنا