هل المقاربات البيداغوجية ضمان لجودة التربية والتعليم؟

image_pdf

مقدِّمة:

تعتبر المقاربة البيداغوجيّة جوهر العمليّة التربويّة، ومن ثمَّ فإنَّ كل عمليّة إصلاح تربوي تتَّجه إلى تبنّي مقاربة بيداغوجيّة تتّسق وتوجّهاتها، وتخدم غاياتها، وتيسّر تحقيق أهدافها في مرحلة معيّنة آخذة بالاعتبار انتظارات المجتمع من المدرسة، وتطوّر المنظومات التربويّة في العالم، وهو تطوّر يقوم في جزء منه على نوعيّة المقاربات البيداغوجيّة المعتمدة، وكذلك على الرغبة في الاستجابة لانتظارات المتعلّمين وتطلّعاتهم إلى نظام تربوي يتيح لهم فعلا تطوير إمكانياتهم وقدراتهم المختلفة. فالبيداغوجيا بما تعنيه من قيادة الطفل مثلما حدّد معناها اليونانيون القدامى تعدّ أهمّ مكوّنات أي عمليّة إصلاح تربوي باعتبار أن هذه الأخيرة تجدّ في البحث عن الطريقة المثلى لقيادة الطفل حتى يحقّق الأهداف التي رسمت له في مختلف مراحل العمليّة التعليميّة. ولكن المقاربة البيداغوجيّة ليست بمنأى عن عوامل أخرى لها حضور في العمليّة التربويّة لاسيما في عصر لم تعد المدرسة قاطرة التغيير فيه، بل غدت على خلاف ذلك تسعى إلى مواكبة التغيّرات التي عرفها المحيط ومن هذه العوامل ما هو إداري، وما هو متّصل بواقع العلاقة مع المحيط، وما هو مرتبط بتطوّرات عالم الشغل، وما هو وثيق الصلة بمنظومة قيم العيش معا…الخ. هذا فضلا عن التدخلات السياسيّة والنقابيّة والإداريّة التي قد تنحرف بها عن مسارها. فمثل هذه التدخلات من شأنها أن تنحرف بالمقاربة عن تحقيق غاياتها. وبما أن التعليم جيّد النوعيّة غدا اليوم مطلبا ملحّا، فإن اختيار المقاربة البيداغوجيّة المناسبة لتحقيقه أمر لا مناص منه.

وللتوسّع في أهميّة المقاربات البيداغوجيّة ودورها في تجويد أداء المنظومات التربويّة سيتمّ اعتماد المثال التونسي والمقاربات التي اعتمدت خلال مختلف الإصلاحات لا سيما وأن البلاد تتأهّب لإصلاح تربوي جديد في زمن التحديات فيه كثيرة بدءا من بطالة خرّيجي الجامعات، وصولا إلى التحاق عدد من الشبّان والشابّات التونسيين بمنظمات تتبنّى العنف سبيلا لفرض آرائها ومعتقداتها، مرورا بالرغبة في إرساء مدرسة المواطنة التي تستجيب لمجتمع ديمقراطي، الأمر الذي يثير إشكاليات كبيرة  وتساؤلات أكبر لاسيما فيما يتّصل بتبنّي مقاربة بيداغوجيّة جديدة منسجمة مع متطلّبات المرحلة والمستقبل.

الإشكالية:

تعدّ الجودة التربوية مطلبا ملحّا اليوم، بمعنى أن مختلف منظومات التربية في العالم لم تعد تكتفي بتقديم تعليم إلزامي ومجاني للمتعلّمين، بل غدت مدعوة إلى تقديم تعليم ذي نوعيّة، يُسهم في النموّ المتكامل والمتوازن لذات المتعلّم (نفسيّا وبدنيّا وذهنيّا)، ويتيح له اكتساب الكفايات المختلفة للعيش في مجتمع تعدّدي ومتنوّع ومتغيّر باستمرار. ومن هنا صارت المنظومات التربويّة أمام تحدّيات جسيمة، باعتبار أن تحقيق جودة التربية ليس بالأمر الهيّن. ونظرا لأهميّة المقاربة البيداغوجيّة في التأسيس لتعليم ذي جودة، فإنه من المفيد البحث في هذه المسألة انطلاقا من التساؤل الآتي: كيف تكون المقاربة البيداغوجيّة ضامنة لجودة التربية والتعليم؟ وبلغة مغايرة إذا كان كل إصلاح تربوي ينشد تغيير المقاربة البيداغوجيّة لما لها من تأثير في مختلف جوانب العمليّة التربويّة في مكوّناتها المختلفة من التعلّم إلى التقييم مرورا بالحياة المدرسيّة، فإن ذلك يستدعي مناخا ييسّر تبيئة تلك المقاربة البيداغوجيّة حتى تكون مدخلا لتجويد التربية والتعليم. فكيف السبيل لجعل المقاربة البيداغوجيّة أرضية ملائمة لإرساء تعليم ذي جودة عالية؟

الفرضيات:

  • لا يعتبر تغيير المقاربات البيداغوجيّة غاية في حدّ ذاته، وإنما يعكس تفاعل الممارسة التربويّة مع الإضافات التي تقدّمها العلوم الإنسانيّة ذات الصلة بالمجال التربوي، وأيضا بالتغيّرات التي تعرفها المجتمعات والتي تنعكس من خلال التكنولوجيا المستخدمة ومن خلال أنماط الحياة بشكل عام.
  • للمقاربات البيداغوجيّة دور في تحقيق جودة التعليم، ولكن لا يمكن اختزال تحقيق هذه الأخيرة في المقاربة البيداغوجيّة فحسب على الرغم من أهميّتها.
  • يعكس المثال التونسي تعثّر تبيئة المقاربات البيداغوجيّة، فتغيير هذه المقاربات وإن أحدث بعض التغيير في أداء المنظومة التربويّة، فإنه لم يساعد على تحقيق الجودة، بل إنه في حالات كثيرة لم يمكّن حتى من التغلّب عن بعض الظواهر التي تحوّلت إلى معيقات بنيويّة وفي مقدمتها الانقطاع المدرسي وضعف التحصيل.
  1. مفاهيم الورقة
  • المقاربة البيداغوجية

تعرّف المقاربة البيداغوجيّة على أنّها “بمثابة موجّه ينظّم الوضعيات التعليميّة – التعلّمية سعيا لتحقيق الأهداف المرسومة من أجل ذلك تأسّست على عمليات يتمّ بمقتضاها معالجة المشكلة أو تحقيق هدف معيّن باعتماد اجراءات واستخدام صيغ ووسائل تطبيقية. وللمقاربة البيداغوجيّة تأثير مهمّ في حفز المتعلّم للقيام بعدة أنشطة وعلى التفاعل مع موضوع التعلّم وسياقه بشكل عام[1]” أو هي “القاعدة النّظريّة التي تتكوّن من مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها إعداد برنامج دراسي، وكذا اختيار استراتيجيّات التعليم والتقويم[2]“. فالمقاربة البيداغوجيّة التي هي تطبيق عملي لنظرية ما في الحقل التربوي[3] تؤدّي دورا مهمّا في توجيه العمليّة التعليميّة -التعلّمية باعتبارها توفّر أرضية لا لبناء استراتيجيّة التعلّم فقط وإنما أيضا لاستراتيجيّة التقييم. فالتقييم ينبغي أن يكون من جنس التعلّم. وبالتالي فإن لها في العمليّة التعليميّة – التعلّمية “مكانة أساسيّة من حيث قدرتها على مساعدة المتعلّم على الاكتساب والبناء، ومساعدة المدرّس على القيام بمهامه التعليميّة داخل إطار تربوي ملائم[4]“. بمعنى أن المقاربة البيداغوجيّة توجّه أداء المدرس وتحدّد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دور المتعلّم في العمليّة التعليميّة- التعلّميّة. لذلك جاز القول إن بلوغ أهداف طموحة في المجال التربوي يقتصر بالدرجة الأولى على اعتماد مقاربات بيداغوجيّة مناسبة تتماشى وتحقيق الأهداف الكبرى للمدرسة في أقل مدّة محدّدة[5]“. ولهذا السبب يتبنّى كلّ إصلاح تربوي مقاربة بيداغوجيّة غرضها تحقيق الأهداف التي رسمها. وفي هذا السياق عرفت تونس خلال الإصلاحات التربويّة السابقة ثلاث مقاربات بيداغوجيّة هي على التوالي بيداغوجيا المعرفة (المحتوى) وبيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الكفايات.

في دواعي تجديد المقاربة البيداغوجية:

يعتبر الباحث المغربي عبد اللطيف الخمسي أن “مشروعيّة كل إصلاح تربوي تتحدّد بقوة المقاربات البيداغوجيّة المعتمدة في التحليل والتشخيص والعلاج[6]“، بمعنى أن جوهر أي إصلاح تربوي هو المقاربة البيداغوجيّة، أو بالأحرى لا معنى لأي إصلاح تربوي خارج تجديد تلك المقاربة.  ومن هنا يتأتّى التساؤل حول دوافع تجديد المقاربة البيداغوجية المباشرة وغير المباشرة، لاسيما وأن كلّ تغيير للمقاربات عادة ما يصير موضع تساؤل يصل حدّ اتّهام المسؤولين عنه، لأسباب مختلفة لعلّ أهمها على الإطلاق أنه “مُسقط”، و”فوقي” وأنه “قادم من وراء البحار”، وأنه “يحوّل الحقل التربوي الوطني إلى فضاء تجارب للآخرين”، فضلا عن كونه في الغالب “مكوّنا من مكوّنات مشروع وزير سينتهي برحيل صاحبه”، وأن “هذه التغييرات حوّلت أبناءنا إلى فئران تجارب”…الخ .

يعتبر تجديد المقاربة البيداغوجيّة من البديهيّات، بحكم أن المؤسّسة التربويّة تعمل على تجديد طرق عملها من ناحية، وتعمل على تفادي الصعوبات التي تعترضها من قبيل الانقطاع المبكّر، وانتشار السلوكات المحفوفة بالمخاطر (العنف البدني واللّفظي، استهلاك المواد المؤثّرة عقليا…)، فضلا عن مواكبة تحوّلات المجتمع، بل ومسايرة التغيّرات التي تعيش على وقعها الإنسانيّة. ولكن لتجديد المقاربات البيداغوجيّة دوافع أخرى من أهمّها ما يلي:

  • مواكبة المستجدات الحقوقية المتّصلة بحقوق الطفل على وجه التحديد، فانتشار ثقافة حقوق الطفل، ساهم في تغيير تلك النظرة التي تختزله في تلميذ متقبّل للمعلومات من المعلّم، وأسهمت بطريقة مغايرة في إرساء براديغم التعلّم بدلا عن براديغم التعليم، باعتبار أن الطفل لم يعد من المنظور الحقوقي مجرّد متلق للمعلومات، بل صار فاعلا، ومن ثم صارت المدرسة مدعوة إلى التقيّد بالمبادئ الأساسيّة لحقوق الطفل ألا وهي عدم التمييز، ومصلحة الطفل الفضلى والمشاركة والحماية[7]. بمعنى أن العمليّة التربويّة، وفي تفاعل مع حقوق الطفل صارت ملزمة بتغيير منطق اشتغالها القائم فيما سبق على ثنائية الشيخ والمريد.
  • الاستفادة من مجلوبات علم النفس التربوي ” الذي اهتمّ بتجميع المعارف النظريّة والمتفرّقة من أجل التأسيس لمعرفة أفضل بالطفل وأخذ التقنيات البيداغوجيّة بعين الاعتبار، بشكل يسمح بقيادة نشاط تربوي معقلن[8]“. بمعنى أنه لم يعد مقبولا تخلّي الممارسة التربوية عن مجلوبات علم النفس التربوي، لما تتيحه هذه الأخيرة من فهم أفضل للطفل ولخصوصيّته. وتزداد أهميّة هذه الإضافة إذا ما تمّ ربطها بحقوق الطفل القائمة على فكرتين محوريتين هما: خصوصيّة مرحلة الطفولة وهشاشة الطفل.
  • الاستفادة من مجلوبات علوم إنسانية أخرى وخاصة منها علم الاجتماع التربوي، فقد بيّن هذا الأخير أن منطق اشتغال المدرسة أفضى بها في نهاية المطاف إلى إشكاليات كبرى، منها ما عّبر عنه بيار بورديوP .Bourdieu بإعادة الإنتاج والتي تعني أن أبناء الفئات المحظوظة كانوا المستفيدين من المدرسة ، وبالتالي فإن منطق اشتغال المدرسة يحتاج إلى مقاربة مغايرة حتى لا تكون المؤسّسة التربويّة منحازة إلى الفئات المحظوظة. ومنها أيضا ما عبّر عنه آلان توران Touraine بانتصار العمليّة التربويّة إلى التنشئة الاجتماعيّة la socialisation وابتعادها عن بناء الذات الفاعلة للمتعلّم أو ما أسماه ب la subjectivation وهو تحوّل ينسجم مع سابقيه من جهة، ويحتّم على المدرسة التوجّه إلى تبنّي منطق اشتغال مغاير لذلك الذي التزمت به سابقا من جهة أخرى.
  • الاستفادة من تطوّر علم التواصل، وهنا يكون من الوجيه أن تستفيد المنظومة التربويّة من مكاسب هذا العلم والتي جعلت العمليّة التواصليّة متعدّدة المسارات بعد أن كانت أحادية المسار، فالتواصل لم يعد قائما على باث ومتقبّل وإنما صار قائما على التفاعل والتقاسم والتشارك، وهي عمليات في غاية الأهميّة تجعل من الممارسة التربويّة تتبنّى التواصل متنوّع المسارات الذي يُرسي فعلا مدرسة التواصل على حد قول آلان توران l’école de communication وهو ما يعني أن “الأولويّة تحوّلت من الرسالة إلى التواصل، وهو تغيير في الوجهة نكون مخطئين إن رأينا تأثيراته السلبية فقط “[9].  بمعنى آخر، لم يعد مضمون الرسالة التربويّة هو المهمّ بل التواصل بين الفاعلين التربويّين، لأنه، وكما يقول آلان توران “إذا ظلّت المدرسة مُعرَّفة وبقوة برسالتها لا بتواصلها فذلك لأنّها كانت مركّزة على المجتمع وليس على جمهورها، بمعنى على القيم، والمعايير، والتراتبيّات والممارسات التي تبنّي النظام الاجتماعي، والتي من خلالها ترغب المدرسة في تكوين الطفل وتحويله إلى كائن اجتماعي. وفي المقابل لا يمكن أن نتحدث عن مدرسة الذات الفاعلة دون الدفاع عن مدرسة التواصل[10]“. فالمقاربات البيداغوجيّة تتأثّر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما عرفه التواصل من تطوّر.
  • الاستفادة من مجلوبات النموذج الاقتصادي، فاليوم يمكن اعتبار أن “النموذج الاقتصادي للتسيير والتدبير المقترن بمفاهيم الفعاليّة والمردوديّة والجودة، ونموذج العلوم المعرفيّة المرتبط بمفاهيم القدرات الذهنيّة والتمثّلات، أصبحا هما المهيمنين في حقل التنظير المذكور[11]“. لقد فرض علم الاقتصاد مفاهيم جديدة على الحقل التربوي من أبرزها الجودة.
  • مسايرة تحولات عالم الشغل: حيث صار اليوم من الصعب الاستمرار في ذات المهنة طيلة الحياة، الأمر الذي قد يدفع بالملايين في العالم إلى تغيير مهنهم، وهو ما يستدعي في المقابل تكوينا خاصا يؤهلهم فعلا لمواكبة تلك التحوّلات، ويتيح لهم التعلّم مدى الحياة. بمعنى آخر فرضت تحوّلات عالم الشغل على المدرسة البحث في سبل تكوين أفراد قادرين على التكيّف مع تلك التحوّلات.

وقد نجم عن هذا التفاعل بين الممارسة التربويّة والعلوم الإنسانيّة والانتظارات الفرديّة والمجتمعيّة، بروز مقاربات بيداغوجيّة مختلفة عبرّت من جهة عن رغبة المؤسّسة التربويّة في تطوير آليات اشتغالها، ومن جهة أخرى عن جديتها في البحث عن أجوبة للتحدّيات التي طرحت عليها سواء من المجتمع أو من التغيّرات التي يعيش على وقعها، في ظل عالم تتلاشى فيه الحدود الطبيعية تدريجيّا وتنمو المنافسة في مجال الذكاء البشري.

نماذج من المقاربات البيداغوجية:

خلال مسيرة المدرسة المعاصرة عمدت وبفعل العوامل المشار إليه أعلاه إلى تغيير المقاربات البيداغوجيّة الموجّهة للممارسات التربويّة مرتكزة على مرجعيات نظرية وكان من أبرزها:

*بيداغوجيا المحتوى:

هي “بيداغوجيا تركز على جعل المتعلّم يتلقى المعارف ويختزنها كغاية في ذاتها من أجل إعادتها يوم الامتحان[12]“. وقد جسّدت هذه البيداغوجيا مرحلة مهمّة من تاريخ الأنظمة التربويّة حيث ارتبطت عمليّات التدريس في الأنظمة التربويّة التقليديّة “بتلقين المعارف ونشرها بين التلاميذ[13]“. وبذلك فإن هذه المقاربة البيداغوجيّة تتمركز حول “كيفيّة نقل المدرّس للمعرفة، وليس حول كيفيّة اكتساب المتعلّم لمعرفة وظيفيّة يمكن تفعيلها خارج فضاء التكوين[14]“.

لقد كانت هذه المقاربة تولي اهتماما كبيرا للتنشئة الاجتماعيّة، ولهذا كانت طرق التدريس فيها، تتأسّس على ما يسميه لوي نوLouis Not “قاعدة التقليد الفاعل[15]” التي تقوم على “نقل المعلومات وترسيخها بين الأجيال تثبيتا للتقليد الثقافي للمجتمع، فمن يعرف ينقل المعرفة لمن لا يعرف[16]“.

تقوم بيداغوجيا المحتوى على مبدأ رئيس وهو أن المدرسة تعدّ للحياة، وليست هي الحياة ومن ثم اعتمدت هذه البيداغوجيا على أسلوب الصم والتلقين، حيث “يتعلّم التلميذ بحسب هذا النظام، الطاعة المطلقة أولا، ثم مبادئ القراءة ومبادئ الحساب بأسلوب الصمّ والتلقين. ومن خلال الطاعة المطلقة، بحسب تعليمات المدرسة المتشدّدة، مثل تنظيم أوقات الدوام، أوقات النوم وأوقات الفراغ وقواعد السلوك وقوائم الممنوعات الطويلة، يتعلّم التلميذ شيئا آخر يطلق عليه ايليتش المنهج الخفي[17]“.

أي أن اعتماد بيداغوجيا المعرفة على التلقين يؤدّي وظائف ثلاث أساسيّة هي[18]:

  • وظيفة المحافظة على الثقافة والايديولوجيا السائدتين اللّتين يجب نقلهما للأطفال ضمانا لاستمرار المجتمع، وهذا يؤمّن هيمنة جيل على جيل آخر.
  • وظيفة السلطة، سلطة المدرّس والمؤسّسة التربوية، فالمدرّس بوصفه أداة بشريّة محافظة على المعرفة وناقلة لها يتحوّل إلى سلطة ثانية تنضاف إلى سلطة المعرفة الاجتماعيّة. إنه يستمدّ سلطته الديداكتيكية من سلطة المتن الذي يختزنه ويُشيعه بين الأطفال والتلاميذ. فهو يعتبر “مادته” التي يدرّسها ذات مكانة متميزة داخل الثقافة المدرسية…
  • وظيفة ديداكتيكيّة ترتبط بمختلف أنشطة التدريس وعملياته وأدواته وتأخذ الوظيفة الديداكتيكية لنقل المعرفة شكل مجموعة من الوظائف الجزئية إلى تأسيس فعل التعلّم. وإن مجموع الكيفيّات التي ينظّم بها كل مدرس هذه الوظائف الجزئية ويرتّبها يعبّر بشكل مباشر عن استراتيجيته البيداغوجيّة الخاصة”.

ولعل هذه الخصائص التي اتّسمت بها بيداغوجيا المحتوى هي التي دفعت البعض إلى اعتبارها “بيداغوجيا لا تعير أي اهتمام إلى الطفل الذي يعتبر حجر الزاوية في البيداغوجيا الحديثة. وتهتمّ فقط بما يقوم به المدرّس وبطريقته ومحتوى ما يقدّمه هذا الأخير، وبالتالي فالتلميذ حُكم عليه في إطار البيداغوجيا التقليديّة بأن يكون مستهلكا بسيطا للمنتوجات التربويّة[19]“.

وعموما يمكن القول إن التدريس وفقا لبيداغوجيا المحتوى “يؤمّن وظيفة اجتماعيّة، وليست عملية نقل المعارف وتلقينها سوى مظهر خارجي لهذه الوظيفة[20]” ويرى بعض الباحثين في الشأن التربوي، أنه يمكننا “أن نضيف بأن ضرورة العمل المدرسي تطابق ضرورة العمل كقيمة مثالية داخل بعض المجتمعات التي تلزم أعضاءها بالقيام به حدّ الاستعباد[21]” و”يظهر عبر الأنماط الديداكتيكية لبيداغوجيا المعرفة أن سلطة المعرفة المدرسيّة (كما الجسد المدرّس) تخلق فراغات داخل المجال المدرسي بين أمكنة المدرّس وأمكنة التلميذ، بين وضعيات المدرّس ووضعيات التلميذ، وبين خطاب المدرّس وبين خطاب التلميذ…الخ، داخل هذا الإطار يظهر أن الخطاب الوحيد المكن هو خطاب المعرفة، وأن من يمتلكه هو الذي يمتلك القدرة على التدخّل والتوجيه والتقويم والعقاب[22]“.

إن بيداغوجيا المحتوى كرّست مسار تواصل عمودي، يقوم على نقل المحتوى المعرفة ممن يعرف لمن لا يعرف، ولم تبحث عن كيفيّة نقل اكتساب الطفل للمعرفة، ومن هنا جاء نقد هذه المقاربة نقدا شموليا، حيث اعتبرت المدرسة مؤسّسة تعيد إنتاج المجتمع، الأمر الذي دفع بالبعض إلى نقدها نقدا لاذعا مثل ميشال فوكو (المدرسة سجن) وايفان ايلتش (مجتمع بلا مدارس).

*بيداغوجيا الأهداف:

تعرّف بأنّها تكنولوجيا تربويّة طوّرها تايلور (1949)، وظهرت بالولايات المتحدة الأمريكيّة خلال سنوات 1950، في البداية في سياق سوسيو-اقتصادي، وهو صناعة السيارات، ثم انتشرت في المجال التربوي من خلال أعمال بلوم[23]“. عادة ما يشار مباشرة – عند التطرّق إلى بيداغوجيا الأهداف – إلى المدرسة السلوكيّة في علم النفس، حتى أنه “لا يتأتّى الحديث عن بيداغوجيا الأهداف دون استحضار علم النفس السلوكي مع كل من واطسونWatsonوسكينرSkinner اللّذين اعتبرا السلوك الإنساني خاضعا للملاحظة والقياس والتقويم، انطلاقا من مبادئ أساسيّة هي الإشراط والمثير والاستجابة والتعزيز[24]“. ولئن بدا هذا الرأي وجيها، فإنه لا يخلو من اختزال، لأن بيداغوجيا الأهداف التي تبلورت “بشكل نهائي على الأقل في مجال التربية والتكوين مع بلوم Bloomالذي يعود إليه الفضل الكثير في إثارة الانتباه إلى أهميّة تحديد وضبط أهداف التعليم حتى تسهل عمليّة تقويمها بشكل دقيق وموضوعي ودون هدر لا لطاقات المعلّم ولا لطاقات المتعلّم[25]“، تجد لها جذورا في السياق السوسيو-حضاري للمجتمع الأمريكي، فهذا المجتمع الصّناعي الطامح إلى الربح والباحث عن النفع، وجد ضالته في مقاربة تايلورTaylor للشغل، وقد أولى تايلور الدافعيّة اهتماما خاصا، واشتهرت دراسته باسم “دراسة الحركة والزمن، حيث تناول تقسيم العمل إلى أجزائه البسيطة والأوليّة وذلك للوصول إلى الطريقة المثلى لأداء العمل بسرعة ودقة وبأقل جهد..[26].” بمعنى أن الطابع الصناعي الذي “عرفته المقاولة الأمريكيّة كان وراء التفكير في اعتماد مقاربة الأهداف، وهو ما يوحي بتحوّل كبير بالنسبة إلى المدرسة. فهذه الأخيرة صارت مدعوة إلى تبنّي مقولات ومقاربات حقول أخرى. وعلى العموم “تتمحور بيداغوجيا الأهداف حول ثلاثة مفاهيم أساسيّة وهي: سلوك ملاحظ وهدف عام وهدف خاص[27]“.

تعرّضت بيداغوجيا الأهداف إلى النقد من ذلك تلك الانتقادات التي وجّهها لها دانيال هاملين حين حدّد خمسة نذكر منها[28]:

– يمكن لمدخل ضيّق بواسطة الأهداف أن يقلّص التعلّمات لتصبح مجرّد تكيّف نفعي للمتعلّمين مع المهام الموكولة إليهم.

– يمكن لمدخل ضيّق بواسطة الأهداف أن يهمل الفعل لفائدة السلوك.

– تقليص الأفق داخل المدى القصير وإقصاء المدى البعيد.

*بيداغوجيا الكفايات:

ظهرت “المقاربة بالكفايات أول مرّة في التعليم التقني والمهني لبعض الدول المتقدّمة في السبعينات من القرن العشرين لتلج بعد ذلك تدريجيّا إلى التعليم الأساسي ثم إلى باقي الأسلاك التعليميّة لذلك يمكن رؤية الكفاية كموجة عارمة ذات مغزى لكون المدرسة في نهاية القرن العشرين بحثت عن رهانات جوهريّة[29]“. بمعنى أن بيداغوجيا الأهداف – وعلى أهميّة الدور الذي لعبته في تطوير أداء المنظومة التربويّة- إلا أنّها لم تقدم أجوبة مرضية للتساؤلات المطروحة على واقع المؤسّسة التربويّة. فالأبعاد التي أقرّها تقرير اليونسكو المعنون ب “التعليم ذلك الكنز المكنون” والذي تمّ اعتماده منذ العام 1995، وتمّت صياغته على الوجه التالي: (تعلّم لتعرف-تعلّم لتعمل، تعلّم لتكون، تعلّم لتشارك الآخرين)[30]” تحتاج إلى مقاربة تتعالى عن التجزئة وتنتصر إلى الإدماج. فلا معنى لمعارف لا توظّف في العيش المشترك، ولا في العمل. فهذه المقاربة هدفت إلى كسب رهان كبير ألا وهو تمكين الناشئة من توظيف المعارف في تدبير الحياة اليوميّة.

يُمكن تعريف الكفاية – وعلى الرغم من كثرة تعريفاتها- بأنها “قدرة الفرد سواء أكان تلميذا أم أستاذا أم شخصا آخر، على توظيف المعرفة المكتسبة، توظيفا ملائما في سياق ووضعيّات مختلفة، إنها قدرة لا تنفصل عن المعرفة ولكنها تحوّلها إلى أداة إجرائية[31]“.  بمعنى أن الكفاية في الاصطلاح التربوي هي “أن تعمل المؤسّسة التربويّة، ومن خلال العمليّة التعليميّة- التعلّمية على إكساب المتعلّم مجموعة من الموارد (معارف ومهارات وخبرات وقدرات ومواقف…) بحيث يكون قادرا على إدماجها وتعبئتها من أجل تفعيلها وتوظيفها في سياقات متعدّدة، متجدّدة – داخل وخارج المؤسسة- تمكّنه من التكيّف الإيجابي مع المشاكل والوضعيات التي يُواجهها- المتوقّعة منها واللامتوقعة[32]“.

وحسب بيرنوPerrenoud فإن الكفاية تختصّ بثلاثة مؤشّرات وهي[33]:

  • القدرة على تجنيد المعارف والمهارات الشخصيّة كلّما واجه الفرد وضعية –مشكلا جديدا.
  • القدرة على نقل المعارف والمهارات الشخصيّة داخل وضعيات جديدة.
  • القدرة على إدماج هذه المعارف والمهارات قصد إيجاد حلول ملائمة للمشكل المطروح.

وبعبارة مغايرة، “لم يعد امتلاك المعارف وحدها، في القرن الواحد والعشرين، يشكّل أمرا ضروريا، بل المعوّل عليه هو طريقة تدبيرها وتعبئتها(…) لذلك أصبحت المدرسة ملزمة بتنمية كفايات المتعلّمين بشكل يمكنهم من الاستمرار في التعلّم الذاتي، وهو التعلّم مدى الحياة، وبالتالي عليها أن تهدف إلى تعلّم مستديم وقابل للتحويل[34]“. وهو ما يحتّم بعض التغيّرات في هويّة المدرّس وكفاياته، حيث اشار فيليب بيرنو إلى ما يأتي[35]:

– القدرة على تشجيع وتوجيه المحاولات التجريبيّة.

-قبول الأخطاء على أنّها مصادر رئيسيّة للتعديل والتقدم، شريط أن يتمّ تحليلها وفهمها(Astolfi)

– تثمين التعاون بين التلاميذ في المهام المعقّدة.

– القدرة على توضيح العقد الديداكتيكي وتعديله، والإنصات إلى مقاومات التلاميذ وأخذها بعين الاعتبار.

– القدرة على الانخراط شخصيّا في العمل دون البقاء باستمرار في موقع الحكم أو المقيّم، ولكن أيضا دون التحوّل إلى ند متساو مع المتعلّمين.

*بيداغوجيا المعايير

تعتبر بيداغوجيا المعايير les standards إحدى أهمّ المقاربات البيداغوجية التي اعتمدت في العالم، وظهر هذا المدخل في “عدد من الولايات الأمريكيّة منذ ثمانينات القرن الماضي، وساد في التسعينات، وأنجزت حوله العديد من الدراسات تم نشر أهمّها في المجلّد السنوي الثاني لأقدم جمعية مهنيّة في أمريكا، تحت عنوان “من الكونجرس إلى الفصل المدرسي: الإصلاح المؤسّس على المعايير في الولايات المتحدة” from the capitol to the classroom : Standards-basedReform in the States”[36].

وتعدّ المعايير “مؤشّرات رمزيّة تُصاغ في مواصفات/ شروط تحدّد الصورة المثلى التي ينبغي أن تتوافر لدى التلميذ (أو المدرسة) الذي توضع له المعايير، أو التي نسعى إلى تحقيقها، وهي أدوات ونماذج للقياس، يتمّ الاتفاق عليها (محلّيا وعالميا) وضبطها وتحديدها للوصول إلى رؤية واضحة لمدخلات النظام التعليمي ومخرجاته، لغاية تحقيق أهدافه المنشودة والوصول به للجودة الشاملة[37]“. والتربية وفقا لمدخل المعايير “تساعد على التأكّد من أن التلاميذ يتعلّمون ما هو مهمّ بدل إعطائهم كتبا تملي عليهم الممارسة الصفيّة، ويكون التلاميذ محور التربية المستندة إلى المعايير. وتهدف هذه التربية إلى تحقيق مستوى من الفهم عال وعميق لدى التلاميذ، وهو فهم يتخطّى التعليم المستند إلى الكتب المدرسيّة وإلى الدروس[38]“.

تعتبر المعايير التربويّة “معارف ومهارات وعادات ومواقف وقيم أساسيّة ينبغي أن تدرس ويتمّ تعلّمها في المدرسة[39]“. ويشترط “أن تصاغ هذه المعارف والمهارات والعادات والمواقف والقيم بدقة ووضوح لكي تأتي معبّرة عن توقّعات واضحة لما سيعرفه التلاميذ ويستطيعون فعله[40]“.

ويمكن “إيضاح العناصر التي قام عليها التحديد الوارد أعلاه على النحو التالي:

أما المعارف الأساسيّة فتتضمّن الأفكار ideas والقضايا issues والمسائل dilemmas والمبادئ principles والمفاهيم “[41].

أما المهارات skills فهي أساليب التفكير والعمل والتواصل والبحث والاستقصاء والتي ينبغي أن يتمكّن منها كل متعلّم[42]” كأن “يستخدم الطرائق الإحصائيّة وجمع المعلومات ويقوم بالتأويلات أو التفسيرات والمقارنات والاستنتاجات المتعلّقة بالتغيّرات التكنولوجيّة وغيرها في المجتمع[43]” بمعنى أن بين المعارف والمهارات ارتباطات.  أما العادات والمواقف والقيم فهي “تشتمل على الدراسة studying وتقديم البراهين والشواهد لإثبات الأقوال الأحكام وتنمية العلاقات الإيجابيّة والمنتجة مع الآخرين[44]“. ومن الأمثلة على ذلك أن يظهر المتعلّم “القيادة والإنتاجية والاستقامة والتضامن وأن يمكن الاعتماد عليه[45]“. هذا ويتمّ في هذه المقاربة الفصلبين معايير المضمون ومعايير الأداء.

وقد ارتكزت هذه المقاربة على مجموعة من المبادئ الرئيسيّة[46]:

  • الجودة التربويّة والمساواة هما لجميع الأطفال.
  • التعاون والمشاركة بين المربّين والأهل وسوق العمل والمجتمع المحلّي يدعّمان الإنجاز الأكاديمي العالي والجودة والإتقان وإتاحة الفرص أمام جميع الأطفال.
  • البيئة السليمة الداعمة التي تحترم تنوّع المتعلّمين ضروريّة.
  • إتاحة الفرصة لكل متعلّم/ للمشاركة في الخبرات التربويّة الحقيقيّة.

ولعلّ المبدأ الأساسي الذي تنبني عليه هذه المقاربة هو المساواة، بما تعنيه من عدم انحياز لأي سبب كان (العرق/الدين /اللغة/ الإعاقة/ الموهبة…). ولكن هذه المقاربة التي اعتمدت في بعض البلاد العربيّة (مصر /عمان…) وفي بعض البلاد الغربيّة، تعرّضت لنقد كبير من بعض مكوّناته أن المدرسة ليست مصنعا كبيرا، وأنّه من الصعب مواجهة الفروق الفرديّة بين التلاميذ، ومنها كون المعايير رمزيّة وليست حقائق واقعيّة[47]“.

  • جودة التربية والتعليم:

ينتمي مفهوم الجودة إلى حقل الاقتصاد والتجارة. فهو مكوّن من مكوّنات سجلّ مفاهيمي يشتمل على جودة المنتوج والمخرجات بغرض كسب ثقة الحريف (الحرفاء). ومن ثم انتقل إلى حقول أخرى منها الحقل التربوي. ويمكن “تعريف الجودة باستحضار التعاريف التي حدّدتها منظمات دوليّة مثل اليونسيف واليونسكو، باعتماد المعايير الدوليّة لتدبير الجودة “الايزو” والذي يفيد بأن الجودة الشاملة “طريقة في تدبير المؤسّسة، محورها الجودة وأساسها مشاركة جميع الأطراف وهدفها النجاح على المدى البعيد من خلال إرضاء جميع الأطراف المعنيّة وتحقيق المنفعة لجميع أعضاء المؤسّسة والمجتمع[48]“.

وتهدف الجودة في التربية والتعليم إلى[49] :

  • تحسين العمليّة التربويّة ومخرجاتها بصورة مستمرّة، وتقليل الأخطاء.
  • تطوير المهارات القياديّة والإداريّة لقادة المؤسّسات التربوية وتنمية مهارات ومعارف واتّجاهات العاملين.
  • العمل المستمرّ من أجل التحسين وتخفيض معدّل الإهدار الناتج عن ترك المدرسة أو الرسوب
  • تحقيق رضا المستفيدين: الطلبة والمعلّمين ومديري المدارس وأولياء الأمور والمجتمع المحلّي.
  • جودة التربية والتعليم مطلب ملح:

تعتبر الجودة مطلبا ملحّا اليوم في منظومات التربية والتكوين وذلك لحجم التحديات المطروحة على هذه الأخيرة، فقد ذكرت اليونسكو في تقرير لها حمل عنوان: “إعادة التفكير في التربية والتعليم: نحو صالح مشترك عالمي؟ “أن “التعليم الأساسي الجيّد وما بعده من تعلّم معمّق وتدرّب، أمور جوهريّة لتمكين الأفراد والجماعات من التكيّف مع التغيّر البيئي والاجتماعي والاقتصادي، على المستويين المحلّي والعالمي[50]“. بمعنى أن التغيّرات المتلاحقة التي لامست بيئة البشر في أبعادها المختلفة تحتاج إلى تعليم جيّد النوعيّة، لأن “التعليم أمر حاسم أيضا بخصوص التمكين وتنمية القدرات على إجراء التحوّلات الاجتماعيّة. نعم تستطيع التربية والتعليم حقا الإسهام في تنفيذ المهمّة العسيرة المتمثّلة في تحويل عقليتنا ورؤيتنا للعالم(…) ولابد لتحقيق هذه التحوّلات من شروط جوهريّة هي تحسينات في جودة التربية والتعليم (…)، والحق في التعليم الجيّد هو حق في تعليم يفي بالغرض[51]“. بمعنى آخر إن حجم التحديات المطروحة على الإنسانيّة اليوم يحتاج إلى تعليم جيّد النوعيّة قادر على إحداث نقلة نوعية في حياة البشر. ولعلّ أهميّة التعليم تلك كانت وراء ما جاء في إطار عمل داكار، في بنده السابع[52].

أما على الصعيد العربي فقد جاء في تقرير المرصد العربي للتربية 2012، الصادر عن المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، أن جلّ الأنظمة التربوية العربيّة “توجد في مفترق الطرق، فقد كان مطروحا عليها في المرحلة التاريخيّة السابقة التي انطلقت في كل بلد عربي إبّان حصوله على الاستقلال واسترجاع سيادته، وحقّه في تقرير المصير ومكافحة الجهل بنشر التعليم على نطاق واسع وضمانه لكل الأطفال بدون استثناء ولا تمييز. وقد أخذ تحقيق هذا الهدف، النصيب الوافر من جهود الدول العربيّة التي انطلقت في هذه المعركة من أوضاع ومستويات متدنيّة، إن لم نقل من تحت الصفر جرّاء سياسات التجهيل التي توخّاها الاستعمار. فعلى سبيل المثال، لم تكن نسبة الملتحقين بالمدارس من الأطفال الذين هم في سنّ الدراسة تتجاوز 14 بالمائة في تونس غداة استقلالها سنة 1956. وقس على ذلك، ولا حرج في بقية الدول العربيّة. فأن تتجاوز نسبة الالتحاق/ القيد الصافي 90 بالمائة في أغلب البلدان العربيّة فذلك دليل على المجهود الذي بُذل. وهو بالنظر إلى الهدف المرسوم، مؤشّر على نهاية مرحلة والتأهّب لدخول مرحلة جديدة مغايرة لسابقتها من حيث الأهداف والتحديات…فهناك سلبيات صاحبت المكاسب التي تحقّقت كما برزت تحديّات جديدة فرضتها التحوّلات السريعة التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين[53]“. بما يعني أن المنظومات التربويّة العربيّة تجد نفسها اليوم – على الرغم من المكاسب التي حقّقتها ولا سيما منها تلك المتّصلة بارتفاع نسب الملتحقين بمقاعد الدراسة – تواجه تحدّيات جديدة نتيجة ما يعرفه العالم من تغيّرات متسارعة. فمنظومات التربية العربيّة لم تعد تواجه ما يمكن تسميته ب “التحديات التقليدية “، بل صارت مدعوة إلى رفع تحديات مترتبة عن سلبيات صاحبت المكاسب التي تحقّقت، وهي سلبيات وتحديات يمكن “اختزالها في قضية كبرى ذات أبعاد وتشعبات هي جودة التعليم، والتي تتجلّى خاصة في ضعف أداء التلاميذ العرب في التقييمات الدوليّة التي تشارك فيها الدول العربيّة ونخصّ بالذكر منها دراسة التوجهات العالميّة في تحصيل الرياضيات والعلومTIMSS  والبرنامج الدولي لتقييم مكتسبات التلاميذ PISAوالدراسة الدوليّة لقياس مدى تقدم القراءة في العالم   PIRLS[54]“. وهو ما يعني أن أداء منظومات التربيّة العربيّة، ومنه بالتأكيد المنظومة التربويّة التونسيّة، هو دون المأمول، وعليه فهي مطالبة بكسب رهان الجودة. ولكن الأمر لا يقتصر على الدول العربيّة، فالجودة مطلب عالمي لأنه وحسب المؤتمر العالمي للتربية (2004) “الأنظمة التعليميّة الحالية استنفذت مسوّغات وجودها، وباتت منتمية إلى الماضي، وفي بلدان كثيرة لم تعد نظم التعليم الموروثة غالبا من الماضي قادرة على الاستجابة لما تواجهه من تحديات. فثمة حاجة إلى تحديد مسارات جديدة أوسع وأكثر تنوّعا[55]“، ولأن التعليم الجيّد بحسب البنك الدولي “يمكّن المتعلم من اكتساب المهارات الأساسيّة والكفايات التي تمكّنه من المساهمة في اقتصاد السوق[56]“. أما بالنسبة إلى اليونسكو فإن “التعليم الجيّد يحقق منافع كثيرة للأفراد والمجتمعات، فهو يساهم في زيادة الإيرادات مدى الحياة، وفي تحقيق نموّ اقتصادي وطني أقوى. ويساعد الأفراد على اتّخاذ قرارات مدروسة بصورة أكبر بشأن الإنجاب وغيره من القضايا الهامة لرفاههم[57]“. وبعبارة أخرى إن جودة التربية والتعليم، تتجاوز النظرة الضيقة إليهما، إلى نظرة عميقة تتّصل بمختلف جوانب حياة البشر (الصحية، والبيئية والاجتماعية…).

 

  • المدرسة التونسيّة ورهان الجودة: تحدّيات تغيير المقاربات البيداغوجيّة

من المهمّ الإشارة إلى أن اعتماد المثال التونسي إنما تبرّره اعتبارات منها الموضوعي ومنها الذاتي، فأما الاعتبارات الموضوعيّة، فتتصل بالأساس بتغيير المنظومة التربويّة التونسيّة لمقارباتها البيداغوجيّة عند كل عمليّة إصلاح ومن هنا لا غرابة أن يشتدّ النقاش بين مختلف الفاعلين المعنيين بالإصلاح التربوي حول المقاربة البيداغوجيّة التي سيتمّ اعتمادها. بمعنى أن تغيير المقاربات البيداغوجيّة ليست معطى جديدا بالنسبة إلى المنظومة التربويّة التونسيّة، لكنه يُثير كل مرّة إشكالات منها ما يتّصل بهوية المقاربة، وكيف أنها إما “وافدة من واقع مغاير”، أو أنّها “مفروضة فرضا من مؤسّسات مثل البنك الدولي”، إلى غير ذلك من الإشكاليات الحقيقيّة من قبيل استعداد المربّين لاستيعابها وترجمتها إلى ممارسة تربويّة يوميّة وعاديّة وقدرة الإدارة على توفير مستلزمات تنفيذ هذه المقاربة أو تلك. وفي ذات السياق المتّصل بالاعتبارات الموضوعيّة، يكون من المهمّ الإشارة إلى أن التربية الجيّدة كانت من بين الرهانات التي حدّدتها وثيقة “نحو مجتمع المعرفة” التي جعلت منها الرهان الرابع[58] أما الذاتي فيتعلّق باطلاع شخصي – ولو إلى حدّ قليل- على واقع هذه المدرسة، الأمر الذي يّيسر نوعا ما تتّبع آثار تغيير المقاربات البيداغوجيّة في الواقع التربوي التونسي. وعليه فإن المثال التونسي يقدّم فكرة واضحة – في اعتقادنا –عن التحدّيات التي يواجهها مطلب جودة التعليم في تونس وفي المنطقة العربيّة، لا سيما وأن رصيد هذا القطاع في تونس غني عن كل قول، فالإطارات التونسيّة تنتشر في بلاد كثيرة من العالم وفي ذلك اعتراف صريح بما بذلته المدرسة التونسيّة من جهد. غير أن هذه المدرسة التي صار لها رصيد يُعتزّ به، تجد اليوم نفسها أمام تحدّيات كبيرة في مقدمتها تحدّي الجودة. وبتعبير مغاير، لم يعد من الممكن الاكتفاء بما وصلت إليه المدرسة التونسيّة، ولا بتكرار إنجازاتها. فهذه المدرسة مدعوة إلى كسب رهان الجودة الذي يخوّل لخرّيجها المشاركة الفاعلة في مختلف أبعاد الحياة بثقة في النفس، وبحسن تقدير للذات.

  • إصلاح 1958 وبيداغوجيا المعرفة

جاء هذا الإصلاح التربوي مباشرة بعد الاستقلال، ويعتبر القانون التونسي الأوّل المنظّم للعمليّة التربويّة في تونس المستقلّة. وقد ظلّ هذا القانون ساري المفعول إلى حدود سنة 1991 تاريخ صدور القانون الجديد الذي نظّم العمليّة في المرحلة التالية. وقد لعب قانون 1958 دورا مهمّا في الثورة التربويّة التي عرفتها البلاد سواء من حيث توحيد التعليم أو من خلال توفير الكوادر البشريّة التي كانت البلاد في حاجة ماسة إليها بعد رحيل الكوادر الأجنبيّة. ونتيجة لهذا الإصلاح، “ساهمت المدرسة التونسيّة مساهمة فعّالة في إرساء التحديث وعلمنة الكثير من مناحي الحياة في البلاد، وترسيخ هويّة وطنيّة تقدميّة ومعتدلة، ووفّرت للدولة إطارات كفؤة، كما مكّنت الكثير من أبناء الشرائح الاجتماعيّة الشعبيّة من الارتقاء الاجتماعي[59]“.

وقد تبنّت المدرسة التونسيّة في تلك المرحلة مقاربة بيداغوجيّة قائمة على المعرفة، أي على الانتصار لتقديم المعرفة وترسيخها لدى التلاميذ. وأسهمت بيداغوجيا المحتوى في تلك المرحلة المفصليّة من تاريخ تونس في تغيير المجتمع التونسي، حيث ركزت النخبة السياسيّة على عمليّة توحيد التنشئة الاجتماعيّة بما تعنيه من تجذير قيم الوحدة الوطنية والتعالي عن الانتماءات القبليّة والعروشية والتي من شأنها أن تهدّد وحدة البلاد. وقد لعب المعلّمون دورا حيويّا في ذلك وقد ساعدهم في ذلك الرضا المهني الذي كانوا يشعرون به، فقد كانت المكانة التي يحظون بها مرموقة لسببين اثنين[60]:

  • يتقاضى المعلّمون رواتب شهريّة تسمح لهم ماديا بتأمين حاجياتهم الأساسيّة بصفة مرضية وبضمان مستوى عيش محترم نسبيا.
  • يحظى المعلّم بمكانة اجتماعيّة مرموقة تثمّن ذاته وتجعله إلى حدّ ما ينسب إلى نفسه خصائص مميّزة وسلطة على محيطه تدعم ثقته بنفسه.

فهم كانوا قاطرة التغيير ومن بينهم كان يتمّ تعيين مسؤولي الدولة، ومن ثم فإن نجاح المدرسة التونسيّة في تلك الفترة يتنزّل في سياق له خصوصية من أبرز مكوّناتها أن المعلّم كان قاطرة تغيير. فقد جمع بين مصدر المعرفة ومصدر القيم.

ما يمكن قوله في خصوص تلك المقاربة البيداغوجيّة هو أنّها جاءت في فترة كان همّ البلاد هو نشر التعليم بغرض الحدّ من الجهل وتوفير الكادر البشري الذي يعوّض الخبرات الفرنسيّة التي غادرت البلاد. ويحسب لهذه المقاربة أنّها أسّست علاقة بين التونسيات والتونسيين والمعرفة، لكن هذه العلاقة ستهتزّ عندما صارت المدرسة غير قادرة على تقديم الإجابة عن أسئلة في مقدمتها علاقة التعليم بالشغل. بمعنى آخر، لقد تمّ اعتماد بيداغوجيا المحتوى في سياق اجتماعي، راهنت فيه النخبة السياسية على بناء الشخصيّة التونسيّة وتعويض الكوادر الأجنبيّة التي غادرت البلاد، وقد نجحت المدرسة – ولو إلى حد في لعب ذلك الدور، والدليل حالة السلم الأهلي التي تعيش على وقعها البلاد التونسيّة مقارنة بدول أخرى من المنطقة العربيّة التي عاشت مثل تونس على وقع تحوّلات كبرى. ومع ذلك انتهت المدرسة التونسيّة إلى مدرسة انتقائية، بمعنى أن نسب الهدر كانت مرتفعة، رغم أنها لم تخلق إشكالات على مستوى الشغل، لأن السياق السوسيو-مهني كان قادرا على استيعاب اليد العاملة التي انقطعت عن الدراسة، كما أن أبواب الهجرة إلى أوروبا تحديدا لم تكن قد أوصدت. إضافة إلى ذلك، كانت نتائج تلك المقاربة شديدة التفاوت بين الجهات. ولكنّها وللأسف دخلت في أزمة عبّرت عنها الدورة الاستثنائية للباكالوريا المعروفة بدورة بورقيبة والتي تمت في سبتمبر 1986، والتي بيّنت بوضوح الأزمة التي صار يتخبّط فيها النظام التربوي التونسي، والمقاربة التي اعتمدها. بعبارة أخرى، لم تعد المنظومة التربويّة التونسيّة بمكوّناتها المختلفة وخاصة منها البيداغوجية قادرة على أن تكون ناجعة ذلك أن تلك المنظومة أفضت إلى ارتفاع ما عبّر عنه عزوز عبد النبي A. abdennabi بالوفاة المدرسيّة la mortalité scolaire[61]فمن مجموع 200.000 طفل سجلوا بالسنة الأولى ابتدائي، لم يصل منهم إلى السنة الأولى ثانوي إلا 60.000 أي 33بالمائة، ولم يحصل منهم على الباكالوريا إلا 10.000 أي 5 بالمائة، فيما لم يتحصل منهم على شهادة جامعيّة إلا 5000 طالبا أي 2.5 بالمائة[62]. وهو ما يعني أن بيداغوجيا المحتوى لم تفض إلى دمقرطة فعليّة للتعليم في تونس، ولم تفض إلى تعليم جيّد يضمن ولو إلى حدّ نجاح الأغلبية، وعليه جاز القول إنّها لم تكن مدخلا مناسبا لتعليم ذي جودة.

3.إصلاح 1991والمقاربة بالأهداف

تبنّت تونس بيداغوجيا الأهداف مع قانون جويلية 1991 الذي أفضى إلى بناء برامج واستراتيجيّات تعلّم وتقييم قائمة على بيداغوجيا الأهداف، وهو القانون ذاته الذي أرسى التعليم الأساسي في تونس لمدة تسع سنوات. ولكن مسيرة هذه المقاربة البيداغوجيّة لم تكن على أحسن ما يرام، فقد اصطدمت بعراقيل جعلت تبيئة هذه المقاربة البيداغوجيّة في الواقع التربوي لتونس أمرا عسيرا. ففي سنة 1997 تمّ تخفيف البرامج، وتلاه إصدار الوثائق المنهجيّة التي كانت عبارة عن جذاذات موحّدة لإنجاز الدروس في مختلف المواد الدراسيّة، وكأن الإدارة هي التي ترسم الأهداف الإجرائية وافتكّت من المدرّس كل مبادرة والحال أنه مع البيداغوجيا بالأهداف بدا الحديث عن تمهين التعليم. بتعبير مغاير لقد كان التدخّل الإداري مفسدا لروح المقاربة البيداغوجيّة المعتمدة في إصلاح 1991، فالوثائق المنهجيّة عبّرت بوضوح عن مركزيّة مفرطة، وعن تدخل مباشر للإدارة في سير العملية التعليميّة- التعلّمية. بمعنى أن مبادرة المدرّس والتي من المفروض أن تتيح للمتعلّم المشاركة في تحقيق الأهداف المرسومة لم تعد متاحة بسبب نزعة التوحيد المبالغ فيها. ففي الوثيقة المنهجيّة أهداف رُسمت لا تراعي الفوارق بين المتعلّمين، وتمشيّات بيداغوجيّة موحّدة لا تأخذ بعين الاعتبار تنوّع ملامح التلاميذ، وهو ما يعني ضمنا العودة إلى مسار تواصل أحادي الاتجاه، فمن الوزارة إلى الجهات، ومن واضعي الوثيقة المنهجيّة إلى عموم المدرّسين، ومن المدرّس إلى التلاميذ، ومن ثمة بدأت بيداغوجيا الأهداف تنحرف عن مسارها.

وفي سنة 1998 تمّ إجراء دورة استثنائية خاصة بشهادة ختم التعليم الأساسي بعد أن كانت نتائج الدورة الأساسيّة (والوحيدة) مخيّبة للآمال، فكان القرار السياسي باتّخاذ دورة استثنائية، ومن ثم لم تخضع تمشيات المقاربة إلى تقييم موضوعي للوقوف على الصعوبات الكبرى التي اعترضتها وانجرّ عنها تدني نتائج التلاميذ، وهو ما يمهّد لاحقا إلى جعل المناظرة اختيارية. وهكذا غدت المقاربة البيداغوجية القائمة على الأهداف غير مرحّب بها وقد عبّرت وثيقة ” نحو مجتمع المعرفة” التي أصدرتها وزارة التربية في جوان 2002[63] عن ذلك، حيث أشارت تلك الوثيقة في مقدّمتها أن لجنة تكوّنت سنة 1998 للتفكير في تجدّد رسالة المدرسة في عالم ينتظرأن يشهد تحوّلات عميقة…[64]“. ولكن الأهمّ في هذه الوثيقة هو تلك المشاكل التي تعاني منها المؤسسة التربويّة التونسيّة والتي أجملتها في النقاط التالية[65]:

  • ضعف مردود المؤسّسة التربويّة (عدد هام من المنقطعين خاصة في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي دون تملّك الكفايات المرسومة للتعليم الأساسي).
  • سيطرة المنحى الكمّي على البرامج التعليميّة (المواد كثيرة والبرامج لها منحى موسوعي… ومن نتائج المنحى الكمّي والإفراط في التجزئة أن أصبحت مكتسبات المتعلّمين دون المأمول).
  • ضعف مكتسبات التلاميذ (… ويتجلّى ذلك في الصعوبة التي يجدونها في التعبير والتواصل وكذلك في حلّ المسائل الرياضيّة).
  • المركزيّة المفرطة في تسيير النظام التربوي (فكل شيء يصدر عن “المركز” نحو المستويات الجهويّة والمحليّة التي لا تملك سوى أن تطبّق آليا ما يصدر إليها من قرارات).
  • غياب الاحتراف (إذ لا يتلقّى المربّون على اختلاف أصنافهم أي تكوين أساسي في هذا الصدد).
  • غياب ثقافة تقييميّة (يسود الاعتقاد أن الانتقاء وحده كفيل بضمان جودة التعليم والحفاظ على قيمة الشهادات العلميّة…).

تسمح لنا هذه الملاحظة بالقول إن المنظومة التربويّة التونسيّة وجدت صعوبة في تبيئة المقاربة البيداغوجية المعروفة ببيداغوجيا الأهداف بمعنى أن هذه المقاربة كغيرها شابتها عيوب من بينها الإفراط في تجزئة المعارف، ولكن أيضا لم تكن البيئة ملائمة لها باعتبار أن  توطين تلك المقاربة لا يختزل في بناء البرامج وفقا لبيداغوجيا الأهداف، وإنّما  يتجاوز ذلك إلى توفير مناخ ملائم  لتبيئة المقاربة على مختلف الأصعدة لا سيما منها على مستوى تأهيل الموارد البشريّة والإداريّة، وطريقة تأهيل المدرّسين وإعدادهم للممارسة المهنيّة فضلا عن التخلّي عن مسار التواصل العمودي الذي انتهى إلى مركزيّة مفرطة لا مبرّر لها، إلا منع الإبداع. فمن المعلوم أن قانون جويلية 1991 الذي تبنّى المقاربة بالأهداف صاحبه تغيير في أسلوب تكوين المعلّمين، تمثّل في “استبدال مدارس ترشيح المعلّمين بالمعاهد العليا لتكوين المعلّمين خلال سنة 1990-1991 والتي يدوم التكوين بها سنتين بعد الحصول على شهادة الباكالوريا[66]” بمعنى أن التكوين تحوّل من “ترشيحي” إلى جامعي[67]. ولكن هذا التحوّل لم تكن له انعكاسات مهمّة على واقع المنظومة التربويّة التونسيّة، بل إن عددا من التلاميذ الذين أنهوا المرحلة الأولى من التعليم الأساسي بدوا على قدر كبير من الضعف لم يخوّل لهم مواصلة تعليمهم، فيما عجز عدد لا يستهان به منهم عن التأقلم مع التغيّرات التي فرضتها عمليّة انتقالهم إلى المرحلة الإعداديّة، وهو ما يبين كيف أن تغيير المقاربة البيداغوجية يظلّ في حاجة إلى ترابط وثيق بين المراحل التعليميّة المختلفة، وأن القطيعة بينها هي عائق لتوطين هذه المقاربة البيداغوجيّة أو تلك. كما أن القطيعة بين وزارتي التربية ووزارة التعليم العالي تؤثّر سلبا على تحسين أداء المنظومة التربويّة. فقد سجّل تقرير أنجزه كل من دوفلي وآلتي حول “تكوين المعلّمين الأساسي في المعاهد العليا لتكوين المعلّمين بتونس: الواقع والآفاق” “غياب التواصل بين وزارتي التعليم العالي والتربية[68]“، وهوما يعني ضمنا القطيعة بين مؤسّسات البحث العلمي ومنظومة التربية في تونس، الأمر الذي لا يساعد إطلاقا على توطين المقاربات البيداغوجيّة. وبعبارة أخرى إن غياب التواصل بين الوزارتين يجعل كلا منهما تشتغل وفقا لأهدافها الخاصة وليس وفقا لرؤية شاملة ومتكاملة.  ولا غرابة أن تضمّن التقرير خمسة مقترحات كبرى منها اعتماد نموذج آخر للتكوين ” إعداد مرجعي للمهنة، التوجّه نحو خيار التكوين المهني الحقيقي، المرور من نموذج “المصاحبة” إلى نموذج “الممارس المتأمّل” وتطوير أساليب التعاون بين مختلف المكوّنين تحت مسؤولية مدير المعهد العالي لتكوين المعلّمين[69]“و”إصلاح المناهج من أجل اقتراح مضامين تعليميّة في مستوى التعليم العالي وقريبة من برامج التعليم الابتدائي منظمة في شكل وحدات[70]“. وبعارة أخرى إن مقاربة بيداغوجيّة لا يصحبها تفاعل بين البحث الأكاديمي والممارسة التربويّة لا يمكن أن يثمر أداؤها النتائج المنتظرة. بمعنى أن البحوث النشيطة التي تجمع بين الأكاديميّين والتربويين هي الكفيلة بتبيئة تلك المقاربة في الواقع التربوي ومن ثم تقييمها. بعبارة أخرى وجدت بيداغوجيا الأهداف بيئة متجذرة من ناحية في بيداغوجيا المعارف، التي تجنح إلى تقديم أكبر كم من المعلومات من جهة، وهي ذات البيئة التي يكاد ينقطع فيها التواصل بين مؤسّستي الجامعة والمدرسة، حيث لم تستفد هذه الأخيرة من البحوث التي تنجز في إطار الأولى، ولم تتجاوز بحوث الأولى رفوف الجامعات، وظلّت في أقصى الحالات في متناول بعض الباحثين الذين تنقطع علاقتهم بالمسألة حال تحقيق أهدافهم.

بقي أن نُظيف أن الممارسة التربويّة التونسية، ركّزت على جانب فقط من الأهداف ألا وهو الأهداف المعرفيّة، وبقيت الأهداف الوجدانيّة – السلوكيّة مستعصية على التقويم، وبذلك لا غرابة أن يصير هاجس المعلّمين هو تقديم المعارف، وليس توظيف هذه الأخيرة في بناء المواقف والاتّجاهات. وبمعنى آخر لم يكن الاهتمام بالأهداف التربويّة متوازنا، لذلك فقدت المقاربة مكوّنا من هويتها، ولعلّ تعثّر المدرسة التونسيّة في التعامل مع الأهداف الوجدانيّة السلوكيّة يعود إلى غياب تكوين متين بالنسبة إلى إطار التدريس، وإلى طغيان النزعة النفعيّة الآنية عند المتعلّمين، وهو عامل من العوامل المتعدّدة والمفسّرة لبعض السلوكيات التي تعرفها البلاد، بما فيها التحاق عدد لا يستهان به من الشباب بالمنظمات التي تتبنّى العنف. لقد كان للتجزئة التي قامت عليها بيداغوجيا الأهداف أثر سلبي في الممارسة التربوية، فقد صار التعلّم ضمن صناديق مغلقة ومنفصلة عن بعضها البعض. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الطريقة التي تمّ بها تعريب بعض المواد العلميّة في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي مثل الرياضيات، نكون على بيّنة من الصعوبات العميقة التي واجهتها بيداغوجيا الأهداف في تونس، وهو ما يعني بوضوح أن بيداغوجيا الأهداف لم تكن بدورها المدخل الأنسب لجودة التعليم في تونس. وبتخلّي المنظومة التربويّة التونسيّة عن بيداغوجيا الأهداف تكون قد انضمّت إلى منظومات كثيرة تبنّت بيداغوجيا الكفايات منها المنظومتان التربويتان الجزائرية والمغربية.

  1. إصلاح 2002 وبيداغوجيا الكفايات

أدّت ” حملة الانتقادات التي وُجّهت لبيداغوجيا الأهداف وخاصة بالنسبة إلى تركيزها على المقاربة الإجرائيّة إلى ظهور التدريس بواسطة الكفايات على اعتبار أن هذه الأخيرة مدخل مناسب للتعلّم وتحقيق مستلزمات نموّ شخصية المتعلّم من قدرات عقليّة وعمليّة ضروريّة[71]“. فما تقدّمه المدرسة “لم يجب ويتجاوب وإكراهات أو متطلّبات الحياة المتعدّدة. فما الذي تستفيده المدرسة وفيم تنفع كل هذه الساعات من الدرس والتحصيل التي قضاها المتعلّم بين حيطان المدرسة إذا كان التلميذ لا يحتفظ منها إلا ببعض البقايا أو العلامات traces والتي لا تنفعه عند مواجهة مشكل حقيقي عندما يخرج إلى الحياة الحقيقيّة[72]“. أي أن أسئلة جوهريّة أعقبت اعتماد بيداغوجيا الأهداف وفي طليعتها: لماذا لا يستطيع المتعلّمون توظيف مكتسباتهم في معالجة المشاكل التي تعترضهم في حياتهم اليوميّة؟ وكانت الإجابة أن امتلاك المعارف وحدها في القرن الواحد والعشرين “لم يعد يشكّل أمرا ضروريّا بل المعوّل عليه هو طريقة تدبيرها وتعبئتها. فعيش الإنسان واندماجه في المجتمع رهين ببرهنة هذا الإنسان على امتلاك مستوى معيّن في تدبير واستعمال المعارف بشكل يتجاوز ما كانت تحتاجه الأجيال السابقة. لذلك أضحت المدرسة ملزمة بتنمية كفايات المتعلّمين بشكل يمكّنهم من الاستمرار في التعلّم الذاتي وفي التعلّم مدى الحياة وبالتالي عليها أن تهدف إلى تعليم مستديم وقابل للتحويل[73]“. ولعل الإضافة التي بدت واضحة في مقاربة بيداغوجيا الكفايات التي اتّخذت من البنائية وأعمال بياجيه إطارا نظريا مؤطّرا لها هو تأكيدها على أن المتعلّم محور العمليّة التربويّة[74].

تبنّت تونس المقاربة بالكفايات في إصلاح 2002، أي في فترة “تخلّى فيها النظام التربوي التونسي عن جلّ هواجسه المتّصلة بتحقيق الأهداف الكميّة، لا سيما في مرحلة التعليم الأساسي، وهو ما يكشف في وضوح على أن تعميم التمدرس، واستدامته لم يعودا ينتسبان إلى “فئة التحديات” المطروحة على النظام التربوي التونسي[75]“.

وقد كان ذلك نقطة انطلاق لصياغة البرامج وفقا لهذه المقاربة وكذلك للنظر للمواد الدراسيّة ضمن عائلات، ووضعت وثيقة برنامج البرامج كما تمّ الشروع في بعض التعلّمات بأسلوب مغاير للأسلوب الكلاسيكي وهي التعلّمات الاختيارية. ولكن هذه المقاربة سرعان ما اصطدمت ببعض العراقيل فتم التخلّي عنها وتم الاكتفاء باعتماد منطقها (الإبقاء على روحها على حد قول أحد مسؤولي الوزارة آنذاك)، كما تمّ التراجع عن شبكة التوجيه المدرسي التي بنيت في ضوء المقاربة.

ولعل ما يلفت النظر في التعامل مع المقاربة بالكفايات أنه تمّ الإبقاء عليها في الابتدائي (المرحلة الأولى من التعليم الأساسي) والتخلّي عنها في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي (الإعدادية)، وفي التعليم الثانوي، وهو ما يبيّن الارتباك في التعامل مع مقاربة تم تبنّيها والعمل بها في دول مختلفة في طليعتها المغرب والجزائر. ولكن تبيئة تلك المقاربة اصطدمت بعراقيل منها رفض النقابات ومنها الرؤية التقليديّة للتقويم والتي نجم عن التمسك بها إفقاد المقاربة بالكفايات جوهرها.

لم يتمّ التعامل بمنطق العائلة في المواد إلا على صعيد النص النظري فحسب، واستمرّت التجزئة بين المواد حتى أنها كانت جزرا منفصلة عن بعضها، ولم تتعمّق الصلة بين مؤسّسة البحث (الجامعة) والمدرسة، وظل حضور الكفايات مقتصرا على المرحلة الابتدائيّة، ولا غرابة أن تكون الحصيلة محدودة.

تضمن الكتاب الأبيض[76] الذي أصدرته وزارة التربية تمهيدا للإصلاح الجديد نقاط ضعف المنظومة التربويّة التونسيّة منذ اعتمادها المقاربة البيداغوجيّة المبنيّة على الكفايات وهي[77] :

  • تراجع أداء العمليّة التربويّة وضعف مستوى تحصيل المتعلّمين.
  • فشل المدرسة التونسيّة في تكريس مبدأ تكافؤ الفرص.
  • اتساع الهوّة بين المدرسة ومحيطها الاقتصادي.
  • هشاشة المدرسة أمام اجتياح ظواهر مستجدّة ومشينة لفضاءاتها.
  • بروز الحاجة المتأكدة إلى منوال جديد للحوكمة.
  • عدم قدرة المدرسة التونسيّة على مواكبة التحوّلات العميقة والمتسارعة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال.
  • التدنّي اللاّفت لمستوى الباكالوريا.
  • اهتراء البنية التحتيّة المدرسيّة وتراجع مستوى الرفاه بها.

تكشف هذه النقاط عن صعوبات توطين بيداغوجيا الكفايات بالمنظومة التربويّة التونسيّة. بمعنى أن البحث في مدى قدرة المقاربات البيداغوجيّة على تجويد أداء المؤسّسة التربويّة ما لم يكن المناخ التربوي يؤهّلها لذلك. فالمقاربة تتطلّب سياق يتيح استيعابها في مكوّناتها التربويّة بدءا من بناء البرامج وصولا إلى طرق التعلّم والتقييم. وعليه فإن مشاركة تلاميذ تونس في مسابقات دوليّة لن تكون مجدية وعاكسة لمستوى أولئك التلاميذ مالم توفر الأرضيّة الملائمة لتبيئة المقاربة البيداغوجيّة، فلا يمكن الاكتفاء بتبنّي مقاربات بيداغوجيّة بل لابد من العمل على توفير أسباب نجاحها، ومن ثم فإن الإصلاح التربوي القادم لن يكون أفضل حالا ما لم يوفر الأرضية المناسبة للمقاربة البيداغوجيّة التي ستعتمد لأن هذه المقاربة هي جوهر الإصلاح وهي شرط نجاح الإصلاح. وعليه من المهم أن يتم التخلّي عن تغليب النزعات الذاتيّة والايديولوجيّة عن المنظومة التربويّة حتى يتسنى تبيئة المقاربة البيداغوجيّة المعتمدة.

فيما هو أبعد من المقاربات البيداغوجية، المناخ المدرسي:

من المهمّ التأكيد مجدّدا على دور المقاربة البيداغوجيّة في تجويد أداء المنظومة التربويّة والتعليميّة في أي بلد من العالم، ولكن ذلك يرتبط بمسألة أشمل هي المناخ المدرسي le climat scolaire بمعنى أنه لا يمكن اختزال جودة التربية والتعليم في مقاربة بيداغوجيّة، وأن نلقي باستتباعات اعتماد هذه المقاربة أو تلك على طبيعة تلك المقاربات، فالمسألة تحتاج إلى مناخ مدرسي يوفّر بيئة حاضنة تساعد على تطويع المقاربة البيداغوجيّة والاستفادة منها على النحو المطلوب.

يتطلّب المناخ المدرسي تبنّي مقاربة أشمل من الانكفاء على تغيير البرامج الدراسية، والكتب المدرسيّة وتعديل العطل المدرسيّة…إلخ. بمعنى آخر لنجاعة المقاربات البيداغوجيّة سياقات مكتملة، تتضمّن:

  • حسن التدبير الإداري.
  • متانة منظومة التكوين (الأساسيّ والمستمرّ) بالنسبة إلى كلّ الفاعلين التربويّين ولاسيّما منهم المدرّسون.
  • تعميق التمفصل بين الجامعة ووزارة التربية بما يمكن من الاستفادة الحقيقيّة من البحوث الأكاديميّة في تطوير أداء المنظومة التربوية.
  • تجنّب الانتقائيّة في التعامل مع المقاربات البيداغوجيّة والتعامل معها بمنطق المنظومة المتكاملة فلا يعقل ألا يكون التقييم من جنس التعلّم.
  • العمل على تبنّي توجهات تقييميّة تراعي خصوصية المقاربة، فإذا بُنيت الأهداف على مرحلة معيّنة، فيكون من المفيد البحث في صيغ تقييم ملائمة لذلك.
  • انفتاح المدرسة على محيطها، ينبغي أن يجسّده مشروع المدرسة، لا أن تجسّمه مبادرات مناسباتية ينتهي تأثيرها بانتهاء المناسبة، أي أن إشراك المحيط في الشأن التربوي ليس خيارا اليوم، فالمدرسة في واقع مضطرب فقدت فيه مكانتها كمصدر للعلم وصارت تطمح إلى أن تواكب المتغيّرات الكبرى في العالم.
  • فصل السياسي عن التربوي، صحيح أن التربوي يدرج في الغالب ضمن مقاربة سياسيّة، أو بالأحرى ضمن مشروع سياسي، إذ لا تخلو مشاريع الأحزاب في الحملات الانتخابيّة من رؤية للمسألة التربويّة، لكن لا ينبغي أن يخضع أداء المنظومة التربويّة لمصلحة سياسيّة ترتبط بمصلحة هذا الحزب أو ذلك، أو لرغبة هذا المسؤول السياسي أو ذلك.
  • الاستئناس بالتجارب المقارنة (التربية المقارنة).

 

ملاحظات ختامية:

  • الجودة مطلب ملحّ، وهي أحد المداخل الممكنة للإصلاح التربوي.
  • المقاربات البيداغوجيّة تتطوّر وتستفيد من تطوّر العلوم المختلفة ولاسيما منها الإنسانيّة، وهي تتأثّر كذلك بمقاربات أخرى في تدبير الشأن العام من قبيل التشاركيّة والمقاربات المبنية على حقوق الإنسان…الخ.
  • عرفت تونس مع كل إصلاح مقاربة بيداغوجيّة، وهذا يدل على حيوية منظومتها التربويّة وديناميتها.
  • لم تكن المقاربات ناجعة بسبب عدم التبيئة الصحيحة.
  • المفارقة بين النص والواقع والصورة النمطيّة للمدرسة والحذر من التجديد البيداغوجي كلّها عوامل لا تساعد على تبنّي مقاربة بيداغوجية بحدّ ذاتها.
  • نجاح الإصلاح التربوي القادم رهين ملامسة عمق المنظومة التربويّة الذي هو المقاربة البيداغوجيّة وليس الاكتفاء بإجراءات سطحيّة تسوّق للإصلاح ولا تنجزه أو بالأحرى لا تفعّله.

 

المراجع:

  1. باللغة العربية

اسليماني (العربي)؛ التواصل التربوي: مدخل لجودة التربية والتعليم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2005

بلخيري (سليمة)؛ المقاربة بالكفايات والمقاربة بالتمثّلات في التعليم، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد السادس.

بوصحابي (محمد)؛ تدبير الجودة في المنظومة التربوية: الافتحاص البيداغوجي نموذجا، عالم التربية، العدد22-23.

التيمومي(الهادي)؛ تعليم الجهل في عصر العولمة والإصلاح التربوي بتونس، صفاقس، دار محمد علي الحامي 2016.

ديبون (عبد الفتاح)؛ الخدع التربوية الجديدة؛ المحمدية، مطبعة المتقي برينتر، .2005

الدريج (محمد)؛ المعايير في التعليم: نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم، الدار البيضاء، النجاح الجديدة، 2007

الخطابي (عزالدين)؛ الأطر المرجعية للمقاربات البيداغوجية، دفاتر التربية والتكوين، عدد 2 ماي 2010.

الخمسي (عبد اللطيف)؛ تغيير المقاربات البيداغوجية وتجديد الممارسة التربوية، دفاتر التربية والتكوين، ال عدد2، ماي 2010.

ساسي (نورالدين) و النيفر(مصطفى)؛ سياسات تكوين المعلمين وتعيينهم “الحالة التونسية” ، تونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2014

سعدالله (سعد الله)؛ (جمع ومراجعة)؛ الثورة والمسألة التربوية: إشكاليات وبدائل، أعمال ندوة منتدى الفارابي للدراسات والبدائل، 10-11-12 ماي 2013، صفاقس، منشورات منتدى الفارابي للدراسات والبدائل، 2013.

شرقي (محمد)؛ مقاربات بيداغوجية: من تفكير التعلم إلى تعلم التفكير: دراسة سوسيو-بيداغوجية، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق،2010.

الظاهري (نورالدين)؛ التكوين المستمر للمدرسين وتطور التصورات المرتبطة بالممارسات البيداغوجية وبالهوية المهنية، تونس، مركز النشر الجامعي، 2016.

عماد (عبد الغني )؛ علم اجتماع التربية: الاتجاهات والمدارس والمقاربات، بيروت، منتدى المعارف، 2017.

العماري (الصديق الصادقي)؛ التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجيا، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق 2015.

لعلاوي (عماد)؛ مفهوم العمل لدى العمال وعلاقته بدافعيتهم في العمل الصناعي من خلال إشباع الحوافز المادية، دراسة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في علم النفس وعلوم التربية، تخصص علم النفس العمل والتنظيم، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، السنة الجامعية 2011-2012.

مجاهد (عبد الله)؛ الكفايات والتربية على القيم والاختيار مفاهيمها ومرجعياتها في المنهاج التربوي من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والكتاب الأبيض، مجلة علوم التربية، العدد السابع والأربعون-مارس 2011.

منصف (عبد الحق)؛ رهانات البيداغوجيا المعاصرة: دراسة في قضايا التعلم والثقافة المدرسية، الدار البيضاء، افريقيا الشرق،2007.

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المرصد العربي للتربية، التعليم في الوطن العربي، تقرير المرصد العربي للتربية، الألكسو، تونس2012

النقيب (خلدون حسن)؛ في البدء كان الصراع جدل الدين والاثنية، الأمة والطبقة عند العرب، بيروت، دار الساقي، 1997.

وزارة التربية والتكوين، نحو مجتمع المعرفة: الإصلاح التربوي الجديد: الخطة التنفيذية لمدرسة الغد2002 -2007 (جوان 2002).

– القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي (جويلية 2002).

– التطوّر التربوي 2004-2008، التقرير الوطني.

– الكتاب الأبيض، 2016.

– اليونسكو؛ إعادة التفكير في التربية والتعليم: نحو صالح مشترك عالمي؟ باريس، اليونسكو، 2015

 

  1. باللغة الفرنسيّة

Abdennanbi (A) ; Pour un système éducatif efficient, Tunis, Cérès productions, 1993

Ait Amar Meziane (Ouar) ; « De la pédagogie par objectifs à l’approche par compétences : migration de la notion de compétence », Synergies Chine n°9, 2014

Perrenoud (Ph) ; Construire des compétences dès l’école, ESF éditeur, 1997

Perrenoud (Ph) ; Construire des compétences, est-ce tourner le dos aux savoirs, Pédagogie collégiale, vol 12,n°3, 1998

Touraine (A) ; Pourrons-Nous vivre ensemble égaux et différents ?, Paris, Fayard, 1997

 

 

 

[1] الصديق الصادقي العماري؛ التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجيّة ، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق 2015، ص 130

[2] سليمة بلخيري؛ المقاربة بالكفايات والمقاربة بالتمثّلات في التعليم، مجلة العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة ، العدد السادس، ص375

[3] كأن نقول تطبيق النظريّة السلوكيّة في الحقل التربوي، والذي أفضى إلى بروز المقاربة بالأهداف أو النظرية البنائية التي أدى تطبيقها في الحقل التربوي إلى بروز  المقاربة بالكفايات.

[4]  الصديق الصادقي العماري؛ المرجع السابق، ص 130

[5]المرجع نفسه، ص 130-131

[6]عبد اللطيف الخمسي؛ تغيير المقاربات البيداغوجيّة وتجديد الممارسة التربويّة، دفاتر التربية والتكوين، العدد2، ماي 2010، ص 31

[7] للتوسع في هذه المبادئ يرجى الرجوع إلى نص الاتفاقيّة الدوليّة لحقوق الطفل (1989).

[8] عزالدين الخطابي؛ الأطر المرجعيّة للمقاربات البيداغوجيّة، دفاتر التربية والتكوين، عدد 2 ماي 2010، ص 8

[9]Touraine (A) ; Pourrons-Nous vivre ensemble égaux et différents, Paris , Fayard, 1997, p 461

[10]Ibid, p461

[11]عزالدين الخطابي؛ المرجع السابق، ص 8

[12]عبد الله مجاهد؛ الكفايات والتربية على القيم والاختيار مفاهيمها ومرجعياتها في المنهاج التربوي من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والكتاب الأبيض، مجلة علوم التربية ، العدد السابع والأربعون-مارس 2011، ص 25

[13]عبد الحق منصف؛ رهانات البيداغوجيا المعاصرة: دراسة في قضايا التعلم والثقافة المدرسية، الدار البيضاء، افريقيا الشرق،2007، ص38

[14]عبد الله مجاهد؛ المرجع السابق، ص25

[15]عبد الحق منصف، المرجع السابق، ص38

[16]المرجع السابق، ص38

[17] خلدون حسن النقيب؛ في البدء كان الصراع !جدل الدين والاثنية ، الأمة والطبقة عند العرب، بيروت، دار الساقي، 1997، ص 285

[18] عبد الحق منصف، المرجع السابق، ص 39

[19]عبدالله مجاهد، المرجع السابق، ص 25

[20]عبد الحق منصف؛ المرجع السابق، ص 40

[21]ورد عند عبد الحق منصف، المرجع السابق، ص 40

[22]ورد عند الحق منصف، المرجع نفسه، ص 41

[23]Ait Amar Meziane (Ouar) ; « De la pédagogie par objectifs à l’approche par compétences : migration de la notion de compétence », Synergies Chine n°9, 2014,p144

[24] عزالدين الخطابي، المرجع السابق، ص9.

[25]محمد شرقي؛ مقاربات بيداغوجيّة: من تفكير التعلّم إلى تعلّم التفكير: دراسة سوسيوبيداغوجية، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق،2010 ، ص 17.

[26] عماد لعلاوي؛ مفهوم العمل لدى العمال وعلاقته بدافعيتهم في العمل الصناعي من خلال إشباع الحوافز الماديّة، دراسة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في علم النفس وعلوم التربية، تخصص علم النفس العمل والتنظيم، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، السنة الجامعية 2011-2012، ص 8.

[27]Ait Amar Meziane (Ouar) ; op.cit, p145

[28]للتوسّع في هذه الانتقادات يُرجى الرجوع إلىدانيال هاملين؛ أهمية وحدود البيداغوجيا بواسطة الأهداف، ترجمة عزالدين الخطابي، رؤى تربوية العدد الرابع والثلاثون، ص ص 103- 112.

[29]الصديق الصادقي العماري، المرجع السباق، ص149، نقلا عن

Romainville (M), les implications didactiques de l’approche par compétences, enjeux, 2001,p51

[30]عبد الغني عماد؛ علم اجتماع التربية: الاتّجاهات والمدارس والمقاربات، بيروت، منتدى المعارف، 2017، ص28

[31]العربي اسليماني؛ التواصل التربوي: مدخل لجودة التربية والتعليم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2005، ص 78

[32]عبد الله مجاهد؛ المرجع السابق، ص 24

[33]المرجع نفسه، ص24

[34]الصديق الصادقي العماري، المرجع السباق، ص146

[35]Perrenoud (Ph) ; Construire des compétences dès l’école, ESF éditeur, 1997,p86

[36] محمد الدريج؛ المعايير في التعليم: نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم، الدار البيضاء ، النجاح الجديدة، 2007، ص 33

[37]المرجع نفسه، ص 27

[38]الورشة الوطنيّة لمتطلبات المناهج وفق مدخل المعايير، دمشق، 2014، ص 27

[39]المرجع نفسه، ص 28

[40]المرجع نفسه، ص28

[41]المرجع نفسه، ص29

[42]المرجع نفسه، ص29

[43]المرجع نفسه، ص29

[44]المرجع نفسه، ص29

[45]المرجع نفسه، ص29

[46]المرجع نفسه، ص30

[47]محمد الدريج، المرجع نفسه، ص 67

[48]محمد بوصحابي؛ تدبير الجودة في المنظومة التربوية: الافتحاص البيداغوجي نموذجا، عالم التربية، العدد22-23، 2013، ص 738

[49]لطفي الحجلاوي؛ أي معنى للجودة في التعليم اليوم، ضمن سفيان سعدالله (جمع ومراجعة)؛ الثورة والمسألة التربوية : إشكاليات وبدائل، أعمال ندوة منتدى الفارابي للدراسات والبدائل، 10-11-12 ماي 2013، صفاقس، منشورات منتدى الفارابي للدراسات والبدائل، 2013، ص 71

[50]اليونسكو؛ إعادة التفكير في التربية و التعليم: نحو صالح مشترك عالمي؟ باريس، اليونسكو، 2015، ص 33

[51]المرجع نفسه، ص33

[52] تضمّن نص إطار عمل داكار المعنون التعليم للجميع : الوفاء بالتزاماتنا الجماعية (النص اذي اعتمده المنتدى العالمي للتربية، داكار السنغال 26-28 أبريل2000) 21 بندا، تضمن البند السابع ما يأتي ” إننا نلتزم جميعا في هذا الإعلان بالسعي إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • توسيع وتحسين الرعاية والتربية الشاملتين في مرحلة الطفولة المبكّرة، وخاصة لصالح أكثر الأطفال تأثّرا وأشدهم حرمانا.
  • العمل على أن يتم بحلول عام 2015 تمكين جميع الأطفال من الالتحاق بتعليم ابتدائي جيد ومجاني وإلزامي، وإكمال هذا التعليم، مع التركيز بوجه خاص على البنات وعلى الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة”.

[53] المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المرصد العربي للتربية، التعليم في الوطن العربي،: تقرير المرصد العربي للتربية، الألكسو، تونس2012، ص ص5- 6.

[54]المرجع نفسه، ص6

[55]ورد عند عبد الفتاح  ديبون؛ الخدع التربوية الجديدة؛ المحمدية، مطبعة المتقي برينتر، 2005، ص 30

[56]ورد بالمرجع نفسه، ص 30

[57]ورد بالمرجع نفسه، ص30

[58] جاء في وثيقة نحو مجتمع المعرفة : الإصلاح التربوي، الخطة التنفيذية لمدرسة الغد (2002-2007) ما يلي: رابعا تربية جيدة للجميع ” لا يقاس أداء النظام التربوي بنسب التمدرس فقط ولا بما يخصص من الناتج الداخلي الخام لقطاع التربية فحسب، بل بعدد المتخرجين من المدرسة بمكتسبات جديدة مقارنة بعدد المسجلين من الفوج نفسه. لقد أصبحنا إزاء نموذج تربوي جديد يقضي بإرساء تمشيات بيداغوجية على أساس اعتبار الفوارق بين التلاميذ وأساقهم المختلفة في التعلم ويحرص على تمكين الجميع من فرص النجاح نفسها، بما يعتمده من إجراءات مناسبة للتقييم والتشخيص والعلاج….”، ص 28-29

[59] الهادي التيمومي؛ تعليم الجهل في عصر العولمة والإصلاح التربوي بتونس، صفاقس، دار محمد علي الحامي 2016، ص15

[60]نورالدين الظاهري؛ التكوين المستمر للمدرّسين وتطوّر التصورات المرتبطة بالممارسات البيداغوجيّة وبالهوية المهنيّة، تونس، مركز النشر الجامعي، 2016، ص27.

[61]Abdennabi (A) ; Pour Un système éducatif efficient, Tunis, cèrès,1993, p 42

[62]Ibid, p8

[63]  حملت هذه الوثيقة التي أصدرتها وزارة التربية عنوان نحو مجتمع المعرفة: الإصلاح التربوي الجديد- الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002-2007

[64]نحو مجتمع المعرفة، ص 7

[65] للتوسع في هذه النقاط يرجى الرجوع إلى نحو مجتمع المعرفة، ص 19-23

[66]نور الدين الظاهري؛ المرجع السابق، ص 34

[67]المرجع نفسه، ص 35

[68]ورد عند نورالدين ساسي ومصطفى النيفر؛ سياسات تكوين المعلّمين وتعيينهم “الحالة التونسيّة”، تونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2014، ص 17

[69]المرجع نفسه، ص18

[70]المرجع نفسهن ص18.

[71] محمد شرقي؛ مقاربات بيداغوجية ، ص 29.

[72]المرجع نفسه، ص35

[73] الصديق الصادقي العماري؛ المرجع السابق، ص 146

[74] نصّت القوانين المنظمة للعمليّة التربويّة بوضوح على منزلة المتعلم. فقد جاء في القانون التوجيهي للتربية والتعليم في تونس (جويلية2002)

وزارة التربية والتكوين؛ التطور التربوي، 2004 – 2008، ص 14[75]

[76] صدر الكتاب الأبيض سنة 2016

[77] للتوسّع في هذه النقاط يرجى الرجوع إلى الكتاب الأبيض  ص 14-23

التعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله. أولا تحية عالية للأخ محمد براشد على هذا المقال العلمي. وأشكره على اعتمد كتابي: التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية، كمرجع. فقط لدي ملاحظة وهي تصحيح اسم المؤلف في المراجع والهوامش المعتمدة. إسم مؤلف كتاب ”التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجيا، هو ”الصديق الصادقي العماري”. بوجود الياء في ”الصادقي” وليس بحذفها كما هو معتمد في المراجع كالتالي ”الصادق”. وشكرا جزيلا لهذا الموقع الرائع. مع تحيات الأستاذ الصديق الصادقي العماري من المملكة المغربية/ للتواصل: addkorasaat1@gmail.com

Comments are closed.

جديدنا