العبور السياسي؛ التحوُّل من النشاط المدني إلى العمل الحكومي

image_pdf

 مقدِّمة:

تتيح التحوّلات السياسيَّة فرصة للقادة لتنفيذ الإصلاحات الديمقراطيَّة، وبناء المؤسَّسات، وتعزيز المواطنة الديمقراطيَّة. وفي بعض الأحيان، تتاح الفرصة لنشطاء وقيادات المجتمع المدني للانضمام إلى الحكومة بعد التحوّلات السياسيَّة، بسبب مهاراتهم القياديَّة وخبرتهم التقنيَّة وسمعتهم داخل مجتمعاتهم المحليَّة. إنَّ عبورهم من قطاع المجتمع المدني إلى الحكومة كمسؤولين منتخبين أو معينين قد يتيح لهم سبلاً جديدة لدفع عجلة الإصلاح وتوطيد الديمقراطيَّة.

“كشيء طبيعي: كانت الانفراجة السياسيَّة في بلدي، وجاءت الدعوة لأعود. حينها لم يكن هناك مفرّ من الاستجابة، لقد كانت تلك هي النشوة التي أوجدت لنا الفرصة لبناء الدولة التي نريد: دولة ديمقراطيَّة. لم تُتَح لنا فرصة كهذه من قبل، لذا عندما سنحت الفرصة، لم أفكِّر فيها طويلا. سألتُ نفسي فقط كيف يمكنني أن أشكِّلَ قيمة مضافة لهذه اللحظة؟”[1]

هؤلاء الذين يعبرون إلى العمل الحكومي يكافحون في بعض الأحيان للتغلُّب على تعقيداته، وتجاوز إشكاليَّات عديدة في العلاقات والهيكلة والعمليَّات الإداريَّة للنهوض بأجندات الإصلاح في بيئتهم الجديدة. فضلاً عن ذلك فإنَّهم قد يواجهون مؤسَّسات ضعيفة، ومصالح سياسيَّة راسخة، ونظماً بيروقراطيَّة غير فعَّالة تحبط طموحاتهم. إنَّ عدم قدرتهم على التغلُّب على هذه التحدِّيات وإجراء إصلاحات ديمقراطيَّة في الوقت المناسب، قد يسهم في إحباط العامَّة من الجهود الرامية إلى دمقرطة مؤسَّسات الحكم وإصلاحها بشكلٍ عام.

لتحقيق النجاح، يحتاج نشطاء المجتمع المدني إلى أن يكونوا على درايةٍ كافية بالتحدّيات السياسيَّة والمؤسَّسيَّة والتقنيَّة التي سيواجهونها في الحكم، وأن يغيِّروا تموقعهم من كونهم دعاة إصلاح خارج الحكومة إلى أن يكونوا إصلاحيِّين فاعلين داخلها. وينطوي ذلك على تطوير المهارات السياسيَّة لهم مثل إنشاء وتوسيع التحالفات فيما بينهم كإصلاحيِّين عبر الأطر الحزبيَّة، ووضع خطوات فاعلة لهيكلة سياسيات جديدة، والتواصل بفعاليَّة مع الجماهير، وكيفية صياغة وإعداد أوراق السياسات العامَّة والتشريعات. فإعداد نشطاء المجتمع المدني لقيادة الحكومات، استراتيجيَّة مهمَّة لحماية الديمقراطيَّات الناشئة من التراجع والمساهمة في نجاح الانتقالات الديمقراطيَّة.

يصوِّر هذا التقرير آراء وتطلّعات النشطاء الذين عبروا من المجتمع المدني إلى العمل الحكومي حتى يتمكَّن الآخرون من التعلُّم من تجاربهم. وعلى وجه الخصوص، يقدِّم التقرير نظرة متفحِّصة من خلال الأسئلة التالية:

  • ما هي التحدِّيات التي يواجهها أولئك الذين يعبرون الى الحكومة؟
  • ما هي الاستراتيجيَّات والمهارات والأدوات والآليَّات التي تساعد في نجاحهم؟
  • ما هي ديناميكيَّة العلاقة بينهم وبين زملائهم في كل من المجتمع المدني والحكومة؟
  • كيف تتغيَّر أجندات النشطاء السابقين أو أولويّاتهم أثناء تولِّيهم مناصبهم الحكوميَّة؟
  • كيف يبدو نجاح النهوض بالإصلاح الديمقراطي بالنسبة لهم؟
  • هل “العبور” استراتيجيَّة فعَّالة للنهوض بالديمقراطيَّة؟

لإجراء هذه الدراسة الاستقصائيَّة[2]، تمَّت مقابلة 27 ناشطاً عبروا من المجتمع المدني إلى الحكومة بعد الانتقال السياسي في 13 بلداً بين عامي 1987 و2019، وهي عيِّنة دراسيَّة تمثِّل خلفيَّات متنوِّعة انتقلت من مجالات مختلفة من النشاط – بما في ذلك حقوق الإنسان، ونوع الجنس والإدماج، وحلّ النزاعات، والإصلاح الاجتماعي، ومكافحة الفساد، والشفافيَّة والمساءلة، والبيانات المفتوحة، والشباب – إلى الحكومة.

وشارك في الدراسة الاستقصائيَّة، أربعة عشر ناشطاً وثلاث عشرة ناشطة، تراوحت أعمارهم بين 23 و60 سنة عند عبورهم للعمل الحكومي.[3]

وشغل ثمانية عشر من الذين أجريت معهم المقابلات مناصب حكوميَّة على المستوى الوطني، وشغل أربعة منهم مناصب محليَّة، وشغل آخران المناصب بشقّيها المحلِّي والوطني، وانتُخِبَ تسعة أعضاء في البرلمان، وعُيِّنَ 21 عضواً في مناصب تنفيذيَّة حكوميَّة في الوزارات أو المؤسَّسات أو الهيئات الأخرى. وقد انتُخب ثلاثة من هؤلاء الأفراد وعُيِّنوا في مناصبهم خلال حياتهم المهنيَّة. ولم يشمل الاستطلاع الأفراد الذين يشغلون مناصب في الهيئات التقنيَّة، مثل لجان الانتخابات أو غيرها من الوكالات غير السياسيَّة.

وقال الذين أُجريت معهم المقابلات، بأنهم رأوا الفرصة سانحة أمامهم لدعم الإصلاح الديمقراطي بعد الانتقال السياسي في بلدانهم من خلال العبور للعمل في المؤسَّسات الحكوميَّة. واتَّفقوا أيضا على أن الديمقراطيَّة لا تزال الطريق الأكثر قابليَّة للتطبيق من أجل النهوض بالمجتمعات المزدهرة. ومع ذلك، فإنَّ تحدِّيات الحكم لا تعدّ ولا تحصى ومعقّدة. في حين أن هذا الاستطلاع يستمدُّ رؤى أوليَّة بشأن التحدّيات التي يواجهها الناشطون الذين يدخلون الحكومة عادة، ومع ذلك فإنَّ الاستطلاع ليس دراسة شاملة للسياقات والخبرات والتحدِّيات والنتائج المختلفة لأولئك العابرين للحكومات.

 

“كشيء طبيعي: كانت الانفراجة السياسيَّة في بلدي، وجاءت الدعوة لأعود. حينها لم يكن هناك مفرّ من الاستجابة، لقد كانت تلك هي النشوة التي أوجدت لنا الفرصة لبناء الدولة التي نريد: دولة ديمقراطيَّة. لم تُتَح لنا فرصة كهذه من قبل، لذا عندما سنحت الفرصة، لم أفكِّر فيها طويلا. سألتُ نفسي فقط كيف يمكنني أن أشكِّلَ قيمة مضافة لهذه اللحظة؟”.

اتِّخاذ القرار بالعبور

بينما تحدث التغيُّرات في المشهد السياسي الوطني بشكلٍ مفاجئ نسبيّا، فإنَّ التحوُّلات السياسيَّة تحدث على مدى سنوات عديدة، أو حتى عقود. الذين تمَّت مقابلتهم عبروا إلى الحكومة في مراحل مختلفة من عمليَّات الانتقال السياسي في دولهم. وشعروا أن اللحظة التي قرروا فيها الانتقال إلى الحكومة خلال الفترات الانتقاليَّة في بلادهم حدَّدت طبيعة التحدِّيات والفرص التي واجهوها في عملهم الحكومي. وبالإضافة إلى ذلك، تباينت هذه التحدِّيات والفرص تبايناً كبيراً وفقاً للسياقات القطريَّة والإقليميَّة.

ولم يكن من الغريب الملاحظة بأن الدور الذي يؤدِّيه الشخص في الحكومة تحدِّدهُ أيضا طبيعة تجربته الشخصيَّة. فعلى سبيل المثال، كان من المتوقَّع أن يخدم أولئك الذين تمَّ تعيينهم في مناصب وزاريَّة، المصلحة الوطنيَّة تحت قيادة رئيس دولة، بدلاً من مصالح فئة معيَّنة من الناخبين. وفي مثل هذه الحالات أيضا، من الضروري بالنسبة لهم الحفاظ على ثقة الفرد الذي قام بتعيينهم في مناصبهم.
أمَّا الذين انتُخبوا، فقد كانوا مسؤولين أمام ناخبيهم، وربما كانوا مسؤولين أيضاً أمام حزب سياسي دعم حملتهم الانتخابيَّة، ووجدوا أنه من الضروري الحفاظ على ثقة حزبهم وجمهورهم، الذي يضمُّ في بعض الأحيان أفرادا لا يؤيِّدون ترشيحهم أو أجنداتهم.

 

الاعتبارات

يذكر العديد ممَّن أجريت معهم المقابلات، بأنَّهم طرحوا على أنفسهم عدداً من الأسئلة قبل العبور إلى الحكومة، وبأثرٍ رجعي. فوجدوا هذا مفيداً في ضمان اتِّخاذهم القرار الصحيح لأنفسهم وقضاياهم وبلدانهم. وركَّزت الأسئلة على فهم أهداف المرء ومبادئه وأولويّاته، واحتمال نجاحه في تقدُّم الحكومة ونهوضها. وتضمَّنت هذه الأسئلة، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

  • هل قيمي ومبادئي واضحة؟
  • هل تتماشى قيمي ومبادئي بشكلٍ وثيق مع الحكومة أو الحزب؟
  • هل أنا على استعداد للتنازل عن قيمي ومبادئي؟ إذا كان الأمر كذلك، أي منها وبأي طرق؟
  • هل أنا على استعداد للعيش حياة مليئة بالمراقبة والتدقيق والمتابعة؟
  • كيف تُعدّ هذه الخطوة قيمة مضافة إلى مسيرتي المهنيَّة؟
  • هل الحكومة التي سأدخلها ملتزمة بالإصلاح الديمقراطي؟
  • هل سأعبر إلى الحكومة بمفردي أو مع مجموعة أكبر من الزملاء في المجتمع المدني؟
  • هل الحكومة ضروريَّة للإصلاح الذي أسعى إليه؟
  • هل يمكنني العمل داخل حزب سياسي لدفع عجلة الإصلاح الديمقراطي؟

 

المشاورات

ناقش الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات، المنتخبين منهم والمعيَّنين، أهميَّة التشاور مع مجموعة متنوِّعة من الأفراد والمنظَّمات والمجتمعات المحليَّة قبل العبور إلى الحكومة. وقال بعضهم إنَّهم كانوا متخوّفين من العبور لأنَّهم غير متأكِّدين من ردِّ فعل زملائهم في المجتمع المدني. واعترفت إحداهن بأنها تشعر بقدر كبير من عدم اليقين بشأن ما سيعتقده زملاؤها في المجتمع المدني إذا ما انتقلت للعمل الحكومي، ومع ذلك، وبعد مشاورات معهم، أدركت أنها حظيت بدعمهم القوي، ممَّا سمح لها بالشعور بمزيد من الثقة في اتِّخاذ قرار العبور.

وأشار آخر إلى أنَّه قد رفض في البداية الدعوة للانضمام إلى الحكومة؛ لأنَّه طالما جاهر بمعارضته لمؤسَّساتها وسياساتها. ومع ذلك، ساعدته المشاورات مع زملائه في المجتمع المدني على إدراك كيف أنَّ الانضمام إلى هذه الحكومة الجديدة، التي تمَّ انتخابها ديمقراطيّا، سيسمح له بتعزيز سلسلة من الإصلاحات عمل طويلاً على تحقيقها. بعد وصوله إلى الحكومة، كان أوّل إجراءاته التشاور مع أعضاء المجتمع المدني والنقابات والقطاع الخاصّ لوضع جدول أعمال للفترة التي قضاها في منصبه. كما انعكس انفتاحه فيما يتعلَّق بقرار العبور والشفافية في وضع جدول أعمال لفترة تولّيه منصبه إلى نتائج إصلاحيَّة أفضل، وإلى قدرٍ أقل من الشكوك بشأن التزاماته وأدائه.

وبالإضافة إلى مساعدة الناشط/ة على اتِّخاذ قراره/ا بشأن العبور إلى الحكم من عدمه، كانت المشاورات مفيدة أيضا من أجل:

  • تقييم درجة الدعم الذي يمكن أن يتوقّعه الناشط/ة من المجتمعات المحليَّة.
  • تحديد المسائل التي ينبغي بناء المزيد من الثقة حولها.
  • فهم أولويَّات المواطنين.
  • توضيح ما يأمل الناشط/ة في إنجازه ووضع جداول الأعمال السياسيَّة والإصلاحيَّة.
  • مساعدة المواطنين والزملاء السابقين في المجتمع المدني على فهم القيود التي قد يواجهونها في أدوارهم الجديدة.
  • استكشاف السبل التي من الممكن أن يسهم بها المجتمع المدني في الإصلاحات.

وأشار الأفراد الذين أجروا مشاورات مع المجتمع المدني قبل العبور، إلى أهمِّيَّة استمرار هذه المشاورات مع المجتمع المدني أثناء وجودهم في الحكومة. وقد ساعدهم ذلك على التعبير المستمر عن مواقفهم بشأن العديد من القضايا والتحدِّيات، وبناء الثقة مع المواطن والحفاظ عليها، وإظهار الشفافيَّة وتعزيز ثقافة المساءلة.

 

التغلُّب على تحدِّيات الحكم

وحدَّدت الدراسة الاستقصائيَّة مجموعة من التحدِّيات المشتركة، بغض النظر عن الظروف المحدّدة التي يعبر الناشط/ة في ظلِّها إلى الحكومة. وفي حين أنَّ المجتمع المدني غالباً ما يكون لديه دراية كافية بالحوكمة والعمليّات القانونيَّة، فقد اعترف العديد ممَّن أُجريت معهم المقابلات، بأنَّهم لم يكونوا على علم بمدى تعقيد البيروقراطيَّة والهياكل المؤسَّسيَّة والإجراءات التقنيَّة لعمل الحكومات.

“… بمجرَّد الدخول، فإنَّك تفهم القيود والمحدِّدات التي أحاطت بك. عند النظر من الخارج، تعتقد أنَّ الأمر كله يتعلَّق بالسياسة أو الخيارات القانونيَّة، ولكن بعد انخراطك فيه ستكتشف بعداً آخر؛ هناك قيود إداريَّة وقيود سياسيَّة أخرى. الأمر ليس بسيطاً، كما كان يبدو لنا في السابق”.

وقد أثّر ذلك على قدرة العديد من الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات على وضع جدول أعمال محدَّد والالتزام به، والتنسيق بين المؤسَّسات، وقيادة عمليَّات الإصلاح، والتواصل مع الجماهير، وأمور أخرى. وأشار العديد منهم إلى أنَّ السياسات والإجراءات داخل مؤسَّسات الحكم لم تكن “منطقيَّة” دائما، ممَّا أدَّى الى تعقيد قدرتهم على مواصلة الإصلاح.

“عندما يكون هناك مشكلة أو خطأ في أحد الإجراءات، فإنَّ [البيروقراطيِّين] فقط، يضعون طبقة إضافيَّة من الرقابة والامتثال – بدلاً من معالجة المشكلة الأصليَّة”.

ونتيجة لذلك، قال العديد ممَّن أجريت معهم المقابلات، إنَّهم يكافحون من أجل تنفيذ مهام أساسيَّة مثل: وضع الميزانيَّات، والإشراف على المشتريات، وإيداع النفقات، وإجراء عمليَّات التدقيق، وإدارة شؤون الموظَّفين. وهم بشكل عام عادة ما يواجهون تفسيرات متناقضة لكيفية عمل البيروقراطيَّة والحكم، ولا سيما في السياقات الانتقاليَّة.

“إنَّ التحدِّيات مرتبطة بتعقيد القواعد المعمول بها، وعدم فهم منطق هذه القواعد والأنظمة واللوائح، ففي بعض الأحيان يمكن أن يتمّ تفسير قاعدة ما من قبل مدير أو آخر بطريقتين مختلفتين؛ فالقواعد ثابتة أمَّا تفسيرها فمتغيِّر.”

ورأى بعض النشطاء أنَّ عليهم المرور بعمليَّة “إعادة التعلُّم” عند دخولهم الحكومة. وبالإضافة إلى فهم كيفيَّة عمل الحكومة، كان عليهم أن يكتشفوا كيفيَّة الاستفادة والتطبيق لمهاراتهم الناعمة، مثل الإدارة وبناء الائتلافات، في سياقها الحكومي الجديد.

 

“… بمجرَّد الدخول، فإنَّك تفهم القيود والمحدِّدات التي أحاطت بك. عند النظر من الخارج، تعتقد أنَّ الأمر كله يتعلَّق بالسياسة أو الخيارات القانونيَّة، ولكن بعد انخراطك فيه ستكتشف بعداً آخر؛ هناك قيود إداريَّة وقيود سياسيَّة أخرى. الأمر ليس بسيطاً، كما كان يبدو لنا في السابق”.

بناء فريق

وأشار عددٌ من الذين أُجريت معهم المقابلات، إلى أنَّ الخطأ الذي ارتكبوه عند دخولهم الحكومة هو بناء فريق يعطي الأولويَّة للمهارات التقنيَّة، مثل بناء الميزانيَّات على الخبرة السياسيَّة والمعرفة المؤسَّسيَّة. ويعزو آخرون نجاحهم في الحكومة جزئيّاً إلى قدرتهم على بناء فريق متنوِّع يضمُّ أفراداً من كل هذه العناصر، ممَّا أتاح لهم العمل على القضايا الموضوعيَّة، مع التنقُّل بمهارة في الهياكل الحكوميَّة المعقَّدة. وبالإضافة إلى ذلك، ذكر بعض الناشطين أنَّ مهارات الاتِّصال الخارجيَّة القويَّة، كانت ضروريَّة لفريق العمل وذلك لنقل المواقف وتقديرها، وبناء الدعم، والحفاظ على قيمة المساءلة أمام المجتمع والناخبين.

 

تطوير العلاقات للدفع قدماً بالإصلاحات

وبغض النظر عن مكانة الفرد داخل الحكومة، وجد النشطاء الذين أُجريت معهم المقابلات، أنَّ من المهم فهم كيفيَّة رفع وتطوير العلاقات مع الزملاء في الحكومة والمجتمع المدني والشركاء الدوليِّين والحفاظ عليها والاستفادة منها الى أبعد الحدود.
ومع ذلك، وجد البعض أنه من الصعب للغاية تلبية توقُّعات زملائهم في المجتمع المدني وزملائهم في الحكومة في الوقت ذاته، وكما قال أحد النشطاء أثناء المقابلات:

“يجب عليك أن تكون حذراً في اتِّخاذ القرارات التي تحقِّق التوازن بين مصالح زملائك البيروقراطيِّين من جهة والآخرين في دائرتك الانتخابيَّة من جهةٍ أخرى، بما في ذلك زملائك السابقين في المجتمع المدني، كي لا ينفضّ الحلفاء المحتملون من حولك”.

 

الحفاظ على العلاقات مع المجتمع المدني:

يتوقَّع العديد من الذين عبروا أن يكونوا بمثابة جسر بين المجتمع المدني والحكومة، ومع ذلك، فإنَّ وضع الذات لخدمة هذه الفكرة يتطلَّب استراتيجيَّة مدروسة وتخطيطاً محكما. وقد أعرب بعض النشطاء بأنهم بعد فترة وجيزة من انضمامهم إلى الحكومة شعروا بالعزلة عن المجتمع المدني لأسباب متنوِّعة، بما في ذلك تصوُّر المجتمع المدني بأنَّ الحكومة فاسدة بطبيعتها، وأنَّه لا مفرّ من فسادها الآن أيضا. وقال آخرون إنَّهم تمكَّنوا في البداية من الحفاظ على علاقاتهم مع المجتمع المدني، لكنَّهم وجدوا صعوبة في الاحتفاظ بثقة المجتمع المدني مع مرور الوقت بسبب التنازلات والتسويات التي قدَّموها، أو لأنّ الحكومة التي كانوا يخدمونها كانت بطيئة في الشروع بالإصلاحات المطلوبة. قال أحدهم:

“يتوقَّع المجتمع المدني منك أن تتحدَّث بصوتٍ عاٍل كما كنت تفعل ذات مرَّة، لكن العلاقات والالتزامات والتوقُّعات من منصبك في الحكومة قد لا تسمح لك بالتصرُّف بهذه الطريقة”.

ومن خلال انعكاس آخر:

هذا هو التحدِّي الأكبر، عندما يتوجَّب عليك العبور بقاعدتك السياسيَّة، هناك الكثير من التوتُّر لأنَّك تترك [المجتمع المدني] لشغل منصبٍ سياسي. لذلك يجب أن يكون هناك تركيز على حفظ الصلة بين قادة [المجتمع المدني] الذين يعبرون إلى الحكومة والمجتمع المدني / الشعب”.

تجادل بعض النشطاء بأنه من المهم أن نكون شفافين مع المجتمع المدني بشأن توقّعاتهم من مواقعنا الجديدة، وكيف تملي هذه التوقُّعات ما يمكن وما لا يمكن تحقيقه. وأن نكون واضحين بشأن التحدِّيات والقيود التي نواجهها في أدوارنا الجديدة مع الحكومة. وقد ساعد هذا الوضوح بعض النشطاء على إعادة تعريف العلاقات بزملائهم السابقين في المجتمع المدني بطريقةٍ صحيَّة، سمحت لهم بتحديد الفرص الواعدة للتعاون بينهم في المستقبل.

 

“يتوقَّع المجتمع المدني منك أن تتحدَّث بصوتٍ عاٍل كما كنت تفعل ذات مرَّة، لكن العلاقات والالتزامات والتوقُّعات من منصبك في الحكومة قد لا تسمح لك بالتصرُّف بهذه الطريقة”.

إقامة الشراكات والتحالفات في الحكومة:

“لا يهمّ كم كانت أفكاري رائعة وجيِّدة، إذا لم يكن لدي دعم من الآخرين لتنفيذها.”

وجد العديد ممَّن أُجريت معهم المقابلات صعوبة في إقامة علاقات عمل قويَّة مع زملائهم في الحكومة، والتي كان ينظر إليها على أنها مهمَّة لنجاحهم. كما يشعر العديد منهم بأنَّ قادة المجتمع المدني الذين انضمُّوا مؤخَّراً إلى الحكومة يتمُّ تجاهلهم من قبل السياسيِّين الأكثر خبرة؛ لكون هؤلاء القادة “مثاليِّين للغاية” ويفتقرون إلى فهم كيفيَّة عمل الحكومة. وعلى العكس من ذلك، اعترف الناشطون الذين عبروا إلى الحكومة بأنهم يشكِّكون في التزام بعض زملائهم القدامى بالإصلاح. حتى أنَّ آخرين في مناصب معيَّنة اشتبهوا في أنَّ الحكومة كانت تستغلُّ صورتهم العامَّة النظيفة لتعزيز سمعتها كحكومة مساءلة وشفافيَّة دون تطبيق هذه القيم بجدِّيَّة.

من جهةٍ أخرى، قال عدد قليل ممَّن أجريت معهم مقابلات إنَّ أجنداتهم تتماشى بشكل جيِّد نسبيّاً مع أجندة الحزب أو الإدارة. وفي مثل هذه الحالات، تمكَّنوا من إقامة علاقات مع مؤيِّدي جدول الأعمال المشترك هذا بسهولةٍ نسبيَّة. غير أن هذا لم يكن هو الحال دائما، ولا سيما بالنسبة للعاملين في المناصب المنتخبة الذين لا تتَّفق أولويَّاتهم تماما مع أولويَّات أحزابهم. وفي مثل هذه الحالات، وجد الكثيرون أنَّه من الضروري إنشاء تحالفات بين الأحزاب؛ مثل المؤتمرات الحزبيَّة النسائيَّة بين الأفراد الذين يمكنهم التصويت معا على مسائل معيَّنة على الرغم من مواقف أحزابهم. وسمحت لهم الائتلافات المشتركة بين الأحزاب بالاستفادة من الدعم الذي يحتاجونه لدفع الإصلاحات قدماً عندما لم يتمكَّنوا من الحصول على الدعم داخل حزبهم. وقد عزا العديد من الأشخاص الذين تمَّت مقابلتهم مقدرتهم على تطوير التحالفات، إلى خبراتهم السابقة في بناء الإجماع داخل المجتمعات المتنوِّعة أثناء وجودهم في المجتمع المدني.

كما وجدت الدراسة الاستقصائيَّة، أنَّه من المفيد بناء شراكات مع أشخاص في الحكومة قد لا يشاطرونهم المواقف والآراء، ولكن يمكن تبادل الدعم السياسي معهم في مناسبات معيَّنة. وهذا يتطلَّب في بعض الأحيان قدرة على التفاوض حيث يقوم الفرد بالتسوية بطريقةٍ أو بأخرى حول مسألة أقل أهميَّة في جدول أعمالهم، على أن يكون مفهوما أنَّ الطرف الآخر سوف يردّ الجميل في وقتٍ ما في المستقبل.

وتضمَّنت الاستراتيجيَّات الأخرى لبناء العلاقات مع الزملاء الحكوميِّين؛ تقاسم الفضل في النجاحات عمدا، والسماح للآخرين بالتأثير على الإصلاحات وقيادتها، ومناصرة الإصلاحات التي استفادت منها مجموعة واسعة من الأفراد.

الاستفادة من الشراكات الدوليَّة وشراكات أصحاب المصلحة المتعدِّدين:

وجد العديد من الأفراد قيمة كبيرة في إقامة علاقات وثيقة مع المجتمع الدولي. وقد عبَّر أحد الأفراد عن رأيه بهذه المسألة، قائلا:

” محليّا، هناك نقص خبرة في إدارة التحوّلات السياسيَّة في معظم البلدان. وبالتالي فإنَّ إقامة تحالفات تقنيَّة مع المنظَّمات الدوليَّة يمكن أن يساهم في الوصول إلى أفضل الممارسات والخبرات والدعم الخارجي”.

ويُنسب إلى الشركاء الدوليِّين الفضل في كونهم مساهمين مهمّين في وضع وتطوير اتفاقيّات وطنيَّة لحقوق الإنسان، وتعزيز المؤسَّسات الحكوميَّة، وإجراء تحقيقات في مجال مكافحة الفساد، واستحداث سياسات تتعلَّق بحقوق المرأة، وحريَّة التعبير والبيانات المفتوحة والمشاركة العامَّة.

كما وجد بعض من أجريت معهم مقابلات، قيمة في الاستفادة من الدعم متعدِّد القطاعات أو أصحاب المصلحة المتعدِّدين؛ للتعويض عن نقص الدعم بين الزملاء الحكوميِّين. وطوَّروا هياكل تنسيق لتوسيع نطاق مشاركتهم خارج الهياكل السياسيَّة الرسميَّة. ومع ذلك، أشار عدد قليل منهم إلى أهميَّة الاستفادة من هذه العلاقات بحيث لا تهدِّد أو تنفر القوى السياسيَّة القائمة داخل الحكومة.

 

” محليّا، هناك نقص خبرة في إدارة التحوّلات السياسيَّة في معظم البلدان. وبالتالي فإنَّ إقامة تحالفات تقنيَّة مع المنظَّمات الدوليَّة يمكن أن يساهم في الوصول إلى أفضل الممارسات والخبرات والدعم الخارجي”.

تغيير الأولويَّات

إنَّ أحد أهمّ التحدِّيات التي تواجه النشطاء بعد عبورهم إلى العمل الحكومي، هو الإبقاء على وفائهم للمبادئ الديمقراطيَّة أثناء التنقُّل في مجموعة من الهياكل، وطبقات المساءلة، والمصالح، وتعلُّم كيفيَّة استخدام القوة السياسية لمكتب الفرد. وعلى الرغم من أنَّ هذا لم يكن هو الحال مع من تمَّت مقابلتهم في هذا الاستقصاء، إلا أن هناك أمثلة عديدة لأفراد ذوي عقليَّة ديمقراطيَّة من المجتمع المدني، دخلوا الحكومة ثمّ تخلّوا عن مبادئهم الديمقراطيَّة لتعزيز سلطتهم ونفوذهم. وقد أعرب جميع المشاركين في الاستطلاع عن أهمّيَّة الإخلاص لمبادئهم وقناعاتهم، وأكّدوا أن جداول أعمالهم في الحكومة تخدم تلك المبادئ طوال فترة خدمتهم في السلطة.

وأقرَّ المشاركون في الدراسة الاستقصائيَّة، بأنَّ التفاوض والتوصُّل إلى حلول وسط مع الزملاء أمر أساسي لكسب النفوذ والتوصُّل إلى اتِّفاقات، غير أنهم أشاروا إلى احتمال اتِّهام الشخص الذي عبر إلى الحكومة بأنّه قد تخلَّى عن مبادئه حتى عندما لا يكون كذلك، وهذا أمر يثير القلق بوجهٍ خاصّ إذا طال بقاء الشخص في منصبه، وأدَّى إلى تقديم عدد أكبر من الحلول التوفيقيَّة على مرِّ الزمن. ولذلك، شدَّد عدد من المشاركين على أنّ الخدمة في الحكومة يجب أن تكون مؤقّتة، وأنَّهُ لا ينبغي للمرء الاستمرار في منصبه لفترة طويلة. وقال آخرون ممَّن أجريت معهم مقابلات، إنَّه من المهم بالنسبة لهم التشاور مع المجتمع المدني بشكلٍ مستمرّ أثناء تولّيهم مناصبهم، ولا سيما عندما تكون هناك حاجة إلى التفاوض مع الحكومة واللجوء إلى حلول توافقيَّة معها؛ لإبقائهم على علم بأسباب قراراتهم وتجنُّب التصوّرات الخاطئة حول تخلِّيهم عن مبادئهم.
ووصف العديد من المشاركين حالات تغيَّرت فيها الظروف في بلدانهم، ممَّا تطلب منهم تغيير أولويّاتهم قصيرة الأجل. الأمر الذي مكَّنهم من الاستفادة، في بعض الحالات، من تطوّرات سياسيَّة غير متوقَّعة لتعزيز الدعم نحو إصلاحٍ معيَّن. وفي حالات أخرى، أدّت هذه التطوّرات إلى فقدان الدعم على إصلاحات معيَّنة، ولذلك شدَّد العديد من المشاركين على أهمّيَّة الاعتراف بالظروف المتغيَّرة في وقتٍ مبكِّر، وضرورة وضع استراتيجيَّة لإدارة التغيير أو الاستفادة منه عند حدوثه.

وفي جميع الحالات، أشار المشاركون إلى أنَّ استراتيجيّات التواصل الفعّالة بالإفصاح عن أولويّاتهم ومواقفهم بطريقةٍ هادفة ومخطَّط لها، لعبت دورا أساسيّاً في الطريقة التي ينظر بها المواطنون والزملاء إلى أعمالهم. أولئك الذين وجدوا نجاحا لافتا في إدارة صورتهم العامَّة، استخدموا منصَّات التواصل الاجتماعي للارتجال بسرعة مع تطوُّر الأحداث الجارية في بلدانهم.

 

وتيرة الإصلاح

ومن أبرز الملاحظات التي أشار إليها المشاركون، صعوبة تقبّلهم لحقيقة أن التغيير الكبير في الحكومة يستغرق وقتاً طويلا. ولفت العديد منهم إلى شعورهم بالإحباط نتيجة الإصلاح التدريجي، والقوانين المخفَّفة، وبطء و/أو ضعف التنفيذ، بالإضافة إلى أنَّ تفاقم هذه الظواهر قد يؤدِّي إلى الإحباط بين الجمهور عامَّة، بل وحتى إلى عدم الاعتقاد بأنّ الإصلاح الديمقراطي سيسود ويترسَّخ. لذلك، يعدّ التواصل حول عمليَّات الإصلاح، بما في ذلك الأهداف والتحدّيات والإجراءات والجداول الزمنيَّة، أمرًا مهمًا لتحديد توقُّعات معقولة بين المواطنين، وترفع من ثقتهم بالحكومة. وبحسب رأي أحد المشاركين في الاستطلاع:
“من المهم الحفاظ على أهداف المرء على المدى الطويل، مثل تغيير ثقافة المؤسَّسة، وعدم التوّرط في لعبةٍ قصيرة المدى.”

 

“من المهم الحفاظ على أهداف المرء على المدى الطويل، مثل تغيير ثقافة المؤسَّسة، وعدم التوّرط في لعبةٍ قصيرة المدى.”

المرأة في الحكومة

وقالت معظم النساء اللواتي شاركن في الدراسة الاستقصائيَّة، إنَّ الهويَّة الجنسيَّة ليست منظورا أساسيّا ينظرن من خلاله إلى أنفسهن فيما يتعلَّق بدورهن في الحكومة. ومع ذلك، فقد شدّدن على أنَّ معظم زملائهن من الذكور في الحكومة ينظرون إليهن بوصفهن “نساء أولاً”، لا زميلات مهنة يمتلكن أدوات ومهارات تؤهّلهن لشغل المكانة نفسها.  وقد ذكرت كل امرأة مشاركة بالاستطلاع تحدّيات خاصَّة واجهتها خلال عملها في الحكومة؛ تتراوح بين تلقِّي تعليقات حول ملابسها ومظهرها، والشعور بالعزلة بسبب جنسها، أو التعرُّض للمضايقة والخصومة، أو التقليل من شأنها. فيما نصحت إحداهن الشابات اللواتي يقرِّرن العبور إلى الحكومة بالاعتراف بهذا التحدِّي ومواجهته:

“سوف تتمّ مناداتك (يا حبيبتي) أحيانا، لكن عليك عدم الرضوخ لهذا الواقع؛ بمواجهة المتحدِّث وتصحيحه بقولك: أملكُ اسما”.

وقالت مشارِكة أخرى:”لديكِ آراء قيِّمة. لديك شبكات قيِّمة. دعيهم يحترمون ذلك”.

وقالت الكثير من المشاركات في الاستطلاع، إنهن يشعرن بأنَّ عليهن العمل بجهدٍ أكبر مرَّتين أو ثلاث مرّات من زملائهن الذكور للتقدّم والتطوُّر بنجاح في جداول أعمالهم. مع ذلك، وعلى الرغم من العقبات، تمكَّنت نسبة كبيرة منهن من تحقيق أهداف وإنجازات بارزة أثناء عملهن في الحكومة؛ مثل إصلاح سياسة التعليم، والشروع في تحقيقات لمكافحة الفساد، وضمان مساءلة قطاع الأمن، وحماية حقوق الإنسان، وإصلاح الإجراءات البرلمانيَّة، وصياغة دساتير جديدة، والتوصّل إلى اتِّفاقات سلام، وإصدار تشريعات تتعلَّق بحقوق المرأة، ووضع ضوابط وموازين بيئيَّة. ولتحقيق هذه النتائج، قمنَ غالباً بإنشاء تحالفات داخل الأحزاب أو عبرها.

 

“لديكِ آراء قيِّمة. لديك شبكات قيِّمة. دعيهم يحترمون ذلك”.

الموارد اللازمة لبناء القدرات

في حين أنَّ بعض الأشخاص الذين تمَّت مقابلتهم كانوا قادرين على الاستفادة من الإدارة العامَّة أو غيرها من الدورات ذات الصلة التي تقدِّمها حكومتهم، أو مؤسَّسات أكاديميَّة أو منظَّمات المجتمع المدني في بلدانهم، قال معظمهم إنَّ الوصول إلى موارد أفضل وأكثر فعاليَّة في بناء القدرات والأدوات الإداريَّة، كان من شأنه أن يساعدهم على تحقيق إنجازات وأهداف أكثر أثناء عملهم في الحكومة. وقال بعض المشاركين إنه كان بإمكانهم الاستفادة من أدوات تطوير المهارات التالية:

  • إنشاء قاعدة سياسيَّة.
  • بناء التحالفات.
  • فهم هياكل السلطة.
  • إيجاد فرصة في الأزمات.
  • التواصل والمراسلة.
  • فهم الماليَّة العامَّة.
  • إدارة عمليَّات الشراء.
  • إدارة التغيير.
  • ضمان المساءلة.
  • بناء الفِرَق.
  • تطوير الشبكات.
  • تيسير المشاورات.
  • قيادة العمليَّات التعاونيَّة.
  • إجراء تقييمات للقدرات المؤسَّسيَّة.
  • جمع الأموال.
  • صياغة تشريعات جديدة والترويج لها.

 

ترك الحكومة

وكما ذُكِر سابقا، يشدِّد العديدُ من المشاركين، على أهمّيّة استيعاب حقيقة أنَّ الخدمة في الحكومة يفضَّل أن تكون لفترةٍ مؤقّتة ومحدودة، ولذلك ينبغي العودة إلى المجتمع المدني في مرحلةٍ ما. وقالوا إنَّه من الضروري أن يدرك كل شخص بنفسه الوقت المناسب للانتقال مرَّة أخرى إلى المجتمع المدني؛ وهو يحين بالنسبة للشخص الذي يشغل منصباً حكوميّاً عامّا، عندما يشعر بأن قيمه لا تتَّفق مع قيم الإدارة التي يخدم فيها. أمّا فيما يخصّ الشخص الذي يشغل منصباً منتخباً، فيحين وقته المناسب لترك الحكومة، عندما يبدأ الاعتقاد بأنَّه لن يتمكَّن من النهوض بأجندته دون أن يقدِّم الكثير من التنازلات المهمَّة.

وأشار أحد المشاركين في الاستطلاع، وكان يشغل منصباً وزاريّاً، إلى أهمّيَّة وجود استراتيجيَّة للمغادرة تحمي سلامة المرء ونزاهة وسمعة المنصب الذي شغله. وقال إنَّه يعلم أنَّ تمسّكه الدؤوب بالشفافيَّة الماليَّة في منصبه قد أثار غضب زملائه الذين اعتادوا على الاستفادة من امتيازات مناصبهم لمصلحتهم الشخصيَّة. وأعرب عن تخوّفه من أنَّ يلجأ بعض الزملاء، بعد أن ترك منصبه، إلى تشويه سمعته للتقليل من التوقّعات التي حاول أن يزرعها بين المواطنين بأن تكون الحكومة شفَّافة وخاضعة للمساءلة. ولذلك، كلَّف بإجراء مراجعة مفصَّلة للسجلّات الماليَّة الخاصَّة بمكتبه قبل أن يترك منصبه، واتَّخذ خطوات أخرى من شأنها أن تسمح له بإثبات أنه لم يستخدم منصبه على نحوٍ فاسد أثناء توليه لمنصب. وعندما اُتُّهِمَ بالفعل بالفساد بعد أن ترك منصبه، تمكَّن من تقديم أدلَّة على جهوده؛ لكي يكون شفافاً ماليّاً، وأن يحاسب على الموارد التي كان مسؤولاً عنها كوزير.

 

قياس النجاح

جاء هؤلاء الذين شاركوا في الاستطلاع من مجموعةٍ واسعة ومتنوِّعة من الخلفيَّات، ولعبوا أدوارا مختلفة في الحكومة، لذلك كان من الطبيعي أن يقيسوا النجاح في سياقاتهم الخاصَّة بشكلٍ مختلف؛ فالنجاح لا يعني دائما “الفوز” لمن شملهم الاستطلاع، فقد رأوا أن نجاحهم استند إلى مزيجٍ من التجارب السياسيَّة أو التقنيَّة أو الاجتماعيَّة المعقَّدة التي شكَّلت الطريقة التي توصَّلوا بها إلى اتِّفاقات وإلى تعزيز أهدافهم. ومع ذلك، ظهرت القواسم المشتركة التالية:

  • انتصارات صغيرة يمكن أن تكون قيِّمة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون لتعديل ميزانيَّة تشغيليَّة للاستجابة لاحتياجات فريق جديد أو إصلاح إجراء داخلي لتخفيف الأعباء الإداريَّة أثر كبير. وتبيِّن الانتصارات الصغيرة أنَّ التغيير يمكن تحقيقه ويمكن أن يعالج العقبات التي تقف في طريق تحقيق أهداف أكثر أهمّيَّة.
  • بناء التأثير أمر بالغ الأهمّيَّة. كان الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات يتمتَّعون، في بعض الأحيان، بالشرعيَّة والنفوذ الفوريِّين بوصفهم وافدين جدد في الحكومة. ومع ذلك، شعر معظمهم، أنَّ نفوذهم السياسي ازداد مع مرور الوقت مع تطوير علاقات أقوى داخل الحكومة. ووجد البعض أنَّهُ كلما كانوا ناجحين وموثوقا بهم في تحقيق الإصلاح، وكلما كانوا أكثر حرصاً على تقاسم الائتمان، كلما اكتسبوا نفوذاً بسرعة أكبر.
  • الهدف هو تحقيق الإصلاح الديمقراطي. وفي جميع الحالات، أقرَّ المشاركون في الاستطلاع بأنَّ النجاح يتمُّ تحديده في نهاية المطاف من خلال قدرة المرء على تحقيق إصلاح ديمقراطي سليم وهادف ودائم. وفي بعض الحالات، كانت الإصلاحات شاملة، بينما كانت الإصلاحات تدريجيَّة في حالات أخرى. وقد أشار العديد منهم إلى أنَّ بعض أعظم إنجازاتهم وأطولها أمداً في الحكومة، ينطوي على تحسين العمليَّات وإرساء المساءلة.

 

الاستنتاجات

إنَّ تحدّيات الحكم لا تعدُّ ولا تُحصى. ولا تحاول هذه الدراسة الاستقصائيَّة تقديم تحليل شامل أو مشورة للتغلُّب على هذه التحدّيات، لكنّها تسلِّط الضوء على بعض التحدِّيات والنجاحات الأكثر شيوعا في تجارب أشخاص خاضوا تجربة العبور من المجتمع المدني إلى العمل الحكومي.

ورأى معظم المشاركين في الاستطلاع، أنَّ الانتقال من المجتمع المدني إلى الحكومة في أعقاب التحوُّلات السياسيَّة، يمكن أن يُسهِمَ في دفعِ عجلة الإصلاح الديمقراطي. ولفتوا إلى أنَّ تجارب الانتقال تعتمد إلى حدٍّ كبير على ظروف كل عمليَّة انتقال سياسي، وعلى المكتب الذي يعمل فيه الشخص. وقد تمكَّن بعضهم من العمل كجسر بين المجتمع المدني والحكومة، في حين تمكَّن بعضهم الآخر، من حشد الدعم من مختلف القطاعات لدفع الإصلاحات قدما. وفي حين أشاروا إلى النجاحات، الصغيرة والكبيرة على حدٍّ سواء، إلا أنَّهم ركَّزوا أيضاً على الاستراتيجيّات التي استخدموها للتغلُّب على التحدِّيات التي مرُّوا بها أثناء وجودهم في الحكومة.

ووجد البعض صعوبة في الحفاظ على علاقاتٍ مع المجتمع المدني، أو إقامة شراكات مع الزملاء الحكوميِّين، فيما كافح آخرون لبناء فرقٍ تسمح لهم بالمضي قدماً في جداول أعمالهم. وتكتسب إقامة علاقات عبر جميع القطاعات أهمّيَّة خاصَّة بالنسبة لأولئك الذين عبروا من المجتمع المدني إلى العمل لصالح الحكومة، كما أكّدت النساء المشاركات على أن العلاقات والائتلافات ساعدتهن في التغلُّب على نقص الدعم داخل أحزابهن أو إداراتهن، وعلقت معظمهن على التحدِّيات التي تنشأ بسبب نوع جنسهن، بما في ذلك العمل بجهدٍ أكبر مرَّتين أو ثلاث مرّات من زملائهن الذكور.

 

رأى معظم المشاركين في الاستطلاع، أنَّ الانتقال من المجتمع المدني إلى الحكومة في أعقاب التحوُّلات السياسيَّة، يمكن أن يُسهِمَ في دفعِ عجلة الإصلاح الديمقراطي.

واعترف الكثيرون بحالات شعروا فيها بأنَّ عليهم تقديم تنازلات عن أولويّاتهم، وبدرجةٍ أقل لجداول أعمالهم في الأجل القصير. ومع ذلك، لم يشعر أي شخص من المشاركين في الاستطلاع بأنَّ عليهم تقديم تنازلات تمسّ قيمهم ومبادئهم. وفي بعض الأحيان، فإنَّ المساس بأولوياتهم على المدى القصير يسمح لهم بتأمين المزيد من الدعم لجداول أعمالهم على المدى الطويل. وفي بعض الأحيان، أدَّى تقديم تنازلات على أولويّاتهم إلى إبطاء تحقيق أهدافها الإصلاحيَّة. ولذلك، شدَّد المشاركون   على ضرورة التحلِّي بالصبر والمثابرة نظرا لبطء وتيرة الإصلاح.

ويستفيد الأفراد المهتمّون بالعبور من التعرُّف على تجارب أولئك الذين سبقوهم، وخاَّصة من سياقات مماثلة لسياقاتهم. وفي حين أنَّ هناك نقصاً في الموارد اللازمة لدعم الأفراد الذين يعبرون من المجتمع المدني إلى الحكومة، فإنَّ الدروس المستفادة من الآخرين يمكن أن تساعد كثيرا. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للمنظَّمات متعدِّدة الأطراف والدوليَّة التي تعزِّز الديمقراطيَّة أن تنظر في سبل دعم أفراد هذه الفئة؛ من خلال تزويدهم بالأدوات، ومساعدتهم على وضع استراتيجيَّات للنهوض بالإصلاح الديمقراطي.

 

نبذة عن الحركة العالميَّة

الحركة العالميَّة من أجل الديمقراطيَّة؛ هي شبكة عالميَّة من نشطاء المجتمع المدني، والعلماء، والبرلمانيِّين، وقادة الفكر، والصحفيِّين، والمموّلين الملتزمين بالنهوض بالديمقراطيَّة.

ومنذ عام 1999، ساهمت الحركة بإقامة إقامة الشبكات بين مؤيِّدي الديمقراطيَّة، وعقدت مناقشات وحلقات عمل بشأن الديمقراطيَّة في مناطق مختلفة من العالم، وهي تعمل بنشاط وجدّ على تمكين الحركات الديمقراطيَّة من المشاركة في التضامن عبر الإقليم، وكذلك تبادل المعرفة والدعم والاستراتيجيَّات مع بعضها البعض.

ترحِّب الحركة العالميَّة من أجل الديمقراطيَّة بجميع أولئك الذين يساهمون في التواصل مع أقرانهم الذين يواجهون تحدِّيات مماثلة ويستفيدون منه أثناء العمل على النهوض بالديمقراطيَّة، كما ترحِّب بجميع الشبكات والمجموعات والأفراد الذين يشاركونها المبادئ والقيم في بيانها التأسيسي للانضمام إلى الحركة العالمية من أجل الديمقراطيَّة كمشاركين.

الصندوق الوطني للديمقراطية في واشنطن العاصمة بمثابة أمانة الحركة العالميَّة من أجل الديمقراطية.

___________

[1] تمَّ إجراء هذه الدراسة الاستقصائية دون الكشف عن هويَّة عيِّنة الدراسة.

[2]مثّل الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات دول؛ الأرجنتين، وشيلي، وجورجيا، وكينيا، وليبيريا، وماليزيا، والمكسيك، ونيجيريا، والفلبين، وجنوب أفريقيا، وتايوان، وتونس، وأوكرانيا.

[3]كما تمَّ إثراء هذه الورقة من خلال مناقشات مجموعات التركيز التي جرت في عام 2018، قبل إجراء المسح.

__________
*المصدر: الحركة العالميَّة من أجل الديمقراطيَّة
آذار/ مارس 2020. 

جديدنا