في الإنصاف المدرسي.. نحو صياغة جديدة لمفهوم العدالة التربوية

image_pdf

تمهيد:

لا نظنُّ أحدا يجادل اليوم في أنَّ التربية تضطلع بالدور المركزي في صنع الإنسان وبناء المجتمع ، بل صار في عداد البديهي أنَّ قيمة الإنسان هي حصاد معارفه وأنّ حضارة المجتمع هي المحصِّلة الجامعة لمعارف أبنائه التي وهبتها إيّاهم التربية. ولقد صدقت هذه الرؤية على الشعب التونسي صدقا لا مراء فيه لأنَّه شعب آمن بالتربية وراهن عليها منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتّى اليوم، إذ أدرك أنَّ إشكاليّة التخلُّف لا تعالج إلا بتحقيق مطلب أساسي هو مطلب العلم، وأنّ أفضل سبيل إلى الارتقاء الاجتماعي هو المدرسة وأنَّ التعليم يهمُّ جميع شرائح المجتمع من دون استثناء وأنَّ التنمية الاقتصاديّة مهما كان المنوال المتَّبع فيها لا تستقيم إلّا بالتعليم وبالنخب التي تخرِّجها المدرسة، لذلك لم يتأخَّر بلد واحد عن الاستثمار في التعليم بالتمويل فيه ورعايته والحرص على المواءمة بين مخرجات المدرسة ودرجة التقدُّم الاقتصادي.

انطلاقا من هذا المعطى الحيوي ومنذ تحقيق الاستقلال سنة 1956 بادرت النخبة التونسية بقيادة الأستاذ محمود المسعدي إلى وضعٍ قانون تربوي تونسي في الرابع من نوفمبر من سنة 1958 جعل من أهمّ أهدافه تعميم التعليم وتخريج النُخَب التي ستتولَّى قيادة الشعب التونسي في بداية عهده بالحرِّية واعتماد القوى الذاتية لتحقيق التقدُّم.

يقول الفصل الثاني من قانون 1958 ” إنَّ أبواب التربية والتعليم مفتوحة في وجوه جميع الأطفال ابتداء من سنّ السادسة ” ويقول الفصل الثالث من نفس القانون ” أنَّ التعليم مجانيّ في جميع درجاته والغرض من مجانيّته تمكين جميع الأطفال من تكافؤ الفرص أمام التربية والتعليم ” (1)

وإلى ذلك ذهبت التشريعات التربوية الموالية وزادت عليها فنصَّت على مجانيّة التعليم وعلى تكافؤ الفرص بل وعلى مبدأ الإجبارية فيه من سنِّ السادسة إلى سنِّ السادسة عشرة.

يقول الفصل الرابع من قانون 1991 “تضمن الدولة مجانا لكلِّ الذين هم في سنِّ الدراسة الحقّ في التكوين المدرسي وتوفِّر لجميع التلاميذ أكثر ما يمكن من الفرص المتكافئة للتمتُّع بذلك الحقّ…”

ويقول في فصله السابع ” التعليم الأساسي إجباريّ من سنّ السادسة إلى سنّ السادسة عشرة بالنسبة إلى كلّ تلميذ ما دام قادرا على مواصلة تعلّمه بصفة طبيعيّة حسب التراتيب الجاري بها العمل “(ص79)

وأمّا قانون 2002 فيقول في فصله الأوّل ” التربية أولوية مطلقة والتعليم إجباريّ من سنّ السادسة إلى سنّ السادسة عشرة وهو حقّ أساسي مضمون لكلّ التونسيين لا تمييز فيه على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الدين وهو واجب يشترك في الاضطلاع به الأفراد والمجموعة “(ص18) أو ليست هذه هي المساواة الحقّ في الحظوظ بين الأطفال في سنّ الدراسة؟ أليس مبدأ تكافؤ الفرص هو جوهر العدالة التربوية؟ أم الذي يُعاب على هذه التشريعات شيء آخر؟

منشأ الخيبة: تقلُّص المعنى وغياب الإنصاف

لئن لم تحقِّق  مدرسة المسعدي  بعد عشر سنوات من انطلاقها في الرابع من نوفمبر من سنة  1958 وإلى غاية سنة 1968 أكثر من 68 بالمئة كنسبة وطنيّة للتمدرس لأطفال بلغوا الست سنوات وحتى الثماني سنوات (2) ولئن كانت تقويماتها عديدة وشديدة  بحيث لم يكن يدرك مستوى الباكلوريا من بين مائة طفل يلتحقون بالمدرسة سوى أربعة منهم ــ لخضوعهم لعدّة  امتحانات انتقائية كمناظرة الدخول إلى التعليم الثانوي  فجزء أوّل من امتحان الباكلوريا فجزء ثان من امتحان الباكلوريا ــ رغم هذا الانتقاء الشديد (انظر إحصائيات الدكتور المنجي بوسنينة الخاصة بالتمدرس وبنتائج الباكلوريا لسنة 1976 ) فإنها استجابت  نسبيا لمطامح الشعب التونسي ــ وهو الذي ضحّى من أجل الاستقلال بأنفس ما لديهــ  وجعلت من التعليم أفضل سبيل للارتقاء الاجتماعي وتحسين ظروف العيش وأهمّ شروط الحياة الكريمة للكثيرين واتّسعت به فسحة الأمل وعقدت الأسرة التونسية مستقبل أبنائها بهذه المؤسسة الجديدة. كان المعنى المدرسي المحفّز على متابعة التعلّم ظاهرا في أوّل فصول القانون المنظم لهذه المدرسة إذ يقول البند الرابع منه أنَّ من أهداف التربية والتعليم.

تكوين الإطارات الصّالحة الكفيلة بنموّ النشاط القومي على مختلف وجوهه وفي جميع الميادين “

إلا أنَّ هذا المعنى بدأ يضعف ويتلاشى في القانونين التربويين اللاحقين إذ أصبح هذا البند نفسه مصوغا صياغة لا تخلو من منزع نحو الاستقالة من هذه المهمة الوطنيّة إذ ينصّ البند الثاني عشر من الفصل الأوّل من قانون 29 جويلية 1991 فيما يخصّ علاقة التكوين المدرسي بالتشغيل على مجرّد

” تنزيل العمليّة التربوية في مسيرة البلاد العامّة بما تقتضيه من كفاءات ومهارات قادرة على الإيفاء بما تستوجبه التنمية الشاملة

ليصبح هذا البند نفسه مصوغا صياغة جديدة في قانون 23 جويلية 2002 تقول في الفصل العاشر منه باستقالة أكبر.

تسعى المدرسة في إطار وظيفتها التأهيلية إلى تنمية كفايات ومهارات لدى خرّيجيها وإقدارهم على مواكبة متغيّرات الحياة المهنيّة ” ويزيد المشرّع توضيحا في مقدّمة القانون فيقول ” وإذ لم تعد المدرسة تضطلع اليوم بوظيفة الإعداد لمهنة مخصوصة فإنّ تنمية الكفايات والمهارات تمثّل أرضية عليها تبني في ما بعد مؤسسات التكوين المهني والتعليم العالي التخصص المنشود “( ص7)

هذه هي صورة الإعلان المتدرّج لتخلّي المدرسة عن العقد الأدبي الذي التزمت به في 1958 وهذه هي بداية الإجراءات العملية التي ستفرغ التعليم من المعنى الذي كان له. فما أساس النظرة التي كانت تسوس كلاّ من قانون 1991 وقانون 2002.

إنَّ المدرسة التي صار يؤمّها اللفيف الواسع من الأطفال قد خيَّبت آمال الكثيرين منهم وخاصَّة في الجهات الداخلية من البلاد وفي المناطق الريفية بصفةٍ أخصّ، إذ لم تسهم المدرسة في التقليص من الفوارق الاجتماعية، إن لم نقل إنها قد زادته تدهورا وأصبحت مجالا للمنافسات الاجتماعية. الأمر الذي أدّى إلى تفاقم البطالة في صفوف الشباب سواء من الذين غادروا المدرسة مبكّرا أو الذين أتمّوا دراستهم العليا بنجاح (3) (انظر إحصائيات الحبيب التهامي) ورغم هذه الخيبة فإنّ المدرسة ظلّت في وجدان الشعب التونسي بأسره الجسر الضروري الذي لا بدّ من عبوره نحو بناء الشخصية ودعم عناصر الانتماء الوطني وصياغة الهوية والقضاء على البطالة، لأنّها المؤسَّسة الأولى التي تحظى بالصدقية ويطمئنّ إليها الجميع ويستعدُّون للتضحية في سبيل إنجاحها ويتفهَّمون الصعوبات التي قد تعترضها، ولكنّهم لم يعودوا يقبلون بالحيف الذي يجري فيها على حسابهم، لأنّ مبدأ تكافؤ الفرص وإن كان مبدأ مطلوبا لذاته ولا يخلو من معنى المساواة فإنّه محتاج ليكون مبدأ عادلا إلى مبدأ أساسي وحيوي للغاية هو مبدأ الإنصاف فما المقصود بالإنصاف؟

الإنصاف لغة كما جاء في لسان العرب هو إعطاء الحقّ وقد انتصف منه وأنصف الرجل صاحبه إنصافا أن يعطيه من نفسه النصف أي يعطيه من الحقّ كالذي يستحقّ لنفسه ــ أن تنصف إنسانا أن تعطيه حقّه أي أن يكون له من الحقّ ما عند غيره من هذا الحقّ

وفي (ليتري Littré ) EQUITE = disposition à faire à chacun part égale à reconnaitre impartialement le droit de chacun c’est la justice naturelle par opposition à la justice légale

ويقول جون رولس في كتابه ” العدالة إنصافا “أو ” العدالة كإنصاف ” أنَّ قيمة الإنصاف يجب أن تُفهم في ضوء ثلاثة مبادئ مرتبطة ببعضها وثيق الارتباط هي:

+ ضمان الحرّيات الأساسية للجميع الأمر الذي يقتضي أن يكون لكلّ فرد نفس الحقوق ونفس الواجبات الأساسية.

+ تكافؤ الفرص ويعني ذلك أنَّ الاستحقاقية وحدها هي التي ينبغي أن تُعتمد لتمييز الأفراد بعضهم من البعض بحسب إمكانيّاتهم في التمتع بالفرص التي يتيحها المجتمع.

+ أشكال اللّامساواة التي ينبغي الأخذ بها وحدها هي تلك التي تسند الأقلّ حظّا في المجتمع (4).

«  John Rawls (La justice comme équité)   L’équité  doit  se comprendre en fonction de trois principes intimement liés :

 + une garantie des libertés fondamentales pour tous ce qui implique que chacun aura les mêmes droits et devoirs de base

+ l’égalité des chances c’est-à-dire que seul le mérite devrait distinguer les individus dans leurs possibilités de jouir des occasions offertes par une société

+  les seules inégalités qui devraient être maintenues sont celles qui avantagent les plus défavorisés d’une société

ويعلّق إيريك كاريست Eric Charest الأستاذ الكندي بمدرسة الإدارة على ذلك فيقول ” إنَّ المبدأ الأوّل يحيل إلى مفهوم المساواة الشكلية بينما يشير المبدأ الثالث إلى تحسين مصير الأشخاص الذين يحتاجون أكثر من غيرهم إلى المساواة

Le premier principe renvoie au concept d’égalité formelle alors que le troisième vise l’amélioration du sort de ceux qui en ont le plus besoin

(voir LE DICTIONNAIRE ENCYCLOPEDIQUE DE L ADMINISTRATION PUBLIQUE )

ويزيد فيقول:” الإنصاف ليس المساواة، الإنصاف هو طريقة في الوصول إلى المساواة عندما تكون ظروف الأشخاص مختلفة. الإنصاف هو الاهتمام بتنظيم المجتمع وفق مبادئ تدخل في الاعتبار أشكال اللامساواة بين أعضائه. الإنصاف يسمح بالحدّ من أشكال التفاوت الاجتماعيّ أو بإصلاحها

L’équité n’est pas l’égalité ; L’équité est une manière d’arriver à l’égalité quand les circonstances des personnes sont différentes.L’équité c’est le souci d’organiser la société selon des principes qui tiennent compte des inégalités entre ses membres.L’équité permet donc de limiter ou de corriger les inégalités sociales.

وفي الاصطلاح المدرسي:

الإنصاف: أن تعطي أكثر لمن له أقلّ donner plus à celui qui a moins (MEIRIEU) أي البحث عن السمة العادلة في بعض مظاهر اللامساواة بهذا المعنى يتجاوز الإنصاف مفهوم المساواة ومفهوم تكافؤ الفرص. الإنصاف المدرسي يعترف بالاختلافات وبالفوارق دون أن يعتبر ذلك لا مساواة لأنّ مظاهر اللامساواة ليست دائما ظالمة؟ (5)

ــ أنَّ حصر القانون المدرسي في جانبه الشكلي والعامّ الذي يحرص عليه رجل السياسة وهو المساواة بين الأطفال في سنِّ الدراسة وضمان الدراسة لجميعهم إلى سنّ السادسة عشرة لا يكفي لتحقيق العدالة والمساواة، لأنّ الجميع يعلم أنَّ القانون أيّ قانون ــ وإن كانت المجتمعات تحتاج إليه لتنظيم العلاقات بين أفراده ولا تستطيع أن تتجاوزه وإلا اختلّ نظام الحياة ــ فإنّه يظلّ إجراء عامّا وناقصا وغير شامل لذلك يحتاج إلى تدابير تصحّحه وتكمّله ومنذ أرسطو وأهل القانون يقولون إنّه :” لا يمكن أن ننظّم كلّ شيء بالقانون بل أنَّ الإنصاف يعلو على القانون بحكم اختلاف الأوضاع البشرية وتنوّع أنظمة الحياة والثقافات وبحكم الطوارئ التي تطرأ ولم يكن القانون يتوقّعها فالإنصاف ضرب من العدالة أرقى من المساواة القانونية بل الإنصاف ضروري ليكون القانون عادلا بحق.” مبدأ تكافؤ الفرص هو مبدأ في المساواة في المنطلق يبطن مبدأ آخر هو مبدأ التنافس والتسابق من أجل تفوّق الواحد على الآخر بينما الإنصاف هو فوق المساواة وأرقى هو التنازل للآخر عن بعض الحقّ من أجل المساواة الحق ـ باختصار مبدأ تكافؤ الفرص هو صنو للاستئثار بينما الإنصاف هو عديل الإيثار 

ورجل السياسة الذي يستند إلى القانون في تسيير شؤون الناس يعرف جيّدا الفرق بين تكافؤ الفرص والإنصاف ولكنّه لا يستطيع أن يقول هذا بصوت مرتفع يريد أن يعتمد صيغة مبدأ تكافؤ الفرص، لأنه يسمح له باعتماد المنافسة قانونا يحمّل به المسؤولية كاملة للفرد في الحياة ولا يعترف فيه بالمكتسبات القبلية التي يدخل بها كلّ فرد إلى حلبة المنافسة.

فما هي فلسفة كلّ من قانون 1991 وقانون 2002 في ضوء هذه التعاريف للإنصاف؟ أساس هذه الفلسفة التقريظ والتمجيد الصريح للنخبوية في 1991 وجمهرة المدرسة والإنصاف الزائف في 2002.

في تقريظ النخبويّة Eloge de l’élitisme

يعتقد الأستاذ محمّد الشرفي اعتقادا جازما في أنَّ “الأمم بنخبها أو لا تكون” كان يردّد هذا في اللجان القطاعيّة لبناء البرامج منذ سنة 1989 وأكّد هذه الأطروحة فيما أورده في كتابيه ” الإسلام والحرّية ” و” نضالي في سبيل التنوير”.

يقول في كتابه ” الإسلام والحرّية ” وقد ضمّنه أطروحته التي تمثّل خلفيّة لقانون 1991 ” بعد مرحلة التعليم الإجباري لا نظنّ الصواب في انتقال أغلب الشباب التلميذي إلى المعاهد الثانوية ثمّ إلى الباكلوريا فما لم يكن في قدرة المجموعة الوطنية ما يكفي من الإمكانيات المالية والوسائل التأطيرية الضرورية لضمان دراسة جيّدة للجميع نكون قد جازفنا بالمدرسة ولوضحّينا بالجودة لصالح البعد الكميّ يكون اختيارنا السياسي التربوي أخطر على المجتمع.  أنَّ هذا الاختيار لو حصل سيؤدّي حتما إلى قفزة كمّية في التعليم العالي وهو الذي يشكو نقصا فادحا في الإطارات الكفؤة والمختصّة ويفتقر إلى المعدّات التقنية والمخابر الصالحة والعصرية وسيفضي جميع هذا إلى تخريج شباب حامل لشهادات عليا، ولكنّه يفتقر إلى الكفاءة الضرورية وإلى الثقافة العامّة، والحال أنّه يفترض أن تكون هذه الشهادات مترجمة للكفاءة أحسن ترجمة ومؤكّدة لمكتسبات من المعارف جيدة وغنيّة. هذا الاختيار لو حصل سينعكس سلبا على مستوى التعليم بالمرحلة الثانوية وعلى التعليم العالي من بعد وهكذا تتتابع حلقات السلسلة. أنَّ تكوين النخبة هدف أساسي للتعليم، لأنّ شعبا من دون نخبة هو شعب بلا قيادة وشعب بلا قيادة هو شعب بلا مستقبل. ونعني بالنخبة جملة المفكّرين في الإنسانيات والعلوم الدقيقة والمبدعين وأصحاب التصوّرات الناجعة (ص241). أنَّ لتوزيع الشهادات من دون استحقاق انعكاسات سيّئة على الفرد وعلى المجتمع:

انعكاسات سيّئة على الفرد لأنّ شهادته توهمه بأنّه كفؤ وهو خلو من الكفاءة وعندما يعود إليه إحساسه بهشاشة تكوينه سيتضاعف ألمه بسبب الوهم الذي كان غارقا فيه سيتألّم أكثر من ذلك الفلّاح الجاهل الذي لم يحلم يوما بأحلام غير قابلة للتحقيق.

وانعكاسات سيّئة على المجتمع لأنّه سيواجه شبابا مكبوتا موتورا صعب الاندماج في المجموعة فهو غاضب على الدوام لا همّ له سوى إرباك الاستقرار وتعطيل مسيرة المجتمع نحو التقدّم ” (6)

هذا رأي الأستاذ محمّد الشرفي  في إصلاح المدرسة وقد اتَّخذ لوضع هذا الرأي حيِّز التطبيق جملة من الإجراءات الانتقائية لعلّ أقساها جعل الامتحان النهائي في السنة التاسعة من التعليم الأساسي مناظرة لا بدّ من اجتيازها للالتحاق بالتعليم الثانوي مع حذف غير مبرَّر تبريرا قويّا لشعب التعليم المهني والشعب التقنية القصيرة، الأمر الذي سيؤدِّي بالآلاف من الشباب المغادر للمدارس الإعدادية إلى الشارع وتنغلق آنذاك الحلقة الخبيثة والمتمثِّلة في التهميش الأصلي، فالانقطاع عن الدراسة، فالتهميش ثانية على حساب الجهات الداخلية والأحياء الفقيرة في أحزمة المدن الكبرى.

الحقُّ أنَّ هذا الرأي يحملنا على إبداء جملة من الملاحظات بعد أن اتَّخذنا مسافة زمنيَّة من هذا القانون واستتباعاته التي لا تخلو من خطورة وهي التالية:

ــ أوّلا: الشكّ في وجاهة هذا الاختيار التربوي ونجاعته من جهة المسوِّغات التي اصطنعها لتطبيقه فقد دعا إلى اعتماد مقاربة في بناء البرامج والكتب المدرسية وتقويم أعمال التلاميذ وتبليغ المعارف دفعت بالتلميذ والمدرِّس نحو الارتقاء بالسقف المعرفي إلى أقصاه لإقصاء الغالب الأعمّ من التلاميذ فيخرجون بحظٍّ قليل من النضج وبقدرة ضعيفة على المقاومة والاستقرار والثبات، ويتيهون في ميادين الحياة العملية ويرتدُّون إلى الجهل أو يصبحون نهبا لكتابات ولوسائل إعلامية لا يميّزون فيها بين الخير والشرّ وتتّخِذ عقولهم صورة ما يقرؤونه ويطَّلعون عليه.

ــ ثانيا: الظلم الاجتماعي المترتِّب على الدفع بالسقف المعرفي إلى أقصاه بقطع النظر عن المنحدرات الاجتماعيَّة للتلاميذ والبيئات المختلفة التي تجري فيها الدروس فنحن مع تكافؤ الفرص في المنطلق المدرسي، ولكنَّنا لسنا مع الإنصاف التربوي في المسار التعليمي يؤكّد هذا ــ جعل الالتحاق بالتعليم الثانوي استحقاقا يتمُّ بواسطة مناظرة وطنيّة تنجز في مستوى السنة التاسعة من التعليم الأساسي في اتِّجاه تخريج النخبة.

ــ ثالثا: التسليم الوهمي بأنَّ المعارف التي يحصِّلها التلميذ في التعليم الأساسي كافية ليكون يوم يغادر المدرسة محصَّنا من الأدلجة المخيفة ومن عدم السقوط في الأمّية من جديد، وأنّ هذا  القدر  من المعرفة المكتسبة كافٍ لتأهيل التلميذ للاندماج في المجتمع كمواطن، علما وأنّه تبعا لهذا الاختيار قد وقع إلغاء التعليم المهني بدعوى تدنّي المستوى المعرفي فيه، وزعما بأنَّ المهن تطوَّرت ولم يعد المجتمع في حاجة إلى مخرجات الشعب المهنيّة، بما يعني أنَّ أبناء الفقراء والمعدمين لن تكون لهم المدرسة مصعدا اجتماعيّا ولن تكسبهم موقعا لا في مستوى النخبة ولا في مستوى جمهور العامَّة من الناس وهذه خيبة عظيمة ستدخل الشكّ في المدرسة، وسيُعتبر تخلِّيها عن الشرائح الواسعة من التلاميذ بمثابة ” الخيانة ” لما عقد عليه الشعب آماله.

ــ رابعا: أنَّ هذه النظرة للمدرسة نظرة انتقائية وغير منصفة؛ لأنّها لا تراعي التفاوت بين الجهات ولا الفوارق بين الطبقات الاجتماعية وهي في الحقّ امتداد لرؤية قانون 1958 للمدرسة غير المنصفة، أي أنَّ هذه الرؤية غير المنصفة ليست جديدة كلّ الجدّة فقد مارستها مدرسة 1958 بطريقتها الخاصَّة ــ  فلئن زعمت مدرسة المسعدي أنَّها مفتوحة للجميع، إلا أنَّ نسبة التمدرس ظلَّت ضعيفة في المناطق الداخلية والريفية منها، خاصَّة وظلَّت نسبة التحاق أبناء الطبقات المحدودة الدخل واحد إلى اثنين بالنسبة إلى أبناء الميسورين حسب إحصائيات الأستاذ المنجي بوسنينة (انظر المرجع المذكور) وظلَّت نتائج الباكلوريا متدنّية للغاية في الجهات الداخلية للبلاد وازدادت تدنّيا مع قانون 1991 وبخاصَّة مع قانون 2002 إذ انتقل عدد الجهات المتأخرة في نتائج الباكلوريا من 3 جهات سنة 1976 إلى 16 جهة سنة 2016 أي بعد 40 سنة من الخبرة التربوية، تدرك المدرسة التونسية هذه العتبة من الضعف والفشل وعدم الإنصاف كانت فقط زغوان وجندوبة وسيدي بوزيد فلحقت بها القصرين والكاف وسليانة وقفصة والقيروان وتطاوين وباجة وغيرها ممّا هو مرسوم في اللوحة البيانية في الهامش وهذا من المعايير المهمة التي يمكن أن نقيس بها درجة انعدام الإنصاف في منظمة تربوية معيَّنة ( انظر الخارطة).

ــ خامسا: هذه النظرة للتربية نظرة طبقية متعالية حقّا على الفقراء والمعدمين في المجتمع إذ القول بالمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بين التلاميذ لا تعني سوى وقوف جميع الأطفال على خط انطلاق واحد عند الالتحاق بمقاعد الدراسة وهو أمر محمود لا شكّ، لكنّه يفقد كلّ معناه من دون  تسطير واضح لقيمة عزيزة جدّا ألا وهي الإنصاف الذي يعني كما قلنا ” أن تعطي أكثر لمن له أقلّ “  وإلا استحالت المدرسة مؤسسة لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية بل لمزيد استفحالها وهي التي أراد لها الشعب التونسيّ بأسره أن تكون السبيل الأمثل للارتقاء الاجتماعي ـ أنَّ القول بالاستحقاقية وإن كان شعارا يتجلبب بالموضوعية إلا أنّه في الحقّ قاعدة صارمة لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية وبقسوة أيضا وهي قاعدة عمل لا تراعي البتّة الفوارق عند الانطلاق لا بين الجهات ولا بين المؤسسات ولا بين المؤهلات القبلية ولا الفوارق في حاصل الذكاء بين المتعلّمين والعناصر المتدخّلة فيه، وهو اختيار مجتمعي ليس لوزارة التربية وحدها الحقّ في تسطيره، بل لا بدّ للمعنيين به من الموافقة عليه.

ــ هذا الاختيار التربوي اختيار ينسجم كلّ الانسجام مع معطيات السياق الدولي لهذا ” الإصلاح التربوي” الذي يقول بالمنافسة المطلقة وبقانون البقاء للأصلح، ويتطابق تطابقا تامّا مع الطرح الدولي لمسألة التربية ، فلئن كانت منظمة اليونسكو هي المرجع الدولي  في المسائل التربوية  إلى عهد قريب ومن بين إجراءاتها الموحدة إجبارية التعليم إلى سن السادسة عشرة وقد وقع العمل به في 1991 فقد عوّضتها المؤسَّسات المالية الدولية، وفي موضوع التربية تحديدا مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظَّمة التجارة العالمية التي ينزع جميعها نزوعا صريحا نحو التقليص أكثر ما يمكن من مسؤوليات الدولة إزاء الشباب وإزاء المدرسة العمومية (7)

ــ هذا تطابق جليّ مع دعوة المنظمات المالية الدولية إلى التخلِّي عن الدولة الكافلة في مرحلتي التعليم الثانوي والعالي واكتفائها بالإنفاق على التعليم الابتدائي وحده (8)لأنّ أزمة المدرسة في نظر هذه المنظمات أزمة كونيّة كما ورد ذلك في تقارير اليونسكو(أورد ذلك هيغينستن في الوثيقة التوجيهية الصادرة عن اليونسكو(9))، ولذلك ينبغي أن تأخذ الإصلاحات التربوية منحى كونيا أي معولما في الحقيقة وبخاصَّة بعد التاسع من نوفمبر من سنة 1989، فهذا اليوم يعتبر منعطفا تاريخيا عالميا ستكون له استتباعات على خارطة جميع البلدان وعلى الأبنية المجتمعيّة فيها وخاصّة على قيمة العمل وأصنافه ومدى الحاجة إليه هذا اليوم هو اليوم الذي سقط فيه جدار برلين فسقطت معه جدران المدرسة وانفتحت على السوق الرأسمالية بقوانينها المجحفة التي لا تقول إلا بالمنافسة وبالبقاء للأقوى والأقوى هو الأصلح وتأكّد هذا المنحى سنة 1995 عندما  انتهى  ملتقى سان فرانسيسكو في 1995 إلى أنَّ النظام الرأسمالي الدولي اليوم  لم يعد يحتاج  إلى أكثر من عشري المتخرّجين من المدارس لذلك على النخبة الدولية أن تجد حلّا لـ 80 بالمئة المتبقّين وارتضى الملتقى رأي  زبقنيو بريزنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر الذي يقول” إنّه ضروري توفير أكثر ما يمكن من وسائل الترفيه والتغذية لاحتواء هذه الجماهير الواسعة والمكبوتة في هذا الكوكب ” (10)  هذا هو التوجُّه الذي ستعرفه مدرسة الرأسمالية الشاملة وهو نفس التوجّه الذي سيجعل من ” المدرسة الديموقراطية ” أكذوبة؛ لأنّ النتائج ما فتئت تسفِّه المنظِّرين لهذه المدرسة، ولأنّ التعليم ارتبط بنظام اقتصادي لا يطلب إلا التكيّف مع حاجياته ولأنّه هو نفسه يخوض حربا اقتصادية عالميّة في القرن الحادي والعشرين فكيف والحال هذه لا تكون المدرسة ساحة ” لحرب أهلية ” بعبارة فيليب مريو الأسلحة فيها غير متكافئة بين مجتمع الجهات الداخلية ومجتمع الجهات الساحلية وبين التلاميذ ذوي المنحدرات الاجتماعية الفقيرة والتلاميذ ذوي المنحدرات الاجتماعية الميسورة؟ فكيف كان ردّ الفعل على المنزع النخبوي في قانون 1991؟

جمهرة المدرسة أو الإنصاف الزائف

أوّل الردود على المنزع النخبوي في قانون 1991 هو:

ــ إلغاء مناظرة السنة التاسعة  ثمّ ــ تخفيف البرامج كإجراء يراعي اللفيف الواسع من التلاميذ ولا يحصر التكوين في النخبة ــ فوضع ما يُسمّى بالوثائق المنهجية كإجراء تعليمي يوحِّد المقاربات بين المدرِّسين ويتيح تكوينا متقاربا لجميع التلاميذ وتوجَّت جميع هذه الإجراءات بقانون 23 جويلية 2002 الذي ينصُّ في الصفحة السابعة من القسم التمهيدي فيه وفي الفصل 20 منه خاصَّة ولأوّل مرّة على الإنصاف المدرسي فيقول: ” واجب المدرسة أن تؤمّن تعليما جيّدا للجميع وأن تحرص على أن يتّسم عملها بالجدوى والنجاعة والإنصاف بين المتعلّمين باحترام أنساقهم في اكتساب المعرفة وتوفير العلاج اللازم في الإبّان وضمان المرافقة الضرورية حتّى لا تبقى الإجباريّة أمرا شكليّا، وحتّى يصير الانقطاع عن الدراسة قبل نهاية التعليم الأساسي استثناء (الفصل 20 ص27).

ــ واعتمدت في تنفيذ برامج القانون الجديد مقولات المدرسة البنائية  بدلا من مقولات المدرسة السلوكية في قانون 1991  بجعل التلميذ في قلب العملية التربوية أو في قمّة المثلّث التعليمي المشهور بدلا من المدرّس في 1958 والمعرفة في 1991 فلئن كانت المقاربة بالأهداف مفيدة من حيث ثراء المحتويات التعليمية وموسوعيتها، فإنها لم تكن تراعي الفارق بين زمن التعليم وزمن التعلُّم وكان التلميذ فيها عنصرا سلبيّا تفتقر تعليماته إلى  التأليف والإدماج ومختلف الأبعاد المنهجية، لذلك ظُنّ آنذاك أنَّ الأولوية ينبغي أن تكون للبيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا المرافقة بدلا من بيداغوجيا المواجهة في معالجة الفوارق بين المتعلّمين وتحقيق الإنصاف في التكوين إنجاحا لمنزع جمهرة المدرسة، وأن تكون الأولوية أيضا للكفايات ( 11) والقدرات تنمَّى في التلميذ قبل المعرفة على أساس أنَّ المعارف صارت متاحة خارج المدرسة وهي تتطوَّر باستمرار، ولهذا أيضا صار يُطلب إلى المدرِّس أن يكون منشّطا ماهرا قبل أن يكون مكوِّنا عالما وأن يكون مدرِّسا محترفا؛ الاحترافية التي لا تعني ترويض المتعلِّمين على نمطٍ معيَّن من السلوك أو بسط السيطرة على التلاميذ لتلقينهم معرفة بعينها وإنّما التي تعني التدريب على كيفية التفكير في مواضيع الحياة باعتبارهم ذواتا إنسانية. الاحترافية التي تعني الاستنباط الدائم لأوضاع تعلّمية تسمح باكتشاف قدرات المتعلّمين ومهاراتهم ممّا لم يكن معروفا بعيدا عن كل تواصل رتيب مملّ. وكان في الظنّ أنَّ جميع هذا التوجّه هو ما يساعد على إعطاء معنى للتعلُّم أي القدرة على تحويل المعارف المدرسيّة إلى معارف عمليّة فيقف التلميذ بنفسه على جدواها (ص11) ولهذا كذلك تحوَّلت قيادة البرمجة من الجامعيين يسندهم المتفقِّدون في 1991 إلى المتفقدين يساعدهم بعض من الجامعيين في 2002.

ــ وتبعا لهذا أريد لمضامين التكوين أن تحلَّ في مرتبة ثانية وتقدَّم عليها طرائق التدريس، وهذا خلق جدلا كبيرا بين الجمهوريين والبيداغوجيين، تماما كما حصل في فرنسا مثلا وانتهى ببناء برامج هجينة تتصادم فيها إلى اليوم المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفايات تكوينا وتقويما (انظر سفر البرامج).

ــ وعلى غير ما أراده قانون 1991 تركّز منزع الاحتفاظ في المدرسة بأغلب التلاميذ حتّى مستوى الباكلوريا بينما كان قانون 1991 يخطّط للفظهم في الشارع وساعدهم على البقاء في المدرسة بحذف كل الامتحانات ذات الصبغة الانتقائية وبالتشريع لمنع الاستمرار نظرا لارتفاع كلفته وقلّة جدواه وبتنفيل جهد التلميذ في الباكلوريا بـ 25 بالمئة لقاء سعيه اليومي.

ــ وتمّت برمجة تقويمات تشخيصية منتظمة في السنتين الرابعة والثامنة من التعليم الأساسي من أجل التدارك والتعديل المبكّر في ضوء ما يحصل من تكوين فارقي، غير أنَّ شيئا من هذه الفارقية لم يحصل وتمّت جمهرة المدرسة من دون احترام ما نصّ عليه القانون ومن دون احترام الخطّة التنفيذية المتصلة به لا من قريب ولا من بعيد، بل مورس عكس ما وقع التنصيص عليه في القانون بمؤشّرين اثنين مهمّين في وقتين متباعدين واحد قبل ” الثورة ” وثان بعد ” الثورة هما:

ــ إجهاض برنامج المرافقة في 2005 وتقنين الدروس الخصوصية على نحو جديد في 2015

ــ المؤشّر الأوّل: إجهاض برنامج المرافقة قبل “الثورة “: سعت الهيئة البيداغوجية إلى تطبيق ما ورد في الخطة التنفيذية للتدارك في مستويي السابعة من التعليم الأساسي والأولى من التعليم الثانوي، وتتمثّل خطتها في إجراء تقويم تشخيصي لمكتسبات التلاميذ في المستويين المذكورين في المواد الأساسية من أجل اتخاذ تدابير بيداغوجية يتدارك بها التلاميذ ضعفهم الموروث من مرحلة التعليم الابتدائي أو ضعفهم المترتِّب على تغيير لغة التعلُّم في التعليم الثانوي، ومن هذه التدابير تأليف أقسام من التلاميذ حسب حاجيات كلّ منهم  فتنظم لهم دروس تدارك مجانية في بعض المواد لمددٍ محدودة وتضاف إلى بعضهم الآخر ساعات في برنامج مادَّة بعينها، وتنظِّم لآخرين دورات تكوينية في العطل القصيرة أو الطويلة وتأليف أقسام من التلاميذ بحسب معيار الحاجيات ـ يجرى إثر هذا التكوين الفارقي تقويم يقع التثبّت به من نجاعة التدارك ويستأنف في ضوئه التلاميذ دراستهم المعتادة. قدَّم هذا التصوّر إلى الوزارة وقبلته وبُنيت الاختبارات الخاصّة به وشرع في إنجاز التقويم في عدّة جهات ثمَّ أوقف العمل به يوم استحال الحديث إلى الإمكانيات المالية للدولة، فتوقّف العمل بهذا الاختيار ليتواصل الفشل المدرسي في هذين المستويين المفصليّين.

المؤشّر الثاني : تقنين الدروس الخصوصية بعد ” الثورة ” وهذا اختيار جاء ليُكرّس النخبوية التي كان نظّر لها الاستاذ محمد الشرفي وأنكرها ظاهريّا قانون 2002 ففي النصّ نحن مع الإنصاف وأمّا في الواقع فنحن مع مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المنافسة يمارس بشراسة في المدارس بإشراف من وزارة أردناها وزارة للتربية وأرادت لنفسها أن تكون وزارة للخدمات المدرسية تخضع المدرسة لقانون السوق بما فيه من تعاملات مالية ومنافسات قاتلة بين المعلّمين أنفسهم والمتعلّمين فيما بينهم، وهو اختيار يناقض ما جاء به القانون الذي كنّا بصدد الإشارة إليه في صدر هذا العمل، أوليس عجيبا أن تتولَّى وزارة التربية ضبط قائمة أسعار الدروس الخصوصية وعدد الأفرقة المرخّص فيها لكلّ مدرّس والتوقيتات الخاصّة بإنجاز هذه الدروس وطريقة اقتسام المداخيل والأرباح بين الأطراف المساهمة فيها والمنظّمة لها والجهة المالية التي ستراقب العملية لاقتطاع الضريبة على الدخل والعقوبات التي ستسلط على من يخالف التراتيب؟ هكذا تنظِّم وزارة التربية الانتصاب الفوضوي والاقتصاد الموازي في سوق تربوية ذهبت بكلّ العقود الأخلاقية، وضربت في الصميم ما ادّعته المدرسة لنفسها من عناية خاصة ومجّانية بالمتأخّرين من التلاميذ اعترافا منها باختلاف أنساق التعلّم، فأين الإنصاف في هذه الممارسة مع من لا يملك القدرة على دفع مبالغ لا قبل له بها، بل ماذا تعني برمجة دروس خصوصية منذ بداية السنة الدراسية وقبل الشروع في التكوين وإنجاز التقويمات المتَّصلة بالتكوين. ألم يتغيَّر هنا مفهوم الدعم والمرافقة ليصبح طريقة جديدة وغير مشروعة في الكسب فضلا عن أنها تقصي ضعاف الحال من فرص النجاح المتكافئة؟ أليست هذه المباراة بين التلاميذ مباراة مغشوشة حقّا منذ البدء بعبارة بريقلي وهي حرب أهلية غير معلنة بعبارة فيليب مريو.

إنّ الدروس الخصوصية عنوان لاختيار تربوي برمّته وهو توجُّه انتقائي غير منصف أثبت فشله في مستوى مخرجات المدرسة وعلى حساب الجهات الداخلية من البلاد وأبناء الفقراء يؤكّد ذلك نتائج الباكلوريا لسنتي 2016 و 2017 ( انظر الخارطة) ويؤكّده أيضا  انقسام الخارطة المدرسية شاقوليّا بحيث نجد من جهة مدارس ومعاهد منتشرة في مناطق وأحياء محظوظة تخرّج “الرابحين” من المنظومة التربوية، فتوجّههم إلى كلّيات الطب والصيدلة والمدارس العليا للهندسة والمحاسبة والتصرّف. ونجد من جهة أخرى مدارس ومعاهد منتشرة في جهات وفي أحياء أقلّ حظّا تخرّج ” الخاسرين ” في هذه المنظومة فتوجههم إلى الشعب القصيرة وإلى الأستاذيات التي لا تفضي إلى شغل مضمون، ناهيك أنَّ 90 بالمئة من هؤلاء الخرّيجين هم الذين يعانون من البطالة اليوم أكثر من غيرهم. وليس صدفة أن نجد الجهات نفسها التي تحتلّ المراتب الأولى كلّ سنة والجهات نفسها التي تحتلّ المراتب المتأخرة في امتحان البكالوريا وفي غيرها من الامتحانات أو المناظرات هذه نتائج قد نجد فيها جوابا عن سبب إقدام بعض التلاميذ إحراق بعض المحلّات من مؤسّساتهم التربوية أو تعمّد تخريبها، فلئن كنّا لا ننفي إمكانية التغرير ببعض شبابنا في هذه الأعمال الإجرامية فإنّ لليأس والإحباط دورا في ذلك. وللدولة مسؤولية عظمى في عدم إنصاف تلاميذ الجهات الداخلية بتمكينهم من أدوات التدارك كي يلتحقوا بمستوى التلاميذ في الجهات الساحلية ومنحهم خاصية التمييز الإيجابي كالشأن في المستوى الاقتصادي رغم إعلان وزارة التربية وعيها التام بالفوارق بين الجهات والفئات والمؤسّسات إذ تقول ” يعتبر التفاوت بين الجهات من أهمّ أسباب الثورة التونسية ولئن يأخذ هذا التفاوت بعدا اقتصاديا في أغلب الحالات ليشمل جانب الاستثمار وتوفير مواطن الشغل فإنّ الجانب الاجتماعي كذلك يشكو هذا التفاوت ” (12) ويكفي في ذلك إلقاء نظرة على ميزانية وزارة التربية وفق منهجية التصرّف حسب الأهداف لسنة 2017 وحتى لسنة 2016 ولسنة 2018 ــ المشروع السنوي للقدرة على الأداء لسنة 2017 نوفمبر 2017 تكفي نظرة عجلى على ما رصد من نقاط ضعف وما تستوجبه من إجراءات إصلاحية حتى تستوقفك عبارة تواترت تواترا لافتا وهي ” تعزيز الإنصاف وتكافؤ الفرص ” أو ” تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص ” تداركا لنقائص  رصدتها الوزارة نذكر منها:

في المجال الهيكلي والتنظيمي:

ــ تزايد التفاوت الجهوي بين المؤسَّسات التربوية في مستوى الأداء والنتائج.

ــ غياب مرجعية وطنية للتقييم والجودة واضحة المعالم تعتمد على معايير ومؤشِّرات تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلّية والجهوية والوطنية بالإضافة إلى المرجعيات الدوليّة في هذا المجال.

ــ عدم النجاعة على مستوى قيادة منظومة التعليم المدرسي وضعف الترابط والتكامل بين مختلف مكوّناته المحلّية والجهوية والمركزية.

وفي المجال التنفيذي البيداغوجي

ــ وجود مسافة كبيرة تفصل واقع المدرسة التونسية عن مشروعها المبدئي الذي بقي نظريّا في أحيان كثيرة خاصّة على مستوى التنشئة الاجتماعية والوطنية والتربية على القيم.

ــ تصدّع علاقة المتعلّم بالمؤسسة التربوية وبالمعرفة في أحيان عديدة وتفشِّي ظاهرة العنف والغش إضافة إلى ضعف الجانب الوقائي في هذه المسألة.

ــ تواصل ظاهرة الفشل المدرسي من خلال نسب الرسوب والتسرُّب وصعوبة تطبيق مبدأ إجبارية التعليم.

ــ الضبابية والارتجال في مستوى آليات انتداب المدرّسين والتعويل المتزايد على النوّاب ممّا أدّى إلى تراجع مستوى التدريس وإتقانه وخاصَّة في اللغات.

أوليس من التناقض أن تعي الوزارة بكلّ هذا وتزعم الإنصاف لتعزّزه أو لتحقّقه وهي التي تعدّد من سرعات التعليم بالتشريع للدروس الخصوصية ورعاية المدارس والمعاهد النموذجية وغيرها من الإجراءات التي تعمّق الهوّة بين الجهات والفئات؟

هل الإنصاف حقّا في تحسين الأكلة المدرسية وإدماج المعوقين وتحسين نسبة الملتحقين بالسنة التحضيرية على قيمة هذا المنجز؟ أم أنَّ المسألة أخطر من هذا بكثير؟ فمن يقرّ بأنّ من أهمّ أسباب الثورة التفاوت الاجتماعي ثمّ يقنن الدروس الخصوصية بقيم مالية لا قبل للفقراء بها أليس بصنيعه هذا يعمِّق اليأس والإحباط في نفوس التلاميذ المعدمين؟

اقتراحات وتساؤلات

بناء على مفهوم الإنصاف المدرسي كما سطّرناه أعلاه وارتضيناه مرجعا في النظر لنا أن نتساءل: كيف يتحقّق الإنصاف المدرسي؟ هل نشتغل لتحقيقه على عامل التحفيز فننهض بالتلاميذ المتأخرين ونطوّر كفاءاتهم اللغوية والمعرفية والمهارية؟ أم نشتغل على الإسناد العائلي ومقتضياته؟ أم نشتغل على نوعية المؤسسات التربوية ومستوى المدرّسين الذين يشتغلون بها؟ هل نركّز على ما هو مدرسي أم على ما يحيط بالمدرسة كالأنشطة الثقافية وغيرها؟ هل سيتحقَّق الإنصاف بإعطاء المستحقّين نفس الشيء لكن بكمّيّات أكبر كالمزيد من ساعات الدروس والمزيد من المدرّسين؟ أم بإعطاء المستحقّين أكثر فأكثر من العناصر التعليمية كالمساعدة الإفرادية والمزيد من المعنى في التعليمات؟ أم أنَّ البداية ينبغي أن تكون باتباع منوال في التنمية الاقتصادية يكون قادرا على استيعاب خريجي المدرسة في مراحل مختلفة بمهارات تساعد على الاندماج الاجتماعي؟ لمَ لا نذهب بعيدا في اللامركزية فتتولَّى كل مندوبية جهوية للتربية بناء مشروعها الخاصّ بالنهوض بالواقع التربوي وتحسين مردودية المؤسَّسات التربوية بخطط تعرض على الخبراء للتصديق؟ هل يصعب القيام بتقويمات تشخيصية لبعض المستويات التعليمية في مدارس الجهات الداخلية وتنظيم دروس تدارك مجانية بالنسبة إلى التلاميذ في صيغة يضبطها أهل الذكر تطبيقا لما جاء به القانون التربوي لسنة 2002 ؟ ألا تكفي خارطة نتائج  البكالوريا لكي  تضبط قائمة بالمعاهد التي تعاني تأخّرا فادحا في مستوى نتائج البكالوريا، واتِّخاذ تدابير بيداغوجية للتدارك وتوجد الكثير من المقترحات في هذا الشأن؟ أليست النجاعة في التوقُّف مطلقا عن تسمية مدرِّسين مبتدئين في الجهات الداخلية لعدد من السنوات يتَّفق عليه ليتمّ تكوينهم صناعيّا في مراكز تيسّر لهم الاستفادة من تجارب القدامى (13) ؟ لم لا يكون تنظيم التربّصات الخاصَّة بالمبتدئين في مراكز المدن الكبرى كسبا للخبرة المهنية وخضوعا للتأطير المنتظم والمتواتر قبل الالتحاق بمراكز العمل بالجهات الداخلية؟ وبعد هل من مراجعة لسياسة العمل بالدروس الخصوصية؟ متى سينظر بعين الجدّ في اقتراحات أهل الذكر لتطوير منظومة التعليم العالي كي تستوعب خرّيجي مؤسّسات التعليم العالي من قبيل ما اقترحه الدكتور الهادي التيمومي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بالجامعة التونسية عن توطين التعليم العالي في الجهات بحيث يكون منتوج التعليم ملائما للبيئة التي زرع فيها ؟  (14)

الخاتمة: في التمييز الإيجابي تربويّا

أو نحو التكافؤ المنصف في الفرص pour une égalité équitable des chances

لقد خسرت المدرسة التونسية معركة الكمّ بجمهرة المدرسة من دون ضوابط مدرسية دقيقة ورؤية واضحة ومواءمة حقيقية بين مخرجات التكوين المدرسي وحاجيات المجتمع من القوى الحيّة والمنتجة وخسرت من جهة أخرى معركة الكيف؛ لأنها انحصرت في فئة محدودة صارت البلدان الأجنبية هي المستفيد الأول منها.

فشل المنزع النخبوي في التعليم مثلما فشل منزع الجمهرة فهل من حلّ لإقامة التوازن العجيب بين الكمّ والكيف وبين الداخل والساحل وبين المراكز والأطراف؟

كيف نجمع بين المساواة المدرسية وتكافؤ الفرص كإجراء قانوني من جهة والإنصاف كإجراء مجتمعي وأخلاقي وإنساني ومواطني من جهة ثانية؟ متى يمكن أن نسمّي المدرسة التونسية مدرسة ديموقراطية؟ ومتى يمكن أن ننعتها بمدرسة النجاح؟

يمكن ذلك في نظري إذا آمن الشعب التونسي بأسره بشرط أساسي من شروط الوجود الكريم ألا وهو   شرط التضامن(15) عندما تكون المدرسة قائمة على قيمة التضامن والتآزر والتعاون والإيثار وليس على التنافس القاتل والتسابق والأنانية والاستئثار والاستحواذ، يمكن أن تكون مدرسة النجاح للجميع يمكن للمدرسة أن تكون مدرسة جمهورية وديموقراطية ومدرسة نجاح للجميع عندما نغيِّر مفهومنا لمقولة “العيش معا ” Le vivre ensemble  فلا يجعل التلميذ الواحد التفوّق على الآخر معياره في التقدُّم أو النجاح بل حين يرافق التلميذ زميله المتأخِّر، ويساعده على التقدم معه تطبيقا لمبدأ التكافؤ المنصف في الفرص وحين يتعاون المدرّس مع زميله في تنفيذ مشروع التدارك أو النجاح الخاص بالمؤسسة التي يشتغلان فيها. مدرسة تونس الجديدة لن تكون غير مدرسة الإنسانية وقد تخففت من كل الوسائل المعطلة للتواصل بين الجهات والفئات والمؤسسات من أجل المعنى المشترك وهو الارتقاء بالأفراد متضامنين وتحقيق التقدّم والمناعة للوطن.

إحالات وهوامش

1 ــ انظر سفر القانون التوجيهي للتربية والتعليم ــ القانون عدد 80 ــ 2002 بتاريخ 23 جويلية 2002 وهو سفر يضمّ أيضا القانون التربوي الصادر في 4 نوفمبر 1958 والقانون التربوي الصادر في 29 جويلية 1991

2 ــ انظر مختلف اللوحات البيانية لدى الدكتور المنجي بوسنينة في أطروحة دكتوراه الدولة بعنوان

+ Mongi Bousnina = Développement scolaire et disparités régionales en Tunisie Publication de l’Université de Tunis 1991 T2 pp 387 – 399

ومن المعطيات المهمَّة والدالّة على عدم الإنصاف يقول الدكتور المنجي بوسنينة ” إنَّ مليونا و400 ألف ساكن في الجهات الداخلية لم يفرزوا إلا 13 فاصل 4 بالمئة من الناجحين في البكالوريا سنة 1976 وأنّ نسبة النجاح في البكالوريا في الشمال الغربي كانت بنسبة أقل بـ 50 بالمئة مقارنة بالمعدّل الوطني وأنّ الشمال الغربي بأكمله لم يكن له سنة 1976 أكثر من 10 فاصل 5 بالمئة من المترشحين للبكالوريا

نسب النجاح في البكالوريا سنة 1976حسب الولايات

على 1000 ساكنعلى 100 تلميذالولاية
1.735.1تونس
0.617.9زغوان
0.823.6بنزرت
0.629.4باجة
0.715.2جندوبة
0.822الكاف
0.826.1سليانة
0.627القصرين
0.922.1قفصة
0.619.6سيدي بوزيد
1.421.4مدنين
1.026.1قابس
1.024.8القيروان
2.228.2سوسة والمنستير
1.334المهدية
2.026.1صفاقس
1.327.7نابل

نسب النجاح في الباكلوريا سنة 2016 حسب الجهات (الدورة الرئيسية) %

36 ;28سوسة35.5مدنين24 ;04قابس31 ;18نابل36المنستير36.5مهدية37 39أريانة43.55صفاقس
20.6باجة21.1الكاف23.25زغوان23.31سليانة24.23منوبة28.05تونس28.75بنزرت24 ;23بن عروس
11.41القصرين14.83قفصة15.4جندوبة16.68سيدي بوزيد17.94القيروان18.76قبلي  18.29تطاوين19.58توزر

أكثر من 40 % مرفوضون

(3) ــ انظر اللوحات البيانية للبطالة في أوساط التقنيين السامين والحاصلين على الأستاذية حسب الاختصاص ص 4 لدى

+ Habib TOUHAMI = Le chomage  des diplomés du supérieur : constat,origines,perspectives (internet)

+ Habib Touhami = La réforme du système éducatif tunisien Mère de toutes les batailles (internet)

(4) انظر

+ John   Rawls = La justice comme équité  La Dispute  Paris 2003 pp 26 -47-93-247

(5)

+ Philippe Meirieu et  Marc Guiraud = l’école ou la guerre civile PLON 1997

(6)

+ Mohamed Charfi  = Islam et liberté – Le malentendu historique CASBAH éditions –Alger 2000 pp 240 -243

يؤكّد الاستاذ محمد الشرفي وجهة نظره النخبوية في التعليم فيلحّ على تكثيف البرامج والتشديد في الامتحانات فيقول:

( La sous – culture est infiniment plus dangereuse que l’ignorance ,car les ignorants sont modestes et , s’ils ont des besoins légitimes ,ils n’ont pas de prétentions ;tandis que les sous- cultivés croient tout savoir et, quand ils sont nombreux,ils pensent avoir le droit de tout régenter.Dans les sociétés en (retard) , c’est-à-dire en état de sous-développement ,la révolte des sous-cultivés est fondée sur l’ignorance et du coup , elle entraine une aggravation  de ce retard …..Pour toutes ces raisons ,il est vivement souhaitable d’assurer un haut niveau d’enseignement avec des programmes du primaire et du secondaire assez denses et des examens assez exigeants ) 

انظر أطروحة الشرفي التربوية كاملة أيضا في

+ Mohamed Charfi = Mon combat pour les lumières Zellige 2009 pp205 –281

(7)

+ pierre Rosanvallon = La crise de l’Etat – providence. points seuil 1992 pp7-9

(La question est de savoir si l’Etat-providence ,en tant que forme sociale et politique ,peut continuer à rester le seul support des progrès sociaux et l’unique agent de la solidarité sociale )

(8)

ــ انظر في ” النخبوية “

+ Jean – Paul Brighelli = La fabrique du crétin La mort programmée de l’école jean-claude Gawsewitch Editeur Paris 2005 p193

 (9) ــ انظر فصل ” المدرسة وخطر الليبرالية ” لدى

+ Samuel Johsua = L’ECOLE entre crise et refondation LA DISPUTE  Paris 1999 pp31-36

(10)

+ JEAN-CLAUDE MICHEA = L’ENSEIGNEMENT DE L’IGNORANCE ET SES CONDITIONS MODERNES  CLIMATS Flammarion Paris 2OO6 pp 39 -57

(Meme en France le pourcentage d’étudiants d’origine populaire à l’ENA et l’ENS  est passé de 15,4/100 pour 1966 -1970  à 7 /100 pour 1989 – 1993) – ce qui a incité Antoine Prost à reconnaitre que < les réformes voulant assurer l’égalité des chances ont eu le résultat contraire ><L’enseignement s’est-il démocratisé ?1992 >

<< En septembre 1995 – sous l’égide de la fondation Gorbatchev – cinq cents hommes politiques ,leaders économiques et scientifiques de premier plan constituant à leurs propres yeux l’élite du monde , durent se réunir à l’Hotel Fairmont  de San Francisco pour confronter leurs vues sur le destin de la nouvelle civilisation … sous le signe de l’efficacité la plus stricte  … l’assemblée commença par reconnaitre – comme une évidence qui ne mérite pas d’etre discutée – que dans le 21 siècle deux dixièmes de la population active suffiraient à maintenir l’activité de l’économie mondiale. Sur des bases aussi franches, le principal problème politique que le système capitaliste allait affronter au cours des prochaines décennies put donc etre formulé dans toutes sa rigueur : comment serait – il possible , pour l’élite mondiale ,de maintenir la gouvernabilité  des quatre-vingts pour cent d’humanité surnuméraire ,dont l’inutilité a été programmée par la logique libérale ?… La solution qui au terme du débat ,s’imposa comme la plus raisonnable ,fut celle proposée par Zbigniew Brzezinski sous le nom de tittytainment par ce mot valise il s’agissait tout simplement de définir un(cocktail de divertissement abrutissant et d’alimentation suffisante permettant de maintenir de bonne humeur la population rustrée de la planète) >> pp41 -42

     (11) ــ انظر في أهمّ من اعتمدت كتاباته في برمجة الكفايات 

+ Philippe Perrenoud  = Construire des compétences dès l’école ESF éditeur Paris  1998 pp23 – 67

 (12)

ــ ميزانيّة وزارة التربية وفق منهجيّة التصرّف حسب الأهداف لسنة 2017 : المشروع السنوي للقدرة على الأداء لسنة 2017  نوفمبر  2017    صص  22 ـ 23

أهداف برنامج المرحلة الابتدائية ومؤشراتها 1 ــ تعزيز مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص. 2 ــ تحسين المردود الداخلي للمدرسة الابتدائية. 3 ــ إثراء الحياة المدرسية.

من التوجهات الإصلاحية في المرحلة الإعدادية: تعزيز مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين الفئات والجهات وإقرار مبدأ التمييز الإيجابي (لكن دون بيان كيفية إنجاز ذلك ودون بيان الفرق بين المبدأين).

من التوجّهات الإصلاحية بالتعليم الثانوي: 1 ــ تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين التلاميذ والمؤسسات والجهات. 2 ــ التصدّي للفشل المدرسي. 3 ــ تطوير الحياة المدرسية.  4 ــ تحسين نسب التوجيه للشعب العلمية والتقنية 5 ــ توظيف المجال الرقمي في التعليم بالمؤسَّسات التربوية.

(13)

+ MARGUERITTE ALTET.LEOPOLD PAQUET. PHILIPPE PERRENOUD = Formateurs d’enseignants quelle professionnalisation ? de boek Bruxelles 2002 P 247

(14)

ــ الهادي التيمومي: “تعليم الجهل” في عصر العولمة والإصلاح التربوي ــ دار محمّد علي للنشر صفاقس ــ تونس جويلية 2016 ص 87 

يدعو إلى ضرورة ” توطين الجامعات الداخلية في محيطها وتطويع التعليم ليكون ملائما لخصوصيات كلّ جهة فالتعليم الجامعي في جهة مثل القصرين يجب أن يراعي الطبيعة الثلاثية لهذه الجهة : طبيعتها الغابيّة وطبيعتها الحدودية وكثرة الآثار ما قبل الإسلامية فيها والتعليم الجامعي في جهتي جندوبة وباجة يجب أن يراعي الطبيعة الفلاحية والحبوبية للمنطقتين والتكوين الجامعي في مناطق الجنوب الشرقي التونسي يجب لأن يأخذ بعين الاعتبار الثروة البحرية وثروة الطاقة الشمسية لهذه الربوع… أي تدريس الاختصاصات الملائمة للثروات الكامنة في هذه الجهات”.

(15)

+ GERARD GUILLOT = QUELLES VALEURS POUR L’ECOLE DU 21 SIECLE ? L’HARMATTAN Paris 2000 pp 115 -120- 142

جديدنا