حدود الفلسفة التربويَّة التونسيَّة من قانون “توحيد التعليم” سنة 1958 إلى “مدرسة الغد” سنة 2005

image_pdf

مقدّمة:
 تتطلّب المسارات الثورية الحقيقية مراجعة للنظم المعرفية والأنماط الفكرية. ولئن بدت تلك المراجعة مقلقة بما أنّها تعيد النظر في المسلّمات وتُنطق المسكوت عنه وتبرز المهمّش، فإنّها شرط لا غنى عنه في صياغة المشاريع الحضارية الخلاّقة. فالتجربة التاريخية تثبت استحالة التطوّر دون تفعيل للملكة النقدية بمختلف آلياتها النظرية والإجرائية.

ولا جدال في أنّ التساؤل عن جدوى الفلسفة التربوية التونسية وقيمتها يعدّ سؤالا محوريا مهمّا. وتبرز أهمّيته سواء في السياق العام الذي ألمحنا إليه آنفا المتعلّق بالمسار الثوري الديمقراطي الذي يقتضي تكريس قيم الاختلاف والتعدّدية والديمقراطية، أو من ناحية الإشكالية التي يتضمّنها. إذ يقترن الحديث عن الفلسفة التربوية بالسياسات العامة والثقافة السياسية والمناهج المتّبعة والأهداف العامة والمبادئ المعلنة والمضمرة في تونس بعد مضي ما يربو عن النصف قرن من إصدار أوّل قانون منظّم للتعليم وموحّد له بتونس المستقلّة (قانون 4نوفمبر 1958)، وهي فترة كافية تصلح للبحث والنظر ليس فقط لعمق امتدادها الزمني، وإنّما كذلك لتعدّد الخيارات التربوية التونسية وتنوّعها.

لئن كان التساؤل عن جدوى الفلسفة التربوية يوهم بانحصار البحث في دائرة البيداغوجيا والقيم، فإنّ تجزئة ذلك السؤال المحوري إلى أسئلة فرعية تخصّ معنى ربط الفلسفة التربوية بالتونسة ومرجعياتها وأسسها ومدى تحقّق الأهداف النظرية في الممارسة الفعلية تثبت الهوية التحليلية النقدية لهذه الورقة البحثية بحكم تخصّص صاحبها في الحضارة الحديثة والمعاصرة.

يمكن القول أنّنا سننطلق من ثلاث فرضيات أساسية أوحت بها إشكاليتنا المطروحة ومختلف الأسئلة الفرعية المتعلّقة بها.

تهمّ الفرضية الأولى تقاطع المفاهيم وتواصل العلوم والحقول المعرفية، فالفلسفة ضمن هذه الفرضية ليست ترفا نظريا، وإنّما منزعا عمليا يبحث في سبل إرساء “مجتمع فاضل” و”إنسان أرقى”. أمّا التربية فليست مواكبة للمعارف وتكديس للمعلومات، بل تربية على التفكير السليم واكتساب ملكات النقد والتقييم وتطويرها.

أمّا الفرضية الثانية فتحيل على اقتران الفلسفة التربوية بخصوصيات مجال تداولي ما. وعندما نتحدّث عن الخصوصية فإنّنا نحيل على النظام المعرفي لثقافة ما ولاحتياجات مجتمع ما وتطلّعاته بالنظر إلى مختلف الظروف الخاصّة بذلك المجتمع وثقافته. ومن هذا المنظور فالخصوصية في الشأن التربوي ليست رديفا للانغلاق والتحجّر بقدر ما هي عامل إثراء تسعى إلى تكريس التميّز وتدعيم الأفضلية بالاستزادة من قدرات التمكّن والتجديد.

بينما ترتبط الفرضية الثالثة بالفرضيتين السابقتين من ناحية تأكيد الطابع الديناميكي لمفهوم التربية ومختلف تفرّعاته وأبعاده التعليمية والحضارية. يفضي هذا التصوّر التطوّري للعملية التربوية إلى الإقرار باستحالة وجود فلسفة تربوية ثابتة أو غير محتاجة للتغيير والتطوير.

إذا كان الاستدلال على تلك الفرضيات يتقاطع مع الإجابة عن الأسئلة المطروحة سابقا، فإنّ طريقة تناول الإشكالية ومعالجتها تستند إلى منهج تحليلي نقدي  محتكم إلى محدّدين بارزين.

يتعلّق المحدّد الأوّل باقتران الفلسفة التربوية بمحتوى القوانين والتراتيب المنظّمة للتعليم التونسي. ولئن كان من الصعب استقصاء كلّ تلك القوانين استقصاء كلّيا لمحدودية مجال نظر هذه الورقة البحثية أو خشية الانزلاق في الخطية ممّا يطمس الهدف التأليفي المأمول في مثل هذه النوعية من البحوث.

يهمّ المحدّد الثاني تخصّص صاحب البحث ومجال اهتمامه، إذ ينطلق من تخصّص الحضارة الحديثة والمعاصلرة ممّا يفرض الانطلاق من نصوص محدّدة في تناول قضيّة ما اجتنابا للتعميم. لذلك من الضروري الإشارة إلى أنّنا سنركّز على أهمّ القوانين المنظّمة للتعليم التونسي شأن قوانين سنة 1958 و1991 و2002 باعتبارها تشكّل منعطفات حاسمة في تاريخ التربية والتعليم بتونس. كما أنّنا سنعتمد تدريس مسألة “الدين والتديّن في مناهج التعليم الرسمي” نموذجا تطبيقيا يكشف مدى سلامة الفلسفة التربوية ووجاهتها.

يقتضي منطق التدرّج في معالجة إشكاليتنا المطروحة توزيعها على ثلاثة محاور وفق الأغراض التالية: أوّلا: معنى الفلسفة التربوية التونسية ودلالتها الحضارية، ثم ثانيا مرجعياتها ومرتكزاتها، فثالثا حدودها ومفارقاتها.

-أوّلا: معنى الفلسفة التربوية التونسية ودلالاتها الحضارية: يقترن تناول القضايا في المستوى النظري بالتناول الاصطلاحي والمفاهيمي لأهمّ مفاهيم الإشكالية المطروحة. وبقدر ما في ذلك التناول من وجاهة نظرا لتعزيزه الجانب التجريدي وتشكيله لبعض العلاقات الدلالية المفترضة المؤسّسة للإشكالية، فإنّه قد يتحوّل في عديد الأحيان إلى مراكمة جافّة لمختلف التصوّرات المتداولة عند التيارات الثقافية البارزة. إضافة إلى أنّ التطوّر المعلوماتي والتكنولوجي قد أفقد نزعة التجميع والتعريف قيمتها بحكم أنّه بوسع أي طالب مبتدئ اليوم البحث في الشبكة العنكبوتية عن تعريف مصطلح ما وتعريفه تعريفا جافا.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الطابع الإشكالي لمفهوم الفلسفة التربوية باتّفاق عديد الباحثين المنتمين لمختلف التخصّصات، فإنّ انزياحنا عن التناول الخطّي أو “الأداتي” لمفهوم الفلسفة التربوية يصبح خيارا محمودا. إذ لا فائدة حقيقية تُرجى من تفريع مفهوم الفلسفة التربوية إلى مكوّناته اللفظية والاستغراق في تعريف الفلسفة ثم التربية فإضافة مفهوم التونسة إلى تلك الثنائية.

يفرض ذلك الانزياح عن التناول الخطّي أو الأداتي إيجاد طريقة أخرى تقوم على التأليف والتعامل الوظيفي مع مختلف المعطيات والبيانات التي من الممكن أن يوفّرها الاطّلاع الأوّلي على دلالة أهمّ المفاهيم المشكّلة لاشكاليتنا المطروحة. يعني ذلك أنّنا سنبحث في معنى الفلسفة التربوية بطريقة وظيفية تستحضر أبرز محاور الإشكالية التي تختزنها. ومن المهمّ الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ الباحث الفرنسي دانيال هاملين Daniel Hamelineقد انتهج هذا المسلك في حديثه عن الفلسفة التربوية في السياق الثقافي الغربي عامة والفرنسي خاصّة[1].

لا يرتبط خيارنا للتناول الوظيفي للفلسفة التربوية التونسية بالنزعة الانبهارية للثقافة الغربية مثلما قد يتبادر إلى الذهن، وإنّما يرجع إلى أسباب مركّبة أشرنا إلى بعضها آنفا. إضافة إلى تأثّر المنظومة التربوية التونسية بالمنوال الغربي مثلما تثبته هندسة المناهج والخيارات التعليمية والبيداغوجية المبثوثة في مختلف الوثائق الرسمية.

بيد أنّ عاملان مهمّان فرضا التناول الوظيفي. يهمّ العامل الأوّل الطابع الإشكالي لمفاهيم الفلسفة التربوية والثقافة السياسية والسياسة التربوية والمناهج المختلفة والأهداف السلوكية الإجرائية والخطط التربوية والمنهاج[2] والفلسفة الاجتماعية والأنماط السلوكية[3].

أمّا العامل الثاني فلا يغفل تأثير المستجدّات الحضارية التي أفرزتها تطبيقات الحداثة الغربية سواء على صعيد الثقافة الكونية أو الثقافة العربية الإسلامية والتونسية تحديدا بحكم قانون التأثّر والتأثير الذي اقترن بتداعيات الإرث الاستعماري وتحديث دولة التنظيمات ومحاولة الدولة الوطنية في مرحلة ما بعد الاستعمار المراهنة على التربية والتعليم وخلق نموذج مجتمعي جديد.

سنحاول انطلاقا من المهاد المتقدّم ذكره البحث في الفلسفة التربوية ودلالاتها الحضارية انطلاقا من مستويين متباينين: مستوى تقاطعات الفلسفة التربوية ومستوى التحوّلات الحضارية الراهنة.

أ-تقاطعات الفلسفة التربوية:يعدّ تقاطع الفلسفة والتربية أوّل التقاطعات المتبادرة إلى ذهن المتلقّي عند تلقّيه لعبارة الفلسفة التربوية. فلا شكّ أنّ التداخل بين المجالين قد تحقّق تاريخيا في النظم المعرفية الإنسانية خاصّة بالنسبة إلى حضارات النصّ. ويمكن الإحالة في هذا الصدد إلى قائمة طويلة من الفلاسفة المربّين العرب والغربيين من أفلاطون Platon وكانط Kant[4] مرورا بابن سينا وابن طفيل وغيرهما.

ولا جدال في أنّ منطلق أولئك المربّين الفلاسفة كان الواقع المادي لمجتمعاتهم والرغبة في تغييره نحو الأفضل بالتساؤل عن سبل تربية أفراد صالحين للمجتمع والدولة. ويمكن في هذا الصدد الاكتفاء بالإحالة إلى أهمّ التصوّرات الفلسفية للعملية التربوية. كما يمكن في نفس الوقت الحديث عن مشاريع التربية على التفلسف، رغم ما قد يبدو في هذا الموقف من تناقضات وثيقة الصلة بتباين مفهومي الثقافة والبيداغوجيا (التربية)[5].

يمكن تنزيل المقاربة السقراطية ضمن أهمّ المقاربات الفلسفية التربوية ليس فقط لربطها بين الفلسفة والتربية والمدينة الفاضلة المنشودة، وإنّما كذلك في تأثير امتدادها على التصوّرات اللاحقة مع أفلاطون وهنري ماريون Marion الذي يعدّ أحد المنظّرين للعلمانية والتعليم العلماني[6].

يذهب سقراط إلى أنّ التربية على التفلسف أفضل ما يمكن التخطيط له لخلق المواطن الصالح والحاكم العادل[7]. ومن المعلوم أنّ الطريقة التي يقوم عليها التعليم السقراطي تتلخّص في ما يُعرف بالتوليد: توالد الأسئلة عن بعضها بعض بطريقة متدرّجة إلى أن يصل المتعلّم إلى حلّ الإشكالية المطروحة للنقاش. وانطلاقا من هذا المعطى خلص أفلاطون إلى أنّ الموهبة ليست وراثية وإنّما تكتسب بالتعلّم. لذا فإنّ تأسيس “الجمهورية” أو “المدينة الفاضلة” لا يمكن أن يتمّ إلا عن طريق التربية الموجّهة لإعداد أفراد قادرين على الدفاع عنها بحسب القدرات التي اكتسبوها والعلوم والمهن التي نالوها خلال مراحل تعلّمهم[8].

أمّا كانط Kant فقد اهتمّ بتطوير التعليم في إطار بحثه عن سبل ترقية الشخصية الإنسانية وتكريس المبادئ الأخلاقية في حدود مجرّد العقل. وقد أكّد في هذا الصدد أنّ التعليم الذي لا يقترن بالممارسة والدربة لا يمكن أن يساعد على تنمية ملكة التفكير[9].

لم يطرأ تغييرا كبيرا على الفلسفة التربوية إلى أواسط القرن التاسع عشر، فقد ظلّت تصوّرات “مهندسي” التعليم الجديد منصّبة على إرساء “مدرسة ديمقراطية” école démocratique تسهم في إحداث تغيير حضاري شامل لجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية. وهو ما كان يطمح إليه جلّ المربّين الفلاسفة من روسو Rousseau وكانط إلى باستالوزي Pastalozzi   وما ريون[10]. لكن ستشهد الفلسفة التربوية تطوّرات مهمّة في العقود اللاحقة مع تيّارات السلوكية والبنائية الاجتماعية وغيرهما[11].

لم تخل الثقافة العربية الإسلامية من تصوّرات مهمّة حول الفلسفة التربوية. ويمكن الإشارة في هذا المضمار إلى تصوّرات ابن سينا وابن طفيل. إذ تمّ تطوير نظرية “الصفحة البيضاء” أو “اللوح الفارغ” التي بمقتضاها يتمّ اكتساب المعرفة والاستزادة منها حسب التجارب والخبرات وتطوّرها. وبهذا فالعقل البشري قابل للتطوّر من “عقل هيولاني” مادّي إلى “عقل فعّال”. وقد أثبتت ذلك التجربة التي خاضها الطفل المتوحّش حي ابن يقظان في جزيرة معزولة حينما تطوّر وعيه الفردي استلهاما لتجاربه ومعاياناته ومحاكاته[12].

إضافة إلى ذلك عرفت الحضارة العربية الإسلامية بالمناظرات التي أسهمت في إرساء آداب الجدل والسجال بين المتناظرين أملا في تعلّم اكتساب الحقائق والوصول إليها[13].

يبدو أنّ تركيزنا على تقاطع التربية بالفلسفة عند اكتفائنا بذكر عدد من المربّين الفلاسفة قد يتناقض مع ما أشرنا إليه في مستهل هذا المحور من حديث عن تقاطعات الفلسفة التربوية. وكما هو شائع تحيل تقاطعات الفلسفة التربوية على ما يعرف ب”تقاطعية المواد” الدراسية ممّا يجعلها أقرب ما تكون إلى وحدة بحثية متكاملة.

وبهذا المعنى فنحن بحاجة إلى البرهنة عن تعدّد مجالات الفلسفة التربوية سواء من ناحية مجالات الاهتمام أو من ناحية الحقول العلمية والتخصّصات المنبثقة منها.

يمكن عدّ الفلسفة التربوية رؤية معيّنة للتعليم ولضوابط تربية إنسان فاعل في محيطه الاجتماعي[14].ولا شكّ أنّ تحصيل رؤية ما مهما كانت اتّجاهاتها ونوعيتها ومقاصدها يقوم على قراءة للتاريخ واستشراف للمستقبل. وبقدر ما تكون تلك القراءة جادّة متطوّرة تقاس سلامة الرؤية ودقّتها.

يشي تقاطع الرؤية التربوية بالتاريخ والمستقبل إلى البعد الحضاري للمسألة، إذ لا يمكن الحديث عن تاريخ أو مستقبل دون عناصر السياسة والثقافة والدين[15].

ولما كان القول باهتمام الفلسفة التربوية بمشاغل التعليم وإشكالياته شأن أهدافه ونتائجه وسياساته تحصيل حاصل، فإنّنا لا نرى وجوبا لتفصيل تلك النقاط بما أنّها ستكون عناصر مهمّة عند بحثنا في مرتكزات الفلسفة التربوية التونسية خلال المحور الثاني من هذه الورقة البحثية.

يفضي بنا الإقرار بتعدّد مجالات اهتمام الفلسفة التربوية إلى نتيجة تخصّ تنوّع التخصّصات العلمية التي تتنازعها مثل نظرية المعرفة والمناهج الفلسفية ومبحث القيم وهندسة المناهج والميتافيزيقيا وعلم النفس.

إنّ ذلك التنوّع المركّب للفلسفة التربوية يجعل منها مجالا مهمّا في مجرى التحوّلات الحضارية بكلّ ما تحمله كلمة الحضارة من دلالات موسّعة عميقة. وهو ما يفرض علينا الإشارة إلى موقع الفلسفة التربوية في خضم تلك التحوّلات لتكون بمثابة تمهيد لبحثنا في الحالة التونسية.

ب-الفلسفة التربوية والتحوّلات الحضارية الراهنة: تعدّ التربية ظاهرة “ديناميكية” سيّالة ناموسها التطوّر والرقي المستمرّ بحكم ارتباطها بالحراك الاجتماعي والتطوّر المتلاحق للحضارة الإنسانية. وعلى الرغم من الحديث المتزايد عن قيم التقدّم و”التعليم الديمقراطي”[16] أو “التعليم الكوني والإنساني” Education Universelle- Humaniste [17]، فإنّه غالبا ما يتكرّر الحديث عن ضرورة التجديد التربوي والحاجة إلى التغيير.

يبرز هذا الطابع بصفة خاصّة بالبلدان المتقدّمة، إذ يتمّ –على سبيل الذكر- إعادة الخوض في مسألة “التعليم العلماني” L’éducation Laϊque بعد مائة سنة من محاضرة هنري ماريون الشهيرة في هذا الموضوع بفرنسا[18] المعروفة بعلمانيتها “الصلبة”[19].

يبدو أنّ تلك “العودة” أو المراجعة كانت من إفرازات أزمة الحداثة الغربية التي أسهمت العولمة في كشفها وتعميقها وتعميمها إلى حدّ لم يعد فيه من الممكن التغاضي عن عدد من الأسئلة المقلقة في ما يخصّ مصير الكائن الإنساني في هذا الكوكب وحقيقة العملية التربوية التي يخضع لها منذ طفولته إلى كهولته فهل أسهم ذلك فعلا في رفع الوصاية عنه[20]، أم أنّها لا تعدو أن تكون عملا مقنّنا يهدف إلى مزيد إحكام السيطرة عليه والتحكّم فيه تحت شعارات إنسانوية وكونية و”الثورة الثقافية”[21].

بيد أنّ تلك الأسئلة المطروحة ما كانت لتطرح بتلك الكيفية وتكتسب مشروعيتها لولا الاكتشافات العلمية في عدّة حقول معرفية مثل الأنثربولوجيا التي أثبتت عدم وجود نموذج إنساني وحيد للتقدّم. أمّا الفرويدية الماركسية فقد قوّضت “السردية الكبرى” Le Grand Reçit التي تحرص الرؤية التربوية العلمانية على ترويجها ممّا خلق هوية مهتزة أو مستلبة ضمن مسارات الحداثة وما بعد الحداثة[22]. كما بيّن بورديو Bourdieu دور “نسق التعليم” في إعادة إنتاج نفس المنظومة القيمية والاجتماعية بطريقة تحفظ التوازنات السائدة وتجهض التحرّكات المطالبة بتغييرها[23].

لئن بدت في تناولنا المذكور آنفا نزعة تعميمية ورغبة في عدم التصريح بنموذج محدّد يرتبط به حديثنا، فإنّ ذلك لا يقلّل مطلقا من قيمة ذلك التناول. إذ لا يجب أن نغفل دور العولمة بأذرعها الطويلة المتمثّلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسّسات والشركات والمنظّمات المانحة في التغلغل في عديد النظم التربوية والاجتماعية لجلّ دول العالم خاصّة تلك الدول التي جمعتها عوامل جغرافية وتاريخية ضمن مراكز ضغط العولمة وقواها النافذة.

تعدّ الفلسفة التربوية في هذا الصدد نموذجا واعدا لأسباب عديدة سواء منها ما يتّصل بانتماء تونس لما سماه هيقل Hegel بـ”إفريقيا الأوروبية”[24] ممّا يفرض على أوروبا تمدينها وفق النمط الأوروبي[25]، أو لانخراط الدولة التونسية في منظومة الإصلاحات الهيكلية تربويا واقتصاديا تنفيذا لتعليمات المانحين الدوليين. إضافة إلى أنّه لطالما قُدّم النموذج التربوي التونسي دليلا على نجاح السياسة التربوية والتنموية التونسية مقارنة بمحيطها العربي الإسلامي[26].

يكتسب الحديث عن التجربة التربوية التونسية قيمة كبرى في حدّ ذاته خاصّة إذا ربطناه بمحدّدين مهمّين: يهمّ المحدّد الأوّل المجال الزماني الذي يمتدّ من تاريخ سنّ أوّل قانون منظّم للتعليم بعد الاستقلال (4نوفمبر 1958) إلى قانوني سنتي 1991 و2002 المؤثّرين في التوجّهات التربوية اللاحقة بل إلى اليوم. أمّا المحدّد الثاني فهو أهمّ إذ يختصّ بممارسة الفلسفة التربوية على الرغم من أنّها لا يمكن أن تفصل عن الفلسفة الاجتماعية ومخطّطات التنمية والسياسات العامة للدولة التونسية ممثّلة في النخبة السياسية المتداولة على سدة الحكم. كما لا يمكن الذهول عن بعض المشاريع الموازية التي تشكّل نصوصا مصاحبة تسهم في فهم حقيقة الرهان وتميط اللثام عن أسباب انتهاج خيارات معيّنة دون غيرها شأن مشروع المتفقد الفرنسي جان دوبياس Jean Debiesse الذي اقترحه على السلطة التونسية سنة [27]1958.

ثانيا: مرجعيات الفلسفة التربوية التونسية ومرتكزاتها.

يصطدم الحديث في مسألة الفلسفة التربوية التونسية بعقبتين بارزتين نعتقد أنّه من المهمّ الإشارة إليهما على الرغم من أنّنا ألمحنا إليهما إلماحا سريعا خاطفا. وتكمن الحاجة في ذكرهما إلى أنّه من المفترض أن تواجه أراؤنا التي سنذكرها تباعا باعتراضات على بعض خياراتنا وتمثّلاتنا للفلسفة التربوية التونسية.

تهمّ العقبة الأولى قلّة توفّر البحوث النوعية التي تهمّ إشكاليتنا المطروحة. وعندما نتحدّث عن البحوث النوعية نقصد أساسا التعمّق والتدقيق في مقاربة هذه المسألة الحيوية شأن التقارير العلمية التي تعدّها مراكز بحث أو مؤسّسات علمية مرموقة تحت إشراف كفاءات علمية معترف بها. فالطابع الغالب على المراجع التي اطّلعنا عليها في موضوع إشكاليتنا يتّسم بالتعميم والاستطرادات والأحكام الانطباعية. ولئن كنا لا ننكر أنّ اطّلاعنا على هذا المجال البحثي محدود[28]، فإنّ الثابت لدينا أنّ هذا المجال مازال بكرا وفي أمسّ الحاجة إلى نشر الأعمال التي قد تكون ذات قيمة حقيقية لكنّها ظلّت مخطوطة.

أمّا العامل الثاني فيهمّ استحالة فصل الفلسفة التربوية عن السياسة التربوية والفلسفة الاجتماعية وبقية الأهداف العامة والسلوكية من الناحية الإجرائية. فلئن كان من الممكن أن نفصل على الصعيد النظري بين تلك المفاهيم، فإنّ تقاطعها إجرائيا وعمليا يجعل الباحث بين خيارين لا ثالث لهما: إمّا الاقتصار على البحث في معنى الفلسفة التربوية التونسية بطريقة انحصارية حصر الإشكالية في عدد محدود من متعلّقاتها فتطمس بقية الأبعاد لصالح تناول أداتي، أو توسيع مناط اهتمام الفلسفة التربوية فتشمل المفاهيم المتقاطعة معها والسياقات المتحكّمة فيها.

استقرّ رأينا على اختيار المقترح الثاني لسبب أساسي يتّصل بضرورة مراعاة سلطة المدوّنة التي سننطلق منها في بحثنا، وهي كما سبق أن أشرنا إلى ذلك تتمثّل في بعض الوثائق الرسمية شأن القوانين المنظّمة وبرامج التعليم الديني. فالدارس لتلك الوثائق يخلص إلى أنّ مهندسي المنظومة التربوية التونسية يربطون الفلسفة التربوية بالسياسة الثقافية والمخطّطات الاجتماعية والأهداف العامة للدولة.

سنحاول استنادا إلى ما تقدّم ذكره البحث في تجلّيات الفلسفة التربوية التونسية انطلاقا من ضبط أهمّ مرجعياتها وعناصر ارتكازها.

أ-مرجعيات الفلسفة التربوية التونسية: نهدف من البحث في المرجعيات إلى إثراء عناصر رؤيتنا النقدية لمفهوم الفلسفة التربوية التونسية. وبهذا الإقرار فإنّ معنى المرجعيات في هذا السياق لا ينحصر في المعنى التقني للمصادر أو العوامل المؤثّرة، وإنّما يتنزّل ضمن توجّه تأليفي يمكّن من الكشف عن ملامح التيّارات والخيارات الكبرى للمنظومة التربوية بتونس. وقد استقرّ بنا الأمر على تفريع تلك المرجعيات إلى فرعين بارزين. يتعلّق الفرع الأوّل بالمرجعية الغربية، بينما يشمل الفرع الثاني الواقع التونسي.

•المرجعية الغربية: يتعيّن علينا قبل المرور إلى تفصيل مستويات تلك المرجعية الغربية أن نوضّح النقاط التالية:

-أوّلا: إنّ حضور المرجعية الغربية في الفلسفة التربوية التونسية متباين المستويات، إذ يحضر وفق صيغتين: صيغة صريحة وصيغة مضمرة. وإذا شئنا التدقيق يمكن القول أنّه لئن لا يوجد تصريح بحضور المرجعية الغربية في المبادئ العامة للمنظومة التربوية التونسية، فإنّها في حقيقتها تكاد تكون عنصرا مهيمنا على تفكير واضعي الفلسفة التربوية التونسية لسببين على الأقلّ.

يتّصل السبب الأوّل بالإرث الاستعماري المتغلغل في المنظومة الذهنية والثقافية التونسية. وهو ما يبرز -على سبيل الذكر- في نصّ ديباجة القانون رقم 118 لسنة 1958 الذي تمّت فيه الإحالة على أمرين ترتيبيين يعودان إلى سنتي 1888 و1920 ممّا يعني أنّهما بمثابة مستند قانوني ومرجعي[29].

أمّا السبب الثاني فيهمّ انبهار مهندسي السياسة التربوية التونسية بالنموذج الحضاري الغربي مثلما يبدو واضحا في تبنّي عدد من المقولات المتّصلة بمركزية الإنسان وديمقراطية التعليم ومجانيته.

-ثانيا: ليست المرجعية الغربية وحدة متجانسة تجانسا ميكانيكيا مثلما قد يتبادر إلى الذهن. لذا لا توجد طريقة واحدة ملزمة لتناولها وعرضها. انطلاقا من ذلك فإنّ ما سنقدّمه اجتهادات فردية في التبويب حفاظا على الهوية العلمية لهذه الورقة البحثية.

-ثالثا: يمكن التمييز عند بحثنا في المرجعية الغربية بين ماهو معرفي متّصل بنظريات التعلّم وماهو ثقافي متّصل مباشرة بالثقافة السياسية.

-نظريات التعلّم الغربية: تكرّر الفلسفة التربوية التونسية في كلّ منعرجاتها الحاسمة ضرورة مواكبة أحدث النظريات المعرفية والعلمية سواء في ميدان التربية أو غيرها. ونجد على سبيل الذكر في القانون المؤسّس لإصلاح التعليم وتوحيده غداة الاستقلال الدعوة إلى “المساعدة في تلك الميادين على تطوّر العلوم وتقدّمها المتواصل وعلى تطوّر مختلف النظريات والوسائل والمناهج في ميدان البحوث العلمية[30].

ولئن لم يخل هذا الشاهد النصّي مباشرة إلى تلك المرجعية الغربية، فإنّه تضمّن التصريح بمواكبة أحدث المعارف والمناهج التي يمثّل الغرب مركزيتها في ذلك الوقت بل حتّى إلى اليوم.

نحتاج في هذا السياق إلى ذكر نماذج لفهم نظرّيات التعلّم الغربي التي تستند إليها الفلسفة التربوية التونسية، على الرغم من أنّ هذا الاستحضار لا يخلو من انتقائية واختزالية.

النظريات السلوكية الترابطية: تحيل على الفلسفة المنهجية والنظرية إضافة إلى علم النفس. وتفترض أنّ كلّ أنشطة الكائن الحي بمثابة سلوكيات من أهمّ أعلامها سكينر Skiner. ومن أبرز نقاطها يمكن ذكر:

-السلوك محكوم بالنتائج.

-تغيّر عوامل الوسط يسهم في تغيير السلوك.

-يمكن تصميم المقاطع التعليمية وفق تدرّج.

التعلّم ممكن باكتساب العادات مثلما أشار كلارك هيل Hill.

-التعلّم ممكن كذلك باستعمال الخارطة العرفانية مثلما ذكر تيلمان Tilman”[31].

+النظريات العرفانية: تضم عديد المدارس منها البنائية الفردية مع بياجية Piaget والبنائية الاجتماعية مع مدرسة جنيف.

-البنائية الفردية: من أهمّ مقولاتها:

-رفض نظرية الطفل “صفحة بيضاء” وإثباب سيرورة المعرفة.

-نظرية المعرفة مقترنة بنمو الطفل وتطوّره.

-تعديل الخبرات وتجاوز الخلل المناسب لبنى المعرفة عند الطفل سيمكنه من الاستيعاب.

-المعرفة نتاج لتعامل الفرد مع الموضوع تعاملا علميا ديناميكيا وبالتالي ليست تجميعا.

-المتعلّم أساس بناء المعرفة[32].

   -البنائية الاجتماعية مع مدرسة جنيف: تقرّ البنائية الاجتماعية بأنّ الأنظمة المعرفية عبارة عن تركيبات ذهنية أسهمت في صياغتها عوامل سياسية وأيديولوجية ودينية وخلقية. ومن أهمّ مقولاتها يمكن ذكر:

-ضرورة الاشتراك في إيجاد الحلول.

-المدلولات الاجتماعية عنصر مهمّ في التعلّم.

-التفاعل بين الشخصية والبيئة ينتج سلوكا مكتسبا.

-تتحدّد قيمة الآخر من خلال التوجيه والإسناد والموافقة[33].

لسنا بحاجة إلى تفصيل وسائط النظرية العرفانية شأن “الوساطة الاجتماعية والثقافية” أو “المصلحة الإنسانية للمعلومات”[34] وغيرهما لسببين على الأقلّ:

يتعلّق السبب الأوّل بأنّ غايتنا ليست مراكمة نظريات التعلّم فلهذا المجال مختصّوه. كما أنّه ليس من أهداف ورقتنا البحثية. أمّا السبب الثاني فيتلخّص في كون هذه النظريات وغيرها تنتمي إلى نفس الابستمي والبراديغمات العرفية ممّا يعني صلوحيتها للتدليل على تغلغل المرجعية الغربية في المنظومة التربوية التونسية. وسيكون بحثنا الموالي في الثقافة السياسية لواضعي الفلسفة التربوية التونسية امتدادا نوعيا لما ذكرناه آنفا.

-الثقافة السياسية: لمّا كانت النصوص المنظّمة للعملية التربوية ذات رؤية شمولية تنزّل المنومة التربوية ضمن السياسة العامة للبلاد[35]، فإنّه من البديهي أن تتقاطع تصوّرات النخبة السياسية المؤتمنة على قيادة البلاد مع الفلسفة التربوية المأمول ترسيخها لدى المربّين والمتعلّمين على حدّ سواء.

ولمّا كان وعينا راسخا في أنّ الثقافة السياسية مفهوم مترامي الأطراف يحتاج في حدّ ذاته إلى مبحث مستقلّ، فإنّنا ننبّه إلى أنّنا سنتعامل معه بشكل اختزالي ووفق المعنى الشائع الذي يربطه بمفهوم النخبة السياسية الحاكمة ومرجعياتها الثقافية. ووفق ذلك المعنى فإنّنا سنكتفي بالإشارة إلى المؤثّرات التالية:

-مواقف الجمهورية الفرنسية الثالثة فيما يخصّ علمنة المجال العام والموقف من الدين الذي يجعله شأنا خاصّا ينبغي تحييده عن الدولة وفكّ الارتباط بينهما[36].

-الفكر السياسي الفرنسي بجناحيه الليبرالي والاشتراكي. يبرز ذلك التأثير في عدد من المفاهيم شأن مفهوم الأمة والدولة والقومية والعدالة وتكافؤ الفرص. وهي مفاهيم ذات دلالات مختلفة عمّا كان سائدا في الأدبيات العربية[37]. ومن المعلوم أنّ اليسار الفرنسي حظي بالاحترام والتقدير في خطاب صانعي السياسة التربوية التونسية لموقفه المناوئ للظاهرة الاستعمارية ولأسباب أخرى يطول شرحها.

وإذا كان التعميم قد غلب حديثنا عن الثقافة السياسية لمهندسي المنظومة التربوية التونسية، فإنّ عدم تغيّر تلك الثقافة بحكم عدم تجدّد النخب السياسية المؤتمنة على مصير الدولة والتربية يجعل من ذلك التعميم مقبولا.

-المتغيّرات الدولية والإملاءات الخارجية: تقترن غالبا بنكسات اقتصادية وأزمات اجتماعية وانسدادات تربوية مثل تلك التي حصلت أواسط ثمانينيات القرن الماضي ممّا أفضى إلى تدخّل صندوق النقد الدولي وفرضه لما يعرف ببرنامج “الإصلاح الهيكلي” والانخراط في عدد من المواثيق الدولية تسهيلا لنيل رضا المانحين الدوليين[38].

-مواكبة التحدّيات التكنولوجية والمعلوماتية: تحتفل النصوص المنظّمة للعملية التربوية احتفالا بيّنا بعبارات التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وإتقان اللغات والعلوم والفنون[39]. ولئن كان من الواضح تأثّر صانعي الفلسفة التربوية التونسية بتطبيقات الحداثة الغربية، فإنّ التساؤل يظلّ وجيها حول مدى كسب الدولة التونسية لرهان الحداثة والمواطنة خاصّة بعد مضي فترة زمنية كافية لتقييم تلك الخيارات.

•المرجعية التونسية والعربية الإسلامية: يستحسن بنا قبل تحليل هذا العنصر توضيح النقاط التالية:

-أوّلا: إنّ ما نعنيه بالمرجعية التونسية والعربية ينحصر في علامتين بارزتين: تخصّ العلامة الأولى كلّ ما له علاقة بالواقع السوسيوثقافي التونسي في أهمّ منعطفاته الإصلاحية منذ صدور قانون توحيد التعليم إلى اليوم. وبهذا المعنى فالإحالى بيّنة على الواقع الحضاري التونسي. أمّا العلامة الثانية فترتبط بمنظومة القيم الدينية أو الاجتماعية المترسّخة في المجال الفردي والجمعي.

-ثانيا: إن الفترة التي تمتدّ على ما يربو عن النصف قرن من الزمن (60سنة من 1958-2018) فترة ثرية بالأحداث والوقائع. لذا تصبح عملية ملاحقتها ورصدها عملية مبدّدة للجهد وغير ذات فائدة لبحث رهانه تحليلي نقدي. لذا يكفينا الإشارة إلى أهمّ المستجدّات خاصّة أنّ منطلقنا نصوصا محدّدة من المفروض عدم إسقاط الوقائع عليها.

-ثالثا: حضور المرجعية التونسية والعربية الإسلامية بدا محتشما مقارنة بالمرجعية الغربية. وهذا يعود إلى عوامل مركّبة يستحسن عدم تبسيطها واختزالها في جانب واحد سواء كان سياسوي أو ثقافوي.

تشير الفلسفة التربوية التونسية المعتمدة في التعليم الرسمي إلى أنّ أزمة التربية أزمة تنمية قبل أيّ شيء آخر: تنمية قدرات الفرد المتعلّم، وتنمية قدرات البلاد الطامحة إلى الالتحاق بركب الدول المتقدّمة على شاكلة سويسرا والدنمارك مثلما كان مخطّطا له في ما يعرف ب”عشرية المسعدي”[40].

نجد في مختلف المبادئ الأساسية المصاحبة للقوانين التربوية ما يثبت تصوّرنا، فقد تضمّن قانون توحيد التعليم ضبطا لفروع التعليم التجاري والصناعي المخصّص للتعليم الإعدادي[41]. وكما هو معلوم تحيل تلك الفروع التعليمية على مواقف السلطة التونسية أنذاك ورؤيتها لمنتسبي التعليم الزيتوني. وهي رؤية تربطهم بالوظائف الصغرى والمتوسّطة.

يعتقد واضعو الفلسفة التربوية التونسية أنّ اكتساب الكفاءة يقتضي تملّك المهارات العملية والمنهجية. لذلك تحدّثوا عن “كفايات المبادرة” و”كفايات سلوكية”[42].

ولمّا كان السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا السياق يخصّ مدى اختصار أزمة التربية في الجانب التنموي، فإنّ انعطاف واضعي الفلسفة التربوية إلى مسألة القيم العليا في المجال التداولي العربي الإسلامي خاصّة في قانون 1991 قد يدلّ على بداية الوعي بأهميّة المسألة القيمية في التربية.

تتمثّل القيم المشار إليها في قيم العلم والعمل والتضامن والتسامح والاعتدال[43]. وهي قيم تعكس فهما مقاصديا للدين الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية. إضافة إلى ما سماه المشرّع التونسي بقيم العيش المشترك التي استقر عليها التونسيون واعتادوها[44].

لئن تنوّعت مرجعيات الفلسفة التربوية التونسية وتعدّدت، فإنّ المرجعية الغربية ظلّت مهيمنة على مختلف التصوّرات والرؤى المرتبطة بالمنظومة التربوية التونسية ككل. وسيكون لهذا المعطى تأثير على مرتكزات تلك الفلسفة التربوية ومحاورها.

ب-مرتكزات الفلسفة التربوية ومحاورها: نعني بالمرتكزات جملة المبادئ المتحكّمة في الرؤية التربوية التونسية والموجّهة لها. وهي تتقاطع مع المرجعيات وفق ذلك التصوّر، بل تعدّ نتيجة من نتائجها. ويمكن انطلاقا من ذلك الإشارة إلى أربعة مرتكزات كبرى شكّلت عناصر أساسية في تصوّرات مهندسي المنظومة التربوية التونسية وهي العقلانية والعلمانية والبراغماتية والدولنة.

•العقلانية: يغلب عليها الطابع الأداتي التقني. وهي تستهدف عقلنة العملية التربوية ضمن مختلف مجالاتها البيداغوجية والمؤسّساتية والسوسيوثقافية. ويمكن في هذا الصدد رصد الملاحظات التالية:

-مركزية الإنسان الفرد: يمثّل الفرد في هذا السياق المتعلّم أو المتعلّمين. ولئن سجلنا بعض التطوّر الإيجابي من خلال جعل التلميذ “محور العملية التربوية”[45] في آخر قانون توجيهي صادر عن الدولة التونسية، فإنّ تلك المحورية ظلّت محكومة بتراتبية هرمية صارمة تجعل من التساؤل عن معنى تلك المحورية تساؤلا مشروعا.

يصرّ مهندسو الفلسفة التربوية التونسية على الإشارة إلى أهميّة التربية التكاملية التي تستهدف شخصية الفرد التونسي وعقلنته بالقول ” تنمية شخصية الفرد بكلّ أبعادها الخلقية والوجدانية والعقلية والبدنية وصقل مواهبه وملكاته وتمكينه من حق بناء شخصيته على النحو الذي يذكي فيه ملكة النقد والإرادة الفاعلة لينشأ على التبصّر في الحكم والثقة بالنفس وروح المبادرة والإبداع”[46].

بيد أنّ هذه التربية التكاملية على الصعيد النظري لا نجد ما يدعمها على صعيد الواقع المدرسي، إذ نجد هناك تباينا شاسعا في الزمن المدرسي المخصّص بين المواد والمجالات المنتمية إليها.

-إنّ المقارنة بين القانون المؤسّس للمنظومة التربوية سنة 1958 وآخر قانون صادر سنة 2002 تكشف نزعة تقنينية توسّعية، إذ تمّ التوسّع في بعض العناصر التي كانت ثانوية في رؤية واضعي الفلسفة التربوية التونسية بتطوير العناصر السابقة وإضافة أخرى. وفي هذا المضمار تمّ تخصيص أبواب مستقلّة للتقييم: تقييم “مكتسبات التلاميذ” و”تقييم أداء الإطار التربوي” و”تقييم مردودية التعليم التونسي”[47] بوضع  باب كامل في “البحث والتجديد التربوي”[48].

•العلمانية: لئن شكّلت العلمانية مرتكزا أساسيا في رؤية واضعي الفلسفة التربوية التونسية، فإنّها متفاوتة الحضور من مرحلة إصلاحية إلى أخرى.

يظهر ذلك التفاوت في المقارنة بين المبادئ العامة التي تضمّنها قانون سنة 1958 والقوانين اللاحقة. ففي القانون الأوّل المؤسّس تقترب فلسفة التعليم التونسي ممّا يعرف بالعلمانية  “الصلبة” أو “الشاملة”[49].. إذ تمّ التركيز الكامل على ما عرف في الخطاب الرسمي أنذاك ب”الثقافة القومية” و”الأمة التونسية” و”التونسة”[50].إضافة إلى التأكيد على “تزكية الشخصية وتنمية المواهب الطبيعية دون أي تمييز جنسي أو سياسي أو ديني”[51].

أمّا في قانون سنة 1991 فقد تمّ الإلماح إلى شكل من أشكال “العلمانية الجزئية”[52] التي لا ترى مانعا من وجوب تربية الناشئة التونسية على قيم الامتداد الحضاري لتونس على الصعيدين المغاربي والعربي الإسلامي[53]. إلى جانب التأكيد على قيمة اللغة العربية بصفتها اللغة الرسمية الأولى للتعليم الرسمي[54].

بيد أنّه في قانون سنة 2002 وفي برامج ما يعرف ب”مدرسة الغد” سيتمّ توسعة ذلك الانتماء الحضاري ليشمل البعدين الإفريقي والمتوسطي[55] فهل كانت تلك التطوّرات تعبيرا حقيقيا عن مراجعات نقدية لمهندسي المظومة التربوية التونسية؟

لئن كنّا نفضّل تأجيل تقييمنا إلى المحور الأخير من هذه الورقة البحثية، فإنّه لا بأس من الإشارة إلى أنّ تلك التحوّلات اقترنت بمستجدّات سياسية أكثر من أيّ شيء آخر. فمثلا في المرحلة الأولى تمّ انتهاج العلمنة الشاملة في إطار تحجيم دور المؤسّسات التقليدية وإحداث صدمة في البنى العميقة للمخيال الجمعي. أمّا في المرحلة التالية فقد حرصت السلطة التونسية على طمأنة المجتمع التونسي بخصوص المحافظة على هويته العقائدية واللغوية وصيانتها بعد دخولها في مواجهات مع ما يعرف ب”الإسلام الحركي”. أما في المرحلة الأخيرة فقد اندرجت الإشارة إلى الهوية المتوسطية ضمن المشروع المعروف بالاتحاد من أجل المتوسّط الذي طرحته فرنسا وإيطاليا بقيادة ساركوزي وبرلسكوني.

إجمالا تقوم علمنة التعليم في تونس على دعامتين مترابطتين:

تهمّ الدعامة الأولى مجانية التعليم وضرورة اضطلاع الدولة بمساعدة من لا تسمح لهم الظروف المادية بالالتحاق بالمدرسة العمومية[56]. وهي دعامة ظلّت ثابتة إلى حدود بداية الألفية الجديدة قبل استفحال انتشار التعليم الخاصّ بعد ذلك خاصّة إثر ما يعرف بالربيع العربي[57].

أمّا الدعامة الثانية فتهمّ دمقرطة التعليم من خلال الحرص على “إعداد الناشئة لحياة لا مجال فيها لأي شكل من أشكال التفرقة والتمييز أو الأصل الاجتماعي أو الهوية أو الدين”[58] مثلما تنبّه إلى ذلك حرفيا المنظومة القانونية المتحكّمة في العملية التربوية. كما نلمس نوعا من العدالة الاجتماعية من خلال التصريح بوجوب تسخير إمكانيات المجموعة الوطنية لمساعدة التلاميذ والطلبة المعوزين[59].

•الدولنة: دولنة التربية والمجتمع: لئن كان للدولنة عديد المعاني والدلالات، فإنّنا نعني بها في هذا المضمار احتكار برامج التغيير والإصلاح في المجال التربوي والاجتماعي. ولا شكّ أنّ ذلك الاحتكار لا يمكن أن يتمّ دون تحييد المؤسّسات القائمة[60]. وهو ما حدث بتونس إثر إصدار قانون توحيد التعليم سنة 1958.

تتجلّى مظاهر الدولنة في ممارسة الدولة لسلطة الأمر والنهي[61] في كلّ ما يخصّ المسألة التربوية والتعليم وتجديدهما ومن علامات ذلك نشير إلى ما يلي:

-تصوير الدولة بمثابة شمس مشرقة تشع على كلّ النواحي بما في ذلك المسألة التعليمية. إذ هي من يتحمّل مسؤولية التكفّل بمجانية التعليم ، بل حتّى توفير مأوى الإطارات الإدارية التربوية وبعض المدرّسين[62].

-استئثار ممثّلو السلطة التنفيذية بإسناد التراخيص حتّى على المستوى الجهوي من خلال سلطة الوالي ووكيل الجمهورية[63].

-الانفراد بممارسة المراقبة والعقاب سواء في منح التراخيص أو سحبها عند حلّ معاهد التعليم الخاصّ أو “الحرّ”[64].

لا يقتصر تأثير دولنة التربية والمجتمع على الجانب المادي وإنّما تشمل الجانب الرمزي، بل إنّ قوّة السلطة الرمزية أشدّ تأثيرا من السلطة المادية أحيانا[65]. إذ استهدفت صياغة نسق قيمي جديد محوره الثقافة التونسية وقوميتها في البداية ثم الانصهار الكامل في منظومة الثقافة الكونية والغربية تحديدا ضمن الحوار من أجل المتوسط وما يفرضه ذلك من تحديث كامل. ويمكن تلمّس ذلك من خلال مجلّة الطفولة التي تمنح للطفل التونسي حقوقا مماثلة للطفل الفرنسي[66].

إنّ السؤال الذي يطرح نفسه يتمثّل في هل كان مهندسو المنظومة التربوية التونسية يفكّرون في التحدّيات المحتملة على الأمدين المتوسّط والبعيد عند انتهاجهم لمبدإ دولنة التربية والمجتمع بصورة كليّة؟

يبدو هذا السؤال مهمّا في ظلّ ما كشفته التجربة التاريخية من استفحال أزمة قطاع التعليم وتفاقمها من سنة إلى أخرى وعجز الدولة عن مجابهة تكاليفه وتدنّي المستوى المادي للمربّين ممّا أثّر على مكانتهم الرمزية والاجتماعية وجعلهم على هامش المجتمع بعد أن كانوا إلى حدود بداية تسعينيات القرن الماضي في طليعة الطبقة المتوسطة ورمزا لقدرة التعليم على الارتقاء الاجتماعي بطلبته.

•البراغماتية: تحيل الفلسفة البراغماتية عادة على فلسفة جون ديوي [67]John Dewey. ولئن كان لا يعنينا في هذا السياق تفصيل ملامح هذه النزعة التربوية التي سادت حقبة من الزمن سواء في الولايات المتحدة أو في بعض الدول الأوروبية، فإنّه يتعيّن علينا الإشارة إلى أهمّ مؤشّرات النزعة النفعية في المنظومة التربوية التونسية. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى ثلاثة معطيات بارزة.

-ربط التربية بالقيمة: ليست التربية قيمة في حدّ ذاتها، وإنّما هي وسيلة لتحقيق ما يسمى ب”التنمية الشاملة”[68]. والواسطة في ذلك تكوين كفاءات ومهارات قادرة على الإيفاء بما تستوجبه “التنمية الشاملة”[69].

يعني ذلك في النهاية أنّ التربية مثل عدّة مفاهيم أخرى في الخطاب العربي مندرجة ضمن “استراتيجيا البدائل”[70]. ولا شكّ أنّ هذا التصوّر الأداتي أو التقني سيقلّص من فعاليتها وجدواها باعتبار أنّ التربية لا تكون إلا تربية على القيم قبل أيّ شيء آخر[71].

-ربط المعرفة بالتجربة: تشدّد مقرّرات البرامج الرسمية التونسية على قيمة التجربة في تحصيل المعرفة. إذ لم يعد العقل وحده مصدرا للمعرفة، وإنّما كذلك ما يكتسبه الفرد من خبرات تساعده على تملّك نزعة نقدية استدلالية عند تناول كلّ الفرضيات المحتملة. وقد جاء في قانون رقم 65 لسنة 1991 –على سبيل الذكر- ما نصّه “المساعدة على إذكاء الشخصية وتنمية ملكاتها وتكوين الروح النقدي والإرادة الفاعلة بحيث ينشأ المتعلّمون على التبصّر في الحكم والثقة بالنفس في السلوك وروح الإبداع والمبادرة في العمل”[72].

-القيم والخبرة: لئن لا يحضر الربط بين القيم والخبرة بطريقة مباشرة في المنظومة التربوية التونسية، فإنّ عديد القرائن تثبت ذلك الارتباط ومن بينها سطوة الطابع التجريدي عند الإشارة الخاطفة إلى القيم، إذ أضحت نتاجا للحراك الاجتماعي ولنوعية العلاقات الإنسانية أكثر من كونها ذات طابع ديني[73]. وكما هو معروف لا يمكن أن تتحقّق المواطنة إلاّ عبر تجارب وخبرات يتمّ في ضوئها الجمع بين الحقوق والواجبات في نطاق حرية مسؤولة.

حاولنا في المحور الثاني من هذه الورقة البحثية استقصاء أهمّ مرجعيات الفلسفة التربوية التونسية فميّزنا بين مرجعيتين: مرجعية غربية ومرجعية تونسية. ثم حاولنا في ما بعد استثمار تلك المرجعيات في استكناه أهمّ مرتكزات المنظومة التربوية التونسية فتعرّفنا على أهمّها شأن العقلانية والعلمانية والدولنة والبراغماتية. وقد كان الهدف من كلّ ذلك تحصيل مكتسبات تمكّننا من تقييم ما سميناه بالفلسفة التربوية التونسية تقييما واضحا لا لبس فيه. وهو ما سنقوم به في المحور الثالث من هذه الورقة البحثية.

ثالثا: حدود الفلسفة التربوية التونسية: إذا كان السؤال ينصبّ عادة عند الحديث عن فلسفة تربوية ما حول أسباب انتهاجها[74]، فإنّنا نخيّر تحوير السؤال وتعديله بالتساؤل حول مدى صحة الحديث عن فلسفة تربوية تونسية؟

يعود ذلك التحوير إلى الأسباب التالية:

-أوّلا: إنّ الحديث عن فلسفة تربوية مرتبطة ببلد ما أو مجال تداولي معيّن لا يصحّ إلاّ إذا ما ثبتت مراعاة خصوصيات ذلك البلد أو شروط نظام المعرفة في ذلك المجال التداولي. فهل توفّر في الفلسفة التربوية التونسية ذلك الشرط ومتفرّعاته؟

-ثانيا: تتالي القوانين المنظّمة للعملية التربوية التونسية بقدر ما عكست رغبة في التحديث والتطوير، فإنّها اقترنت بتردّي نتائج المنظومة التربوية من الناحية النوعية. وقد أفضى تتابع الإصلاحات وتلاحقها إلى التندّر أحيانا بالحديث عن “إصلاح الإصلاح” في بعض المنتديات الأكاديمية والاجتماعية.

-ثالثا: إذا كانت الفلسفة التربوية تفكيرا نقديا في المواضيع أكثر من كونها طرحا لمواضيع فلسفية[75]، فإنّنا خيّرنا تناولها في شكل ثنائيات تعكس مفارقات التجربة التونسية في التخطيط والتوجيه التربوي[76]. ونكتفي في هذا الصدد بالحديث عن مفارقتين بارزتين هما مفارقة التنظير والممارسة ومفارقة الواجب والحاصل.

أ-مفارقة التنظير والممارسة: لئن حرصت الرؤية التربوية التونسية على تحقيق جملة من الأهداف البيداغوجية والسلوكية والحضارية، فإنّ تقييمها في ضوء نتائج الحصاد المدرسي والجامعي تثبت البون الشاسع الفاصل بين تصوّرات المنظّرين وواقع المتعلّمين. ويمكن الاكتفاء بذكر المعطيات التالية:

-إلحاح مهندسي العملية التربوية على التوازن بين مختلف المواد “لتتكافأ فيها الطبيعيات والإنسانيات والتقنيات والمهارات والأبعاد المعرفية والأخلاقية والعملية”[77] مطمح مازال بعيد المنال في واقع التعليم التونسي على كلّ المستويات. ففي مستوى الزمن المدرسي[78] يجد الباحث في المسألة اختلالا صارخا في توزيع المواد الدراسية، بل أكثر من ذلك يتمّ أحيانا توزيع بعض المواد الدراسية بطريقة متنافرة لا تراعي الأهداف التربوية المعلنة ولا ترغّب المتعلّم في متابعتها باعتبار أنّ توزيع تلك المواد خضع أوّلا وقبل كلّ شيء لإمكانيات البنية الأساسية من توفّر قاعات الدرس الكافية ولضغوطات إعداد الجداول بما يتوافق مع انتظارات المربّين[79].

كما يمكن تفسير الأمر أيضا من خلال التباين الكبير بين محصول المتعلّم من مواد دون أخرى. إذ أنّ اختلاف الضوارب بين المواد من أسباب عزوف التلاميذ عن إتقان المواد الاجتماعية والاهتمام بها مثلا.

-تقرّ الوثائق الرسمية التونسية بقيمة اللغة العربية في مختلف مراحل التعليم التونسي بوصفها “أداة تواصل وتثقيف”[80] بما يمكّن من “استخدامها تحصيلا وإنتاجا في مختلف مجالات المعرفة”[81]. كما تشدّد على قيمة تعلّم اللغات الأجنبية وإتقانها في إغناء الثقافة الوطنية والاستفادة من الثقافة الإنسانية الكونية[82]. غير أنّ المعطيات المتوفّرة في مختلف مراحل التجربة التعليمية التونسية كشفت ضعفا مشينا لدى المتعلّمين التونسيين في التحصيل اللغوي سواء في اللغة العربية أو اللغة الفرنسية.

لا نرى مانعا في هذا الصدد من الإشارة إلى بعض الأرقام التي قدّمتها شخصيات تونسية لا يشكّ أحد في فاعليتها في القرار التربوي التونسي في تلك المرحلة التاريخية الراجعة لها بالنظر. إضافة إلى كونها صادرة عن مؤسّسات بحث رسمية شأن معهد علوم التربية ومركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التابعان لوزارة التربية أنذاك (سنة 1968)[83].

-سنة 1969 خمسون بالمائة (50℅) من الطلبة المرسّمين في السنة الأولى من كلية العلوم عاجزون عن متابعة الدروس، إذ يجدون صعوبة كبرى في الحديث والكتابة باللغتين العربية والفرنسية.

-أكّدت 23℅ من الفتيات و18℅ من الشبان فقط انتماءهم إلى الثقافة التونسية. بينما أكّدت 10℅ من الفتيات و31℅ من الشبان انتماءهم إلى الثقافة الفرنسية في حين اختلفت أجوبة الآخرين[84].

-إذا كان علماء النفس يؤكّدون على أنّ المرء إذا انفعل لجأ إلى لغته الأمّ فإنّ 32℅ من التلاميذ صرّحوا بأنّه عند انفعالهم ينطقون عبارات فرنسية.

-يجد 72℅ من التلاميذ صعوبات في الحديث بالعربية الفصحى. بينما لا يجد في الحديث باللغة الفرنسية إلا 50℅.

-يعاني 37℅ من التلاميذ صعوبات في الكتابة باللغة الفرنسية بينما نسبة الصعوبة في الكتابة باللغة العربية تصل إلى 60℅[85].

-تنزّل المنظومة التربوية التونسية النقد ضمن الكفاءات الأساسية المراد تكريسها وتعليم المتعلّمين عليها باعتبارها هدفا أساسيا منتظرا من تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانيات ككلّ[86]. بيد أنّ دراسة “الدين والتديّن في مناهج التعليم الرسمي”[87] –على سبيل المثال- تثبت محدودية مجالات التدريب على الفكر النقدي. إذ تنخرط منظومة البرامج في مماثلات بين القيم الدينية والقيم الحديثة الأمر الذي يتسبّب في تسطيح معرفي وتجعل من الكفاية النقدية ادّعاء لا يزّكيه الواقع المدرسي[88].كما يمكن التأكّد من صحّة هذا الرأي بالتثبّت من نوعية التاريخ المدروس في البرامج الرسمية. إذ يتمّ الاقتصار على ما تسميه البرامج الرسمية بـ”التاريخ المستنير”[89] لتونس، بينما كان من المفروض تدريس بقية الجوانب التاريخية الأخرى ليمارس المتعلّمون عملية النقد بأنفسهم ويطوّروا مهاراتهم فيها[90].

ب-مفارقة الواجب والحاصل: تعدّ هذه المفارقة امتدادا للمفارقة السابقة وتكملة لها ضمن علاقة الجزئي بالكلّي. فالتناقض بين التنظير والممارسة سيطرح إشكاليات أكبر تهمّ الرهانات الرسمية للسياسة العامة التي رامت بلوغها الدولة التونسية الحديثة في مرحلة ما بعد الاستعمار. ولا شكّ أنّ التساؤل حول مآل المدرسة العمومية وتحقيق التنمية الموعود بها أكثر الإشكاليات أهميّة عند تقييم الفلسفة التربوية التونسية.

لقد مرّ بنا في المراحل السابقة من هذه الورقة البحثية حرص المنظومة التربوية التونسية على خلق مدرسة عمومية ذات مهارات عالية “مواكبة لتكنولوجيا المعلومات”[91] ومنسجمة مع مختلف التطوّرات والمستجدّات بما فيها “المدارس الافتراضية”[92]. غير أنّ الحاصل لم يقتصر على تراجع مستوى المتعلّمين وجودة التعليم، وإنّما فقدت المدرسة العمومية قدرتها على تأمين مستقبل منظوريها وتأهيلهم التأهيل اللازم لمواجهة تحدّيات سوق الشغل والحياة بصفة عامة. وهو ما يفسّر تزايد الإقبال على التعليم الخاصّ[93] مثلما يثبته تطوّر الأرقام التي ضبطناها في الجدول التالي[94]:

جدول تطوّر الإقبال على التعليم الخاصّ بتونس.

السنوات الدراسية عدد المدارس الخاصّة عدد تلاميذ التعليم الخاصّ النسبة بالنظر لكل التلامذة
-1985-1986. -16. -6295. -510℅.
-2011-2012. -128. -28875. -272℅.
-2014-2015. -191. -أكثر من00040

يمكن تنزيل موجة الخصخصة التي اجتاحت التعليم التونسي ضمن ما بات يعرف ب”التسليع التربوي”[95] الذي لم يقتصر على بعث تعليم موازي خاصّ مغاير في بعض الأحيان للتعليم الرسمي كميا وكيفيا، وإنّما امتدّ إلى تحوّل في مكانة المربّين الرمزية والاجتماعية. إذ تشير عديد المعطيات إلى تنامي ما يعرف بظاهرة الدروس الخصوصية إلى حدّ قدّرت فيه تكلفتها على العائلات التونسية بما يفوق 70مليون دينار تونسي حسب تقديرات وزارة التربية التونسية[96].

بيد أنّ “التسليع التربوي” لا يمكن أن يُعزل عن الخيارات الاجتماعية والسياسية المتّبعة في تونس. إذ تعدّ خصخصة المدرسة التونسية نتيجة لانتهاج منوال اقتصادي منفتح انفتاحا كلّيا على اقتصاد السوق ممّا أفرز طبقة طفيلية لا همّ لها سوى تكديس الأموال والثروات المادية[97].

إضافة إلى كلّ ذلك تطرح ظاهرة الانتحار لدى الشباب التونسي سؤالا محيّرا عن جدوى المقاربات المعتمدة في الفلسفة التربوية وهندسة المناهج. فانتحار الشباب التونسي علامة بيّنة على فشل مشين في الرؤية التربوية قبل أي شيء آخر. ومن الغريب أنّه لم يتمّ التركيز على هذه المسألة في الخطاب التونسي إعلاميا وسياسيا وأكاديميا.

تعيدنا كلّ الإشارات المذكورة آنفا إلى التساؤل عن جوهر الرؤية التربوية: هل المراد من التعليم “دولنة المجتمع” وتحقيق التنمية في إطار تصوّر آلي للتعليم أم أنّ التعليم قبل كلّ شيء تربية على القيم؟ ومن هذا المنظور فلا يمكن أن يكون التعليم إلا “تشاركيا”[98] على حدّ تعبير المهدي المنجرة.  لاشكّ أنّ ذلك السؤال يحيلنا إلى سؤال أكبر يخصّ إلى أيّ مدى يختصر الإنسان في بعده المادي؟

خاتمة:

انطلقنا في معالجة إشكالية الفلسفة التربوية من افتراض محوري يقرّ باستحالة وجود منظومة تربوية دون رؤية فكرية أو فلسفية معيّنة حتّى في حالة عدم وجود نسق معرفي واضح تحتكم إليه تلك الرؤية أو الفلسفة.

وقد اقتضى استدلالنا على ذلك الافتراض تفريع الإشكالية إلى ثلاث محاور أساسية: -محور أوّل تمّ فيه تنزيل الإشكاليه في سياقها المعرفي والنظري. وركزّنا على ما يصلح لأن يكون مهادا نظريا للإشكالية المطروحة.

-محور ثان تحليلي حاولنا فيه استقراء تجلّيات الفلسفة التربوية التونسية من خلال البحث عن أهمّ المرجعيات والمرتكزات أو العناصر المؤسّسة.

-محور ثالث تأليفي نقدي حاولنا فيه استثمار مختلف النتائج المتوصّل إليها في المراحل السابقة وطرح أسئلة جديدة.

وإذا كان الاعتقاد راسخا في أنّ النسج على منوال الفلسفة التربوية الغربية والفرنسية تحديدا كفيل بتحقيق الأهداف المرسومة للبلاد التونسية، فإنّ النتائج التي أفضت إليها على مستوى الجودة واستفحال “التسليع التربوي” من سنة إلى أخرى تطرح أسئلة حول مدى الوعي بمفهوم التربية لدى النخبة التونسية. هل هي عملية آلية تنتهي بتحقّق التنمية أم هي قبل ذلك تربية على القيم وقضيّة تشاركية؟


[1] -Hameline (Daniel), Philosophie de l’education, EncyclopediaUniversalis, corpus 7, France S.A. 1993

[2]-القليبي (حمودة بن رجب)، وثيقة مراجعة حول هندسة المناهج التعليمية، البرنامج العربي لتطوير مناهج التدريس وتوظيف تقنيات المعلومات والاتّصال في التعليم، المركز الوطني للتكنولوجيات في التربية، تونس  2013، صص 8-19.

[3]-عبد الله عبد الدائم، نحو فلسفة تربوية  عربية الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000، صص 249-250.

[4] -Hameline, philosophie….,op.cit, p933.

[5]-انظر مثلا:                  – A. (de Peretti), Les Contradictions de la culture et de la pédagogie, L’Épi, Paris, 1969.

[6]-ترأّس كرسي علوم التربية بالسربون. راجع: – -Hameline, philosophie….,op.cit, p933.

[7] -Ibid.

[8]-أفلاطون، الجمهورية، تعريب حنا خبّاز، دار القلم، بيروت، (د-ت).

[9]– Kant ( Immanuel), Réflexions sur l’éducation, ., trad. et notes par Alexis Philonenko, Paris, Librairiephilosophique J. Vrin , 1996, pp40-41.

[10]  -Hameline, philosophie….,op.cit, p933.

[11]-نفضّل إرجاء التوسّع فيها إلى المحور الثاني من هذه الورقة البحثية.

[12]-يمكن مراجعة كتاب، حي ابن يقظان لابن سينا وابن طفيل والسهروردي، تحقيق وتعليق أحمد أمين، ط3، دار المعارف، القاهرة، 127ص.

[13]-طه عبد الرحمن، الحوار أفقا للفكر، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013.

[14] – (HERSCH)J., Le Droit d’être un homme, U.N.E.S.C.O., 1968.

[15] – Thodberg( Christian), . la conception de l’homme et du peuple, de l’éducation et de l’église chez Grundtvig,

à la lumière des préoccupations du monde,; trad. du danois par Jacques Piloz et Patrick Lavaud  Copenhague : Detdanskeselskab, institut danois d’information et et d’échanges culturels , 1989, p168.

[16] – Vial  (Francisque), Condorcet et l’éducation démocratique, Genève : Slatkinerepr. , 1970, p103.

[17]– Jolibert (Bernard), Montaigne : l’éducation humaniste, Paris : L’Harmattan , 2009, pp91-108.

[18] – Hamelinek Philosophie…, op.cit,  p933.

[19]– تسمية أطلقها عزمي بشارة في كتابه: العلمانية

[20]– لسنج، تربية الجنس البشري، ترجمة حسن حنفي، ط2، دار التنوير، بيروت، 2005، ص121.

[21]– لئن ترسّخ لدى عديد المطّلعين أنّ مفهوم “الثورة الثقافية” من إبداع “ماو” زعيم الثورة الصينية ونهضتها، فإنّ ستالين في الحقيقة هو صاحب هذا المصطلح. وقد استخدمه في سياق القضاء على كل المعارضين والناقدين لسياساته. راجع: جان فرانسوا ريفيل، رياح التغيير الجديدة، تعريب جواد مويساتي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص73.

[22] –Hamelinek Philosophie…, op.citk p933.

[23]-بيير بورديو وجان كلود باسرون،  إعادة الإنتاج في بيان نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة ماهر تريمش، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص346.

[24]هيقل،  العقل في التاريخ محاضرات في فلسفة التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، ط3، دار التنوير، بيروت، 2007، المج1، صص172-173,

[25]– بارك هيقل جهود فرنسا في هذا الصدد قبل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس، راجع المرجع السابق.

[26]– كثيرا ما يتحدّث الخطاب الرسمي التونسي عن توجيه أكبر نسبة من الميزانية (بين الثلث والعشر) للتربية والتعليم في وقت كانت تخصّص فيه أغلب الدول العربية مواردها للتسلّح.

[27]-عبد الباسط الغابري، صوت الطالب الزيتوني حركة ثقافية سياسية، ط1، مركز النشر الجامعي، تونس، 2011، ص 412.

[28]-سنذكر تلك المراجع بحسب سياق التحليل ولا نرى فائدة من ذكرها دفعة واحدة في هذه الإحالة.

[29]-راجع القانون رقم 118 لسنة 1958 مؤرّخ في 4نوفمبر 1958 الصادر بالرائد الرسمي يوم 14 نوفمبر 1958.

[30]-الفصل 25 من القانون المذكور آنفا. وتوجد له نظائر بقوانين 1991 و2002.

[31]-نور الدين الظاهري، وحدة نظرية التعلّم، درس مقدّم بالمركز الوطني لتكوين بتونس، السنة الدراسية (2015-2016 ).

[32]-المرجع السابق وانظر كذلك مؤلفات جان بياجيه، الابستمولوجيا التكوينية، ترجمة السيد تعادى، دار العالم الحديث، القاهرة، 2004.

-البنيوية، ترجمة عارف ميمه، دار عويدات، بيروت/باريس، 1992.

[33]-قامت على نقد تصوّرات بياجيه. راجع المرجع السابق. انظر كذلك: حسن حسين زيتون وكمال الدين زيتون، التعليم والتدريس من منظور البنائية، القاهرة، عالم الكتب.

[34]-الظاهري، م س.

[35]-راجع الفصل 1 من قانون رقم 65 لسنة 1991 مؤرّخ في 29 جويلية 1991، الرائد الرسمي، عدد 55، السنة 134، 6 أوت 1991، ص1150.

[36]-المنصف وناس، الدولة والمسألة الثقافية في تونس، ط1، دار الميثاق للنشر، 1989، ص56.

[37]-م ن، صص71-82.

[38]-يبرز ذلك في قانون سنة 1991 المذكور آنفا.

[39]– راجع الفصل الأوّل من قانون سنة 1991. وانظر كذلك الفصل 52 من القانون التوجيهي عدد 80 لسنة 2002، مؤرّخ في 23 جويلية 2002، الرائد الرسمي ، ص1158.

[40]-وهو ما يبرز في مشروع المتفقّد الفرنسي جان دوبياس انظر: -Debiesse (Jean), Projet de réforme de l’enseignement en Tunisie, Rapport donné en janvier 1958p1.

[41]-راجع الفصل الأوّل من قانون رقم 118 لسنة 1958.

[42]-راجع الفصل 57 من العنوان الثاني في الكفايات العامة المستهدفة من الباب الخامس في الإطار التربوي والإداري والأسرة التربوية،  قانون رقم 80 لسنة 2002، الرائد الرسمي، ص1919.

[43]-راجع الفصل 1 من قانون رقم 65 لسنة 1991. وكذلك الفصل 3 من قانون رقم 80 لسنة 2002.

[44]-راجع الفصل الثامن قانون رقم 80 لسنة 2002.

[45]-راجع الفصل 2 من قانون توجيهي رقم 80 لسنة 2002، م س.

[46]-الفصل8، م ن.

[47]-راجع الباب7 من قانون رقم80 لسنة 2002.

[48]-راجع الفصول 66 و67 و68 من الباب الثامن من القانون المذكور آنفا.

[49]-تسمية أطلقها عبد الوهاب المسيري.

[50]-راجع الفصل1 من قانون رقم 118 لسنة 1958.

[51]-م ن.

[52]-راجع عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، ط1، دار الشروق، القاهرة، 2002.

[53]-راجع الفصل1 من قانون رقم 65 لسنة 1991.

[54]-م ن، صن.

[55]-راجع الفصل3 من قانون رقم 80 لسنة 2002.

[56]-راجع –على سبيل الذكر- الفصل4 من قانون رقم 65 لسنة 1991.

[57]-انظر: عبد الباسط الغابري، الدين والتديّن في مناهج التعليم الرسمي، ضمن تقرير الحالة الدينية بتونس (2011-2015)، ط1، مؤمنون بلا حدود، الدار البيضلء، 2018.

[58]– الفصل4 من قانون رقم 65 لسنة 1991.

[59]-راجع الفصل3 من قانون رقم 118 لسنة 1958.

[60]-محمد عبد الباقي الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، ص125.

[61]-راجع من الفصل 40 إلى الفصل 45 من قانون رقم 118 لسنة 1958.

[62]-راجع الفصل30 من القانون المذكور.

[63]-الفصل50، م ن.

[64]-الفصل 57، م ن.

[65]-بيير بورديو، الرمز والسلطة، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، ط2، دار توبقال، المغرب، 1990.

[66]-من المعلوم أنّه خلال العقد الأزّل من الألفية الجديدة اندلع جدل كبير في مجلس النواب والمنتديات الاجتماعية حول تنقيح بعض فصول مجلة الطفل. انظر مثلا قانوا رقم41  لسنة 2010. http // legislation-securi

[67]-فيلسوف أمريكي من مؤلّفاته:-المدرسة والمجتمع، ترجمة أحمد حسن الرحيم، ط2، منشورات مكتبة الحياة، بيروت.

-التربية والديمقراطية، ط2، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1956.

[68]-راجع الفصل 1 من قانون رقم 65 لسنة 1991، م س، ص1165.

[69]-م ن، ص ن.

[70]-جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردّة تمزّقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، بيروت، 2000.

[71]-سنحاول التوسّع في ذلك خلال المحور الأخير من هذه الورقة البحثية.

[72]-راجع الفصل الأوّل من قانون رقم65 لسة 1991.

[73]-م ن، صن.

[74]– Pantillon (C), Une philosophie de l’éducation pour quoi faire ?, L’Âge d’homme, Lausanne, 1981.

[75]-راجع لطفي الحجلاوي، وحدة الفلسفة التربوية، درس قدّم بالمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية بتونس، السنة الدراسية (2015-2016).

[76]-يعرّف ديوي فلسفة التربية قائلا:” إنّ فلسفة التربية لا بدّ أن تصاغ في كلمات، أي في رموز، ولكن أكثر من أن تكون مجرّد ألفاظ فهي خطّة لتوجيه التربية لا بد أن تشكّل بما يتّفق مع ما يجب أن ينجز والطريق التي يجب أن يتمّ بها”. نقلا عن المرجع (الدرس) السابق.

[77]-راجع الفصل1 من قانون رقم65 لسنة 1991.

[78]-محمد الصالح الثابتي، في الزمن المدرسي، النشرة التربوية، عدد4، ديسمبر2004، ص8.

[79]-م ن، ص9.

[80]-راجع الفصل51 من قانون رقم80 لسنة 2002.

[81]-م ن.

[82]-م ن.

[83]-الغابري، صوت الطالب…، م س، ص411.

[84]-البشير بن سلامة:، أزمة التربية أزمة قيم لا تنمية، مجلّة الفكر، عدد5، فيفري 1973، ص9.

[85]-م ن، ص ن.

[86]-راجع الفصل1 من قانون رقم 65 لسنة 1991.

[87]-وهو موضوع بحثنا ضمن تقرير الحالة الدينية بتونس، م س.

[88]-م ن، مج1، صص246-253.

[89]-م ن، مج1، صص247-248.

[90]-م ن، مج1، صص 254-262.

[91]-راجع الفصل25 من قانون رقم80 لسنة 2002.

[92]-الفصل20، م ن.

[93]-إضافة إلى تدنّي البنية الأساسية والتجهيزات المرتبطة بها المدرسة العمومية.اعتمدنا الإحصائيات التي نشرها محمد العفيف الجعيدي، المدرسة العمومية ورياح الخصخصة القدرة على المقاومة. راجع الموقع الالكتروني: www.legal-ganda.com

[94]-م ن.

[95]-استقرّ هذا التعبير لدى عديد الباحثين أمثال الكسندر (Alexander1996) ودريسكول ويكس (Driscoll Wiks1998). راجع يزيد عيسى السورطي، السلطوية في التربية، م س، صص125-126.

[96]-الجعيدي، المدرسة العمومية، م س.

[97]-يزيد عيسى السورطي، السلطوية في التربية، سلسلة عالم المعرفة، ع 362، أفريل2009، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، ص135.

[98]-المهدي المنجرة، قيمة القيم، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، 2007، ص41.

جديدنا