الديانات.. من بدايات التاريخ ولغاية الحاضر المعاصر

image_pdf

لا بد من القول إن كتاب “تراثنا الروحي- من بدايات التاريخ  إلى الأديان المعاصرة” لسهيل بشروئي ومرداد مسعودي، ترجمة عن الإنكليزية محمد غنيم، الصادر عن دار الساقي، بمثابة الخطوة الأولى في مسار السعي إلى إيجاد أجوبة عن الأسئلة المطروحة بإلحاح، لا سيما عقب تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) التي أعادت المسألة الدينية إلى جذورها وأقامت جداراً جديداً بين الحضارتين الإسلامية والغربية، بعدما سعت حركات تنويرية إلى هدم هذا الجدار طوال عقود، كذلك يمكن اعتباره بمثابة النافذة التي تطل على تاريخ الأديان العالمية وعلى مبادئها ودعواتها بعمق ونزاهة علمية وموضوعية وحياد.

يحاول الكتاب في مقدمته وفصوله رسم برنامج جديد لدراسة مادة الأديان في إطار ما يعرف بحوار الأديان، خاصة في جامعات الغرب، ويناقش في الوقت ذاته ماهية الدين والحقيقة النهائية المطلقة ودوره في سبيل حياة روحية سليمة، لينتقل إلى مناقشة التعددية الدينية وأهمية حركة الحوار بين الأديان وتآلفها، خاصة أنَّ الانفتاح يلعب اليوم دوراً بالغ الأهمّيّة لتبديد الكراهية والتعصّب.

يرى المؤلفان ضرورة تغيير التفكير لدى البشر واجتياز أنماط الماضي من دورات الصراع القبلي والدخول في عصر الحاضر، ومن هذا المنظار يؤكِّد المؤلفان أنَّ تراث الإنسانية الروحي يفتح أمامنا سبيلاً ندلف عبره إلى صميم كل دين من أديان العالم الكبرى من وجهة نظر علاقة كل منها بالآخر واستقلاله عن غيره أيضاً، وبهذا يقدِّم الكتاب إسهاماً متميّزاً للتقارب بين الأديان.

شاء سهيل بشروئي ومرداد مسعودي وسائر الباحثين الذين قدّموا لهما العون في التأليف والكتابة (مايكل درتفيس، جيمس ماديبو ومايكل روسو)، أن يكون الكتاب موسوعة ميسرة في متناول القراء، لكن ما يميّزها، أنها أكاديمية المنحى، رصينة، عميقة في تحليلها، علمية في تأريخها، وقد تكون المراجع والمصادر المثبتة في صلب النصوص دليلاً على مرجعيتها العلمية التي لا تهاون حيالها، فالمراجع والمصادر لم تُجمع على الهامش، بل كانت جزءاً من النص.

ولعل السمة البارزة في الكتاب، وفي إمكان القارئ أن يستخلصها عندما ينهي قراءته، أنَّ نصوصه لا تنحاز إلى دين ودون آخر، ولا تبشر بدين أو تدافع عن عقيدة، ولا تفضل فلسفة دينية على فلسفة أخرى.

البحث عن المقدّس هو توق داخلي إلى التكامل والسمو والاتّحاد، والاهتمام بالمقدّس صفة لازمت حياة الإنسان منذ بداية التاريخ (المدوّن)، وهي تؤكِّد رسوخ البعد الروحاني في الطبيعة البشرية.

فالنظرة العامة للكون التي تتقاسمها الشعوب والأديان تمثذل “خريطة” للأساس المشترك الذي يقوم عليه التراث الديني في العالم، فالدين كلّ واحد، لا يمكن تجزئته، وكلما ازداد المرء تعمّقاً في فهم الدين تأكّدت له وحدة العالم الديني، ولعلّ هذا ما نادى به الحلاج، المتصوّف الإشكالي عندما تحدّث عن جدليَّة الجذر والفروع، وكذلك المتصوّف الكبير ابن العربي، الذي اختصر الأديان كلّها في “دين الحبّ”.

وما يجد التوقّف عنده هو أن المشتركات التي توحذد الأديان هي أكثر من الأمور التي تفرّق بينها، هذه حقيقة لا بدّ من الأخذ بها، ومن الأمور التي تساهم في هذا الفعل: الوحدة الأساسية للأسرة الإنسانية، المساواة، قدسية الإنسان، قيمة المجتمع الإنساني، المحبَّة، نكران الذات، التعاطف، الإخلاص، قوّة الروح، الخير، مناصرة الفقراء والمظلومين.

أمّا الأديان التي يتناولها الكتاب فهي: العقائد الروحية للشعوب الأول، الميراث الديني لمصر القديمة، المواريث الدينية لليونانيين القدامى، التراث الديني لأميركا الوسطى، الديانة الهندوسية، التراث الديني البوذي، الديانة اليانية أو الجانبية، الديانة السيخية، تعاليم لاو تزو، تعاليم كونفوشيوس، التراث الديني الشنتوي، التراث الديني الزردشتي، الدين اليهودي، الدين المسيحي، الدين الإسلامي، الدين البهائي.
يقع الكتاب في 592 صفحة من القطع الكبير.

جديدنا