كهنة داعش.. ضد الإسلام

image_pdf

سنة 2007، أصدرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكيَّة تقريراً تضمن نتائج تصويت لاختيار خمسة من أغبى فتاوى المسلمين في العالم. وهي فتاوى لعلماء مسلمين أثارت جدالاً واسعاً لدى المسلمين قبل غيرهم، وتدور حول أمور الجنس مثل رضاع الكبير، وتحريم بعض الرسوم والتكفير.. وقد تابعت الأقنية العربية هذا التقليد لسنوات لاحقة وأجرت بدورها مسابقات للاختيار بين أغبى الفتاوى التي باتت في تزايد مستمر ساهم بانتشارها التطور التكنولوجي الرقمي لوسائل الاتصال الحديثة. وأغلب من تبارى في إصدار هذه النوعية “المستغربة” من الفتاوى رموز ذات شأن عند أصحابها من التيار الديني السلفي أو الرسمي، الذين نالت مقالاتهم كافة أنواع السخرية والتهكم في الداخل قبل الخارج.. والمتأمل لما صدر من هذه الفتاوى التي وصفت مرة بالشاذة ومرة بأوصاف أخرى يتأكد- حقا- أن فئة من “العلماء” يمتلكون قدراً لا يستهان به من “الغباء”.

مع مطلع سنة 2014، ظهرت نسخة جديدة ونوعية من هذا الغباء، في صورة تنظيم نشأ من القاعدة .. “داعش”. كلمة صارت تختصر في حروفها كل معاني السلوك الوحشي والإجرامي في حق الإنسان باعتباره إنساناً مخالفاً لما هم عليه أو ليس على شاكلتهم.. بعدما مارسوا القتل والترويع و”السبي” في أبشع صوره مع مسلمين ومسيحيين ويزيديين و… ثم تفننوا في تسويق أعمالهم الإجرامية عبر وسائل الاتصال الرقمية إلى العالم، فصوروا أشرطة تظهر ذبح الأبرياء مرددين عبارات: “الله أكبر” “جئناكم بالذبح”.

كثيرون يرون أن الظاهرة صناعة مخابراتية دولية وإقليمية، لتختلف التحليلات بعد ذلك حول الأهداف ومن يدير ومن يساعد ومن المستفيد الأكبر. والحقيقة أن هذا المسار من التحليل رغم أهميته، لا يعنينا في قليل أو كثير نحن أبناء الوطن العربي، إذ لا يساعد في التشخيص الدقيق للمشكلة ومن ثم البحث عن حلول حقيقية لها، وعليه، فلا أهمية للتركيز على الأدوار الخارجية ما دامت سلعة داعش “الغباء” رائجة في أسواقنا. فمن هاله تصرفات صبية داعش وما يظهرونه من وحشية وبشاعة إجرام ومن نصرة مزعومة للإسلام ما عليه سوى أن يبحث عن جذورها عند من تصدروا قائمة أغبى الفتاوى ممن نوهنا عنهم من مشايخ و”علماء” بل إن المتفحص في هذا الارتباط بين فتاوى المشايخ التي تمثل الجانب النظري من التربية والفكر، وبين تصرفات الداعشيين وهم يمثلون الجانب التطبيقي العملي ليتأكد من ترابط الأمرين ترابط الصنعة بالصانع.

شاهد العالم كله كيف حمل قتلة داعش رؤوساً في أيديهم، ليرعبوا بها أعداءهم كما يزعمون، وهم في حقيقة الأمر يروجون لصورة عن الإسلام مخالفة للإسلام نفسه. ولكن وكيف وهم يرددون “جئناكم بالذبح؟” تلك المقولة المنسوبة زوراً لنبي الرحمة.

إن حالنا لن يتغير بالتهكم على أغبى فتاوى الكهنة حتى لو جاز ذلك لغيرنا، فالمسؤولية الدينية والأخلاقية لعلماء التنوير الإسلامي تقتضي جدية في العمل للوصول إلى الناس وتوعيتهم وتسليحهم بمهارات التفكير العقلي البرهاني الذي جاء به الإسلام بداية، لتحريرهم من الإسلام الذي صنعه الكهنة.. لذا أصبحت مهمة الإسلام اليوم تقتضي نفض غبار الماضي عنه والانعتاق والتحرر من إسلام الكهنة.

جديدنا